مبيح و لامر خص و لا شبهة الاباحة و نعنى بصورة الاكل و الشرب و معناهما إيصال ما يقصد به التغذي أو التداوى إلى جوفه من الفم لان به يحصل قضأ شهوة البطن على سبيل الكمال و نعنى بصورة الجماع و معناه إيلاج الفرج في القبل لان كمال قضأ شهوة الفرج لا يحصل الا به و لا خلاف في وجوب الكفارة على الرجل بالجماع و الاصل فيه حديث الاعرابى و هو ما روى ان أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال يا رسول الله هلكت و أهلكت فقال ماذا صنعت قال واقعت إمرأتي في نهار رمضان متعمدا و أنا صائم فقال أعتق رقبة و فى بعض الروايات قال له من عذر و لا سفر قال نعم فقال أعتق رقبة و اما المرأة فكذلك يجب عليها عندنا إذا كانت مطاوعة و للشافعي قولان في قول لا يجب عليها أصلا و فى قول يجب عليها و يتحملها الرجل وجه قوله الاول أن وجوب الكفارة عرف نصا بخلاف القياس لما نذكر و النص ورد في الرجل دون المرأة و كذا ورد بالوجوب بالوطي و انه لا يتصور من المرأة فانها موطوءة و ليست بواطئة فبقى الحكم فيها على أصل القياس وجه قوله الثاني أن الكفارة انما وجبت عليها بسبب فعل الرجل فوجب عليه التحمل كثمن ماء الاغتسال و لنا أن النص و ان ورد في الرجل لكنه معلول بمعنى يوجد فيهما و هو إفساد صوم رمضان بإفطار كامل حرام محض متعمدا فتجب الكفارة عليها بدلالة النص و به تبين انه لا سبيل الي التحمل لان الكفارة انما وجبت عليها بفعلها و هو إفساد الصوم و يجب مع الكفارة القضاء عند عامة العلماء و قال الاوزاعى ان كفر بالصوم فلا قضأ عليه و زعم أن الصومين يتداخلان و هذا سديد لان صوم الشهرين يجب تكفيرا زجرا عن جناية الافساد أو رفعا لذنب الافساد وصوم القضاء يجب جبرا للفائت فكل واحد منهما شرع لغير ما شرع له الآخر فلا يسقط صوم القضاء بصوم شهرين كما لا يسقط بالاعتاق و قد روى عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر الذي واقع إمرأته ان يصوم يوما و لو جامع في الموضع المكروه فعليه الكفارة في قول أبى يوسف و محمد لانه يجب به الحد فلان تجب به الكفارة أولى و عن أبى حنيفة روايتان روى الحسن عنه أنه لا كفارة عليه و روى أبى يوسف عنه إذا توارت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل و عليه القضاء و الكفارة وجه رواية الحسن انه لا يتعلق به وجوب الحد فلا يتعلق به وجوب الكفارة و الجامع أن كل واحد منهما شرع للزجر و الحاجة إلى الزجر فيما يغلب وجوده و هذا يندر و لان المحل مكروه فاشبه وطء الميتة وجه رواية أبى يوسف ان وجوب الكفارة يعتمد إفساد الصوم بإفطار كامل و قد وجد لوجود الجماع صورة و معنى و لو أكل أو شرب ما يصلح به البدن اما على وجه التغذي أو التداوى متعمدا فعليه القضاء و الكفارة عندنا و قال الشافعي لا كفارة عليه وجه قوله ان وجوب الكفارة ثبت معدولا به عن القياس لان وجوبها لرفع الذنب و التوبة كافية لرفع الذنب و لان الكفارة من باب المقادير و القياس لا يهتدى إلى تعيين المقادير و انما عرف وجوبها بالنص و النص ورد في الجماع و الاكل و الشرب ليسا في معناه لان الجماع أشد حرمة منهما حتى يتعلق به وجوب الحد دونهما فالنص الوارد في الجماع لا يكون واردا في الاكل و الشرب فيقتصر على مورد النص و لنا ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من أفطر في رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر و على المظاهر الكفارة بنص الكتاب فكذا على المفطر متعمدا و لنا أيضا الاستدلال بالمواقعة و القياس عليها اما الاستدلال بها فهو ان الكفارة في المواقعة وجبت لكونها إفسادا لصوم رمضان من عذر و لا سفر على ما نطق به الحديث و الاكل و الشرب إفساد لصوم رمضان متعمدا من عذر و لا سفر فكان إيجاب الكفارة هناك إيجابا ههنا دلالة و الدليل على ان الوجوب في المواقعة لما ذكرنا وجهان أحدهما مجمل و الآخر مفسر أما المجمل فالاستدلال بحديث الاعرابى و وجهه ما ذكرناه في الخلافيات و اما المفسر فلان إفساد صوم رمضان ذنب و رفع الذنب واجب عقلا و شرعا لكونه قبيحا و الكفارة تصلح رافعة له لانها حسنة و قد جاء الشرع بكون الحسنات من التوبة و الايمان و الاعمال الصالحات رافعة للسيئات الا ان الذنوب مختلفة المقادير و كذا الروافع لها لا يعلم مقاديرها الا الشارع للاحكام و هو الله تعالى فمتى ورد
