يديه لاقصى الغاية ، إلى ان قال : فهو رجل غلاء كسماء اى بعيد الغلو بالسهم ، و السهم ارتفع في ذهابه و جاوز بالمدى ( اى الغاية ) .و فى المنجد غلا يغلو غلوا و غلوا السهم و بالسهم : رمى به أقصى الغاية ، غالا غلاء و مغالاة السهم و بالسهم : رمى به أقصى الغاية إلى أن قال : الغلوة المرة من غلا الغاية و هي رمية سهم أبعد ما تقدر عليه المغلى ، و المغلاة سهم يغلى به اى يرمى به أقصى الغاية .و الظاهر ان الغليان و الغلو في باب المبالغة و الغلاء في السعر كلها من هذا الباب و هو التجاوز إلى أقصى الغاية .نعم في مجمع البحرين و فى الحديث ذكر الغلوة و هي بالفتح : مقدار رمية سهم ، الظاهر منه انها لغة كذلك و قد عرفت ما في اللغة ، و لا يبعد ان يكون استعمالها في مطلق رمية بنحو من التوسع ، و الا ففى كل مورد استعملت تكون بالمعني المعروف المتقدم ، بل لا يبعد أن تكون الغالية المركبة من عدة من الطيب ايضا بلحاظ المعنى المتقدم هذا حال اللغة .و اما الفقهاء فقد اختلفت كلماتهم : فمنهم من قدر المقدار برمية سهم كالشيخ في نهايته و عن مبسوطة ، و عن المفيد و أبى الصلاح مثله ، و فى الوسيلة و الغنية و اشارة السبق كذلك .و منهم من قدرة بغلوة سهم أو غلوتين كالمراسم ، و عن ابن إدريس وحده ما وردت به الروايات و تواتر به النقل في طلبه ، إذا كانت الارض سهلة غلوة سهمين ، و إذا كانت حزنة فغلوة سهم ، و فى الشرايع و النافع و القواعد و الارشاد التعبير بالغلوة و الغلوتين ، و عن المعتبر و التقدير بالغلوة و الغلوتين رواية السكوني و هو ضعيف ان الجماعة عملوا بها ، و منه يظهر عمل الجماعة بها بمالها من التعبير ، و الظاهر ان التفسير بالرمية والرميتين اجتهاد منهم ، ضرورة انه لا يكون في الباب رواية السكوني و مرسلات الحلى ، و فيها الغلوة و الغلوتين ، فلا يكون دليل على
(22)
الثالث : ما هو المراد من عدم وجدان الماء ؟
الرمية والرميتين ، و لهذا ترى ان بعضهم فسرت الغلوة بالرمية .قال في كشف الغطاء : الغلوة الرمية بالسهم المتوسط في القوس المتوسط من الرامي المتوسط ، مع الحالة المتوسطة في الهواء المتوسط ، و الوضع المتوسط و الجذب و الدفع المتوسطين .و فى المسالك الغلوة مقدار الرمية من الرامي المعتدل بالالة المعتدلة .و مثلهما ما في بعض كتب من قارب عصرنا ، و قد عرفت ان هذا التفسير مخالف لللغة بل العرف ، فالمعتبر في الرمى هو إلى أقصى الغاية و أبعد ما يكون مقدورا ، نعم يعتبر في الرامي و الالة و غيرهما المتوسط المتعارف لانه المتفاهم من التحديدات كالشبر و الذراع و هكذا .لكن الاشكال في المقام هو عدم إمكان تعيين المقدار خارجا لعدم تداول الرمى في هذه الاعصار ، و ما هو المعتبر هو الغلوة و الغلوتين من الرامي المتدرب في الفن ، كما كان في عصر صدور الرواية ، و معلوم ان الرامي الذي فنه ذلك يرمى بما لا يمكن لغيره ( فح ) لا محيص عن الاحتياط و الاخذ بالمقدار المحتمل العقلائي ، فان الدليل على الوجوب ليس رواية السكوني حتى يقال بعدم الوجوب الا بمقدار متيقن فينفى الزائد بالاصل ، بل يحكم العقل بالوجوب إلى ان يحرز المعذر مضافا إلى ان شرع التيمم معلق على عدم الوجدان ، فلا بد من إحراز موضوعه لدى الشك ، الثالث : لا شبهة في ان المتفاهم عرفا من الآية الكريمة و لو بسبب مناسبة الحكم و الموضوع و ما هو مرتكز في الذهن ، ان المراد بعدم الوجدان هو عدم وجدان ما يمكن أن يستعمل في الوضوء و الغسل ، بل هو الظاهر من قوله : " فلم تجدوا " بعد قوله : " إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا الخ " " و ان كنتم جنبا فاطهروا " فعدم الوجدان أعم من عدم الوجود واقعا ، و من الوجود مع عدم العثور و عدم التقصير في الفحص بالمقدار المأثور .