فلا يجوز تحصيل العجز و يجب عليه تحصيل المائية حتى الامكان مع عدم الوصول إلى حد الحرج .و تدل عليه ايضا روايات : منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبى عبد الله عليه السلام قال : سألت عن رجل أجنب في سفر و لم يجد الا الثلج أو ماءا جامدا ؟ فقال : هو بمنزلة الضرورة ، يتيمم و لا أرى ان يعود إلى هذه الارض التي يوبق دينه " ( 1 ) و الظاهر ان المراد من عدم وجدان الثلج و الماء الجامد عدم وجدان ما يتوضأ به لاما يتيمم به اختيارا ، كما زعمه صاحب الوسائل فحينئذ تدل على ان التيمم مصداق اضطرارى سوغ في حال الضرورة ، و يدل ذيلها على عدم جواز تحصيل الاضطرار اختيارا ، و ان الترابية ما وفت بما وفت المائية ، و الذهاب إلى تلك الارض لاجل تفويت التكليف الاعلى ، من قبيل هلاك الدين و تفويت ما يجب تحصيله .و منها ما دلت على وجوب شراء الماء على قدر جدته و لو بمأة ألف ، و كم بلغ قائلا و ما يشترى بذلك مال كثير ( 2 ) فان المتفاهم منها وجوب حفظ الموضوع و يرى العرف جواز إراقته بعد الشراء منافيا لها ، خصوصا مع قوله : ما يشترى بذلك مال كثير ، و الظاهر ان المراد ليس نفس الماء بل ما يترتب عليه من الخاصية ، و لو ترتبت تلك الخاصية بعينها على التراب لا يكون ذلك ما لا كثيرا ، مع كون وجوده و عدمه على السوآء ، و التعليل دليل على ان وجوب الشراء انما هو لتحصيل المصلحة الملزمة لا لكونه واجدا الماء ، حتى يتوهم عدم المنافاة بين وجوب شرائه و جواز إراقته لتبديل الموضوع ، و بالجملة لا شبهة في ان المتفاهم منها لزوم تحصيل الماء ، و كون الصلوة مع المائية مطلوبة حتى الامكان ، و انها الفرد الاعلى .و منها ما دلت على وجوب الطلب ( 3 ) و من الغرائب بل الباطل لدى العرف 1 - الوسائل أبواب التيمم ، ب 9 ، ح 9 2 - الوسائل أبواب التيمم ، ب 26 .3 - الوسائل أبواب التيمم ، ب 1
(8)
وجوب تحصيل الماء بالطلب و جواز إراقته بعد الوجدان ، و ان أمكن ان يقال ان الطلب واجب لتحصيل العلم بتحقق الموضوع ، فلا ينافى رفع الموضوع اختيارا ، لكنه احتمال عقلي لا يساعد عليه العرف ، بحسب ما يتفاهم من الروايات .نعم هنا روايات ظاهرها ينافى ما تقدم كرواية إسحاق بن عمار " قال : سألت ابا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتى أهله فقال : ما أحب أن تفعل ذلك الا أن يكون شبقا أو يخاف على نفسه " ( 1 ) .و عن السرائر نقلا من كتاب محمد بن على بن محبوب مثله و زاد : " قلت يطلب بذلك اللذة ؟ قال : هو له حلال ، قلت : فانه روى عن النبي صلى الله عليه و اله ان أبا ذر سأله عن هذا فقال : إيت أهلك تؤجر " الخ .بدعوى انها بالقاء الخصوصية عرفا أو بالاولوية تدل على جواز نقض الوضوء ايضا ، فتدل على ان الترابية و المائية سواء ، و رواية السكوني ( الموثقة برواية المفيد مع نحو اشكال فيها و هو احتمال الارسال ) " عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن أبى ذر رضى الله عنه ، انه أتى النبي صلى الله عليه و اله فقال : يا رسول الله هلكت ، جامعت على غير ماء ! قال : فأمر النبي صلى الله عليه و اله بمحمل فاستترنا به و بماء ، فاغتسلت انا و هي ثم قال : يا باذر يكفيك الصعيد عشر سنين " ( 2 ) .و الظاهر من ذيلها دفع توحش أبى ذر بانه هلك و عمل على خلاف التكليف ، و المتفاهم منه ان الصعيد لا ينقص عن الماء مطلقا و لا يختص الجواز بالجماع .و صحيحة حماد بن عثمان " قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل لا يجد الماء أ يتيمم لكل صلوة ؟ فقال : لا ، هو بمنزلة الماء " ( 3 ) .و صحيحة محمد بن حمران و جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث " قال : 1 - الوسائل أبواب التيمم ، ب 27 ، ح 1 2 - الوسائل أبواب التيمم ، ب 14 ح 12 .( 3 ) الوسائل أبواب التيمم ، ب 23 ، ح 2 .