(99)
الشرع في ذنب خاص بإيجاب رافع خاص و وجد مثل ذلك الذنب في موضع آخر كان ذلك إيجابا لذلك الرافع فيه و يكون الحكم فيه ثابتا بالنص لا بالتعليل و القياس و الله أعلم وجه القياس على المواقعة فهو ان الكفارة هناك وجبت للزجر عن إفساد صوم رمضان صيانة له في الوقت الشريف لانها تصلح زاجرة و الحاجة مست إلى الزاجر اما الصلاحية فلان من تأمل انه لو أفطر يوما من رمضان لزمه إعتاق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا لامتنع منه و لنا الحاجة إلى الزجر فلوجود الداعي الطبعي إلى الاكل و الشرب و الجماع و هو شهوة الاكل و الشرب و الجماع و هذا في الاكل و الشرب أكثر لان الجوع و العطش يقلل الشهوة فكانت الحاجة إلى الزجر عن الاكل و الشرب أكثر فكان شرع الزاجر هناك شرعا ههنا من طريق الاولى و على هذه الطريقة يمنع عدم جواز إيجاب الكفارة بالقياس لان الدلائل المقتضية لكون القياس حجة لا يفصل بين الكفارة و غيرها و لو أكل ما لا يتغذى به و لا يتداوى كالحصاة و النواة و التراب و غيرها فعليه القضاء و لا كفارة عليه عند عامة العلماء و قال مالك عليه الكفارة لانه وجد الافطار من عذر و لنا ان هذا افطار صورة لا معنى لان معنى الصوم و هو الكف عن الاكل و الشرب الذي هو وسيلة إلى العواقب الحميدة قائم و انما الفائت صورة الصوم الا انا ألحقنا الصورة بالحقيقة و حكمنا بفساد الصوم احتياطا و لو بلع جوزة صحيحة يابسة أو لوزة يابسة فعليه القضاء و لا كفارة عليه لوجود الاكل صورة لا معنى لانه لا يعتاد أكله على هذا الوجه فاشبه أكل الحصا و لو مضغ الجوزة أو اللوزة اليابسة حتى يصل المضغ إلى جوفها حتى ابتلعه فعليه القضاء و الكفارة كذا روى ابن سماعة عن أبى يوسف لانه أكل لبها الا انه ضم إليها ما لا يؤكل عادة و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه لو أكل لوزة صغيرة فعليه القضاء و الكفارة و قوله في اللوزة محمول على اللوزة الرطبة لانها مأكولة كلها كالخوخة و لو أكل جوزة رطبة فعليه القضاء و لا كفارة عليه لانه لا يؤكل عادة و لا يحصل به التغذي و التداوى و لو أكل عجينا أو دقيقا فعليه القضاء و لا كفارة عليه لانه لا يقصد بهما التغذي و لا التداوى فلا يفوت معنى الصوم و ذكر في الفتاوى رواية عن محمد انه فرق بين الدقيق و العجين فقال في الدقيق القضاء و الكفارة و فى العجين القضاء دون الكفارة و لو قضم حنطة فعليه القضاء و الكفارة كذا روى الحسن عن أبى حنيفة لان هذا مما يقصد بالاكل و لو ابتلع اهليلجة روى ابن رستم عن محمد أن عليه القضاء و لا كفارة لانه لا يتداوى بها على هذه الصفة و روى هشام عنه ان عليه الكفارة قال الكرخي و هذا أقيس عندي لانه يتداوى بها على هذه الصفة و هكذا روى ابن سماعة عن محمد و كذا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان عليه الكفارة و لو أكل طينا فعليه القضاء و لا كفارة لما قلنا الا أن يكون أرمينا فعليه القضاء و الكفارة و كذا روى ابن رستم عن محمد قال محمد لانه بمنزلة الغار يقون أى يتداوى به قال ابن رستم فقلت له هذا الطين الذي يقلى يأكله الناس قال لا أدري ما هذا فكانه لم يعلم انه يتداوى به أولا و لو أكل ورق الشجر فان كان مما يؤكل عادة فعليه القضاء و الكفارة و ان كان مما لا يؤكل فعليه القضاء و لا كفارة عليه و لو أكل مسكا أو غالية أو زعفران فعليه القضاء و الكفارة لان هذا يؤكل و يتداوى به و روى عن محمد فيمن تناول سمسمة قال فطرته و لم يذكر ان