الزكاة بالصوم و هو اعتبار صحيح لان السنة للزكاة كالشهر للصوم ثم الافاقة في جزء من الشهر يكفى لوجوب صوم الشهر كذا الافاقة في جزء من السنة تكفى لانعقاد الحول على المال و أما الذي يجن و يفيق فهو كالصحيح و هو بمنزلة النائم و المغمى عليه و منها الحرية لان الملك من شرائط الوجوب لما نذكر و المملوك لا ملك له حتى لا تجب الزكاة على العبد و ان كان مأذونا له في التجارة لانه ان لم يكن عليه دين فكسبه لمولاه و على المولى زكاته و ان كان عليه دين محيط بكسبه فالمولى لا يملك كسب عبده المأذون المديون عند أبى حنيفة فلا زكاة فيه على أحد و عند أبى يوسف و محمد ان كان يملكه لكنه مشغول بالدين و المال المشغول بالدين لا يكون مال الزكاة و كذا المدبر وأم الولد لما قلنا و كذا لا زكاة على المكاتب في كسبه لانه ليس ملكه حقيقة لقيام الرق فيه بشهادة النبي صلى الله عليه و سلم المكاتب عبد ما بقي عليه درهم و العبد اسم للمرقوق و الرق ينافى الملك و أما المستسعى فحكمه حكم المكاتب في قول أبى حنيفة و عندهما هو حر مديون فينظر ان كان فضل عن سعايته ما يبلغ نصابا تجب الزكاة عليه و الا فلا و منها أن لا يكون عليه دين مطالب به من جهة العباد عندنا فان كان فانه يمنع وجوب الزكاة بقدره حالا كان أو مؤجلا و عند الشافعي هذا ليس بشرط و الدين لا يمنع وجوب الزكاة كيفما كان احتج الشافعي بعمومات الزكاة من فصل و لان سبب وجوب الزكاة ملك النصاب و شرطه أن يكون معد للتجارة أو للاسامة و قد وجد أما الملك فظاهر لان المديون مالك لماله لان دين الحر الصحيح يجب في ذمته و لا يتعلق بماله و لهذا يملك التصرف فيه كيف شاء و أما الاعداد للتجارة أو الا سامة فلان الدين لا ينافى ذلك و الدليل عليه انه لا يمنع وجوب العشر ( و لنا )
ما روى عن عثمان رضى الله عنه انه خطب في شهر رمضان و قال في خطبته الا ان شهر زكاتكم قد حضر فمن كان له مال و عليه دين فليحسب ماله بما عليه ثم ليزك بقية ماله و كان بمحضر من الصحابة و لم ينكر عليه أحد منهم فكان ذلك إجماعا منهم على انه لا تجب الزكاة في القدر المشغول بالدين و به تبين ان مال المديون خارج عن عمومات الزكاة و لانه محتاج إلى هذا المال حاجة أصلية لان قضأ الدين من الحوائج الاصلية و المال المحتاج اليه حاجة أصلية لا يكون مال الزكاة لانه لا يتحقق به الغنى و لا صدقة الا عن ظهر غنى على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد خرج الجواب عن قوله انه وجد سبب الوجوب و شرطه لان صفة الغنى مع ذلك شرط و لا يتحقق مع الدين مع ما أن ملكه في النصاب ناقص بدليل ان لصاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه أن يأخذه من قضأ و لا رضاء و عند الشافعي له ذلك في الجنس و خلاف الجنس و ذا آية عدم الملك كما في الوديعة و المغصوب فلان يكون دليل نقصان الملك أولى و أما العشر فقد روى ابن المبارك عن أبى حنيفة ان الدين يمنع وجوب العشر فيمنع على هذه الرواية و أما على ظاهر الرواية فلان العشر مؤنة الارض النامية كالخراج فلا يعتبر فيه غنى المالك و لهذا لا يعتبر فيه أصل الملك عندنا حتى يجب في الاراضى الموقوفة و أرض المكاتب بخلاف الزكاة فانه لا بد فيها من غنى المالك و الغني لا يجامع الدين و على هذا يخرج مهر المرأة فانه يمنع وجوب الزكاة عندنا معجلا كان أو مؤجلا لانها إذا طالبته يؤاخذ به و قال بعض مشايخنا ان المؤجل لا يمنع لانه مطالب به عادة فأما المعجل فيطالب به عادة فيمنع و قال بعضهم ان كان الزوج على عزم من قضائه يمنع و ان لم يكن على عزم القضاء لا يمنع لانه لا يعده دينا و انما يؤاخذ المرء بما عنده في الاحكام و ذكر الشيخ الامام أبو بكر محمد بن الفضل البخارى في الاجارة الطويلة التي تعارفها أهل بخارى ان الزكاة في الاجرة المعجلة تجب على الآجر لانه ملكه قبل الفسخ و ان كان يلحقه دين بعد الحول بالفسخ و قال بعض مشايخنا انه يجب على المستأجر ايضا لانه يعد ذلك ما لا موضوعا عند الآجر و قالوا في البيع الذي اعتاده أهل سمرقند و هو بيع الوفاء ان الزكاة على البائع في ثمنه ان بقي حولا لانه ملكه و بعض مشايخنا قالوا يجب أن يلزم المشترى ايضا لانه يعده ما لا موضوعا عند البائع فيؤاخذ بما عنده و قالوا فيمن ضمن الدرك فاستحق المبيع انه ان كان في الحول يمنع لان المانع قارن الموجب فيمنع الوجوب فأما إذا استحق بعد الحول لا يسقط الزكاة لانه دين حادث لان الوجوب مقتصر على حالة الاستحقاق و ان كان الضمان سببا حتى
اعتبر من جميع المال و إذا اقتصر وجوب الدين لم يمنع وجوب الزكاة قبله و أما نفقة الزوجات فما لم يصر دينا اما بفرض القاضي أو بالتراضي لا يمنع لانها تجب شيأ فشيأ فتسقط إذا لم يوجد قضأ القاضي أو التراضى و تمنع إذا فرضت بقضاء القاضي أو بالتراضي لصيرورته دينا و كذا نفقة المحارم تمنع إذا فرضها القاضي في مدة قصيرة نحو ما دون الشهر فتصير دينا فأما إذا كانت المدة طويلة فلا تصير دينا بل تسقط لانها صلة محضة بخلاف نفقة الزوجات الا ان القاضي يضطر إلى الفرض في الجملة في نفقة المحارم أيضا لكن الضرورة ترتفع بأدنى المدة و قال بعض مشايخنا ان نفقة المحارم تصير دينا أيضا بالتراضي في المدة اليسيرة و قالوا دين الخراج يمنع وجوب الزكاة لانه مطالب به و كذا إذا صار العشر دينا في ذمته بان أتلف الطعام العشرى صاحبه فأما وجوب العشر فلا يمنع لانه متعلق بالطعام يبقى ببقائه و يهلك بهلاكه و الطعام ليس مال التجارة حتى يصير مستحقا بالدين و أما الزكاة الواجبة في النصاب أو دين الزكاة بان أتلف مال الزكاة حتى انتقل من العين إلى الذمة فكل ذلك يمنع وجوب الزكاة في قول أبى حنيفة و محمد سواء كان في الاموال الظاهرة أو الباطنة و قال زفر لا يمنع كلاهما و قال أبو يوسف وجوب الزكاة في النصاب يمنع فأما دين الزكاة فلا يمنع هكذا ذكر الكرخي قول زفر و لم يفصل بين الاموال الظاهرة و الباطنة و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان هذا مذهبه في الاموال الباطنة من الذهب و الفضة و أموال التجارة و وجه هذا القول ظاهر لان الاموال الباطنة لا يطالب الامام بزكاتها فلم يكن لزكاتها مطالب من جهة العباد سواء كانت في العين أو في الذمة فلا يمنع وجوب الزكاة كديون الله تعالى من الكفارات و النذور و غيرها بخلاف الاموال الظاهرة لان الامام يطالب بزكاتها و أما وجه قوله الآخر فهو ان الزكاة قربة فلا يمنع وجوب الزكاة كدين النذور و الكفارات و لابي يوسف الفرق بين وجوب الزكاة و بين دينها هو ان دين الزكاة في الذمة لا يتعلق بالنصاب فلا يمنع الوجوب كدين الكفارات و النذور و أما وجوب الزكاة فمتعلق بالنصاب اذ الواجب جزء من النصاب و استحقاق جزء من النصاب يوجب النصاب اذ المستحق كالمصروف و حكى انه قيل لابى يوسف ما حجتك على زفر فقال ما حجتي على من يوجب في مائتي درهم أربعمائة درهم و الامر على ما قاله أبو يوسف لانه إذا كان له مائتا درهم فلم يؤد زكاتها سنين كثيرة يؤدى إلى إيجاب الزكاة في المال أكثر منه بأضعافه و انه قبيح و لابي حنيفة و محمد أن كل ذلك دين مطالب به من جهة العباد أما زكاة السوائم فلانها يطالب بها من جهة السلطان عينا كان أو دينا و لهذا يستحلف إذا أنكر الحول أو أنكر كونه للتجارة أو ما أشبه ذلك فصار بمنزلة ديون العباد و أما زكاة التجارة فمطالب بها أيضا تقدير ألان حق الاخذ للسلطان و كان يأخذها رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر و عمر رضى الله عنهما إلى زمن عثمان رضى الله عنه فلما كثرت الاموال في زمانه و علم ان في تتبعها زيادة ضرر باربابها رأى المصلحة في أن يفوض الاداء إلى أربابها بإجماع الصحابة فصار أرباب الاموال كالوكلاء عن الامام ألا ترى انه قال من كان عليه دين فليؤده و ليترك ما بقي من ماله فهذا توكيل لارباب الاموال بإخراج الزكاة فلا يبطل حق الامام عن الاخذ و لهذا قال أصحابنا ان الامام إذا علم من أهل بلدة انهم يتركون أداء الزكاة من الاموال الباطنة فانه يطالبهم بها لكن إذا أراد الامام أن يأخذها بنفسه من تهمة الترك من أربابها ليس له ذلك لما فيه من مخالفة إجماع الصحابة رضى الله عنهم و بيان ذلك انه إذا كان لرجل مائتا درهم أو عشرون مثقال ذهب فلم يؤد زكاته سنتين يزكى السنة الاولى و ليس عليه للسنة الثانية شيء عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر يؤدى زكاة سنتين و كذا هذا في مال التجارة و كذا في السوائم إذا كان له خمس من الابل السائمة مضى عليها سنتان و لم يؤد زكاتها انه يؤدى زكاة السنة الاولى و ذلك شاة و لا شيء عليه للسنة الثانية و لو كانت عشر أو حال عليها حولان يجب للسنة الاولى شاتان و للثانية شاة و لو كانت الابل خمسا و عشرين يجب للسنة الاولى بنت محاض و للسنة الثانية أربع شياه و لو كان له ثلاثون من البقر السوائم يجب للسنة الاولى تبيع أو تبيعه و لا شيء للسنة الثانية و ان كانت أربعين يجب للسنة الاولى مسنة و للثانية تبيع أو تبيعه و ان كان له أربعون من الغنم عليه للسنة الاولي شاة و لا شيء للسنة الثانية و ان كانت مائة واحدى و عشرين
عليه للسنة الاولى شاتان و للسنة الثانية شاة و لو لحقه دين مطالب به من جهة العباد في خلال الحول هل ينقطع حكم الحول قال أبو يوسف لا ينقطع حتى إذا سقط بالقضاء أو بالابراء قبل تمام الحول تلزمه الزكاة إذا تم الحول و قال زفر ينقطع الحول بلحوق الدين و المسألة مبنية على نقصان النصاب في خلال الحول لان بالدين ينعدم كون المال فاضلا عن الحاجة الاصلية فتنعدم صفة الغنى في المالك فكان نظير نقصان النصاب في أثناء الحول و عندنا نقصان النصاب في خلال الحول لا يقطع الحول و عند زفر يقطع على ما نذكر فهذا مثله و أما الديون التي لا مطالب لها من جهة العبادات كالنذور و الكفارات و صدقة الفطر و وجوب الحج و نحوها لا يمنع وجوب الزكاة لان أثرها في حق أحكام الآخرة و هو الثواب بالاداء و الاثم بالترك فاما لا أثر له في أحكام الدنيا ألا ترى انه لا يجبر و لا يحبس فلا يظهر في حق حكم من أحكام الدنيا فكانت ملحقة بالعدم في حق أحكام الدنيا ثم إذا كان على الرجل دين و له مال الزكاة و غيره من عبيد الخدمة و ثياب البذلة و دور السكنى فان الدين يصرف إلى مال الزكاة عندنا سواء كان من جنس الدين أو لا و لا يصرف إلى مال الزكاة و ان كان من جنس الدين و قال زفر يصرف الدين إلى الجنس و ان لم يكن مال الزكاة حتى انه لو تزوج إمرأة على خادم بغير عينه و له مائتا درهم و خادم فدين المهر يصرف إلى المائتين دون الخادم عندنا و عنده يصرف إلى الخادم وجه قول زفر ان قضأ الدين من الجنس أيسر فكان الصرف اليه أولى و لنا ان عين مال الزكاة مستحق كسائر الحوائج و مال الزكاة فاضل عنها فكان الصرف اليه أيسر و أنظر بأرباب الاموال و لهذا لا يصرف إلى ثياب بدنه و قوته و قوت عياله و ان كان من جنس الدين لما قلنا و ذكر محمد في الاصل أ رأيت لو تصدق عليه لم يكن موضعا للصدقة و معنى هذا الكلام ان مال الزكاة مشغول بحاجة الدين فكان ملحقا بالعدم و ملك الدار و الخادم لا يحرم عليه أخذ الصدقة فكان فقيرا و لا زكاة على الفقير و لو كان في يده من أموال الزكاة أنواع مختلفة من الدراهم و الدنانير و أموال التجارة و السوائم فانه يصرف الدين إلى الدراهم و الدنانير و أموال التجارة دون السوائم لان زكاة هذه الجملة يؤديها أرباب الاموال و زكاة السوائم يأخذها الامام و ربما يقصرون في الصرف إلى الفقراء ضنا بما لهم فكان صرف الدين إلى الاموال الباطنة ليأخذ السلطان زكاة السوائم نظرا للفقراء و هذا أيضا عندنا و على قول زفر يصرف الدين إلى الجنس و ان كان من السوائم حتى ان من تزوج إمرأة على خمس من الابل السائمة بغير أعيانها و له أموال التجارة وابل سائمة فان عنده يصرف المهر إلى الابل و عندنا يصرف إلى مال التجارة لما مر و ذكر الشيخ الامام السرخسي ان هذا إذا حضر المصدق فان لم يحضر فالخيار لصاحب المال ان شاء صرف الدين إلى السائمة وادي الزكاة من الدراهم و ان شاء صرف الدين إلى الدراهم وادي الزكاة من السائمة لان في حق صاحب المال هما سواء لا يختلف و انما الاختلاف في حق المصدق فان له ولاية أخذ الزكاة من السائمة دون الدراهم فلهذا إذا حضر صرف الدين إلى الدراهم و أخذ الزكاة من السائمة فاما إذا لم يكن له مال الزكاة سوى السوائم فان الدين يصرف إليها و لا يصرف إلى أموال البذلة لما ذكرنا ثم ينظران كان له أنواع مختلفة من السوائم فان الدين يصرف الي أقلها زكاة حتى يجب الاكثر نظرا للفقراء بان كان له خمس من الابل و ثلاثون من البقر و أربعون شاة فان الدين يصرف الي الابل أو الغنم دون البقر حتى يجب التبيع لانه أكثر قيمة من الشاة و هذا إذا صرف الدين الي الابل و الغنم بحيث لا يفضل شيء منه فاما إذا استغرق أحدهما و فضل منه شيء و ان صرف إلى البقر لا يفضل منه شيء فانه يصرف إلى البقر لانه إذا فضل شيء منه يصرف الي الغنم فانتقص النصاب بسبب الدين فامتنع وجوب شاتين و لو صرف إلى البقر و امتنع وجوب التبيع تجب الشاتان لانه لو صرف الدين إلى الغنم يبقى نصاب الابل السائمة كاملا و التبيع أقل قيمة من شاتين و لو لم يكن له الا الابل و الغنم ذكر في الجامع ان لصاحب المال أن يصرف الدين إلى أيهما شاء لاستوائهما في قدر الواجب و هو الشاة و ذكر في نوادر الزكاة أن للمصدق أن يأخذ الزكاة من الابل دون الغنم لان الشاة الواجبة في الابل ليست من نفس النصاب فلا ينتقص النصاب بأخذها و لو صرف الدين إلى الابل يأخذ الشاة من الاربعين فينتقص النصاب فكان هذا أنفع للفقراء و لو كان له خمس و عشرون من الابل و ثلاثون بقرا
فصل وأما الشرائط التى ترجع إلى المال
و أربعون شاة فان كان الدين لا يفضل عن الغنم يصرف إلى الشاة لانه أقل زكاة فان فضل منه ينظر ان كان بنت مخاض وسط أقل قيمة من الشاة و تبيع وسط يصرف إلى الابل و ان كان أكثر قيمة منها يصرف إلى الغنم و البقر لان هذا أنفع للفقراء فالمدار على هذا الحرف فاما إذا لم يكن له مال للزكاة فانه يصرف الدين إلى عروض البذلة و المهنة أولا ثم إلى العقار لان الملك مما يستحدث في العروض ساعة فساعة فاما العقار فمما لا يستحدث فيه الملك غالبا فكان فيه مراعاة النظر لهما جميعا و الله أعلم ( فصل )
و أما الشرائط التي ترجع إلى المال فمنها الملك فلا تجب الزكاة في سوائم الوقف و الخيل المسبلة لعدم الملك و هذا لان في الزكاة تمليكا و التمليك في الملك لا يتصور و لا تجب الزكاة في المال الذي استولى عليه العدو و أحرزوه بدراهم عندنا لانهم ملكوها بالاحراز عندنا فزال ملك المسلم عنها و عند الشافعي تجب لان ملك المسلم بعد الاستيلاء و الاحراز بالدار قائم و ان زالت يده عنه و الزكاة وظيفة الملك عنده و منها الملك المطلق و هو أن يكون مملوكا له رقبة و يدا و هذا قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر اليد ليست بشرط و هو قول الشافعي فلا تجب الزكاة في المال الضمار عندنا خلافا لهما و تفسير مال الضمار هو كل مال مقدور الانتفاع به مع قيام أصل الملك كالعبد الآبق و الضال و المال المفقود و المال الساقط في البحر و المال الذي أخذه السلطان مصادرة و الدين المجحود إذا لم يكن للمالك بينة و حال الحول ثم صار له بينة بأن أقر عند الناس و المال المدفون في الصحراء إذا خفى على المالك مكانه فان كان مدفونا في البيت تجب فيه الزكاة بالاجماع و فى المدفون في الكرم و الدار الكبيرة اختلاف المشايخ احتجا بعمومات الزكاة من فصل و لان وجوب الزكاة يعتمد الملك دون اليد بدليل ابن السبيل فانه تجب الزكاة في ماله و ان كانت يده فائتة لقيام ملكه و تجب الزكاة في الدين مع عدم القبض و تجب في المدفون في البيت فثبت ان الزكاة وظيفة الملك و الملك موجود فتجب الزكاة فيه الا اته لا يخاطب بالاداء للحال لعجزه عن الاداء لبعد يده عنه و هذا لا ينفى الوجوب كما في ابن السبيل و لنا ما روى عن على رضى الله عنه موقوفا عليه و مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال لا زكاة في مال الضمار و هو المال الذي لا ينتفع به مع قيام الملك مأخوذ من البعير الضامر الذي لا ينتفع به لشدة هزاله مع كونه حيا و هذه الاموال منتفع بها في حق المالك لعدم وصول يده إليها فكانت ضمارا و لان المال إذا لم يكن مقدور الانتفاع به في حق المالك لا يكون المالك به غنيا و لا زكاة على الغنى بالحديث الذي روينا و مال ابن السبيل مقدور الانتفاع به في حقه بيد نائبه و كذا المدفون في البيت لانه يمكنه الوصول اليه بالنبش بخلاف المفازة لان نبش كل الصحراء مقدور له و كذا الدين المقر به إذا كان المقر مليا فهو ممكن الوصول اليه و اما الدين المجحود فان لم يكن له بينة فهو على الاختلاف و ان كان له بينة اختلف المشايخ فيه قال بعضهم تجب الزكاة فيه لانه يمكن الوصول اليه بالبينة فإذا لم يقم البينة فقد ضيع القدرة فلم يعذر و قال بعضهم لا تجب لان الشاهد قد يفسق الا إذا كان القاضي عالما بالدين لانه يقضى بعلمه فكان مقدور الانتفاع به و ان كان المديون يقر في السر و يجحد في العلانية فلا زكاة فيه كذا روى عن أبى يوسف لانه لا ينتفع بإقراره في السر فكان بمنزلة الجاحد سرا و علانية و ان كان المديون مقرا بالدين لكنه مفلس فان لم يكن مقضيا عليه بالافلاس تجب الزكاة فيه في قولهم جميعا و قال الحسن بن زياد لا زكاة فيه لان الدين على المعسر منتفع به فكان ضمارا و الصحيح قولهم لان المفلس قادر على الكسب و الاستقراض مع ان الافلاس محتمل الزوال ساعة فساعة اذ المال غاد و رائح و ان كان مقضيا عليه بالافلاس فكذلك في قول ابى حنيفة و أبى يوسف و قال محمد لا زكاة فيه فمحمد مر على اصله لان التفليس عنده يتحقق و انه يوجب زيادة عجز لانه يسد عليه باب التصرف لان الناس لا يعاملونه بخلاف الذي لم يقض عليه بالافلاس و أبو حنيفة مر على أصله لان الافلاس عنده لا يتحقق في حال الحياة و القضاء به باطل و أبو يوسف و ان كان يرى التفليس لكن المفلس قادر في الجملة بواسطة الاكتساب فصار الدين مقدور الانتفاع في الجملة فكان أثر التفليس في تأخير المطالبة إلى وقت اليسار فكان كالدين المؤجل فتجب الزكاة فيه و لو دفع إلى إنسان وديعة ثم نسى
المودع فان كان المدفوع اليه من معارفه فعليه الزكاة لما مضى إذا تذكر لان نسيان المعروف نادر فكان طريق الوصول قائما و ان كان ممن لا يعرفه فلا زكاة عليه فيما مضى لتعذر الوصول اليه و لا زكاة في دين الكتابة والدية على العاقلة لان دين الكتابة ليس بدين حقيقة لانه لا يجب للمولى على عبده دين فلهذا لم تصح الكفالة به و المكاتب عبد ما بقي عليه درهم اذ هو ملك المولى من وجه و ملك المكاتب من وجه لان المكاتب في اكتسابه كالحر فلم يكن بدل الكتابة ملك المولى مطلقا بل كان ناقصا و كذا الدية على العاقلة ملك ولي القتيل فيها متزلزل بدليل انه لو مات واحد من العاقلة سقط ما عليه فلم يكن ملكا مطلقا و وجوب الزكاة وظيفة الملك المطلق و على هذا يخرج قول أبى حنيفة في الدين الذي وجب للانسان لابد لا عن شيء رأسا كالميراث الدين و الوصية بالدين أو وجب بدلا عما ليس بمال أصلا كالمهر للمرأة على الزوج و بدل الخلع للزوج على المرأة و الصلح عن دم العمد انه لا تجب الزكاة فيه و جملة الكلام في الديون انها على ثلاث مراتب في قول أبى حنيفة دين قوى و دين ضعيف و دين وسط كذا قال عامة مشايخنا اما القوي فهو الذي وجب بدلا عن مال التجارة كثمن عرض التجارة من ثياب التجارة و عبيد التجارة أو غلة مال التجارة و لا خلاف في وجوب الزكاة فيه الا انه لا يخاطب باداء شيء من زكاة ما مضى ما لم يقبض أربعين درهما فكلما قبض أربعين درهما أدى درهما واحدا و عند أبى يوسف و محمد كلما قبض شيأ يؤدى زكاته قل المقبوض أو كثر و اما الدين الضعيف فهو الذي وجب له بدلا عن شيء سواء وجب له بغير صنعه كالميراث أو بصنعه كما لوصية أو وجب بدلا عما ليس بمال كالمهر و بدل الخلع و الصلح عن القصاص و بدل الكتابة و لا زكاة فيه ما لم يقبض كله و يحول عليه الحول بعد القبض و أما الدين الوسط فما وجب له بدلا عن مال ليس للتجارة كثمن عبد الخدمة و ثمن ثياب البذلة و المهنة و فيه روايتان عنه ذكر في الاصل انه تجب فيه الزكاة قبل القبض لكن لا يخاطب بالاداء ما لم يقبض مائتي درهم فإذا قبض مائتي درهم زكي لما مضى و روى ابن سماعة عن أبى يوسف عن أبى حنيفة انه لا زكاة فيه حتى يقبض المائتين و يحول عليه الحول من وقت القبض و هو أصح الروايتين عنه و قال أبو يوسف و محمد الديون كلها سواء وكلها قوية تجب الزكاة فيها قبل القبض الا الدية على العاقلة و مال الكتابة فانه لا تجب الزكاة فيها أصلا ما لم تقبض و يحول عليها الحول وجه قولهما ان ما سوى بدل الكتابة والدية على العاقلة ملك صاحب الدين ملكا مطلقا رقبة و يد التمكنه من القبض بقبض بدله و هو العين فتجب فيه الزكاة كسائر الاعيان المملوكة ملكا مطلقا الا انه لا يخاطب بالاداء للحال لانه ليس في يده حقيقة فإذا حصل في يده يخاطب باداء الزكاة قدر المقبوض كما هو مذهبهما في العين فيما زاد على النصاب بخلاف الدية و بدل الكتابة لان ذلك ليس بملك مطلق بل هو ملك ناقص على ما بينا و الله أعلم و لابي حنيفة وجهان أحدهما ان الدين ليس بمال بل هو فعل واجب و هو فعل تمليك المال و تسليمه إلى صاحب الدين و الزكاة انما تجب في المال فإذا لم يكن ما لا لا تجب فيه الزكاة و دليل كون الدين فعلا من وجوه ذكرناها في الكفالة بالدين عن ميت مفلس في الخلافيات كان ينبغى أن لا تجب الزكاة في دين ما لم يقبض و يحول عليه الحول الا أن ما وجب له بدلا عن مال التجارة أعطى له حكم المال لان بدل الشيء قائم مقامه كانه هو فصار كأن المبدل قائم في يده و انه مال التجارة و قد حال عليه الحول في يده و الثاني ان كان الدين ما لا مملوكا أيضا لكنه مال لا يحتمل القبض لانه ليس بمال حقيقة بل هو مال حكم في الذمة و ما في الذمة لا يمكن قبضه فلم يكن ما لا مملوكا رقبة و يدا فلا تجب الزكاة فيه كمال الضمار فقياس هذا أن لا تجب الزكاة في الديون كلها لنقصان الملك بفوات اليد الا ان الدين الذي هو يدل مال التجارة التحق بالعين في احتمال القبض لكونه بدل مال التجارة قابل للقبض و البدل يقام مقام المبدل و المبدل عين قائمة قابلة للقبض فكذا ما يقوم مقامه و هذا المعنى لا يوجد فيما ليس ببدل رأسا و لا فيما هو بدل عما ليس بمال و كذا في بدل مال ليس للتجارة على الرواية الصحيحة انه لا تجب فيه الزكاة ما لم يقبض قدر النصاب و يحول عليه الحول بعد القبض لان الثمن بدل مال ليس للتجارة فيقوم مقام المبدل و لو كان المبدل قائما في يده حقيقة لا تجب الزكاة فيه فكذا في بدله بخلاف بدل مال التجارة و اما الكلام في إخراج زكاة قدر المقبوض من الدين الذي تجب فيه
الزكاة على نحو الكلام في المال العين إذا كان زائدا على قدر النصاب و حال عليه الحول فعند أبى حنيفة لا شيء في الزيادة هناك ما لم يكن أربعين درهما فههنا أيضا لا يخرج شيأ من زكاة المقبوض ما لم يبلغ المقبوض أربعين درهما فيخرج من كل أربعين درهما يقبضها درهما و عندهما يخرج قدر ما قبض قل المقبوض أو كثر كما في المال العين إذا كان زائدا على النصاب و سيأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى و ذكر الكرخي ان هذا إذا لم يكن له مال سوى الدين فاما إذا كان له مال سوى الدين فما قبض منه فهو بمنزلة المستفاد فيضم الي ما عنده و الله أعلم ( و منها )
كون المال ناميا لان معنى الزكاة و هو النماء لا يحصل الا من المال النامي و لسنا نعنى به حقيقة النماء لان ذلك معتبر و انما نعنى به كون المال معدا للاستنماء بالتجارة أو بالاسامة لان الا سامة سبب لحصول الدر و النسل و السمن و التجارة سبب لحصول الربح فيقام السبب مقام المسبب و تعلق الحكم به كالسفر مع المشقة و النكاح مع الوطء والنوم مع الحدث و نحو ذلك و ان شئت قلت و منها كون المال فاضلا عن الحاجة الاصلية لان به يتحقق الغنا و معنى النعمة و هو التنعم و به يحصل الاداء عن طيب النفس اذ المال المحتاج اليه حاجة أصلية لا يكون صاحبه غنيا عنه و لا يكون نعمة اذ التنعم لا يحصل بالقدر المحتاج اليه حاجة أصلية لانه من ضرورات حاجة البقاء و قوام البدن فكان شكره شكر نعمة البدن و لا يحصل الاداء عن طيب نفس فلا يقع الاداء بالجهة المأمور بها لقوله صلى الله عليه و سلم و أدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم فلا تقع زكاة اذ حقيقة الحاجة أمر باطن لا يوقف عليه فلا يعرف الفضل عن الحاجة فيقام دليل الفضل عن الحاجة مقامه و هو الاعداد للاسامة و التجارة و هذا قول عامة العلماء و قال مالك هذا ليس بشرط لوجوب الزكاة و تجب الزكاة في كل مال سواء كان ناميا فاضلا عن الحاجة الاصلية أو لا كثياب البذلة و المهنة و العلوفة و الحمولة و العمولة من المواشي و عبيد الخدمة و المسكن و المراكب و كسوة الاهل و طعامهم و ما يتجمل به من آنية أو لؤلؤ أو فرش و متاع لم ينو به التجارة و نحو ذلك و احتج بعمومات الزكاة من فصل بين مال و مال نحو قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة و قوله عز و جل و فى أموالهم حق معلوم للسائل و المحروم و قوله تعالى و آتوا الزكاة و غير ذلك و لانها وجبت شكر النعمة المال و معنى النعمة في هذه الاموال أتم و أقرب لانها متعلق البقاء فكانت أدعى إلى الشكر و لنا أن معنى النماء و الفضل عن الحاجة الاصلية لابد منه لوجوب الزكاة لما ذكرنا من الدلائل و لا يتحقق ذلك في هذه الاموال و به تبين أن المراد من العمومات الاموال النامية الفاضلة عن الحوائج الاصلية و قد خرج الجواب عن قوله انها نعمة لما ذكرنا أن معنى النعمة فيها يرجع إلى البدن لانها تدفع الحاجة الضرورية و هي حاجة دفع الهلاك عن البدن فكانت تابعة لنعمة البدن فكان شكرها شكر نعمة البدن و هي العبادات البدنية من الصلاة و الصوم و غير ذلك و قوله تعالى و آتوا الزكاة دليلنا لان الزكاة عبارة عن النماء و ذلك من المال النامي على التفسير الذي ذكرناه و هو ان يكون معدا للاستنماء و ذلك بالاعداد للاسامة في المواشي و التجارة في أموال التجارة الا ان الاعداد للتجارة في الاثمان المطلقة من الذهب و الفضة ثابت بأصل الخلقة لانها لا تصلح للانتفاع بأعيانها في دفع الحوائج الاصلية فلا حاجة إلى الاعداد من العبد للتجارة بالنية اذ النية للتعيين و هي متعينة للتجارة بأصل الخلقة فلا حاجة الي التعيين بالنبة فتجب الزكاة فيها نوى التجارة أو لم ينو أصلا أو نوى النفقة و أما فيما سوى الاثمان من العروض فانما يكون الاعداد فيها للتجارة بالنية لانها كما تصلح للتجارة تصلح للانتفاع بأعيانها بل المقصود الاصلى منها ذلك فلا بد من التعيين للتجارة و ذلك بالنية و كذا في المواشي لابد فيها من نية الا سامة لانها كما تصلح للدر و النسل تصلح للحمل و الركوب و اللحم فلا بد من النية ثم نية التجارة و الاسامة لا تعتبر ما لم تتصل بفعل التجارة و الاسامة لان مجرد النية لا عبرة به في الاحكام لقول النبي صلى الله عليه و سلم ان الله عفا عن أمتي ما تحدثت به أنفسهم ما لم يتكلموا به أو يفعلوا ثم نية التجارة قد تكون صريحا و قد تكون دلالة أما الصريح فهو ان ينوى عند عقد التجارة ان يكون المملوك به للتجارة بان اشترى سلعة و نوى ان تكون للتجارة عند الشراء فتصبر للتجارة سواء كان الثمن الذي اشتراها به من الاثمان المطلقة أو من عروض التجارة أو مال البذلة و المهنة أو أجر داره بعرض بنية
التجارة فيصير ذلك مال التجارة لوجود صريح نية التجارة مقارنا لعقد التجارة اما الشراء فلا شك أنه تجارة و كذلك الاجارة لانها معاوضة المال بالمال و هو نفس التجارة و لهذا ملك المأذون بالتجارة الاجارة و النية المقارنة للفعل معتبرة و لو اشترى عينا من الاعيان و نوى ان تكون للبذلة و المهنة دون التجارة لا تكون للتجارة سواء كان الثمن من مال التجارة أو من مال التجارة لان الشراء بمال التجارة ان كان دلالة التجارة فقد وجد صريح نية الابتذال و لا تعتبر الدلالة مع الصريح بخلافها و لو ملك عروضا بغير عقد أصلا بان ورثها و نوى التجارة لم تكن للتجارة لان النية تجردت عن العمل أصلا فضلا عن عمل التجارة لان الموروث يدخل في ملكه من صنعه و لو ملكها بعقد ليس مبادلة أصلا كالهبة و الوصية و الصدقة أو بعقد هو مبادلة مال بغير مال كالمهر و بدل الخلع و الصلح عن دم العمد و بدل العتق و نوى التجارة يكون للتجارة عند أبى يوسف و عند محمد لا يكون للتجارة كذا ذكر الكرخي و ذكر القاضي الشهيد الاختلاف على القلب فقال في قول أبى حنيفة و أبى يوسف لا يكون للتجارة و فى قول محمد يكون للتجارة وجه قول من قال انه لا يكون للتجارة ان النية لم تقارن عملا هو تجارة و هي مبادلة المال بالمال فكان الحاصل مجرد النية فلا تعتبر و وجه القول الآخر ان التجارة عقد اكتساب المال و ما لا يدخل في ملكه الا بقبوله فهو حاصل بكسبه فكانت نيته مقارنة لفعله فاشبه قرانها بالشراء و الاجارة و القول الاول أصح لان التجارة كسب المال ببدل ما هو مال و القبول اكتساب المال بغير بدل أصلا فلم تكن من باب التجارة فلم تكن النية مقارنة عمل التجارة و لو استقرض عروضا و نوى ان تكون للتجارة اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يصير للتجارة لان القرض ينقلب معاوضة المال بالمال في العاقبة و اليه أشار في الجامع ان من كان له مائتا درهم لا مال له غيرها فاستقرض قبل حولان الحول بيوم من رجل خمسة أقفزة لغير التجارة و لم تستهلك الا قفزة حتى حال الحول لا زكاة عليه في المائتين و يصرف الدين إلى مال الزكاة دون الجنس الذي ليس بمال الزكاة فقوله استقرض لغير التجارة دليل انه لو ستقرض للتجارة يصير للتجارة و قال بعضهم لا يصير للتجارة و ان نوى لان القرض أعاره و هو تبرع لا تجارة فلم توجد نية التجارة مقارنة للتجارة فلا تعتبر و لو اشترى عروضا للبذلة و المهنة ثم نوى ان تكون للتجارة بعد ذلك لا تصير للتجارة ما لم يبعها فيكون بدلها للتجارة فرق بين هذا و بين ما إذا كان له مال التجارة فنوى ان يكون للبذلة حيث يخرج من أن يكون للتجارة و ان لم يستعمله لان النية لا تعتبر ما لم تتصل بالفعل و هو ليس بفاعل فعل التجارة فقد عزبت النية عن فعل التجارة فلا تعتبر للحال بخلاف ما إذا نوى الابتذال لانه نوى ترك التجارة و هو تارك لها في الحال فاقترنت النية بعمل هو ترك التجارة فاعتبرت و نظير الفصلين السفر مع الاقامة و هو ان المقيم إذا نوى السفر لا يصير مسافرا ما لم يخرج عن عمران المصر و المسافر إذا نوى الاقامة في مكان صالح للاقامة يصير مقيما للحال و نظيرهما من هذا الجنس الكافر إذا نوى أن يسلم بعد شهر لا يصير مسلما للحال و المسلم إذا قصد ان يكفر بعد سنين و العياذ بالله فهو كافر للحال و لو انه اشترى بهذه العروض التي اشتراها للابتذال بعد ذلك عروضا أخر تصير بدلها للتجارة بتلك النية السابقة و كذلك في الفصول التي ذكرنا انه نوى للتجارة في الوصية و القرض و مبادلة مال بما ليس بمال إذا اشترى بتلك العروض عروضا أخر صارت للتجارة لان النية قد وجدت حقيقة الا انها لم تعمل للحال لانها لم تصادف عمل التجارة فإذا وجدت التجارة بعد ذلك عملت النية السابقة عملها فيصير المال للتجارة لوجود نية التجارة مع التجارة و أما الدلالة فهي ان يشترى عينا من الاعيان بعرض التجارة أو يؤاجر داره التي للتجارة بعرض من العروض فيصير للتجارة و ان لم ينو التجارة صريحا لانه لما اشترى بمال التجارة فالظاهر انه نوى به التجارة و أما الشراء بغير مال التجارة فلا يشكل و اما اجارة الدار فلان بدل منافع عين معدة للتجارة كبدل عين معدة للتجارة في أنه للتجارة كذا ذكر في كتاب الزكاة من الاصل و ذكر في الجامع ما يدل على انه لا يكون للتجارة الا بالنية صريحا فانه قال و ان كانت الاجرة جارية تساوي ألف درهم و كانت عند المستأجر للتجارة فاجر المؤجر داره بها و هو يريد التجارة شرط النية عند الاجارة لنصير الجارية للتجارة و لم يذكر ان الدار للتجارة أو لغير التجارة فهذا يدل على أن النية شرط ليصير بدل منافع الدار
المستأجرة للتجارة و ان كانت الدار معدة للتجارة فكان في المسألة روايتان و مشايخ بلخ كانوا يصححون رواية الجامع و يقولون ان العين و ان كانت للتجارة لكن قد يقصد ببدل منافعها المنفعة فيؤاجر الدابة لينفق عليها و الدار للعمارة فلا تصير للتجارة مع التردد الا بالنية و أما إذا اشترى عروضا بالدراهم أو بالدنانير أو بما يكال أو يوزن موصوفا في الذمة فانها لا تكون للتجارة ما لم ينو التجارة عند الشراء و ان كانت الدراهم و الدنانير أثمانا و الموصوف في الذمة من المكيل و الموزون أثمان عند الناس و لانها كما جعلت ثمنا لمال التجارة جعلت ثمنا لشراء ما يحتاج اليه للابتذال و القوت فلا يتعين الشراء به للتجارة مع الاحتمال و على هذا لو اشترى المضارب بمال المضاربة عبيدا ثم اشترى لهم كسوة و طعاما للنفقة كان الكل للتجارة و تجب الزكاة في الكل لان نفقة عبيد المضاربة من مال المضاربة فطلق تصرفه ينصرف إلى ما يملك دون ما لا يملك حتى لا يصير خائنا و عاصيا عملا بدينه و عقله و ان نص على النفقة و بمثله المالك إذا اشترى عبيدا للتجارة ثم اشترى لهم ثيابا للكسوة و طعاما للنفقة فانه لا يكون للتجارة لان المالك كما يملك الشراء للتجارة يملك الشراء للنفقة و البذلة و له ان ينفق من مال التجارة و غير مال التجارة فلا يتعين للتجارة الا بدليل زائد و اما الاجراء الذين يعملون للناس نحو الصباغين و القصارين و الدباغين إذا اشتروا الصبغ و الصابون و الدهن و نحو ذلك مما يحتاج اليه في عملهم و نووا عند الشراء أن ذلك للاستعمال في عملهم هل يصير ذلك مال التجارة روى بشر بن الوليد عن أبى يوسف ان الصباغ إذا اشترى العصغر و الزعفران ليصبغ ثياب الناس فعليه فيه الزكاة و الحاصل ان هذا على وجهين ان كان شيأ يبقى أثره في المعمول فيه كالصبغ و الزعفران و الشحم الذي يدبغ به الجلد فانه يكون مال التجارة لان الاجر يكون مقابلة ذلك الاثر و ذلك الاثر مال قائم فانه من أجزاء الصبغ و الشحم لكنه لطيف فيكون هذا تجارة و ان كان شيأ لا يبقى أثره في المعمول فيه مثل الصابون و الاشنان و القلى و الكبريت فلا يكون مال التجارة لان عينها تتلف و لم ينتقل أثرها إلى الثوب المغسول حتى يكون له حصة من العوض بل البياض أصلي للثوب يظهر عند زوال الدرن فما يأخذ من العوض يكون بدل عمله لا بدل هذه الآلات فلم يكن مال التجارة و أما آلات الصناع و ظروف أمتعة التجارة لا تكون مال التجارة لانها لا تباع مع الامتعة عادة و قالوا في نحاس الدواب إذا اشترى المقاود و الجلال و البراذع انه ان كان يباع مع الدواب عادة يكون للتجارة لانها معدة لها و ان كان لا يباع معها و لكن تمسك و تحفظ بها الدواب فهي من آلات الصناع فلا يكون مال التجارة إذا لم ينو التجارة عند شرائها و قال أصحابنا في عبد التجارة قتله عبد خطأ فدفع به ان الثاني للتجارة لانه عوض مال التجارة و كذا إذا فدى بالدية من العروض و الحيوان و اما إذا قتله عمدا فصالح المولى من الدية على العبد القاتل أو على شيء من العروض لا يكون مال التجارة لانه عوض القصاص لا عوض العبد المقتول و القصاص ليس بمال و الله أعلم و منها الحول في بعض الاموال دون بعض و جملة الكلام في هذا الشرط يقع في موضعين أحدهما في بيان ما يشترط له الحول من الاموال و ما لا يشترط و الثاني في بيان ما يقطع حكم الحول و ما لا يقطع أما الاول فنقول لا خلاف في ان أصل النصاب و هو النصاب الموجود في أول الحول يشترط له الحول لقول النبي صلى الله عليه و سلم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول و لان كون المال ناميا شرط وجوب الزكاة لما ذكرنا و النماء لا يحصل الا بالاستنماء و لا بد لذلك من مدة و أقل مدة يستنمى المال فيها بالتجارة و الاسامة عادة الحول فاما المستفاد في خلال الحول فهل يشترط له حول على حدة أو يضم إلى الاصل فيزكى بحول الاصل جملة الكلام في المستفاد انه لا يخلو اما ان كان مستفادا في الحول و اما ان كان مستفادا بعد الحول و المستفاد في الحول لا يخلو اما ان كان من جنس الاصل و اما ان كان من خلاف جنسه فان كان من خلاف جنسه كالأَبل مع البقر و البقر مع الغنم فانه لا يضم إلى نصاب الاصل بل يستأنف له الحول بلا خلاف و ان كان من جنسه فاما ان كان متفرعا من الاصل أو حاصلا بسببه كالولد و الربح و اما لم يكن متفرعا من الاصل و لا حاصلا بسببه كالمشترى و الموروث و الموهوب و الموصى به فان كان متفرعا من الاصل أو حاصلا بسببه يضم إلى الاصل و يزكى بحول الاصل بالاجماع و ان لم يكن متفرعا من الاصل
و لا حاصلا بسببه فانه يضم إلى الاصل عندنا و عند الشافعي رحمه الله لا يضم احتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول و المستفاد مال لم يحل عليه الحول فلا زكاة فيه و لان الزكاة وظيفة الملك و المستفاد أصل في الملك لانه أصل في سبب الملك لانه ملك بسبب على حدة فيكون أصلا في شرط الحول كالمستفاد بخلاف الجنس بخلاف الولد و الربح لان ذلك تبع للاصل في الملك لكونه تبعا له في سبب الملك فيكون تبعا في الحول و لنا أن عمومات الزكاة تقتضي الوجوب مطلقا عن شرط الحول الا ما خص بدليل و لان المستفاد من جنس الاصل تبع له لانه زيادة عليه اذ الاصل يزداد به و يتكثر و الزيادة تبع للمزيد عليه و التبع لا يفرد بالشرط كما لا يفرد بالسبب لئلا ينقلب التبع أصلا فتجب الزكاة فيها بحول الاصل كالاولاد و الارباح بخلاف المستفاد بخلاف الجنس لانه ليس بتابع بل هو أصل بنفسه الا ترى أن الاصل لا يزداد به و لا يتكثر و قوله انه أصل في الملك لانه أصل في سبب الملك مسلم لكن كونه أصلا من هذا الوجه لا ينفى أن يكون تبعا من الوجه الذي بينا و هو أن الاصل يزداد به و يتكثر فكان أصلا من وجه و تبعا من وجه فتترجح جهة التبعية في حق الحول احتياطا لوجوب الزكاة و أما الحديث فعام خص منه بعضه و هو الولد و الربح فيخص المتنازع فيه بما ذكرنا ثم انما يضم المستفاد عندنا إلى أصل المال إذا كان الاصل نصابا فأما إذا كان أقل من النصاب فانه لا يضم اليه و ان كان يتكامل به النصاب و ينعقد الحول عليهما حال وجود المستفاد لانه إذا كان أقل من النصاب لم ينعقد الحول على الاصل فكيف ينعقد على المستفاد من طريق التبعية و أما المستفاد بعد الحول فلا يضم إلى الاصل في حق الحول الماضي بلا خلاف و انما يضم اليه في حق الحول الذي استفيد فيه لان النصاب بعد مضى الحول عليه يجعل متجددا حكما كانه انعدم الاول و حدث آخر لان شرط الوحوب و هو النماء بتجدد الحول فيصير النصاب كالمتجدد و الموجود في الحول الاول يصير كالعدم و المستفاد انما يجعل تبعا للاصل الموجود لا للمعدوم هذا الذي ذكرنا إذا لم يكن المستفاد ثمن الابل المزكاة فاما إذا كان فانه لا يضم إلى ما عنده من النصاب من جنسه و لا يزكى بحول الاصل بل يشترط له حول على حدة في قول أبى حنيفة و عندهما يضم و صورة المسألة إذا كان لرجل خمس من الابل السائمة و مائتا درهم فتم حول السائمة فزكاها ثم باعها بدراهم و لم يتم حول الدراهم فانه يستأنف للثمن حولا عنده و لا يضم إلى الدراهم و عندهما يضم و لو زكاها ثم جعلها علوفة ثم باعها ثم تم الحول على الدراهم فان ثمنها يضم الي الدراهم فيزكى الكل بحول الدراهم و لو كان له عبد للخدمة فأدى صدقة فطره أو كان له طعام فادى عشره أو كان له أرض فادى خراجها ثم باعها يضم ثمنها إلى أصل النصاب وجه قولهما ما ذكرنا في المسألة الاولى و هو ظاهر نصوص الزكاة مطلقة عن شرط الحول و اعتبار معنى التبعية و الدليل عليه ثمن الابل المعلوفة و عبد الخدمة و الطعام المعشور و الارض التي أدى خراجها و لابي حنيفة عموم قوله صلى الله عليه و سلم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول من فصل بين مال و مال الا أن المستفاد الذي ليس بثمن الابل السائمة صار مخصوصا بدليل فبقى الثمن على أصل العموم و صار مخصوصا عن عمومات الزكاة بالحديث المشهور و هو قوله صلى الله عليه و سلم لاثني في الصدقة أى لا تؤخذ الصدقة مرتين الا أن الاخذ حال اختلاف المالك و الحول و المال صورة و معنى صار مخصوصا و ههنا لم يوجد اختلاف المالك و الحول و لا شك فيه و كذا المال لم يختلف من حيث المعنى لان الثمن بدل الابل السائمة و يدل الشيء يقوم مقامه كانه هو فكانت السائمة قائمة معنى و ما ذكرا من معنى التبعية قياس في مقابلة النص فيكون باطلا على أن اعتبار التبعية ان كان يوجب الضم فاعتبار البناء يحرم الضم و القول بالحرمة أولى احتياطا و أما إذا زكاها ثم جعلها علوفة ثم باعها بدراهم فقد قال بعض مشايخنا ان على قول أبى حنيفة لا يضم و الصحيح أنه يضم بالاجماع و وجه التحريم أنه لما جعلها علوفة فقد خرجت من أن تكون مال الزكاة لفوات وصف النماء فصار كانها هلكت و حدث عين أخرى فلم يكن الثمن بدل الابل السائمة فلا يؤدى الي البناء و كذا في المسائل الاخر الثمن ليس بدل مال الزكاة و هو المال النامي الفاضل عن الحاجة الاصلية فلا يكون الضم بناء و لو كان عنده نصابان أحدهما ثمن الابل المزكاة و الآخر
ثمن الابل من الدراهم و الدنانير وأحدهما أقرب حولا من الآخر فاستفاد دراهم بالارث أو الهبة أو الوصية فان المستفاد يضم إلى أقربهما حولا أيهما كان و لو لم يوهب له و لا ورث شيأ و لا أوصى له بشيء و لكنه تصرف في النصاب الاول بعد ما أدى زكاته و ربح فيه ربحا و لم يحل حول ثمن الابل المزكاة فان الربح يضم إلى النصاب الذي ربح فيه لا إلى ثمن الابل و ان كان ذلك أبعد حولا و انما كان كذلك لان في الفصل الاول استويا في جهة التبعية فيرجح أقرب النصابين حولا يضم المستفاد اليه نظرا للفقراء و فى الفصل الثاني ما استويا في جهة التبعية بل أحدهما أقوى في الاستتباع لان المستفاد تبع لاحدهما حقيقة لكونه متفرعا منه فتعتبر حقيقة التبعية فلا يقطع حكم التبع عن الاصل و أما الثاني و هو بيان ما يقطع حكم الحول و ما لا يقطع فهلاك النصاب في خلال الحول يقطع حكم الحول حتى لو استفاد في ذلك الحول نصابا يستأنف له الحول لقول النبي صلى الله عليه و سلم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول و الهالك ما حال عليه الحول و كذا المستفاد بخلاف ما إذا هلك بعض النصاب ثم استفاد ما يكمل به لان ما بقي من النصاب ما حال عليه الحول فلم ينقطع حكم الحول و لو استبدل مال التجارة بمال التجارة و هي العروض قبل تمام الحول لا يبطل حكم الحول سواء استبدل بجنسها أو بخلاف جنسها بلا خلاف لان وجوب الزكاة في أموال التجارة يتعلق بمعنى المال و هو المالية و القيمة فكان الحول منعقدا على المعنى و انه قائم لم يفت بالاستبدال و كذلك الدراهم و الدنانير إذا باعها بجنسها أو بخلاف جنسها بأن باع الدراهم بالدراهم أو الدنانير بالدنانير أو الدنانير بالدراهم أو الدراهم بالدنانير و قال الشافعي ينقطع حكم الحول فعلى قياس قوله لا تجب الزكاة في مال الصيارفة لوجود الاستبدال منهم ساعة فساعة وجه قوله انهما عينان مختلفان حقيقة فلا تقوم احداهما مقام الاخرى فينقطع الحول المنعقد على احداهما كما إذا باع السائمة بالسائمة بجنسها أو بخلاف جنسها و لنا أن الوجوب في الدراهم أو الدنانير متعلق بالمعني أيضا لا بالعين و المعنى قائم بعد الاستبدال فلا يبطل حكم الحول كما في العروض بخلاف ما إذا استبدل السائمة بالسائمة لان الحكم هناك متعلق بالعين و قد تبدلت العين فبطل الحول المنعقد على الاول فيستانف للثاني حولا و لو استبدل السائمة بالسائمة فان استبدلها بخلاف جنسها بأن باع الابل بالبقر أو البقر بالغنم ينقطع حكم الحول بالاجماع و ان استبدلها بجنسها بأن باع الابل بالابل أو البقر بالبقر أو الغنم بالغنم فكذلك في قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر لا ينقطع وجه قوله ان الجنس واحد فكان المعنى متحدا فلا ينقطع الحول كما إذا باع الدراهم بالدراهم و لنا أن الوجوب في السوائم يتعلق بالعين لا بالمعني الا ترى أن من كان له خمس من الابل عجاف هزال لا تساوي مائتي درهم تجب فيها الزكاة فدل أن الوجوب فيها تعلق بالعين و العين قد اختلفت فيختلف له الحول و كذا لو باع السائمة بالدراهم أو بالدنانير أو بعروض ينوى بها التجارة أنه يبطل حكم الحول الاول بالاتفاق لان متعلق الوجوب في المالين قد اختلف اذ المتعلق في أحدهما العين و فى الآخر المعنى و لو احتال بشيء من ذلك فرارا من وجوب الزكاة عليه هل يكره له ذلك قال محمد يكره و قال أبو يوسف لا يكره و هو على الاختلاف في الحيلة لمنع وجوب الشفعة و لا خلاف في الحيلة لاسقاط الزكاة بعد وجوبها مكروهة كالحيلة لاسقاط الشفعة بعد وجوبها و منها النصاب و جملة الكلام في النصاب في مواضع في بيان أنه شرط وجوب الزكاة و فى بيان كيفية اعتبار هذا الشرط و فى بيان مقدار النصاب و فى بيان صفته و فى بيان مقدار الواجب في النصاب و فى بيان صفته أما الاول فكمال النصاب شرط وجوب الزكاة فلا تجب الزكاة فيما دون النصاب لانها لا تجب الا على الغنى و الغنا لا يحصل الا بالمال الفاضل عن الحاجة الاصلية و ما دون النصاب لا يفضل عن الحاجة الاصلية فلا يصير الشخص غنيا به و لانها وجبت شكر النعمة المال و ما دون النصاب لا يكون نعمة موجبة للشكر للمال بل يكون شكره شكر النعمة البدن لكونه من توابع نعمة البدن على ما ذكرنا و لكن هذا الشرط يعتبر في أول الحول و فى آخره لا في خلاله حتى لو انتقص النصاب في اثناء الحول ثم كمل في آخره تجب الزكاة سواء كان من السوائم أو من الذهب و الفضة أو مال التجارة و هذا قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر كمال النصاب من أول الحول إلى آخره شرط وجوب الزكاة و هو قول
فصل وأما صفة النصاب في الفضة
فصل أما الاثمان المطلقة وهى الذهب والفضة