(9)
ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا ( 1 ) .إلى ذلك كقوله : ان الله عز و جل جعلهما طهورا الماء و الصعيد ( 2 ) و ان رب الماء هو رب الصعيد ( 3 ) و ان التيمم أحد الطهورين ( 4 ) و ان التيمم بالصعيد لمن لا يجد الماء كمن توضأ من غدير ماء ، أ ليس الله يقول : " فتيمموا صعيدا طيبا " .( 5 ) أقول : مضافا إلى ترجيح الروايات الاولى الموافقة للكتاب و فتوى الاصحاب على ما حكى عن الحدائق : ان ما دلت على جواز الجماع مخصوصة بموردها ، و لا يتعدى منه و دعوى الاولوية أو إلقاء الخصوصية في محلها ، مع وجود الخصوصية في الجماع الذي هو من سنن المرسلين و التضييق فيه ربما يورث الوقوع في الحرام ، و لعل أبا ذر رضى الله عنه تخيل عدم صحة صلوته فقال : " هلكت " و رفع النبي صلى الله عليه و اله هذا التوهم بقوله : " يكفيك " فلا يدل ذلك على مساواة الترابية و المائية ، لان الكفاية و الاجزاء المساواة في المصلحة و المطلوبية ، و قوله : " هو بمنزلة الماء " ليس بصدد بيان عموم المنزلة حتى بالنسبة إلى المورد جزما ، بل الظاهر أنه بمنزلته في عدم وجوب الاعادة أو في الطهورية و الاجزاء ، و كذا ساير الروايات ليست بصدد التسوية بينهما من جميع الجهات ضرورة عدم التسوية التي تتوهم من ظاهرها بينهما ، و الا لكان التيمم سائغا مع وجدان الماء فلا يستفاد منها الا التسوية في أصل الطهورية و اجزاء الصلوة .و رواية العياشي ( 6 ) مع ضعفها بالارسال لا تدل الا على تسويتهما في تصحيح الصلوة بهما ، و لهذا استدل فيها بالاية الشريفة الظاهرة في صحة الصلوة به ، مع كونه 1 - الوسائل أبواب النميم ، ب 23 ، ح 1 2 - الوسائل أبواب التيمم ، ب 25 ، ح 2 3 - الوسائل أبواب التيمم ، ب 3 ، ح 2 4 - الوسائل أبواب التيمم ، ب 23 ، ح 5 5 - الوسائل أبواب التيمم ، ب 19 ، ح 6 ( 6 ) الوسائل أبواب التيمم ، ب 19 ، ح 6
(10)
طهاره اضطرارية ، فالأَقوى عدم جواز اراقة الماء و تحصيل الاضطرار في المورد المنصوص فيه .نعم يبقى اشكال و هو انه لو كان الامر كذلك لوجب الاكتفاء على قدر الضرورة و الاضطرار مع عدم إمكان الالتزام به لما سياتى من جواز البدار و جواز الاستيجار و الاستباحة لساير الغايات التي لا يضطر المكلف إليها ، و صحة الاقتداء بالمتيمم إلى ذلك مما لا يمكن الجمع بينها و بين القول بكون الطهارة الترابية اضطرارية ، و الغايات معها أنقص مما تحصل بالمائية بنحو يلزم مراعاته ، و لعله لذلك التزم المحقق ( ره ) في محكي معتبره بجواز الاراقة ، و هو كما ترى مخالف لظاهر الادلة كتابا و سنة و فتاوى الاصحاب ، كما ان الالتزام بلزوم الاكتفاء بمقدار الضرورة ممكن مخالف للادلة الاتية خصوصا في بعض الفروع .و قد التزم بعض أهل التحقيق بان للطهارة المائية من حيث هى لدى الاتيان بشيء من غاياتها الواجبة مطلوبية وراء مطلوبيتها مقدمة للواجبات المشروطة بالطهور و وجوب حفظ الماء ، و حرمة تحصيل العجز لاجل ذلك ، لا لكون لاجل المائية تصير واجدة لخصوصية واجبة المراعاة .