عليه الكفارة أولا و اختلف المشايخ فيه قال محمد بن مقاتل الرازي عليه القضاء و الكفارة و قال أبو القاسم الصفار عليه القضاء و لا كفارة عليه و قد ذكرنا ان السمسمة لو كانت بينه أسنانه فابتلعها انه لا يفسد لانه لا يمكن التحرز عنه و روى عن أبى يوسف فيمن امتص سكرة بفية في رمضان متعمدا حتى دخل الماء حلقه عليه القضاء و الكفارة لان السكر هكذا يؤكل و لو مص اهليلجة فدخل الماء حلقه قال لا يفسد صومه ذكره في الفتاوى و لو خرج من بين أسنانه دم فدخل حلقه أو ابتلعه فان كانت الغلبة للدم فسد صومه و عليه القضاء و لا كفارة عليه و ان كانت الغلبة للبزاق فلا شيء عليه و ان كانا سواء فالقياس ان لا يفسد و فى الاستحسان يفسد احتياطا و لو أخرج البزاق من فيه ثم ابتلعه فعليه القضاء و لا كفارة عليه و كذا إذا ابتلع بزاق غيره لان هذا مما يعاف منه حتى لو ابتلع لعاب حبيبه أو صديقه ذكر الشيخ الامام الزاهد شمس الائمة الحلوانى ان عليه القضاء و الكفارة لان الحبيب لا يعاف ريق حبيبه أو صديقه و لو أكل
(100)
لحما قديدا فعليه القضاء و الكفارة لانه يؤكل في الجملة و لو أكل شحما قديدا اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا كفارة عليه لانه لا يؤكل و قال الفقية أبو الليث ان عليه القضاء و الكفارة كما في اللحم لانه يؤكل في الجملة كاللحم القديد و لو أكل ميتة فان كانت قد انتنت و دودت فعليه القضاء و لا كفارة عليه و ان كانت ذلك فعليه القضاء و الكفارة و لو أولج و لم ينزل فعليه القضاء و الكفارة لوجود الجماع صورة و معنى اذ الجماع هو الايلاج فاما الانزال ففراغ من الجماع فلا يعتبر و لو أنزل فيما دون الفرج فعليه القضاء و لا كفارة عليه لقصور في الجماع لوجوده معنى لا صورة و كذلك إذا وطي بهيمة فانزل لقصور في قضأ الشهوة لسعة المحل و نبوة الطمع و لو أخذ لقمة من الخبز ليأكلها و هو ناس فلما مضغها تذكر انه صائم فابتلعها و هو ذاكر ذكر في عيون المسائل ان في هذه المسألة أربعة أقوال للمتأخرين قال بعضهم لا كفارة عليه و قال بعضهم عليه الكفارة و قال بعضهم ان ابتلعها قبل أن يخرجها فلا كفارة عليه فان أخرجها من فيه ثم أعادها فابتلعها فعليه الكفارة و قال بعضهم ان ابتلعها قبل أن يخرجها فعليه الكفارة و ان أخرجها من فيه ثم أعادها فلا كفارة عليه قال الفقية أبو الليث هذا القول أصح لانه لما أخرجها صار بحال يعاف منها و ما دامت في فيه فانه يتلذذ بها و لو تسحر على ظن ان الفجر لم يطلع فإذا هو طالع أو أفطر على ظن ان الشمس قد غربت فإذا هى لم تغرب فعليه القضاء و لا كفارة عليه لانه لم يفطر متعمدا بل خاطئا ألا ترى انه اثم عليه و لو أصبح صائما في سفره ثم أفطر متعمدا فلا كفارة عليه لان السبب المبيح من حيث الصورة قائم و هو السفر فاورث شبهة و هذه الكفارة لا تجب مع الشبهة و الاصل فيه ان الشبهة إذا استندت إلى صورة دليل فان لم يكن دليلا في الحقيقة بل من حيث الظاهر اعتبرت في منع وجوب الكفارة و الا فلا و قد وجدت ههنا و هي صورة السفر لانه مرخص أو مبيح في الجملة و لو أكل أو شرب أو جامع ناسيا أو ذرعه القئ فظن ان ذلك يفطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه القضاء و لا كفارة عليه لان الشبهة ههنا استندت إلى ما هو دليل في الظاهر لوجود المضاد للصوم في الظاهر و هو الاكل و الشرب و الجماع حتى قال مالك بفساد الصوم بالاكل ناسيا و قال أبو حنيفة لو لا قول الناس لقلت له يقضى و كذا القئ لانه لا يخلو عن عود بعضه من الفم إلى الجوف فكانت الشبهة في موضع الاشتباه فاعتبرت قال محمد الا أن يكون بلغه أى بلغه الخبر ان أكل الناسي و القئ لا يفطران فتجب الكفارة لانه ظن في موضع الاشتباه فلا يعتبر و روى الحسن عن أبى حنيفة انه لا كفارة عليه سواء بلغه الخبر و علم أن صومه لم يفسد أو لم يبلغه و لم يعلم قال احتجم فظن ان ذلك يفطره فاكل بعد ذلك متعمدا ان استفتى