فلا يكون الموضوع في تشريع التيمم عدم الماء فقط ، و لا يكون عنوان عدم
(23)
الوجدان معتبرا فيه حتى يقال لازم الاول بطلان التيمم لو كان الماء موجودا واقعا مع عدم العثور عليه و لو بعد الفحص الكامل ، و لازم الثاني عدم الصحة حتى مع العلم بعدم الماء حتى مع موافقته للواقع ، بل لا بدله من الضرب في الارض بالمقدار المأثور حتى يصير الفقد ان وجدانيا ، للفرق بين العلم بالعدم و عدم الوجدان ، فان الاحتمالين خلاف المتفاهم العرفي ، فان الطلب المتفاهم من قوله : " فلم تجدوا " لاجل تحقق موضوع تشريع التيمم ، و هو عدم الماء الذي يمكن عقلا و شرعا استعماله في الطهارة ، فإذا علم بعدم وجوده علم بتحققه ، فلا وجه بعد للطلب كما انه لو طلب الغلوة أو الغلوتين ، و لم يجد يتحقق الموضوع و هو عدم الماء الذي يمكن له استعماله خارجا للعجز عن استعمال مالايعثر عليه .فتحصل مما ذكر أن عدم الماء الكذائي موضوع لشرع التيمم ، فإذا تفحص قبل الوقت أوفى الوقت و علم بعدم الماء يستصحب إلى زمان قيام الامارة على وجوده و هو يحرز ما هو موضوع من فرق بين قبل الوقت و بعده ، بل و لا بين الارتحال من مكان الطلب و العود اليه و بين عدمه ، و من فرق بين صلوة واحدة و صلوات عديدة ، فما عن المحقق في المعتبر و العلامة و الشهيد من عدم الاعتداد بالطلب قبل الوقت بل يجب إعادته الا أن يعلم استمرار العدم الاول ، فغير وجيه .و ان استدل عليه في الجواهر تارة بظاهر ما دل على وجوبه من الاجماعات و غيرها و هو لا يتحقق الابعد الوقت ، و اخرى بان صدق عدم الوجدان يتوقف عليه سيما بعد ظهور الاية الدالة على اشتراطه في إرادة عدم الوجدان عند إرادة التيمم للصلوة ، و ثالثة بصحيحة زراة المتقدمة ، و رابعة بانه لو اكتفى به قبل الوقت لصح الاكتفاء به مرة واحدة للايام المتعددة و هو معلوم البطلان ، و خامسة بان المنساق إلى الذهن من الادلة إرادة الطلب عند الحاجة إلى الماء ، ثم استشكل في الاستصحاب بانه لا يعارض ما ذكرنا من ظهور الادلة في شرطية الطلب أن يكون بعد الوقت " انتهى ملخصا " .و فيه ما لا يخفى فان الوجوب لا يكون شرعيا بل يكون عقليا محضا ، لاجل حفظ
(24)
المطلوب المطلق و لا دليل غيره على الوجوب ، فضلا عن استفادة الوجوب الشرعي منه ، لعدم ثبوت غير ما هو حكم العقل من الاجماعات ، لعدم كشفها عن دليل آخر مع وجود حكم العقل ، و احتمال استفادتهم الوجوب من الادلة اللفظية ايضا ، و اما صحيحة زرارة فقد عرفت لزوم حملها على الاستحباب ، و عرفت حال رواية السكوني من عدم دلالتها على الوجوب .و اما الاية فلا يدل ذيلها اى قوله " فلم تجدوا " على وجوب الطلب ، بل يدل على شرطية عدم الوجدان لشرع التيمم ، نعم هو ظاهر في عدم الوجدان في الوقت و قد عرفت ان الموضوع عدم الماء في الوقت و هو يحرز بالاستصحاب ، و يكون الاصل حاكما على الاية ، و محققا لموضوع وجوب التيمم و مشروعيته ، فلا دليل على وجوب الطلب بنحو يقدم على الاستصحاب و هو حاكم أو وارد على حكم العقل .