الشافعي الا في مال التجارة فانه يعتبر كمال النصاب في آخر الحول و لا يعتبر في أول الحول و وسطه حتى انه إذا كان قيمة مال التجارة في أول الحول مائة درهم فصارت قيمته في آخر الحول مائتين تجب الزكاة عنده وجه قول زفران حولان الحول على النصاب شرط وجوب الزكاة فيه و لا نصاب في وسط الحول فلا يتصور حولان الحول عليه و لهذا لو هلك النصاب في خلال الحول ينقطع حكم الحول و كذا لو كان النصاب سائمة فجعلها علوفة في وسط الحول بطل الحول و بهذا يحتج الشافعي أيضا الا أنه يقول تركت هذا القياس في مال التجارة للضرورة و هي أن النصاب التجارة يكمل بالقيمة و القيمة تزداد و تنتقص في كل ساعة لتغير السعر لكثرة رغبة الناس و قلتها و عزه السلعة و كثرتها فيشق عليه تقويم ماله في كل يوم فاعتبر الكمال عند وجوب الزكاة و هو آخر الحول لهذه الضرورة و هذه الضرورة لا توجد في السائمة لان نصابها لا يكمل باعتبار القيمة بل باعتبار العين و لنا أن كمال النصاب شرط وجوب الزكاة فيعتبر وجوده في أول الحول و آخره لا لان أول الحول وقت انعقاد السبب و آخره وقت ثبوت الحكم فأما وسط الحول فليس بوقت انعقاد السبب و لا وقت ثبوت الحكم فلا معنى لاعتبار كمال النصاب فيه الا أنه لابد من بقاء شيء من النصاب الذي انعقد عليه الحول ليضم المستفاد اليه فإذا هلك كله لم يتصور الضم فيستأنف له الحول بخلاف ما إذا جعل السائمة علوفة في خلال الحول لانه لما جعلها علوفة فقد أخرجها من أن تكون مال الزكاة فصار كما لو هلكت و ما ذكر الشافعي من اعتبار المشقة يصلح لاسقاط اعتبار كمال النصاب في خلال الحول لا في أوله لانه لا يشق عليه تقويم ماله عند ابتداء الحول ليعرف به انعقاد الحول كمالا يشق عليه ذلك في آخر الحول ليعرف به وجوب الزكاة في ماله و الله أعلم و أما مقدار النصاب وصفته و مقدار الواجب في النصاب وصفته فلا سبيل إلى معرفتها الا بعد معرفة أموال الزكاة لان هذه الجملة تختلف باختلاف أموال الزكاة فنقول و بالله التوفيق أموال الزكاة أنواع ثلاثة أحدها الاثمان المطلقة و هي الذهب و الفضة و الثاني أموال التجارة و هي العروض المعدة للتجارة و الثالث السوائم فنبين مقدار النصاب من كل واحد وصفته و مقدار الواجب في كل واحد وصفته و من له المطالبة باداء الواجب في السوائم و الاموال الظاهرة ( فصل )
أما الاثمان المطلقة و هي الذهب و الفضة أما قدر النصاب فيهما فالأَمر لا يخلو اما أن يكون له فضة مفردة أو ذهب مفرد أو اجتمع له الصنفان جميعا فان كان له فضة مفردة فلا زكاة فيها حتى تبلغ مائتي درهم وزنا وزن سبعة فإذا بلغت ففيها خمسة دراهم لما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما كتب كتاب الصدقات لعمرو بن حزم ذكر فيه الفضة ليس فيها صدقة حتى تبلغ مائتي درهم فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم و روى عنه صلى الله عليه و سلم انه قال لمعاذ لما بعثه إلى اليمن ليس فيما دون مائتين من الورق شيء و فى مائتين خمسة و انما اعتبرنا الوزن في الدراهم دون العدد لان الدراهم اسم للموزون لانه عبارة عن قدر من الموزون مشتمل على جملة موزونة من الدوانيق و الحبات حتى لو كان وزنها دون المائتين و عددها مائتان أو قيمتها لجودتها و صياغتها تساوي مائتين فلا زكاة فيها و انما اعتبرنا وزن سبعة و هو أن يكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل و المائتان مما يوزن مائة و أربعون مثقالا لانه الوزن المجمع عليه للدراهم المضروبة في الاسلام و ذلك ان الدراهم في الجاهلية كان بعضها ثقيلا مثقالا و بعضها خفيفا طير يا فلما عزموا على ضرب الدراهم في الاسلام جمعوا الدرهم الثقيل و الدرهم الخفيف فجعلوهما درهمين فكانا درهمين بوزن سبعة فاجتمعت الامة على العمل على ذلك و لو نقص النصاب عن المائتين نقصانا يسيرا يدخل بين الوزنين قال أصحابنا لا تجب الزكاة فيه لانه وقع الشك في كمال النصاب فلا نحكم بكماله مع الشك و الله أعلم و لو كانت الفضة مشتركة بين اثنين فان كان يبلغ نصيب كل واحد منهما مقدار النصاب تجب الزكاة و الا فلا و يعتبر في حال الشركة ما يعتبر في حال الانفراد و هذا عندنا و عند الشافعي تجب و نذكر المسألة في السوائم ان شاء الله تعالى ( فصل )
و أما صفة هذا النصاب فنقول لا يعتبر في هذا النصاب صفة زائدة على كونه فضة فتجب الزكاة فيها سواء
كانت دراهم مضروبة أو نقرة أو تبرأ أو حليا مصوغا أو حلية سيف أو منطقة أو لجام أو سرج أو الكواكب في المصاحف و الاوانى و غيرها إذا كانت تخلص عند الاذابة إذا بلغت مائتي درهم و سواء كان يمسكها للتجارة أو للنفقة أو للتجمل أو لم ينو شيأ و هذا عندنا و هو قول الشافعي أيضا الا في حلى النساء إذا كان معد اللبس مباح أو للعارية للثواب فله فيه قولان في قول لا شيء فيه و هو مروى عن ابن عمر و عائشة رضى الله عنهما و احتج بما روى في الحديث لا زكاة في الحلى و عن ابن عمر رضى الله عنه انه قال زكاة الحلى إعارته و لانه مال مبتذل في وجه مباح فلا يكون نصاب الزكاة كثياب البذلة و المهنة بخلاف حلى الرجال فانه مبتذل في وجه محظور و هذا لان الابتذال إذا كان مباحا كان معتبرا شرعا و إذا كان محظورا كان ساقط الاعتبار شرعا فكان ملحقا بالعدم نظيره ذهاب العقل بشرب الدواء مع ذهابه بسبب السكر انه اعتبر الاول و سقط اعتبار الثاني كذا هذا و لنا قوله تعالى و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم الحق الوعيد الشديد بكنز الذهب و الفضة و ترك إنفاقها في سبيل الله من فصل بين الحلى و غيره و كل مال لم تؤد زكاته فهو كنز بالحديث الذي روينا فكان تارك اداء الزكاة منه كانزا فيدخل تحت الوعيد و لا يلحق الوعيد الا بترك الواجب و قول النبي صلى الله عليه و سلم و أدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم من فصل بين مال و مال و لان الحلى مال فاضل عن الحاجة الاصلية اذ الاعداد للتجمل و التزين دليل الفضل عن الحاجة الاصلية فكان نعمة لحصول التنعم به فيلزمه شكرها بإخراج جزء منها للفقراء و أما الحديث فقد قال بعض صيارفة الحديث انه لم يصح لاحد شيء في باب الحلى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و المروي عن ابن عمر معارض بالمروي عنه أيضا انه زكي حلى بناته و نسائه على ان المسألة مختلفة بين الصحابة فلا يكون قول البعض حجة على البعض مع ما ان تسمية أعاره الحلى زكاة لا تنفى وجوب الزكاة المعهودة إذا قام دليل الوجوب و قد بينا ذلك هذا إذا كانت الدراهم فضة خالصة فاما إذا كانت مغشوشة فان كان الغالب هو الفضة فكذلك لان الغش فيها مغمور مستهلك كذا روى الحسن عن أبى حنيفة ان الزكاة تجب في الدراهم الجياد و الزيوف و النبهرجة و المكحلة والمزيفة قال لان الغالب فيها كلها الفضة و ما تغلب فضته على غشه يتناوله اسم الدراهم مطلقا و الشرع أوجب بإسم الدراهم و ان كان الغالب هو الغش و الفضة فيها مغلوبة فان كانت أثمانا رائجة أو كان يمسكها للتجارة يعتبر قيمتها فان بلغت قيمتها مائتي درهم من أدنى الدراهم التي تجب فيها الزكاة و هي التي الغالب عليها الفضة تجب فيها الزكاة و الا فلا و ان لم تكن أثمانا رائجة و لا معدة للتجارة فلا زكاة فيها الا أن يكون ما فيها من الفضة يبلغ مائتي درهم بان كانت كبيرة لان الصغر لا تجب فيه الزكاة الا بنية التجارة و الفضة لا يشترط فيها نية التجارة فإذا أعدها للتجارة اعتبرنا القيمة كعروض التجارة و إذا لم تكن للتجارة و لا ثمنا رائجة اعتبرنا ما فيها من الفضة و كذا روى الحسن عن أبى حنيفة فيمن كانت عنده فلوس أو دراهم رصاص أو نحاس أو مموهة بحيث لا يخلص فيها الفضة انها ان كانت للتجارة يعتبر قيمتها فان بلغت مائتي درهم من الدراهم التي تغلب فيها الفضة ففيها الزكاة و ان لم تكن للتجارة فلا زكاة فيها لما ذكرنا ان الصفر و نحوه لا تجب فيه الزكاة ما لم تكن للتجارة و على هذا كان جواب المتقدمين من مشايخنا بما وراء النهر في الدراهم المسماة بالغطارفة التي كانت في الزمن المتقدم في ديارنا انها ان كانت أثمانا رائجة يعتبر قيمتها بأدنى ما ينطلق عليه اسم الدراهم و هي التي تغلب عليها الفضة و ان لم تكن أثمانا رائجة فان كانت سلعا للتجارة تعتبر قيمتها أيضا و ان لم تكن للتجارة ففيها الزكاة بقدر ما فيها من الفضة ان بلغت نصابا أو بالضم إلى ما عنده من مال التجارة و كان الشيخ الامام أبو بكر محمد بن الفضل البخارى يفتى بوجوب الزكاة في كل مائتين فيها ربع عشرها و هو خمسة منها عددا و كان يقول هو من أعز النقود فينا بمنزلة الفضة فيهم و نحن أعرف بنقودنا و هو اختيار الامام الحلوانى و السرخسي و قول السلف اصح لما ذكرنا من الفقة و لو زاد على نصاب الفضة شيء فلا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين فيجب فيها درهم في قول أبى حنيفة و على هذا ابدا في كل أربعين درهم و قال أبو يوسف و محمد و الشافعي
فصل وأما مقدار الواجب فيه
فصل وأما صفة نصاب الذهب
فصل هذا اذا كان له فضة مفردة
فصل وأما مقدار الواجب فيها
تجب الزكاة في الزيادة بحساب ذلك قلت أو كثرت حتى لو كانت الزيادة درهما يجب فيه جزء من الاربعين جزأ من درهم و المسألة مختلفة بين الصحابة رضى الله عنهم روى عن عمر رضى الله عنه مثل قول أبى حنيفة و روى عن على و ابن عمر رضى الله عنهما مثل قولهم و لا خلاف في السوائم انه لا شيء في الزوائد منها على النصاب حتى تبلغ نصابا احتجوا بما روى عن على رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال و ما زاد على المائتين فبحساب ذلك و هذا نص في الباب و لان شرط النصاب ثبت معدولا به عن القياس لان الزكاة عرف وجوبها شكر النعمة المال و معنى النعمة يوجد في القليل و الكثير و انما عرفنا اشتراطه بالنص و انه ورد في أصل النصاب فبقى الامر في الزيادة على أصل القياس الا ان الزيادة في السوائم لا تعتبر ما لم تبلغ نصابا دفعا لضرر الشركة اذ الشركة في الاعيان عيب و هذا المعنى لم يوجد ههنا و لابي حنيفة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال في كتاب عمرو بن حزم فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم و فى كل أربعين درهم و ليس فيما دون الاربعين صدقة و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لمعاذ حين وجهه إلى اليمن لا تأخذ من الكسور شيأ فإذا كان الورق مائتي درهم فخذ منها خمسة دراهم و لا تأخذ مما زاد شيأ حتى يبلغ أربعين درهما فتأخذ منها درهما و لان الاصل أن يكون بعد كل نصاب عفو نظرا لارباب الاموال كما في السوائم و لان في اعتبار الكسور حرجا و انه مدفوع و حديث على رضى الله عنه لم يرفعه أحد من الثقات بل شكوا في قوله و ما زاد على المائتين فبحساب ذلك ان ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم أو قول على فان كان قول النبي صلى الله عليه و سلم يكون حجة و ان كان قول على رضى الله عنه لا يكون حجة لان المسألة مختلفة بين الصحابة رضى الله عنهم فلا يحتج بقول البعض على البعض و به تبين انه لا يصلح معارضا لما روينا و ما ذكروا من شكر النعمة فالجواب عنه ما ذكرنا فيما تقدم لان معنى النعمة هو التنعم و انه لا يحصل بما دون النصاب ثم يبطل بالسوائم مع انه قياس في مقابلة النص و انه باطل و الله أعلم ( فصل )
و أما مقدار الواجب فيها فربع العشر و هو خمسة من مائتين للاحاديث التي روينا اذ المقادير لا تعرف الا توقيفا و قوله صلى الله عليه و سلم هاتوا ربع عشور أموالكم و خمسة من مائتين ربع عشرها و أما صدقة الواجب فنذكرها ان شاء الله تعالى ( فصل )
هذا إذا كان له فضة مفردة فاما إذا كان له ذهب مفرد فلا شيء فيه حتى يبلغ عشرين مثقالا فإذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال لما روى في حديث عمرو بن حزم و الذهب ما لم يبلغ قيمته مائتي درهم فلا صدقة فيه فإذا بلغ قيمته مائتي درهم ففيه ربع العشر و كان الدينار على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم مقوما بعشرة دراهم و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لعلى ليس عليك في الذهب زكاة ما لم يبلغ عشرين مثقالا فإذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال و سواء كان الذهب لواحد أو كان مشتركا بين اثنين أنه لا شيء على أحدهما ما لم يبلغ نصيب كل واحد منهما نصابا عندنا خلافا للشافعي و المسألة تأتي في نصاب السوائم ان شاء الله تعالى ( فصل )
و أما صفة نصاب الذهب فنقول لا يعتبر في نصاب الذهب أيضا صفة زائدة على كونه ذهبا فتجب الزكاة في المضروب و التبر و المصوغ و الحلى الا على أحد قولى الشافعي في الحلى الذي يحل استعماله و الصحيح قولنا لان قوله تعالى و الذين يكنزون الذهب و الفضة و قول النبي صلى الله عليه و سلم في كتاب عمرو بن حزم و حديث على يقتضى الوجوب في مطلق الذهب و كذا حكم الدنانير التي الغالب عليها الذهب كالمحمودية و الصورية و نحوهما و حكم الذهب الخالص سواء لما ذكرنا و اما الهروية و المروية و ما لم يكن الغالب عليها الذهب فتعتبر قيمتها ان كانت أثمانا رائجة أو للتجارة و الا فيعتبر قدر ما فيها من الذهب و الفضة وزنا لان كل واحد يخلص بالاذابة و لو زاد على نصاب الذهب شيء فلا شيء في الزيادة في قول أبى حنيفة حتى تبلغ أربعة مثاقيل فيجب فيها قيراطان و عند أبى يوسف و محمد و الشافعي يجب في الزيادة و ان قلت بحساب ذلك و المسألة قد مرت و الله أعلم ( فصل )
و أما مقدار الواجب فيه فربع العشر بحديث عمرو بن حزم و حديث على رضى الله عنهما
لان نصف مثقال من عشرين مثقالا ربع عشره و أما صفة الواجب فنذكرها ان شاء الله تعالى هذا إذا كان له فضة مفردة أو ذهب مفرد فاما إذا كان له الصنفان جميعا فان لم يكن كل واحد منهما نصابا بأن كان له عشرة مثاقيل و مائة درهم فانه يضم أحدهما إلى الآخر في حق تكميل النصاب عندنا و عند الشافعي لا يضم أحدهما إلى الآخر بل يعتبر كمال النصاب من كل واحد منهما على حدة وجه قوله انهما جنسان مختلفان فلا يضم أحدهما للآخر في تكميل النصاب كالسوائم عند اختلاف الجنس و انما قلنا انهما عينان مختلفان لاختلافهما صورة و معنى اما الصورة فظاهر و أما المعنى فلانه يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا و صار كالأَبل مع الغنم بخلاف مال التجارة لان هناك يكمل النصاب من قيمتها و القيمة واحدة و هي دراهم أو دنانير فكان مال الزكاة جنسا واحدا و هو الذهب أو الفضة فاما الزكاة في الذهب و الفضة فانما تجب لعينها دون القيمة و لهذا لا يكمل به القيمة حالة الانفراد و انما يدل بالوزن كثرت القيامة أو قلت بأن كانت رديئة ( و لنا )
ما روى عن بكير بن عبد الله بن الاشج انه قال مضت السنة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بضم الذهب إلى الفضة و الفضة إلى الذهب في إخراج الزكاة و لانهما مالان متحدان في المعنى الذي تعلق به وجوب الزكاة فيهما و هو الاعداد للتجارة بأصل الخلقة و الثمنية فكانا في حكم الزكاة كجنس واحد و لهذا اتفق الواجب فيهما و هو ربع العشر على كل حال و انما يتفق الواجب عند اتحاد المال و أما عند الاختلاف فيختلف الواجب و إذا اتحد المالان معنى فلا يعتبر اختلاف الصورة كعروض التجارة و لهذا يكمل نصاب كل واحد منهما بعروض التجارة و لا يعتبر اختلاف الصورة كما إذا كان له أقل من عشرين مثقالا و أقل من مائتي درهم و له عروض للتجارة و نقد البلد في الدراهم و الدنانير سواء فان شاء كمل به نصاب الذهب و ان شاء كمل به نصاب الفضة و صار كالسود مع البيض بخلاف السوائم لان الحكم هناك متعلق بالصورة و المعنى و هما مختلفان صورة و معنى فتعذر تكميل نصاب أحدهما بالآخر ثم إذا وجبت الزكاة عند ضم أحدهما بالآخر اختلفت الرواية فيما يؤدى روى أبو يوسف عن أبى حنيفة انه يؤدى من مائة درهم درهمان و نصف و من عشرة مثاقيل ذهب ربع مثقال و هو احدى الروايتين عن أبى يوسف لان هذا أقرب إلى المعادلة و النظر من الجانبين و روى عن أبى يوسف رواية أخرى انه يقوم أحدهما بالآخر ثم يؤدى الزكاة من نوع واحد و هو أقرب إلى موافقة نصوص الزكاة ثم اختلف أصحابنا في كيفية الضم فقال أبو حنيفة يضم أحدهما إلى الآخر باعتبار القيمة و قال أبو يوسف و محمد يضم باعتبار الاجزاء و هو رواية عن أبى حنيفة أيضا ذكره في نوادر هشام و انما تظهر ثمرة الاختلاف فيما إذا كانت قيمة أحدهما لجودته و صياغته أكثر من وزنه بان كان له مائة درهم و خمسة مثاقيل قيمتها مائة درهم فعند أبى حنيفة يقوم الدنانير بخلاف جنسها دراهم و تضم إلى الدراهم فيكمل نصاب الدراهم من حيث القيمة فتجب الزكاة و عندهما تضم باعتبار الاجزاء فلا يكمل النصاب لان له نصف نصاب الفضة و ربع نصاب الذهب فيكون ثلاثة أرباع النصاب فلا يجب شيء و على هذا لو كان له مائة درهم و عشرة مثاقيل ذهب قيمتها مائة و أربعون درهما تضم باعتبار القيمة عند أبى حنيفة فتبلغ مائتين و أربعين درهما فتجب فيها ستة دراهم و عندهما تضم باعتبار الاجزاء فيكون نصف نصاب الذهب و نصف نصاب الفضة فيكون نصابا تاما فيجب في نصف كل واحد منهما ربع عشره فاما إذا كان وزنهما و قيمتهما سواء بان كان له مائة درهم و عشرة مثاقيل ذهب تساوي مائة أو مائة و خمسون درهما و خمسة مثاقيل ذهب أو خمسة عشر مثقالا و خمسون درهما فههنا لا تظهر ثمرة الاختلاف بل يضم أحدهما إلى الآخر بالاجماع على اختلاف الاصلين عنده باعتبار التقويم و عندهما باعتبار الاجزاء و أجمعوا على انه إذا كان له مائة درهم و خمسة مثاقيل ذهب قيمتها خمسون درهما لا تجب الزكاة فيهما لان النصاب لم يكمل بالضم لا باعتبار القيمة و لا باعتبار الاجزاء و أجمعوا على انه لا تعتبر القيمة في الذهب و الفضة عند الانفراد في حق تكميل النصاب حتى انه إذا كان له ابريق فضة وزنه مائة درهم و قيمته لصناعته مائتان لا تجب فيه الزكاة باعتبار القيمة و كذلك إذا كان له آنية ذهب وزنها عشرة و قيمتها لصناعتها مائتا درهم لا تجب فيها الزكاة
فصل وأما أموال التجارة فتقدير النصاب فيها
باعتبار القيمة وجه قولهما ان القيمة في الذهب و الفضة ساقطة الاعتبار شرعا لان سائر الاشياء تقوم بهما و انما المعتبر فيهما الوزن الا ترى ان من ملك ابريق فضة وزنه مائة و خمسون درهما و قيمته مائتا درهم لا تجب الزكاة و كذلك إذا ملك آنية ذهب وزنها عشرة مثاقيل و قيمتها مائتا درهم لا تجب الزكاة و لو كانت القيمة فيها معتبرة لوجبت و لابي حنيفة انهما عينان وجب ضم أحدهما إلى الآخر لايجاب الزكاة فكان الضم باعتبار القيمة كعروض التجارة و هذا لان كمال النصاب لا يتحقق الا عند اتحاد الجنس و لا اتحاد الا باعتبار صفة المالية دون العين فان الاموال أجناس بأعيانها جنس واحد باعتبار صفة المالية فيها و هذا بخلاف الابريق و الآنية لان هناك ما وجب ضمه إلى شيء آخر حتى تعتبر فيه القيمة و هذا لان القيمة في الذهب و الفضة انما تظهر شرعا عند مقابلة أحدهما بالآخر فان الجودة و الصنعة لا قيمة لها إذا قوبلت بجنسها قال النبي صلى الله عليه و سلم جيدها و رديئها سواء فاما عند مقابلة أحدهما بالآخر فتظهر للجودة قيمة الا ترى انه متى وقعت الحاجة إلى تقويم الذهب و الفضة في حقوق العباد تقوم بخلاف جنسها فان اغتصب قلبا فهشمه و اختار المالك تضمينه ضمنه قيمته من خلاف جنسه فكذلك في حقوق الله تعالى و لان في التكميل باعتبار التقويم ضرب احتياط في باب العبادة و نظرا للفقراء فكان أولى ثم عند أبى حنيفة يعتبر في التقويم منفعة الفقراء كما هو أصله حتى روى عنه انه قال إذا كان لرجل مائة و خمسة و تسعون درهما و دينار يساوى خمسة دراهم انه تجب الزكاة و ذلك بأن يقوم الفضة بالذهب كل خمسة منها بدينار و هذا الذي ذكرنا كله من وجوب الضم إذا لم يكن كل واحد منهما نصابا بأن كان أقل من النصاب فاما إذا كان كل واحد منهما نصابا تاما و لم يكن زائدا عليه لا يجب الضم بل ينبغى أن يؤدى من كل واحد منهما زكاته و لو ضم أحدهما إلى الآخر حتى يؤدى كله من الفضة أو من الذهب فلا بأس به عندنا و لكن يجب أن يكون التقويم بما هو أنفع للفقراء رواجا و الا فيؤدى من كل واحد منهما ربع عشره و ان كان على كل واحد من النصابين زيادة فعند أبى يوسف و محمد لا يجب ضم احدى الزيادتين إلى الاخرى لانهما يوجبان الزكاة في الكسور بحساب ذلك و أما عند أبى حنيفة فينظر ان بلغت الزيادة أربع مثاقيل و أربعين درهما فكذلك و ان كان أقل من أربعة مثاقيل و أقل من أربعين درهما يجب ضم احدى الزيادتين إلى الاخرى ليتم أربعين درهما أو أربعة مثاقيل لان الزكاة لا تجب في الكسور عنده و الله أعلم ( فصل )
و أما أموال التجارة فتقدير النصاب فيها بقيمتها من الدنانير و الدراهم فلا شيء فيها ما لم تبلغ قيمتها مائتي درهم أو عشرين مثقالا من ذهب فتجب فيها الزكاة و هذا قول عامة العلماء و قال أصحاب الظواهر لا زكاة فيها أصلا و قال مالك إذا نضت زكاها لحول واحد وجه قول أصحاب الظواهر ان وجوب الزكاة انما عرف بالنص و النص ورد بوجوبها في الدراهم و الدنانير و السوائم فلو وجبت في غيرها لوجبت بالقياس عليها و القياس ليس بحجة خصوصا في باب المقادير ( و لنا )
ما روى عن سمرة بن جندب انه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرنا بإخراج الزكاة من الرقيق الذي كنا نعده للبيع و روى عن أبى ذر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال في البر صدقة و قال صلى الله عليه و سلم هاتوا ربع عشر أموالكم فان قيل الحديث ورد في نصاب الدراهم لانه قال في آخره من كل أربعين درهما درهم فالجواب ان أول الحديث عام و خصوص آخره يوجب سلب عموم أوله أو نحمل قوله من كل أربعين درهم على القيمة أى من كل أربعين درهما من قيمتها درهم و قال صلى الله عليه و سلم و أدوا زكاة أموالكم من فصل بين مال و مال الا ما خص بدليل و لان مال التجارة مال نام فاضل عن الحاجة الاصلية فيكون مال الزكاة كالسوائم و قد خرج الجواب عن قولهم ان وجوب الزكاة عرف بالنص لانا قد روينا النص في الباب على ان أصل الوجوب عرف بالعقل و هو شكر لنعمة المال و شكر نعمة القدرة بإعانة العاجز الا ان مقدار الواجب عرف بالسمع و ما ذكره مالك سديد لانه وجد سبب وجوب الزكاة و شرطه في كل حول فلا معنى لتخصيص الحول الاول بالوجوب فيه كالسوائم و الدراهم و الدنانير و سواء كان مال التجارة عروضا أو عقارا أو شيأ مما يكال
أو يوزن لان الوجوب في أموال التجارة تعلق بالمعني و هو المالية و القيمة و هذه الاموال كلها في هذا المعنى جنس واحد و كذا يضم بعض أموال التجارة إلى البعض في تكميل النصاب لما قلنا و إذا كان تقدير النصاب من أموال التجارة بقيمتها من الذهب و الفضة و هو أن تبلغ قيمتها مقدار نصاب من الذهب و الفضة فلا بد من التقويم حتى يعرف مقدار النصاب ثم بماذا تقوم ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي انه يقوم بأوفى القيمتين من الدراهم و الدنانير حتى انها إذا بلغت بالتقويم بالدراهم نصابا و لم تبلغ بالدنانير قومت بما تبلغ به النصاب و كذا روى عن أبى حنيفة في الامالي انه يقومها بأنفع النقدين للفقراء و عن أبى يوسف انه يقومها بما اشتراها به فان اشتراها بالدراهم قومها بالدراهم و ان اشتراها بالدنانير قومها بالدنانير و ان اشتراها بغيرهما من العروض أو لم يكن اشتراها بان كان وهب له فقبله ينوى به التجارة قومها بالنقد الغالب في ذلك الموضع و عند محمد يقومها بالنقد الغالب على كل حال و ذكر في كتاب الزكاة أنه يقومها يوم حال الحول ان شاء بالدراهم و ان شاء بالدنانير وجه قول محمد أن التقويم في حق الله تعالى يعتبر بالتقويم في حق العباد ثم إذا وقعت الحاجة إلى تقويم شيء من حقوق العباد كالمغصوب و المستهلك يقوم بالنقد الغالب في البلدة كذا هذا وجه قول أبى يوسف ان المشترى بدل و حكم البدل يعتبر بأصله فإذا كان مشترى بأحد النقدين فتقويمه بما هو أصله أولي وجه رواية كتاب الزكاة أن وجوب الزكاة في عروض التجارة باعتبار ماليتها دون أعيانها و التقويم لمعرفة مقدار المالية و النقدان في ذلك سيان فكان الخيار إلى صاحب المال يقومه بأيهما شاء ألا ترى أن في السوائم عند الكثرة و هي ما إذا بلغت مائتين الخيار إلى صاحب المال ان شاء أدى أربع حقاق و ان شاء خمس بنات لبون فكذا هذا وجه قول أبى حنيفة أن الدراهم و الدنانير و ان كانا في الثمنية و التقويم بهما سواء لكنا رجحنا أحدهما بمرجح و هو النظر للفقراء و الاخذ بالاحتياط أولى الا ترى انه لو كان بالتقويم بأحدهما يتم الصاب و بالآخر لا فانه يقوم بما يتم به النصاب نظرا للفقراء و احتياطا كذا هذا و مشايخنا حملوا رواية كتاب الزكاة على ما إذا كان لا يتفاوت النفع في حق الفقراء بالتقويم بأيهما كان جمعا بين الروايتين و كيفما كان ينبغى ان يقوم بأدنى ما ينطلق عليه اسم الدراهم أو الدنانير و هي التي يكون الغالب فيها الذهب و الفضة و على هذا إذا كان مع عروض التجارة ذهب و فضة فانه يضمها إلى العروض و يقومه جملة لان معنى التجارة يشمل الكل لكن عند أبى حنيفة يضم باعتبار القيمة ان شاء قوم العروض و ضمها إلى الذهب و الفضة و ان شاء قوم الذهب و الفضة و ضم قيمتهما الي قيمة أعيان التجارة و عندهما يضم باعتبار الاجزاء فتقوم العروض فيضم قيمتها إلى ما عنده من الذهب و الفضة فان بلغت الجملة نصابا تجب الزكاة و الا فلا و لا يقوم الذهب و الفضة عندهما أصلا في باب الزكاة على ما مر ( فصل )
و أما صفة هذا النصاب فهي ان يكون معدا للتجارة و هو ان يمسكها للتجارة و ذلك بنية التجارة مقارنة لعمل التجارة لما ذكرنا فيما تقدم بخلاف الذهب و الفضة فانه لا يحتاج فيهما إلى نية التجارة لانها معدة للتجارة بأصل الخلقة فلا حاجة إلى اعداد العبد و يوجد الاعداد منه دلالة على ما مر ( فصل )
و اما مقدار الواجب من هذا النصاب فما هو مقدار الواجب من نصاب الذهب و الفضة و هو ربع العشر لان نصاب مال التجارة مقدر بقيمته من الذهب و الفضة فكان الواجب فيه ما هو الواجب في الذهب و الفضة و هو ربع العشر و لقول النبي صلى الله عليه و سلم هاتوا ربع عشور أموالكم من فصل ( فصل )
و أما صفة الواجب في أموال التجارة فالواجب فيها ربع عشر العين و هو النصاب في قول أصحابنا و قال بعض مشايخنا هذا قول أبى يوسف و محمد و أما على قول أبى حنيفة فالواجب فيها أحد شيئين اما العين أو القيمة فالمالك بالخيار عند حولان الحول ان شاء أخرج ربع عشر العين و ان شاء أخرج ربع عشر القيمة و بنوا على بعض مسائل الجامع فيمن كانت له مائتا قفيز حنطة للتجارة قيمتها مائتا درهم فحال عليها الحول فلم يؤد زكاتها حتى تغير سعرها إلى النقصان حتى صارت قيمتها مائة درهم أو إلى الزيادة حتى صارت قيمتها أربعمائة درهم ان على قول أبى حنيفة ان أدى من عينها يؤدى خمسة أقفزة في الزيادة و النقصان جميعا لانه تبين أنه الواجب من الاصل
فان أدى القيمة يؤدى خمسة دراهم في الزيادة و النقصان جميعا لانه تبين انها هى الواجبة يوم الحول و عند أبى يوسف و محمد ان أدى من عينها يؤدى خمسة أقفزة في الزيادة و النقصان جميعا كما قال أبو حنيفة و ان أدى من القيمة يؤدى في النقصان درهمين و نصفا و فى الزيادة عشرة دراهم لان الواجب الاصلى عندهما هو ربع عشر العين و انما له ولاية النقل إلى القيمة يوم الاداء فيعتبر قيمتها يوم الاداء و الصحيح ان هذا مذهب جميع أصحابنا لان المذهب عندهم أنه إذا هلك النصاب بعد الحول تسقط الزكاة سواء كان من السوائم أو من أموال التجارة و لو كان الواجب أحدهما عين عند أبى حنيفة لتعينت القيمة عند هلاك العين على ما هو الاصل في التخيير بين شيئين إذا هلك أحدهما انه يتعين الآخر و كذا لو وهب النصاب من الفقير و لم تحضره النية أصلا سقطت عنه الزكاة و لو لم يكن الواجب في النصاب عينا لما سقطت كما إذا وهب منه النصاب و كذا إذا باع نصاب الزكاة من السوائم و الساعي حاضر ان شاء أخذ من المشترى و ان شاء أخذ من البائع و لو لا أن الواجب ربع عشر العين لما ملك الاخذ من المشترى فدل أن مذهب جميع أصحابنا هذا و هو أن الواجب ربع عشر العين الا عند أبى حنيفة الواجب عند الحول ربع عشر العين من حيث انه مال لا من حيث انه عين و عندهما الواجب ربع عشر العين من حيث الصورة و المعنى جميعا لكن لمن عليه حق النقل من العين إلى القيمة وقت الاداء و مسائل الجامع مبنية على هذا الاصل على ما نذكر و قال الشافعي الواجب من قدر الزكاة بعد الحول في الذمة لا في النصاب و على هذا ينبنى ما إذا هلك مال الزكاة بعد الحول و بعد التمكن من الاداء انه تسقط عنه الزكاة عندنا و عنده لا تسقط و إذا هلك قبل التمكن من الاداء لا تجب عندنا و للشافعي قولان في قول لا تجب أصلا و فى قول تجب ثم تسقط لا إلى ضمان و لا خلاف في ان صدقة الفطر لا تسقط بهلاك النصاب و على هذا الخلاف العشر و الخراج وجه قول الشافعي أن هذا حق وجب في ذمته و تقرر بالتمكن من الاداء فلا يسقط بهلاك النصاب كما في ديون العباد و صدقة الفطر و كما في الحج فانه إذا كان موسرا وقت خروج القافلة من بلده ثم هلك ماله لا يسقط الحج عنه و انما قلنا انه وجب في ذمته لان الشرع أضاف الايجاب إلى مال لا بعينه قال النبي صلى الله عليه و سلم في مائتي درهم خمسة دراهم و فى أربعين شاة شاة أوجب خمسة و شاة لا بعينها و الواجب إذا لم يكن عينا كان في الذمة كما في صدقة الفطر و نحوها و لان غاية الامر ان قدر الزكاة أمانة في يده لكنه مطالب شرعا بالاداء بعد التمكن منه و من منع الحق عن المستحق بعد طلبه يضمن كما في سائر الامانات و الخلاف ثابت فيما إذا طلبه الفقير أو طالبه الساعي بالاداء فلم يؤد حتى هلك النصاب و لنا أن المالك اما أن يؤاخذ بأصل الواجب أو بضمانه لا وجه للاول لان محله النصاب و الحق لا يبقى بعد فوات محله كالعبد الجاني أو المديون إذا هلك و الشقص الذي فيه الشفعة إذا صار بحر أو الدليل على ان محل أصل الواجب هو النصاب قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة و قول النبي صلى الله عليه و سلم خذ من الذهب الذهب و من الفضة الفضة و من الابل الابل الحديث و كلمة من تبعيض فيقتضى ان يكون الواجب بعض النصاب و قوله صلى الله عليه و سلم في مائتي درهم خمسة دراهم و فى أربعين شاة شاة جعل الواجب مظروفا في النصاب لان في للظرف و لان الزكاة عرف وجوبها على طريق اليسر و طيبة النفس بأدائها و لهذا اختص وجوبها بالمال النامي الفاضل عن الحاجة الاصلية و شرط لها الحول و كمال النصاب و معنى اليسر في كون الواجب في النصاب يبقى ببقائه و يهلك بهلاكه و لا سبيل إلى الثاني لان وجوب الضمان يستدعى تفويت ملك أو يد كما في سائر الضمانات و هو بالتأخير عن أول أوقات الامكان لم يفوت على الفقير ملكا و لا يدا فلا يضمن بخلاف صدقة الفطر و الحج لان محل الواجب هناك ذمته لا ماله و ذمته باقية بعد هلاك المال و أما قوله انه منع حق الفقير بعد طلبه فنقول ان هذا الفقير ما تعين مستحقا لهذا الحق فان له ان يصرفه إلى فقير آخر و ان طالبه الساعي فامتنع من الاداء حتى هلك المال قال أهل العراق من أصحابنا انه يضمن لان الساعي متعين للاخذ فيلزمه الاداء عند طلبه فيصير بالامتناع مفوتا فيضمن و مشايخنا بما وراء النهر قالوا انه لا يضمن و هو الاصح فانه ذكر في كتاب الزكاة إذا حبس السائمة بعد ما وجبت الزكاة فيها حتى
ثويت لم يضمنها و معلوم انه لم يرد بهذا لحبس ان يمنعها العلف و الماء لان ذلك استهلاك لها و لو استهلكها يصير ضامنا لزكاتها و انما أراد به حبسها بعد طلب الساعي لها و الوجه فيه انه ما فوت بهذا الحبس ملكا و لا يدا على أحد فلا يصير ضامنا و له رأى في اختيار محل الاداء ان شاء من السائمة و ان شاء من غيرها فانما حبس السائمة ليؤدى من محل آخر فلا يصير ضامنا هذا إذا هلك كل النصاب فان هلك بعضه دون بعض فعليه في الباقى حصته من الزكاة إذا لم يكن في المال فضل على النصاب بلا خلاف لان البعض معتبر بالكل ثم إذا هلك الكل سقط جميع الزكاة فإذا هلك البعض يجب ان يسقط بقدره هذا اذ لم يكن في المال عفو فأما اذ اجتمع فيه النصاب و العفو ثم هلك البعض فعلى قول أبى حنيفة و أبى يوسف يصرف الهلاك إلى العفو أولا كانه لم يكن في ملكه الا النصاب و عند محمد و زفر يصرف الهلاك الي الكل شائعا حتى إذا كان له تسعة من الابل فحال عليها الحول ثم هلك منها أربعة فعليه في الباقى شاة كاملة في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد و زفر عليه في الباقى خمسة اتساع شاة و الاصل عند أبى حنيفة و أبى يوسف أن الوجوب يتعلق بالنصاب دون العفو و عند محمد و زفر رحمهما الله يتعلق بهما جميعا و احتجا بقول النبي صلى الله عليه و سلم في خمس من الابل شاة إلى تسع أخبر ان الوجوب يتعلق بالكل و لان سبب الوجوب هو المال النامي و العفو مال نام و مع هذا لا تجب بسببه زيادة على ان الوجوب في الكل نظيره إذا قضى القاضي بحق بشهادة ثلاثة نفر كان قضاؤه بشهادة الكل و ان كان لا حاجة إلى القضاء إلى الثالث و إذا ثبت ان الوجوب في الكل فما هلك يهلك بزكاته و ما بقي يبقى بزكاته كالمال المشترك و احتج أبو حنيفة و أبو يوسف بقول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عمرو بن حزم في خمس من الابل السائمة شاة و ليس في الزيادة شيء حتى تكون عشرا و قال في حديثه أيضا في خمس و عشرين من الابل بنت مخاض و ليس في الزيادة شيء إلى خمس و ثلاثين و هذا نص على أن الواجب في النصاب دون الوقص و لان الوقص و العفو تبع للنصاب لان النصاب باسمه و حكمه يستغنى عن الوقص و الوقص باسمه و حكمه لا يستغنى عن النصاب و المال إذا اشتمل على أصل و تبع فإذا هلك منه شيء يصرف الهلاك إلى التبع دون الاصل كمال المضاربة إذا كان فيه ربح فهلك شيء منه يصرف الهلاك إلى الربح دون رأس المال كذا هذا و على هذا إذا حال الحول على ثمانين شاة ثم هلك أربعون منها و بقى أربعون فعليه في الاربعين الباقية شاة كاملة في قول أبى حنيفة و أبى يوسف رحمهما الله لان الهلاك يصرف إلى العفو أولا عندهما فجعل كان الغنم أربعون من الابتداء و فى قول محمد و زفر عليه في الباقى نصف شاة لان الواجب في الكل عندهما و قد هلك النصف فيسقط الواجب بقدره و لو هلك منها عشرون و بقى ستون فعليه في الباقى شاة عند أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد و زفر ثلاثة أرباع شاة لما قلنا و على هذا مسائل في الجامع ثم اختلف أصحابنا فيما بينهم فعند أبى حنيفة الواجب في الدراهم و الدنانير و أموال التجارة جزء من النصاب من حيث المعنى لا من حيث الصورة و عند أبى يوسف و محمد رحمهما الله الواجب هو الجزء منه صورة و معنى لكن يجوز اقامة غيره مقامه من حيث المعنى و يبطل اعتبار الصورة باذن صاحب الحق و هو الله تعالى و أما في زكاة السوائم فقد اختلف مشايخنا على قول أبى حنيفة قال بعضهم الواجب هناك أيضا جزء من النصاب من حيث المعنى و ذكر المنصوص عليه من خلاف جنس النصاب للتقدير و قال بعضهم الواجب هو المنصوص عليه لا جزء من النصاب لكن من حيث المعنى و عندهما الواجب هو المنصوص عليه صورة و معنى لكن يجوز اقامة غيره مقامه من حيث المعنى دون الصورة على ما ذكرنا و ينبنى على هذا الاصل مسائل الجامع إذا كان لرجل مائتا قفيز حنطة للتجارة تساوي مائتي درهم و لا مال له ذلك و حال عليها الحول فان أدى من عينها يؤدى خمسة أقفزة بلا خلاف لانها هى ربع عشر النصاب و هو الواجب على ما مر و لو أراد أن يؤدى القيمة جاز عندنا خلافا للشافعي لكن عند أبى حنيفة في الزيادة و النقصان جميعا يؤدى قيمتها يوم الحول و هي خمسة دراهم و عندهما في الفصلين جميعا يؤدى قيمتها يوم الاداء في النقصان درهمين و نصفا و فى الزيادة عشرة هما يقولان الواجب جزء من النصاب و غير
المنصوص عليه حق لله تعالى ان الشرع أثبت له ولاية أداء القيمة اما تيسيرا عليه و اما نقلا للحق و التيسير له في الاداء دون الواجب و كذا الحاجة إلى نقل حق الله تعالى إلى مطلق المال وقت الاداء إلى الفقير فبقى الواجب إلى وقت الاداء في الذمة عين المنصوص عليه و جزء النصاب ثم عند الاداء ينقل ذلك إلى القيمة فتعتبر القيمة يوم النقل كما في ولد المغرور انه يضمن المغرور قيمته للمالك يوم التضمين لان الولد في حقه و ان علق حر الاصل ففى حق المستحق جعل مملوكا له لحصوله عن مملوكته و انما ينقل عنه حقه إلى القيمة يوم الخصومة فكذا ههنا و أبو حنيفة يقول الواجب هو الجزء من النصاب ان وجوبه من حيث انه مطلق المال لا من حيث انه جزء من النصاب بدليل انه يجوز أداء الشاة عن خمس من الابل و ان لم يكن جزأ منها و التعلق بكونه جزأ للتيسير لا للتحقيق لان الاداء منه أيسر في الاغلب حتى ان الاداء من الجزء لو كان أيسر مال اليه و عند ميله اليه يتبين انه هو الواجب لانه هو مطلق المال و هذا هو الواجب على طريق الاستحقاق و كذا المنصوص عليه معلول بمطلق المال و التعلق به للتيسير بدليل جواز أداء الواحد من الخمس و الناقة الكوماء عن بنت مخاض فكان الواجب عند الحول ربع العشر من حيث انه مال و المنصوص عليه من حيث انه مال فوجب اعتبار قيمته يوم الوجوب و لا يعتبر التغير بسبب نقصان السعر لانه لا عبرة به لاسقاط الزكاة الواجبة احتياطا لحق الفقراء و أما في السوائم اختلف المشايخ على قول أبى حنيفة قال بعضهم يعتبر قيمتها يوم الوجوب كما في مال التجارة لان الواجب جزء من النصاب من حيث انه مال في جميع أموال الزكاة و قال بعضهم يوم ألاداء كما قالا لان الواجب ثمة هو المنصوص عليه صورة و معنى و لكن يجوز اقامة غيره مقامه و الله أعلم و كذلك الجواب في مال الزكاة إذا كان جارية تساوي مائتين في جميع ما ذكرنا من تغير السعر إلى زيادة أو نقصان و للمسألة فروع تعرف في كتاب الزكاة من الجامع هذا إذا هلك النصاب بعد الحول فاما إذا تصرف فيه المالك فهل يجوز تصرفه عندنا يجوز و عند الشافعي لا و هذا بناء على أصلنا ان التصرف في مال الزكاة بعد وجوبها جائز عندنا حتى لو باع نصاب الزكاة جاز البيع في الكل عندنا و أما عند الشافعي فلا يجوز في قدر الزكاة قولا واحدا و له في الزيادة على قدر الزكاة قولان وجه قوله ان الواجب جزء من النصاب لما ذكرنا من الدلائل فلا يخلو اما أن يكون وجوبه حقا للعبد كما يقول أو حقا لله تعالى كما يقولون و كل ذلك يمنع من التصرف فيه و لنا ان الزكاة اسم للفعل و هو إخراج المال إلى الله و قبل الاخراج لا حق في المال حتى يمنع نفاذ البيع فيه فينفذ كالعبد إذا جنى جناية فباعه المولى فينفذ بيعه لان الواجب فيه هو فعل الدفع فكان المحل خاليا عن الحق قبل الفعل فنفذ البيع فيه كذا هذا و إذا جاز التصرف في النصاب بعد وجوب الزكاة فيه عندنا فإذا تصرف المالك فيه ينظر ان كان استبدالا بمثله لا يضمن الزكاة و ينتقل الواجب اليه يبقى ببقائه و يسقط بهلاكه و ان كان استهلاكا يضمن الزكاة و يصير دينا في ذمته بيان ذلك إذا حال الحول على مال التجارة و وجبت فيه الزكاة فاخرجه المالك عن ملكه بالدراهم و الدنانير أو بعرض التجارة فباعه بمثل قيمته لا يضمن الزكاة لانه ما أتلف الواجب بل نقله من محل إلى محل مثله اذ المعتبر في مال التجارة هو المعنى و هو المالية لا الصورة فكان الاول قائما معنى فيبقى الواجب ببقائه و يسقط بهلاكه و كذا لو باعه و حابى بما يتغابن الناس في مثله لان ذلك مما لا يمكن التحرز عنه فجعل عفوا و لهذا جعل عفوا في بيع الاب و الوصي و ان حابى بما لا يتغابن الناس في مثله يضمن قدر زكاة المحاباة و يكون دينا في ذمته و زكاة ما بقي يتحول إلى العين يبقى ببقائها و يسقط بهلاكها و لو أخرج مال الزكاة عن ملكه بغير عوض أصلا بالهبة و الصدقة من الفقير و الوصية أو بعوض ليس بمال بأن تزوج عليه إمرأة أو صالح به من دم العمد أو اختلعت به المرأة يضمن الزكاة في ذلك كله لان إخراج المال بغير عوض إتلاف له و كذا بعوض ليس بمال و كذا لو أخرجه بعوض هو مال لكنه ليس بمال الزكاة بأن باعه بعبد الخدمة أو ثياب البذلة سواء بقي العوض في يده أو هلك لانه أبطل المعنى الذي صار المال به مال الزكاة فكان استهلاكا له في حق الزكاة و كذا لو استأجر به عينا من الاعيان لان المنافع و ان كانت ما لا في نفسها لكنها ليست بمال الزكاة لانه لا بقاء لها و كذا لو صرف مال الزكاة إلى حوائجه بالاكل و الشرب و اللبس لوجد حقيقة الاستهلاك
و كذا إذا باع مال التجارة بالسوائم على أن يتركها سائمة يضمن الزكاة لان زكاة مال التجارة خلاف زكاة السائمة فيكون استهلاكا و لو كان مال الزكاة سائمة فباعها بخلاف جنسها من الحيوان و العروض و الاثمان أو بجنسها يضمن و يصير قدر الزكاة دينا في ذمته لا يسقط بهلاك ذلك العوض لما ذكرنا ان وجوب الزكاة في السوائم يتعلق بالصورة و المعنى فبيعها يكون استهلاكا لها لا استبدالا و لو كان مال الزكاة دراهم أو دنانير فاقرضها بعد الحول فثوى المال عنده ذكر في العيون عن محمد انه لا زكاة عليه لانه لم يوجد منه الاتلاف و كذا لو كان مال الزكاة ثوبا فأعاره فهلك لما قلنا و قالوا في عبد التجارة إذا قتله عبد خطأ فدفع به ان الثاني للتجارة لانه عوض عن الاول قائم مقامه كانه هو و لو قتله عمدا و صالحه المولى من الدم على عبد أو غيره لم يكن للتجارة لان الثاني ليس بعوض عن الاول بل هو عوض عن القصاص و القصاص ليس بمال و قالوا فيمن اشترى عصيرا للتجارة فصار خمرا ثم صار خلا انه للتجارة لان العارض هو التخمر و أثر التخمر في زوال صفة التقوم لا و قد عادت الصفة بالتخلل فصار ما لا متقوما كما كان و كذلك قالوا في الشاة إذا ماتت فدبغ جلدها ان جلدها يكون للتجارة لما قلنا و لو باع السائمة بعد وجوب الزكاة فيها فان كان المصدق حاضرا ينظر إليها فهو بالخيار ان شاء أخذ قيمة الواجب من البائع و تم البيع في الكل و ان شاء أخذ الواجب من العين المشتراة و يبطل البيع في القدر المأخوذ و ان لم يكن حاضرا وقت البيع فحضر بعد البيع و التفرق عن المجلس فانه لا يأخذ من المشترى و لكنه يأخذ قيمة الواحب من البائع و انما كان كذلك لان بيع السائمة بعد وجوب الزكاة فيها استهلاك لها لما بينا الا ان معنى الاستهلاك بإزالة الملك قبل الافتراق عن المجلس ثبت بالاجتهاد اذ المسألة اجتهادية مختلفة بين الصحابة رضى الله عنهم فللساعي أن يأخذ بأى القولين أفضي اجتهاده اليه فان أفضي اجتهاده إلى زوال الملك بنفس البيع أخذ قيمة الواجب منه لحصول الاستهلاك و تم البيع في الكل اذ لم يستحق شيء من المبيع و ان أفضي اجتهاده إلى عدم الزوال أخذ الواجب من المشترى كما قبل البيع و يبطل البيع في القدر المأخوذ كانه استحق هذا القدر من المبيع فاما بعد الافتراق فقد تأكد زوال الملك لخروجه عن محل الاجتهاد فتأكد الاستهلاك فصار الواجب دينا في ذمته فهو الفرق و هل يشترط نقل الماشية من موضعها مع افتراق العاقدين بأنفسهما لم يشترط ذلك في ظاهر الرواية و شرطه الكرخي و قال ان حضر المصدق قبل النقل فله الخيار و كذا روى ابن سماعة عن محمد و لو باع طعاما وجب فيه العشر فالمصدق بالخيار ان شاء أخذ من البائع و ان شاء أخذ من المشترى سواء حضر قبل الافتراق أو بعده بخلاف الزكاة و وجه الفرق أن تعلق العشر بالعين آكد من تعلق الزكاة بها ألا ترى ان العشر لا يعتبر فيه المالك بخلاف الزكاة و لو مات من عليه العشر قبل أدائه من وصية يؤخذ من تركته بخلاف الزكاة و الله أعلم و هذا الذي ذكرنا ان الواجب أداء جزء من النصاب من حيث المعنى أو من حيث الصورة و المعنى مذهب أصحابنا رحمهم الله فاما عند الشافعي فالواجب أداء عين المنصوص عليه و ينبنى عليه ان دفع القيم و الابدال في باب الزكاة و العشر و الخراج و صدقة الفطر و النذور و الكفارات جائز عندنا و عنده لا يجوز الا أداء المنصوص عليه و احتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم في الخمس من الابل السائمة شاة و قوله في أربعين شاة شاة و كل ذلك بيان لمجمل كتاب الله تعالى و آتوا الزكاة اذ ليس فيه بيان الزكاة فبينه النبي صلى الله عليه و سلم و التحق البيان بمجمل الكتاب فصار كان الله تعالى قال و آتوا الزكاة من كل أربعين شاة شاة و فى خمس من الابل شاة فصارت الشاة واجبة للاداء بالنص و لا يجوز الاشتغال بالتعليل لانه يبطل حكم النص و لهذا لا يجوز اقامة السجود على الخد و الذقن مقام السجود على الجبهة و الانف و التعليل فيه بمعنى الخضوع لما ذكرنا كذا هذا و صار كالهدايا و الضحايا و جواز أداء البعير عن خمس من الابل عندي باعتبار النص و هو قوله صلى الله عليه و سلم خذ من الابل الابل الا ان عند قلة الابل أوجب من خلاف الجنس تيسيرا على أرباب الاموال فإذا سمحت نفسه باداء بعير من الخمس فقد ترك هذا التيسير فجاز بالنص لا بالتعليل و لنا في المسألة طريقان أحدهما طريق أبى حنيفة و الثاني طريق أبى يوسف و محمد أما طريق أبى حنيفة فهو ان الواجب أداء جزء من النصاب من حيث المعنى و هو المالية
فصل وأما نصاب الابل
و أداء القيمة مثل أداء الجزء من النصاب من حيث انه مال و بيان كون الواجب أداء جزء من النصاب ما ذكرنا في مسألة التفريط و الدليل على ان الجزء من النصاب واجب من حيث انه مال ان تعلق الواجب بالجزء من النصاب للتيسير ليبقى الواجب ببقائه و يسقط بهلاكه و معنى التيسير انما يتحقق ان لو تعين الجزء من النصاب للوجوب من حيث هو مال اذ لو تعلق الوجوب بغير الجزء لبقيت الشركة في النصاب للفقراء و فيه من العسر و المشقة ما لا يخفى خصوصا إذا كان النصاب من نفائس الاموال نحو الجواري الحسان و الافراس الغارهة للتجارة و نحوها و لا كذلك إذا كان التعلق به من حيث هو مال لانه حينئذ كان الاختيار إلى رب المال فان رأى أداء الجزء اليه أيسر أدى الجزء و ان رأى أداء غيره أيسر مال اليه فيحصل معنى اليسر و به تبين ان ذكر الشاة في الحديث لتقدير المالية لا لتعلق الحكم به و قد روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه رأى في ابل الصدقة ناقة كوماء فغضب على المصدق و قال ألم أنهكم عن أخذ كرائم أموال الناس فقال أخذتها ببعيرين من ابل الصدقة و فى رواية ارتجعتها فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخذ البعير ببعيرين يكون باعتبار القيمة فدل على صحة مذهبنا و أما طريق أبى يوسف و محمد فهو ان الواجب عين ما ورد به النص و هو أداء ربع العشر في مال التجارة و اداء المنصوص عليه في السوائم صورة و معنى معقول المعنى بل هو تعبد محض حتى انه سبحانه و تعالى لو أمرنا بإتلافه حقا له أو سبيه لفعلنا و لم نعدل عن المنصوص عليه إلى غيره ان الله تعالى لما أمر بصرفه إلى عباده المحتاجين كفاية لهم و كفايتهم متعلقة بمطلق المال صار وجوب الصرف إليهم معقول المعنى و هو الكفاية التي تحصل بمطلق المال فصار مطلوبهم بمطلق المال و كان أمره عز و جل أرباب الاموال بالصرف إلى الفقير إعلاما له أنه أذن لهم بنقل حقه الثابت في المنصوص عليه إلى مطلق المال كمن له على رجل حنطة و لرجل آخر على صاحب الدين دراهم فأمر من له الحنطة من عليه الحنطة بأن يقضى دين الدراهم من الذي له عليه و هو الحنطة كان ذلك اذنا منه إياه بنقل حقه الي الدراهم بأن يستبدل الحنطة بالدراهم و جعل المأمور بالاداء كانه أدى عين الحق إلى من له الحق ثم استبدل ذلك و صرف إلى الآخر ما أمر بالصرف اليه فصار ما وصل إلى الفقير مطلوبهم بمطلق المال سواء كان المنصوص عليه أو غيره جزأ من النصاب أو غيره و اداء القيمة اداء مال مطلق مقدر بقيمة المنصوص عليه بنية الزكاة فيجزئه كما لو أدى واحدا من خمس من الابل بخلاف السجود على الخد و الذقن لان معنى القربة فاتت أصلا و لهذا لا ينتقل به و لا يصار اليه عند العجز و ما ليس بقربة لا يقوم مقام القربة و بخلاف الهدايا و الضحايا لان الواجب فيها اراقة الدم حتى لو هلك بعد الذبح قبل التصدق لا يلزمه شيء و إراقة الدم ليس بمال فلا يقوم المال مقامه و الله أعلم و أما السوائم من الابل و البقر و الغنم أما نصاب الابل فليس فيما دون خمس من الابل زكاة و فى الخمس شاة و فى العشر شاتان و فى خمسة عشر ثلاث شياه و فى عشرين أربع شياه و فى خمس و عشرين بنت مخاض و فى ست و ثلاثين بنت لبون و فى ست و أربعين حقة و فى احدى و ستين جذعة و هي أقصى سن لها مدخل في الزكاة و الاصل فيه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب كتابا إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنه فكتبه أبو بكر لانس و كان فيه و فى أربع و عشرين فما دونها الغنم في كل خمس ذود شاة فإذا كانت خمسا و عشرين إلى خمس و ثلاثين ففيها بنت مخاض فإذا كانت ستا و ثلاثين إلى خمس و أربعين ففيها بنت لبون فإذا كانت ستا و أربعين إلى ستين ففيها حقة فإذا كانت احدى و ستين إلى خمس و سبعين ففيها جذعة فإذا كانت ستا و سبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون فإذا كانت احدى و تسعين إلى مائة و عشرين ففيها حقتان و لا خلاف في هذه الجملة الا ما روى عن على رضى الله عنه انه قال في خمس و عشرين خمس شياه و فى ست و عشرين بنت مخاض و هذه الرواية لا تكاد تثبت عن على رضى الله عنه لانها مخالفة للاحاديث المشهورة منها ما روينا من كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي كتبه لابى بكر الصديق رضى الله عنه و منها كتابه الذي كتبه لعمرو بن حزم و غير ذلك من الاحاديث المشهورة و لانها مخالفة لاصول الزكوات في السوائم لان فيها موالاة بين واجبين لا وقص بينهما و الاصل فيها أن يكون بين الفريضتين وقص