فقيها فأفتاه بانه قد أفطر فلا كفارة عليه لان العامي يلزمه تقليد العالم فكانت الشبهة مستندة إلى صورة دليل و ان بلغه خبر الحجامة و هو المروي عن رسول الله صلى عليه و سلم أفطر الحاجم و المحجوم روى الحسن عن أبى حنيفة أنه لا كفارة عليه لان ظاهر الحديث واجب العمل به في الاصل فاورث شبهة و روى عن أبى يوسف انه تجب عليه الكفارة لان الواجب على العامي الاستفتاء من المفتى لا العمل بظواهر الاحاديث لان الحديث قد يكون منسوخا و قد يكون ظاهره متروكا فلا يصير ذلك شبهة و ان لم يستفت فقيها و لا بلغه الخبر فعليه القضاء و الكفارة لان الحجامة لا تنافي ركن الصوم في الظاهر و هو الامساك عن الاكل و الشرب و الجماع فلم تكن هذه الشبهة مستندة إلى دليل أصلا و لو لمس إمرأة بشهوة أو قبلها أو ضاجعها و لم ينزل فظن ان ذلك يفطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه الكفارة لان ذلك لا ينافى ركن الصوم في الظاهر فكان ظنه في موضعه فكان ملحقا بالعدم الا إذا تأول حديثا أو استفتى فقيها فافطر على ذلك فلا كفارة عليه و ان أخطأ الفقية و لم يثبت الحديث لان ظاهر الحديث و الفتوى يصير شبهة و لو اغتاب إنسانا فظن ان ذلك يفطره ثم أكل بعد ذلك متعمدا فعليه الكفارة و ان استفتى فقيها أو تأول حديثا لانه لا يعتبر بفتوى الفقية و لا بتأويله الحديث ههنا لان ذلك مما لا يشتبه على من له سمة من الفقة و هو لا يخفى على احد ان ليس المراد من المروي الغيبة تفطر الصائم حقيقة الافطار فلم يصر ذلك شبهة و كذا لو دهن شاربه فظن ان ذلك يفطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه الكفارة و ان استفتى فقيها أو تأول حديثا لما قلنا و الله أعلم و لو أفطر و هو مقيم فوجبت عليه الكفارة ثم سافر في يومه ذلك
(101)
لم تسقط عنه الكفارة و لو مرض في يومه ذلك مرضا يرخص الافطار أو يبيحه تسقط عنه الكفارة و وجه الفرق ان في المرض معنى يوجب تغيير الطبيعة عن الصحة إلى الفساد و ذلك المعنى يحدث في الباطن ثم يظهر أثره في الظاهر فلما مرض في ذلك اليوم علم أنه كان موجودا وقت الافطار لكنه لم يظهر أثره في الظاهر فكان المرخص أو المبيح موجودا وقت الافطار فمنع انعقاد الافطار موجبا للكفارة أو وجود أصله أورث شبهة في الوجوب و هذه الكفارة لا تجب مع الشبهة و هذا المعنى لا يتحقق في السفر لانه اسم للخروج و الانتقال من مكان إلى مكان و انه يوجد مقصورا على حال وجوده فلم يكن المرخص أو المبيح موجودا وقت الافطار فلا يؤثر في وجوبها و كذلك إذا أفطرت المرأة ثم حاضت في ذلك اليوم أو نفست سقطت عنها الكفارة لان الحيض دم مجتمع في الرحم يخرج شيأ فشيأ فكان موجودا وقت الافطار لكنه لم يبرز فمنع وجوب الكفارة و لو سافر في ذلك اليوم مكرها لا تسقط عنه الكفارة عند أبى يوسف و عند زفر تسقط و الصحيح قول أبى يوسف لما ذكرنا أن المرخص أو المبيح وجد مقصورا على الحال فلا يؤثر في الماضي و لو جرح نفسه فمرض مرضا شديدا مرخصا للافطار أو مبيحا اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يسقط و قال بعضهم لا يسقط و هو الصحيح لان المرض هنا حدث من الجرح و انها وجدت مقصورة على الحال فكان المرض مقصورا على حال حدوثه فلا يؤثر في الزمان الماضي و الله أعلم و من أصبح في رمضان لا ينوى الصوم فأكل أو شرب أو جامع عليه قضأ ذلك اليوم و لا كفارة عليه عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر عليه الكفارة بناء على أن صوم رمضان يتأدى بدون النية عنده فوجد إفساد صوم رمضان بشرائطه و عندنا لا يتأدى فلم يوجد الصوم فاستحال الافساد و روى عن أبى يوسف ان أكل قبل الزوال فعليه القضاء و الكفارة و ان أكل بعد الزوال فلا كفارة عليه كذا ذكر القدوري الخلاف بين أبى حنيفة و محمد و بين أبى يوسف في شرحه مختصر الكرخي و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي الخلاف بين أبى حنيفة و