و اما النقض بلزوم الاكتفاء بالطلب مرة لصلوات عديدة ، و دعوى معلومية بطلانه فلا يتضح وجهها بعد جريان الاستصحاب و إحراز موضوع التيمم ، فالأَقوى بحسب القواعد كفاية الطلب الواحد مطلقا سواء كان قبل الوقت أو بعده ، و سواء كان تجدد الماء محتملا أو مظنونا نعم مع قيام الامارة المعتبرة أو الوثوق بالتجديد يجب الطلب و ينبغي الاحتياط مطلقا .و مما ذكرنا يظهر حال وجوب الطلب فانه عقلي محض مرتبط بالتيمم ، بل هو لاجل إحراز العذر عن ترك المطلوب المطلق اى الصلوة مع المائية ، و ليس في المقام دليل لفظى يدل على الوجوب حتى يبحث عن كونه نفسيا أو شرطيا أو غيريا كما عرفت ، و لو سلم دلالة مثل رواية السكوني على وجوبه أو عدم حمل صحيحة زرارة على الاستحباب فلا شبهة في عدم دلالتهما على الوجوب النفسي ، لظهور الاوامر في مثل المقام على الارشاد ، اما إلى الشرطية أو إلى حكم العقل ، فاحتمال النفسية في غاية الضعف .و احتمال الوجوب الشرطي ايضا ضعيف لان الظاهر من قوله في الصحيحة : " إذا
(25)
الرابع : اذا تيمم وصلى في سعة الوقت مع اخلاله بالطلب
لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل الخ " ان وجوب الطلب انما هو لتحصيل الماء لا لتحقق موضوع التيمم ، و ان التيمم مشروع عند خوف فوت الوقت و شرطه ذلك لا الطلب ، و قوله في رواية السكوني " يطلب الماء في السفر " ظاهر في ان الطلب واجب لتحصيل الماء لالشرطيته للتيمم ، و قد مر تحقيق مدلول الآية .فتحصل من جميع ذلك ان الروايات بناءا على تسليم دلالتها على الوجوب إرشاد إلى حكم العقل ، أو تحديد لما يحكم به كما مر في رواية السكوني .الرابع : إذا أخل بالطلب و تيمم وصلى مع سعة الوقت ففى الجواهر بطلانه قطعا و إجماعا منقولا ان لم يكن محصلا ، لما دل على اشتراط صحته به ، و لا فرق بين ان يصادف عدم الماء بعد الطلب و عدمه .أقول : اما دعوى الاجماع في مثل هذه المسألة الفرعية الاجتهادية المتراكمة فيها الادلة العقلية و النقلية فغير وجيهة ، و اما ادلة الاشتراط المدعاة فقد تقدم عدم دلالتها على اشتراط الطلب ، بل الظاهر من الادلة ان عدم الماء الذي يمكن استعماله في الوضوء و الغسل اما لفقده أو لعدم وجدانه موجب لانقلاب المائية بالترابية من دخالة للطلب موضوعا ، و لا لعنوان عدم الوجدان ، اى هذا الامر الانتزاعي فيه ، و لهذا لو علم بعدم الماء لا يجب عليه الطلب و ان لم يصدق عدم الوجدان عليه ، لانه عنوان منتزع من عدم العثور عليه بالقوي الجزئية كالبصر ، و مع فرض عدم وجوب الطلب مع العلم بعدم الماء لا محيص عن القول بان عدم الماء واقعا موضوع للانقلاب و الالزم موضوعية العلم و لو بنحو جزء الموضوع و هو كما ترى خلاف ارتكاز العقلاء و المتفاهم من الادلة فيكون عدم الماء واقعا تمام الموضوع للانقلاب ، و ان جهل المكلف فلزوم الطلب عقلا أو شرعا لاحراز الواقعة لا لتحقق الموضوع ، فلو كان الماء موجود في محل الطلب أو كان بوجه لا يهتدى اليه لو طلبه صح تيممه و صلوته ، اما إذا كان بحيث لم يوجد إلى آخر الوقت فظاهر بما مر .