و هذا دليل عدم الثبوت و قد حكى عن سفيان الثورى انه قال كان على رضى الله عنه أفقه من أن يقول مثل هذا انما هو غلط وقع من رجال على رضى الله عنه أراد بذلك ان الراوي يجوز أن يكون سمعه يقول في ست و عشرين بنت مخاض و فى خمس و عشرين خمس من الغنم قيمة بنت مخاض فجمع بينهما و اختلف العلماء في الزيادة على مائة و عشرين فقال أصحابنا إذا زادت الابل على هذا العدد تستأنف الفريضة و يدار الحساب على الخمسينان في النصاب و على الحقاق في الواجب لكن بشرط عود ما قبله من الواجبات و الا وقاص بقدر ما يدخل فيه و بيان ذلك إذا زادت الابل على مائة و عشرين فلا شيء في الزيادة حتى تبلغ خمسا فيكون فيها شاة و حقتان و فى العشر شاتان و حقتان و فى خمسة عشر ثلاث شياه و حقتان و فى عشرين أربع شياه و حقتان و فى خمس و عشرين بنت مخاض و حقتان إلى مائة و خمسين ففيها ثلاث حقاق في كل خمسين حقة ثم يستأنف الفريضة فلا شيء في الزيادة حتى تبلغ خمسا فيكون فيها شاة و ثلاث حقاق و فى العشر شاتان و ثلاث حقاق و فى خمس عشرة ثلاث شياه و ثلاث حقاق و فى عشرين أربع شياه و ثلاث حقاق فإذا بلغت مائة و خمسا و سبعين ففيها بنت مخاض و ثلاث حقاق فإذا بلغت مائة و ستة و ثمانين ففيها بنت لبون و ثلاث حقاق إلى مائة و ستة و تسعين ففيها أربع حقاق إلى مائتين فان شاء أدى منها أربع حقاق من كل خمسين حقة و ان شاء أدى خمس بنات لبون من كل أربعين بنت لبون ثم يستأنف الفريضة أبدا في كل خمسين كما استؤنفت من مائة و خمسين إلى مائتين فيدخل فيها بنت مخاض و بنت لبون و حقة مع الشياة هذا قول أصحابنا و قال مالك إذا زادت الابل على مائة و عشرين واحدة لا تجب في الزيادة شيء إلى تسعة بل يجعل تسعة عفوا حتى تبلغ مائة و ثلاثين و كذا إذا بلغت مائة و ثلاثين فلا شيء في الزيادة إلى تسعة و ثلاثين و يجعل كل تسعة عفوا و تجب في كل أربعين بنت لبون و فى كل خمسين حقة فيدار النصاب على الخمسينات والاربعينات و الواجب على الحقاق و بنات لبون فيجب في مائة و ثلاثين حقة و بنتا لبون لانها مرة خمسون و مرتين أربعون و فى مائة و أربعين حقتان و بنت لبون و فى مائة و خمسين ثلاث حقاق و فى مائة و ستين أربع بنات لبون و فى مائة و سبعين حقة و ثلاث بنات لبون و فى مائة و ثمانين حقتان و بنتا لبون و فى مائة و تسعين ثلاث حقاق و بنت لبون إلى مائتين فان شاء أدى من المائتين أربع حقاق و ان شاء خمس بنات لبون و قال الشافعي مثل قول مالك انه يدار الحساب على الخمسينات والاربعينات في النصب و على الحقاق و بنات اللبون في الواجب و انما خالفه في فصل واحد و هو انه قال إذا زادت الابل على مائة و عشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون احتجا بما روى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب كتاب الصدقات و قرنه بقراب سيفه و لم يخرجه إلى عماله حتى قبض ثم عمل به أبو بكر و عمر حتى قبضا و كان فيه إذا زادت الابل على مائة و عشرين ففى كل أربعين بنت لبون و فى كل خمسين حقة ان مالكا قال لفظ الزيادة انما تتناول زيادة يمكن اعتبار المنصوص عليه فيها و ذلك لا يكون فيما دون العشرة و الشافعي قال ان النبي صلى الله عليه و سلم علق هذا الحكم بنفس الزيادة و ذلك يحصل بزيادة الواحدة فعندهما يوجب في كل أربعين بنت لبون و هذه الواحدة لتعيين الواجب بها فلا يكون لها حظ من الواجب ثم أعدل الاسنان بنت لبون و ألحقه فان أدناها بنت مخاض و أعلاها الجذعة فالأَعدل هو المتوسط و لنا ما روى عن قيس بن سعد انه قال قلت لابى بكر بن عمرو بن حزم أخرج إلى كتاب الصدقات الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمرو بن حزم فاخرج كتابا في ورقة و فيه فإذا زادت الابل على مائة و عشرين استؤنفت الفريضة فما كان أقل من خمس و عشرين ففيها الغنم في كل خمس ذود شاة و روى هذا المذهب عن على و ابن مسعود رضى الله عنهما و هذا باب لا يعرف بالاجتهاد فيدل على سماعها من رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى روى عن على رضى الله عنه انه قال ما عندنا شيء نقرأه الا كتاب الله عز و جل و هذه الصحيفة فيها اسنان الابل أخذتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يجوز أن نخالفها و روى أنه أنفذها إلى عثمان فقال له مر سعاتك فليعملوا بها فقال لا حاجة لنا فيها معنا مثلها و ما هو خير منها فقد وافق عليا رضى الله عنهما و لان وجوب الحقتين في مائة و عشرين
ثابت باتفاق الاخبار و إجماع الامة فلا يجوز إسقاطه الا بمثله و بعد مائة و عشرين اختلفت الآثار فلا يجوز إسقاط ذلك الواجب عند اختلاف الآثار بل يعمل بحديث عمرو بن حزم و يحمل حديث ابن عمر رضى الله عنهما على الزيادة الكثيرة حتى تبلغ مائتين و به نقول ان في كل أربعين بنت لبون و فى كل خمسين حقة و أما قوله ان الواجب في كل مال من جنسه فنعم إذا احتمل ذلك فلم قلتم ان الزيادة تحتمل الواجب من الجنس فان الزيادة لا يمكن إلحاقها بالمائة و العشرين لبقاء الحقتين فيها كما كانت و مع بقاء الحقتين فيها على حالهما لا يمكن البناء فلا تكون الزيادة مع بقاء الحقتين بعد محتملة للايجاب من جنسه فلهذا صرنا إلى إيجاب القيمة فيها كما في الابتداء حتى انه لما كان أمكن البناء مع بقاء الحقتين بعد مائة و خمسة و أربعين بنينا فقلنا من بنات المخاض إلى الحقة إذا بلغت مائة و خمسين فلانها ثلاث مرات خمسين فيوجب من كل خمسين حقة و الله أعلم ( فصل )
و أما نصاب البقر فليس في أقل من ثلاثين بقرا زكاة و فى كل ثلاثين منها تبيع أو تبيعه و لا شيء في الزيادة إلى تسع و ثلاثين فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة و هذا مما لا خلاف فيه بين الامة و الاصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعه و فى كل أربعين مسنة فاما إذا زادت على الاربعين فقد اختلفت الرواية فيه ذكر في كتاب الزكاة و ما زاد على الاربعين ففى الزيادة بحساب ذلك و لم يفسر هذا الكلام و ذكر في كتاب اختلاف أبى حنيفة و ابن أبى ليلي إذا كان له احدى و أربعين بقرة قال أبو حنيفة عليه مسنة و ربع عشر مسنة أو ثلث عشر تبيع و هذا يدل على انه لا نصاب عنده في الزيادة على الاربعين و انه تجب فيه الزكاة قل أو كثر بحساب ذلك و روى الحسن عن أبى حنيفة انه لا يجب في الزيادة شيء حتى تبلغ خمسين فإذا بلغت خمسين ففيها مسنة و ربع مسنة أو ثلث تبيع و روى أسد بن عمرو عن أبى حنيفة انه قال ليس في الزيادة شيء حتى تكون ستين فإذا كانت ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان و هو قول أبى يوسف و محمد و الشافعي فإذا زاد على الستين يدار الحساب على الثلاثينات والاربعينات في النصب و على الا تبعة و المسنات في الواجب و يجعل تسعة بينهما عفوا بلا خلاف فيجب في كل ثلاثين تبيع أو تبيعه و فى كل أربعين مسنة فإذا كانت سبعين ففيها مسنة و تبيع و فى ثمانين مسنتان و فى تسعين ثلاثة أتبعة و فى مائة مسنة و تبيعان و فى مائة و عشرة مسنتان و تبيع و فى مائة و عشرين ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة فانها ثلاث مرات أربعين و أربع مرات ثلاثين و على هذا الاعتبار يدار الحساب وجه رواية الاصل ان إثبات الوقص و النصاب بالرأي لا سبيل اليه و انما طريق معرفته النص و لا نص فيما بين الاربعين إلى الستين فلا سبيل إلى اخلاء مال الزكاة عن الزكاة فاوجبنا فيما زاد على الاربعين بحساب ما سبق وجه رواية الحسن ان الا وقاص في البقر تسع تسع بدليل ما قبل الاربعين و ما بعد الستين فكذلك فيما بين ذلك لانه ملحق بما قبله أو بما بعده فتجعل التسعة عفوا فإذا بلغت خمسين ففيها مسنة و ربع مسنة أو ثلث تبيع لان الزيادة عشرة و هي ثلث ثلاثين و ربع أربعين وجه رواية أسد بن عمرو و هي أعدل الرويات ما روى في حديث معاذ رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له لا تأخذ من أوقاص البقر شيأ و فسر معاذ الوقص بما بين الاربعين إلى الستين حتى قيل له ما تقول فيما بين الاربعين إلى الستين فقال تلك الا وقاص لا شيء فيها و لان مبنى زكاة السائمة على انه لا يجب فيها الاشقاص دفعا للضرر عن أرباب الاموال و لهذا وجب في الابل عند قلة العدد من خلاف الجنس تحرزا عن إيجاب الشقص فكذلك في زكاة البقر لا يجوز إيجاب الشقص و الله أعلم ( فصل )
و أما نصاب الغنم فليس في أقل من أربعين من الغنم زكاة فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى مائة و عشرين فإذا كانت مائة واحدى و عشرين ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى أربعمائة فإذا كانت أربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة و هذا قول عامة العلماء و قال الحسن بن حى إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه و فى أربعمائة خمس شياه و الصحيح قول العامة لما روى في
حديث أنس ان أبا بكر الصديق رضى الله عنه كتب له كتاب الصدقات الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه و سلم و فيه و فى أربعين من الغنم شاة و فى مائة و واحدة و عشرين شاتان و فى مائتين و واحدة ثلاث شياه إلى أربعمائة ففيها أربع شياه و طريق معرفة النصب التوقيف دون الرأي و الاجتهاد و الله أعلم هذا الذي ذكرنا إذا كانت السوائم لواحد فاما إذا كانت مشتركة بين اثنين فقد اختلف فيه قال أصحابنا انه يعتبر في حال الشركة ما يعتبر في حال الانفراد و هو كمال النصاب في حق كل واحد منهما فان كان نصيب كل واحد منهما يبلغ نصابا تجب الزكاة و الا فلا و قال الشافعي إذا كانت أسباب الا سامة متحدة و هو أن يكون الراعي و المرعى و الماء و المراح و الكلب واحدا و الشريكان من أهل وجوب الزكاة عليهما يجعل مالهما كمال واحد و تجب عليهما الزكاة و ان كان كل واحد منهما لو انفرد لا تجب عليه و احتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا يجمع بين متفرق و لا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة و ما كان بين خليطين فانهما يتراجعان بالسوية فقد اعتبر النبي صلى الله عليه و سلم الجمع و التفريق حيث نهى عن جمع المتفرق و تفريق المجتمع و فى اعتبار حال الجمع بحال الانفراد في اشتراط النصاب في حق كل واحد من الشريكين إبطال معنى الجمع و تفريق المجتمع ( و لنا )
ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ليس في سائمة المرء المسلم إذا كانت أقل من أربعين صدقة نفى وجوب الزكاة في أقل من أربعين مطلقا عن حال الشركة و الانفراد فدل ان كمال النصاب في حق كل واحد منهما شرط الوجوب و أما الحديث فقوله صلى الله عليه و سلم لا يجمع بين متفرق و دليلنا أن المراد منه التفرق في الملك لا في المكان لاجماعنا على ان النصاب الواحد إذا كان في مكانين تجب الزكاة فيه فكان المراد منه التفرق في الملك و معناه إذا كان الملك متفرقا لا يجمع فيجعل كانه لواحد لاجل الصدقة كخمس من الابل بين اثنين أو ثلاثين من البقر أو أربعين من الغنم حال عليهما الحول و أراد المصدق أن يأخذ منها الصدقة و يجمع بين الملكين و يجعلهما كملك واحد ليس له ذلك و كثمانين من الغنم بين اثنين حال عليهما الحول انه يجب فيها شاتان على كل واحد منهما شاة و لو أراد أن يجمعا بين الملكين فيجعلاهما ملكا واحدا خشية الصدقة فيعطيا المصدق شاة واحدة ليس لهما ذلك لتفرق ملكيهما فلا يملكان الجمع لاجل الزكاة و قوله و لا يفرق بين مجتمع أى في الملك كرجل له ثمانون من الغنم في مرعتين مختلفتين انه يجب عليه شاة واحدة و لو أراد المصدق أن يفرق المجتمع فيجعلها كانها لرجلين فيأخذ منها شاتين ليس له ذلك لان الملك مجتمع فلا يملك تفريقه و كذا لو كان له أربعون من الغنم في مرعتين مختلفتين تجب عليه الزكاة لان الملك مجتمع فلا يجعل كالمتفرقين في الملك خشية الصدقة أو يحتمل ما قلنا فيحمل عليه عملا بالدليلين بقدر الامكان و بيان هذه الجملة إذا كان خمس من الابل بين اثنين حال عليهما الحول لا زكاة فيها على أحدهما عندنا لان نصابه ناقص و عنده يجب عليهما شاة و لو كانت الابل عشرا فعلى كل واحد منهما شاة بلا خلاف لكمال نصاب كل واحد منهما و كذا لو كانت خمسة عشر عندنا و عنده ثلاث شياه و لو كانت عشرين فعلى كل واحد منهما شاتان لان نصاب كل واحد منهما كامل و لو كانت خمسا و عشرين فكذلك عندنا و عنده يجب عليهما بنت مخاض و لو كان النصاب ثلاثين من البقر فلا زكاة فيه عندنا و عنده يجب فيها تبيع عليهما و لو كانت ستين ففيها تبيعان على كل واحد منهما تبيع بلا خلاف و كذلك أربعون من الغنم بين اثنين لا شيء عليهما عندنا و عنده شاة واحدة عليهما و لو كانت ثمانين فعلى كل واحد منهما شاة عندنا و عنده عليهما شاة واحدة و لو كان بينه و بين رجل شاة و بينه و بين رجل آخر تمام ثمانين و ذلك تسعة و سبعون شاة ذكر الفدورى في شرحه مختصر الكرخي ان على قول أبى يوسف عليه الزكاة و على قول زفر لا زكاة عليه و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان على قول أبى حنيفة و محمد و زفر لا زكاة عليه بخلاف ما إذا كان الثمانون بينه و بين رجل واحد و فى قول أبى يوسف عليه الزكاة كما إذا كان الثمانون بينه و بين رجل واحد وجه قول من قال بالوجوب ان الزكاة تجب عند كمال النصاب و فى ملكه نصاب كامل فتجب فيه الزكاة كما لو كانت مشتركة بينه و بين رجل واحد وجه قول من قال لا يجب انه لو قسم لا يصيبه نصاب كامل لانه لا يملك من شاة
فصل وأما صفة نصاب السائمة
واحدة الا نصفها فلا يكمل النصاب فلا تجب الزكاة و كذلك ستون من البقر أو عشر من الابل إذا كانت مشتركة على الوجه الذي وصفنا فهو على ما ذكرنا من الاختلاف و كل جواب عرفته في السوائم المشتركة فهو الجواب في الذهب و الفضة و أموال التجارة و قد ذكرنا فيما تقدم و ذكر الطحاوي و كذلك الزروع و هذا محمول على مذهب أبى يوسف و محمد لان النصاب عندهما شرط لوجوب العشر و ذلك خمسة أوسق فاما على مذهب أبى حنيفة لا يستقيم لان النصاب ليس بشرط لوجوب العشر بل يجب في القليل و الكثير ثم إذا حضر المصدق بعد تمام الحول على المال المشترك بينهما فانه يأخذ الصدقة منه إذا وجد فيه واجبا على الاختلاف و لا ينتظر القسمة لان اشتراكهما على علمهما يوجب الزكاة في المال المشترك و ان المصدق لا يتميز له المال فيكون أذن من كل واحد منهما بأخذ الزكاة من ماله دلالة ثم إذا أخذ ينظر ان كان المأخوذ حصة كل واحد منهما لا بأن كان المال بينهما على السوية فلا تراجع بينهما لان ذلك القدر كان واجبا على كل واحد منهما بالسوية و ان كانت الشركة بينهما على التفاوت فاخذ من أحدهما زيادة لاجل صاحبه فانه يرجع على صاحبه بذلك القدر و بيان ذلك إذا كان ثمانون من الغنم بين رجلين فأخذ المصدق منها شاتين فلا تراجع ههنا لان الواجب على كل واحد منهما بالسوية و هو شاة فلم يأخذ من كل واحد منهما الا قدر الواجب عليه فليس له أن يرجع بشيء و لو كانت الثمانون بينهما أثلاثا يجب فيها شاة واحدة على صاحب الثلثين لكمال نصابه و زيادة و لا شيء على صاحب الثلث لنقصان نصابه فإذا حضر المصدق و أخذ من عرضها شاة واحدة يرجع صاحب الثلث على صاحب الثلثين بثلث قيمة الشاة لان كل شاة بينهما أثلاثا فكانت الشاة المأخوذة بينهما أثلاثا فقد أخذ المصدق من نصيب صاحب الثلث ثلث شاة لاجل صاحب الثلثين فكان له أن يرجع بقيمة الثلث و كذلك إذا كان مائة و عشرون من الغنم بين رجلين لاحدهما ثلثاها و للآخر ثلثها و وجب على كل واحد منهما شاة فجاء المصدق و أخذ من عرضها شاتين كان لصاحب الثلثين أن يرجع على صاحب الثلث بقيمة ثلث شاة لان كل شاة بينهما أثلاثا ثلثاها لصاحب الثمانين و الثلث لصاحب الاربعين فكانت الشاتان المأخوذتان بينهما أثلاثا لصاحب الثلثين شاة و ثلث شاة و لصاحب الثلث ثلثا شاة و الواجب عليه شاة كاملة فاخذ المصدق من نصيب صاحب الثلثين شاة و ثلث شاة و من نصيب صاحب الثلث ثلثي شاة فقد صار آخذا من نصيب صاحب الثلثين ثلث شاة لاجل زكاة صاحب الثلث فيرجع صاحب الثلثين على صاحب الثلث بقيمة ثلث شاة و هذا و الله أعلم معنى قوله صلى الله عليه و سلم و ما كان بين الخليطين فانهما يتراجعان بالسوية ( فصل )
و أما صفة نصاب السائمة فله صفات منها أن يكون معدا للاسامة و هو أن يسميها للدر و النسل لما ذكرنا ان مال الزكاة هو المال النامي و هو المعد للاستنماء و النماء في الحيوان بالاسامة اذ بها يحصل النسل فيزداد المال فان اسيمت للحمل أو الركوب أو اللحم فلا زكاة فيها و لو اسيمت للبيع و التجارة ففيها زكاة مال التجارة لا زكاة السائمة ثم السائمة هى الراعية التي تكتفى بالرعى عن العلف و يمونها ذلك و لا تحتاج إلى أن تعلف فان كانت تسام في بعض السنة و تعلف و تمان في البعض يعتبر فيه الغالب لان للاكثر حكم الكل ألا ترى ان أهل اللغة لا يمنعون من إطلاق اسم السائمة على ما تعلف زمانا قليلا من السنة و لان وجوب الزكاة فيها لحصول معنى النماء و قلة المؤنة لان عند ذلك يتيسر الاداء فيحصل الاداء عن طيب نفس و هذا المعنى يحصل إذا اسيمت في أكثر السنة و منها أن يكون الجنس فيه واحدا من الابل و البقر و الغنم سواء اتفق النوع و الصفة أو اختلفا فتجب الزكاة عند كمال النصاب من كل جنس من السوائم و سواء كانت كلها ذكورا أو إناثا أو مختلطة و سواء كانت من نوع واحد أو أنواع مختلفة كالعراب و البخاتى في الابل و الجواميس في البقر و الضأن و المعز في الغنم لان الشرع ورد بنصابها بإسم الابل و البقر و الغنم فاسم الجنس يتناول جميع الانواع بأى صفة كانت كاسم الحيوان و غير ذلك و سواء كان متولدا من الاهلي أو من أهلى و وحشى بعد ان كان الام أهليا كالمتولد من الشاة و الظبي إذا كان أمه شاة و المتولد من البقر الاهلي و الوحشي إذا كان أمه أهلية فتجب فيه الزكاة و يكمل به النصاب عندنا و عند الشافعي
لا زكاة فيه وجه قوله ان الشرع ورد بإسم الشاة بقوله في أربعين شاة شاة و هذا و ان كان شاة بالنسبة إلى الام فليس بشاة بالنسبة إلى الفحل فلا يكون شاة على الاطلاق فلا يتناوله النص ( و لنا )
ان جانب الام راجح بدليل ان الولد يتبع الام في الرق و الحرية و لما نذكر في كتاب العتاق ان شاء الله تعالى و منها السن و هو أن تكون كلها مسان أو بعضها فان كان كلها صغارا فصلانا أو حملانا أو عجاجيل فلا زكاة فيها و هذا قول أبى حنيفة و محمد و كان أبو حنيفة يقول أولا يجب فيها ما يجب في الكبار و به أخذ زفر و مالك ثم رجع و قال يجب فيها واحدة منها و به أخذ أبو يوسف و الشافعي ثم رجع و قال لا يجب فيها شيء و استقر عليه و به أخذ محمد و اختلفت الرواية عن أبى يوسف في زكاة الفصلان في رواية قال لا زكاة فيها حتى تبلغ عددا لو كانت كبارا تجب فيها واحدة منها و هو خمسة و عشرون و فى رواية قال في الخمس خمس فصيل و فى العشر خمسا فصيل و فى خمسة عشر ثلاثة أخماس فصيل و فى عشرين أربعة أخماس فصيل و فى خمس و عشرين واحدة منها و فى رواية قال في الخمس ينظر إلى قيمة شاة وسط و إلى قيمة خمس فصيل فيجب أقلهما و فى العشر ينظر إلى قيمة شاتين و إلى قيمة خمس فصيل فيجب أقلهما و فى خمسة عشر ينظر إلى قيمة ثلاث شياه و إلى قيمة ثلاثة أخماس فصيل فيجب أقلهما و فى عشرين ينظر إلى قيمة أربعة شياه و إلى قيمة أربعة أخماس فصيل فيجب أقلهما و فى خمس و عشرين يجب واحدة منها و على رواياته كلها قال لا تجب في الزيادة على خمس و عشرين شيء حتى تبلغ العدد الذي لو كانت كبارا يجب فيها اثنان و هو ستة و سبعون ثم لا يجب فيها شيء حتى تبلغ العدد الذي لو كانت كبارا يجب فيها ثلاثة و هو مائة و خمسة و أربعون و احتج زفر بعموم قول النبي صلى الله عليه و سلم في خمس و عشرين من الابل بنت مخاض و قوله في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعه من فصل بين الكبار و الصغار و به تبين ان المراد من الواجب في قوله في خمس من الابل شاة و فى قوله في أربعين شاة شاة هو الكبيرة لا الصغيرة و لابي يوسف انه لابد من الايجاب في الصغار لعموم قوله صلى الله عليه و سلم في خمس من الابل شاة و فى أربعين شاة شاة لكن لا سبيل إلى إيجاب المسنة لقول النبي صلى الله عليه و سلم للسعاة إياكم و كرائم أموال الناس و قوله لا تأخذوا من حرزات الاموال و لكن خذوا من حواشيها و أخذ الكبار من الصغار أخذ من كرائم الاموال و حرزاتها و أنه منهى و لان مبنى الزكاة على النظر من الجانبين جانب الملاك و جانب الفقراء الا ترى ان الواجب هو الوسط و ما كان ذلك الامر اعانه الجانبين و فى إيجاب المسنة اضرار بالملاك لان قيمتها قد تزيد على قيمة النصاب و فيه إجحاف بأرباب الاموال و فى نفى الوجوب رأسا اضرار بالفقراء فكان العدل في إيجاب واحدة منها و قد روى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه انه قال لو منعونى عناقا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم و العناق هى الانثى الصغيرة من أولاد المعز فدل ان أخذ الصغار زكاة كان أمرا ظاهرا في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم و لابي حنيفة و محمد ان تنصيب النصاب بالرأي ممتنع و انما يعرف بالنص و النص انما ورد بإسم الابل و البقر و الغنم و هذه الاسامى لا تتناول الفصلان و الحملان و العجاجيل فلم يثبت كونها نصابا و عن أبى بن كعب انه قال و كان مصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم في عهدي ان لا آخذ من راضع اللبن شيأ و اما قول الصديق رضى الله عنه لو منعونى عناقا فقد روى عنه انه قال لو منعونى عقالا و هو صدقة عام أو الحبل الذي يعقل به الصدقة فتعارضت الرواية فيه فلم يكن حجة و لئن ثبت فهو كلام تمثيل لا تحقيق أى لو وجبت هذه و منعوها لقاتلتهم و اما صورة هذه المسألة فقد تكلم المشايخ فيها لانها مشكلة اذ الزكاة لا تجب قبل تمام الحول و بعد تمامه لا يبقى اسم الفصيل و الحمل و العجول بل تصير مسنة قال بعضهم الخلاف في ان الحول هل ينعقد عليها و هي صغارا و يعتبر انعقاد الحول عليها إذا كبرت و زالت صفة الصغر عنها و قال بعضهم الخلاف فيما إذا كان له نصاب من النوق فمضى عليها ستة أشهر أو أكثر فولدت أولادا ثم ماتت الامهات و تم الحول على الاولاد و هي صغار هل تجب الزكاة في الاولاد أم لا و على هذا الاختلاف إذا كان له مسنات فاستفاد في خلال الحول صغارا ثم هلكت المسنات و بقى المستفاد انه هل تجب الزكاة في المستفاد فهو على ما ذكرنا و إلى هذا أشار محمد رحمه الله تعالى في الكتاب فيمن كان له أربعون حملا و واحدة مسنة
فصل وأما مقدار الواجب في السوائم
فهلكت المسنة و تم الحول على الحملان انه لا يجب شيء عند أبى حنيفة و محمد و عند أبى يوسف تجب واحدة منها و عند زفر تجب مسنة هذا إذا كان الكل صغارا فاما إذا اجتمعت الصغار و الكبار و كان واحد منها كبيرا فان الصغار تعد و يجب فيها ما يجب في الكبار و هو المسنة بلا خلاف لما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال و تعد صغارها و كبارها و روى ان الناس شكوا إلى عمر عامله و قالوا انه يعد علينا السخلة و لا يأخذها منا فقال عمر أ ليس يترك لكم الربى و الماخض و الاكيلة و فحل الغنم ثم قال عدها و لو راح بها الراعي على كفه و لا تأخذها منهم و لانها إذا كانت مختلطة بالكبار أو كان فيها كبير دخلت تحت اسم الابل و البقر و الغنم فتدخل تحت عموم النصوص فيجب فيها ما يجب في الكبار و لانه إذا كان فيها مسنة كانت تبعا للمسنة فيعتبر الاصل دون التبع فان كان واحد منها مسنة فهلكت المسنة بعد الحول سقطت الزكاة عند أبى حنيفة و محمد و عند أبى يوسف تجب في الصغار زكاتها بقدرها حتى لو كانت حملانا يجب عليه تسعة و ثلاثون جزأ من أربعين جزأ من الحمل لان عندهما وجوب الزكاة في الصغار لاجل الكبار تبعا لها فكانت أصلا في الزكاة فهلاكها كهلاك الجميع و عنده الصغار أصل في النصاب و الواجب واحد منها و انما الفصل على الحمل الواحد باعتبار المسنة فهلاكها يسقط الفصل لا أصل الواجب و لو هلكت الحملان و بقيت المسنة يؤخذ قسطها من الزكاة و ذلك جزأ من أربعين جزءأ من المسنة لان المسنة كانت سبب زكاة نفسها و زكاة تسعة و ثلاثين سواها لان كل الفريضة كانت فيها لكن أعطى الصغار حكم الكبار تبعا لها فصارت الصغار كانها كبار فإذا هلكت الحملان هلكت بقسطها من الفريضة و بقيت المسنة بقسطها من الفريضة و هو ما ذكرنا ثم الاصل حال اختلاط الصغار بالكبار انه تجب الزكاة في الصغار تبعا للكبار إذا كان العدد الواجب في الكبار موجودا في الصغار في قولهم جميعا فإذا لم يكن عدد الواجب في الكبار كله موجودا في الصغار فانها تجب بقدر الموجود على أصل أبى حنيفة و محمد بيان ذلك إذا كان له مسنتان و مائة و تسعة عشر حملا يجب فيها مسنتان بلا خلاف لان عدد الواجب موجود فيه و ان كان له مسنة واحدة و مائة و عشرون حملا أخذت تلك المسنة لا في قول أبى حنيفة و محمد و عند أبى يوسف تؤخذ المسنة و حمل و كذلك ستون من العجاجيل فيها تبيع عند أبى حنيفة و محمد يؤخذ التبيع لا و عند أبى يوسف يؤخذ التبيع و عجول و كذلك ستة و سبعون من الفصلان فيها بنت لبون انها تؤخذ فحسب في قولهما و عند أبى يوسف تؤخذ بنت لبون و فصيل لان الوجوب لا يتعلق بالصغار أصلا عندهما و عنده يتعلق بها و الله أعلم ( فصل )
و اما مقدار الواجب في السوائم فقد ذكرناه في بيان مقدار نصاب السوائم من الابل و البقر و الغنم و هو الاسنان المعروفة من بنت المخاض و بنت اللبون و ألحقه و الجذعة و التبيع و المسنة و الشاة و لا بد من معرفة معاني هذه الاسماء فبنت المخاض هى التي تمت لها سنة و دخلت في الثانية سميت بذلك لان أمها صارت حاملا بولد آخر بعدها و الماخض اسم للحامل من النوق و بنت اللبون هى التي تمت لها سنتان و دخلت في الثالثة سميت بذلك لان أمها حملت بعدها و ولدت فصارت ذات لبن و اللبون هى ذات اللبن و ألحقه هى التي تمت لها ثلاث سنين و طعنت في الرابعة سميت بذلك اما لاستحقاقها الحمل و الركوب أو لاستحقاقها الضراب و الجذعة هى التي تمت لها أربع سنين و طعنت في الخامسة و لا اشتقاق لاسمها و الذكور منها ابن مخاض و ابن لبون و حق و جذع و وراء هذه اسنان من الابل من الثنى و السديس و البازل لكن لا مدخل لها في باب الزكاة فلا معنى لذكر معانيها في كتب الفقة و التبيع الذي تم له حول و دخل في الثاني و الانثى منه التبيعة و المسنة التي تمت لها سنتان و طعنت في الثالثة و الذكر منه المسن و أما الشاة فذكر في الاصل عن أبى حنيفة انه لا يجوز الا الثنى فصاعدا و الثنى من الشاة هى التي دخلت في السنة الثانية و روى الحسن عن أبى حنيفة انه يجوز الجذع من الضأن و الثنى من المعز و هو قول أبى يوسف و محمد و الشافعي و ما ذكره الطحاوي يقتضى أن يجوز أخذ الجذع من الضأن و الثنى من المعز لانه قال و لا يؤخذ في الصدقة الا ما يجوز في الاضحية و الجذع من الضأن يجوز في الاضحية و قول الطحاوي يؤيد رواية الحسن و الجذع
فصل وأما صفة الواجب في السوائم
من الغنم الذي أتى عليه ستة أشهر و قيل الذي أتى عليه أكثر السنة و لا خلاف في انه لا يجوز من المعز الا الثنى وجه رواية الحسن ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال انما حقنا في الجذعة و الثنية و لان الجذع يجوز في الاضاحي فلان يجوز في الزكاة أولى لان الاضحية أكثر شروطا من الزكاة فالجواز هناك يدل على الجواز ههنا من طريق الاولى وجه ظاهر الرواية ما روى عن على رضى الله عنه انه قال لا يجزئ في الزكاة الا الثنى من المعز فصاعدا و لم يرو عن غيره من الصحابة خلافه فيكون إجماعا من الصحابة مع ما ان هذا باب لا يدرك بالاجتهاد فالظاهر انه قال ذلك سماعا من رسول الله صلى الله عليه و سلم و الله أعلم ( فصل )
و أما صفة الواجب في السوائم فالواجب فيها صفات لابد من معرفتها منها الانوثة في الواجب في الابل من جنسها من بنت المخاض و بنت اللبون و ألحقه و الجذعة و لا يجوز الذكور منها و هو ابن المخاض و ابن اللبون و الحق و الجذع الا بطريق القيمة لان الواجب فيها انما عرف بالنص و النص ورد فيها بالاناث فلا يجوز الذكور الا بالتقويم لان دفع القيم في باب الزكاة جائز عندنا و أما في البقر فيجوز فيها الذكر و الانثى لورود النص بذلك و هو قول النبي صلى الله عليه و سلم و فى ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعه و كذا في الابل فيما دون خمس و عشرين لان النص ورد بإسم الشاة و انها تقع على الذكر و الانثى و كذا في الغنم عندنا يجوز في زكاتها الذكر و الانثى و قال الشافعي لا يجوز الذكر الا إذا كانت كلها ذكورا و هذا فاسد لان الشرع ورد فيها بإسم الشاة قال النبي صلى الله عليه و سلم في أربعين شاة شاة و اسم الشاة يقع على الذكر و الانثى في اللغة و منها أن يكون وسطا فليس للساعي أن يأخذ الجيد و لا الردي الا من طريق التقويم برضا صاحب المال لما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال للسعاة إياكم و حرزات أموال الناس و خذوا من أوساطها و روى انه قال للساعي إياك و كرائم أموال الناس و خذ من حواشيها و اتق دعوة المظلوم فانها ليس بينها و بين الله حجاب و فى الخبر المعروف انه رأى في ابل الصدقة ناقة كوماء فغضب على الساعي و قال ألم أنهكم عن أخذ كرائم أموال الناس حتى قال الساعي أخذتها ببعيرين يا رسول الله و لان مبنى الزكاة على مراعاة الجانبين و ذلك في أخذ الوسط لما في أخذ الخيار من الاضرار بأرباب الاموال و فى أخذ الارذال من الاضرار بالفقراء فكان نظر الجانبين في أخذ الوسط و الوسط هو أن يكون أدون من الارفع و أرفع من الادون كذا فسره محمد في المنتقى و لا يؤخذ في الصدقة الربى بضم الراء و لا الماخض و لا الاكيلة و لا فحل الغنم قال محمد الربى التي تربى ولدها و الاكيلة التي تسمن للاكل و الماخض التي في بطنها ولد و من الناس من طعن في تفسير محمد الربى و الاكيلة و زعم ان الربى المرباة و الاكيلة المأكولة و طعنه مردود عليه و كان من حقه تقليد محمد اذ هو كما كان اماما في الشريعة كان اماما في اللغة واجب التقليد فيها كتقليد نقلة اللغة كأبي عبيد و الاصمعى و الخليل و الكسائي و الفراء و غيرهم و قد قلده أبو عبيد القاسم بن سلام مع جلالة قدره و احتج بقوله و سئل أبو العباس ثعلب عن الغزالة فقال هى عين الشمس ثم قال أما نرى ان محمد بن الحسن قال لغلامه يوما أنظر هل دلكت الغزالة يعنى الشمس و كان ثعلب يقول محمد بن الحسن عندنا من أقران سيبويه و كان قوله حجة في اللغة فكان على الطاعن تقليده فيها كيف و قد ذكر صاحب الديوان و مجمل اللغة ما يوافق قوله في الربى قال صاحب الديوان الربى التي وضعت حديثا أى هى قريبة العهد بالولادة و قال صاحب المجمل الربى الشاة التي تحبس في البيت للبن فهي مربية لا مرباة و الاكيلة و ان فسرت في بعض كتب اللغة بما قاله الطاعن لكن تفسير محمد أولي و أوفق للاصول لان الاصل أن المفعول إذا ذكر بلفظ فعيل يستوى فيه الذكر و الانثى و لا يدخل فيه هاء التأنيث يقال إمرأة قتيل و جريح من هاء التأنيث فلو كانت الاكيلة المأكولة لما أدخل فيها الهاء على اعتبار الاصل و لما أدخل الهاء دل انها ليست بإسم للمأكولة بل لما أعد للاكل كالاضحية انها اسم لما أعد للتضحية و الله أعلم و سواء كان النصاب من نوع واحد أو من نوعين كالضأن و المعز و البقر و الجواميس و العراب و البخت أن المصدق يأخذ منها واحدة وسطا على التفسير الذي ذكرنا و قال الشافعي في أحد قوليه يأخذ من الغالب و قال في القول الآخر انه يجمع بين قيمة شاة من الضأن و شاة من المعز و ينظر في
فصل وأما حكم الخيل
نصف القيمتين فيأخذ شاة بقيمة ذلك من أى النوعين كانت و هو سديد لما روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن أخذ كرائم أموال الناس و حرزاتها و أمر بأخذ أوساطها من فصل بين ما إذا كان النصاب من نوع واحد أو نوعين و لو كان له خمس من الابل كلها بنات مخاض أو كلها بنات لبون أو حقاق أو جذاع ففيها شاة وسط لقوله صلى الله عليه و سلم في خمس من الابل شاة و ان كانت عجافا فان كان فيها بنت مخاض وسط و أعلى سنا منها ففيها أيضا شاة وسط و كذلك ان كانت خمسا و عشرين ففيها بنت مخاض وسط أنه يجب فيها بنت مخاض و تؤخذ تلك لقوله صلى الله عليه و سلم في خمس و عشرين من الابل بنت مخاض و ان كانت جيدة لا يأخذ المصدق الجيدة و لكن يأخذ قيمة بنت مخاض وسط و ان أخذ الجيدة يرد الفضل و ان كانت كلها عجافا ليس فيها بنت مخاض و لا ما يساوى قيمتها قيمة بنت مخاض بل قيمتها دون قيمة بنت مخاض أوساط ففيها شاة بقدرها و طريق معرفة ذلك أن تجعل بنت مخاض وسطا حكما في الباب فينظر إلى قيمتها و إلى قيمة أفضلها من النصاب ان كانت قيمة بنت مخاض وسط مثلا مائة درهم و قيمة أفضلها خمسين تجب شاة قيمتها قيمة نصف شاة و كذلك لو كان التفاوت أكثر من النصف أو أقل فكذلك يجب على قدره و هي من مسائل الزيادات تعرف هناك ثم إذا وجب الوسط في النصاب فلم يوجد الوسط و وجد سن أفضل منه أو دونه قال محمد في الاصل ان المصدق بالخيار ان شاء أخذ قيمة الواجب و ان شاء أخذ الادون و أخذ تمام قيمة الواجب من الدراهم و قيل ينبغى أن يكون الخيار لصاحب السائمة ان شاء دفع القيمة و ان شاء دفع الافضل و استرد الفضل من الدراهم و ان شاء دفع الادون و دفع الفضل من الدراهم لان دفع القيمة في باب الزكاة جائز عندنا و الخيار في ذلك لصاحب المال دون المصدق و انما يكون الخيار للمصدق في فصل واحد و هو ما إذا أراد صاحب المال أن يدفع بعض العين لاجل الواجب فالمصدق بالخيار بين أنه لا يأخذ و بين أنه يأخذ بأن كان الواجب بنت لبون فأراد صاحب المال أن يدفع بعض الحقة بطريق القيمة أو كان الواجب حقة فأراد أن يدفع بعض الجذعة بطريق القيمة فالمصدق بالخيار ان شاء قبل و ان شاء لم يقبل لما فيه من تشقيص العين و الشقص في الاعيان عيب فكان له أن لا يقبل فاما فيما سوى ذلك فلا خيار له و ليس له أن يمتنع من القبول و الله أعلم ( فصل )
و أما حكم الخيل فجملة الكلام فيه ان الخيل لا تخلو اما أن تكون علوفة أو سائمة فان كانت علوفة بأن كانت تعلف للركوب أو للحمل أو للجهاد في سبيل الله فلا زكاة فيها لانها مشغولة بالحاجة و مال الزكاة هو المال النامي الفاضل عن الحاجة لما بينا فيما تقدم و ان كانت تعلف للتجارة ففيها الزكاة بالاجماع لكونها ما لا ناميا فاضلا عن الحاجة لان الاعداد للتجارة دليل النماء و الفضل عن الحاجة و ان كانت سائمة فان كانت تسام للركوب و الحمل أو للجهاد و الغزو فلا زكاة فيها لما بينا و ان كانت تسام للتجارة ففيها الزكاة بلا خلاف و ان كانت تسام للدر و النسل فان كانت مختلطة ذكورا و أناثا فقد قال أبو حنيفة تجب الزكاة فيها قولا واحدا و صاحبها بالخيار ان شاء أدى من كل فرس دينارا و ان شاء قومها وادي من كل مائتي درهم خمسة دراهم و ان كانت إناثا منفردة ففيها روايتان عنه ذكرهما الطحاوي و ان كانت ذكورا منفردة ففيها روايتان عنه أيضا ذكرهما الطحاوي في الآثار و قال أبو يوسف و محمد لا زكاة فيها كيفما كانت و به أخذ الشافعي احتجوا بما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال عفوت لكم عن صدقة الخيل و الرقيق الا أن في الرقيق صدقة الفطر و روى عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال ليس على المسلم في عبده و لا في فرسه صدقة و كل ذلك نص في الباب و لان زكاة السائمة لابد لها من نصاب مقدر كالأَبل و البقر و الغنم و الشرع لم يرد بتقدير النصاب في السائمة منها فلا يجب فيها زكاة السائمة كالحمير و لابي حنيفة ما روى عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في كل فرس سائمة دينار و ليس في الرابطة شيء و روى أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبى عبيدة بن الجراح رضى الله عنه في صدقة الخيل أن خير أربابها فان شاؤوا ادوا من كل فرس دينارا و الا قومها و خذ من كل مائتي درهم خمسة دراهم و روى
عن السائب بن زيد رضى الله عنه أن عمر رضى الله عنه لما بعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين إمرء أن يأخذ من كل فرس شاتين أو عشرة دراهم و لانها مال نام فاضل عن الحاجة الاصلية فتجب فيها الزكاة كما لو كانت للتجارة و أما قول النبي صلى الله عليه و سلم عفوت لكم عن صدقة الخيل و الرقيق فالمراد منها الخيل المعدة للركوب و الغزو لا للاسامة بدليل أنه فرق بين الخيل و بين الرقيق و المراد منها عبيد الخدمة الا ترى أنه أوجب فيها صدقة الفطر و صدقة الفطر انما تجب في عبيد الخدمة أو يحتمل ما ذكرنا فيحمل عليه عملا بالدليلين بقدر الامكان و هو الجواب عن تعلقهم بالحديث الآخر و أما إذا كان الكل إناثا أو ذكورا فوجه رواية الوجوب الاعتبار بسائر السوائم من الابل و البقر و الغنم أنه تجب الزكاة فيها و ان كان كلها إناثا أو ذكورا كذا ههنا و الصحيح أنه لا زكاة فيها لما ذكرنا أن مال الزكاة هو المال النامي و لا نماء فيها بالدر و النسل و لا لزيادة اللحم لان لحمها مأكول عنده بخلاف الابل و البقر و الغنم لان لحمها مأكول فكان زيادة اللحم فيها بالسمن بمنزلة الزيادة بالدر و النسل و الله أعلم و أما البغال و الحمير فلا شيء فيها و ان كانت سائمة لان المقصود منها الحمل وا الركوب عادة لا الدر و النسل لكنها قد تسام في وقت الحاجة لدفع مؤنة العلف و ان كانت للتجارة تجب الزكاة فيها ( فصل )
و أما بيان من له المطالبة باداء الواجب في السوائم و الاموال الظاهرة فالكلام فيه يقع في مواضع في بيان من له ولاية الاخذ و فى بيان شرائط ثبوت ولاية الآخذ و فى بيان القدر المأخوذ أما الاول فمال الزكاة نوعان ظاهر و هو المواشي و المال الذي يمر به التاجر على العاشر و باطن و هو الذهب و الفضة و أموال التجارة في مواضعها أما الظاهر فللامام و نوابه و هم المصدقون من السعاة و العشار ولاية الاخذ و الساعي هو الذي يسعى في القبائل ليأخذ صدقة المواشي في أماكنها و العاشر هو الذي يأخذ الصدقة من التاجر الذي يمر عليه و المصدق اسم جنس و الدليل على أن للامام ولاية الاخذ في المواشي و الاموال الظاهرة الكتاب و السنة و الاجماع و اشارة الكتاب أما الكتاب فقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة و الآية نزلت في الزكاة عليه عامة أهل التأويل أمر الله عز و جل نبيه بأخذ الزكاة فدل أن للامام المطالبة بذلك و الاخذ قال الله تعالى انما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها فقد بين الله تعالى ذلك بيانا شافيا حيث جعل العاملين عليها حقا فلو لم يكن للامام أن يطالب أرباب الاموال بصدقات الانعام في أماكنها و كان أداؤها إلى أرباب الاموال لم يكن لذكر العاملين وجه و اما السنة فان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يبعث المصدقين إلى احياء العرب و البلدان و الآفاق لاخذ الصدقات من الانعام و المواشى في أماكنها و على ذلك فعل الائمة من بعده من الخلفاء الراشدين أبى بكر و عمر و عثمان و على رضى الله عنهم حتى قال الصديق رضى الله عنه لما امتنعت العرب عن أداء الزكاة و الله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لحاربتهم عليه و ظهر العمال بذلك من بعدهم إلى يومنا هذا و كذا المال الباطن إذا مر به التاجر على العاشر كان له أن يأخذ في الجملة لانه لما سافر به و أخرجه من العمران صار ظاهرا و التحق بالسوائم و هذا لان الامام انما كان له المطالبة عنت المواشي في أماكنها لمكان الحماية لان المواشي في البرارى لا تصير محفوظة الا بحفظ السلطان و حمايته و هذا المعنى موجود في مال يمر به التاجر على العاشر فكان كالسوائم و عليه إجماع الصحابة رضى الله عنهم فان عمر رضى الله عنه نصب العشار و قال لهم خذوا من المسلم ربع العشر و من الذمي نصف العشر و من الحربي العشر و كان ذلك بمحضر من الصحابة رضى الله عنهم و لم ينقل أنه أنكر عليه واحد منهم فكان إجماعا و روى عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله بذلك و قال أخبرني بهذا من سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم و أما المال الباطن الذي يكون في المصر فقد قال عامة مشايخنا ان رسول الله صلى الله عليه و سلم طالب بزكاته و أبو بكر و عمر طالبا و عثمان طالب زمانا و لما كثرت أموال الناس ورأى أن في تتبعها حرجا على الامة و فى تفتيشها ضررا بأرباب الاموال فوض الاداء إلى أربابها و ذكر أمام الهدى الشيخ أبو منصور الماتريدى السمرقندي رحمه الله و قال لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث في مطالبة
فصل وأما شرائط ولاية الآخذ
المسلمين عنت الورق و أموال التجارة و لكن الناس كانوا يعطون ذلك و منهم من كان يحمل إلى الائمة فيقبلون منه ذلك و لا يسألون أحدا عن مبلغ ماله و لا يطالبونه بذلك الا ما كان من توجيه عمر رضى الله عنه العشار إلى الاطراف و كان ذلك منه عندنا و الله أعلم عمن بعد داره وشق عليه أن يحمل صدقته اليه و قد جعل في كل طرف من الاطراف عاشر التجار أهل الحرب و الذمة و أمر أن يأخذوا من تجار المسلمين ما يدفعونه اليه و كان ذلك من عمر تخفيفا على المسلمين الا أن على الامام مطالبة أرباب الاموال العين و أموال التجارة باداء الزكاة إليهم سوى المواشي و الانعام و أن مطالبة ذلك إلى الائمة الا أن يأتى أحدهم إلى الامام بشيء من ذلك فيقبله و لا يتعدى عما جرت به العادة و السنة إلى غيره و أما سلاطين زماننا الذين إذا أخذوا الصدقات و العشور و الخراج لا يضعونها مواضعها فهل تسقط هذه الحقوق عن أربابها اختلف المشايخ فيه ذكر الفقية أبو جعفر الهندواني أنه يسقط ذلك كله و ان كانوا لا يصنعونها في أهلها لان حق الاخذ لهم فيسقط عنا بأخذهم ثم انهم ان لم يضعوها مواضعها فالو بال عليهم و قال الشيخ أبو بكر بن سعيد ان الخراج يسقط و لا تسقط الصدقات لان الخراج يصرف إلى المقاتلة و هم يصرفون إلى المقاتلة و يقاتلون العدو ألا ترى انه لو ظهر العدو فانهم يقاتلون و يذبون عن حريم المسلمين فاما الزكوات و الصدقات فانهم لا يضعونها في أهلها و قال أبو بكر الاسكاف ان جميع ذلك يسقط و يعطى ثانيا لانهم لا يضعونها مواضعها و لو نوى صاحب المال وقت الدفع انه يدفع إليهم ذلك عن زكاة ماله قيل يجوز لانهم فقراء في الحقيقة ألا ترى انهم لو أدوا ما عليهم من التبعات و المظالم صاروا فقراء و روى عن أبى مطيع البلخى انه قال تجوز الصدقة لعلى بن عيسى بن هامان و كان و إلى خراسان و انما قال ذلك لما ذكرنا و حكى ان أميرا ببلخ سأل واحدا من الفقهاء عن كفارة يمين لزمته فأمره بالصيام فبكى الامير و عرف انه يقول لو أديت ما عليك من التبعات و المظلمة لم يبق لك شيء و قيل ان السلطان لو أخذ ما لا من رجل بغير حق مصادرة فنوى صاحب المال وقت الدفع أن يكون ذلك عن زكاة ماله و عشر أرضه يجوز ذلك و الله أعلم ( فصل )
و أما شرط ولاية الآخذ فأنواع منها وجود الحماية من الامام حتى لو ظهر أهل البغى على مدينة من مدائن أهل العدل أو قرية من قراهم و غلبوا عليها فأخذوا صدقات سوائمهم و عشور أراضيهم و خراجها ثم ظهر عليهم امام العدل لا يأخذ منهم ثانيا لان حق الاخذ للامام لاجل الحفظ و الحماية و لم يوجد الا انهم يفتون فيما بينهم و بين ربهم أن يؤدوا الزكاة و العشور ثانيا و سكت محمد عن ذكر الخراج و اختلف مشايخنا قال بعضهم عليهم أن يعيدوا الخراج كالزكاة و العشور و قال بعضهم ليس عليهم الاعادة لان الخراج يصرف إلى المقاتلة و أهل البغى يقاتلون العدو و يذبون عن حريم الاسلام و منها وجوب الزكاة لان المأخوذ زكاة و الزكاة في عرف الشرع اسم للواجب فلا بد من تقديم الوجوب فتراعى له شرائط الوجوب و هي ما ذكرنا من الملك المطلق و كمال النصاب و كونه معدا للنماء و حولان الحول و عدم الدين المطالب به من جهة العباد و أهلية الوجوب و نحو ذلك و منها ظهور المال و حضور المالك حتى لو حضر المالك و لم يظهر ماله لا يطالب بزكاته لانه إذا لم يظهر ماله لا يدخل تحت حماية السلطان و كذا إذا ظهر المال و لم يحضر المالك و لا المأذون من جهة المالك كالمستبضع و نحوه لا يطالب بزكاته و بيان هذه الجملة إذا جاء الساعي إلى صاحب المواشي في أماكنها يريد أخذ الصدقة فقال ليست هى مالى أو قال لم يحل عليها الحول أو قال على دين يحيط بقيمتها فالقول قوله لانه ينكر وجوب الزكاة و يستحلف لانه تعلق به حق العبد و هو مطالبة الساعي فيكون القول قوله مع يمينه و لو قال أديت إلى مصدق آخر فان لم يكن في تلك السنة مصدق آخر لا يصدق لظهور كذبه بيقين و ان كان في تلك السنة مصدق آخر يصدق مع اليمين سواء أتى بخط و براءة أو لم يأت به في ظاهر الرواية و روى الحسن عن أبى حنيفة انه لا يصدق ما لم يأت بالبراءة وجه هذه الرواية أن خبره يحتمل الصدق و الكذب فلا بد من مرجح و البراءة إمارة رجحان الصدق وجه ظاهر الرواية ان الرجحان ثابت بدون البراءة لانه أمين اذ له أن يدفع إلى المصدق فقد أخبر عن الدفع إلى من جعل له الدفع اليه فكان كالمودع إذا قال دفعت