و هو كما ترى ليس جمعا بين الادلة و تصحيحا لها ، بل هو طرح طائفة منها كظاهر الاية الشريفة الدالة على ان الطهارة بمصداقيها شرط للصلوة ، و لازمه كون الصلوة معهما مختلفة المرتبة ، كما يتضح بالتأمل في الاية ، و لا يجوز رفع اليد عن هذا الظاهر بلا حجة ، مع ان هذه المطلوبية النفسية خلاف ارتكاز المتشرعة و جميع الادلة .و الذى يمكن ان يقال في رفع الاشكال : أن الصلوة مع المائية أكمل منها مع الترابية بمقدار يجب مراعاته كما هو ظاهر الادلة المتقدمة ، و مع العجز تتحفق مفسدة واقعية مانعة عن عدم تجويز البدار و عدم تجويز ساير الغايات و هكذا ، فوجوب حفظ الماء لاجل وجوب تحصيل المصلحة اللزومية ، و بعد فقد الماء و عروض
(11)
العجز تجويز الاتيان بساير الغايات و تجويز البدار و غير ذلك لاجل التخلص عن مفسدة واقعية لازمة المراعاة ، و هذا الوجه و ان كان صرف احتمال عقلي لكن يكفى ذلك في لزوم الاخذ بالظواهر و عدم جواز طرحها كما لا يخفى .و اما الالتزام بحصول جهة مقتضية في ظرف الفقد ان توجب تسهيل الامر على المكلفين فغير دافع للاشكال ، لان الجهة المقتضية ان كانت مصلحة جابرة يجوز للمكلف تحصيل العجز ، و الا لا يعقل تفويت المصلحة بلا وجه تأمل .ثم انه لا فرق في جوب حفظ الطهور و عدم جواز تحصيل العجز بين قبل حضور زمان التكليف و بعده ، و ما يتخيل من الفرق بان التكليف متعلق بذى المقدمة قبل حضور الوقت ، أو فعلى ، أو منجز ، و المقدمة تابعة لذيها ، مسموع لما قلنا بعدم وجوبها شرعا ، بل وجوب الاتيان بها عقلي محض ، و على فرض وجوبها حديث تبعيتها لذيها لا أصل له ، بل يمكن تعلق الارادة الغيريه بها قبل تعلق الارادة بذيها بناءا على كون الوقت شرطا و عدم وجوب المشروط قبل شرطه ، لان مبادي تعلق الارادة الغيرية مبادي الارادة النفسية ، و التفصيل موكول إلى محله و لعله يأتى من ذي قبل بعض الكلام فيه .و كيف كان لا بد من ملاحظة حكم العقل ، و لا اشكال في ان العقل حاكم بعدم جواز تحصيل العجز عن تكليف يعلم بحضور وقته ، و حصول جميع ما يوجب الفعلية و التنجيز فيه ، فانه مع العلم بالغرض المطلق الاستقبالي لا يجوز عقلا تفويته بتعجيز نفسه ، بل لا يجوز تفويت المقدمة و لو مع احتمال حصول القدرة عند حضور وقت العمل .و اولى بذلك ما إذا كان واجدا في الوقت ، و ان احتمل الوجدان فيه ، فلا يجوز عقلا اراقة الموجود بمجرد احتمال تجدده بعد ذلك ، لحكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجز ، و احتمال التجدد ليس عذرا عند العقلاء ولدى العقل .و ما قيل من جريان البرائة عن التكليف المتعلق بهذه المقدمة بعد كون الشك في انحصارها و الشك في توقف ذي المقدمة على هذا الماء بالخصوص و الشك في وجوب حفظه .