بين صاحبيه وجه قول من فصل بين ما قبل الزوال أو بعده أن الامساك قبل الزوال كان بفرض أن يصير صوما قبل الاكل و الشرب و الجماع لجواز أن ينوى فإذا أكل فقد أبطل الفرضية و أخرجه من أن يصير صوما فكان إفسادا للصوم معنى بخلاف ما بعد الزوال لان الاكل بعد الزوال لم يقع إبطالا للفرضية لبطلانها قبل الاكل و روى الحسن عن أبى حنيفة فيمن أصبح لا ينوى صوما ثم نوى قبل الزوال ثم جامع في بقية يومه فلا كفارة عليه و روى عن أبى يوسف أن عليه الكفارة وجه قوله أن صوم رمضان يتأدى بنية من النهار قبل الزوال عند أصحابنا فكانت النية من النهار و الليل سواء وجه ظاهر الرواية أنه لو جامع في أول النهار لا كفارة عليه فكذا إذا جامع في آخره لان اليوم في كونه محلا للصوم لا يتجزأ أو يوجب ذلك شبهة في آخر اليوم و هذه الكفارة لا تجب مع الشبهة و ذكر في المنتقى فيمن أصبح ينوى الفطر ثم عزم على الصوم ثم أكل متعمدا أنه لا كفارة عليه عند أبى حنيفة و عند أبى يوسف عليه الكفارة و الكلام من الجانبين على نحو ما ذكرنا و لو جامع في رمضان متعمدا مرارا بأن جامع في يوم ثم جامع في اليوم الثاني ثم في الثالث و لم يكفر فعليه لجميع ذلك كله كفارة واحدة عندنا و عند الشافعي عليه لكل يوم كفارة و لو جامع في يوم ثم كفر ثم جامع في يوم آخر فعليه كفارة أخرى في ظاهر الرواية و روى زفر عن أبى حنيفة أنه ليس عليه كفارة أخرى و لو جامع في رمضانين و لم يكفر للاول فعليه لكل جماع كفارة في ظاهر الرواية و ذكر محمد في الكيسانيات أن عليه كفارة واحدة و كذا حكى الطحاوي عن أبى حنيفة وجه قول الشافعي أنه تكرر سبب وجوب الكفارة و هو الجماع عنده و إفساد الصوم عندنا و الحكم يتكرر بتكرر سببه و هو الاصل الا في موضع فيه ضرورة كما في العقوبات البدنية و هي الحدود لما في التكرر من خوف الهلاك و لم يوجد ههنا فيتكرر الوجوب و لهذا تكرر في سائر الكفارات و هي كفارة القتل و اليمين و الظهار و لنا حديث الاعرابى أنه لما قال واقعت إمرأتي أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم بإعتاق رقبة واحدة بقوله أعتق رقبة و ان كان قوله واقعت يحتمل المرة و التكرار و لم يستفسر فدل أن الحكم لا يختلف بالمرة و التكرار و لان معنى الزجر لازم في هذه الكفارة أعنى كفارة الافطار بدليل اختصاص وجوبها بالعمد المخصوص في الجناية الخالصة الخالية عن
(102)
الشبهة بخلاف سائر الكفارات و الزجر يحصل بكفارة واحدة بخلاف ما إذا جامع فكفر ثم جامع لانه لما جامع بعد ما كفر علم أن الزجر لم يحصل بالاول و لو أفطر في يوم فاعتق ثم أفطر في اليوم الثاني فأعتق ثم أفطر في اليوم الثالث فاعتق ثم استحقت الرقبة الاولى فلا شيء عليه لان الثانية تجزي عن الاولى و كذا لو استحقت الثانية لان الثالثة تجزي عن الثانية و لو استحقت الثالثة فعليه إعتاق رقبة واحدة لان ما تقدم لا يجزئ عما تأخر و لو استحقت الثانية أيضا فعليه إعتاق رقبة واحدة لليوم الثاني و الثالث و لو استحقت الاولى أيضا فعليه كفارة واحدة لان الاعتاق بالاستحقاق يلتحق بالعدم و جعل كانه لم يكن و قد أفطر في ثلاثة أيام و لم يكفر لشيء منها فتكفيه كفارة واحدة و لو استحقت الاولي و الثالثة دون الثانية أعتق رقبة واحدة لليوم الثالث لان الثانية اجزأت عن الاولى و الاصل في هذا الجنس أن الاعتاق الثاني يجزئ عما قبله و لا يجزئ عما بعده و أما صيام رمضان فلا يتعلق بإفساد شيء منه وجوب الكفارة لان وجوب الكفارة بإفساد صوم رمضان عرف بالتوقيف و انه صوم شريف في وقت شريف لا يوازيهما غيرهما من الصيام و الاوقات في الشرف و الحرمة فلا يلحق به في وجوب الكفارة و أما وجوب القضاء فأما الصيام المفروض فان كان الصوم متتابعا كصوم الكفارة و المنذور متتابعا فعليه الاستقبال لفوات الشرائط و هو التتابع و لو لم يكن متتابعا كصوم قضأ رمضان و النذر المطلق عن الوقت و النذر في وقت بعينه فحكمه أن لا