الوديعة إلى المودع و البراءة ليست بعلامة صادقة لان الخط يشبه الخط و على هذا إذا أتى بالبراءة على خلاف اسم ذلك المصدق انه يقبل قوله مع يمينه على جواب ظاهر الرواية لان البراءة ليست بشرط فكان الاتيان بها و العدم بمنزلة واحدة و على رواية الحسن لا يقبل لان البراءة شرط فلا تقبل بدونها و لو قال أديت زكاتها إلى الفقراء لا يصدق و تؤخذ منه عندنا و عند الشافعي لا تؤخذ وجه قوله ان المصدق لا يأخذ الصدقة لنفسه بل ليوصلها إلى مستحقيها و هو الفقير و قد أوصل بنفسه و لنا ان حق الاخذ للسلطان فهو بقوله أديت بنفسي أراد إبطال حق السلطان فلا يملك ذلك و كذلك العشر على هذا الخلاف و كذا الجواب فيمن مر على العاشر بالسوائم أو بالدراهم أو الدنانير أو بأموال التجارة في جميع ما وصفنا الا في قوله أديت زكاتها بنفسي إلى الفقراء فيما سوى السوائم انه يقبل قوله و لا يؤخذ ثانيا لان اداء زكاة الاموال الباطنة مفوض إلى أربابها إذا كانوا يتجرون بها في المصر فلم يتضمن الدفع بنفسه إبطال حق احد و لو مر على العاشر بمائة درهم و أخبر العاشر ان له مائة أخرى قد حال عليها الحول لم يأخذ منه زكاة هذه المائة التي مر بها لان حق الاخذ لمكان الحماية و ما دون النصاب قليل لا يحتاج إلى الحماية و القدر الذي في بيته لم يدخل تحت الحماية فلا يؤخذ من أحدهما شيء و لو مر عليه بالعروض فقال هذه ليست للتجارة أو قال هذه بضاعة أو قال أنا أجير فيها فالقول قوله مع اليمين لانه أمين و لم يوجد ظاهر يكذبه و جميع ما ذكرنا انه يصدق فيه المسلم يصدق فيه الذمي لقول النبي صلى الله عليه و سلم إذا قبلوا عقد الذمة فاعلمهم ان لهم ما للمسلمين و عليهم ما على المسلمين و لان الذمي لا يفارق المسلم في هذا الباب الا في قدر المأخوذ و هو انه يؤخذ منه ضعف ما يؤخذ من المسلم كما في التغلبي لانه يؤخذ منه بسبب الحماية و باسم الصدقة و ان لم تكن صدقة حقيقة و لا يصدق الحربي في شيء من ذلك و يؤخذ منه العشر الا في جوار يقول هن أمهات أولادي أو في غلمان يقول هم أولادي لان الاخذ منه لمكان الحماية و العصمة لما في يده و قد وجدت فلا يمنع شيء من ذلك من الاخذ و انما قبل قوله في الاستيلاد و النسب لان الاستيلاد و النسب كما يثبت في دار الاسلام يثبت في دار الحرب و علل محمد رحمه الله فقال الحربي لا يخلو اما أن يكون صادقا و اما أن يكون كاذبا فان كان صادقا فقد صدق و ان كان كاذبا فقد صارت بإقراره في الحال أم ولد له و لا عشر في أم الولد و لو قال هم مدبرون لا يلتفت إلى قوله لان التدبير لا يصح في دار الحرب و لو مر على عاشر بمال و قال هو عندي بضاعة أو قال أنا أجير فيه فالقول قوله و لا يعشره و لو قال هو عندي مضاربة فالقول قوله أيضا و هل يعشره كان أبو حنيفة أولا يقول يعشره ثم رجع و قال لا يعشره و هو قول أبى يوسف و محمد و لو مر العبد المأذون بمال من كسبه و تجارته و ليس عليه دين و استجمع شرائط وجوب الزكاة فيه فان كان معه مولاه عشره بالاجماع و ان لم يكن معه مولاه فكذلك يعشره في قول أبى حنيفة و فى قولهما لا يعشره و قال أبو يوسف لا أعلم انه رجع في العبد أم لا و قيل ان الصحيح ان رجوعه في المضارب رجوع في العبد المأذون وجه قوله الاول في المضارب ان المضارب بمنزلة المالك لانه يملك التصرف في المال و لهذا يجوز بيعه من رب المال وجه قوله الاخير و هو قولهما ان الملك شرط الوجوب و لا ملك له فيه و رب المال لم يأمره باداء الزكاة لانه لم يأذن له بعقد المضاربة الا بالتصرف في المال و قد خرج الجواب عن قوله انه بمنزلة المالك لانا نقول نعم لكن في ولاية التصرف في المال لا في اداء الزكاة كالمستبضع و العبد المأذون في معنى المضارب في هذا المعنى و لانه لم يؤمر الا بالتصرف فكان الصحيح هو الرجوع و لا يؤخذ من المسلم إذا مر على العاشر في السنة الا مرة واحدة لان المأخوذ منه زكاة و الزكاة لا تجب في السنة الا مرة واحدة و كذلك الذمي لانه بقبول عقد الذمة صار له ما للمسلمين و عليه ما على المسلمين و لان العاشر يأخذ منه بإسم الصدقة و ان لم تكن صدقة حقيقة كالتغلبى فلا يؤخذ منه في الحول الا مرة واحدة و كذلك الحربي الا إذا عشره فرجع إلى دار الحرب ثم خرج انه يعشره ثانيا و ان خرج من يومه ذلك لان الاخذ من أهل الحرب لمكان حماية ما في أيديهم من الاموال و ما دام هو في دار الاسلام فالحماية متحدة ما دام الحول باقيا فيتحد حق الاخذ و عند دخوله دار الحرب و رجوعه إلى دار الاسلام تتجدد الحماية فيتجدد حق الاخذ و إذا مر الحربي على العاشر فلم يعلم حتى عاد إلى دار الحرب ثم رجع ثانيا
فصل وأما القدر والمأخوذ مما يمر به التاجر على العاشر
فعلم به لم يعشره لما مضى لان ما مضى سقط لانقطاع حق الولاية عنه بدخوله دار الحرب و لو اجتاز المسلم و الحربى و لم يعلم بهما العاشر ثم علم بهما في الحول الثاني أخذ منهما لان الوجوب قد ثبت و لم يوجد ما يسقطه و لو مر على العاشر بالخضراوات و بما لا يبقى حولا كالفاكهة و نحوها لا يعشره في قول أبى حنيفة و ان كانت قيمته مائتي درهم و قال أبو يوسف و محمد يعشره وجه قولهما ان هذا مال التجارة و المعتبر في مال التجارة معناه و هو ماليته و قيمته لا عينه فإذا بلغت قيمته نصابا تجب فيه الزكاة و لهذا وجبت الزكاة فيه إذا كان يتجر فيه في المصر و لابي حنيفة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال ليس في الخضراوات صدقة و الصدقة إذا أطلقت يراد بها الزكاة الا ان ما يتجر بها في المصر صار مخصوصا بدليل أو يحمل على انه ليس فيها صدقة تؤخذ أى ليس للامام أن يأخذها بل صاحبها يؤديها بنفسه و لان الحول شرط وجوب الزكاة و أنها لا تبقي حولا و العاشر انما يأخذ منها بطريق الزكاة و لان ولاية الاخذ بسبب الحماية و هذه الاشياء لا تفتقر إلى الحماية لان احدا لا يقصدها و لانها تهلك في يد العاشر في المفازة فلا يكون أخذها مفيدا و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه تجب الزكاة على صاحبها بالاجماع و انما الخلاف في انه هل للعاشر حق الاخذ و ذكر الكرخي انه لا شيء فيه في قول أبى حنيفة و هذا الاطلاق يدل على ان الوجوب مختلف فيه و الله أعلم و لا يعشر مال الصبي و المجنون لانهما ليسا من أهل وجوب الزكاة عليهما عندهما و لو مر صبي و إمرأة من بني تغلب على العاشر فليس على الصبي شيء و على المرأة ما على الرجل لان المأخوذ من بني تغلب يسلك به مسلك الصدقات لا يفارقها الا في التضعيف و الصدقة لا تؤخذ من الصبي و تؤخذ من المرأة و لو مر على عاشر الخوارج في أرض غلبوا عليها فعشره ثم مر على عاشر أهل العدل يعشره ثانيا لانه بالمرور على عاشرهم ضيع حق سلطان أهل العدل و حق فقراء أهل العدل بعد دخوله تحت حماية سلطان أهل العدل فيضمن و لو مر ذمى على العاشر بخمر للتجارة أو خنازير يأخذ عشر ثمن الخمر و لا يعشر الخنازير في ظاهر الرواية و روى عن أبى يوسف انه يعشرهما و هو قول زفر و عند الشافعي لا يعشرهما وجه قول الشافعي أن الخمر و الخنزير ليسا بمال أصلا و العشر انما يؤخذ من المال وجه قول زفر انهما مالان متقومان في حق أهل الذمة فالخمر عندهم كالخل عندنا و الخنزير عندهم كالشاة عندنا و لهذا كانا مضمونين على المسلم بالاتلاف وجه ظاهر الرواية و هو الفرق بين الخمر و الخنزير من وجهين أحدهما ان الخمر من ذوات الامثال و القيمة فيما له مثل من جنسه لا يقوم مقامه فلا يكون أخذ قيمة الخمر كأخذ عين الخمر و الخنزير من ذوات القيم لا من ذوات الامثال و القيمة فيما لا مثل له يقوم مقامه فكان أخذ قيمته كأخذ عينه و ذا لا يجوز للمسلم و الثاني ان الاخذ حق للعاشر بسبب الحماية و للمسلم ولاية حماية الخمر في الجملة الا ترى انه إذا ورث الخمر فله ولاية حمايتها عن غيره بالغصب و لو غصبها غاصب له ان يخاصمه و يستردها منه للتخليل فله ولاية حماية خمر غيره عند وجود سبب ثبوت الولاية و هو ولاية السلطنة و ليس للمسلم ولاية حماية الخنزير رأسا حتى لو أسلم و له خنازير ليس له ان يحميها بل يسببها فلا يكون له ولاية حماية خنزير غيره ( فصل )
و اما القدر المأخوذ مما يمر به التاجر على العاشر فالمار لا يخلو اما ان كان مسلما أو ذميا أو حربيا فان كان مسلما يأخذ منه في أموال التجارة ربع العشر لان المأخوذ منه زكاة فيؤخذ على قدر الواجب من الزكاة في أموال التجارة و هو ربع العشر و يوضع موضع الزكاة و يسقط عن ماله زكاة تلك السنة و ان كان ذميا يأخذ منه نصف العشر و يؤخذ على شرائط الزكاة لكن يوضع موضع الجزية و الخراج و لا تسقط عنه جزية رأسه في تلك السنة نصارى بني تغلب لان عمر رضى الله عنه صالحهم من الجزية على الصدقة المضاعفة فإذا أخذا العاشر منهم ذلك سقطت الجزية عنهم و ان كان حربيا يأخذ منه ما يأخذونه من المسلمين فان علم انهم يأخذون منا ربع العشر أخذ منهم ذلك القدر و ان كان نصفا فنصف و ان كان عشرا فعشر لان ذلك ادعى لهم الي المخالطة بدار الاسلام فيروا محاسن الاسلام فيدعوهم ذلك إلى الاسلام فان كان لا يعلم ذلك يأخذ منه العشر و أصله ما روينا عن عمر رضى الله عنه كتب إلى العشار في الاطراف ان خذوا من المسلم ربع العشر و من الذمي نصف العشر و من الحربي
فصل وأما ركن الزكاة
العشر و كان ذلك بمحضر من الصحابة رضى الله عنهم و لم يخالفه أحد منهم فيكون إجماعا منهم على ذلك و روى انه قال خذوا منهم ما يأخذون من تجارنا فقيل له ان لم نعلم ما يأخذون من تجارنا فقال خذوا منهم العشر و ما يؤخذ منهم فهو في معنى الجزية و المؤنة توضع مواضع الجزية و تصرف إلى مصارفها ( فصل )
و أما ركن الزكاة فركن الزكاة هو إخراج جزء من النصاب إلى الله تعالى و تسليم ذلك اليه يقطع المالك يده عنه بتمليكه من الفقير و تسليمه اليه أو إلى يد من هو نائب عنه و هو المصدق و الملك للفقير يثبت من الله تعالى و صاحب المال نائب عن الله تعالى في التمليك و التسليم إلى الفقير و الدليل على ذلك قوله تعالى ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده و يأخذ الصدقات و قول النبي صلى الله عليه و سلم الصدقة تقع في يد الرحمن قبل ان تقع في كف الفقير و قد أمر الله تعالي الملاك بإيتاء الزكاة لقوله عز و جل و آتوا الزكاة و الايتاء هو التمليك و لذا سمى الله تعالى الزكاة صدقة بقوله عز و جل انما الصدقات للفقراء و التصدق تمليك فيصير المالك مخرجا قدر الزكاة إلى الله تعالى بمقتضى التمليك سابقا عليه و لان الزكاة عبادة على أصلنا و العبادة إخلاص العمل بكليته لله تعالى و ذلك فيما قلنا ان عند التسليم إلى الفقير تنقطع نسبة قدر الزكاة عنه بالكلية و تصير خالصة لله تعالى و يكون معنى القربة في الاخراج إلى الله تعالى بإبطال ملكه عنه لا في التمليك من الفقير بل التمليك من الله تعالى في الحقيقة و صاحب المال نائب عن الله تعالى ان عند أبى حنيفة الركن هو إخراج جزء من النصاب من حيث المعنى دون الصورة و عندهما صورة و معنى لكن يجوز اقامة الغير مقامه من حيث المعنى و يبطل اعتبار الصورة باذن صاحب الحق و هو الله تعالى على ما بينا فيما تقدم و بينا اختلاف المشايخ في السوائم على قول أبى حنيفة و على هذا يخرج صرف الزكاة إلى وجوه البر من بناء المساجد و الرباطات و السقايات و اصلاح القناطر و تكفين الموتى و دفنهم انه لا يجوز لانه لم يوجد التمليك أصلا و كذلك إذا اشترى بالزكاة طعاما فأطعم الفقراء غداء و عشاء و لم يدفع عين الطعام إليهم لا يجوز لعدم التمليك و كذا لو قضى دين ميت فقير بنية الزكاة لانه لم يوجد التمليك من الفقير لعدم قبضه و لو قضى دين حى فقير ان قضى بغير أمره لم يجز لانه لم يوجد التمليك من الفقير لعدم قبضه و ان كان بامره يجوز عن الزكاة لوجود التمليك من الفقير لانه لما أمره به صار وكيلا عنه في القبض فصار كان الفقير قبض الصدقة بنفسه و ملكه من الغريم و لو أعتق عبده بنية الزكاة لا يجوز لانعدام التمليك اذ الاعتاق ليس بتمليك بل هو إسقاط الملك و كذا لو اشترى بقدر الزكاة عبدا فاعتقه لا يجوز عن الزكاة عند عامة العلماء و قال مالك يجوز و به تأول قوله تعالى و فى الرقاب و هو ان يشترى بالزكاة عبدا فيعتقه و لنا أن الواجب هو التمليك و الاعتاق ازالة الملك فلم يأت بالواجب و المراد من قوله تعالى و فى الرقاب اعانة المكاتبين بالزكاة لما نذكره و لو دفع زكاته إلى الامام أو إلى عامل الصدقة يجوز لانه نائب عن الفقير في القبض فكان قبضه كقبض الفقير و كذا لو دفع زكاة ماله إلى صبي فقير أو مجنون فقير و قبض له وليه أبوه أو جده أو و صيهما جاز لان الولى يملك قبض الصدقة عنه و كذا لو قبض عنه بعض أقاربه و ليس ثمة أقرب منه و هو في عياله يجوز و كذا الاجنبي الذي هو في عياله لانه في معنى الولى في قبض الصدقة لكونه نفعا محضا الا ترى انه يملك قبض الهبة له و كذا الملتقط إذا قبض الصدقة عن اللقيط لانه يملك القبض له فقد وجد تمليك الصدقة من الفقير و ذكر في العيون عن أبى يوسف ان من عال يتيما فجعل يكسوه و يطعمه و ينوى به عن زكاة ماله يجوز و قال محمد ما كان من كسوة يجوز و فى الطعام لا يجوز الا ما دفع اليه و قيل لا خلاف بينهما في الحقيقة لان مراد أبى يوسف ليس هو الاطعام على طريق الاباحة بل على وجه التمليك ثم ان كان اليتيم عاقلا يدفع اليه و ان لم يكن عاقلا يقبض عنه بطريق النيابة ثم يكسوه و يطعمه لان قبض الولى كقبضه لو كان عاقلا و لا يجوز قبض الاجنبي للفقير البالغ العاقل الا بتوكيله لانه لا ولاية له عليه فلا بد من أمره كما في قبض الهبة و على هذا أيضا يخرج الدفع إلى عبده و مدبره وأم ولده انه لا يجوز لعدم التمليك اذ هم لا يملكون شيأ فكان الدفع إليهم دفعا إلى نفسه و لا يدفع إلى مكانبه لانه عبد ما بقي عليه درهم و لان كسبه متردد
فصل وأما شرائط الركن
بين ان يكون له أو لمولاه لجواز ان يعجز نفسه و لا يدفع إلى والده و ان علا و لا إلى ولده و ان سفل لانه ينتفع بملكه فكان الدفع اليه دفعا إلى نفسه من وجه فلا يقع تمليكا مطلقا و لهذا لا تقبل شهادة أحدهما لصاحبه و لا يدفع أحد الزوجين زكاته إلى الآخر و قال أبو يوسف و محمد تدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها احتجا بما روى ان إمرأة عبد الله بن مسعود رضى الله عنه سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الصدقة على زوجها عبد الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم لك أجران أجر الصدقة و أجر الصلة و لابي حنيفة ان أحد الزوجين ينتفع بمال صاحبه كما ينتفع بمال نفسه عرفا و عادة فلا يتكامل معنى التمليك و لهذا لم يجز للزوج ان يدفع إلى زوجته كذا الزوجة و تخرج هذه المسائل على أصل آخر سنذكره و الله أعلم ( فصل )
و أما شرائط الركن فانواع بعضها يرجع إلى المؤدى و بعضها يرجع إلى المؤدى و بعضها يرجع إلى المؤدى اليه أما الذي يرجع إلى المؤدى فنية الزكاة و الكلام في النية في موضعين في بيان ان النية شرط جواز أداء الزكاة و فى بيان وقت نية الاداء اما الاول فالدليل عليه قوله صلى الله عليه و سلم لا عمل لمن لا نية له و قوله انما الاعمال بالنيات و لان الزكاة عبادة مقصودة فلا تتأدى بدون النية كالصوم و الصلاة و لو تصدق بجميع ماله على فقير و لم ينو الزكاة أجزأه عن الزكاة استحسانا و القياس ان لا يجوز وجه القياس ما ذكرنا أن الزكاة عبادة مقصودة فلا بد لها من النية وجه الاستحسان أن النية وجدت دلالة لان الظاهر ان من عليه الزكاة لا يتصدق بجميع ماله و يغفل عن نية الزكاة فكانت النية موجودة دلالة و على هذا إذا وهب جميع النصاب من الفقير أو نوى تطوعا و روى عن أبى يوسف انه ان نوى ان يتصدق بجميع ماله فتصدق شيأ فشيأ أجزأه عن الزكاة لما قلنا و ان لم ينو أن يتصدق بجميع ماله فجعل يتصدق حتى أتى عليه ضمن الزكاة لان الزكاة بقيت واجبة عليه بعد ما تصدق ببعض المال فلا تسقط بالتصدق بالبالقى و لو تصدق ببعض ماله من نية الزكاة حتى لم يجزئه عن زكاة الكل فهل يجزئه عن زكاة القدر الذي تصدق به قال أبو يوسف لا يجزئه و عليه ان يزكى الجميع و قال محمد يجزئه عن زكاة ما تصدق به و يزكى ما بقي حتى انه لو أدى خمسة من مائتين لا ينوى الزكاة أو نوى تطوعا لا تسقط عنه زكاة الخمسة في قول أبى يوسف و عليه زكاة الكل و عند محمد تسقط عنه زكاة الخمسة و هو ثمن درهم و لا يسقط عنه زكاة الباقى و كذا لو أدى مائة لا ينوى الزكاة و نوى تطوعا لا تسقط زكاة المائة و عليه ان يزكى الكل عند أبى يوسف و عند محمد يسقط عنه زكاة ما تصدق و هو درهمان و نصف و لا يسقط عنه زكاة الباقى كذا ذكر القدوري الخلاف في شرحه مختصر الكرخي و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه يسقط عنه زكاة القدر المؤدى و لم يذكر الخلاف وجه قول محمد اعتبار البعض بالكل و هو انه لو تصدق بالكل لجاز عن زكاة الكل فإذا تصدق بالبعض يجوز عن زكاته لان الواجب شائع في جميع النصاب و لابي يوسف ان سقوط الزكاة بغير نية لزوال ملكه على وجه القربة عن المال الذي فيه الزكاة و لم يوجد ذلك في التصدق بالبعض و لو تصدق بخمسة ينوى بجميعها الزكاة و التطوع كانت من الزكاة في قول أبى يوسف و قال محمد هى من التطوع وجه قول محمد ان النيتين تعارضتا فلم يصح التعيين للتعارض فالتحق بالعدم فبقى التصدق بنية مطلقة فيقع عن التطوع لانه أدنى و الادنى متيقن به وجه قول أبى يوسف ان عند تعارض الجهتين يعمل بالاقوى و هو الفرض كما في تعارض الدليلين انه يعمل باقواهما و لان التعيين يعتبر في الزكاة لا في التطوع لان التطوع لا يحتاج إلى التعيين الا ترى أن إطلاق الصدقة يقع عليه فلغا تعيينه و بقيت الزكاة متعينة فيقع عن الزكاة و المعتبر في الدفع نية الآمر حتى لو دفع خمسة إلى رجل و أمره ان يدفعها إلى الفقير عن زكاة ماله فدفع و لم تحضره النية عند الدفع جاز لان النية انما تعتبر من المؤدى و المؤدى هو الآمر في الحقيقة و انما المأمور نائب عنه في الاداء و لهذا لو و كل ذميا باداء الزكاة جاز لان المؤدى في الحقيقة هو المسلم و ذكر في الفتاوى عن الحسن بن زياد في رجل أعطى رجلا دراهم ليتصدق بها تطوعا ثم نوى الآمر ان يكون ذلك من زكاة ماله ثم تصدق المأمور جاز عن زكاة مال الآمر و كذا
فصل وأما الذى يرجع إلى المؤدى
لو قال تصدق بها عن كفارة يمينى ثم نوى الآمر عن زكاة ماله جاز لما ذكرنا أن الآمر هو المؤدى من حيث المعنى و انما المأمور نائب عنه و لو قال ان دخلت هذه الدار فلله على أن أتصدق بهذه المائة درهم ثم نوى وقت الدخول عن زكاة ماله لا تكون زكاة لان عند الدخول وجب عليه التصدق بالنذر المتقدم أو اليمين المتقدمة و ذلك لا يحتمل الرجوع فيه بخلاف الاول و لو تصدق عن غيره بغير أمره فان تصدق بمال نفسه جازت الصدقة عن نفسه و لا تجوز عن غيره و ان أجازه و رضى به أما عدم الجواز عن غيره فلعدم التمليك منه اذ لا ملك له في المؤدى و لا يملكه بالاجازة فلا تقع الصدقة عنه و تقع عن المتصدق لان التصدق وجد نفاذا عليه و ان تصدق بمال المتصدق عنه وقف على اجازته فان أجاز و المال قائم جاز عن الزكاة و ان كان المال هالكا جاز عن التطوع و لم يجز عن الزكاة لانه لما تصدق عنه بغير أمره و هلك المال صار بدله دينا في ذمته فلو جاز ذلك عن الزكاة كان أداء الدين عن الغير و انه لا يجوز و الله أعلم و اما وقت النية فقد ذكر الطحاوي و لا تجزي الزكاة عمن أخرجها الا بنية مخالطة لاخراجه إياها كما قال في باب الصلاة و هذا اشارة إلى انها لا تجزي الا بنية مقارنة للاداء و عن محمد بن سلمة انه قال ان كان وقت التصدق بحال لو سئل عماذا يتصدق أمكنه الجواب من فكرة فان ذلك يكون نية منه و تجزئه كما قال في نية الصلاة و الصحيح أن النية تعتبر في أحد الوقتين اما عند الدفع و اما عند التمييز هكذا روى هشام عن محمد في رجل نوى ان ما يتصدق به إلى آخر السنة فهو عن زكاة ماله فجعل يتصدق الي آخر السنة و لا تحضره النية قال لا تجزئه و ان ميز زكاة ماله فصرها في كمه و قال هذه من الزكاة فجعل يتصدق و لا تحضره النية قال ارجو ان تجزئه عن الزكاة لان في الاول لم توجد النية في الوقتين و فى الثاني وجد في أحدهما و هو وقت التمييز و انما لم تشترط في وقت الدفع عينا لان دفع الزكاة قد يقع دفعة واحدة و قد يقع متفرقا و فى اشتراط النية عند كل دفع مع تفريق الدفع حرج و الحرج مدفوع و الله أعلم ( فصل )
و أما الذي يرجع إلى المؤدى فمنها ان يكون ما لا متقوما على الاطلاق سواء كان منصوصا عليه أو لا من جنس المال الذي وجبت فيه الزكاة أو من جنسه و الاصل ان كل مال يجوز التصدق به تطوعا يجوز أداء الزكاة منه و ما لا فلا و هذا عندنا و عند الشافعي لا يجوز الاداء المنصوص عليه و قد مضت المسألة ان المؤدى يعتبر فيه القدر و الصفة في بعض الاموال و فى بعضها القدر دون الصفة و فى بعضها الصفة دون القدر و فى بعض هذه الجملة اتفاق و فى بعضها اختلاف و جملة الكلام فيه ان مال الزكاة لا يخلو اما أن يكون عينا و اما أن يكون دينا و العين لا يخلو اما أن تكون مما لا يجرى فيه الربا كالحيوان و العروض و اما أن يكون مما يجرى فيه الربا كالمكيل و الموزون فان كان مما لا يجرى فيه الربا فان كان من السوائم فان أدى المنصوص عليه من الشاة و بنت المخاض و نحو ذلك يراعى فيه صفة الواجب و هو أن يكون وسطا فلا يجوز الردي الا على طريق التقويم فبقدر قيمته و عليه التكميل لانه لم يؤد الواجب و لو أدى الجيد جاز لانه أدى الواجب و زيادة و ان أدى القيمة أدى قيمة الوسط فان أدى قيمة الردي لم يجز الا بقدر قيمته و عليه التكميل و لو أدى شاة واحدة سمينة عن شاتين وسطين تعدل قيمتها قيمة شاتين وسطين جاز لان الحيوان ليس من أموال الربا و الجودة في أموال الربا متقومة ألا ترى انه يجوز بيع شاة بشاتين فبقدر الوسط يقع عن نفسه و بقدر قيمة الجودة يقع عن شاة أخرى و ان كان من عروض التجارة فان أدى من النصاب ربع عشره يجوز كيفما كان النصاب لانه أدى الواجب بكماله و ان أدى من النصاب فان كان من جنسه يراعى فيه صفة الواجب من الجيد و الوسط و الردئ و لو ادى الردي مكان الجيد و الوسط لا يجوز الا على طريق التقويم بقدره و عليه التكميل لان العروض ليست من أموال الربا حتى يجوز بيع ثوب بثوبين فكانت الجودة فيها متقومة و لهذا الوادي ثوبا جيدا عن ثوبين رديئين يجوز و ان كان من خلاف جنسه يراعى فيه قيمة الواجب حتى لو أدى أنقص منه لا يجوز الا بقدره و ان كان مال الزكاة مما يجرى فيه الربا من الكيكي و الوزنى فان أدى ربع عشر النصاب يجوز كيفما كان لانه أدى ما وجب عليه و ان أدى من النصاب فلا يخلو اما ان كان من جنس النصاب و اما ان كان من خلاف جنسه فان كان المؤدى من خلاف جنسه بأن أدى الذهب عن الفضة أو
الحنطة عن الشعير يراعى قيمة الواجب بالاجماع حتى لو أدى أنقص منها لا يسقط عنه كل الواجب بل يجب عليه التكميل لان الجودة في أموال الربا متقومة عند مقابلتها بخلاف جنسها و ان كان المؤدى من جنس النصاب فقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال قال أبو حنيفة و أبو يوسف ان المعتبر هو القدر لا القيمة و قال زفر المعتبر هو القيمة لا القدر و قال محمد المعتبر ما هو انفع للفقراء فان كان اعتبار القدر أنفع فالمعتبر هو القدر كما قال أبو حنيفة و أبو يوسف و ان كان اعتبار القيمة أنفع فالمعتبر هو القيمة كما قال زفر و بيان هذا في مسائل إذا كان له مائتا قفيز حنطة جيدة للتجارة قيمتها مائتا درهم فحال عليها الحول فلم يؤد منها وادي خمسة أقفزة رديئة يجوز و تسقط عنه الزكاة في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و يعتبر القدر لا قيمة الجودة و عند محمد و زفر عليه أن يؤدى الفضل إلى تمام قيمة الواجب اعتبارا في حق الفقراء للقيمة عند زفر و اعتبارا للانفع عند محمد و الصحيح اعتبار أبى حنيفة و أبى يوسف لان الجودة في الاموال الربوية لا قيمة لها عند مقابلتها بجنسها لقول النبي صلى الله عليه و سلم جيدها و رديئها سواء الا ان محمدا يقول ان الجودة متقومة حقيقة و انما سقط اعتبار تقومها شرعا لجريان الربا و الربا اسم لمال يستحق بالبيع و لم يوجد و الجواب ان المسقط لاعتبار الجودة و هو النص مطلق فيقتضى سقوط تقومها مطلقا الا فيما قيد بدليل و لو كان النصاب حنطة رديئة للتجارة قيمتها مائتا درهم فادى أربعة أقفزة جيدة عن خمسة أقفزة رديئة لا يجوز الا عن أربعة أقفزة منها و عليه أن يؤدى قفيزا آخر عند أبى حنيفة و أبى يوسف و محمد اعتبارا للقدر دون القيمة عندهما و اعتبارا للانفع للفقراء عند محمد و عند زفر لا يجب عليه شيء آخر اعتبارا للقيمة عنده و على هذا إذا كان له مائتا درهم جيدة حال عليها الحول فادى خمسة زيوفا جاز عند أبى حنيفة و أبى يوسف لوجود القدر و لا يجوز عند محمد و زفر لعدم القيمة و الانفع و لو أدى أربعة دراهم جيدة عن خمسة رديئة لا يجوز الا عن أربعة دراهم و عليه درهم آخر عند ابى حنيفة و أبى يوسف و محمد و أما عند أبى حنيفة و أبى يوسف فلاعتبار القدر و القدر ناقص و أما عند محمد فلا عتبار الانفع للفقراء و القدر ههنا أنفع لهم و على أصل زفر يجوز لاعتبار القيمة و لو كان له قلب فضة أو إناء مصوغ من فضة جيدة وزنه مائتا درهم و قيمته لجودته و صياغته ثلاثمائة فان أدى من النصاب أدى ربع عشره و ان أدى من الجنس من النصاب يؤدى خمسة دراهم زكاة المائتين عند أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد و زفر يؤدى زكاة ثلاثمائة درهم بناء على الاصل الذي ذكرنا و ان أدى من جنسه يؤدى زكاة ثلاثمائة و ذلك سبعة دراهم و نصف بالاجماع لان قيمة الجودة تظهر عند المقابلة بخلاف الجنس و لو أدى عنها خمسة زيوفا قيمتها أربعة دراهم جيدة جاز و سقطت عنه الزكاة عند أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد و زفر عليه أن يؤدى الفضل إلى تمام قيمة الواجب و على هذا النذر إذا أوجب على نفسه صدقة قفيز حنطة جيدة فادى قفيزا رد يأ يخرج عن النذر في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد و زفر عليه أداء الفضل و لو أوجب على نفسه صدقة قفيز حنطة رديئة فتصدق بنصف قفيز حنطة جيدة تبلغ قيمته قيمة قفيز حنطة رديئة لا يجوز الا عن النصف و عليه أن يتصدق بنصف آخر في قول أصحابنا الثلاثة و فى قول زفر لا شيء عليه غيره و هذا و الزكاة سواء و الاصل ما ذكرنا و لو أوجب على نفسه صدقة بشاتين فتصدق مكانهما بشاة واحدة تبلغ قيمتها شاتين جاز و يخرج عن النذر كما في الزكاة و هذا بخلاف ما إذا أوجب على نفسه أن يهدى شاتين فاهدى مكانهما شاة تبلغ قيمتها قيمة شاتين انه لا يجوز الا عن واحدة منهما و عليه شاة أخرى لان القربة هناك في نفس الاراقة لا في التمليك و إراقة دم واحد لا يقوم مقام اراقة دمين و كذا لو أوجب على نفسه عتق رقبتين فاعتق رقبة تبلغ قيمتها قيمة رقبتين لم يجز لان القربة ثمة ليس في التمليك بل في ازالة الرق و ازالة رق واحدة لا يقوم مقام ازالة رقين و لهذا لم يجز إعتاق رقبة واحدة و ان كانت سمينة الا عن كفارة واحدة و الله أعلم و ان كان مال الزكاة دينا فجملة الكلام فيه ان أداء العين عن العين جائز بأن كان له مائتا درهم عين فحال عليها الحول فادى خمسة منها لانه أداء الكامل عن الكامل فقد أدى ما وجب عليه فيخرج عن الواجب و كذا إذا أدى العين عن الدين بان كان له مائتا درهم دين فحال عليها الحول و وجبت فيها الزكاة
فصل وأما الذى يرجع إلى المؤدى اليه
فادى خمسة عينا عن الدين لانه أداء الكامل عن الناقص لان العين مال بنفسه و مالية الدين لاعتبار تعينه في العاقبتة و كذا العين قابل للتمليك من جميع الناس و الدين لا يقبل التمليك لغير من عليه الدين و أداء الدين عن العين لا يجوز بأن كان له على فقير خمسة دراهم و له مائتا درهم عين حال عليها الحول فتصدق بالخمسة على الفقير ناويا عن زكاة المائتين لانه أداء الناقص عن الكامل فلا يخرج عما عليه و الحيلة في الجواز أن يتصدق عليه بخمسة دراهم عين ينوى عن زكاة المائتين ثم بأخذها منه قضأ عن دينه فيجوز و يحل له ذلك و أما أداء الدين عن الدين فان كان عن دين يصير عينا لا يجوز بأن كان له على فقير خمسة دراهم دين و له على رجل آخر مائتا درهم فحال عليها الحول فتصدق بهذه الخمسة على من عليه ناويا عن زكاة المائتين لان المائتين تصير عينا بالاستيفاء فتبين في الآخرة ان هذا أداء الدين عن العين و انه لا يجوز لما بينا و ان كان عن دين لا يصير عينا يجوز بأن كان له على فقير مائتا درهم دين فحال عليها الحول فوهب منه المائتين ينوى عن الزكاة لان هذا دين لا ينقلب عينا فلا يظهر في الآخرة ان هذا أداء الدين عن العين فلا يظهر انه أداء الناقص عن الكامل فيجوز هذا إذا كان من عليه الدين فقيرا فوهب المائتين له أو تصدق بها عليه فاما إذا كان غنيا فوهب أو تصدق فلا شك أنه سقط عنه الدين لكن هل يجوز و تسقط عنه الزكاة أم لا يجوز و تكون زكاتها دينا عليه و ذكر في الجامع انه لا يجوز و يكون قدر الزكاة مضمونا عليه و ذكر في نوادر الزكاة انه يجوز وجه رواية الجامع ظاهر لانه دفع الزكاة إلى الغنى مع العلم بحاله أو من تحر و هذا لا يجوز بالاجماع وجه رواية النوادر ان الجواز ليس على معنى سقوط الواجب بل على امتناع الوجوب لان الوجوب باعتبار ماليته و ما ليته باعتبار صيرورته عينا في العاقبة فإذا لم يصر تبين انه لم يكن ما لا و الزكاة لا تجب فيما ليس بمال و الله أعلم ( فصل )
و أما الذي يرجع إلى المؤدى اليه فانواع منها أن يكون فقيرا فلا يجوز صرف الزكاة إلى الغنى الا أن يكون عاملا عليها لقوله تعالى انما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و فى الرقاب و الغارمين و فى سبيل الله و ابن السبيل جعل الله تعالى الصدقات للاصناف المذكورين بحرف اللام و انه للاختصاص فيقتضى اختصاصهم باستحقاقها فلو جاز صرفها الي غيرهم لبطل الاختصاص و هذا لا يجوز و الآية خرجت لبيان مواضع الصدقات و مصارفها و مستحقيها و هم و ان اختلفت أساميهم فسبب الاستحقاق في الكل واحد و هو الحاجة الا العاملين عليها فانهم مع غناهم يستحقون العمالة لان السبب في حقهم العمالة لما نذكر ثم لابد من بيان معاني هذه الاسماء اما الفقراء و المساكين فلا خلاف في ان كل واحد منهما جنس على حدة و هو الصحيح لما نذكر و اختلف أهل التأويل و اللغة في معنى الفقير و المسكين و فى ان أيهما أشد حاجة و أسوأ حالا قال الحسن الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي يسأل و هكذا ذكره الزهرى و كذا روى أبو يوسف عن أبى حنيفة و هو المروي عن ابن عباس رضى الله عنهما و هذا يدل على ان المسكين أحوج و قال قتادة الفقير الذي به زمانة و له حاجة و المسكين المحتاج الذي لا زمانة به و هذا يدل على ان الفقير أحوج و قيل الفقير الذي يملك شيأ يقوته و المسكين الذي لا شيء له سمى مسكينا لما أسكنته حاجته عن التحرك فلا يقدر يبرح عن مكانه و هذا أشبه الاقاويل قال الله تعالى أو مسكينا ذا متربة قيل في التفسير أى استتر بالتراب و حفر الارض إلى عانته و قال الشاعر أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد سماه فقيرا مع ان له حلوبة هى وفق العيال و الاصل ان الفقير و المسكين كل واحد منهما اسم ينبئ عن الحاجة الا حاجة المسكين أشد و على هذا يخرج قول من يقول الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي يسأل لان من شأن الفقير المسلم انه يتحمل ما كانت له حيلة و يتعفف و لا يخرج فيسأل و له حيلة فسؤاله يدل على شدة حاله و ما روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ليس المسكين الطواف الذي يطوف على الناس ترده اللقمة و اللقمتان و التمرة و التمرتان قيل فما المسكين يا رسول الله قال الذي لا يجد ما يغنيه و لا يفطن به فيتصدق عليه
و لا يقوم فيسأل الناس فهو محمول على ان الذي يسأل و ان كان عندكم مسكينا فان الذي لا يسأل و لا يفطن به أشد مسكنة من هذا و على هذا يحمل ما روى عن عمر رضى الله عنه انه قال ليس المسكين الذي لا مال له و لكن المسكين الذي لا مكسب له أى الذي لا مال و ان كان مسكينا فالذي لا مال له و لا مكسب له أشد مسكنة منه و كأنه قال الذي لا مال له و لا مكسب فهو فقير و المسكين الذي لا مال له و لا مكسب و ما قاله بعض مشايخنا ان الفقراء و المساكين جنس واحد في الزكاة بلا خلاف بين أصحابنا بدليل جواز صرفها إلى جنس واحد و انما الخلاف بعد في كونهما جنسا واحدا أو جنسين في الوصايا اختلاف بين أصحابنا سديد بل لا خلاف بين أصحابنا في انهما جنسان مختلفان فيهما جميعا لما ذكرنا و الدليل عليه ان الله تعالى عطف البعض على البعض و العطف دليل المغايرة في الاصل و انما جاز صرف الزكاة إلى صنف واحد لمعنى آخر و ذلك المعنى لا يوجد في الوصية و هو دفع الحاجة و ذا يحصل بالصرف الي صنف واحد و الوصية ما شرعت لدفع حاجة الموصى له فانها تجوز للفقير و الغني و قد يكون للموصى اغراض كثيرة لا يوقف عليها فلا يمكن تعليل نص كلامه فتجرى على ظاهر لفظه من اعتبار المعنى بخلاف الزكاة فانا عقلنا المعنى فيها و هو دفع الحاجة و ازالة المسكنة و جميع الاصناف في هذا المعنى جنس واحد لذلك افترقا لا لما قالوه و الله أعلم و أما العاملون عليها فهم الذين نصبهم الامام لجباية الصدقات و اختلف فيما يعطون قال أصحابنا يعطيهم الامام كفايتهم منها و قال الشافعي يعطيهم الثمن وجه قوله ان الله تعالى قسم الصدقات على الاصناف الثمانية منهم العاملون عليها فكان لهم منها الثمن و لنا ان ما يستحقه العامل انما يستحقه بطريق العمالة لا بطريق الزكاة بدليل انه يعطى و ان كان غنيا بالاجماع و لو كان ذلك صدقة لما حلت للغنى و بدليل انه لو حمل زكاته بنفسه إلى الامام لا يستحق العامل منها شيأ و لهذا قال أصحابنا ان حق العامل فيما في يده من الصدقات حتى لو هلك ما في يده سقط حقه كنفقة المضارب انها تكون في مال المضاربة حتى لو هلك مال المضاربة سقطت نفقته كذا هذا دل انه انما يستحق بعمله لكن على سبيل الكفاية له و لاعوانه لا على سبيل الاجرة لان الاجرة مجهولة اما عندنا فظاهر لان قدر الكفاية له و لا عوانه معلوم و كذا عنده لان قدر ما يجتمع من الصدقات بجبايته مجهول فكان ثمنه مجهولا لا محالة و جهالة أحد البدلين يمنع جواز الاجارة فجهالة البدلين جميعا أولى فدل أن الاستحقاق ليس على سبيل الاجرة بل على طريق الكفاية له و لا عوانه لاشتغاله بالعمل لاصحاب المواشي فكانت كفايته في مالهم و اما قوله ان الله تعالى قسم الصدقات على الاصناف المذكورين في الآية فممنوع انه قسم بل بين فيها مواضع الصدقات و مصارفها لما نذكر و لو كان العامل هاشميا لا يحل له عندنا و عند الشافعي يحل و احتج بما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث عليا رضى الله عنه إلى اليمن مصدقا و فرض له و لو لم يحل للهاشمي لما فرض له و لان العمالة أجرة العمل بدليل انها تحل للغنى فيستوى فيها الهاشمي و غيره و لنا ما روى ان نوفل بن الحارث بعث ابنيه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليستعملهما على الصدقة فقال صلى الله عليه و سلم لا تحل لكما الصدقة و لا غسالة الناس و لان المال المجبى صدقة و لما حصل في يد الامام حصلت الصدقة مؤداة حتى لو هلك المال في يده تسقط الزكاة عن صاحبها و إذا حصلت صدقة و الصدقة مطهرة لصاحبها فتمكن الخبث في المال فلا يباح للهاشمي لشرفه صيانة له عن تناول الخبث تعظيما لرسول الله صلى الله عليه مسلم أو نقول للعمالة شبهة الصدقة و انها من أوساخ الناس فيجب صيانة الهاشمي عن ذلك كرامة له و تعظيما للرسول صلى الله عليه و سلم و هذا المعنى لا يوجد في الغنى و قد فرغ نفسه لهذا العمل فيحتاج إلى الكفاية و الغني لا يمنع من تناولها عند الحاجة كابن السبيل انه يباح له و ان كان غنيا ملكا فكذا هذا و قوله ان الذي يعطى للعامل أجرة عمله ممنوع و قد بينا فساده و أما حديث على رضى الله عنه فلا حجة فيه لان فيه أنه فرض له و ليس فيه بيان المفروض انه من الصدقات أو من غيرها فيحتمل انه فرض له من بيت المال لانه كان قاضيا و الله أعلم و أما المؤلفة قلوبهم فقد قيل انهم كانوا قوما من رؤساء قريش و صناديد العرب مثل أبى سفيان بن حرب و صفوان بن أمية و الاقرع بن حابس و عينية بن حصن الغزارى و العباس بن مرادس السلمى و مالك بن عوف
النضري و حكيم بن حزام و غيرهم و لهم شوكة و قوة و اتباع كثيرة بعضهم أسلم حقيقة و بعضهم أسلم ظاهرا لا حقيقة و كان من المنافقين و بعضهم كان من المسالمين فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعطيهم من الصدقات تطييبا لقلوب المسلمين منهم و تقريرا لهم على الاسلام و تحريضا لاتباعهم على اتباعهم و تأليفا لمن لم يحسن اسلامه و قد حسن اسلام عامتهم الا من شاء الله تعالي لحسن معاملة النبي صلى الله عليه و سلم معهم و جميل سيرته حتى روى عن صفوان بن مية قال أعطانى رسول الله صلى الله عليه و سلم و انه لابغض الناس إلى فما زال يعطينى حتى انه لاحب الخلق إلى و اختلف في سهامهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عامة العلماء انه انتسخ سهمهم و ذهب و لم يعطوا شيأ بعد النبي صلى الله عليه و سلم و لا يعطى الآن لمثل حالهم و هو أحد قولى الشافعي و قال بعضهم و هو أحد قولى الشافعي رضى الله عنه ان حقهم بقي و قد أعطى من بقي من أولئك الذين أخذوا في عهد النبي صلى الله عليه و سلم و الآن يعطى لمن حدث اسلامه من الكفرة تطييبا لقلبه و تقريرا له على الاسلام و تعطى الرؤساء من أهل الحرب إذا كانت لهم غلبة يخاف على المسلين من شرهم لان المعنى الذي له كان يعطى النبي صلى الله عليه و سلم أولئك موجود في هؤلاء و الصحيح قول العامة لاجماع الصحابة على ذلك فان أبا بكر و عمر رضى الله عنهما ما أعطيا المؤلفة قلوبهم شيأ من الصدقات و لم ينكر عليهما أحد من الصحابة رضى الله عنهم فانه روى أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم جاؤا إلى أبى بكر و استبدلوا الخط منه لسهامهم فبدل لهم الخط ثم جاؤا إلى عمر رضى الله عنه و أخبروه بذلك فاخذ الخط من أيديهم و مزقه و قال ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعطيكم ليؤلفكم على الاسلام فاما اليوم فقد أعز الله دينه فان ثبتم على الاسلام و الا فليس بيننا و بينكم الا السيف فانصرفوا إلى أبى بكر فاخبروه بما صنع عمر رضى الله عنهما و قالوا أنت الخليفة أم هو فقال ان شاء الله هو و لم ينكر أبو بكر قوله و فعله و بلغ ذلك الصحابة فلم ينكروا فيكون إجماعا منهم على ذلك و لانه ثبت باتفاق الامة أن النبي صلى الله عليه و سلم انما كان يعطيهم ليتألفهم على الاسلام و لهذا سماهم الله المؤلفة قلوبهم و الاسلام يومئذ في ضعف و أهله في قلة و أولئك كثير ذو قوة و عدد و اليوم بحمد الله عز الاسلام و كثر أهله و اشتدت دعائمه و رسخ بنيانه و صار أهل الشرك اذلاء و الحكم متى ثبت معقولا بمعنى خاص ينتهى بذهاب ذلك المعنى و نظيره ما كان عاهد رسول الله صلى الله عليه و سلم كثيرا من المشركين لحاجته الي معاهدتهم و مداراتهم لقلة أهل الاسلام و ضعفهم فلما أعز الله الاسلام و كثر أهله امر رسوله صلى الله عليه و سلم ان يرد إلى أهل العهود عهودهم و ان يحارب المشركين جميعا بقوله عز و جل براءة من الله و رسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين إلى قوله فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجد توهم و أما قوله تعالى و فى الرقاب فقد قال بعض أهل التأويل معناه و فى عتق الرقاب و يجوز إعتاق الرقبة بنية الزكاة و هو قول مالك و قال عامة أهل التأويل الرقاب المكاتبون قوله تعالى و فى الرقاب أى و فى فك الرقاب و هو ان يعطى المكاتب شيأ من الصدقة يستعين به على كتابته لما روى أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال علمني عملا يدخلني الجنة فقال صلى الله عليه و سلم أعتق النسمة و فك الرقبة فقال الرجل أو ليسا سواء قال لا عتق النسمة ان تنفرد بعتقها و فك الرقبة ان تعين في عتقها و انما جاز دفع الزكاة الي المكاتب ليؤدى بدل كتابته فيعتق و لا يجوز ابتداء الاعتاق بنية الزكاة لوجهين أحدهما ما ذكرنا ان الواجب إيتاء الزكاة و الايتاء هو التمليك و الدفع إلى المكاتب تمليك فاما الاعتاق فليس بتمليك و الثاني ما أشار اليه سعيد بن جبير فقال لا يعتق من الزكاة مخافة جر الولاء و معنى هذا الكلام ان الاعتاق يوجب الولاء للمعتق فكان حقه فيه باقيا و لم ينقطع من كل وجه فلا يتحقق الاخلاص فلا يكون عبادة و الزكاة عبادة فلا تتأدى بما ليس بعبادة فاما الذي يدفع إلى المكاتب فينقطع عنه حق المؤدى من كل وجه و لا يرجع اليه بذلك نفع فيتحقق الاخلاص و اما قوله تعالى و الغارمين قيل الغارم الذي عليه الدين أكثر من المال الذي في يده أو مثله أو أقل منه لكن ما وراءه ليس بنصاب و أما قوله تعالى و فى سبيل الله عبارة عن جميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله و سبيل الخيرات إذا كان محتاجا و قال
أبو يوسف المراد منه فقراء الغزاة لان سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع يراد به ذلك و قال محمد المراد منه الحاج المنقطع لما روى أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل الله فامره النبي صلى الله عليه و سلم ان يحمل عليه الحاج و قال الشافعي يجوز دفع الزكاة إلى الغازي و ان كان غنيا و أما عندنا فلا يجوز الا عند اعتبار حدوث الحاجة و احتج بما روى عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا تحل الصدقة لغنى الا في سبيل الله أو ابن السبيل أو رجل له جار مسكين تصدق عليه فأعطاها له و عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا تحل الصدقة الا لخمس العامل عليها و رجل اشتراها و غارم و غاز في سبيل الله و فقير تصدق عليه فاهداها إلى غنى نفى حل الصدقة للاغنياء و استثنى الغازي منهم و الاستثناء من النفي إثبات فيقتضى حل الصدقة للغازي الغنى و لنا قول النبي صلى الله عليه و سلم لا تحل الصدقة لغنى و قوله صلى الله عليه و سلم أمرت ان آخذ الصدقة من اغنيائكم واردها في فقرائكم جعل الناس قسمين قسما يؤخذ منهم و قسما يصرف إليهم فلو جاز صرف الصدقة الي الغنى لبطلت القسمة و هذا لا يجوز و أما استثناء الغازي فمحمول على حال حدوث الحاجة و سماه غنيا على اعتبار ما كان قبل حدوث الحاجة و هو ان يكون غنيا ثم تحدث له الحاجة بان كان له دار يسكنها و متاع يمتهنه و ثياب يلبسها و له مع ذلك فضل مائتي درهم حتى لا تحل له الصدقة ثم يعزم على الخروج في سفر غزو فيحتاج إلى آلات سفره و سلاح يستعمله في غزوه و مركب بغزو عليه و خادم يستعين بخدمته على ما لم يكن محتاجا اليه في حال أقامته فيجوز ان يعطى من الصدقات ما يستعين به في حاجته التي تحدث له في سفره و هو في مقامه غنى بما يملكه لانه محتاج في حال أقامته فيحتاج في حال سفره فيحمل قوله لا تحل الصدقة لغنى الا لغاز في سبيل الله على من كان غنيا في حال مقامه فيعطى بعض ما يحتاج اليه لسفره لما أحدث السفر له من الحاجة الا انه يعطى حين يعطى و هو غنى و كذا تسمية الغارم غنيا في الحديث على اعتبار ما كان قبل حلول الغرم به و قد حدثت له الحاجة بسبب الغرم و هذا ألان الغنى اسم لمن يستغنى عما يملكه و انما كان كذلك قبل حدوث الحاجة فاما بعده فلا و أما قوله تعالى و ابن السبيل فهو الغريب المنقطع عن ماله و ان كان غنيا في وطنه لانه فقير في الحال و قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال لا تحل الصدقة لغنى الا في سبيل الله أو ابن السبيل الحديث و لو صرف إلى واحد من هؤلاء الاصناف يجوز عند أصحابنا و عند الشافعي لا يجوز الا ان يصرف إلى ثلاثة من كل صنف و احتج بقوله تعالى انما الصدقات للفقراء و المساكين إلى آخر الاصناف أخبر الله تعالى ان الصدقات للاصناف المذكورين في الآية على الشركة فيجب إيصال كل صدقة إلى كل صنف الا ان الاستيعاب ممكن فيصرف إلى ثلاثة من كل صنف اذ الثلاثة أدنى الجمع الصحيح و لنا السنة المشهورة و إجماع الصحابة و عمل الائمة إلى يومنا هذا و الاستدلال أما السنة فقول النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن فان أجابوك لذلك فاعلمهم ان الله تعالى فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم و ترد في فقرائهم و لم يذكر الاصناف الاخر و عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه انه قال بعث على رضى الله عنه و هو باليمن إلى النبي صلى الله عليه و سلم مذهبة في ترابها فقسمها النبي صلى الله عليه و سلم بين الاقرع بن حابس و بين زيد الخليل و بين عيينة بن حصن و علقمة بن علاثة فغضبت قريش و الانصار و قالوا تعطى صناديد أهل نجد فقال النبي صلى الله عليه و سلم انما أتألفهم و لو كان كل صدقة مقسومة على الثمانية بطريق الاستحقاق لما دفع النبي صلى الله عليه و سلم المذهبة إلى المؤلفة قلوبهم دون غيرهم و أما إجماع الصحابة فانه روى عن عمر رضى الله عنه انه كان إذا جمع صدقات المواشي من البقر و الغنم نظر منها ما كان منيحة اللبن فيعطيها لاهل بيت واحد على قدر ما يكفيهم و كان يعطى العشرة للبيت الواحد ثم يقول عطية تكفى خير من عطية لا تكفى أو كلام نحو هذا و روى عن على رضى الله عنه انه أتى بصدقة فبعثها إلى أهل بيت واحد و عن حذيفة رضى الله عنه انه قال هؤلاء أهلها ففى أى صنف وضعتها أجزأك و كذا روى عن ابن عباس رضى الله عنه انه قال كذلك و أما عمل الائمة فانه لم يذكر عن أحد من الائمة انه تكلف طلب هؤلاء الاصناف فقسمها بينهم مع ما انه لو تكلف الامام أن يظفر بهؤلاء الثمانية ما قدر على