(12)
وجيه لعدم وجوب المقدمة و عدم كون مخالفتها على فرض وجوبها موجبة لاستحقاق العقاب عليها فلا مجرى للبرائة فيها ، و اما ذو المقدمة فواجب مطلق منجز فرضا يجب عقلا الخروج عن عهدته ، و مجرد احتمال تجدد القدرة لا يوجب التعذير العقلي لو فرض عدم التجدد ، و الشاهد حكم العقل في نظائره ، فمن كان مكلفا بضيافة ضيف لمولاه ، و كانت موجبا ضيافته و أسبابها حاصلة لديه ، و احتمل عدم إمكان حصولها بعد ذلك احتمالا عقلائيا ، هل ترى من نفسك معذوريته في تفويت المقدمات ؟ و هل له الاعتذار باحتمال تجدد القدرة بل و ظنه به ؟ .فما اختاره بعض أهل التحقيق من جواز الاراقة حتى في الوقت باحتمال الوجدان بعد ذلك تمسكا بالبرائة سديد ، و مما ذكر تعلم حرمة إبطال الطهارة و نقض الوضوء مع العلم بعدم تمكنه أو الاحتمال العقلائي المعتد به ، سوء في ذلك قبل حضور الوقت و بعده .ثم أعلم ان المراد بحرمة نقض الوضوء أو وجوب حفظ الطهارة ليس الا عدم المعذورية بالنسبة إلى ما يفوت منه لاجل الطهارة المائية من التكليف النفسي ، و الا فترك التكليف الغيري على فرضه لا يوجب العقوبة ، بل لا يكون حفظ المقدمة واجبا شرعا ، و لا تفويتها حراما كذلك كما مر .إذا عرفت ما ذكر فالمباحث كما تقدم أربعة : المبحث الاول فيمن يشرع له التيمم ، و ان شئت قلت فيما يصح معه التيمم ، و هو أشخاص أو امور يحويهم المعذور عقلا أو شرعا عن الطهارة المائية أو يحويها العذر كذلك عنها ، و المراد من العذر هو ما بحسب الواقع لا الظاهر ، كالقاطع بعدم الماء مع وجوده فانه معذور عن الوضوء عقلا لكن لا يشرع له التيمم واقعا .و لعل ما ذكرنا أولى مما في القواعد حيث عد الشيء الواحد الجامع للمسوغات
(13)
هو العجز عن استعمال الماء فان العجز ان كان عقليا يخرج منه كثير من المسوغات و ان كان اعم من العقلي و الشرعى كما في الجواهر يخرج منه ايضا بعضها كالخوف على مال لا يجب حفظه ، أو بعض مراتب النفس ان قلنا بعدم حرمته ، و كباب المزاحمة مع الاهم ، فان فيها لا يعجز عقلا و لا شرعا ، اما عقلا فواضح و اما شرعا فلعدم الحرمة الشرعية فيها ، بل التحقيق عدم سقوط الامر عن المهم كما ذكرنا في باب التزاحم ، فحينئذ يكون التعبير عن الجامع بان المسوغ سقوط وجوب الطهارة المائية وجيه ايضا لعدم السقوط في موارد التزاحم ، و ان كان المكلف معذورا في تركه كما حقق في محله .و اما عنوان المعذور عقلا أو شرعا عن المائية فالظاهر جمعه لجميع المسوغات حتى ضيق الوقت ، فان في بعضها يكون العذر عقليا و فى بعض شرعيا و فى بعض شرعيا و عقليا ، و لا يهم البحث عنه ، و الاولى صرف عنان الكلام إلى مفاد الآية الكريمة ، ليعلم مقدار سعة دلالتها للاعذار .فنقول ان قوله : " و ان كنتم مرضى " لا يتفاهم منه عرفا ان للمرض موضوعية و استقلالا في تشريع التيمم ، بحيث يكون الحكم دائرا مدار عنوانه ، بل الظاهر منه هو المرض الذي يكون عذرا عند العقلاء من استعمال الماء ، و يكون الغسل و الوضوء منافيا له ، و مضرا بحال المريض دون ما لا يضره ، فضلا عما إذا كان نافعا .و يمكن ان يقال ان العرف كما يقيد المرض بذلك ، كذلك يلغى خصوصية عنوان المريض ، و يفهم منه ان الميزان هو العذر عن استعماله و لو لم يكن عذره المرض كالذي يكون كسيرا أو به جرح و قرح ، يكون استعماله مضرا بحاله ، فالمفهوم من الآية تشريع التيمم للمعذور عن استعمال الماء لمرض و شبهه ، و كذا لا يرى العرف خصوصية للسقر و موضوعية له ، بل يرى ان ذكره لاجل كون الابتلاء بالفقدان فيه غالبا ، خصوصا في الاسفار التي في تلك الازمنة و الامكنة .فما عن أبى حنيفة من ان الفقد ان في السفر يوجب التيمم لافي الحضر ليس بشيء كما لا يرى الخصوصية للمجئ من الغائط او لمس النساء ، بل يرى ان الميزان