يعتد به عما عليه و يلحق بالعدم و عليه ما كان قبل ذلك في قضأ رمضان و النذر المطلق و فى المنذور في وقت بعينه عليه قضأ ما فسد و أما صوم التطوع فعليه قضاؤه عندنا خلافا للشافعي و قد روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت أصبحت أنا و حفصة صائمتين متطوعتين فأهدى إلينا حبس فاكلنا منه فسألت حفصة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اقضيا يوما مكانه و الكلام في وجوب القضاء مبنى على الكلام في وجوب المضي و قد ذكرناه في كتاب الصلاة و اختلف أصحابنا في الصوم المظنون إذا أفسده بان شرع في صوم أو صلاة على ظن أنه عليه ثم تبين أنه ليس عليه فأفطر متعمدا قال أصحابنا الثلاثة لا قضأ عليه لكن الافضل أن يمضى فيه و قال زفر عليه القضاء و حكى الطحاوي عن أبى حنيفة فيمن شرع في صلاة يظن انها عليه مثل قول زفر و على هذا الخلاف إذا شرع في صوم الكفارة ثم أيسر في خلاله فافطر متعمدا وجه قول زفر انه لما تبين أنه ليس عليه تبين أنه شرع في النفل و لهذا ندب إلى المضي فيه و الشروع في النفل ملزم على أصل أصحابنا فليزمه المضي فيه و يلزمه القضاء إذا أفسد كما لو شرع في النفل ابتداء و لهذا كان الشروع في الحج المظنون ملزما كذا الصوم و لنا أنه شرع مسقطا لا موجبا فلا يجب عليه المضي و دليل ذلك أنه قصد بالشروع إسقاط ما في ذمته فإذا تبين أنه ليس في ذمته شيء من ذلك لم يصح قصدا و الشروع في العبادة لا يصح من قصد الا أنه استحب له أن يمضى فيه لشروعه في العبادة في زعمه و تشبهه بالشارع في العبادة فيثاب عليه كما يثاب المتشبه بالصائمين بإمساك بقية يومه إذا افطر بعذر و الاشتباه مما يكثر وجوده في باب الصوم فلو أوجبنا عليه القضاء لوقع في الحرج بخلاف الحج فان وقوع الشك و الاشتباه في باب الحج نادر غاية الندرة فكان ملحقا بالعدم فلا يكون في إيجاب القضاء عليه حرج و الله أعلم ( فصل )و أما حكم الصوم المؤقت إذا فات عن وقته فالصوم المؤقت نوعان صوم رمضان و المنذور في وقت بعينه أما صوم رمضان فيتعلق بفواته أحكام ثلاثة وجوب إمساك بقية اليوم تشبها بالصائمين في حال و وجوب القضاء في حال و وجوب الفداء في حال أما وجوب الامساك تشبها بالصائمين فكل من كان له عذر في صوم رمضان في أول النهار مانع من الوجوب أو مبيح للفطر ثم زال عذره و صار بحال لو كان عليه في أول النهار لوجب عليه الصوم و لا يباح له الفطر كالصبى إذا بلغ في بعض النهار و أسلم الكافر و أفاق المجنون و طهرت الحائض و قدم المسافر مع قيام الاهلية تجب عليه إمساك بقية اليوم و كذا من وجب عليه الصوم في أول النهار لوجود سبب الوجوب و الاهلية ثم تعذر عليه المضي فيه بان أفطر متعمدا أو أصبح يوم الشك مفطرا ثم تبين انه من رمضان أو تسحر على
(103)
ظن أن الفجر لم يطلع ثم تبين له انه طلع فانه يجب عليه الامساك في بقية اليوم تشبها بالصائمين و هذا عندنا و أما عند الشافعي فكل من وجب عليه في أول النهار ثم تعذر عليه المضي مع قيام الاهلية يجب عليه إمساك بقية اليوم تشبها و من لا فلا فعلى قوله لا يجب الامساك على الصبي إذا بلغ في بعض النهار و الكافر إذا أسلم و المجنون إذا أفاق و الحائض إذا طهرت و المسافر إذا قدم مصره لانه لم يجب عليهم الصوم في أول النهار وجه قوله أن الامساك تشبها يجب خلفا عن الصوم و الصوم لم يجب فلم يجب الامساك خلفا و لهذا لو قال الله على أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم بعد ما أكل الناذر فيه أنه لا يجب الامساك كذا ههنا و لنا ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال في يوم عاشوراء الا من أكل فلا يأكلن بقية يومه وصوم عاشوراء كان فرضا يومئذ و لان زمان رمضان وقت شريف فيجب تعظيم هذا الوقت بالقدر الممكن فإذا عجز عن تعظيمه بتحقيق الصوم فيه يجب تعظيمه بالتشبه بالصائمين قضأ لحقه بالقدر الممكن إذا كان أهلا للتشبه و نفيا لتعريض