ذلك و كذلك لم يذكر عن أحذ من أرباب الاموال انه فرق صدقة واحدة على هؤلاء و لو كان الواجب هو القسمة على السوية بينهم لا يحتمل أن يقسموها كذلك و يضيعوا حقوقهم و أما الاستدلال فهو ان الله تعالى أمر بصرف الصدقات إلى هؤلاء بأسامي منبئة عن الحاجة فعلم انه انما أمر بالصرف إليهم لدفع حاجتهم و الحاجة في الكل واحدة و ان اختلفت الاسامى و أما الآية ففيها بيان مواضع الصدقات و مصارفها و مستحقيها لان اللام للاختصاص و هو انهم المختصون بهذا الحق دون غيرهم لا للتسوية لغة و انما الصيغة للشركة و التسوية لغة حرف بين ألا ترى انه إذا قيل الخلافة لبني العباس و السدانة لبني عبد الدار و السقاية لبني هاشم يراد به انهم المختصون بذلك لا حق فيها لغيرهم لانها بينهم بالحصص بالسوية و لو قيل الخلافة بين بني العباس و السدانة بين بني عبد الدار و السقاية بين بني هاشم كان خطأ و لهذا قال أصحابنا فيمن قال مالى لفلان و للموتى انه كله لفلان و لو قال مالى بين فلان و بين الموتى كان لفلان نصفه و لو كان الامر على ما قاله الشافعي ان الصدقة تقسم بين الاصناف الثمانية على السوية لقال انما الصدقات بين الفقراء الآية فان قيل أ ليس أن من قال ثلث مالى لفلان و فلان انه يقسم بينهما بالسوية كما إذا قال ثلث مالى بين فلان و فلان و الجواب ان الاشتراك هنا ليس موجب الصيغة اذ الصيغة لا توجب الاشتراك و التسوية بينهما بل موجب الصيغة ما قلنا الا ان في باب الوصية لما جعل الثلث حقا لهما دون غيرهما و هو شيء معلوم لا يزيد بعد الموت و لا يتوهم له عدد و ليس أحدهما بأولى من الآخر فقسم بينهما على السوآء نظرا لهما جميعا فاما الصدقات فليست بأموال متعينة لا تحتمل الزيادة و المدد حتى يحرم البعض بصرفها إلى البعض بل يردف بعضها بعضا و إذا فنى مال يجئ مال آخر و إذا مضت سنة تجئ سنة أخرى بمال جديد و لا انقطاع للصدقات إلى يوم القيامة فإذا صرف الامام صدقة يأخذها من قوم إلى صنف منهم لم يثبت الحرمان للباقين بل يحمل اليه صدقة اخرى فيصرف إلى فريق آخر فلا ضرورة إلى الشركة و التسوية في كل مال يحمل إلى الامام من الصدقات و الله أعلم و كما لا يجوز صرف الزكاة إلى الغنى لا يجوز صرف جميع الصدقات المفروضة و الواجبة اليه كالعشور و الكفارات و النذور و صدقة الفطر لعموم قوله تعالى انما الصدقات للفقراء و قول النبي صلى الله عليه و سلم لا تحل الصدقة لغنى و لان الصدقة مال تمكن فيه الخبث لكونه غسالة الناس لحصول الطهارة لهم به من الذنوب و لا يجوز الانتفاع بالخبيث الا عند الحاجة و الحاجة للفقير لا للغنى و أما صدقة التطوع فيجوز صرفها إلى الغنى لانها تجري مجرى الهبة و لا يجوز الصرف إلى عبد الغنى و مدبره وأم ولده لان الملك في المدفوع نفع لمولاه و هو غنى فكان دفعا إلى الغنى هذا إذا كان العبد محجورا أو كان مأذونا لكنه لم يكن عليه دين مستغرق لرقبته لان كسبه ملك الولى فالدفع يقع الي المولى و هو غنى فلا يجوز ذلك و ان كان عليه دين مستغرق لكنه ظاهر في حق المولى لانه يتأخر إلى ما بعد العتاق فكان كسبه ملك المولى و هو غنى و أما إذا كان ظاهرا في حق المولي كدين الاستهلاك و دين التجارة فينبغي أن يجوز على قول أبى حنيفة لان المولى لا يملك كسب عبده المأذون و المديون دينا مستغرقا ظاهرا في حقه و عندهما لا يجوز لانه يملك كسبه عندهما و يجوز الدفع إلى مكاتب الغنى لان كسب المالك المكاتب ملكه من حيث الظاهر و انما يملكه المولى بالعجز و لم يوجد و أما ولد الغنى فان كان صغيرا لم يجز الدفع اليه و ان كان فقيرا لا مال له لان الولد الصغير يعد غنيا بغنا أبيه و ان كان كبيرا فقيرا يجوز لانه لا يعد غنيا بمال أبيه فكان كالأَجنبي و لو دفع إلى إمرأة فقيرة و زوجها غنى جاز في قول أبى حنيفة و محمد و هو احدى الروايتين عن أبى يوسف و روى عنه انها لا تعطى إذا قضى لها بالنفقة وجه هذه الرواية ان نفقة المرأة تجب على زوجها فتصير غنية بغنا الزوج كالولد الصغير و انما شرط القضاء لها بالنفقة لان النفقة لا تصير دينا بدون القضاء وجه ظاهر الرواية ان المرأة الفقيرة لا تعد غنية بغنا زوجها لانها لا تستحق على زوجها الا مقدار النفقة فلا تعد بذلك القدر غنية و كذا يجوز الدفع إلى فقير له ابن غنى و ان كان يجب عليه نفقته لما قلنا ان تقدر النفقة لا يصير غنيا فيجوز الدفع اليه و أما صدقة الوقف فيجوز صرفها إلى الاغنياء ان سماهم الواقف في الوقف ذكره الكرخي في مختصره و ان لم يسمهم لا يجوز لانها صدقة واجبة ثم لابد من معرفة حد الغنا فنقول الغنا أنواع
ثلاثة غنى تجب به الزكاة و غنى يحرم به أخذ الصدقة و قبولها و لا تجب به الزكاة و غنى يحرم به السوأل و لا يحرم به الاخذ أما الغنا الذي تجب به الزكاة فهو ان يملك نصابا من المال النامي الفاضل عن الحاجة الاصلية و أما الغنا الذي يحرم به أخذ الصدقة و قبولها فهو الذي تجب به صدقة الفطر و الاضحية و هو ان يملك من الاموال التي لا تجب فيها الزكاة ما يفضل عن حاجته و تبلغ قيمة الفاضل مائتي درهم من الثياب و الفرش و الدور و الحوانيت و الدواب و الخدم زيادة على ما يحتاج اليه كل ذلك للابتذال و الاستعمال لا للتجارة و الاسامة فإذا فضل من ذلك ما يبلغ قيمته مائتي درهم وجب عليه صدقة الفطر و الاضحية و حرم عليه أخذ الصدقة ثم قدر الحاجة ما ذكره الكرخي في مختصره فقال لا بأس بأن يعطى من الزكاة من له مسكن و ما يتأثث به في منزله و خادم و فرس و سلاح و ثياب البدن و كتب العلم ان كان من أهله فان كان له فضل عن ذلك ما يبلغ قيمته مائتي درهم حرم عليه أخذ الصدقة لما روى عن الحسن البصري انه قال كانوا يعطون الزكاة لمن يملك عشرة آلاف درهم من الفرس و السلاح و الخادم و الدار و قوله كانوا كناية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و هذا لان هذه الاشياء من الحوائج اللازمة التي لابد للانسان منها فكان وجودها و عدمها سواء و ذكر في الفتاوى فيمن له حوانيت و دور الغلة لكن غلتها لا تكفيه و لعياله انه فقير و يحل له أخذ الصدقة عند محمد و زفر و عند أبى يوسف لا يحل و على هذا إذا كان له أرض و كرم لكن غلته لا تكفيه و لعياله و لو كان عنده طعام للقوت يساوى مائتي درهم فان كان كفاية شهر تحل له الصدقة و ان كان كفاية سنة قال بعضهم لا تحل و قال بعضهم تحل لان ذلك مستحق الصرف إلى الكفاية و المستحق ملحق بالعدم و قد روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم ادخر لنسائه قوت سنة و لو كان له كسوة شتاء و هو لا يحتاج إليها في الصيف يحل له أخذ الصدقة ذكر هذه الجملة في الفتاوى و هذا قول أصحابنا و قال مالك من ملك خمسين درهما لا يحل له أخذ الصدقة و لا يباح أن يعطى و احتج بما روى عن على و عبد الله بن مسعود و سعد بن أبى وقاص رضى الله عنهم انهم قالوا لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما أو عوضها من الذهب و هذا نص في الباب و لنا حديث معاذ حيث قال له النبي صلى الله عليه و سلم خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم قسم الناس قسمين الاغنياء و الفقراء فجعل الاغنياء يؤخذ منهم و الفقراء يرد فيهم فكل من لم يؤخذ منه يكون مردودا فيه و ما رواه مالك محمول على حرمة السوأل معناه لا يحل سؤال الصدقة لمن له خمسون درهما أو عوضها من الذهب أو يحمل ذلك على كراهة الاخذ لان من له سداد من العيش فالتعفف أولى لقول النبي صلى الله عليه و سلم من استغنى أغناه الله و من استعف أعفه الله و قال الشافعي يجوز دفع الزكاة إلى رجل له مال كثير و لا كسب له و هو يخاف الحاجة و يجوز له الاخذ و هذا فاسد لان هذا دفع الزكاة إلى الغنى و لا سبيل اليه لما بينا و خوف حدوث الحاجة في الثاني لا يجعله فقيرا في الحال ألا تر انه لا يعتبر ذلك في سقوط الوجوب حتى تجب عليه الزكاة فكذا في جواز الاخذ و لو كان الفقير قويا مكتسبا يحل له أخذ الصدقة عندنا و عند الشافعي لا يحل و احتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم لا تحل الصدقة لغنى و لا لذى مرة سوى و فى بعض الروايات و لا لقوى مكتسب و لنا ما روى عن سلمان الفارسي انه قال حمل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقة فقال لاصحابه كلوا و لم يأكل و معلوم انه لا يتوهم ان أصحابه رضى الله عنهم كانوا كلهم زمنى بل كان بعضهم قويا مكتسبا و ما رواه الشافعي محمول على حرمة الطلب و السؤال فان ذلك للزجر عن المسألة و الحمل على الكسب و الدليل عليه ما روى ان النبي صلى الله عليه و سلم قال للرجلين اللذين سألاه ان شئتما أعطيتكما منه و لا حق فيها لغنى و لا لقوى مكتسب و لو كان حراما لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم ليعطيهما الحرام و لكن قال ذلك للزجر عن السوأل و الحمل على الكسب كذا هذا و يكره لمن عليه الزكاة ان يعطى فقيرا مائتي درهم أو أكثر و لو أعطى جاز و سقط عنه الزكاة في قول أصحابنا الثلاثة و عند زفر لا يجوز و لا يسقط وجه قوله ان هذا نصاب كامل فيصير غنيا بهذا المال و لا يجوز الصرف إلى الغنى و لنا انه انما يصير غنيا بعد ثبوت الملك له فاما قبله فقد كان فقيرا فالصدقة لاقت كف الفقير فجازت و هذا لان الغنا يثبت بالملك و القبض شرط ثبوت الملك فيقبض ثم يملك المقبوض ثم يصير غنيا الا ترى انه يكره لان المنتفع به
يصير هو الغنى و ذكر في الجامع الصغير و ان يغنى به إنسانا أحب إلى و لم يرد به الا غناء المطلق لان ذلك مكروه لما بينا و انما أراد به المقيد و هو انه يغنيه يوما أو أياما عن المسألة لان الصدقة وضعت لمثل هذا الا غناء قال النبي صلى الله عليه و سلم في صدقة الفطر اغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم هذا إذا اعطى مائتي درهم و ليس عليه دين و لا له عيال فان كان عليه دين فلا بأس بأن يتصدق عليه قدر دينه و زيادة ما دون المائتين و كذا إذا كان له عيال يحتاج إلى نفقتهم و كسوتهم و اما الغنا الذي يحرم به السوأل فهو ان يكون له سداد عيش بان كان له قوت يومه لما روى عن رسول الله صلى عليه و سلم انه قال من سأل الناس عن ظهر غنى فانما يستكثر من جمر جهنم قيل يا رسول الله و ما ظهر الغنا قال ان يعلم ان عنده ما يغديهم أو يعشيهم فان لم يكن له قوت يومه و لا ما يستر به عورته يحل له ان يسأل لان الحال حال الضرورة و قد قال الله تعالى و لا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة و ترك السوأل في هذا الحال إلقاء النفس في التهلكة و انه حرام فكان له أن يسأل بل يجب عليه ذلك و منها أن يكون مسلما فلا يجوز صرف الزكاة الي الكافر بلا خلاف لحديث معاذ رضى الله عنه خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم أمر بوضع الزكاة في فقراء من يؤخذ من أغنيائهم و هم المسلمون فلا يجوز وضعها في غيرهم و أما ما سوى الزكاة من صدقة الفطر و الكفارات و النذور فلا شك في أن صرفها الي فقراء المسلمين أفضل لان الصرف إليهم يقع اعانة لهم على الطاعة و هل يجوز صرفها إلى أهل الذمة قال أبو حنيفة و محمد يجوز و قال أبو يوسف لا يجوز و هو قول زفر و الشافعي وجه قولهم الاعتبار بالزكاة و بالصرف إلى الحربي و لهما قوله تعالى ان تبدو الصدقات فنعما هى و ان تخفوها و تؤتوها الفقراء فهو خير لكم و نكفر عنكم من سيآتكم من فصل بين فقير و فقير و عموم هذا النص يقتضى جواز صرف الزكاة إليهم الا انه خص منه الزكاة لحديث معاذ رضى الله عنه و قوله تعالى في الكفارات فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم من فصل بين مسكين و مسكين الا انه خص منه الحربي بدليل و لان صرف الصدقة إلى أهل الذمة من باب إيصال البر إليهم و ما نهينا عن ذلك قال الله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين و ظاهر هذا النص يقتضى جواز صرف الزكاة إليهم لان أداء الزكاة بربهم الا ان البر بطريق الزكاة مراد عرفنا ذلك بحديث معاذ رضى الله عنه و انما لا يجوز صرفها إلى الحربي لان في ذلك اعانة لهم على قتالنا و هذا لا يجوز و هذا المعنى لم يوجد في الذمي ( و منها )
أن لا يكون من بني هاشم لما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال يا معشر بني هاشم ان الله كره لكم غسالة الناس و عوضكم منها بخمس الخمس من الغنيمة و روى عنه صلى الله عليه و سلم انه قال ان الصدقة محرمة على بني هاشم و روى انه رأى في الطريق تمرة فقال لو لا انى أخاف أن تكون من الصدقة لاكلتها ثم قال ان الله حرم عليكم يا بني هاشم غسالة أيدي الناس و المعنى ما أشار اليه انها من غسالة الناس فيتمكن فيها الخبث فصان الله تعالى بني هاشم عن ذلك تشريفا لهم و إكراما و تعظيما لرسول الله صلى الله عليه و سلم و منها أن لا يكون من مواليهم لما روى عن ابن عباس رضى الله عنه انه قال استعمل رسول الله صلى الله عليه و سلم أرقم ابن أبى أرقم الزهرى على الصدقات فاستتبع أبا رافع فاتى النبي صلى الله عليه و سلم فسأله فقال يا أبا رافع ان الصدقة حرام على محمد و آل محمد و ان موالى القوم من أنفسهم أى في حرمة الصدقة لاجماعنا على ان مولى القوم ليس منهم في جميع الاحكام الا ترى انه ليس بكفء لهم و كذا مولى المسلم إذا كان كافرا تؤخذ منه الجزية و مولي التغلبي تؤخذ منه الجزية و لا تؤخذ منه الصدقة المضاعفة فدل ان المراد منه في حرمة الصدقة خاصة و بنو هاشم الذين تحرم عليهم الصدقات آل العباس و آل على و آل جعفر و آل عقيل و ولد الحارث بن عبد المطلب كذا ذكره الكرخي و منها أن لا تكون منافع الاملاك متصلة بين المؤدى و بين المؤدى اليه لان ذلك يمنع وقوع الاداء تمليكا من الفقير من كل وجه بل يكون صرفا إلى نفسه من وجه و على هذا يخرج الدفع إلى الوالدين و ان علوا و المولودين و ان سفلوا لان أحدهما ينتفع بمال الآخر و لا يجوز أن يدفع الرجل الزكاة إلى زوجته بالاجماع و فى دفع المرأة إلى زوجها اختلاف بين
فصل وأما حولان الحول فليس من شرائط جواز أداء الزكاة
أبى حنيفة و صاحبيه ذكرناه فيما تقدم و أما صدقة التطوع فيجوز دفعها إلى هؤلاء و الدفع إليهم أولى لان فيه أجرين أجر الصدقة و أجر الصلة و كونه دفعا إلى نفسه من وجه لا يمنع صدقة التطوع قال النبي صلى الله عليه و سلم نفقة الرجل على نفسه صدقة و على عياله صدقة و كل معروف صدقة و يجوز دفع الزكاة إلى من سوى الوالدين و المولودين من الاقارب و من الاخوة و الاخوات و غيرهم لانقطاع منافع الاملاك بينهم و لهذا تقبل شهادة البعض على البعض و الله أعلم هذا الذي ذكرنا إذا دفع الصدقة إلى إنسان على علم منه بحاله انه محل الصدقة فاما ذا لم يعلم بحاله و دفع اليه فهذا على ثلاثة أوجه في وجه هو على الجواز حتى يظهر خطأه و فى وجه على الفساد حتى يظهر صوابه و فى وجه فيه تفصيل على الوفاق و الخلاف أما الذي هو على الجواز حتى يظهر خطأه فهو أن يدفع زكاة ماله إلى رجل و لم يخطر بباله وقت الدفع و لم يشك في أمره فدفع اليه فهذا على الجواز الا إذا ظهر بعد الدفع انه ليس محل الصدقة فحينئذ لا يجوز لان الظاهر انه صرف الصدقة إلى محلها حيث نوى الزكاة عند الدفع و الظاهر لا يبطل الا باليقين فإذا ظهر بيقين انه ليس بمحل الصدقة ظهر انه لم يجز و تجب عليه الاعادة و ليس له أن يسترد ما دفع اليه و يقع تطوعا حتى انه لو خطر بباله بعد ذلك و شك فيه و لم يظهر له شيء لا تلزمه الاعادة لان الظاهر لا يبطل بالشك و أما الذي هو على الفساد حتى يظهر جوازه فهو انه خطر بباله و شك في أمره لكنه لم يتحر و لا طلب الدليل أو تحرى بقلبه لكنه لم يطلب الدليل فهو على الفساد الا إذا ظهر انه محل بيقين أو بغالب الرأي فحينئذ يجوز لانه لما شك وجب عليه التحري و الصرف إلى من وقع عليه تحريه فإذا ترك لم يوجد الصرف إلى من أمر بالصرف اليه فيكون فاسدا الا إذا ظهر انه محل فيجوز و أما الوجه الذي فيه تفصيل على الوفاق و الخلاف فهو ان خطر بباله و شك في أمره و تحرى و وقع تحريه على انه محل الصدقة فدفع اليه جاز بالاجماع و كذا ان لم يتحر و لكن سأل عن حاله فدفع أو رآه في صف الفقر امأ و على زى الفقراء فدفع فان ظهر انه كان محلا جاز بالاجماع و كذا إذا لم يظهر حاله عنده و أما إذا ظهر انه لم يكن محلا بان ظهر انه غنى أو هاشمى أو مولى لهاشمي أو كافرا و والد أو مولود أو زوجة يجوز و تسقط عنه الزكاة في قول أبى حنيفة و محمد و لا تلزمه الاعادة و عند أبى يوسف لا يجوز و تلزمه الاعادة و به أخذ الشافعي و روى محمد بن شجاع عن أبى حنيفة في الوالد و الولد و الزوجة انه لا يجوز كما قال أبو يوسف و لو ظهر انه عبده أو مدبره أو أم ولده أو مكاتبه لم يجز و عليه الاعادة في قولهم جميعا و لو ظهر انه مستسعاه لم يجز عند أبى حنيفة لانه بمنزلة المكاتب عنده و عندهما يجوز لانه حر عليه دين وجه قول ابى يوسف ان هذا مجتهد ظهر خطأه بيقين فبطل اجتهاده و كما لو تحرى في ثياب أو أوانى و ظهر خطأه فيها و كما لو صرف ثم ظهر انه عبده أو مدبره أو أم ولده أو مكاتبه و لهما أنه صرف الصدقة إلى من أمر بالصرف اليه فيخرج عن العهدة كما إذا صرف و لم يظهر حاله بخلافه و دلالة ذلك انه مأمور بالصرف الي من هو محل عنده و فى ظنه و اجتهاده لا على الحقيقة اذ لا علم له بحقيقة الغنا و الفقر لعدم إمكان الوقوف على حقيقتهما و قد صرف إلى من أدى اجتهاده انه محل فقد أتى بالمأمور به فيخرج عن العهدة بخلاف الثياب و الاوانى لان العلم بالثوب الطاهر و الماء الطاهر ممكن فلم يأت بالمأمور به فلم يجز و بخلاف ما إذا ظهر انه عبده لان الوقوف على ذلك بامارات تدل عليه ممكن على ان معنى صرف الصدقة و هو التمليك هناك لا يتصور لاستحالة تمليك الشيء من نفسه و قوله ظهر خطأه بيقين ممنوع و انما يكون كذلك ان لو قلنا انه صار محل الصدقة باجتهاده فلا نقول كذلك بل المحل المأمور بالصرف اليه شرعا حالة الاشتباه و هو من وقع عليه التحري و على هذا لا يظهر خطأه و لهما في الصرف الي ابنه و هو لا يعلم به الحديث المشهور و هو ما روى ان يزيد بن معن دفع صدقته إلى رجل و أمره بأن يأتى المسجد ليلا فيتصدق بها فدفعها إلى ابنه معن فلما أصبح رآها في يده فقال له لم أردك بها فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا معن لك ما أخذت و يا يزيد لك ما نويت و الله أعلم ( فصل )
و أما حولان الحول فليس من شرائط جواز اداء الزكاة عند عامة العلماء و عند مالك من شرائط الجواز فيجوز تعجيل الزكاة عند عامة العلماء خلافا لمالك و الكلام في التعجيل في مواضع في بيان أصل الجواز و فى بيان
فصل وأما شرائط الجواز فثلاثة
شرائطه و فى بيان حكم المعجل إذا لم يقع زكاة أما الاول فهو على الاختلاف الذي ذكرنا وجه قول مالك ان اداء الزكاة اداء الواجب و اداء الواجب و لا وجوب لا يتحقق و لا وجوب قبل الحول لقول النبي صلى الله عليه و سلم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول و لنا ما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم استسلف من العباس زكاة سنتين و أدنى درجات فعل النبي صلى الله عليه و سلم الجواز و اما قوله ان اداء الزكاة اداء الواجب و لا وجوب قبل حولان الحول فالجواب عنه من وجهين أحدهما ممنوع انه لا وجوب قبل حولان الحول بل الوجوب ثابت قبله لوجود سبب الوجوب و هو ملك نصاب كامل نام أو فاضل عن الحاجة الاصلية لحصول الغنا به و لوجوب شكر نعمة المال على ما بينا فيما تقدم ثم من المشايخ من قال بالوجوب توسعا و تأخير الاداء إلى مدة الحول ترفيها و تيسيرا على أرباب الاموال كالدين المؤجل فإذا عجل فلم يترفه فيسقط الواجب كما في الدين المؤجل فمنهم من قال بالوجوب لكن لا على سبيل التأكيد و انما يتأكد الوجوب بآخر الحول و منهم من قال بالوجوب في أول الحول لكن بطريق الاستناد و هو أن يجب أولا في آخر الحول ثم يستند الوجوب إلى أوله لاستناد سببه و هو كون النصاب حوليا فيكون التعجيل اداء بعد الوجوب لكن بالطريق الذي قلنا فيقع زكاة و الثاني ان سلمنا انه لا وجوب قبل الحول لكن سبب الوجوب موجود و هو ملك النصاب و يجوز اداء العبادة قبل الوجوب بعد وجود سبب الوجوب كاداء الكفارة بعد الجرح قبل الموت و سواء عجل عن نصاب واحد أو اثنين أو أكثر من ذلك مما يستفيده في السنة عند أصحابنا الثلاثة و عند زفز لا يجوز الا عن النصاب الموجود حتى لو كان له مائتا درهم فعجل زكاة الالف و ذلك خمسة و عشرون ثم استفاد ما لا أو ربح في ذلك المال حتى صار ألف درهم فتم الحول و عنده ألفا درهم جاز عن الكل عندنا و عند زفر لا يجوز الا عن المائتين وجه قوله ان التعجيل عما سوى المائتين تعجيل قبل وجود السبب فلا يجوز كما لو عجل قبل ملك المائتين و لنا ان ملك النصاب موجود في أول الحول و المستفاد على ملك النصاب في الحول كالموجود من ابتداء الحول بدليل وجوب الزكاة فيه عند حولان الحول فلو لم يجعل كالموجود في أول الحول لما وجبت الزكاة فيه لقوله صلى الله عليه و سلم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول و إذا كان كذلك جعلت الالف كانها كانت موجودة في ابتداء الحول ليصير مؤديا بعد وجود الالف تقديرا فجاز و الله أعلم ( فصل )
و أما شرائط الجواز فثلاثة أحدها كمال النصاب في أول الحول و الثاني كماله في آخر الحول و الثالث ان لا ينقطع النصاب فيما بين ذلك حتى لو عجل و له في أول الحول أقل من النصاب ثم كمل في آخره فتم الحول و النصاب كامل لم يكن المعجل زكاة بل كان تطوعا و كذا لو عجل و النصاب كامل ثم هلك نصفة مثلا فتم الحول و النصاب كامل لم يجز التعجيل و انما كان كذلك لان المعتبر كمال النصاب في طرفي الحول و لان سبب الوجوب هو النصاب فأحد الطرفين حال انعقاد السبب و الطرف الآخر حال الوجوب أو حال تأكد الوجوب بالسبب و ما بين ذلك ليس بحال الانعقاد و لا حال الوجوب اذ تأكد الوجوب بالسبب فلا معنى لاشتراط النصاب عنده و لان في اعتبار كمال النصاب فيما بين ذلك حرجا لان التجار يحتاجون إلى النظر في ذلك كل يوم و كل ساعة و فيه من الحرج ما لا يخفى و لا حرج في مراعاة الكمال في أول الحول و آخره و كذلك جرت عادة التجار بتعرف رؤوس أموالهم في أول الحول و آخره و لا يلتفتون إلى ذلك في اثناء الحول الا أنه لا بد من بقاء شيء من النصاب و ان قل في اثناء الحول ليضم المستفاد اليه و لانه إذا هلك النصاب الاول كله فقد انقطع حكم الحول فلا يمكن ابقاء المعجل زكاة فيقع تطوعا و لو كان له نصاب في أول الحول فعجل زكاته و انتقص النصاب و لم يستفد شيأ حتى حال الحول و النصاب ناقص لم يجز التعجيل و يقع المؤدى تطوعا و لا يعتبر المعجل في تمام النصاب عندنا و عند الشافعي يكمل النصاب بما عجل و يقع زكاة و صورته إذا عجل خمسة عن مائتين و لم يستفد شيأ حتى حال الحول و عنده مائة و خمسة و تسعون أو عجل شاة من أربعين فحال عليها الحول و عنده تسعة و ثلاثون لم يجز التعجيل عندنا و عنده جائز وجه قوله ان المعجل وقع زكاة عن كل النصاب فيعتبر في إتمام النصاب و لنا أن المؤدى مال أزال ملكه عنه بنية الزكاة فلا يكمل به النصاب كما لو
فصل وأما بيان ما يسقطها بعد وجوبها
فصل وأما حكم المعجل اذا لم يقع الزكاة
هلك في يد الامام و لو استفاد خمسة في آخر الحول جاز التعجيل لوجود كمال النصاب في طرفي الحول و لو كان له مائتا درهم فعجل زكاتها خمسة فانتقص النصاب ثم استفاد ما يكمل به النصاب بعد الحول في أول الحول الثاني و تم الحول الثاني و النصاب كامل فعليه الزكاة للحول الثاني و ما عجل يكون تطوعا لانه عجل للحول الاول و لم تجب عليه الزكاة للحول الاول لنقصان النصاب في آخر الحول و لو كان له مائتا درهم فعجل خمسة منها ثم تم الحول و النصاب ناقص و دخل الحول الثاني و هو ناقص ثم تم الحول الثاني و هو كامل لا تجزي الخمسة عن السنة الاولى و لا عن السنة الثانية لان في السنة الاولى كان النصاب ناقصا في آخرها و فى السنة الثانية كان ناقصا في أولها فلم تجب الزكاة في السنتين فلا يقع المؤدى زكاة عنهما و لو كان له مائتا درهم فحال الحول وادي خمسة منها حتى انتقص منها خمسة ثم انه عجل عن السنة الثانية خمسة حتى انتقص منها خمسة أخرى فصار المال مائة و تسعين فتم الحول الثاني و قد استفاد عشرة حتى حال الحول على المائتين ذكر في الجامع أن الخمسة التي عجل للحول الثاني جائزة طعن عيسى ابن أبان و قال ينبغى أن لا تجزئه هذه الخمسة عن السنة الثانية لان الحول الاول لما تم وجبت الزكاة و صارت خمسة من المائتين واجبة و وجوب الزكاة يمنع وجوب الزكاة فانعقد الحول الثاني و النصاب ناقص فكان تعجيل الخمسة عن السنة الثانية تعجيلا حال نقصان النصاب فلم يجز و الواجب أن الزكاة تجب بعد تمام السنة الاولى و تمام السنة الاولى يتعقبه الجزء الاول من السنة الثانية و الوجوب ثبت مقارنا لذلك الجزء و النصاب كان كاملا في ذلك الوقت ثم انتقص بعد ذلك و هو حال وجود الجزء الثاني من السنة الثانية فكان ذلك نقصان النصاب في اثناء الحول و لا عبرة به عند وجود الكمال في طرفيه و قد وجد ههنا فجاز التعجيل لوجود حال كمال النصاب ( فصل )
و أما حكم المعجل إذا لم يقع زكاة أنه ان وصل إلى يد الفقير يكون تطوعا سواء وصل إلى يده من يد رب المال أو من يد الامام أو نائبه و هو الساعي لانه حصل أصل القربة و انما التوقف في صفة الفرضية و صدقة التطوع لا يحتمل الرجوع فيها بعد وصولها إلى يد الفقير و ان كان المعجل في يد الامام قائما له أن يسترده لانه لما لم يصل إلى يد الفقير لم يتم الصرف لان يد المصدق في الصدقة المعجلة يد المالك من وجه لانه مخير في دفع المعجل اليه و ان كان يد الفقير من وجه من حيث انه يقبض له فلم يتم الصرف فلم تقع صدقة أصلا و ان هلك في يده لا يضمن عندنا و قال الشافعي ان استسلف الامام بغير مسألة رب المال و لا أهل السهمان يضمن و هذا فاسد لان الضمان انما يجب على الانسان بفعله و فعله الاخذ و انه مأذون فيه فلا يصلح سببا لوجوب الضمان و الهلاك ليس من صنعه بل هو محض صنع الله تعالى اعنى مصنوعه و لو دفع الامام المعجل إلى فقير فأيسر الفقير قبل تمام الحول أو مات أو ارتد جاز عن الزكاة عندنا و قال الشافعي يترده الامام الا أن يكون يساره من ذلك المال وجه قوله أن كون المعجل زكاة انما يثبت عند تمام الحول و هو ليس محل الصرف في ذلك الوقت فلا يقع زكاة الا إذا كان يساره من ذلك المال لانه حينئذ يكون أصلا فلا يقطع التبع عن أصله و لنا أن الصدقة لاقت كف الفقير فوقعت موقعها فلا تتغير بالغنا الحادث بعد ذلك كما إذا دفعها إلى الفقير بعد حولان الحول ثم أيسر و لو عجل زكاة ماله ثم هلك المال لم يرجع على الفقير عندنا و قال الشافعي يرجع عليه إذا كان قال له انها معجلة و هذا سديد لان الصدقة وقعت في محل الصدقة و هو الفقير بنية الزكاة فلا يحتمل الرجوع كما إذا لم يقل انها معجلة و لو كان له دراهم أو دنانير أو عروض للتجاره فعجل زكاة جنس منها ثم هلك بعض المال جاز المعجل عن الباقى لان الكل في حكم مال واحد بدليل أنه يضم البعض إلى البعض في تكميل النصاب فكانت نية التعيين في التعجيل لغوا كما لو كان له ألف درهم فعجل زكاة المائتين ثم هلك بعض المال و هذا بخلاف السوائم المختلفة بأن كان له خمس من الابل و أربعون من الغنم فعجل شاة عن خمس من الابل ثم هلكت الابل أن المعجل لا يجوز عن زكاة الغنم لانهما مالان مختلفان صورة و معنى فكان نية التعيين صحيحة فالتعجيل عن أحدهما لا يقع عن الآخر و الله أعلم ( فصل )
و أما بيان ما يسقطها بعد وجوبها فالمسقط لها بعد الوجوب أحد الاشياء الثلاثة منها هلاك
فصل وأما زكاة الزروع والثمار
النصاب بعد الحول قبل التمكن من الاداء و بعده عندنا و عند الشافعي لا يسقط بالهلاك بعد التمكن و المسألة قد مضت و منها الردة عندنا و قال الشافعي الردة لا تسقط الزكاة الواجبة حتى لو أسلم لا يجب عليه الاداء عندنا و عنده يجب وجه قوله أن المرتد قادر على اداء ما وجب عليه لكن بتقديم شرطه و هو الاسلام فإذا أسلم وجب عليه الاداء كالمحدث و الجنب انهما قادر ان على اداء الصلاة لكن بواسطة الطهارة فإذا وجدت الطهارة يجب عليهما الاداء كذا هذا و لنا قول النبي صلى الله عليه و سلم الاسلام يجب ما قبله و لان المرتد ليس من أهل اداء العبادة فلا يكون من أهل وجوبها فتسقط عنه بالردة و ما ذكر أنه قادر على الاداء بتقديم شرطه و هو الاسلام كلام فاسد لما فيه من جعل الاصل تبعا لتبعه و جعل التبع أصلا لمتبوعه على ما بينا فيما تقدم و منها موت من عليه الزكاة من وصية عندنا و عند الشافعي لا تسقط و جملة الكلام فيه أن من عليه الزكاة إذا مات قبل ادائها فلا يخلو اما ان كان أوصى بالاداء و اما ان كان لم يوص فان كان لم يوص تسقط عنه في أحكام الدنيا حتى لا تؤخذ من تركته و لا يؤمر الوصي أو الوارث بالاداء من تركته عندنا و عنده تؤخذ من تركته و على هذا الخلاف إذا مات من عليه صدقة الفطر أو النذر أو الكفارات أو الصوم أو الصلاة أو النفقات أو الخراج أو الجزية لانه لا يستوفى من تركته عندنا و عنده يتسوفى من تركته و ان مات من عليه العشر فان كان الخارج قائما فلا يسقط بالموت في ظاهر الرواية و روى عبد الله بن المبارك عن أبى حنيفة أنه يسقط و لو كان استهلك الخارج حتى صار دينا في ذمته فهو على هذا الاختلاف و ان كان أوصى بالاداء لا يسقط و يؤدى من ثلث ماله عندنا و عند الشافعي من جميع ماله و الكلام فيه بناء على أصلين أحدهما ما ذكرناه فيما تقدم و هو أن الزكاة عبادة عندنا و العبادة لا تتأدى الا باختيار من عليه اما بمباشرته بنفسه أو بأمره أو انابته غيره فيقوم النائب مقامه فيصير مؤديا بيد النائب و إذا أوصى فقد اناب و إذا لم يوص فلم ينب فلو جعل الوارث نائبا عنه شرعا من انابته لكان ذلك انابة جبرية و الجبر ينافى العبادة اذ العبادة فعل يأتيه العبد باختياره و لهذا قلنا انه ليس للامام أن يأخذ الزكاة من صاحب المال من اذنه جبرا و لو أخذ لا تسقط عنه الزكاة و الثاني أن الزكاة وجبت بطريق الصلة الا ترى أنه لا يقابلها عوض مالى و الصلات تسقط بالموت قبل التسليم و العشر مؤنة الارض و كما ثبت ثبت مشتركا لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الارض أضاف المخرج إلى الكل الاغنياء و الفقراء جميعا فإذا ثبت مشتركا فلا يسقط بموته و عنده الزكاة حق العبد و هو الفقير فاشبه سائر الديون و انها لا تسقط بموت من عليه كذا هذا و لو مات من عليه الزكاة في خلال الحول ينقطع حكم الحول عندنا و عند الشافعي لا ينقطع بل يبنى الوارث عليه فإذا تم الحول أدى الزكاة و الكلام فيه أيضا مبنى على ما ذكرنا و هو أن الزكاة عبادة عندنا فيعتبر فيه جانب المؤدى و هو المالك و قد زال ملكه بموته فينقطع حوله و عنده ليست بعبادة بل هو مؤنة الملك فيعتبر قيام نفس الملك و انه قائم اذ الوارث يخلف المورث في عين ما كان للمورث و الله تعالى أعلم ( فصل )
و أما زكاة الزروع و الثمار و هو العشر فالكلام في هذا النوع أيضا يقع في مواضع في بيان فرضيته و فى بيان كيفية الفرضية و فى بيان سبب الفرضية و فى بيان شرائط الفرضية و فى بيان القدر المفروض و فى بيان صفته و فى بيان من له ولاية الاخذ و فى بيان وقت الفرض و فى بيان ركنه و فى بيان شرائط الركن و فى بيان ما يسقطه و فى بيان ما يوضع في بيت المال من الاموال و فى بيان مصارفها أما الاول فالدليل على فرضيته الكتاب و السنة و الاجماع و المعقول أما الكتاب فقوله تعالى و آتوا حقه يوم حصاده قال عامة أهل التأويل ان الحق المذكور هو العشر أو نصف العشر فان قيل ان الله تعالى أمر بإيتاء الحق يوم الحصاد و معلوم أن زكاة الحبوب لا تخرج يوم الحصاد بل بعد التنقية و الكيل ليظهر مقدارها فيخرج عشرها فدل أن المراد به العشر فالجواب أن المراد منه و الله أعلم و آتوا حقه الذي وجب فيه يوم حصاده بعد التنقية فكان اليوم ظرفا للحق لا للايتاء على أن عند أبى حنيفة يجب العشر في الخضراوات و انما يخرج الحق منها يوم الحصاد و هو القطع و لا ينتظر شيء آخر فثبت أن الآية في العشر الا أن مقدار
فصل وأما شرائط الفرضية
فصل وأما الكلام في كيفية فرضية هذا النوع وسبب فرضيته
هذا الحق مبين في الآية فكانت الآية مجملة في حق المقدار ثم صارت مفسرة ببيان النبي صلى الله عليه و سلم بقوله ما سقته السماء ففيه العشر و ما سقي بغرب أو دالية ففيه نصف العشر كقوله تعالى و آتوا الزكاة أنها مجملة في حق المقدار فبينه النبي صلى الله عليه و سلم بقوله في مائتي درهم خمسة دراهم فصار مفسرا كذا هذا و قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الارض و فى الآية دلالة على أن الفقراء حقا في المخرج من الارض حيث أضاف المخرج إلى الكل فدل على أن للفقراء في ذلك حقا كما أن للاغنياء فيدل على كون العشر حق الفقراء ثم عرف مقدار الحق بالسنة و أما السنة فما روينا و هو قوله صلى الله عليه و سلم ما سقته السماء ففيه العشر و ما سقي بغرب أو دالية ففيه نصف العشر و أما الاجماع فلان الامة أجمعت على فرضية العشر و أما المعقول فعلى نحو ما ذكرنا في النوع الاول لان إخراج العشر إلى الفقير من باب شكر النعمة و اقدار العاجز و تقويته على القيام بالغرائض و من باب تطهير النفس عن الذنوب و تزكيتها و كل ذلك لازم عقلا و شرعا و الله أعلم ( فصل )
و أما الكلام في كيفية فرضية هذا النوع فعلى نحو الكلام في كيفية فرضية النوع الاول و قد مضى الكلام فيه ( فصل )
و أما سبب فرضيته فالأَرض النامية بالخارج حقيقة و سبب وجوب الخراج الارض النامية بالخارج حقيقة أو تقديرا حتى لو أصاب الخارج آفة فهلك لا يجب فيه العشر في الارض العشرية و لا الخراج في الارض الخراجية لفوات النماء حقيقة و تقديرا و لو كانت الارض عشرية فتمكن من زراعتها فلم تزرع لا يجب العشر لعدم الخارج حقيقة و لو كانت أرض خراجية يجب الخراج لوجود الخارج تقديرا و لو كانت أرض الخراج نزة أو غلب عليها الماء بحيث لا يستطاع فيها الزراعة أو سبخة أو لا يصل إليها الماء فلا خراج فيه لانعدام الخارج فيه حقيقة و تقديرا و على هذا يخرج تعجيل العشر و انه على ثلاثة أوجه في وجه يجوز بلا خلاف و فى وجه لا يجوز بلا خلاف و فى وجه فيه خلاف أما الذي يجوز بلا خلاف فهو ان يعجل بعد الزراعة و بعد النبات لانه تعجيل بعد وجود سبب الوجوب و هو الارض النامية بالخارج حقيقة ألا ترى أنه لو قصله هكذا يجب العشر و أما الذي لا يجوز بلا خلاف فهو أن يعجل قبل الزراعة لانه عجل قبل الوجوب و قبل وجود سبب الوجوب لانعدام الارض النامية بالخارج حقيقة لانعدام الخارج حقيقة و أما الذي فيه خلاف فهو أن يعجل بعد الزراعة قبل النبات قال أبو يوسف يجوز و قال محمد لا يجوز وجه قول محمد ان سبب الوجوب لم يوجد لانعدام الارض النامية بالخارج لا الخارج فكان تعجيلا قبل وجود السبب فلم يجز كما لو عجل قبل الزراعة وجه قول أبى يوسف ان سبب الخروج موجود و هو الزراعة فكان تعجيلا بعد وجود السبب فيجوز و أما تعجيل عشر الثمار فان عجل بعد طلوعها جاز بالاجماع و ان عجل قبل الطلوع ذكر الكرخي انه على الاختلاف الذي ذكرنا في الزرع و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه لا يجوز في ظاهر الرواية و روى عن أبى يوسف انه يجوز و جعل الاشجار للثمار بمنزلة الساق للحبوب و هناك يجوز التعجيل كذا ههنا و وجه الفرق لابى حنيفة و محمد ان الشجر ليس بمحل لوجوب العشر لانه حطب ألا ترى انه لو قطعه لا يجب العشر فاما ساق الزرع فمحل بدليل انه لو قطع الساق قبل أن ينعقد الحب يجب العشر و يجوز تعجيل الخراج و الجزية لان سبب وجوب الخراج الارض النامية بالخارج تقديرا بالتمكن من الزراعة لا تحقيقا و قد وجد التمكن و سبب وجوب الجزية كونه ذميا و قد وجد و الله أعلم ( فصل )
و أما شرائط الفرضية فبعضها شرط الاهلية و بعضها شرط المحلية أما شرط الاهلية فنوعان أحدهما الاسلام و انه شرط ابتداء هذا الحق فلا يبتدأ بهذا الحق الا على مسلم بلا خلاف لان فيه معنى العبادة و الكافر ليس من أهل وجوبها ابتداء فلا يبتدأ به عليه و كذا لا يجوز أن يتحول اليه في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد يجوز حتى ان الذمي لو اشترى أرض عشر من مسلم فعليه الخراج عنده و عند أبى يوسف عليه عشران
و عند محمد عليه عشر واحد وجه قول محمد ان الاصل ان كل أرض ابتدئت بضرب حق عليها أن لا يتبدل الحق بتبدل المالك كالخراج و الجامع بينهما ان كل واحد منهما مؤنة الارض لا تعلق له بالمالك حتى يجب في أرض مملوكة فلا يختلف باختلاف المالك و أبو يوسف يقول لما وجب العشر على الكافر كما قاله محمد فالواجب على الكافر بإسم العشر يكون مضاعفا كالواجب على التغلبي و يوضع موضع الخراج و لابي حنيفة ان العشر فيه معنى العبادة و الكافر ليس من أهل وجوب العبادة فلا يجب عليه العشر كما لا تجب عليه الزكاة المعهودة و لهذا لا تجب عليه ابتداء كذا في حالة البقاء و إذا تعذر إيجاب العشر عليه فلا سبيل إلى أن ينتفع الذمي بأرضه في دار الاسلام من حق يضرب عليها فضربنا عليها الخراج الذي فيه معنى الصغار كما لو جعل داره بستانا و اختلفت الرواية عن أبى حنيفة في وقت صيرورتها خراجية ذكر في السير الكبير انه كما اشترى صارت خراجية و فى رواية أخرى لا تصير خراجية ما لم يوضع عليها الخراج و انما يؤخذ الخراج إذا مضت من وقت الشراء مدة يمكنه أن يزرع فيها سواء زرع أو لم يزرع كذا ذكر في العيون في رجل باع أرض الخراج من رجل و قد بقي من السنة مقدار ما يقدر المشترى على زرعها فخراجها على المشترى و ان لم يكن بقي ذلك القدر فخراجها على البائع و اختلفت الرواية عن محمد في موضع هذا العشر ذكر في السير الكبير انه يوضع موضع الصدقة لان قدر الواجب لما لم يتغير عنده لا تتغير صفته ايضا و روى عنه انه يوضع موضع الخراج لان مال الصدقة لا يؤخذ فيه لكونه ما لا مأخوذا من الكافر فيوضع موضع الخراج و لو اشترى مسلم من ذمى أرضا خراجية فعليه الخراج و لا تنقلب عشرية لان الاصل ان مؤنة الارض لا تتغير بتبدل المالك الا لضرورة و فى حق الذمي إذا اشترى من مسلم أرض عشر ضرورة لان الكافر ليس من أهل وجوب العشر فاما المسلم فمن أهل وجوب الخراج في الجملة فلا ضرورة إلى التغيير بتبدل المالك و لو باع المسلم من ذمى أرضا عشرية فاخذها مسلم بالشفعة ففيها العشر لان الصفقة تحولت إلى الشفيع كانه باعها منه فكان انتقالا من مسلم إلى مسلم و كذلك لو كان البيع فاسدا فاستردها البائع منه لفساد البيع عادت الي العشر لان البيع الفاسد إذا فسخ يرتفع من الاصل و يصير كان لم يكن فيرتفع بأحكامه و لو وجد المشترى بها عيبا فعلى رواية السير الكبير ليس له أن يردها بالعيب لانها صارت خراجية بنفس الشراء فحدث فيها عيب زائد في يده و هو وضع الخراج عليها فمنع الرد بالعيب لكنه يرجع بحصة العيب و على الرواية الاخرى له أن يردها ما لم يوضع عليها الخراج لعدم حدوث العيب فان ردها برضا البائع لا تعود عشرية بل هى خراجية على حالها عند أبى حنيفة لان الرد برضا البائع بمنزلة بيع جديد و الارض إذا صارت خراجية لا تنقلب عشرية بتبدل المالك و لو اشترى التغلبي أرضا عشرية فعليه عشران في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد عليه عشر واحد أما محمد فقد مر على أصله ان كل مؤنة ضربت على أرض انها لا تتغير بتغير حال المالك و فقهه ما ذكرنا و هما يقولان الاصل ما ذكره محمد لكن يجوز أن تتغير إذا وجد المغير و قد وجد ههنا و هو قضية عمر رضى الله عنه فانه صالح بني تغلب على ان يؤخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين بمحضر من الصحابة فان اسلم التغلبي أو باعها من مسلم لم يتغير العشر ان عند أبى حنيفة و عند أبى يوسف يتغير إلى عشر واحد وجه قوله ان العشرين كانا لكونه نصرانيا تغلبيا اذ التضعيف يختص بهم و قد بطل بالاسلام فيبطل التضعيف و لابي حنيفة ان العشرين كانا خراجا على التغلبي و الخراج لا يتغير بإسلام المالك لما ذكرنا ان المسلم من أهل وجوب الخراج في الجملة و لا يتفرع التغير على أصل محمد لانه كان عليه عشر واحد قبل الاسلام و البيع من المسلم فيجب عشر واحد كما كان و هكذا ذكر الكرخي في مختصره ان عند محمد يجب عشر واحد و ذكر الطحاوي في التغلبي يشترى أرض العشر من مسلم انه يؤخذ منه عشران في قولهم و الصحيح ما ذكره الكرخي لما ذكرنا من أصل محمد رحمه الله و لو اشترى التغلبي أرض عشر فباعها من ذمى فعليه عشران لما ذكرنا ان التضعيف على التغلبي بطريق الخراج و الخراج لا يتغير بتبدل المالك و روى الحسن عن أبى حنيفة ان عليه الخراج لان التضعيف يختص بالتغلبى و الله أعلم و الثاني العلم بكونه مفروضا
و نعنى به سبب العلم في قول أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر و المسألة ذكرت في كتاب الصلاة و أما العقل و البلوغ فليسا من شرائط أهلية وجوب العشر حتى يجب العشر في أرض الصبي و المجنون لعموم قول النبي صلى الله عليه و سلم ما سقته السماء ففيه العشر و ما سقي بغرب أو دالية ففيه نصف العشر و لان العشر مؤنة الارض كالخراج و لهذا لا يجتمان عندنا و لهذا يجوز للامام ان يمد يده اليه فيأخذه جبرا و يسقط عن صاحب الارض كما لو ادى بنفسه الا انه إذا أدى بنفسه يقع عبادة فينال ثواب العبادة و إذا أخذه الامام كرها لا يكون له ثواب فعل العبادة و انما يكون ثواب ذهاب ماله في وجه الله تعالى بمنزلة ثواب المصائب كرها بخلاف الزكاة فان الامام لا يملك الاخذ جبرا و ان أخذ لا تسقط الزكاة عن صاحب المال و لهذا لو مات من عليه العشر و الطعام قائم يؤخذ منه بخلاف الزكاة فانها تسقط بموت من هى عليه و كذا ملك الارض ليس بشرط لوجوب العشر و انما الشرط ملك الخارج فيجب في الاراضى التي لا مالك لها و هي الاراضى الموقوفة لعموم قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الارض و قوله عز و جل و آتوا حقه يوم حصاده و قول النبي صلى الله عليه و سلم ما سقته السماء ففيه العشر و ما سقي بغرب أو داليه ففيه نصف العشر و لان العشر يجب في الخارج لا في الارض فكان ملك الارض و عدمه بمنزلة واحدة و يجب في أرض المأذون و المكاتب لما قلنا و لو آجر أرضه العشرية فعشر الخارج على المؤاجر عنده و عندهما على المستأجر وجه قولهما ظاهر لما ذكرنا أن العشر يجب في الخارج و الخارج ملك المستأجر فكان العشر عليه كالمستعير و لابي حنيفة ان الخارج للمؤاجر معنى لان بدله و هو الاجرة له فصار كانه زرع بنفسه و فيه اشكال لان الاجر مقابل للمنفعة لا الخارج و العشر يجب في الخارج عندهما و الخارج يسلم للمستأجر من عوض فيجب فيه العشر و الجواب ان الخارج في اجارة الارض و ان كان عينا حقيقة فله حكم المنفعة فيقابله الاجر فكان الخارج للآجر معنى فكان العشر عليه فان هلك الخارج فان كان قبل الحصاد فلا عشر على المؤاجر و يجب الاجر على المستأجر لان الاجر يجب بالتمكن من الانتفاع و قد تمكن منه و ان هلك بعد الحصاد لا يسقط عن المؤاجر عشر الخارج لان العشر كان يجب عليه دينا في ذمته و لا يجب في الخارج عنده حتى يسقط بهلاكه فلا يسقط عنه العشر بهلاكه و لا يسقط الاجر عن المستأجر أيضا و عند أبى يوسف و محمد العشر في الخارج فيكون على من حصل له الخارج و لو هلك بعد الحصاد أو قبله هلك بما فيه من العشر و لو أعارها من مسلم فزرعها فالعشر على المستعير عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر على المعير و هكذا روى عبد الله بن المبارك عن أبى حنيفة و لا خلاف في ان الخراج على المعير وجه قول زفر ان الاعارة تمليك المنفعة بغير عوض فكان هبة المنفعة فاشبه هبة الزرع و لنا ان المنفعة حصلت للمستعير صورة و معنى اذ لم يحصل للمعير في مقابلتها عوض فكان العشر على المستعير و لو أعارها من كافر فكذلك الجواب عندهما لان العشر عندهما في الخارج على كل حال و عن أبى حنيفة فيه روايتان في رواية العشر في الخارج و فى رواية على رب المال و لو دفعها مزارعة فاما على مذهبهما فالمزارعة جائزة و العشر يجب في الخارج و الخارج بينهما فيجب العشر عليهما و أما على مذهب أبى حنيفة فالمزارعة فاسدة و لو كان يجيزها كان يجب على مذهبه جميع العشر على رب الارض الا ان في حصته جميع العشر يجب في عينه و فى حصة المزارع يكون دينا في ذمته و لو غصب غاصب أرضا عشرية فزرعها فان لم تنقصها الزراعة فالعشر على الغاصب في الخارج لا على رب الارض لانه لم تسلم له منفعة كما في العارية و ان نقصتها الزراعة فعلى الغاصب نقصان الارض كانه أجرها منه و عشر الخارج على رب الارض عند أبى حنيفة و عندهما في الخارج و لو كانت الارض خراجية في الوجوه كلها فخراجها على رب الارض بالاجماع الا في الغصب إذا لم تنقصها الزراعة فخراجها على الغاصب و ان نقصتها فعلى رب الارض كانه أجرها منه و قال محمد أنظر إلى نقصان الارض و إلى الخراج فان كان ضمان النقصان أكثر من الخراج فالخراج على رب الارض يأخذ من الغاصب النقصان فيؤدى الخراج منه و ان كان ضمان النقصان أقل من الخراج فالخراج على الغاصب و سقط عنه ضمان النقصان و لو باع الارض العشرية و فيها زرع
فصل وأما شرائط المحلية فأنواع
قد أدرك مع زرعها أو باع الزرع خاصة فعشره على البائع دون المشترى لانه باعه بعد وجوب العشر و تقرره بالادراك و لو باعها و الزرع بقل فان قصله المشترى للحال فعشره على البائع أيضا لتقرر الوجوب في البقل بالقصل و ان تركه حتى أدرك فعشره على المشترى في قول أبى حنيفة و محمد لنحول الوجوب من الساق إلى الحب و روى عن أبى يوسف انه قال عشر قدر البقل على البائع و عشر الزيادة على المشترى و كذلك حكم الثمار على هذا التفصيل و كذا عدم الدين ليس بشرط لوجوب العشر لان الدين لا يمنع وجوب العشر في ظاهر الرواية بخلاف الزكاة المعهودة و قد مضى الفرق فيما تقدم ( فصل )
و أما شرائط المحلية فأنواع منها أن تكون الارض عشرية فان كانت خراجية يجب فيها الخراج و لا يجب في الخارج منها العشر فالعشر مع الخراج لا يجتمعان في أرض واحدة عندنا و قال الشافعي يجتمعان فيجب في الخارج من أرض الخراج العشر حتى قال بوجوب العشر في الخارج من أرض السواد وجه قوله انهما حقان مختلفان ذاتا و محلا و سببا فلا يتدافعان أما اختلافهما ذاتا فلا شك فيه و أما المحل فلان الخراج يجب في الذمة و العشر يجب في الخارج و أما السبب فلان سبب وجوب الخراج الارض النامية و سبب وجوب العشر الخارج حتى لا يجب بدونه و الخراج يجب بدون الخارج و إذا ثبت اختلافهما ذاتا و محلا و سببا فوجوب أحدهما لا يمنع وجوب الآخر و لنا ما روى عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا يجتمع عشر و خراج في أرض ملسم و لان أحدا من أئمة العدل و ولاة الجور لم يأخذ من أرض السواد عشرا إلى يومنا هذا فالقول بوجوب العشر فيها يخالف الاجماع فيكون باطلا و لان سبب وجوبهما واحد و هو الارض النامية فلا يجتمعان في أرض واحدة كما لا يجتمع زكاتان في مال واحد و هي زكاة السائمة و التجارة و الدليل على ان سبب وجوبهما الارض النامية انهما يضافان إلى الارض يقال خراج الارض و عشر الارض و الاضافة تدل على السببية فثبت ان سبب الوجوب فيهما هو الارض النامية الا انه إذا لم يزرعها و عطلها يجب الخراج لان انعدام النماء كان لتقصير من قبله فيجعل موجودا تقديرا حتى لو كان الفوات لا بتقصيره بان هلك لا يجب و انما لا يجب العشر بدون الخارج حقيقة لانه متعين ببعض الخارج فلا يمكن إيجابه بدون الخارج و على هذا قال أصحابنا فيمن اشترى أرض عشر للتجارة أو اشترى أرض خراج للتجارة ان فيها العشر أو الخراج و لا تجب زكاة التجارة مع أحدهما هو الرواية المشهورة عنهم و روى عن محمد انه يجب العشر و الزكاة أو الخراج و الزكاة وجه هذه الرواية ان زكاة التجارة تجب في الارض و العشر يجب في الزرع و انهما مالان مختلفان فلم يجتمع الحقان في مال واحد وجه ظاهر الرواية ان سبب الوجوب في الكل واحد و هو الارض ألا ترى انه يضاف الكل إليها يقال عشر الارض و خراج الارض و زكاة الارض و كل واحد من ذلك حق الله تعالى و حقوق الله تعالى المتعلقة بالاموال النامية لا يجب فيها حقان منها بسبب مال واحد كزكاة السائمة مع التجارة و إذا ثبت انه لا سبيل إلى اجتماع العشر و الزكاة و اجتماع الخراج و الزكاة فإيجاب العشر أو الخراج أولى لانهما أعم وجوبا ألا ترى انهما لا يسقطان بعذر الصبا و الجنون و الزكاة تسقط به فكان إيجابهما أولى و إذا عرف ان كون الارض عشرية من شرائط وجوب العشر لابد من بيان الارض العشرية و جملة الكلام فيه ان الاراضى نوعان عشرية و خراجية أما العشرية فمنها أرض العرب كلها قال محمد رحمه الله و أرض العرب من العذيب إلى مكة وعدن ابين إلى اقصى حجر باليمن بمهرة و ذكر الكرخي هى أرض الحجاز و تهامة و اليمن و مكة و الطائف و البرية و انما كانت هذه أرض عشر لان رسول الله صلى الله عليه و سلم و الخلفاء الراشدين بعده لم يأخذوا من أرض العرب خراجا فدل انها عشرية اذ الارض لا تخلو عن احدى المؤنتين و لان الخراج يشبه الفئ فلا يثبت في أرض العرب كما لم يثبت في رقابهم و الله أعلم و منها الارض التي أسلم عليها أهلها طوعا و منها الارض التي فتحت عنوة و قهرا و قسمت بين الغانمين المسلين لان الاراضى لا تخلو عن مؤنة اما العشر و اما الخراج و الابتداء بالعشر في أرض المسلم أولى لان في العشر معنى العبادة و فى الخراج معنى الصغار و منها دار المسلم إذا اتخذها بستانا لما قلنا و هذا إذا كان يسقى بماء العشر