(26)
و اما إذا حدث بعد الصلوة فلا طلاق الآية فان الظاهر من صدرها انه إذا قام المكلف إلى الصلوة يجب عليه الوضوء أو الغسل و لو في سعة الوقت ، و مقتضى عطف المرضي و المسافر الفاقد عليه جواز التيمم في السعة ، و بعد ما علم ان المراد بعدم الوجدان عدم الاهتداء إلى ما يمكن استعماله تمت الدالالة على صحة التيمم و الصلوة ، لتحقق الموضوع ، و ظهور الآية في الاجزاء .و يمكن الاستدلال على المطلوب بما دل على عدم وجوب الاعادة لو وجد بعد الصلوة مع بقاء الوقت ، كصحيحة زرارة " قال : قلت لابى جعفر عليه السلام : فان أصاب الماء و قد صلى بتيمم و هو في وقت ؟ قال : تمت صلوته و لا إعادة عليه " ( 1 ) و مثلها غيرها و هي و ان كانت في مقام بيان حكم آخر لكن يستفاد منها ان من كان تكليفه التيمم فصلى بتيمم لا اعادة عليه و ان وجد الماء في الوقت و لو اخل بالطلب حتى ضاق الوقت تيمم وصلى و لا قضاء عليه ، و عن المدارك انه المشهور ، و عن الروض نسبته إلى فتوى الاصحاب و فى الجواهر انه الاظهر الاشهر .و يمكن استفادته من الآية بمناسبات مغروسة في الاذهان بان يقال : ان المراد من عدم وجدان الماء عدم وجدان ما يمكن استعماله مع حفظ الوقت ، و الا فلو لم تلاحظ مصلحة الوقت أو كانت مصلحة المائية مقدمة على مصلحته لم يشرع التيمم مع عدم الوجدان ، ضرورة ان عدمه لم يستمر إلى آخر العمر ، فإيجاب التيمم مع الفقد لاجل عدم فوت الصلوة و حفظ مصلحة الوقت ، فالمراد بعدم الوجدان عدم وجدان ما يغتسل و يتوضأ به في الوقت ، و مع الضيق يكون فاقدا للماء الكذائي و ان كان واجدا للطبيعة ، و الظاهر من تعليق الحكم عليه انه تمام الموضوع للتبديل من دخالة شيء آخر .و دعوى الانصراف إلى ما لا يكون سببه المكلف عصيانا ، في محلها لان الظاهر منها ان الترابية مع فقد الماء طهور قائمة مقام المائية من دخالة لاسباب الفقد فيه بل المناسبات المغروسة في الذهن توجب الغاء بعض القيود لو كان في الكلام و معه لا 1 - الوسائل أبواب التيمم ، ب 14 .ح 9 .
(27)
الخامس : ما هو موضوع انقلاب التكليف بالترابية ؟
معنى لدعوى الانصراف .و تدل عليه ايضا صحيحة زرارة المتقدمة عن أحدهما عليهما السلام " قال : إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل " الخ ( 1 ) فان وجوب الطلب ما دام في الوقت على فرضه لاجل تحصيل الماء لا لاشتراط التيمم به ، و قوله : " فإذا خاف " الخ ظاهر في ان خوف الفوت سبب و موضوع تام لوجوب التيمم من اى سبب حصل ، فلو أراق الماء أو قصر في الطلب أو ترك الوضوء بالماء الموجود حتى خاف الفوت يجب عليه التيمم و تتم صلوته و لا قضأ عليه لظاهر الصحيحة ، بل يستفاد ذلك من مجموع الادلة ، فانه يعلم منها ان للوقت منزلة لدى الشارع ليس لغيره و ان الصلوة لا تترك بحال .و ما قيل ان التيم في هذه الحال يمكن أن يكون مبغوضا فضلا عن أن يقع عبادة فاسد ، فان المبغوض هو ترك الصلوة مع المائية لا اتيانها مع الترابية و لا الطهارة الترابية لعدم وجه لمبغوضيتهما .و مما ذكرنا يتضح عدم وجوب الاحتياط بدعوى تردد المكلف به المعلوم بالاجمال لما عرفت من التكليف بالترابية و اجزائها .الخامس : قد مر أن الموضوع لانقلاب التكليف بالترابية هو عدم الاهتداء إلى ما يمكنه الاستعمال ، و ان شئت قلت : كون الواقعة بحيث لا يهتدى المكلف بماء يمكنه استعماله عقلا و شرعا ، أو قلت : عدم الوجدان الاعم من عدم الوجود للماء الكذائي ( فح ) نقول : لو تفحص عن الماء بما قرره الشارع و لم يقصر فيه صح تيممه و صلوته ، و لو كان الماء موجودا بحسب الواقع لتحقق موضوع الانقلاب ، و اما لو قطع بعدم الماء أو عدم الاهتداء اليه أو قامت البينة على عدمه ، أو عدم الاهتداء به بطلا لعدم تحقق الموضوع لعدم كون الواقعة بحيث لا يهتدى بالماء فهو واجد للماء ، و ان كان قاطعا بعدمه و غير معذور واقعا ، و ان كان معذورا ظاهرا و غير معاقب على ترك الصلوة مع المائية ، فيجب عليه الاعادة و كذا يجب الاعادة على الناسي لماء في رحله ، سواء طلب في خارجه غلوة 1 - الوسائل أبواب التيمم ، ب 14 ، ح 2 .