نفسه للتهمة و فى حق هذا المعنى الوجوب في أول النهار و عدم الوجوب سواء و قوله التشبه وجب خلفا عن للصوم ممنوع بل يجب قضأ لحرمة الوقت بقدر الامكان لا خلفا بخلاف مسألة النذر لان الوقت لا يستحق التعظيم حتى يجب قضأ حقه بإمساك بقية اليوم و ههنا بخلافه و أما وجوب القضاء فالكلام في قضأ صوم رمضان يقع في مواضع في بيان أصل وجوب القضاء و فى بيان شرائط وجوب القضاء و فى بيان وقت وجوبه و كيفية الوجوب و فى بيان شرائط جوازه أما أصل الوجوب فلقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر فأفطر فعدة من أيام أخر و لان الاصل في العبادة المؤقتة إذا فاتت عن وقتها أن تقضى لما ذكرنا في كتاب الصلاة و سواء فاته صوم رمضان بعذر أو بغير عذر لانه لما وجب على المعذور فلان يجب على المقصر أولى و لان المعنى يجمعهما و هو الحاجة إلى جبر الفائت بل حاجة المعذور أشد و أما بيان شرائط وجوبه فمنها القدرة على القضاء حتى لو فاته صوم رمضان بعذر المرض أو السفر و لم يزل مريضا أو مسافرا حتى مات لقى الله و لا قضأ عليه لانه مات قبل وجوب القضاء عليه لكنه ان أوصى بأن يطعم عنه صحت وصيته و ان لم يجب عليه و يطعم عنه من ثلث ماله لان صحة الوصية لا تتوقف على الوجوب كما لو أوصى بثلث ماله للفقراء أنه يصح و ان لم يجب عليه شيء كذا هذا فان برأ المريض أو قدم المسافر و أدرك من الوقت بقدر ما فاته يلزمه قضأ جميع ما أدرك لانه قدر على القضاء لزوال العذر فان لم يصم حتى أدركه الموت فعليه ان يوصى بالفدية و هي ان يطعم عنه لكل يوم مسكينا لان القضاء قد وجب عليه ثم عجز عنه بعد وجوبه بتقصير منه فيتحول الوجوب إلى بدله و هو الفدية و الاصل فيه ما روى أبو مالك الاشجعي أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن رجل أدركه رمضان و هو شديد المرض لا يطيق الصوم فمات هل يقضى عنه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان مات قبل ان يطيق الصيام فلا يقضى عنه و ان مات و هو مريض و قد أطاق الصيام في مرضه ذلك فليقض عنه و المراد منه القضا بالفدية لا بالصوم لما روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنه موقوفا عليه و مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يصومن أحد عن أحد و لا يصلين أحد عن أحد و لان ما لا يحتمل النيابة حالة الحياة لا يحتمل بعد الموت كالصلاة و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم مفسرا أنه قال من مات و عليه قضأ رمضان أطعم عنه وليه و هو محمول على ما إذا أوصى أو على الندب إلى ذلك و إذا أوصى بذلك يعتبر من الثلث و ان لم يوص فتبرع به الورثة جاز و ان لم يتبرعوا لم يلزمهم و تسقط في حق أحكام الدنيا عندنا و عند الشافعي يلزمهم من جميع المال سواء أوصى به أو لم يوص و الاختلاف فيه كالاختلاف في الزكاة و الصحيح قولنا لان الصوم عبادة و الفدية بدل عنها و الاصل لا يتأدى بطريق النيابة فكذا البدل و البدل لا يخالف الاصل و الاصل فيه انه لا يجوز اداء العبادة عن غيره بغير أمره لانه يكون جبرا و الجبر ينافى معنى العبادة على ما بينا في كتاب الزكاة هذا إذا أدرك من الوقت بقدر ما فاته فمات قبل أن يقضى فاما إذا أدرك بقدر ما يقضى فيه البعض دون البعض بان صح المريض أياما ثم مات ذكر في الاصل انه يلزمه القضاء بقدر ما صح و لم يذكر الخلاف حتى لو مات
(104)