فان كان يسقى بماء الخراج فهو خراجى و أما ما أحياه المسلم من الارض الميتة باذن الامام فقال أبو يوسف ان كانت من خير أرض العشر فهي عشرية و ان كانت من حيز أرض الخراج فهي خراجية و قال محمد ان أحياها بماء السماء أو ببئر استنبطها أو بماء الانهار العظام التي لا تملك مثل دجلة و الفرات فهي أرض عشر و ان شق لها نهرا من أنهار الاعاجم مثل نهر الملك و نهر يزد جرد فهي ارض خراج وجه قول محمد ان الخراج لا يبتدأ بأرض المسلم لما فيه من معنى الصغار كالفىء الا إذا التزمه فإذا استنبط عينا أو حفر بئرا أو أحياها بماء الانهار العظام فلم يلتزم الخراج فلا يوضع عليه و إذا أحياها بماء الانهار المملوكة فقد التزم الخراج لان حكم الفئ يتعلق بهذه الانهار فصار كانه اشترى أرض الخراج و لابي يوسف ان حيز الشيء في حكم ذلك الشيء لانه من توابعه كحريم الدار من توابع الدار حتى يجوز الانتفاع به و لهذا لا يجوز احياء ما في حيز القرية لكونه من توابع القرية فكان حقا لاهل القرية و قياس قول أبى يوسف أن تكون البصرة خراجية لانها من حيز أرض الخراج و ان أحياها المسلمون الا انه ترك القياس بإجماع الصحابة رضى الله عنهم حيث وضعوا عليها العشر و أما الخراجية فمنها الاراضى التي فتحت عنوة و قهرا فمن الامام عليهم و تركها في يد أربابها فانه يضع على جماعتهم الجزية إذا لم يسلموا و على أراضيهم الخراج أسلموا أو لم يسلموا و أرض السواد كلها أرض خراج وحد السواد من العذيب إلى عقبة حلوان و من العلث إلى عبادان لان عمر رضى الله عنه لما فتح تلك البلاد ضرب عليها الخراج بمحضر من الصحابة رضى الله عنهم فانفذ عليها حذيفة بن اليمان و عثمان بن حنيف فمحاها و وضعا عليها الخراج و لان الحاجة إلى ابتداء الايجاب على الكافر و الابتداء بالخراج الذي فيه معنى الصغار على الكافر أولى من العشر الذي فيه معنى العبادة و الكافر ليس بأهل لها و كان القياس أن تكون مكة خراجية لانها فتحت عنوة و قهرا و تركت على أهلها و لم تقسم لكنا تركنا القياس بفعل النبي صلى الله عليه و سلم حيث لم يضع عليها الخراج فصارت مكة مخصوصة بذلك تعظيما للحرم و كذا إذا من عليهم و صالحهم من جماجمهم و أراضيهم على وظيفة معلومة من الدراهم أو الدنانير أو نحو ذلك فهي خراجية لما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم صالح نصارى بني نجران من جزية رؤوسهم و خراج أراضيهم على ألفى حلة و فى رواية على ألفى و مائتي حلة تؤخذ منهم في وقتين لكل سنة نصفها في رجب و نصفها في المحرم و كذا إذا أجلاهم و نقل إليها قوما آخرين من أهل الذمة لانهم قاموا مقام الاولين و منها أرض نصارى بني تغلب لان عمر رضى الله عنه صالحهم على أن يأخذ من أراضيهم العشر مضاعفا و ذلك خراج في الحقيقة حتى لا يتغير بتغير حال المالك كالخراجى و منها الارض الميتة التي أحياها المسلم و هي تسقى بماء الخراج و ماء الخراج هو ماء الانهار الصغار التي حفرتها الاعاجم مثل نهر الملك و نهر يزدجرد و غير ذلك مما يدخل تحت الايدى و ماء العيون و القنوات المستنبطة من مال بيت المال و ماء العشر هو ماء السماء و الآبار و العيون و الانهار العظام التي لا تدخل تحت الايدى كسيحون و جيحون و دجلة و الفرات و نحوها اذ لا سبيل إلى إثبات اليد عليها و إدخالها تحت الحماية و روى عن أبى يوسف ان مياه هذه الانهار خراجية لامكان إثبات اليد عليها و إدخالها تحت الحماية في الجملة بشد السفن بعضها على بعض حتى تصير شبه القنطرة و منها أرض الموات التي أحياها ذمى و أرض الغنيمة التي رضخها الامام لذمي كان يقاتل مع المسلمين و دار الذمي التي اتخذها بستانا أو كرما لما ذكرنا ان عند الحاجة إلى ابتداء ضرب المؤنة على أرض الكافر الخراج أولى لما بينا و منها أى من شرائط المحلية وجود الخارج حتى ان الارض لو لم تخرج شيأ لم يجب العشر لان الواجب جزء من الخارج و إيجاب جزء من الخارج و لا خارج محال و منها أن يكون الخارج من الارض مما يقصد بزراعته نماء الارض و تستغل الارض به عادة فلا عشر في الحطب و الحشيش و القصب الفارسي لان هذه الاشياء لا تستنمى بها الارض و لا تستغل بها عادة لان الارض لا تنمو بها بل تفسد فلم تكن نماء الارض حتى قالوا في الارض إذا اتخذها مقصبة و فى شجره الخلاف التي يقطع في كل ثلاث سنين أو أربع سنين انه يجب فيها العشر لان ذلك غلة وافرة و يجب في قصب السكر و قصب الذريرة لانه يطلب بهما نماء الارض فوجد شرط الوجوب فيجب فاما كون
الخارج مما له ثمرة باقية فليس بشرط لوجوب العشر بل يجب سواء كان الخارج له ثمرة باقية أو ليس له ثمرة باقية و هي الخضراوات كالبقول و الرطاب و الخيار و القثاء و البصل و الثوم و نحوها في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد لا يجب الا في الحبوب و ماله ثمرة باقية و احتجا بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ليس في الخضراوات صدقة و هذا نص و لابي حنيفة قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الارض و أحق ما تتناوله هذه الاية الخضراوات لانها هى المخرجة من الارض حقيقة و أما الحبوب فانها مخرجة من الارض حقيقة بل من المخرج من الارض و لا يقال المراد من قوله تعالى و مما أخرجنا لكم من الارض أى من الاصل الذي أخرجنا لكم كما في قوله تعالى قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم أى أنزلنا الاصل الذي يكون منه اللباس و هو الماء لا عين اللباس اذ اللباس كما هو منزل من السماء و كقوله تعالى خلقكم من تراب اى خلق أصلكم و هو آدم عليه السلام كذا هذا لانا نقول الحقيقة ما قلنا و الاصل اعتبار الحقيقة و لا يجوز العدول عنها الا بدليل قام دليل العدول هناك فيجب العمل بالحقيقة فيما وراء و لان فيما قاله أبو حنيفة عملا بحقيقة الاضافة لان الاخراج من الارض و الانبات محض صنع الله تعالى لا صنع للعبد فيه الا ترى إلى قوله تعالى أ فرأيتم ما تحرثون أ أنتم تزرعونه أم نحن الزارعون فاما بعد الاخراج و الانبات فللعبد فيه صنع من السقي و الحفظ و نحو ذلك فكان الحمل على النبات عملا بحقيقة الاضافة أولى من الحمل على الحبوب و قوله تعالى و آتوا حقه يوم حصاده و الحصاد القطع و أحق ما يحمل الحق عليه الخضراوات لانها هى التي يجب إيتاء الحق منها يوم القطع و أما الحبوب فيتأخر الايتاء فيها إلى وقت التنقية و قول النبي صلى الله عليه و سلم ما سقته السماء ففيه العشر و ما سقي بغرب أو دالية ففيه نصف العشر من فصل بين الحبوب و الخضراوات و لان سبب الوجوب هو الارض النامية بالخارج و النماء بالخضر أبلغ لان ريعها أوفر و أما الحديث فغريب فلا يجوز تخصيص الكتاب و الخبر المشهور بمثله أو يحمل على الزكاة أو يحمل قوله ليس في الخضراوات صدقة على انه ليس فيها صدقة تؤخذ بل أربابها هم الذين يؤدونها بأنفسهم فكان هذا نفى ولاية الاخذ للامام و به نقول و الله أعلم و كذا النصاب ليس بشرط لوجوب العشر فيجب العشر في كثير الخارج و قليله و لا يشترط فيه النصاب عند أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد لا يجب فيما دون خمسة أوسق إذا كان مما يدخل تحت الكيل كالحنطة و الشعير و الذرة و الارز و نحوها و الوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه و سلم و الصاع ثمانية أرطال جملتها نصف من و هو أربعة امنان فيكون جملته ألفا و مائتي من و قال أبو يوسف الصاع خمسة أرطال و ثلث رطل و احتجا في المسألة بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة و لابي حنيفة عموم قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الارض و قوله عز و جل و آتوا حقه يوم حصاده و قول النبي صلى الله عليه و سلم ما سقته السماء ففيه العشر و ما سقي بغرب أو دالية ففيه نصف العشر من فصل بين القليل و الكثير و لان سبب الوجوب و هي الارض النامية بالخارج لا يوجب التفصيل بين القليل و الكثير و أما الحديث فالجواب عن التعلق به من وجهين أحدهما انه من الآحاد فلا يقبل في معارضة الكتاب و الخبر المشهور فان قيل ما تلوتم من الكتاب و ورثتم من السنة يقتضيان الوجوب من التعرض لمقدار الموجب منه و ما روينا يقتضى المقدار فكان بيانا لمقدار ما يحب فيه العشر و البيان بخبر الواحد جائز كبيان المجمل و المتشابه فالجواب انه لا يمكن حمله على البيان لان ما تمسكنا به عام يتناول ما يدخل تحت الوسق و ما لا يدخل و ما رويتم من خبر المقدار خاص فيما يدخل تحت الوسق فلا يصلح بيانا للقدر الذي يجب فيه العشر لان من شأن البيان أن يكون شاملا لجميع ما يقتضى البيان و هذا ليس كذلك على ما بينا فعلم انه لم يرد مورد البيان و الثاني ان المراد من الصدقة الزكاة لان مطلق اسم الصدقة لا يتصرف الا إلى الزكاة المعهودة و نحن به نقول ان ما دون خمسة أوسق من طعام أو تمر للتجارة لا يجب فيه الزكاة ما لم يبلغ قيمتها مائتي درهم أو يحتمل الزكاة فيحمل عليها عملا بالدلائل بقدر الامكان ثم نذكر فروع مذهب أبى يوسف و محمد في فصلى الخلاف و ما فيه
من الخلاف بينهما في ذلك و الوفاق فنقول عندهما يجب العشر في العنب لان المجفف منه يبقى من سنة إلى سنة و هو الزبيب فيخرص العنب جافا فان بلغ مقدار ما يجئ منه الزبيب خمسة أوسق يجب في عنبه العشر أو نصف العشر و الا فلا شيء فيه و روى عن محمد ان العنب إذا كان رقيقا يصلح للماء و لا يجئ منه الزبيب فلا شيء فيه و ان كثر لان الوجوب فيه باعتبار حال الجفاف و كذا قال أبو يوسف في سائر الثمار إذا كان يجئ منها ما يبقى من سنة إلى سنة بالتجفيف انه يخرص ذلك جافا فان بلغ نصابا وجب و الا فلا كالتين و الاجاص و الكمثرى و الخوخ و نحو ذلك لانها إذا جففت تبقي من سنة إلى سنة فكانت كالزبيب و قال محمد لا عشر في التين و الاجاص و الكمثرى و الخوخ و التفاح و المشمش و النبق و التوت و الموز و الخروب لانها و ان كان ينتفع بها بعضها بالتجفيف و بعضها بالتشقيق و التجفيف فالانتفاع بها بهذا الطريق ليس بغالب و لا يفعل ذلك عادة و يجب العشر في الجوز و اللوز و الفستق لانها تبقي من السنة إلى السنة و يغلب الانتفاع بالجاف منها فاشبهت الزبيب و روى عن محمد ان في البصل العشر لانه يبقى من سنة إلى سنة و يدخل في الكيل و لا عشر في الآس و الورد و الوسمة لانها من الرياحين و لا يعم الانتفاع بها و أما الحناء فقال أبو يوسف فيه العشر و قال محمد لا عشر فيه لانه من الرياحين فأشبه الآس و الورد و لابي يوسف انه يدخل تحت الكيل و ينتفع به منفعة عامة بخلاف الآس و العصفر و الكتان إذا بلغ القرطم و الحب خمسة أوسق وجب فيه العشر لان المقصود من زراعتها الحب و الحب يدخل تحت الوسق فيعتبر فيه الاوسق فإذا بلغ ذلك يجب العشر و يجب في العصفر و الكتان أيضا على طريق التبع و قالا في بزر القنب إذا بلغ خمسة أوسق ففيه العشر لانه يبقى و يقصد بالزراعة و الانتفاع به عام و لا شيء في القنب لانه لحاء الشجر فاشبه لحاء سائر الاشجار و لا عشر فيه فكذا فيه و قالا في حب الصنوبر إذا بلغ الاوسق ففيه العشر لانه يقبل الادخار و لا شيء في خشبه كما لا شيء في خشب سائر الشجر و يجب في الكراويا و الكزبرة و الكمون و الخردل لما قلنا و لا يجب في السعتر و الشونيز و الحلبة لانها من جملة الادوية فلا يعم الانتفاع بها و قصب السكر إذا كان مما يتخذ منه السكر فإذا بلغ ما يخرج منه خمس أفراق وجب فيه العشر كذا قال محمد لانه يبقى و ينتفع به انتفاعا عاما و لا شيء في البلوط لانه لا يعم المنفعة به و لا عشر في بزر البطيخ و القثاء و الخيار و الرطبة و كل بزر لا يصلح الا للزراعة بلا خلاف بينهما لانه لا يقصد بزراعتها نفسها بل ما يتولد منها و ذا لا عشر فيه عندهما و مما يتفرع على أصلهما ما إذا أخرجت الارض أجناسا مختلفة كالحنطة و الشعير و العدس كل صنف منها لا يبلغ النصاب و هو خمسة أوسق انه يعطى كل صنف حكم نفسه أو يضم البعض إلى البعض في تكميل النصاب و هو خمسة أوسق روى محمد عن أبى يوسف انه لا يضم البعض إلى البعض بل يعتبر كل جنس بانفراده و لم يرو عنه ما إذا أخرجت نوعين من جنس و روى الحسن بن زياد و ابن أبى مالك عنه ان كل نوعين لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا كالحنطة البيضاء و الحمراء و نحو ذلك يضم أحدهما إلى الآخر سواء خرجا من أرض واحدة أو أراض مختلفة و يكمل به النصاب و ان كانا مما يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا كالحنطة و الشعير لا يضم و ان خرجا من أرض واحدة و تعين كل صنف منهما بانفراده ما لم يبلغ خمسة أوسق لا شيء فيه و هو قول محمد و روى ابن سماعة عنه ان الغلتين ان كانتا تدر كان في وقت واحد تضم احداهما إلى الاخرى و ان اختلفت أجناسهما و ان كانتا لا تدر كان في وقت واحد لا تضم وجه رواية اعتبار الادراك ان الحق يجب في المنفعة و ان كانتا تدر كان في مكان واحد كانت منفعتهما واحدة فلا يعتبر فيه اختلاف جنس الخارج كعروض التجارة في باب الزكاة و إذا كان إدراكهما في أوقات مختلفة فقد اختلفت منفعتهما فكانا كالاجناس المختلفة وجه رواية اعتبار التفاضل و هو قول محمد انه لا عبرة لاختلاف النوع فيما لا يجوز فيه التفاضل إذا كان الجنس متحدا كالدراهم السود و البيض في باب الزكاة انه يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب و ان كان النوع مختلفا فاما فيما لا يجرى فيه التفاضل فاختلاف الجنس معتبر في المنع من الضم كالأَبل مع البقر في باب الزكاة و هو رواية محمد عن أبى يوسف و قال أبو يوسف إذا كان لرجل أراضي مختلفة في رساتيق مختلفة و العامل واحد ضم الخارج من بعضها إلى بعض
و كمل الاوسق به و ان اختلف العامل لم يكن لاحد العاملين مطالبة حتى يبلغ ما خرج من الارض التي في عمله خمسة أوسق و قال محمد إذا اتفق المالك ضم الخارج بعضه إلى بعض و ان اختلفت الارضون و العمال و هذا لا يحقق الخلاف لان كل واحد منهما اجاب في ما أجاب به الآخر لان جواب أبى يوسف في سقوط المطالبة عن المالك و لم يتعرض لوجوب الحق على المالك فيما بينه و بين الله تعالى و هو فيما بينه و بين الله تعالى مخاطب بالاداء لاجتماع النصاب في ملكه و انه سقطت المطالبة عنه و جواب محمد في وجوب الحق و لم يتعرض لمطالبة العامل فلم يتحقق الخلاف بينهما و مما يتفرع على قولهما الارض المشتركة إذا أخرجت خمسة أوسق انه لا عشر فيها حتى تبلغ حصة كل واحد منهما خمسة أوسق و روى الحسن عن أبى يوسف ان فيها العشر وجه هذه الرواية ان المالك ليس بشرط لوجوب العشر بدليل انه يجب في الارض الموقوفة و أرض المكاتب و أرض المأذون و انما الشرط كمال النصاب و هو خمسة أوسق و قد وجد و الصحيح هو الاول لان النصاب عندهما شرط الوجوب فيعتبر كماله في حق كل واحد منهما كما في مال الزكاة على ما بينا هذا الذي ذكرنا من اعتبار الاوسق عندهما فيما يدخل تحت الكيل و اما ما لا يدخل تحت الكيل كالقطن و الزعفران فقد اختلفا فيما بينهما قال أبو يوسف يعتبر فيه القيمة و هو أن يبلغ قيمة الخارج قيمة خمسة أوسق من أدنى ما يدخل تحت الوسق من الحبوب و قال محمد يعتبر خمسة أمثال أعلى ما يقدر به ذلك الشيء فالقطن يعتبر بالاحمال فإذا بلغ خمسة أحمال يجب و الا فلا و يعتبر كل حمل ثلاثمائة من فتكون جملته ألفا و خمسمأة منا و الزعفران يعتبر بالامنان فإذا بلغ خمسة أمنان يجب و الا فلا و كذلك في السكر يعتبر خمسة امنان وجه قول محمد ان التقدير بالوسق في الموسوقات لكون الوسق أقصى ما يقدر به في بابه و أقصى ما يقدر به في الموسوق ما ذكرنا فوجب التقدير به و لابي يوسف ان الاصل هو اعتبار الوسق لان النص ورد به انه ان أمكن اعتباره صورة و معنى يعتبر و ان لم يمكن يجب اعتبار معنى و هو قيمة الموسوق و اما العسل فقد ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي عن أبى يوسف انه اعتبر فيه قيمة خمسة أوسق فان بلغ ذلك يجب فيه العشر و الا فلا بناء على اصله من اعتبار قيمة الاوسق فيما لا يدخل تحت الكيل و ما روى عنه انه يعتبر فيه خمسة أوسق فانما أراد به قدر خمسة أوسق لان العسل لا يكال و روى عنه انه قدر ذلك بعشرة أرطال و روى انه اعتبر خمس قرب كل قربة خمسون منا فيكون جملته مائتين و خمسين منا و محمد اعتبر فيه خمسة افراق كل فرق ستة و ثلاثون رطلا فيكون ثمانية عشر منا فتكون جملته تسعين منا بناء على أصله من اعتبار خمسة أمثال أعلى ما يقدر به كل شيء و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان أبا يوسف اعتبر في نصاب العسل عشرة أرطال و محمد اعتبر خمسة افراق في رواية و خمس قرب في رواية و خمسة امنان في رواية ثم وجوب العشر في العسل مذهب اصحابنا رحمهم الله و قال الشافعي لا عشر فيه و زعم ان ما روى في وجوب العشر في العسل لم يثبت وجه قوله ان سبب الوجوب و هو الارض النامية بالخارج لم يوجد لانه ليس من نماء الارض بل هو متولد من حيوان فلم تكن الارض نامية بها و نحن نقول ان لم يثبت عندك وجوب العشر في العسل فقد ثبت عندنا الا ترى إلى ما روى ان أبا سيارة جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال ان لي نحلا فقال النبي صلى الله عليه و سلم أد عشرها فقال أبو سيارة احمها لي يا رسول الله فحماها له و روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان بطنا من فهر كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من نحل لهم العشر من كل عشر قرب قربة و كان يحمى لهم واديين فلما كان عمر رضى الله عنه استعمل على ما هناك سفيان بن عبد الله الثقفى فابوا أن يؤدوا اليه شيأ و قالوا انما كان شيأ نؤديه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فكتب ذلك سفيان إلى عمر رضى الله عنه فكتب اليه عمر رضى الله عنه انما النحل ذباب غيث يسوقه الله تعالى رزقا إلى من يشاء فان أدوا إليك ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاحم له واديهم و الا فخل بين الناس و بينها فأدوا اليه و عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم كتب إلى أهل اليمن أن يؤخذ من العسل العشر و عن عمر رضى الله عنه أنه كان يأخذ عن العسل العشر من كل عشر قرب قربة و كذا روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه كان
فصل وأما بيان مقدار الواجب
يفعل ذلك حين كان واليا بالبصرة و أما قوله ليس من نماء الارض فنقول هو ملحق بنمائها لاعتبار الناس اعداد الارض لها و لانه يتولد من أنوار الشجر فكان كالثمر ثم انما يجب العشر في العسل إذا كان في ارض العشر فاما إذا كان في أرض الخراج فلا شيء فيه لما ذكرنا ان وجوب العشر فيه لكونه بمنزلة الثمر لتولده من ازهار الشجر و لا شيء في ثمار أرض الخراج و لان أرض الخراج يجب فيها الخراج فلو وجب العشر في العسل لاجتمع العشر و الخراج في أرض واحدة و لا يجتمعان عندنا و يجب العشر في قليله و كثيره في قول أبى حنيفة لانه ملحق بالنماء و يجرى مجرى الثمار و النصاب ليس بشرط في ذلك عنده و عندهما شرط و قد ذكرنا اختلاف الرواية عنهما في ذلك و ما يوجد في الجبال من العسل و الفواكه فقد روى محمد عن أبى حنيفة ان فيه العشر و روى أصحاب الاملاء عن أبى يوسف انه لا شيء فيه وجه قول أبى يوسف ان هذا مباح مملوك فلا يجب فيه العشر كالحطب و الحشيش و لابي حنيفة عمومات العشر الا أن ملك الخارج شرط و لما أخذه فقد ملكه فصار كما لو كان في أرضه و الحول ليس بشرط لوجوب العشر حتى لو أخرجت الارض في السنة مرارا يجب العشر في كل مرة لان نصوص العشر مطلقة عن شرط الحول و لان العشر في الخارج حقيقة فيتكرر الوجوب بتكرر الخارج و كذلك خراج المقاسمة لانه في الخارج فاما خراج الوظيفة فلا يجب في السنة الا مرة واحدة لان ذلك ليس في الخارج بل في الذمة عرف ذلك بتوظيف عمر رضى الله عنه و ما وظف في السنة الا مرة واحدة ( فصل )
و أما بيان مقدار الواجب فالكلام في هذا الفصل في موضعين أحدهما في بيان قدر الواجب من العشر و الثاني في بيان قدر الواجب من الخراج اما الاول فما سقي بماء السماء أو سقي سيحا ففيه عشر كامل و ما سقي بغرب أو دالية أو سانية ففيه نصف العشر و الاصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال ما سقته السماء ففيه العشر و ما سقي بغرب أو دالية أو سانية ففيه نصف العشر و عن أنس رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال فيما سقته السماء أو العين أو كان بعلا العشر و ما سقي بالرشاء ففيه نصف العشر و لان العشر وجب مؤنة الارض فيختلف الواجب بقلة المؤنة و كثرتها و لو سقي الزرع في بعض السنة سيحا و فى بعضها بآلة يعتبر في ذلك الغالب لان للاكثر حكم الكل كما في السوم في باب الزكاة على ما مر و لا يحتسب لصاحب الارض ما أنفق على الغلة من سقي أو عمارة أو أجر الحافظ أو أجر العمال أو نفقة البقر لقوله صلى الله عليه و سلم ما سقته السماء ففيه العشر و ما سقي بغرب أو دالية أو سانية ففيه نصف العشر أوجب العشر و نصف العشر مطلقا عن احتساب هذه المؤن و لان النبي صلى الله عليه و سلم أوجب الحق على التفاوت لتفاوت المؤن و لو رفعت المؤن لارتفع التفاوت و أما الثاني و هو بيان قدر الواجب من الخراج فالخراج نوعان خراج وظيفة و خراج مقاسمة اما خراج الوظيفة فما وظفه عمر رضى الله عنه ففى كل جريب أرض بيضاء تصلح للزراعة قفيز مما يزرع فيها و درهم القفيز صاع و الدرهم وزن سبعة و الجريب أرض طولها ستون ذراعا و عرضها ستون ذراعا بذراع كسرى يزيد على ذراع العامة بقصبة و فى جريب الرطبة خمسة دراهم و فى جريب الكرم عشرة دراهم هكذا وظفه عمر بمحضر من الصحابة و لم ينكر عليه أحد و مثله يكون إجماعا و أما جريب الارض التي فيها أشجار مثمرة بحيث لا يمكن زراعتها لم يذكر في ظاهر الرواية و روى عن أبى يوسف أنه قال إذا كانت النخيل ملتفة جعلت عليها الخراج بقدر ما تطيق و لا أزيد على جريب الكرم عشرة دراهم و فى جريب الارض التي يتخذ فيها الزعفران قدر ما تطيق فينظر إلى غلتها فان كانت تبلغ غلة الارض المزروعة يؤخذ منها قدر خراج الارض المزروعة و ان كانت تبلغ غلة الرطبة يؤخذ منها قدر خراج أرض الرطبة هكذا لان مبنى الخراج على الطاقة الا ترى أن حذيفة بن اليمان و عثمان ابن حنيف رضى الله عنهما لما مسحا سواد العراق بأمر عمر رضى الله عنه و وضعا على كل جريب يصلح للزراعة قفيزا و درهما و على كل جريب يصلح للرطبة خمسة دراهم و على كل جريب يصلح للكرم عشرة دراهم فقال لهما عمر رضى الله عنه لعلكما حملتما ما لا تطيق فقالا بل حملنا ما تطيق و لو زدنا لا طاقت فدل الحديث على أن مبنى
الخراج على الطاقة فيقدر بها فيما وراء الاشياء الثلاثة المذكورة في الخبر فيوضع على أرض الزعفران و البستان في أرض الخراج بقدر ما تطيق و قالو لنهاية الطاقة قدر نصف الخارج لا يزاد عليه و قالوا فيمن له أرض زعفران فزرع مكانه الحبوب من عذر انه يؤخذ منه خراج الزعفران لانه قصر حيث لم يزرع الزعفران مع القدرة عليه فصار كانه عطل الارض فلم يزرع فيها شيأ و لو فعل ذلك يؤخذ منه خراج الزعفران كذا هذا و كذا إذا قطع كرمه من عذر و زرع فيه الحبوب انه يؤخذ منه خراج الكرم لما قلنا و ان أخرجت ارض الخراج قدر الخراج لا يؤخذ نصف الخراج و ان أخرجت مثلي الخراج فصاعدا يؤخذ جميع الخراج الموظف عليها و ان كانت لا تطيق قدر خراجها الموضوع عليها ينقض و يؤخذ منها قدر ما تطيق بلا خلاف و اختلف فيما إذا كانت تطيق أكثر من الموضوع أنه هل تزاد أم لا قال أبو يوسف لا تزاد و قال محمد تزاد وجه قول محمد ان مبنى الخراج على الطاقة على ما بينا فتجوز الزيادة على القدر الموظف إذا كانت تطيقه و لابي يوسف أن معنى الطاقة انما يعتبر فيها وراء المنصوص و المجمع عليه و القدر الموضوع من الخراج الموظف منصوص و مجمع عليه على ما بينا فلا تجوز الزيادة عليه بالقياس و أما خراج المقاسمة فهو ان يفتح الامام بلدة فيمن على أهلها و يجعل على أراضيهم خراج مقاسمة و هو ان يؤخذ منهم نصف الخارج أو ثلثه أو ربعه و أنه جائز لما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم هكذا فعل لما فتح خيبر و يكون حكم هذا الخراج حكم العشر و يكون ذلك في الخارج كالعشر الا انه يوضع موضع الخراج لانه خراج في الحقيقة و الله أعلم ( فصل )
و أما صفة الواجب فالواجب جزء من الخارج لانه عشر الخارج أو نصف عشره و ذلك جزؤه الا أنه واجب من حيث انه مال لا من حيث انه جزء عندنا حتى يجوز أداء قيمته عندنا و عند الشافعي الواجب عين الجزء و لا يجوز غيره و هي مسألة دفع القيم و قد مرت فيما تقدم ( فصل )
و أما وقت الوجوب فوقت الوجوب وقت خروج الزرع و ظهور الثمر عند أبى حنيفة و عند أبى يوسف وقت الادراك و عند محمد وقت التنقية و الجذاذ فانه قال إذا كان الثمر قد حصد في الحظيرة و ذري البر و كان خمسة أوسق ثم ذهب بعضه كان في الذي بقي منه العشر فهذا يدل على أن وقت الوجوب عنده هو وقت التصفية في الزرع و وقت الجذاذ في الثمر هو يقول تلك الحال هى حال تناهى عظم الحب و الثمر و استحكامها فكانت هى حال الوجوب و أبو يوسف يحتج بقوله تعالى و آتوا حقه يوم حصاده و يوم حصاده هو يوم إدراكه فكان هو وقت الوجوب و لابي حنيفة قوله تعالى أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الارض أمر الله تعالي بالانفاق مما أخرجه من الارض فدل أن الوجوب متعلق بالخروج و لانه كما خرج حصل مشتركا كالمال المشترك لقوله تعالى و مما أخرجنا لكم من الارض جعل الخارج للكل فيدخل فيه الاغنياء و الفقراء و إذا عرفت وقت الوجوب على اختلافهم فيه ففائدة هذا الاختلاف على قول أبى حنيفة لا تظهر الا في الاستهلاك فما كان منه بعد الوجوب يضمن عشره و ما كان قبل الوجوب لا يضمن و أما عند ابى يوسف و محمد فتظهر ثمرة الاختلاف في الاستهلاك و فى الهلاك أيضا في حق تكميل النصاب بالهالك فما هلك بعد الوجوب يعتبر الهالك مع الباقى في تكميل النصاب و ما هلك قبل الوجوب لا يعتبر و بيان هذه الجملة إذا أتلف إنسان الزرع أو الثمر قبل الادراك حتى ضمن أخذ صاحب المال من المتلف ضمان المتلف وادي عشره و ان أتلف البعض دون البعض أدى قدر عشر المتلف من ضمانه و ما بقي فعشره في الخارج و ان أتلفه صاحبه أو أكله يضمن عشره و يكون دينا في ذمته و ان أتلف البعض دون البعض يضمن قدر عشر ما أتلف و يكون دينا في ذمته و عشر الباقى يكون في الخارج و هذا على أصل أبى حنيفة لان الاتلاف حصل بعد الوجوب لثبوت الوجوب بالخروج و الظهور فكان الحق مضمونا عليه كما لو أتلف مال الزكاة بعد حولان الحول و اما على قولهما فلا يضمن عشر المتلف لان الاتلاف حصل قبل وقت وجوب الحق و لو هلك بنفسه فلا عشر في الهالك بلا خلاف سواء هلك كله أو بعضه لان العشر لا يضمن
فصل وأما بيان ركن هذا النوع
بالهلاك سواء كان قبل الوجوب أو بعده و يكون عشر الباقى فيه قل أو كثر في قول أبى حنيفة لان النصاب عنده ليس بشرط و كذلك عندهما ان كان الباقى نصابا و هو خمسة أوسق و ان لم يكن نصابا لا يعتبر قدر الهالك في تكميل النصاب في الباقى عندهما بل ان بلغ الباقى بنفسه نصابا يكون فيه العشر و الا فلا هذا إذا هلك قبل الادراك أو استهلك فاما بعد الادراك و التنقية و الجذاذ أو بعد الادراك قبل التنقية و الجذاذ فان هلك سقط الواجب بلا خلاف بين أصحابنا كالزكاة تسقط إذا هلك النصاب و عند الشافعي لا تسقط و قد ذكرنا المسألة و ان هلك بعضه سقط الواجب بقدره و بقى عشر الباقى فيه قليلا كان أو كثيرا عند أبى حنيفة لان النصاب ليس بشرط عنده و عندهما يكمل نصاب الباقى بالهالك و يحتسب به في تمام الخمسة الاوسق و روى عن أبى يوسف انه لا يعتبر الهالك في تمام الاوسق بل يعتبر التمام في الباقى فان كان في نفسه نصابا يكون فيه العشر و الا فلا و ان استهلك فان استهلكه المالك ضمن عشره و يكون دينا في ذمته و ان استهلك بعضه فقدر عشر المستهلك يكون دينا في ذمته و عشر الباقى في الخارج و ان استهلكه المالك أخذ الضمان منه وادي عشره لانه هلك إلى خلف و هو الضمان فكان قائما معنى و ان استهلك بعضه أخذ ضمانه وادي عشر القدر المستهلك و عشر الباقى منه لما قلنا و ان أكل صاحب المال من الثمر أو أطعم غيره يضمن عشره و يكون دينا في ذمته و عشر ما بقي يكون فيه و هذا على قول أبى حنيفة رحمه الله و روى عن أبى يوسف ان ما أكل أو أطعم بالمعروف لا يضمن عشره لكن يعتد به في تكميل النصاب و هو الاوسق فإذا بلغ الكل نصابا أدى عشر ما بقي احتج أبو يوسف بما روى عن سهل بن أبى خيثمة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا خرصتم فجذوا ودعوا الثلث فان لم تدعوا الثلث فالربع و روى أن النبي صلى الله عليه و سلم كان بعث أبا خيثمة خارصا فجاء رجل فقال يا رسول الله ان أبا خيثمة زاد على فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ان ابن عمك يزعم انك قد زدت عليه فقال يا رسول الله لقد تركت له قدر عرية أهله و ما يطعم المساكين و ما يصيب الريح فقال صلى الله عليه و سلم لقد زادك ابن عمك و انصفك و عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال خففوا في الخرص فان في المال العرية و الوصية و المراد من العرية الصدقة أمر بالتخفيف في الخرص و بين المعنى و هو أن في المال عرية و وصية فلو ضمن عشر ما تصدق أو أكل هو و أهله لم يتحقق التخفيف و لانه لو ضمن ذلك لامتنع من الاكل خوفا من العشر و فيه حرج الا انه يعتد بذلك في تكميل النصاب لان نفى وجوب الضمان عنه تخفيفا عليه نظرا له و فى عدم الاعتداد به في تمام الاوسق ضرر به و بالفقراء و هذا لا يجوز و لابي حنيفة النصوص المقتضية لوجوب العشر في كل خارج من فصل بين المأكول و الباقى فان قيل أ ليس الله تعالى قال و آتوا حقه يوم حصاد أمر بإيتاء الحق يوم الحصاد فلا يجب الحق فيما أخذ منه قبل الحصاد يدل عليه قرينة الآية و هي قوله تعالي كلوا من ثمره إذا أثمر و هذا يدل على أن قدر المأكول أفضل اذ لو لم يكن أفضل لم يكن لقوله كلوا من ثمره إذا أثمر فائدة لان كل أحد يعلم أن الثمرة تؤكل و لا تصلح لغير الاكل فالجواب أن الآية لازمة له لان الحصاد هو القطع فيقتضى أن كل ما قطع أخذ منه شيء لزمه إخراج عشره من فصل بين ما إذا كان المقطوع مأكولا أو باقيا على أنا نقول بموجب الآية انه يجب إيتاء حقه يوم حصاده لكن ماحقه يوم حصاده اداء العشر عن الباقى فحسب أم عن الباقى و المأكول و الآية لا تتعرض لشيء من ذلك فكان تمسكا بالمسكوت و انه لا يصح و أما قوله لا بد و أن يكون لقوله تعالي كلوا من ثمره إذا أثمر فائدة فنقول يحتمل أن يكون له فائدة سوى ما قلتم و هو إباحة الانتفاع رد الاعتقاد الكفرة تحريم الانتفاع بهذه الاشياء بجعلها للاصنام فرد ذلك عليهم بقوله عز و جل كلوا من ثمره إذا أثمر أى انتفعوا بها و لا تضيعوها بالصرف إلى الاصنام و لذلك قال و لا تسرفوا انه لا يجب المسرفين و أما الاحاديث فقد قيل انها وردت قبل حديث العشر و نصف العشر فصارت منسوخة به و الله أعلم ( فصل )
و أما بيان ركن هذا النوع و شرائط الركن أما ركنه فهو التمليك لقوله تعالى و آتوا حقه يوم
فصل هذا الذى ذكرنا حكم الخارج من الارض
فصل وأما بيان ما يسقط بعد الوجوب
حصاده و الايتاء هو التمليك لقوله تعالى و آتوا الزكاة فلا تتأدى بطعام الاباحة و بما ليس بتمليك رأسا من بناء المساجد و نحو ذلك مما ذكرنا في النوع الاول و بما ليس بتمليك من كل جه و قد مر بيان ذلك كله و أما شرائط الركن فاننا ذكرناها في النوع الاول مما يرجع بعضها إلى المؤدى و بعضها إلى المؤدى و بعضها الي المؤدى اليه فلا معنى للاعادة و الله تعالى أعلم ( فصل )
و أما بيان ما يسقط بعد الوجوب فمنها هلاك الخارج من صنعه لان الواجب في الخارج فإذا هلك يهلك بما فيه كهلاك نصاب الزكاة بعد الحول و هذا عندنا و عند الشافعي لا يسقط و هو على الاختلاف في الزكاة و قد مرت المسألة و ان هلك البعض يسقط الواجب بقدره و يؤدى عشر الباقى قل الباقى أو كثر في قول أبى حنيفة و عندهما يعتبر قدر الهالك مع الباقى في تكميل النصاب ان بلغ نصابا يؤدى و الا فلا و فى رواية عن أبى يوسف يعتبر كمال النصاب في الباقى بنفسه من ضم قدر الهالك اليه على ما مر و ان استهلك فان استهلكه المالك أخذ الضمان منه وادي عشره و ان استهلك بعضه أدى عشر القدر المستهلك من الضمان و ان استهلكه المالك أو استهلك البعض بأن أكله ضمن عشر الهالك و صار دينا في ذمته في قول أبى حنيفة خلافا لابى يوسف و قد ذكرنا المسألة و منها الردة عندنا لان في العشر معنى العبادة و الكافر ليس من أهل العبادة و عند الشافعي لا يسقط كالزكاة و منها موت المالك من وصية إذا كان استهلك الخارج عندنا خلافا للشافعي كما في الزكاة و ان كان الخارج قائما بعينه يؤدى العشر منه في ظاهر الرواية و فى رواية عن أبى يوسف يسقط بخلاف الزكاة و قد مضى الفرق فيما تقدم و الله تعالى أعلم ( فصل )
هذا الذي ذكرنا حكم الخارج من الارض و أما حكم المستخرج من الارض فالكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان ما فيه الخمس من المستخرج من الارض و ما لا خمس فيه و الثاني في بيان من يجوز صرف الخمس اليه و من له ولاية أخذ الخمس أما الاول فالمستخرج من الارض نوعان أحدهما يسمى كنزا و هو المال الذي دفنه بنو آدم في الارض و الثاني يسمى معدنا و هو المال الذي خلقه الله تعالى في الارض يوم خلق الارض و الركاز اسم يقع على كل واحد منهما الا أن حقيقته للمعدن و استعماله للكنز مجازا أما الكنز فلا يخلو اما أن وجد في دار الاسلام أو دار الحرب و كل ذلك لا يخلو اما أن يكون في ارض مملوكة أو في أرض مملوكة و لا يخلو اما أن يكون به علامة الاسلام كالمصحف و الدراهم المكتوب عليها لا اله الا الله محمد رسول الله أو ذلك من علامات الاسلام أو علامات الجاهلية من الدراهم المنقوش عليها لصنم أو الصليب و نحو ذلك أو لا علامة به أصلا فان وجد في دار الاسلام في أرض مملوكة كالجبال و المفاوز و غيرها فان كان به علامة الاسلام فهو بمنزلة اللقطة يصنع به ما يصنع باللقطة يعرف ذلك في كتاب اللقطة لانه إذا كان به علامة الاسلام كان مال المسلمين و مال المسلمين لا يغنم الا انه مال لا يعرف مالكه فيكون بمنزلة اللقطة و ان كان به علامة الجاهلية ففيه الخمس و أربعة أخماسه للواجد بلا خلاف كالمعدن على ما بين و ان لم يكن به علامة الاسلام و لا علامة الجاهلية فقد قيل ان في زماننا يكون حكمه حكم اللقطة أيضا و لا يكون له حكم الغنيمة لان عهد الاسلام قد طال فالظاهر انه لا يكون من مال الكفرة بل من مال المسلمين لم يعرف مالكه فيعطى له حكم اللقطة و قيل حكمه حكم الغنيمة لان الكنوز غالبا بوضع الكفرة و ان كان به علامة الجاهلية يجب فيه الخمس لما روى انه سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكنز فقال فيه و فى الركاز الخمس و لانه في معنى الغنيمة لانه استولى عليه على طريق القهر و هو على حكم ملك الكفرة فكان غنيمة فيجب فيه الخمس و أربعة أخماسه للواجد لانه أخذ بقوة نفسه و سواء كان الواجد حرا أو عبدا مسلما أو ذميا كبيرا أو صغيرا لان ما روينا من الحديث لا يفصل بين واجد و و اجد و لان هذا المال بمنزلة الغنيمة الا ترى انه وجب فيه الخمس و العبد و الصبي و الذى من أهل الغنيمة الا إذا كان ذلك باذن الامام و قاطعه على شيء فله ان يفى بشرطه لقول النبي صلى الله عليه و سلم المسلمون عند شروطهم و لانه إذا قاطعه على شيء
فقد جعل المشروط أجرة لعمله فيستحقه بهذا الطريق و ان وجد في أرض مملوكة يجب فيه الخمس بلا خلاف لما روينا من الحديث و لانه مال الكفرة استولى عليه على طريق القهر فيخمس و اختلف في الاربعة الاخماس قال أبو حنيفة و محمد رحمهما الله هى لصاحب الخطة ان كان حيا و ان كان ميتا فلورثته ان عرفوا و ان كان لا يعرف صاحب الخطة و لا ورثته تكون لاقصى مالك للارض أو لورثته و قال أبو يوسف أربعة أخماسه للواجد وجه قوله ان هذا غنيمة ما وصلت إليها يد الغانمين و انما وصلت اليه يد الواجد لا فيكون غنيمة يوجب الخمس و اختصاصه بإثبات اليد عليه يوجب اختصاصه به و هو تفسير الملك كما لو وجده في أرض مملوكة و لهما ان صاحب الخطة ملك الارض بما فيها لانه انما ملكها بتمليك الامام و الامام انما ملك الارض بما وجد منه و من سائر الغانمين من الاستيلاء و الاستيلاء كما ورد على ظاهر الارض ورد على ما فيها فملك ما فيها و بالبيع لا يزول ما فيها لان البيع يوجب زوال ما ورد عليه البيع و البيع ورد على ظاهر الارض لا على ما فيها و إذا لم يكن ما فيها تبعا لها فبقى على ملك صاحب الخطة و كان أربعة أخماسه له و صار هذا كمن اصطاد سمكة كانت ابتلعت لؤلؤة أو اصطاد طائرا كان قد ابتلع جوهرة انه يملك الكل و لو باع السمكة أو الطائر لا تزول اللؤلؤة و الجوهرة عن ملكه لورود العقد على السمكة و الطير دون اللؤلؤة و الجوهرة كذا هذا فان قيل كيف يملك صاحب الخطة ما في الارض بتمليك الامام إياه الارض و الامام لو فعل ذلك لكان جورا في القسمة و الامام لا يملك الجور في القسمة فثبت ان الامام ما ملكه الا الارض فبقى الكنز مملوك لصاحب الخطة فالجواب عنه من وجهين أحدهما ان الامام ما ملكه الا رقبة الارض على ما ذكرتم لكنه لما ملك الارض بتمليك الامام فقد تفرد بالاستيلاء على ما في الارض و قد خرج الجواب عن وجوب الخمس لانه ما ملك ما في الارض بتمليك الامام حتى يسقط الخمس و انما ملكه بتفرده بالاستيلاء عليه فيجب عليه الخمس كما لو وجده في أرض مملوكة و الثاني ان مراعاة المساواة في هذه الجهة في القسمة مما يتعذر فيسقط اعتبارها دفعا للحرج هذا إذا وجد الكنز في دار الاسلام فاما إذا وجده في دار الحرب فان وجده في أرض ليست بمملوكة لاحد فهو للواجد و لا خمس فيه لانه مال أخذه لا على طريق القهر و الغلبة لانعدام غلبة أهل الاسلام على ذلك الموضع فلم يكن غنيمة فلا خمس فيه و يكون الكل له لانه مباح استولى عليه بنفسه فيملكه كالحطب و الحشيش و سواء دخل بأمان أو بغير أمان لان حكم الامان يظهر في المملوك لا في المباح و ان وجده في أرض مملوكة لبعضهم فان كان دخل بأمان رده إلى صاحب الارض لانه إذا دخل بأمان لا يحل له أن يأخذ شيأ من أموالهم بغير رضاهم لما في ذلك من الغدر و الخيانة في الامانة فان لم يرده إلى صاحب الارض يصير ملكا له لكن لا يطيب له لتمكن خبث الخيانة فيه فسبيله التصدق به فلو باعه يجوز بيعه لقيام الملك لكن لا يطيب للمشتري بخلاف بيع المشترى شراء فاسدا و الفرق بينهما يذكر في كتاب البيوع ان شاء الله تعالى و ان كان دخل بغير أمان حل له و لا خمس فيه أما الحل فلان له أن يأخذ ما ظفر به من أموالهم من رضاهم و أما عدم وجوب الخمس فلانه مأخوذ على سبيل القهر و الغلبة فلم يكن غنيمة فلا يجب فيه الخمس حتى لو دخل جماعة ممتنعون في دار الحرب فظفروا بشيء من كنوزهم يجب فيه الخمس و لكونه غنيمة لحصول الاخذ على طريق القهر و الغلبة و ان وجده في أرض مملوكة لاحد أو في دار نفسه ففيه الخمس بلا خلاف بخلاف المعدن عند أبى حنيفة لان الكنز ليس من أجزاء الارض و لهذا لم تكن أربعة أخماسه لمالك الرقبة بالاجماع فلو وجد فيه المؤنة و هو الخمس لم يصر الجزء مخالفا للكل بخلاف المعدن على ما نذكر و أما أربعة أخماسه فقد اختلف أصحابنا في ذلك عند أبى حنيفة و محمد هى للمختط له و عند أبى يوسف للواجد لانه مباح سبقت يده اليه و لهما ان هذا مال مباح سبقت اليه يد الخصوص و هي يد المختط يصير ملكا له كالمعدن الا ان المعدن انتقل بالبيع إلى المشترى لانه من أجزاء الارض و الكنز لم ينتقل اليه لانه ليس من أجزاء المبيع و التمليك فان استولى عليه بالاستيلاء فيبقى على ملكه كمن اصطاد سمكة في بطنها درة ملك السمكة و الدرة لثبوت اليد عليهما فلو باع السمكة بعد ذلك لم تدخل الدرة في البيع كذا ههنا و المختط له من
خصه الامام بتمليك البقعة منه فان لم يعرف المختط له يصرف إلى أقصى مالك له يعرف في الاسلام كذا ذكر الشيخ الامام الزاهد السرخسي رحمه الله هذا إذا وجد الكنز في دار الاسلام و أما المعدن فالخارج منه في الاصل نوعان مستجسد و مائع و المستجسد منه نوعان أيضا نوع يذوب بالاذابة و ينطبع بالحلية كالذهب و الفضة و الحديد و الرصاص و النحاس و نحو ذلك و نوع لا يذوب بالاذابة كالياقوت و البلور و العقيق و الزمرد و الفيروزج و الكحل و المغرة و الزرنيخ و الجص و النورة و نحوها و المائع نوع آخر كالنفط و القار و نحو ذلك و كل ذلك لا يخلو اما ان وجده في دار الاسلام أو في دار الحرب في أرض مملوكة أو مملوكة فان وجد في دار الاسلام في أرض مملوكة فالموجود مما يذوب بالاذابة و ينطبع بالحلية يجب فيه الخمس سواء كان ذلك من الذهب و الفضة أو غيرهما مما يذوب بالاذابة و سواء كان قليلا أو كثيرا فأربعة أخماسه للواجد كائنا من كان الا الحربي المستأمن فانه يسترد منه الكل الا إذا قاطعه الامام فان له أن يفى بشرطه و هذا قول أصحابنا رحمهم الله و قال الشافعي في معادن الذهب و الفضة ربع العشر كما في الزكاة حتى شرط فيه النصاب فلم يوجب فيما دون المائتين و شرط بعض أصحابه الحول أيضا و أما الذهب و الفضة فلا خمس فيه و أما عندنا فالواجب خمس الغنيمة في الكل لا يشترط في شيء منه شرائط الزكاة و يجوز دفعه إلى الوالدين و المولودين الفقراء كما في الغنائم و يجوز للواجد أن يصرف إلى نفسه إذا كان محتاجا و لا تغنيه الاربعة الاخماس احتج الشافعي بما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أقطع بلال بن الحارث المعادن القليلة و كان يأخذ منها ربع العشر و لانها من نماء الارض و ريعها فكان ينبغى أن يجب فيها العشر الا انه اكتفى بربع العشر لكثرة المؤنة في استخراجها و لنا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال و فى الركاز الخمس و هو اسم للمعدن حقيقة و انما يطلق على الكنز مجاز الدلائل أحدها انه مأخوذ من الركز و هو الاثبات و ما في المعدن هو المثبت في الارض لا الكنز لانه وضع مجاورا للارض و الثاني ان رسول الله صلى الله عليه و سلم عما يوجد من الكنز العادي فقال فيه و فى الركاز الخمس عطف الركاز على الكنز و الشئ لا يعطف على نفسه هو الاصل فدل ان المراد منه المعدن و الثالث ما روى ان النبي صلى الله عليه و سلم لما قال المعدن جبار و القليب جبار و فى الركاز الخمس قيل و ما الركاز يا رسول الله فقال هو المال الذي خلقه الله تعالى في الارض يوم خلق السموات و الارض فدل على انه اسم للمعدن حقيقة فقد أوجب النبي صلى الله عليه و سلم الخمس في المعدن من فصل بين الذهب و الفضة و غيرهما فدل ان الواجب هو الخمس في الكل و لان المعادن كانت في أيدي الكفرة و قد زالت أيديهم و لم تثبت يد المسلمين على هذه المواضع لانهم لم يقصدوا الاستيلاء على الجبال و المفاوز فبقى ما تحتها على حكم ملك الكفرة و قد استولى عليه على طريق القهر بقوة نفسه فيجب فيه الخمس و يكون أربعة أخماسه له كما في الكنز و لا حجة له في حديث بلال بن الحارث لانه يحتمل انه انما لم يأخذ منه ما زاد على ربع العشر لما علم من حاجته و ذلك جائز عندنا على ما نذكره فيحمل عليه عملا بالدليلين و أما ما لا يذوب بالاذابة فلا خمس فيه و يكون كله للواجد لانه الزرنيخ و الجص و النورة و نحوها من أجزاء الارض فكان كالتراب و الياقوت و الغصوص من جنس الاحجار الا انها أحجار مضيئة و لا خمس في الحجر و أما المائع كالقير و النفط فلا شيء فيه و يكون للواجد لانه ماء و انه مما لا يقصد بالاستيلاء فلم يكن في يد الكفار حتى يكون من الغنائم فلا يجب فيه الخمس و أما الزئبق ففيه الخمس في قول أبى حنيفة الآخر و كان يقول أولا لا خمس فيه و هو قول أبى يوسف الاول ثم رجع و قال فيه الخمس فان أبا يوسف قال سألت أبا حنيفة عن الزئبق فقال لا خمس فيه فلم أزل به حتى قال فيه الخمس و كنت أظن أنه مثل الرصاص و الحديد ثم بلغني بعد ذلك انه ليس كذلك و هو بمنزلة القير و النفط وجه قول أبى حنيفة الاول انه شيء لا ينطبع بنفسه فاشبه الماء وجه قوله الآخر و هو قول محمد انه ينطبع مع غيره و ان كان لا ينطبع بنفسه فاشبه الفضة لانها لا تنطبع بنفسها لكن لما كانت تنطبع مع شيء آخر يخالطها من نحاس أو آنك وجب فيها الخمس كذا هذا هذا إذا وجد المعدن في دار الاسلام في أرض مملوكة فاما إذا وجده في أرض مملوكة أو دار أو منزل أو حانوت فلا خلاف في ان الاربعة
فصل وأما بيان ما يوضع في بيت المال من المال وبيان مصارفها