لا يجب عليه أن يوصى بالاطعام لجميع الشهر بل لذلك القدر الذي لم يصمه و ان صامه فلا وصية عليه رأسا و ذكر الطحاوي هذه المسألة على الاختلاف فقال في قول أبى حنيفة يلزمه قضأ الجميع إذا صح يوما واحدا حتى يلزمه الوصية بالاطعام لجميع الشهر ان لم يصم ذلك اليوم و ان صامه لم يلزمه شيء بالاجماع و عند محمد يلزمه بقدر ما أدرك و ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي ان ما ذكره محمد في الاصل قول جميع أصحابنا و ما أثبته الطحاوي من الاختلاف في المسألة غلط و انما ذلك في مسألة النذر و هي ان المريض إذا قال لله على أن أصوم شهرا فان مات قبل أن يصح لا يلزمه شيء و ان صح يوما واحدا يلزمه أن يوصى بالاطعام لجميع الشهر في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد لا يلزمه الا مقدار ما يصح على ما ذكره القدوري و ان كان مسألة القضاء على الاتفاق على ما ذكره القدوري فوجه هذا القول ظاهر لان القدرة على الفعل شرط وجوب الفعل اذ لو لم يكن لكان الايجاب تكليف ما لا يحتمله الوسع و انه محال عقلا و موضوع شرعا و لم يقدر الا على صوم بعض الايام فلا يلزمه الا ذلك القدر فان صام ذلك القدر فقد أفى بما عليه فلا يلزمه شيء آخر و ان لم يصم فقد قصر فيما وجب عليه فيلزمه أن يوصى بالفدية لذلك القدر لا اذ لم يجب عليه من الصوم الا ذلك القدر و ان كانت المسئلتان على الاختلاف على ما ذكره الطحاوي فوجه قول محمد في المسئلتين ما ذكرنا و هو لا يحتاج إلى الفرق بينهما لان قوله فيهما واحد و هو انه لا يلزمه من صوم القضاء و الصوم المنذور به الا قدر أيام الصحة حتى لا يلزمه الوصية بالاطعام فيهما الا لذلك القدر و أما وجه قولهما فهو ان قدر ما يقدر عليه من الصوم يصلح له الايام كلها على طريق البدل لان كل يوم صالح للصوم فيجعل كانه قدر على الكل فإذا لم يصم لزمته الوصية بالفدية للكل و إذا صام فيما قدر و صار قدر ما صام مستحقا للوقت فلم يبق صالحا لوقت آخر فلم يكن القول بوجوب الكل على البدل فلا يلزمه الوصية بالفدية للكل و منها أن لا يكون في القضاء حرج لان الحرج منفى بنص الكتاب و أما وجوب الاداء في الوقت فهل هو شرط وجوب القضاء خارج الوقت فقد ذكرنا اختلاف المشايخ في ذلك و خرجنا ما يتصل به من المسائل على القولين ما فيه اتفاق و ما فيه اختلاف و أما وقت وجوبه فوقت ادائه و قد ذكرناه و هو سائر الايام خارج رمضان سوى الايام الستة لقوله تعالي فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر أمر بالقضاء مطلقا عن وقت معين فلا يجوز تقييده ببعض الاوقات الا بدليل و الكلام في كيفية وجوب القضاء انه على الفور أو على التراخى كالكلام في كيفية الوجوب في الامر المطلق عن الوقت أصلا كالأَمر بالكفارات و النذور المطلقة و نحوها و ذلك على التراخى عند عامة مشايخنا و معنى التراخى عندهم انه يجب في مطلق الوقت عين و خيار التعيين إلى المكلف ففى أى وقت شرع فيه تعين ذلك الوقت للوجوب و ان لم يشرع يتضيق الوجوب عليه في آخر عمره في زمان يتمكن فيه من الاداء قبل موته و حكى الكرخي عن أصحابنا انه على الفور و الصحيح هو الاول و عند عامة أصحاب الحديث الامر المطلق يقتضى الوجوب على الفور على ما عرف في أصول الفقة و فى الحج اختلاف بين أصحابنا نذكره في كتاب الحج ان شاء الله تعالى و حكى القدوري عن الكرخي انه كان يقول في قضأ رمضان انه مؤقت بما بين رمضانين و هذا سديد بل المذهب عند أصحابنا ان وجوب القضاء لا يتوقت لما ذكرنا ان الامر بالقضاء مطلق عن تعيين بعض الاوقات دون بعض فيجرى على إطلاقه و لهذا قال أصحابنا انه لا يكره لمن عليه قضأ رمضان أن يتطوع و لو كان الوجوب على الفور لكره له التطوع قبل القضاء لانه يكون تأخيرا للواجب عن وقته المضيق و انه مكروه و على هذا قال أصحابنا انه إذا أخر قضأ رمضان حتى دخل رمضان آخر فلا فدية عليه و قال الشافعي عليه الفدية كانه قال بالوجوب على الفور مع رخصة التأخير إلى رمضان آخر و هذا سديد لما ذكرنا انه لا دلالة في الامر على تعيين الوقت فالتعيين يكون تحكما على الدليل و القول بالفدية باطل لانها تجب خلفا عن الصوم عند العجز عن تحصيله عجزا لا ترجى معه القدرة عادة كما في حق الشيخ الفانى و لم يوجد العجز لانه قادر على القضاء فلا معنى لايجاب الفدية و أما شرائط جواز القضاء فما هو شرط جواز أداء صوم رمضان فهو شرط جواز قضائه الا الوقت و تعيين النية من الليل فانه يجوز القضاء