الاخماس لصاحب الملك وجده هو أو غيره لان المعدن من توابع الارض لانه من أجزائها خلق فيها و منها ألا ترى انه يدخل في البيع من تسمية فإذا ملكها المختط له بتمليك الامام ملكها بجميع أجزائها فتنتقل عنه إلى غيره بالبيع بتوابعها أيضا بخلاف الكنز على ما مر و اختلف في وجوب الخمس قال أبو حنيفة لا خمس فيه في الدار و فى الارض عنه روايتان ذكر في كتاب الزكاة انه لا خمس فيه و ذكر في الصرف انه يجب فيه الخمس و كذا ذكر في الجامع الصغير و قال أبو يوسف و محمد يجب فيه الخمس في الارض و الدار جميعا إذا كان الموجود مما يذوب بالاذابة و احتجا بقول النبي صلى الله عليه و سلم و فى الركاز الخمس من فصل و الركاز اسم للمعدن حقيقة لما ذكرنا و لان الامام ملك الارض من ملكه متعلقا بهذا الخمس لانه حق الفقراء فلا يملك إبطال حقهم وجه قول أبى حنيفة ان المعدن جزء من أجزاء الارض فيملك بملك الارض و الامام ملكه مطلقا عن الحق فيملكه المختط له كذلك و للامام هذه الولاية ألا ترى انه لو جعل الكل للغانمين الاربعة الاخماس مع الخمس إذا علم ان حاجتهم لا تندفع بالاربعة الاخماس جاز و إذا ملكه المختط له مطلقا عن حق متعلق به فينتقل إلى غيره كذلك وجه الفرق بين الدار و الارض على الرواية الاخرى ان تمليك الامام الدار جعل مطلقا عن الحقوق ألا ترى انه لا يجب فيها العشر و لا الخراج بخلاف الارض فان تمليكها وجد متعلقا بها العشر أو الخراج فجاز ان يجب الخمس و الحديث محمول على ما إذا وجده في أرض مملوكة توفيقا بين الدليلين هذا إذا وجده في دار الاسلام فاما إذا وجده في دار الحرب فان وجده في أرض مملوكة فهو له و لا خمس فيه لما مر و ان وجده في ملك بعضهم فان دخل بأمان رد على صاحب الملك لما بينا و ان دخل بغير أمان فهو له و لا خمس فيه كما في الكنز على ما بينا هذا الذي ذكرنا في حكم المستخرج من الارض فاما المستخرج من البحر كاللؤلؤ و المرجان و العنبر و كل حلية تستخرج من البحر فلا شيء فيه في قول أبى حنيفة و محمد و هو للواجد و عند أبى يوسف فيه الخمس و احتج بما روى ان عامل عمر رضى الله عنه كتب اليه في لؤلؤة وجدت ما فيها قال فيها الخمس و روى عنه أيضا أنه أخذ الخمس من العنبر و لان العشر يجب في المستخرج من المعدن فكذا في المستخرج من البحر لان المعنى بجمعهما و هو كون ذلك ما لا منتزعا من أيدي الكفار بالقهر اذ الدنيا كلها برها و بحرها كانت تحت أيديهم انتزعناها من بين أيديهم فكان ذلك غنيمة فيجب فيه الخمس كسائر الغنائم و لهما ما روى عن ابن عباس رضى الله عنه انه سئل عن العنبر فقال هو شيء دسره البحر لا خمس فيه و لان يد الكفرة لم تثبت على باطن البحار التي يستخرج منها اللؤلؤ و العنبر فلم يكن المستخرج منها مأخوذا من أيدي الكفرة على سبيل القهر فلا يكون غنيمة فلا يكون فيه الخمس و على هذا قال أصحابنا انه ان استخرج من البحر ذهبا أو فضة فلا شيء فيه لما قلنا و قيل في العنبر انه مائع نبع فاشبه القير و قيل انه روث دابة فاشبه سائر الارواث و ما روى عن عمر في اللؤلؤ و العنبر محمول على لؤلؤ و عنبر وجد في خزائن ملوك الكفرة فكان ما لا مغنوما فاوجب فيه الخمس و أما الثاني و هو بيان من يجوز صرف الخمس اليه و من له ولاية الاخذ و بيان مصارف الخمس موضعه كتاب السير و يجوز صرفه إلى الوالدين و المولودين إذا كانوا فقراء بخلاف الزكاة و العشر و يجوز أن يصرفه إلى نفسه إذا كان محتاجا لا تغنيه الاربعة الاخماس بأن كان دون المائتين فاما إذا بلغ مائتين لا يجوز له تناول الخمس و ما روى عن على رضى الله عنه انه ترك الخمس للواجد محمول على ما إذا كان محتاجا و لو تصدق بالخمس بنفسه على الفقراء و لم يدفعها إلى السلطان جاز و لا يؤخذ منه ثانيا بخلاف زكاة السوائم و العشر و الله أعلم ( فصل )
و أما بيان ما يوضع في بيت المال من الاموال و بيان مصارفها فاما ما يوضع في بيت المال من الاموال فأربعة أنواع أحدها زكاة السوائم و العشور و ما أخذه العشار من تجار المسلمين إذا مروا عليهم و الثاني خمس الغنائم و المعادن و الركاز و الثالث خراج الاراضى و جزية الرؤس و ما صولح عليه بنو نجران من الحلل و بنو تغلب من الصدقة المضاعفة و ما أخذه العشار من تجار أهل الذمة و المستأمنين من أهل الحرب و الرابع ما أخذ من تركة الميت الذي مات و لم يترك وارثا أصلا أو ترك زوجا أو زوجة و أما مصارف هذه الانواع فاما مصرف النوع الاول
فصل وأما بيان من تجب عليه
فصل وأما كيفية وجوبها
فصل وأما الزكاة الواجبة وهى زكاة الرأس
فقد ذكرناه و أما النوع الثاني و هو خمس الغنائم و المعادن و الركاز فنذكر مصرفه في كتاب السير و أما مصرف النوع الثالث من الخراج و أخواته فعمارة الدين و اصلاح مصالح المسلمين و هو رزق الولاة و القضاة و أهل الفتوى من العلماء و المقاتلة و رصد الطرز و عمارة المساجد و الرباطات و القناطر و الجسور و سد الثغور و اصلاح الانهار التي لا ملك لاحد فيها و أما النوع الرابع فيصرف إلى دواء الفقراء و المرضى و علا جهم و إلى أكفان الموتى الذين لا مال لهم و إلى نفقة اللقيط و عقل جنايته و إلى نفقة من هو عاجز عن الكسب و ليس له من تجب عليه نفقته و نحو ذلك و على الامام صرف هذه الحقوق إلى مستحقيها و الله أعلم ( فصل )
و أما الزكاة الواجبة و هي زكاة الرأس فهي صدقة الفطر و الكلام فيها يقع في مواضع في بيان وجوبها و فى بيان كيفية الوجوب و فى بيان من تجب عليه و فى بيان من تجب عنه و فى بيان جنس الواجب و قدره وصفته و فى بيان وقت الوجوب و فى بيان وقت الاداء و فى بيان ركنها و فى بيان شرائط الركن و هي شرائط جواز الاداء و فى بيان مكان الاداء و فى بيان ما يسقطها بعد الوجوب أما الاول فالدليل على وجوبها ما روى عن ثعلبة بن صعير العذرى انه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال في خطبته أدوا عن كل حر و عبد صغير و كبير نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أمر بالاداء و مطلق الامر للوجوب و انما سمينا هذا النوع واجبا لا فرضا لان الفرض اسم لما ثبت لزومه بدليل مقطوع به و لزوم هذا النوع من الزكاة لم يثبت بدليل مقطوع به بل بدليل فيه شبهة العدم و هو خبر الواحد و ما روى في الباب عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه انه قال فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقة الفطر على الذ كر و الانثى و الحر و العبد صاعا من تمر أو صاعا من شعير فالمراد من قوله فرض أى قدر اداء الفطر و الفرض في اللغة التقدير قال الله تعالى فنصف ما فرضتم أى قدرتم و يقال فرض القاضي النفقة بمعنى قدرها فكان في الحديث تقدير الواجب بالمذكور لا الايجاب قطعا و الله تعالى أعلم ( فصل )
و أما كيفية وجوبها فقد اختلف أصحابنا فيه قال بعضهم انما يجب وجوبا مضيقا في يوم الفطر عينا و قال بعضهم يجب وجوبا موسعا في العمر كالزكاة و النذور و الكفارات و نحوها و هذا هو الصحيح لان الامر بأدائها مطلق عن الوقت فلا يتضيق الوجوب الا في آخر العمر كالأَمر بالزكاة و سائر الاوامر المطلقة عن الوقت ( فصل )
و أما بيان من تجب عليه فيتضمن بيان شرائط الوجوب و أنها أنواع منها الاسلام فلا تجب على الكافر لانه لا سبيل إلى الايجاب في حالة الكفر لان فيها معنى العبادة حتى لا تتأدى بدون النية و الكافر ليس من أهل العبادة و لا تجب بدون الاسلام بالاجماع و إيجاب فعل لا يقدر المكلف على أدائه في الحال و فى الثاني تكليف ما ليس في الوسع لهذا قلنا ان الكفار ليسوا مخاطبين بشرائع هى عبادات و منها الحرية عندنا فلا تجب على العبد و قال الشافعي الحرية ليست من شرائط الوجوب و تجب الفطرة على العبد و يتحملها المولى عنه و احتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال أدوا عن كل حر و عبد و الاداء عنه ينبئ عن التحمل عنه و انه يقتضى الوجوب عليه و لنا ان الوجوب هو وجوب الاداء و لا سبيل إلى إيجاب الاداء على العبد لان العبد لا يكلف بأدائها في الحال و لا بعد العتق و إيجاب فعل لا سبيل إلى أدائه رأسا ممتنع بخلاف الصبي الغنى إذا لم يخرج وليه عنه على أصل أبى حنيفة و أبى يوسف انه يلزمه الاداء لانه يقدر على أدائه بعد البلوغ و أما الحديث فلم قلتم ان الاداء عنه يقتضى الوجوب عليه و سنذكر معناه و منها الغنا فلا يجب الاداء الا على الغنى و هذا عندنا و قال الشافعي لا يشترط لوجوبها الغنا و تجب على الفقير الذي له زيادة على قوت يومه و قوت عياله وجه قوله ان وجوبها ثبت مطهرة للصائم و معنى المطهرة لا يختلف بالغنا و الفقر و لنا قول النبي صلى الله عليه و سلم لا صدقة الا عن ظهر غنى و قد بينا حد الغنا الذي يجب به صدقة الفطر في زكاة المال ثم الغنا شرط الوجوب لا شرط بقاء الواجب حتى لو افتقر بعد يوم الفطر لا يسقط الواجب لان هذا الحق يجب في الذمة لا في المال فلا يشترط لبقائه بقاء المال بخلاف الزكاة و أما العقل و البلوغ فليسا من شرائط الوجوب في قول أبى حنيفة و أبى يوسف حتى تجب صدقة الفطر على الصبي و المجنون إذا كان
لهما مال و يخرجها الولى من مالهما و قال محمد و زفر لا فطرة عليهما حتى لو أدى الاب أو الوصي من مالهما لا يضمنان عند أبى حنيفة و أبى يوسف و عن محمد و زفر يضمنان وجه قولهما انها عبادة و العبادات لا تجب على الصبيان و المجانين كالصوم و الصلاة و الزكاة و لابي حنيفة و أبى يوسف انها ليست بعبادة محضة بل فيها معنى المؤنة فاشبهت العشر و كذلك وجود الصوم في شهر رمضان ليس بشرط لوجوب الفطرة حتى ان من افطر لكبر أو مرض أو سفر يلزمه صدقة الفطر لان الامر بأدائها مطلق عن هذا الشرط و لانها تجب على من لا يوجد منه الصوم و هو الصغير ( فصل )
و أما بيان من تجب عليه فيشتمل على بيان سبب وجوب الفطرة على الانسان عن غيره و بيان شرط الوجوب اما شرطه فهو ان يكون من عليه الواجب عن غيره من أهل الوجوب على نفسه و أما السبب فرأس يلزمه مؤنته ويلى عليه ولاية كاملة لان الرأس الذي يمونه ويلى عليه ولاية كاملة تكون في معنى رأسه في الذب و النصرة فكما يجب عليه زكاة رأسه يجب عليه زكاة ما هو في معنى رأسه فيجب عليه ان يخرج صدقة الفطر عن مماليكه الذين هم لغير التجارة لوجود السبب و هو لزوم المؤنة و كمال الولاية مع وجود شرطه و هو ما ذكرنا و قال صلى الله عليه و سلم أدوا عن كل حر و عبد و سواء كانوا مسلمين أو كفارا عندنا و قال الشافعي لا تؤدى الا عن مسلم وجه قوله ان الوجوب على العبد و انما المولى يتحمل عنه لان النبي صلى الله عليه و سلم امرنا بالاداء عن العبد و الاداء عنه ينبئ عن التحمل فثبت ان الوجوب على العبد فلا بد من أهلية الوجوب في حقه و الكافر ليس من أهل الوجوب فلم يجب عليه و لا يتحمل عنه الولى لان التحمل بعد الوجوب فاما المسلم فمن أهل الوجوب فتجب عليه الزكاة الا انه ليس من أهل الاداء لعدم الملك فيتحمل عنه المولى و لنا انه وجد سبب وجوب الاداء عنه و شرطه و هو ما ذكرنا فيجب الاداء عنه و قوله الوجوب على العبد و انما المولي يتحمل عنه اداء الواجب فاسد لان الوجوب على العبد يستدعى أهلية الوجوب في حقه و هو ليس من أهل الوجوب لان الوجوب هو وجوب الاداء و الاداء بالملك و لا ملك له فلا وجوب عليه فلا يتصور التحمل و قوله المأمور به هو الاداء عنه بالنص مسلم لكن لم قلتم ان الاداء عنه يقتضى أن يكون بطريق التحمل بل هو أمر بالاداء بسببه و هو رأسه الذي يمونه ويلى عليه ولاية كاملة فكان في الحديث بيان سببية وجوب الاداء عمن يؤدى عنه لا الاداء بطريق التحمل فتعتبر أهلية وجوب الاداء في حق المولى و قد وجدت روى عن ابن عباس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال أدوا صدقة الفطر عن كل حر و عبد صغير أو كبير يهودى أو نصرانى أو مجوسي نصف صاع من برأ و صاعا من تمر أو شعير و هذا نص في الباب و يخرج عن مدبريه و أمهات أولاده لعموم قوله صلى الله عليه و سلم أدوا عن كل حر و عبد و هؤلاء عبيد لقيام الرق و الملك فيهم الا ترى ان له أن يستخدمهم و يستمتع بالمدبرة وأم الولد و لا يجوز ذلك في الملك و لا يجب عليه أن يخرج عن مكاتبه و لا عن رقيق مكاتبه لانه لا يلزمه نفقتهم و فى ولايته عليهم قصور و لا يجب على المكاتب أن يخرج فطرته عن نفسه و لا عن رقيقه عند عامة العلماء و قال مالك يجب عليه لان المكاتب مالك لانه يملك اكتسابه فكان في اكتسابه كالحر فتجب عليه كما تجب على الحر و لنا انه لا ملك له حقيقة لانه عبد ما بقي عليه درهم على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم و العبد مملوك فلا يكون مالكا ضرورة و أما معتق البعض فهو بمنزلة المكاتب عند أبى حنيفة و عندهما هو حر عليه دين و ان كان غنيا بأن كان له مال فضلا عن دينه مائتي درهم فصاعدا فانه يخرج صدقة الفطر عن نفسه و عن رقيقه و الا فلا و يخرج عن عبده المؤاجر و الوديعة و العارية و عبده المديون المستغرق بالدين و عبده الذي في رقبته جناية لعموم النص و لوجود سبب الوجوب و شرطه و هو ما ذكرنا و يخرج عن عبد الرهن لما ذكرنا و هذا إذا كان للراهن وفاء فان لم يكن له وفاء فلا صدقة عليه عنه لانه فقير بخلاف عبده المديون دينا مستغرقا لان الصدقة تجب على المولي و لا دين على المولي و أما عبد عبده المأذون فان كان على المولى دين فلا يخرج في قول أبى حنيفة لان المولى لا يملك كسب عبده المأذون المديون و عندهما يخرج لانه يملكه و ان لم يكن عليه دين فلا يخرج بلا خلاف بين أصحابنا لانه عبد التجارة و لا فطرة في عبد التجارة عندنا و لا يخرج عن عبده الآبق و لا عن المغصوب
المجحود و لا عن عبده المأسور لانه خارج عن يده و تصرفه فاشبه المكاتب قال أبو يوسف ليس في رقيق الاخماس و رقيق القوام الذين يقومون على مرافق العوام مثل زمزم و ما أشبهها و رقيق الفئ صدقة الفطر لعدم الولاية لاحد عليهم اذ هم ليس لهم مالك معين و كذلك السبي و رقيق الغنيمة و الاسرى قبل القسمة على أصله لما قلنا و أما العبد الموصى برقبته لانسان و بخدمته لآخر فصدقة فطره على صاحب الرقبة لقوله صلى الله عليه و سلم أدوا عن كل حر و عبد و العبد اسم للذات المملوكة و انه لصاحب الرقبة و حق صاحب الخدمة متعلق بالمنافع فكان كالمستعير و المستأجر و لا يخرج عن عبيد التجارة عندنا و عند الشافعي يخرج وجه قوله ان وجوب الزكاة لا ينافى وجوب صدقة الفطر لان سبب وجوب كل واحد منهما مختلف و لنا ان الجمع بين زكاة المال و بين زكاة الرأس يكون ثنى في الصدقة و قال النبي صلى الله عليه و سلم لا ثنى في الصدقة و العبد المشترك بينه و بين غيره ليس على أحدهما صدقة فطره عندنا و قال الشافعي تجب الفطرة عليهما بناء على أصله الذي ذكرنا ان الوجوب على العبد و انما المولى يتحمل عنه بالملك فيتقدر بقدر الملك و أما عندنا فالوجوب على المولى بسبب الوجوب و هو رأس يلزمه مؤنته ويلى عليه ولاية كاملة و ليس لكل واحد منهما ولاية كاملة الا ترى انه لا يملك كل واحد منهما تزويجه فلم يوجد السبب و ان كان عدد من العبيد بين رجلين فلا فطرة عليهما في قول ابى حنيفة و أبى يوسف و قال محمد ان كان بحال لو قسموا أصاب كل واحد منهما عبد كامل تجب على كل واحد منهما صدقة فطره بناء على أن الرقيق لا يقسم قسمة جمع عند أبى حنيفة فلا يملك كل واحد منهما عبدا كاملا و عند محمد يقسم الرقيق قسمة جمع فيملك كل واحد منهما عبدا تاما من حيث المعنى كانه انفرد به فيجب على كل واحد منهما كالزكاة في السوائم المشتركة و أبو يوسف وافق أبا حنيفة في هذا و ان كان يرى قسمة الرقيق لنقصان الولاية اذ ليس لكل واحد منهما ولاية كاملة و كمال الولاية بعض أوصاف السبب و لو كان بين رجلين جارية فجاءت بولد فادعياه معا حتى ثبت نسب الولد منهما و صارت الجارية أو ولد لهما فلا فطرة على واحد منهما عن الجارية بلا خلاف بين أصحابنا لانها جارية مشتركة بينهما و أما الولد فقال أبو يوسف يجب على كل واحد منهما صدقة فطره تامة و قال محمد تجب عليهما صدقة واحدة وجه قوله ان الذي وجب عليه واحد و الشخص الواحد لا تجب عنه الا فطرة واحدة كسائر الاشخاص و لابي يوسف ان الولد ابن تام في حق كل واحد منهما بدليل انه يرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل فيجب على كل واحد منهما عنه صدقة تامة و لو اشترى عبدا بشرط الخيار للبائع أو للمشتري أولهما جميعا أو شرط أحدهما الخيار لغيره فمر يوم الفطر في مدة الخيار فصدقة الفطر موقوفة ان تم البيع بمضي مدة الخيار أو بالاجازة فعلى المشترى لانه ملكه من وقت البيع و ان فسخ فعلى البائع لانه تبين ان المبيع لم يزل عن ملكه و عند زفر ان كان الخيار للبائع أولهما جميعا أو شرط البائع الخيار لغيره فصدقة الفطر على البائع تم البيع أو انفسخ و ان كان الخيار للمشتري فعلى المشترى تم البيع أو انفسخ و لو اشتراه بعقد ثان فمر يوم الفطر قبل القبض فصدقة فطره على المشترى ان قبضه لان الملك ثبت للمشتري بنفس الشراء و قد تقرر بالقبض و ان مات قبل القبض فلا يجب على واحد منهما أما جانب البائع فظاهر لان العبد قد خرج عن ملكه بالبيع و وقت الوجوب هو وقت طلوع الفجر من يوم الفطر كان الملك للمشتري و اما جانب المشترى فلان ملكه قد انفسخ قبل تمامه و جعل كانه لم يكن من الاصل و لو رده المشترى على البائع بخيار رؤية أو عيب ان رده قبل القبض فعلى البائع لان الرد قبل القبض فسخ من الاصل و ان رده بعد القبض فعلى المشترى لانه بمنزلة بيع جديد و ان اشتراه شراء فاسدا فمر يوم الفطر فان كان مر و هو عند البائع فعلى البائع لان البيع الفاسد لا يفيد الملك للمشتري قبل القبض فمر عليه يوم الفطر و هو على ملك البائع فكان صدقة فطره عليه و ان كان في يد المشترى وقت طلوع الفجر فصدقة فطره موقوفة لاحتمال الرد فان رده فعلى البائع لان الرد في العقد الفاسد فسخ من الاصل و ان تصرف فيه المشترى حتى وجبت عليه قيمته فعلى المشترى لانه تقرر ملكه عليه و يخرج عن أولاده الصغار إذا كانوا فقراء لقوله صلى الله عليه و سلم أدوا عن كل صغير و كبير و لان نفقتهم واجبة على الاب
فصل وأما بيان جنس الواجب وقدره وصفته
و ولاية الاب عليهم تامة و هل يخرج الجد عن ابن ابنه الفقير الصغير حال عدم الاب أو حال كونه فقيرا ذكر محمد في الاصل انه لا يخرج و روى الحسن عن أبى حنيفة انه يخرج وجه رواية الحسن ان الجد عند عدم الاب قائم مقام الاب فكانت ولايته حال عدم الاب كولاية الاب وجه رواية الاصل ان ولاية الجد ليست بولاية تامة مطلقة بل هى قاصرة الا ترى انها لا تثبت الا بشرط عدم الاب فاشبهت ولاية الوصي و الوصي لا يجب عليه الاخراج فكذا الجد و أما الكبار العقلاء فلا يخرج عنهم عندنا و ان كانوا في عياله بأن كانوا فقراء زمنى و قال الشافعي عليه فطرتهم و احتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال ادوا عن كل حر و عبد صغير أو كبير ممن تمونون فإذا كانوا في عياله يمونهم فعليه فطرتهم و لنا ان أحد شطري السبب و هو الولاية منعدم و الحديث محمول على جواز الاداء عنهم لا على الوجوب و لا يلزمه أن يخرج عن أبويه و ان كانا في عياله لعدم الولاية عليهما و لا يخرج عن الحمل لانعدام كمال الولاية و لانه لا يعلم حياته و لا يلزم الزوج صدقة فطر زوجته عندنا و قال الشافعي يلزمه لانها تحب مؤنة الزوج و ولايته فوجد سبب الوجوب ( و لنا )
ان شرط تمام السبب كمال الو لاية ولاية الزوج عليها ليست بكاملة فلم يتم السبب و ليس في شيء من الحيوان سوى لرقيق صدقة الفطر اما لان وجوبها عرف بالتوقيف و انه لم يرد فيما سوى الرقيق ن الحيوانات أو لانها وجبت طهرة للصائم عن الرفث و معنى الطهرة لا يتقرر في سائر الحيوانات فلا تجب عنها و الله أعلم ( فصل )
و أما بيان جنس الواجب قدره وصفته اما جنسه و قدره فهو نصف صاع من حنطة أو صاع من شعير أو صاع من مر و هذا عندنا و قال الشافعي من الحنطة صاع و احتج بما روى عن أبى سعيد الخدرى ضى الله عنه انه قال كنت أؤدى على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم صاعا من ر و لنا ما روينا من حديث ثعلبة بن صعير العذرى انه قال خطبنا رسول الله صلى لله عليه و سلم فقال أدوا عن كل حر و عبد نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شاعا من شعير و ذكر امام الهدى الشيخ أبو منصور الماتريدى ان عشرة من الصحابة ضى الله عنهم منهم أبو بكر و عمر و عثمان و على رضى الله عنهم رووا عن رسول الله لي الله عليه و سلم في صدقة الفطر نصف صاع من بر و احتج بروايتهم و أما حديث بي سعيد فليس فيه دليل الوجوب بل هو حكاية عن فعله فيدل على الجواز و به نقول يكون الواجب نصف صاع و ما زاد يكون تطوعا على ان المروي من لفظ أبى سعيد رضى لله عنه انه قال كنت أخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم صاعا من ط+عام صاعا من تمر صاعا من شعير و ليس فيه ذكر البر فيجعل قوله صاعا من تمر اعا من شعير تفسيرا لقوله صاعا من طعام و دقيق الحنطة و سويقها كالحنطة و دقيق لشعير و سويقه كالشعير عندنا و عند الشافعي لا يجزئ بناء على أصله من اعتبار لمنصوص عليه و عندنا المنصوص عليه معلول بكونه ما لا متقوما على الاطلاق لما ذكر و ذكر المنصوص عليه للتيسير لانهم كانوا يتبايعون بذلك على عهد رسول الله لي الله عليه و سلم على ان الدقيق منصوص عليه لما روى عن أبى هريرة رضى الله نه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال أدوا قبل الخروج زكاة الفطر فان على ل مسلم مدا من قمح أو دقيق و روى على أبى يوسف انه قال الدقيق أحب الي من لحنطة و الدراهم أحب إلى من الدقيق و الحنطة لان ذلك أقرب إلى دفع حاجة الفقير اختلفت الرواية عن ابى حنيفة في الزبيب ذكر في الجامع الصغير نصف صاع و روى لحسن و أسد بن عمر و عن أبى حنيفة صاعا من زبيب و هو قول أبى يوسف و محمد وجه ذه الرواية ما روى عن أبى سعيد الخدرى انه قال كنا نخرج زكاة الفطر على عهد سول الله صلى الله عليه و سلم صاعا من تمر أو صاعا من زبيب و كان طعامنا الشعير لان الزبيب لا يكون مثل الحنطة في التغذي بل يكون أنقص منها كالشعير و التمر كان التقدير فيه بالصاع كما في الشعير و التمر وجه رواية الجامع ان قيمة لزبيب تزيد على قيمة الحنطة في العادة ثم اكتفى من الحنطة بنصف صاع فمن لزبيب أولى و يمكن التوفيق بين القولين بأن يجعل الواجب فيه بطريق القيمة كانت قيمته في عصر أبى حنيفة مثل قيمة الحنطة و فى عصرهما كانت قيمته مثل يمة الشعير و التمر و على هذا أيضا يحمل اختلاف الروايتين عن أبى حنيفة و أما الاقط
فتعتبر فيه القيمة لا يجزئ الا باعتبار القيمة و قال مالك يجوز أن يخرج اعا من أقط و هذا سديد لانه منصوص عليه من وجه يوثق به و جواز ما ليس منصوص عليه لا يكون الا باعتبار القيمة كسائر الاعيان التي لم يقع التنصيص ليها من النبي صلى الله عليه و سلم و قال الشافعي لا أحب أن يخرج الا قط فان أخرج اعا و أقط لم يتبين لي ان عليه الاعادة و الصاع ثمانية أرطال بالعراقي عند أبى نيفة و محمد و عند أبى يوسف خمسة أرطال و ثلث رطل بالعراقي و هو قول الشافعي جه قوله ان صاع المدينة خمسة أرطال و ثلث رطل و نقلوا ذلك عن رسول الله صلى لله عليه و سلم خلفا عن سلف و لهما ما روى عن أنس رضى الله عنه انه قال كان سول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ بالمد و المد رطلان و يغتسل بالصاع و الصاع ما نية أرطال و هذا نص و لان هذا صاع عمر رضى الله عنه و نقل أهل المدينة لم يصح ن مالكا من فقهائهم يقول صاع المدينة ثبت بتحرى عبد الملك بن مروان فلم يصح لنقل و قد ثبت ان صاع عمر رضى الله عنه ثمانية أرطال فالعمل بصاع عمر أولى من لعمل بصاع عبد الملك ثم المعتبر أن يكون ثمانية أرطال وزنا وكيلا و روى الحسن ن أبى حنيفة وزنا و روى عن محمد كيلا حتى لو وزن وادي جاز عند أبى حنيفة و عند حمد لا يجوز و قال الطحاوي الصاع ثمانية أرطال فيما يستوى كيله و وزنه و هو العدس و الماش و الزبيب و إذا كان الصاع يسع ثمانية أرطال من العدس و الماش فهو لصاع الذي يكال به الشعير و التمر وجه ما ذكره الطحاوي ان من الاشياء بما لا ختلف كيله و وزنه كالعدس و الماش و ما سواهما يختلف منها ما يكون وزنه أكثر ن كيله كالشعير و منها ما يكون كيله أكثر من وزنه كالملح فيجب تقدير المكاييل ما لا يختلف وزنه وكيله كالعدس و الماش فإذا كان المكيال يسع ثمانية أرطال م لك فهو الصاع الذي يكال به الشعير و التمر وجه قول محمد ان النص ورد بإسم لصاع و انه مكيال لا يختلف وزن ما يدخل فيه خفة و ثقلا فوجب اعتبار الكيل لمنصوص عليه وجه قول أبى حنيفة ان الناس إذا اختلفوا في صاع يقدرونه بالوزن دل ان المعتبر هو الوزن و أما صفة الواجب فهو أن وجوب المنصوص عليه من حيث نه مال متقوم على الاطلاق لا من حيث انه عين فيجوز ان يعطى عن جميع ذلك القيمة راهم أو دنانير أو فلوسا أو عروضا أو ما شاء و هذا عندنا و قال الشافعي لا يجوز خراج القيمة و هو على الاختلاف في الزكاة وجه قوله ان النص ورد بوجوب أشياء خصوصة و فى تجويز القيمة يعتبر حكم النص و هذا لا يجوز و لنا ان الواجب في لحقيقة اغناء الفقير لقوله صلى الله عليه و سلم اغنوهم عن المسألة في مثل هذا ليوم و الاغناء يحصل بالقيمة بل أتم و أوفر لانها أقرب إلى دفع الحاجة و به تبين ان لنص معلول بالاغناء و انه ليس في تجويز القيمة يعتبر حكم النص في الحقيقة الله الموفق و لا يجوز اداء المنصوص عليه بعضه عن بعض باعتبار القيمة سواء كا لذى أدى عنه من جنسه أو من خلاف جنسه بعد أن كان منصوصا عليه فكما لا يجوز اخرا لحنطة عن الحنطة باعتبار القيمة بأن أدى نصف صاع من حنطة جيدة عن صاع من حنطة وسط لا يجوز إخراج الحنطة عن الحنطة باعتبار القيمة بأن أدى نصف صاع من مر تبلغ قيمته قيمة نصف صاع من الحنطة عن الحنطة بل يقع عن نفسه و عليه تكميل لباقي و انما كان كذلك لان القيمة لا تعتبر في المنصوص عليه و انما تعتبر في يره و هذا يؤيد قول من يقول من أهل الاصول ان الحكم في المنصوص عليه يثبت عين النص لا بمعنى النص و انما يعتبر المعنى لاثبات الحكم في المنصوص عليه هو مذهب مشايخ العراق و اما التخريج على قول من يقول ان الحكم في المنصوص ليه يثبت بالمعني أيضا و هو قول مشايخنا بسمرقند و أما في الجنس فظاهر لان بعض الجنس المنصوص عليه انما يقوم مقام كله باعتبار القيمة و هي الجودة و الجود ى أموال الربا لا قيمة لها شرعا عند مقابلتها بجنسها لقول النبي صلى الله عليه سلم جيدها و رديئها سواء أسقط اعتبار الجودة و الساقط شرعا ملحق بالساقط حقيقة اما في خلاف الجنس فوجه التخريج ان الواجب في ذمته في صدقة الفطر عند هجوم قت الوجوب أحد شيئين اما عين المنصوص عليه و اما القيمة و من عليه بالخيار ان ذا النعم+اء أخرج العين و ان شاء أخرج القيمة و لايهما اختار تبين انه هو الواجب من لاصل فإذا أدى بعض عين المنصوص عليه تعين واجبا
فصل وأما ركنها
فصل وأما وقت أدائها
فصل وأما وقت وجوب صدقة الفطر
من الاصل فيلزمه تكميل هذا التخريج في صدقة الفطر صحيح لان الواجب ههنا في الذمة ألا ترى انه لا يسقط بهلاك النصاب بخلاف الزكاة فان الواجب هناك في النصاب لانه ربع العشر و هو جزء ن النصاب حتى يسقط بهلاك النصاب لفوات محل الوجوب ( فصل )
اما وقت وجوب صدقة الفطر فقد اختلف فيه قال أصحابنا هو وقت طلوع الفجر لثاني من يوم الفطر و قال الشافعي هو وقت غروب الشمس من آخر يوم من رمضان تى لو ملك عبدا أو ولد له ولدا و كان كافرا فاسلم أو كان فقيرا فاستغني ان كا لك قبل طلوع الشمس تجب عليه الفطرة و ان كان بعده لا تجب عليه و كذا من مات بل طلوع الفجر لم تجب فطرته و ان مات بعده وجبت و عند الشافعي ان كان ذلك قبل روب الشمس تجب عليه و ان كان بعده لا تجب و كذا ان مات قبله لم تجب و ان مات بعده وجبت وجه قوله ان سبب وجوب هذه الصدقة هو الفطر لانها تضاف اليه الاضافة تدل على السببية كإضافة الصلوات إلى أوقاتها و اضافة الصوم إلى الشهر نحو ذلك و كما غربت الشمس من آخر يوم من رمضان جاء وقت الفطر فوجبت لصدقة و لنا ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال صومكم يوم تصومون فطركم يوم تفطرون أى وقت فطركم يوم تفطرون خص وقت الفطر بيوم الفطر حيث ضافه إلى اليوم و الاضافة للاختصاص فيقتضى اختصاص الوقت بالفطر يظهر باليوم و الا الليالى كلها في حق الفطر سواء فلا يظهر الاختصاص و به تبين ان المراد من قوله دقة الفطر أى صدقة يوم الفطر فكانت الصدقة مضافة إلى يوم الفطر فكان سببا وجوبها و لو عجل الصدقة على يوم الفطر لم يذكر في ظاهر الرواية و روى الحسن عن بي حنيفة انه يجوز التعجيل سنة و سنتين و عن خلف بن أيوب انه يجوز تعجيلها إذا خل رمضان و لا يجوز قبله و ذكر الكرخي في مختصره انه يجوز التعجيل بيوم أو يومين قال الحسن بن زياد لا يجوز تعجيلها أصلا وجه قوله ان وقت وجوب هذا الحق هو وم الفطر فكان التعجيل أداء الواجب قبل وجوبه و انه ممتنع كتعجيل الاضحية قبل وم النحر وجه قول خلف ان هذه فطرة عن الصوم فلا يجوز تقديمها على وقت الصوم ما ذكره الكرخي من اليوم أو اليومين فقد قيل انه ما أراد به الشرط فان أراد به لشرط فوجهه ان وجوبها لاغناء الفقير في يوم الفطر و هذا المقصود يحصل بالتعجيل يوم أو يومين لان الظاهر ان المعجل يبقى إلى يوم الفطر فيحصل الا غناء يوم الفطر ما زاد على ذلك لا يبقى فلا يحصل المقصود و الصحيح انه يجوز التعجيل مطلقا و ذكر لسنة و السنتين في رواية الحسن ليس على التقدير بل هو بيان لاستكثار المدة أى جوز و ان كثرت المدة كما في قوله تعالى ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر لله لهم و وجهه ان الوجوب ان لم يثبت فقد وجد سبب الوجوب و هو رأس يمونه يلى عليه و التعجيل بعد وجود السبب جائز كتعجيل الزكاة و العشور و كفارة القتل الله أعلم ( فصل )
و أما وقت أدائها فجميع العمر عند عامة أصحابنا و لا تسقط التأخير عن يوم الفطر و قال الحسن بن زياد وقت أدائها يوم الفطر من أوله إلى خره و إذا لم يؤدها حتى مضى اليوم سقطت وجه قول الحسن ان هذا حق معرف بيوم لفطر فيختص أداؤه به كالاضحية وجه قول العامة ان الامر بأدائها مطلق عن الوقت يجب في مطلق الوقت عين و انما يتعين بتعيينه فعلا أو بآخر العمر كالأَمر الزكاة و العشر و الكفارات و غير ذلك و فى أى وقت أدى كان مؤديا لا قاضيا كما فى سائر الواجبات الموسعة ان المستحب ان يخرج قبل الخروج إلى المصلى لان سول الله صلى الله عليه و سلم كذا كان يفعل و لقوله صلى الله عليه و سلم اغنوهم عن ل مسألة في مثل هذا اليوم فإذا أخرج قبل الخروج إلى المصلى استغنى المسكين عن لسؤال في يومه ذلك فيصلى فارغ القلب مطمئن النفس ( فصل )
و أما ركنها التمليك لقول النبي صلى الله عليه و سلم أدوا عن كل حر و عبد الحديث و الاداء هو لتمليك فلا يتأدى بطعام الاباحة و بما ليس بتمليك أصلا و لا بما ليس بتمليك طلق و المسائل المبنية عليه ذكرناها في زكاة المال و شرائط الركن أيضا ما ذكرنا ناك ان اسلام المؤدى اليه ههنا ليس بشرط لجواز الاداء عند أبى حنيفة محمد فيجوز دفعها إلى أهل الذمة و عند أبى يوسف و الشافعي شرط و لا يجوز الدفع ليهم و لا يجوز الدفع إلى الحربي
فصل وأما بيان ما يسقطها
فصل وأما مكان الاداء
المستأمن بالاجماع و المسألة ذكرناها في كاة المال و يجوز أن يعطى ما يجب في صدقة الفطر عن إنسان واحد جماعة مساكين يعطى ما يجب عن جماعة مسكينا واحدا لان الواجب زكاة فجاز جمعها و تفريقها كزكاة لمال و لا يبعث الامام عليها ساعيا لان النبي صلى الله عليه و سلم لم يبعث و لنا يه قدوة ( فصل )
و اما مكان الاداء و هو الموضع الذي يستحب فيه إخراج الفطرة وى عن محمد انه يؤدى زكاة المال حيث المال و يؤدى صدقة الفطر عن نفسه و عبيده يث هو و هو قول أبى يوسف الاول ثم رجع و قال يؤدى صدقة الفطر عن نفسه حيث هو عن عبيده حيث هم حكى الحاكم رجوعه و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي قول بي حنيفة مع قول أبى يوسف و اما زكاة المال فحيث المال في الروايات كلها و يكر خراجها إلى أهل ذلك الموضع الا رواية عن أبى حنيفة انه لا بأس أن يخرجها لي قرابته من أهل الحاجة و يبعثها إليهم وجه قول أبى يوسف ان صدقة الفطر أحد وعى الزكاة ثم زكاة المال تؤدى حيث المال فكذا زكاة الرأس و وجه الفرق لمحد اضح و هو أن صدقة الفطر تتعلق بذمة المؤدى لا بماله بدليل انه لو هلك ماله لا تسقط لصدقة و اما زكاة المال فانها تتعلق بالمال ألا ترى أنه لو هلك النصاب تسقط ف+++>>} -<<اذا تعلقت الصدقة بذمة المؤدى اعتبر مكان المؤدى و لما تعلقت الزكاة بالمال عتبر مكان المال و روى عن أبى يوسف في الصدقة انه يؤدى عن العبد الحى حيث هو عن الميت حيث المولى لان الوجوب في العبد الحى عنه فيعتبر مكانه و فى الميت فيعتبر مكان المولى ( فصل )
و اما بيان ما يسقطها بعد الوجوب فما يسقط زكا لمال يسقطها الا هلاك المال فانها لا تسقط به بخلاف زكاة المال و الفرق ان صدقة لفطر تتعلق بالذمة و ذمته قائمة بعد هلاك المال فكان الواجب قائما و الزكاة تتعلق بالمال فتسقط بهلاكه و الله أعلم ( كتاب الصوم )
الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان أنواع الصيام وصفة كل نوع و فى بيان رائطها و فى بيان أركانها و يتضمن بيان ما يفسدها و فى بيان حكمها إذا فسدت و فى يان حكم الصوم المؤقت إذا فات عن وقته و فى بيان ما يسن و ما يستحب للصائم ما يكره له أن يفعله اما الاول فالصوم في القسمة الاولى ينقسم إلى لغوى و شرعي ام للغوى فهو الامساك المطلق و هو الامساك عن أى شيء كان فيسمى الممسك عن الكلام هو الصامت صائما قال الله تعالى انى نذرت للرحمن صوما أى صمتا و يسمى الفرس لممسك عن العلف صائما قال الشاعر خيل صيام و خيل صائمة تحث العجاج أخرى تعلك اللجما أى ممسكة عن العلف و غير ممسكة و أما الشرعي فهو الامساك عن شياء مخصوصة و هي الاكل و الشرب و الجماع بشرائط مخصوصة نذكرها في مواضعها ان ذا النعم+اء الله تعالى ثم الشرعي ينقسم الي فرض و واجب و تطوع و الفرض ينقسم إلى عين دين فالعين ماله وقت معين اما بتعيين الله تعالى كصوم رمضان وصوم التطوع خارج مضان لان خارج رمضان متعين للنفل شرعا و اما بتعيين العبد كالصوم المنذور به في قت بعينه و الدليل على فرضية صوم شهر رمضان الكتاب و السنة و الاجماع و المعقول ما الكتاب فقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على لذين من قبلكم لعلكم تتقون و قوله كتب عليكم أى فرض و قوله تعالى فمن شهد منكم لشهر فليصمه و أما السنة فقول النبي صلى الله عليه و سلم بني الاسلام على خمس هادة أن لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله و اقام الصلاة و إيتاء الزكاة وصوم مضان و حج البيت من استطاع اليه سبيلا و قوله صلى الله عليه و سلم عام حجة لوداع أيها الناس أعبدوا ربكم وصلوا خمسكم و صوموا شهركم و حجوا بيت ربكم و أدوا كاة أموالكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم و أما الاجماع فان الامة أجمعت لي فرضية شهر رمضان لا يجحدها الا كافر و أما المعقول فمن وجوه أحدها ان الصوم سيلة إلى شكر النعمة اذ هو كف النفس عن الاكل و الشرب و الجماع و أنها
من جل النعم و أعلاها و الامتناع عنها زمانا معتبرا يعرف قدرها اذ النعم مجهولة فإذا قدت عرفت فيحمله ذلك على قضأ حقها بالشكر و شكر النعم فرض عقلا و شرعا و اليه شار الرب تعالى في قوله في آية الصيام لعلكم تشكرون و الثاني انه وسيلة الي لتقوى لانه إذا انقادت نفسه للامتناع عن الحلال طمعا في مرضات الله تعالى و خوفا ن أليم عقابه فاولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام فكان الصوم سببا للاتقاء عن حارم الله تعالى و انه فرض و اليه وقعت الاشارة بقوله تعالى في آخر آية الصوم علكم تتقون و الثالث ان في الصوم قهر الطبع و كسر الشهوة لان النفس إذا شبعت منت الشهوات و إذا جاعت امتنعت عما تهوى و لذا قال النبي صلى الله عليه و سلم ن خشى منكم الباءة فليصم فان الصوم له و جاء فكان الصوم ذريعة إلى الامتناع عن لمعاصى و انه فرض و أما صوم الدين فما ليس له وقت معين كصوم قضأ رمضان وصوم فارة القتل و الظهار و اليمين و الافطار وصوم المتعة وصوم فدية الحلق وصوم جزاء لصيد وصوم النذر المطلق عن الوقت وصوم اليمين بأن قال و الله لاصومن شهرا ثم بعض هذه الصيامات المفروضة من العين و الدين متتابع و بعضها متتابع بل احبها فيه بالخيار ان شاء تابع و ان شاء فرق أما المتتابع فصوم رمضان وصوم فارة القتل و الظهار و الافطار وصوم كفارة اليمين عندنا أما صوم كفارة القتل الظهار فلان التتابع منصوص عليه قال الله تعالى في كفارة القتل فمن لم يجد صيام شهرين متتابعين توبة من الله و قال عز و جل في كفارة الظهار فمن لم يجد صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا و اما صوم كفارة اليمين فقد قرأ ابن سعود رضى الله عنه فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات و عند الشافعي التتابع يه ليس بشرط و موضع المسألة كتاب الكفارات و قال صلى الله عليه و سلم في فارة الافطار بالجماع في حديث الاعرابى صم شهرين متتابعين و أما صوم شهر رمضان لان الله تعالى أمر بصوم الشهر بقوله عز و جل فمن شهد منكم الشهر فليصمه و الشهر تتابع لتتابع أيامه فيكون صومه متتابعا ضرورة و كذلك الصوم المنذور به في وقت عينه بأن قال لله على ان أصوم شهر رجب يكون متتابعا لما ذكرنا في صوم شهر مضان و أما المتتابع فصوم قضأ رمضان وصوم المتعة وصوم كفارة الحلق وصوم زاء الصيد وصوم النذر المطلق وصوم اليمين لان الصوم في هذه المواضع ذكر مطلقا ن صفة التتابع قال الله تعالى في قضأ رمضان فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر أى فافطر فليصم عدة من أيام أخر و قال عز و جل في صوم المتعة من تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في لحج و سبعة إذا رجعتم و قال عز و جل في كفارة الحلق ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال سبحانه و تعالى في جزاء الصيد أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره ذكر الله عالى الصيام في هذه الابواب مطلقة عن شرط التتابع و كذا الناذر و الحالف في لنذر المطلق و اليمين المطلقة ذكر الصوم مطلقا عن شرط التتابع و قال بعضهم في وم قضأ رمضان انه يشترط فيه التتابع لا يجوز الا متتابعا و احتجوا بقراءة أبى بن كعب رضى الله عنه انه قرأ الآية فعدة من أيام أخر متتابعات فيزاد على لقراءة المعروفة وصف التتابع بقراءته كما زيد وصف التتابع على القراءة لمعروفة في صوم كفارة اليمين بقراءة عبد الله بن مسعود رضى الله عنه و لان القضاء كون على حسب الاداء و الاداء وجب متتابعا فكذا القضاء ( و لنا )
ما روى عن جماعة ن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من نحو على و عبد الله بن عباس و أبى عيد الخدرى و أبى هريرة و عائشة و غيرهم رضى الله عنهم انهم قالوا ان شاء تابع ان شاء فرق ان عليا رضى الله عنه قال انه يتابع لكنه ان فرق جاز و هذا منه شارة إلى أن التتابع أفضل و لو كان التتابع شرطا لما احتمل الخلفاء على هؤلاء لصحابة و لما احتمل مخالفتهم إياه في ذلك لو عرفوه و بهذا الاجماع تبين ان راءة أبى بن كعب لو ثبتت فهي على الندب و الاستحباب دون الاشتراط اذ لو كانت ثابتة و صارت كالمتلو و كان المراد بها الاشتراط لما احتمل الخلاف من هؤلاء رضى لله عنهم بخلاف ذكر التتابع في صوم كفارة اليمين في حرف ابن مسعود رضى الله نه لانه لم يخالفه أحد من الصحابة في ذلك فصار كالمتلو في حق العمل به و أما و له ان القضاء يجب على حسب الاداء و الاداء وجب متتابعا فنقول التتابع في لاداء ما وجب
لمكان الصوم ليقال أينما كان الصوم كان التتابع شرطا و انما جب لاجل الوقت لانه وجب عليهم صوم شهر معين و لا يتمكن من أداء الصوم في الشهر له الا بصفة التتابع فكان لزوم التتابع لضرورة تحصيل الصوم في هذا الوقت و هذا و الاصل ان كل صوم يؤمر فيه بالتتابع لاجل الفعل و هو الصوم يكون التتابع شرطا في يث دار الفعل و كل صوم يؤمر فيه بالتتابع لاجل الوقت ففوت ذلك الوقت يسقط لتتابع و ان بقي الفعل واجب القضاء فان من قال لله على صوم شعبان يلزمه أن صوم شعبان متتابعا لكنه ان فات شيء منه يقضى ان شاء متتابعا و ان شاء متفرقا ن التتابع ههنا لمكان الوقت فيسقط بسقوطه و بمثله لو قال لله على ان أصوم شهرا تتابعا يلزمه أن يصوم متتابعا لا يخرج عن نذره الا به و لو أفطر يوما في وسط لشهر يلزمه الاستقبال لان التتابع ذكر للصوم فكان الشرط هو وصل الصوم بعينه فلا سقط عنه ابدا و على هذا صوم كفارة القتل و الظهار و اليمين لانه لما وجب لعين لصوم لا يسقط ابدا الا بالاداء متتابعا و الفقه في ذلك ظاهر و هو انه إذا وجب لتتابع لاجل نفس الصوم فما لم يؤده على وصفه لا يخرج عن عهدة الواجب و إذا وجب ضرورة قضأ حق الوقت أو شرط التتابع لوجب الاستقبال فيقع جميع الصوم في لك الوقت الذي أمر بمراعاة حقه بالصوم فيه و لو لم يجب لوقع عامة الصوم فيه بعضه في غيره فكان أقرب إلى قضأ حق الوقت و الدليل على ان التتابع في صوم شهر مضان لما قلنا من قضأ حق الوقت انه لو أفطر في بعضه لا يلزمه الاستقبال و لو ان التتابع شرطا للصوم لوجب كما في الصوم المنذور به بصفة التتابع و كما في وم كفارة الظهار و اليمين و القتل و كذا لو أفطر أياما من شهر رمضان بسبب المرض م برأ في الشهر و صام الباقى لا يجب عليه وصل الباقى بشهر رمضان حتى إذا مضى وم الفطر يجب عليه أن يصوم عن القضاء متصلا بيوم الفطر كما في صوم كفارة لقتل و الافطار إذا أفطرت المرأة بسبب الحيض الذي لا يتصور خلو شهر عنه انها ما طهرت يجب عليها أن تصل و تتابع حتى لو تركت يجب عليها الاستقبال و ههنا يس كذلك بل يثبت له الخيار بين أن يصوم شوال متصلا و بين أن يصوم شهرا آخر دل ان التتابع لم يكن واجبا لاجل الصوم بل لاجل الوقت فيسقط بفوات الوقت الله أعلم و أما الصوم الواجب فصوم التطوع بعد الشروع فيه وصوم قضائه عند لافساد وصوم الاعتكاف عندنا أما مسألة وجوب الصوم بالشروع و وجوب القضاء الافساد فقد مضت في كتاب الصلاة و أما وجوب صوم الاعتكاف فنذكره في الاعتكاف أما التطوع فهو صوم النفل خارج رمضان قبل الشروع فهذه جملة أقسام الصيام الله أعلم ( فصل )
و أما شرائطها فنوعان نوع يعم الصيامات كلها و هو شرط جوا لاداء و نوع يخص البعض دون البعض و هو شرط الوجوب أما الشرائط العامة فبعضها يرجع الصائم و هو شرط أهلية الاداء و بعضها يرجع إلى وقت الصوم و هو شرط لمحلية أما الذي يرجع إلى وقت الصوم فنوعان نوع يرجع إلى أصل الوقت و نوع يرجع إلى وصفه من الخصوص و العموم أما الذي يرجع إلى أصل الوقت فهو بياض النهار ذلك من حين يطلع الفجر الثاني إلى غروب الشمس فلا يجوز الصوم في الليل لان لله تعالي أباح الجماع و الاكل و الشرب في الليالي إلى طلوع الفجر ثم أمر الصوم إلى الليل بقوله تعالي أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله الآن باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط لابيض من الخيط الاسود من الفجر أى حتى يتبين لكم بياض النهار من سواد الليل كذا روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال الخيط الابيض و الاسود هما ياض النهار و ظلمة الليل ثم أتموا الصيام إلى الليل فكان هذا تعيينا لليالي لفطر و النهار للصوم فكان محل الصوم هو اليوم لا الليل و لان الحكمة التي لها شر لصوم و هو ما ذكرنا من التقوي و تعريف قدر النعم الحامل على شكرها لا يحصل الصوم في الليل لان ذلك لا يحصل الا بفعل شاق على البدن مخالف للعادة و هوى النفس لا يتحقق ذلك بالامساك في حالة النوم فلا يكون الليل محلا للصوم و أما الذي يرجع لي وصفه من الخصوص و العموم فنقول و بالله التوفيق أما صوم التطوع فالأَيام كلها حل له عندنا و هو رواية محمد عن أبى حنيفة و يجوز
صوم التطوع خارج رمضان ف لايام كلها لقول النبي صلى الله عليه و سلم كل عمل ابن آدم له الا الصوم فانه لي أنا أجزى به و قوله من صام من كل شهر ثلاثة أيام الثالث عشر و الرابع عشر الخامس عشر فكانما صام السنة كلها فقد جعل السنة كلها محلا للصوم على العموم قوله من صام رمضان و أتبعه بست من شوال فكانما صام الدهر كله جعل الدهر كله حلا للصوم عن فصل و قوله الصائم المتطوع أمير نفسه ان شاء صام و ان شاء لم يصم لان المعاني التي لها كان الصوم حسنا و عبادة و هي ما ذكرنا موجودة في سائر لايام فكانت الايام كلها محلا للصوم الا أنه يكره الصوم في بعضها و يستحب في لبعض أما الصيام في الايام المكروهة فمنها صوم يومى العيد و أيام التشريق و عند لشافعى لا يجوز الصوم في هذه الايام و هو رواية أبى يوسف و عبد الله بن المبارك ن أبى حنيفة و احتج بالنهى الوارد عن الصوم فيها و هو ما روى أبو هريرة رضى الل عالى عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ألا لا تصوموا في هذه الايام انها أيام أكل و شرب و بعال و النهى للتحريم و لانه عين هذه الايام لاضداد الصوم فلا بقي محلا للصوم و الجواب ان ما ذكرنا من النصوص و المعقول يقتضى جواز الصوم في ذه الايام فيحمل النهى على الكراهة و يحمل التعيين على الندب و الاستحباب و فيقا بين الدلائل بقدر الامكان و عندنا يكره الصوم في هذه الايام و المستحب هو لافطار و منها اتباع رمضان بست من شوال كذا قال أبو يوسف كانوا يكرهون أن تبعوا رمضان صوما خوفا أن يلحق ذلك بالفرضية و كذا روى عن مالك أنه قال أكره ن يتبع رمضان بست من شوال و ما رأيت أحدا من أهل الفقة و العلم يصومها و لم بلغنا عن أحد من السلف و ان أهل العلم يكرهون ذلك و يخافون بدعته و أن يلحق هل الجفاء برمضان ما ليس منه و الاتباع المكروه هو أن يصوم يوم الفطر و يصوم بعده خمسة أيام فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه بل هو ستحب و سنة و منها صوم يوم الشك بنية رمضان أو بنية مترددة أما بنية رمضان لقول النبي صلى الله عليه و سلم لا يصام اليوم الذي يشك فيه من رمضان الا تطوعا عن عمر و عثمان و على رضى الله عنهم أنهم كانوا ينهون عن صوم اليوم الذي يشك فيه ن رمضان و لانه يريد أن يزيد في رمضان و قد روى عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه ال لان أفطر يوما من رمضان ثم أقضيه أحب إلى أن أزيد فيه ما ليس منه و أما لنية المترددة بأن نوى أن يكون صومه عن رمضان ان كان اليوم من رمضان و ان لم كن يكون تطوعا فلان النية المترددة لا تكون نية حقيقة لان النية تعيين للعمل التردد يمنع التعيين و أما صوم يوم الشك بنية التطوع فلا يكره عندنا و يكره عند لشافعى و احتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من صام يوم الشك قد عصى أبا القاسم و لنا ما روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يصام ليوم الذي يشك فيه من رمضان الا تطوعا استثنى التطوع و المستثنى يخالف حكمه حكم لمستثنى منه و أما الحديث فالمراد منه صوم يوم الشك عن رمضان لان المروي أن لنبي صلى الله عليه و سلم نهى عن صوم يوم الشك عن رمضان و قال من صام يوم لشك فقد عصى أبا القاسم أى صام عن رمضان و اختلف المشايخ في أن الافضل أن صوم فيه تطوعا أو يفطر أو ينتظر قال بعضهم الافضل أن يصوم لما روى عن عائشة و على ضى الله عنهما أنهما كانا يصومان يوم الشك بنية التطوع و يقولان لان نصوم يوما ن شعبان أحب إلينا من أن نفطر يوما من رمضان فقد صاما و نبها على المعنى و هو نه يحتمل أن يكون هذا اليوم من رمضان و يحتمل أن يكون من شعبان فلو صام لدار لصوم بين أن يكون من رمضان و بين أن يكون من شعبان و لو افطر لدار الفطر بين أن كون فب رمضان و بين أن يكون في شعبان فكان الاحتياط في الصوم و قال بعضهم الافطار أفضل و به كان يفتى محمد بن سلمة و كان يضع كوزاله بين يديه يوم الشك فإذا جاءه مستفتى عن صوم يوم الشك افتاه بالافطار و شرب من الكوز بين يدى المستفتي و انما كان يفعل كذلك لانه لو افتى بالصوم لا عتاده الناس فيخاف أن يلحق بالفريضة و قال بعضهم يصام سرا و لا يفتى به العوام لئلا يظنه الجهال زيادة على صوم رمضان هكذا روى عن أبى يوسف أنه استفتى عن صوم يوم الشك فأفتى بالفطر ثم قال للمستفتى تعال فلما دنا منه أخبره سرا فقال انى صائم و قال بعضهم ينتظر فلا يصوم و لا يفطر فان تبين
قبل الزوال أنه من رمضان عزم على الصوم و ان لم يتبين أفطر لما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال أصبحوا يوم الشك مفطرين متلومين أى آكلهن و لا عازمين على الصوم الا إذا كان صائما قبل ذلك فوصل يوم الشك به و منها أن يستقبل الشهر بيوم أو يومين بأن تعمد ذلك فان وافق ذلك صوما كان يصومه قبل ذلك فلا بأس به لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تتقدموا الشهر بيوم و لا بيومين الا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم و لان استقبال الشهر بيوم أو بيومين يوهم الزيادة على الشهر و لا كذلك إذا وافق صوما كان يصومه قبل ذلك لانه لم يستقبل الشهر و ليس فيه و هم الزيادة و قد روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصل شعبان برمضان و منها صوم الوصال لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا صام من صام الدهر و روى أنه نهى عن صوم الوصال فسر أبو يوسف و محمد رحمهما الله الوصال بصوم يومين لا يفطر بينهما لان الفطر بينهما يحصل بوجود زمان الفطر و هو الليل قال النبي صلى الله عليه و سلم إذا أقبل الليل من ههنا و أدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم أكل أو لم يأكل و قيل في تفسير الوصال أن يصوم كل يوم من السنة دون ليلته و معنى الكراهة فيه أن ذلك يضعفه عن اداء الفرائض و الواجبات و يقعده عن الكسب الذي لا بد منه و لهذا روى أنه لما نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الوصال و قيل له انك تواصل يا رسول الله قال انى لست كأحدكم انى أبيت عند ربي يطعمنى و يسقيني أشار إلى المخصص و هو اختصاصه بفضل قوة النبوة و قال بعض الفقهاء من صام سائر الايام و أفطر يوم الفطر و الاضحى و أيام التشريق لا يدخل تحت نهى صوم الوصال ورد عليه أبو يوسف فقال ليس هذا عندي كما قال و الله أعلم هذا قد صام الدهر كانه أشار إلى أن النهى عن صوم الدهر ليس لمكان صوم هذه الايام بل لما يضعفه عن الفرائض و الواجبات و يقعده عن الكسب و يؤدى إلى التبتل المنهي عنه و الله أعلم و أما صوم يوم عرفة ففى حق الحاج مستحب لكثرة الاحاديث الواردة بالندب إلى صومه و لان له فضيلة على غيره من الايام و كذلك في حق الحاج ان كان لا يضعفه عن الوقوف و الدعاء لما فيه من الجمع بين القربتين و ان كان يضعفه عن ذلك يكره لان فضيلة صوم هذا اليوم مما يمكن استدراكها في هذه السنة و يستدرك عادة فاما فضيلة الوقوف و الدعاء فيه لا يستدرك في حق عامة الناس عادة الا في العمر مرة واحدة فكان إحرازها أولى و كره بعضهم صوم يوم الجمعة بانفراده و كذا صوم يوم الاثنين و الخميس و قال عامتهم انه مستحب لان هذه الايام من الايام الفاضلة فكان تعظيمها بالصوم مستحبا و يكره صوم يوم السبت بانفراده لانه تشبه باليهود و كذا صوم يوم النيروز و المهرجان لانه تشبه بالمجوس و كذا صوم الصمت و هو أن يمسك عن الطعام و الكلام جميعا لان النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن ذلك و لانه تشبه بالمجوس و كره بعضهم صوم يوم عاشوراء وحده لمكان التشبه باليهود و لم يكرهه عامتهم لانه من الايام الفاضلة فيستحب استذراك فضيلتها بالصوم و أما صوم يوم و إفطار يوم فهو مستحب و هو صوم سيدنا داود عليه الصلاة و السلام كان يصوم يوما و يفطر يوما و لانه أشق على البدن إذا الطبع ألوف و قال صلى الله عليه و سلم خير الاعمال أحمزها أى أشقها على البدن و كذا صوم الايام البيض لكثرة الاحاديث فيه منها ما روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من صام ثلاثة أيام من كل شهر الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر فكانما صام السنة كلها و أما صوم الدين فالأَيام كلها محل له و يجوز في جميع الايام الا ستة أيام يومى الفطر و الاضحى و أيام التشريق و يوم الشك أما ما سوى صوم يوم الشك فلورود النهى عنه و النهى و ان كان عن غيره أو لغيره فلا شك أن ذلك الغير يوجد بوجود الصوم في هذه الايام فأوجب ذلك نقصانا فيه و الواجب في ذمته صوم كامل فلا يتأدى بالناقص و بهذا تبين ببطلان أحد قولى الشافعي في صوم المتعة أنه يجوز في هذه الايام لان النهى عن الصوم في هذه الايام عام يتناول الصيامات كلها فيوجب ذلك نقصانا فيه و الواجب في ذمته كامل فلا ينوب الناقص عنه و أما يوم الشك فلانه يحتمل أن يكون من رمضان و يحتمل أن يكون من شعبان فان كان من شعبان يكون قضأ و ان كان من رمضان لا يكون قضأ فلا يكون قضأ مع الشك و هل يصح النذر بصوم يومى
العيد و أيام التشريق روى محمد عن أبى حنيفة انه يصح نذره لكن الافضل أن يفطر فيها و يصوم في أيام أخر و لو صام في هذه الايام يكون مسيأ لكنه يخرج عنه النذر لانه أوجب ناقصا و أداه ناقصا و روى أبو يوسف عن أبى حنيفة أنه لا يصح نذره و لا يلزمه شيء و هكذا روى ابن المبارك عن أبى حنيفة و هو قول زفر و الشافعي و المسألة مبنية على جواز صوم هذه الايام و عدم جوازه و قد مرت فيما تقدم و لو شرع في صوم هذه الايام ثم أفسده لا يلزمه القضاء في قول ابى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد يلزمه وجه قولهما أن الشروع في التطوع سبب الوجوب كالنذر فإذا وجب المضي فيه وجب القضاء بالافساد كما لو شرع في التطوع في سائر الايام ثم أفسده و لابي حنيفة أن الشروع ليس سبب الوجوب وضعا و انما الوجوب يثبت ضرورة صيانة للمؤدى عن البطلان و المؤدى ههنا لا يجب صيانته لمكان النهى فلا يجب المضي فيه فلا يضمن بالافساد و لو شرع في الصلاة في أوقات مكروهة فأفسدها ففيه روايتان عن أبى حنيفة في رواية لا قضأ عليه كما في الصوم و فى رواية عليه القضاء بخلاف الصوم و قد ذكرنا وجوه الفرق في كتاب الصلاة و أما صوم رمضان فوقته شهر رمضان لا يجوز في غيره فيقع الكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان وقت صوم رمضان و الثاني في بيان ما يعرف به وقته أما الاول فوقت صوم رمضان شهر رمضان لقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فاليصمه أى فليصم في الشهر و قول النبي صلى الله عليه و سلم و صوموا شهركم أى في شهركم لان الشهر لا يصام و انما يصام فيه و أما الثاني و هو بيان ما يعرف به وقته فان كانت السماء مصحية يعرف بروية الهلال و ان كانت متغيمة يعرف بإكمال شعبان ثلاثين يوما لقول النبي صلى الله عليه و سلم صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته فان غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوما ثم صوموا و كذلك ان غم على الناس هلال شوال أكملوا عدة رمضان ثلاثين يوما لان الاصل بقاء الشهر و كماله فلا يترك هذا الاصل الا بيقين على الاصل المعهود أن ما ثبت بيقين لا يزول الا بيقين مثله فان كانت السماء مصحية ورأى الناس الهلال صاموا و ان شهد واحد بروية الهلال لا تقبل شهادته ما لم تشهد جماعة يقع العلم للقاضي بشهادتهم في ظاهر الرواية و لم يقدر في ذلك تقديرا و روى عن أبى يوسف أنه قدر عدد الجماعة بعدد القسامة خمسين رجلا و عن خلف بن أيوب أنه قال خمسمأة ببلخ قليل و قال بعضهم ينبغى أن يكون من كل مسجد جماعة واحد أو اثنان و روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يقبل فيه شهادة الواحد العدل و هو أحد قولى الشافعي رحمه الله تعالى و قال في قول آخر تقبل فيه شهادة اثنين وجه رواية الحسن رحمه الله تعالى أن هذا من باب الاخبار لا من باب الشهادة بدليل أنه تقبل شهادة الواحد إذا كان بالسماء علة و لو كان شهادة لما قبل لان العدد شرط في الشهادات و إذا كان اخبار الا شهادة فالعدد ليس بشرط في الاخبار عن الديانات و انما تشترط العدالة فقط كما في رواية الاخبار عن طهارة الماء و نجاسته و نحو ذلك وجه ظاهر الرواية ان خبر الواحد العدل انما يقبل فيما لا يكذبه الظاهر و ههنا الظاهر يكذبه لان تفرده بالرؤية مع مساواة جماعة لا يحصون إياه في الاسباب الموصلة إلى الرؤية و ارتفاع الموانع دليل كذبه أو غلطه في الرؤية و ليس كذلك إذا كان بالسماء علة لان ذلك يمنع التساوى في الرؤية لجواز ان قطعة من الغيم انشقت فظهر الهلال فرآه واحد ثم استتر بالغيم من ساعته قبل أن يراه غيره و سواء كان هذا الرجل من المصر أو من خارج المصر و شهد بروية الهلال انه لا تقبل شهادته في ظاهر الرواية و ذكر الطحاوي انه تقبل وجه رواية الطحاوي ان المطالع تختلف بالمصر و خارج المصر في الظهور و الخفاء لصفاء الهواء خارج المصر فتختلف الرؤية وجه ظاهر الرؤية ان المطالع لا تختلف الا عند المسافة البعيدة الفاحشة و على هذا الرجل الذي أخبر أن يصوم لان عنده ان هذا اليوم من رمضان و الانسان يؤاخذ بما عنده فان شهد فرد الامام شهادته ثم أفطر يقضى لانه أفسد صوم رمضان في زعمه فيعامل بما عنده و هل تلزمه الكفارة قال أصحابنا لا تلزمه و قال الشافعي تلزمه إذا أفطر بالجماع و ان أفطر قبل أن يرد الامام شهادته فلا رواية عن أصحابنا في وجوب الكفارة و اختلف المشايخ فيه قال بعضهم تجب و قال بعضهم لا تجب وجه قول الشافعي انه أفطر في يوم علم انه من رمضان لوجود دليل العلم في حقه و هو الرؤية و عدم علم غيره لا يقدح في علمه
فيؤاخذ بعلمه فيوجب عليه الكفارة و لهذا أوجب عليه الصوم ( و لنا )
انه أفطر في يوم هو من شعبان و إفطار يوم هو من شعبان لا يوجب الكفارة و انما قلنا ذلك لان كونه من رمضان انما يعرف بالرؤية إذا كانت السماء مصحية و لم تثبت رؤيته لما ذكرنا ان تفرده بالرؤية مع مساواة عامة الناس إياه في التفقد مع سلامة الآلات دليل عدم الرؤية و إذا لم تثبت الرؤية لم يثبت كون اليوم من رمضان فيبقى من شعبان و الكفارة لا تجب بالافطار في يوم هو من شعبان بالاجماع و أما وجوب الصوم عليه فممنوع فان المحققين من مشايخنا قالوا لا رواية في وجوب الصوم عليه و انما الرواية أنه يصوم و هو محمول على الندب احتياطا و قال الحسن البصري انه لا يصوم الا مع الامام و لو صام هذا الرجل و أكمل ثلاثين يوما و لم ير هلال شوال فانه لا يفطر الا مع الامام و ان زاد صومه على ثلاثين لانا انما أمرناه بالصوم احتياطا و الاحتياط ههنا ان لا يفطر لاحتمال ان ما رآه لم يكن هلالا بل كان خيالا فلا يفطر مع الشك و لانه لو أفطر للحقة التهمة لمخالفته الجماعة فالاحتياط ان لا يفطر و ان كانت السماء متغيمة تقبل شهادة الواحد بلا خلاف بين أصحابنا سواء كان حرا أو عبدا رجلا أو إمرأة محدود في قذف أو محدودا تائبا بعد ان كان مسلما عاقلا بالغا عدلا و قال الشافعي في أحد قوليه لا تقبل الا شهادة رجلين عدلين اعتبارا بسائر الشهادات ( و لنا )
ما روى عن ابن عباس رضى الله عنه انه رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبصرت الهلال فقال أتشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله قال نعم قال قم يا بلال فأذن في الناس فليصوموا غدا فقد قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم شهادة الواحد على هلال رمضان و لنا في رسول الله صلى الله عليه و سلم اسوة حسنة و لان هذا ليس بشهادة بل هو اخبار بدليل ان حكمه يلزم الشاهد و هو الصوم و حكم الشهادة لا يلزم الشاهد و الانسان لا يتهم في إيجاب شيء على نفسه فدل انه ليس بشهادة بل هو اخبار و العدد ليس بشرط في الاخبار الا انه اخبار في باب الدين فيشترط فيه الاسلام و العقل و البلوغ و العدالة كما في رواية الاخبار و ذكر الطحاوي في مختصره انه يقبل قول الواحد عدلا كان أو عدل و هذا خلاف ظاهر الرواية الا أنه يريد به العدالة الحقيقية فيستقيم لان الاخبار لا تشترط فيه العدالة الحقيقية بل يكتفى فيه بالعدالة الظاهرة و العبد و المرأة من أهل الاخبار الا ترى انه صحت روايتهما و كذا المحدود في القذف فان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قبلوا اخبار أبى بكرة و كان محدودا في قذف و روى أبو يوسف عن أبى حنيفة ان شهادته بروية الهلال لا تقبل و الصحيح انها تقبل و هو رواية الحسن عن أبى حنيفة لما ذكرنا ان هذا خبر و ليس بشهادة و خبره مقبول و تقبل شهادة واحد عدل على شهادة واحد عدل في هلال رمضان بخلاف الشهادة على الشهادة في سائر الاحكام انها لا تقبل ما لم يشهد على شهادة رجل واحد رجلان أو رجل و امرأتان لما ذكرنا ان هذا من باب الاخبار لا من باب الشهادة و يجوز اخبار رجل عدل عن رجل عدل كما في رواية الاخبار و لو رد الامام شهادة الواحد لتهمة الفسق فانه يصوم ذلك اليوم لان عنده ان ذلك اليوم من رمضان فيؤاخذ بما عنده و لو أفطر بالجماع هل تلزمه الكفارة فهو على الاختلاف الذي ذكرنا و أما هلال شوال فان كانت السماء مصحية فلا يقبل فيه الا شهادة جماعة يحصل العلم للقاضي بخبرهم كما في هلال رمضان كذا ذكر محمد في نوادر الصوم و روى الحسن عن أبى حنيفة انه يقبل فيه شهادة رجلين أو رجل و إمرأتين سواء كان بالسماء علة أو لم يكن كما روى عن أبى حنيفة في هلال رمضان انه تقبل فيه شهادة الواحد العدل سواء كان في السماء علة أو لم يكن و ان كان بالسماء علة فلا تقبل فيه الا شهادة رجلين أو رجل و إمرأتين مسلمين حرين عاقلين بالغين محدودين في قذف كما في الشهادة في الحقوق و الاموال لما روى عن ابن عباس و ابن عمر رضى الله عنهما انهما قالا ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجاز شهادة رجل واحد على رؤية هلال رمضان و كان لا يجيز الافطار الا بشهادة رجلين و لان هذا من باب الشهادة الا ترى انه لا يلزم الشاهد شيء بهذه الشهادة بل له فيه نفع و هو إسقاط الصوم عن نفسه فكان متهما فيشترط فيه العدد نفيا للتهمة بخلاف هلال رمضان فان هناك لا تهمة اذ الانسان لا يتهم في الاضرار بنفسه بالتزام الصوم فان غم على الناس هلال شوال فان صاموا رمضان بشهادة شاهدين أفطروا
بتمام العدة ثلاثين يوما بلا خلاف لان قولهما في الفطر يقبل و ان صاموا بشهادة شاهد واحد فروى الحسن عن أبى حنيفة انهم لا يفطرون على شهادته بروية هلال رمضان عند كمال العدد و ان وجب عليهم الصوم بشهادته فثبتت الرمضانية بشهادته في حق الصوم لا في حق الفطر لانه لا شهادة له في الشرع على الفطر جميعا الا ترى انه لو شهد وحده مقصود الا تقبل بخلاف ما إذا صاموا بشهادة شاهدين لان لهما شهادة على الصوم و الفطر جميعا الا ترى لو شهدا بروية الهلال تقبل شهادتهما لان وجوب الصوم عليهم بشهادته من طريق الاحتياط و الاحتياط ههنا في ان لا يفطروا بخلاف ما إذا صاموا بشهادة شاهدين لان الوجوب هناك ثبت بدليل مطلق فيظهر في الصوم و الفطر جميعا و روى ابن سماعة عن محمد انهم يفطرون عند تمام العدد فأورد ابن سماعة على محمد اشكالا فقال إذا قبلت شهادة الواحد في الصوم تفطر على شهادته و متى أفطرت عند كمال العدد على شهادته فقد أفطرت بقول الواحد و هذا لا يجوز لاحتمال ان هذا اليوم من رمضان فأجاب محمد رحمه الله فقال لا أتهم المسلم أن يتعجل يوما مكان يوم و معناه أن الظاهر انه ان كان صادقا في شهادته فالصوم وقع في أول الشهر فيختم بكمال العدد و قيل فيه بجواب آخر و هو ان جواز الفطر عند كمال العدد لم يثبت بشهادته مقصودا بل بمقتضى الشهادة و قد يثبت بمقتضى الشيء ما لا يثبت به مقصودا كالميراث بحكم النسب الثابت انه يظهر بشهادة القابلة بالولادة و ان كان لا يظهر بشهادتها مقصودا و الاستشهاد على مذهبهما لا على مذهب أبى حنيفة لان شهادة القابلة بالولادة لا تقبل في حق الميراث عنده ( و اما )
هلال ذي الحجة فان كانت السماء مصحية فلا يقبل فيه الا ما يقبل في هلال رمضان و هلال شوال و هو ما ذكرنا و ان كان بالسماء علة فقد قال أصحابنا انه يقبل فيه شهادة الواحد و ذكر الكرخي انه لا يقبل فيه الا شهادة رجلين أو رجل و إمرأتين كما في هلال شوال لانه يتعلق بهذه الشهادة حكم شرعي و هو وجوب الاضحية على الناس فيشترط فيه العدد و الصحيح هو الاول لان هذا ليس من باب الشهادة بل من باب الاخبار الا ترى ان الاضحية تجب على الشاهد ثم تتعدى إلى غيره فكان من باب الخبر و لا يشترط فيه العدد و لو رأوا يوم الشك الهلاك بعد الزوال أو قبله فهو لليلة المستقبلة في قول أبى حنيفة و محمد و لا يكون ذلك اليوم من رمضان و قال أبو يوسف ان كان بعد الزوال فكذلك و ان كان قبل الزوال فهو لليلة الماضية و يكون ذلك اليوم من رمضان و المسألة مختلفة بين الصحابة و روى عن عمر و ابن مسعود و ابن عمر و أنس مثل قولهما و روى عن عمر رضى الله عنه رواية اخرى مثل قوله و هو قول على و عائشة رضى الله عنهما و على هذا الخلاف هلال شوال إذا رأوه يوم الشك و هو يوم الثلاثين من رمضان قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المستقبلة عندهما و يكون اليوم من رمضان و عنده ان رأوا قبل الزوال يكون لليلة الماضية و يكون اليوم يوم الفطر و الاصل عندهما انه لا يعتبر في رؤية الهلال قبل الزوال و لا بعده و انما العبرة لرؤية قبل غروب الشمس و عنده يعتبر وجه قول أبى يوسف ان الهلال لا يرى قبل الزوال عادة الا أن يكون لليلتين و هذا يوجب كون اليوم من رمضان في هلال رمضان و كونه يوم الفطر في هلال شوال و لهما قول النبي صلى الله عليه و سلم صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته أمر بالصوم و الفطر بعد الرؤية و فيما قاله أبو يوسف يتقدم وجوب الصوم و الفطر على الرؤية و هذا خلاف النص و لو أن أهل مصر لم يروا الهلال فأكملوا شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا و فيهم رجل صام يوم الشك بنية رمضان ثم رأوا هلال شوال عشية التاسع و العشرين من رمضان فصام أهل المصر تسعة و عشرين يوما و صام ذلك الرجل ثلاثين يوما فأهل المصر قد أصابوا و أحسنوا و أساء ذلك الرجل و أخطأ لانه خالف السنة اذ السنة ان يصام رمضان لرؤية الهلال إذا كانت السماء مصحية أو بعد شعبان ثلاثين يوما كما نطق به الحديث و قد عمل أهل المصر بذلك و خالف الرجل فقد أصاب أهل المصر و أخطأ الرجل و لا قضأ على أهل المصر لان الشهر قد يكون ثلاثين يوما و قد يكون تسعة و عشرين يوما لقول النبي صلى الله عليه و سلم الشهر هكذا و هكذا و أشار إلى جميع أصابع يديه ثم قال الشهر هكذا هكذا ثلاثا و حبس ابهامه في المرة الثالثة فثبت ان الشهر قد يكون ثلاثين و قد يكون تسعة و عشرين و قد روى عن أنس رضى الله تعالى عنه انه قال صمنا على عهد رسول الله صلى الله عليه
و سلم تسعة و عشرين يوما أكثر مما صمنا ثلاثين يوما و لو صام أهل بلد ثلاثين يوما و صام أهل بلد آخر تسعة و عشرين يوما فان كان صوم أهل ذلك البلد بروية الهلال و ثبت ذلك عند قاضيهم أو عدوا شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا رمضان فعلى أهل البلد الاخر قضأ يوم لانهم أفطروا يوما من رمضان لثبوت الرمضانية بروية أهل ذلك البلد و عدم رؤية أهل البلد لا يقدح في رؤية أولئك اذ العدم لا يعارض الوجود و ان كان صوم أهل ذلك البلد بغير رؤية هلال رمضان أو لم تثبت الرؤية عند قاضيهم و لا عدوا شعبان ثلاثين يوما فقد أساؤا حيث تقدموا رمضان بصوم يوم و ليس على أهل البلد الآخر قضاؤه و لما ذكرنا ان الشهر قد يكون ثلاثين و قد يكون تسعة و عشرين هذا إذا كانت المسافة بين البلدين قريبة لا تختلف فيها المطالع فاما إذا كانت بعيدة فلا يلزم أحد البلدين حكم الآخر لان مطالع البلاد عند المسافة الفاحشة تختلف فيعتبر في أهل كل بلد مطالع بلدهم دون البلد الآخر و حكى عن أبى عبد الله بن أبى موسى الضر ير انه استفتى في أهل اسكندرية ان الشمس تغرب بها و من على منارتها يرى الشمس بعد ذلك بزمان كثير فقال يحل لاهل البلد الفطر و لا يحل لمن على رأس المنارة إذا كان يرى غروب الشمس لان مغرب الشمس يختلف كما يختلف مطلعها فيعتبر في أهل كل موضع مغربه و لو صام أهل مصر تسعة و عشرين و أفطروا للرؤية و فيهم مريض لم يصم فان علم ما صام أهل مصره فعليه قضأ تسعة و عشرين يوما لان القضاء على قدر الفائت و الفائت هذا القدر فعليه قضأ هذا القدر و ان لم يعلم هذا الرجل ما صنع أهل مصره صام ثلاثين يوما لان الاصل في الشهر ثلاثون يوما و النقصان عارض فإذا لم يعلم عمل بالاصل و قالوا فيمن أفطر شهر العذر ثلاثين يوما ثم قضى شهرا بالهلال فكان تسعة و عشرين يوما ان عليه قضأ يوم آخر لان المعتبر عدد الايام التي أفطر فيها دون الهلال لان القضاء على قدر الفائت و الفائت ثلاثون يوما فيقضى يوما آخر تكملة الثلاثين و اما الذي يرجع إلى الصائم فمنها الاسلام فانه شرط جواز الاداء بلا خلاف و فى كونه شرط الوجوب خلاف سنذكره في موضعه و منها الطهارة عن الحيض و النفاس فانها شرط صحة الاداء بإجماع الصحابة رضى الله عنهم و فى كونها شرط الوجوب خلاف نذكره في موضعه فاما البلوغ فليس من شرائط صحة الاداء فيصح اداء الصوم من الصبي العاقل و يثاب عليه لكنه من شرائط الوجوب لما نذكره و كذا العقل و الافاقة ليسا من شرائط صحة الاداء حتى لو نوى الصوم من الليل ثم جن في النهار أو أغمى عليه يصح صومه في ذلك اليوم و لا يصح صومه في اليوم الثاني لا لعدم أهلية الاداء بل لعدم النية لان النية من المجنون و المغمى عليه لا تتصور و فى كونهما من شرائط الوجوب كلام نذكره في موضعه و منها النية و الكلام في هذا لشرط يقع في ثلاث مواضع أحدها في بيان أصله و الثاني في بيان كيفيته و الثالث في بيان وقته اما الاول فاصل النية شرط جواز الصيامات كلها في قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر صوم رمضان في حق المقيم جائز بدون النية و احتج بقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه أمر بصوم الشهر مطلقا عن شرط النية و الصوم هو الامساك و قد أتى به فيخرج عن العهدة و لان النية انما تشترط للتعيين و الحاجة إلى التعيين عند المزاحمة و لا مزاحمة لان الوقت لا يحتمل الا صوما واحدا في حق المقيم و هو صوم رمضان فلا حاجة إلى التعيين بالنية و لنا قول النبي صلى الله عليه و سلم لا عمل لمن لا نية له و قوله الاعمال بالنيات و لكل امرئ ما نوى و لان صوم رمضان عبادة و العبادة اسم لفعل يأتيه العبد باختياره خالصا لله تعالى بأمره و الاختيار و الاخلاص لا يتحققان بدون النية و اما الآية فمطلق اسم الصوم ينصرف إلى الصوم الشرعي و الامساك لا يصير صوما شرعا بدون النية لما بينا و اما قوله ان النية شرط للتعيين و زمان رمضان متعين لصوم رمضان فلا حاجة إلى النية فنقول لا حاجة إلى النية لتعيين الوصف لكن تقع الحاجة إلى النية لتعيين الاصل بيانه ان أصل الامساك متردد بين ان يكون عادة أو حمية و بين أن يكون لله تعالى بل الاصل ان يكون فعل كل فاعل لنفسه ما لم يجعله لغيره فلا بد من النية ليصير لله تعالى ثم إذا صار أصل الامساك لله تعالى في هذا الوقت بأصل النية و الوقت متعين لفرضه يقع عن الفرض من الحاجة إلى تعيين الوصف و اما الثاني في كيفية النية فان كان الصوم عينا و هو صوم
رمضان وصوم النفل خارج رمضان و المنذور به في وقت بعينه يجور بنية مطلقة عندنا و قال الشافعي صوم النفل يجوز بنية مطلقة فاما الصوم الواجب فلا يجوز الا بنية معينة وجه قوله أن هذا صوم مفروض فلا يتأدى الا بنية الفرض كصوم القضاء و الكفارات و النذور المطلقة و هذا لان الفرضية صفة زائدة على أصل الصوم يتعلق بها زيادة الثواب فلا بد من زيادة النية و هي نية الفرض و لنا قوله تعالي فمن شهد منكم الشهر فليصمه و هذا قد شهد الشهر و صامه فيخرج عن العهدة و لان النية لو شرطت انما تشترط اما ليصير الامساك لله تعالى و اما للتمييز بين نوع و نوع و لا وجه للاول لان مطلق النية كان لصيرورة الامساك لله تعالى لانه يكفى لقطع التردد و لقول النبي صلى الله عليه و سلم و لكل امرئ ما نوى و قد نوى ان يكون إمساكه لله تعالى فلو لم يقع لله تعالي لا يكون له ما نوى و هذا خلاف النص و لا وجه للثاني لان مشروع الوقت واحد لا يتنوع فلا حاجة إلى التمييز بتعيين النية بخلاف صوم القضاء و النذر و الكفارة لان مشروع الوقت و هو خارج رمضان متنوع فوقعت الحاجة إلى التعيين بالنية فهو الفرق و قوله هذا صوم مفروض مسلم و لكن لم لا تتأدى نية الفرض بدون نية الفرض و قوله الفرضية صفة للصوم زائدة عليه فتفتقر الي نية زائدة ممنوع انها صفة زائدة على الصوم لان الصوم صفة و الصفة لا تحتمل صفة زائدة عليها قائمة بها بل هو وصف اضافى فيسمى الصوم مفروضا و فريضة لدخوله تحت فرض الله تعالى لا لفرضية قامت به و إذا لم يكن صفة قائمة بالصوم لا يشترط له نية الفرض و زيادة الثواب لفضيلة الوقت لا لزيادة صفة العمل و الله أعلم و لو صام رمضان بنية النفل أو صام المنذور بعينه بنية النفل يقع صومه عن رمضان و عن المنذور عندنا و عند الشافعي لا يقع و كذا لو صام رمضان بنية واجب آخر من القضاء و الكفارات و النذور يقع عن رمضان عندنا و عنده لا يقع هو يقول لما نوى النفل فقد أعرض عن الفرض و المعرض عن فعل لا يكون آتيابه و نحن نقول انه نوى الاصل و الوصف و الوقت قابل للاصل قابل للوصف فبطلت نية الوصف و بقيت نية الاصل و انها كافية لصيرورة الامساك لله تعالى على ما بينا في المسألة الاولي و لو نوى في النذر المعين واجبا آخر يقع عما نوى بالاجماع بخلاف صوم رمضان وجه الفرق ان كل واحد من الوقتين و ان تعين لصومه الا ان أحدهما و هو شهر رمضان معين بتعيين من له الولاية على الاطلاق و هو الله تعالى فثبت التعيين على الاطلاق فيظهر في حق فسخ سائر الصيامات و الآخر تعين بتعيين من له ولاية قاصرة و هو العبد فيظهر تعيينه فيما عينه له و هو صوم التطوع دون الواجبات التي هى حق الله تعالى في هذه الاوقات فبقيت الاوقات محلا لها فإذا نواها صح هذا الذي ذكرنا في حق المقيم فاما المسافر فان صام رمضان بمطلق النية فكذلك يقع صومه عن رمضان بلا خلاف بين أصحابنا و ان صام بنية واجب آخر يقع عما نوى في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد يقع عن رمضان و ان صام بنية التطوع فعندهما يقع عن رمضان و عن أبى حنيفة فيه روايتان روى أبو يوسف عن أبى حنيفة انه يقع عن التطوع و روى الحسن عنه انه يقع عن رمضان قال القدوري الرواية الاولى هى الاصح وجه قولهما ان الصوم واجب على المسافر و هو العزيمة و الافطار له خصة فإذا اختار العزيمة و ترك الرخصة صار هو و المقيم سواء فيقع صومه عن رمضان كالمقيم و لابي حنيفة ان الصوم و ان وجب عليه لكن رخص له في الافطار نظرا له فلان يرخص له إسقاط ما في ذمته و النظر له فيه أكثر أولى و اما إذا نوى التطوع فوجه رواية أبى يوسف عن أبى حنيفة ان الصوم واجب على المسافر في رمضان بدليل انه يباح له الفطر فاشبه خارج رمضان و لو نوى التطوع خارج رمضان يقع عن التطوع كله كذا في رمضان وجه رواية الحسن عنه ان صوم التطوع لا يفتقر إلى تعيين نية المتطوع بل نية الصوم فيه كافية فتلغو نية التعيين و يبقى أصل النية فيصير صائما في رمضان بنية مطلقة فيقع عن رمضان و اما قوله ان الصوم واجب على المسافر في رمضان فممنوع بل هو واجب الا انه يترخص فيه فإذا لم يترخص و لم ينو واجبا آخر بقي صوم رمضان واجبا عليه فيقع صومه عنه و اما المريض الذي رخص له في الافطار فان صام بنية مطلقة يقع صومه عن رمضان بلا خلاف و ان صام بنية التطوع فعامة مشايخنا قالوا انه يقع صومه عن رمضان لانه لما قدر على الصوم صار كالصحيح
و الكرخي سوى بين المريض و المسافر و روى أبو يوسف عن أبى حنيفة انه يقع عن التطوع و يشترط لكل يوم من رمضان نية على حدة عند عامة العلماء و قال مالك يجوز صوم جميع الشهر بنية واحدة وجه قوله ان الواجب صوم الشهر لقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه و الشهر اسم لزمان واحد فكان الصوم من أوله إلى آخره عبادة واحدة كالصلاة و الحج فيتأدى بنية واحدة و لنا ان صوم كل يوم عبادة على حدة متعلقة باليوم الآخر بدليل ان ما يفسد أحدهما لا يفسد الآخر فيشترط لكل يوم منه نية على حدة و قوله الشهر اسم لزمان واحد ممنوع بل هو اسم لازمنة مختلفة بعضها محل للصوم و بعضها ليس بوقت له و هو الليالي فقد تخلل بين كل يومين ما ليس بوقت لهما فصار صوم كل يومين عبادتين مختلفتين كصلاتين و نحو ذلك و ان كان الصوم دينا و هو صوم القضاء و الكفارات و النذور المطلقة لا يجوز الا بتعيين النية حتى لو صام بنية مطلق الصوم لا يقع عما عليه لان زمان خارج رمضان متعين للنفل شرعا عند بعض مشايخنا و المطلق ينصرف إلى ما تعين له الوقت و عند بعضهم هو وقت للصيامات كلها على الابهام فلا بد من تعيين الوقت للبعض بالنية لتتعين له لكنه عند الاطلاق ينصرف إلى التطوع لانه أدنى و الادنى متيقن به فيقع الامساك عنه و لو نوى بصومه قضأ رمضان و التطوع كان عن القضاء في قول أبى يوسف و قال محمد يكون عن التطوع وجه قوله انه عين الوقت لجهتين مختلفتين متنافيتين فسقطتا للتعارض و بقى أصل النية و هو نية الصوم فيكون عن التطوع و لابي يوسف ان نية التعيين في التطوع لغو فلغت و بقى أصل النية فصار كانه نوى قضأ رمضان و الصوم و لو كان كذلك يقع عن القضاء كذا هذا فان نوى قضأ رمضان و كفارة الظهار قال أبو يوسف يكون عن القضاء استحسانا و القياس أن يكون عن التطوع و هو قول محمد وجه القياس على نحو ما ذكرنا في المسألة الاولى ان جهتي التعيين تعارضتا للتنافي فسقطتا بحكم التعارض فبقى نية مطلق الصوم فيكون تطوعا وجه الاستحسان ان الترجيح لتعيين جهة القضاء لانه خلف عن صوم رمضان و خلف الشيء يقوم مقامه كانه هو وصوم رمضان أقوى الصيامات حتى تندفع به نية سائر الصيامات و لانه بدل صوم وجب بإيجاب الله تعالى ابتداء وصوم كفارة الظهار وجب بسبب وجد من جهة العبد فكان القضاء أقوى فلا يزاحمه الا ضعف و روى ابن سماعة عن محمد فيمن نذر صوم يوم بعينه فصامه ينوى النذر و كفارة اليمين فهو عن النذر لتعارض النيتين فتساقطا و بقى نية الصوم مطلقا فيقع عن النذر المعين و الله أعلم و اما الثالث و هو وقت النية فالأَفضل في الصيامات كلها أن ينوى وقت طلوع الفجر ان أمكنه ذلك أو من الليل لان النية عند طلوع الفجر تفارن أول جزء من العبادة حقيقة و من الليل تقارنه تقديرا و ان نوى بعد طلوع الفجر فان كان الصوم دينا لا يجوز بالاجماع و ان كان عينا و هو صوم رمضان وصوم التطوع خارج رمضان و المنذور المعين يجوز و قال زفر ان كان مسافرا لا يجوز صومه عن رمضان بنية من النهار و قال الشافعي لا يجوز بنية من النهار الا التطوع و قال مالك لا يجوز التطوع أيضا و لا يجوز صوم التطوع بنية من النهار بعد الزوال عندنا و للشافعي فيه قولان اما الكلام مع مالك فوجه قوله ان التطوع تبع للفرض ثم لا يجوز صوم الفرض بنية من النهار فكذا التطوع و لنا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنه انه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصبح لا ينوى الصوم ثم يبدو له فيصوم و عن عائشة رضى الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يدخل على أهله فيقول هل عندكم عن غداء فان قالوا لا قال فانى صائم وصوم التطوع بنية من النهار قبل الزوال مروى عن على و ابن مسعود و ابن عباس و أبى طلحة و أما الكلام فيما بعد الزوال فبناء على ان صوم النفل عندنا متجزئ كصوم الفرض و عند الشافعي في أحد قوليه متجزئ حتى قال يصير صائما من حين نوى لكن بشرط الامساك في أول النهار و حجته ما روينا عن ابن عباس و عائشة رضى الله عنهما مطلقا من فصل بين ما قبل الزوال و بعده و أما عندنا فالصوم لا يتجزأ فرضا كان أو نفلا و يصير صائما من أول النهار لكن بالنية الموجودة وقت الركن و هو الامساك وقت الغداء المتعارف لما نذكر فإذا نوى بعد الزوال فقد خلا بعض الركن عن الشرط فلا يصير صائما شرعا و الحديثان محمولان على ما قبل الزوال بدليل ما ذكرنا و أما الكلام مع
الشافعي في صوم رمضان فهو يحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا صيام لمن لم يعزم الصوم من الليل و لان الامساك من أول النهار إلى آخره ركن فلا بد له من النية ليصير لله تعالى و قد انعدمت في أول النهار فلم يقع الامساك في أول النهار لله تعالي لفقد شرطه فكذا الباقى لان صوم الفرض لا يتجزأ و لهذا لا يجوز صوم القضاء و الكفارات و النذور المطلقة بنية من النهار و كذا صوم رمضان و لنا قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى قوله ثم أتموا الصيام الي الليل أباح للمؤمنين الاكل و الشرب و الجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر و أمر بالصيام عنها بعد طلوع الفجر متأخرا عنه لان كلمة ثم للتعقيب مع التراخى فكان هذا أمرا بالصوم متراخيا عن أول النهار و الامر بالصوم أمر بالنية اذ لا صحة للصوم شرعا بدون النية فكان أمرا بالصوم بنية متأخرة عن أول النهار و قد أتى به فقد أتى بالمأمور به فيخرج عن العهدة و فيه دلالة ان الامساك في أول النهار يقع صوما وجدت فيه النية أو لم توجد لان إتمام الشيء يقتضى سابقية وجود بعض منه و لانه صام رمضان في وقت متعين شرعا لصوم رمضان لوجود ركن الصوم مع شرائطه التي ترجع إلى الاهلية و المحلية و لا كلام في سائر الشرائط و انما الكلام في النية و وقتها وقت وجود الركن و هو الامساك وقت الغداء المتعارف و الامساك في أول النهار شرط و ليس بركن لان ركن العبادة ما يكون شاقا على البدن مخالفا للعادة و هو النفس و ذلك هو الامساك وقت الغداء المتعارف فأما الامساك في أول النهار فمعتاد فلا يكون ركنا بل يكون شرطا لانه وسيلة إلى تحقيق معنى الركن الا انه لا يعرف كونه وسيلة للحال لجواز أن لا ينوى وقت الركن فإذا نوى ظهر كونه وسيلة من حين وجوده و النية تشترط لصيرورة الامساك الذي هو ركن عبادة لا لما يصير عبادة بطريق الوسيلة على ما قررنا في الخلافيات و أما الحديث فهو من الآحاد فلا يصلح ناسخا للكتاب لكنه يصلح مكملا له فيحمل على نفى الكمال كقوله لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد ليكون عملا بالدليلين بقدر الامكان و أما صيام القضاء و النذور و الكفارات فما صامها في وقت متعين لها شرعا لان خارج رمضان متعين للنفل موضوع له شرعا الا أن يعينه لغيره فإذا لم ينو من الليل صوما آخر بقي الوقت متعينا للتطوع شرعا فلا يملك تغييره فاما ههنا فالوقت متعين لصوم رمضان و قد صامه لوجود ركن الصوم و شرائطه على ما بينا و اما الكلام مع زفر في المسافر إذا صام رمضان بنية من النهار فوجه قوله ان الصوم واجب على المسافر في رمضان حتما ألا ترى ان له أن يفطر و الوقت متعين لصوم رمضان في حقه فان له أن يصوم عن واجب آخر فاشبه صوم القضاء خارج رمضان و ذا لا يتأدى بنية من النهار كذا هذا و لنا ان الصوم واجب على المسافر في رمضان و هو العزيمة في حقه الا ان له أن يترخص بالافطار و له أن يصوم عن واجب آخر عند أبى حنيفة بطريق الرخصة و التيسير أيضا لما فيه من إسقاط الفرض عن ذمته على ما بينا فيما تقدم فإذا لم يفطر و لم ينو واجبا آخر بقي صوم رمضان واجبا عليه و قد صامه فيخرج عن العهدة كالمقيم سواء و يتصل بهذين الفصلين و هو بيان كيفية النية و وقت النية مسألة الاسير في يد العدو إذا اشتبه عليه شهر رمضان فتحرى و صام شهرا عن رمضان و جملة الكلام فيه انه إذا صام شهرا عن رمضان لا يخلوا ما ان وافق شهر رمضان أو لم يوافق بان تقدم أو تأخر فان وافق جاز و هذا لا يشكل لانه أدى ما عليه و ان تقدم لم يجز لانه أدى الواجب قبل وجوبه و قبل وجود سبب وجوبه و ان تأخر فان وافق شوال يجوز لكن يراعى فيه موافقة الشهرين في عدد الايام و تعيين النية و وجودها من الليل و أما موافقة العدد فلان صوم شهر آخر بعده يكون قضأ و القضاء يكون على قدر الفائت و الشهر قد يكون ثلاثين يوما و قد يكون تسعة و عشرين يوما و أما تعيين النية و وجودها من الليل فلان صوم القضاء لا يجوز بمطلق النية و لا بنية من النهار لما ذكرنا فيما تقدم و هل تشترط نية القضاء ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي انه لا يشترط و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه يشترط و الصحيح ما ذكره القدوري لانه نوى ما عليه من صوم رمضان و عليه القضا فكان ذلك منه تعيين نية القضاء و بيان هذه الجملة انه إذا وافق صومه شهر شوال ينظر ان كان رمضان كاملا و شوال كاملا قضى يوما واحدا لاجل يوم الفطر لان صوم القضاء لا يجوز فيه و ان كان رمضان كاملا
و شوال ناقصا قضى يومين يوما لاجل يوم الفطر و يوما لاجل النقصان لان القضاء يكون على قدر الفائت و ان كان رمضان ناقصا و شوال كاملا لا شيء عليه لانه أكمل عدد الفائت و ان وافق صومه هلال ذي الحجة فان كان رمضان كاملا و ذو الحجة كاملا قضى أربعة أيام يوما لاجل يوم النحر و ثلاثة أيام لاجل أيام التشريق لان القضاء لا يجوز في هذه الايام و ان كان رمضان كاملا و ذو الحجة ناقصا قضى خمسة أيام يوما للنقصان و أربعة أيام ليوم النحر و أيام التشريق و ان كان رمضان ناقصا و ذو الحجة كاملا قضى ثلاثة أيام لان الفائت ليس الا هذا القدر و ان وافق صومه شهرا آخر سوى هذين الشهرين فان كان الشهران كاملين أو ناقصين أو كان رمضان ناقصا و الشهر الآخر كاملا فلا شيء عليه و ان كان رمضان كاملا و الشهر الآخر ناقصا قضى يوما واحدا لان الفائت يوم واحد و لو صام بالتحري سنين كثيرة ثم تبين انه صام في كل سنة قبل شهر رمضان فهل يجوز صومه في السنة الثانية عن الاولى و فى الثالثة عن الثانية و فى الرابعة عن الثالثة هكذا قال بعضهم يجوز لانه في كل سنة من الثانية و الثالثة و الرابعة صام صوم رمضان الذي عليه و ليس عليه الا القضاء فيقع قضأ عن الاول و قال بعضهم لا يجوز و عليه قضأ الرمضانات لانه صام في كل سنة عن رمضان قبل دخول رمضان و فصل الفقية أبو جعفر الهندواني رحمه الله في ذلك تفصيلا فقال ان صام في السنة الثانية عن الواجب عليه الا انه ظن انه من رمضان يجوز و كذا في الثالثة و الرابعة لانه صام عن الواجب عليه و الواجب عليه قضأ صوم رمضان الاول دون الثاني و لا يكون عليه الا قضأ رمضان الاخير خاصة لانه ما قضاه فعليه قضاؤه و ان صام في السنة الثانية عن الثالثة و فى السنة الثالثة عن الرابعة لم يجز و عليه قضأ الرمضانات كلها أما عدم الجواز عن الرمضان الاول فلانه ما نوى عنه و تعيين النية في القضاء شرط و لا يجوز عن الثاني لانه صام قبله متقدما عليه و كذا الثالث و الرابع و ضرب له مثلا و هو رجل اقتدى بالامام على ظن انه زيد فإذا هو عمر و صح اقتداؤه به و لو اقتدى بزيد فإذا هو عمر و لم يصح اقتداؤه به لانه في الاول نوى الاقتداء بالامام الا انه ظن ان الامام زيد فاخطأ في ظنه فهذا لا يقدح في صحة اقتدائه بالامام و فى الثاني نوى الاقتداء بزيد فإذا لم يكن زيدا تبين انه ما اقتدى بأحد كذلك ههنا إذا نوى في صوم كل سنة عن الواجب عليه تعلقت نيته بالواجب عليه لا بالاول و الثاني الا انه ظن انه الثاني فاخطأ في ظنه فيقع عن الواجب عليه لا عما ظن و الله أعلم و أما الشرائط التي تخص بعض الصيامات دون بعض و هي شرائط الوجوب فمنها الاسلام فلا يجب الصوم على الكافر في حق أحكام الدنيا بلا خلاف حتى لا يخاطب بالقضاء بعد الاسلام و أما في حق أحكام الآخرة فكذلك عندنا و عند الشافعي يجب و لقب المسألة ان الكفار مخاطبين بشرائع هى عبادات عندنا خلافا له و هي تعرف في أصول الفقة و على هذا يخرج الكافر إذا أعلم في بعض شهر رمضان انه لا يلزمه قضأ ما مضى لان الوجوب لم يثبت فيما مضى فلم يتصور قضأ الواجب و هذا التخريج على قول من يشترط لوجوب القضاء سابقة وجوب الاداء من مشايخنا و أما على قول من لا يشترط ذلك منهم فانما لا يلزمه قضأ ما مضى لمكان الحرج اذ لو لزمه ذلك للزمه قضأ جميع ما مضى من الرمضانات في حال الكفر لان البعض ليس بأولى من البعض و فيه من الحرج ما لا يخفى و كذا إذا أسلم في يوم من رمضان قبل الزوال لا يلزمه صوم ذلك اليوم حتى لا يلزمه قضاؤه و قال مالك يلزمه و انه سديد لانه لم يكن من أهل الوجوب في أول اليوم أو لما في وجوب القضاء من الحرج على ما بينا و منها البلوغ فلا يجب صوم رمضان على الصبي و ان كان عاقلا حتى لا يلزمه القضاء بعد البلوغ لقول النبي صلى الله عليه و سلم رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم و عن المجنون حتى يفيق و عن النائم حتى يستيقظ و لان الصبي لضعف بنيته و قصور عقله و اشتغاله باللهو و اللعب يشق عليه تفهم الخطاب و أداء الصوم فاسقط الشرع عنه العبادات نظرا له فإذا لم يجب عليه الصوم في حال الصبا لا يلزمه القضاء لما بينا انه لا يلزمه لمكان الحرج لان مدة الصبا مديدة فكان في إيجاب القضاء عليه بعد البلوغ حرج و كذا إذا بلغ في يوم من رمضان قبل الزوال لا يجزئه صوم ذلك اليوم و ان نوى و ليس عليه قضاؤه اذ لم يجب عليه في أول اليوم لعدم أهلية الوجوب فيه و الصوم لا يتجزأ وجوبا و جوازا و لما فيه من الحرج
على ما ذكرنا و روى عن أبى يوسف في الصبي يبلغ قبل الزوال أو أسلم الكافر أن عليهما القضاء و وجهه انهما أدركا وقت النية فصار كانهما أدركا من الليل و الصحيح جواب ظاهر الرواية لما ذكرنا ان الصوم لا يتجزأ وجوبا فإذا لم يجب عليهما البعض لم يجب الباقى أو لما في إيجاب القضاء من الحرج و أما العقل فهل هو من شرائط الوجوب و كذا الافاقة و اليقظة قال عامة مشايخنا انها ليست من شرائط الوجوب و يجب صوم رمضان على المجنون و المغمى عليه و النائم لكن أصل الوجوب لا وجوب الاداء بناء على ان عندهم الوجوب نوعان أحدهما أصل الوجوب و هو اشتغال الذمة بالواجب و انه ثبت بالاسباب لا بالخطاب و لا تشترط القدرة لثبوته بل ثبت جبرا من الله تعالى شاء العبد أو أبى و الثاني وجوب الاداء و هو إسقاط ما في الذمة و تفريغها من الواجب و انه ثبت بالخطاب و تشترط له القدرة على فهم الخطاب و على أداء ما تناوله الخطاب لان الخطاب لا يتوجه الي العاجز عن فهم الخطاب و لا على العاجز عن فعل ما تناوله الخطاب و المجنون لعدم عقله أو لاستتاره و المغمى عليه و النائم لعجزهما عن استعمال عقلهما عاجزون عن فهم الخطاب و عن أداء ما تناوله الخطاب فلا يثبت وجوب الاداء في حقهم و يثبت أصل الوجوب في حقهم لانه لا يعتمد القدرة بل يثبت جبرا و تقرير هذا الاصل معروف في أصول الفقة و فى الخلافيات و قال أهل التحقيق من مشايخنا بما وراء النهر ان الوجوب في الحقيقة نوع واحد و هو وجوب الاداء فكل من كان من أهل الاداء كان من أهل الوجوب و من لا فلا و هو اختيار أستاذي الشيخ الاجل الزاهد علاء الدين رئيس أهل السنة محمد بن أحمد السمرقندي رضى الله عنه لان الوجوب المعقول هو وجوب الفعل كوجوب الصوم و الصلاة و سائر العبادات فمن لم يكن من أهل أداء الفعل الواجب و هو القادر على فهم الخطاب و القادر على فعل ما يتناوله الخطاب لا يكون من أهل الوجوب ضرورة و المجنون و المغمى عليه و النائم عاجزون عن فعل الخطاب بالصوم و عن ادائه اذ الصوم الشرعي هو الامساك لله تعالى و لن يكون ذلك بدون النية و هؤلاء ليسوا من أهل النية فلم يكونوا من أهل الاداء فلم يكونوا من أهل الوجوب و الذى دعا الاولين إلى القول بالوجوب في حق هؤلاء ما انعقد الاجماع عليه من وجوب القضاء على المغمى عليه و النائم بعد الافاقة و الانتباه بعد مضى بعض الشهر أو كله و ما قد صح من مذهب أصحابنا رحمهم الله في المجنون إذا أفاق في بعض شهر رمضان أنه يجب عليه قضأ ما مضى من الشهر فقالوا ان وجوب القضاء يستدعى فوات الواجب المؤقت عن وقته مع القدرة عليه و انتفاء الحرج فلا بد من الوجوب في الوقت ثم فواته حتى يمكن إيجاب القضاء فاضطرهم ذلك إلى إثبات الوجوب في حال الجنون و الاغماء والنوم و قال الآخرون ان وجوب القضاء لا يستدعى سابقية الوجوب لا محالة و انما يستدعى فوت العبادة عن وقتها و القدرة على القضاء من حرج و لذلك اختلفت طرقهم في المسألة و هذا الذي ذكرنا في المجنون إذا أفاق في بعض شهر رمضان أنه يلزمه قضأ ما مضى جواب الاستحسان و القياس أن لا يلزمه و هو قول زفر و الشافعي و أما المجنون جنونا مستوعبا بأن جن قبل دخول شهر رمضان و أفاق بعد مضيه فلا قضأ عليه عند عامة العلماء و عند مالك يقضى وجه القياس أن القضاء هو تسليم مثل الواجب و لا وجوب على المجنون لان الوجوب بالخطاب و لا خطاب عليه لانعدام القدرتين و لهذا لم يجب القضاء في الجنون المستوعب شهرا وجه قول أصحابنا أما من قال بالوجوب في حال الجنون يقول فانه الواجب عن وقته و قدر على قضائه من حرج فليزمه قضاؤه قياسا على النائم و المغمى عليه و دليل الوجوب لهم وجود سبب الوجوب و هو الشهر اذ الصوم يضاف اليه مطلقا يقال صوم الشهر و الاضافة دليل السببية و هو قادر على القضاء من حرج و فى إيجاب القضاء عند الاستيعاب حرج و أما من أبى القول بالوجوب في حال الجنون يقول هذا شخص فاته صوم شهر رمضان و قدر على قضائه من حرج فيلزمه قضاؤه قياسا على النائم و المغمى عليه و معنى قولنا فاته صوم شهر رمضان أى لم يصم شهر رمضان و قولنا من حرج فلانه لا حرج في قضأ نصف الشهر و تأثيرها من وجهين أحدهما أن الصوم عبادة و الاصل في العبادات وجوبها على الدوام بشرط الامكان و انتفاء الحرج لما ذكرنا في
الخلافيات الا أن الشرع عين شهر رمضان من السنة في حق القادر على الصوم فبقى الوقت المطلق في حق العاجز عنه و قتاله و الثاني أنه لما فاته صوم شهر رمضان فقد فاته الثواب المتعلق به فيحتاج إلى استدراكه بالصوم في عدة من أيام أخر ليقوم الصوم فيها مقام الفائت فينجبر الفوات بالقدر الممكن فإذا قدر على قضائه من حرج أمكن القول بالوجوب عليه فيجب كما في المغمى عليه و النائم بخلاف الجنون المستوعب فان هناك في إيجاب القضاء حرجا لان الجنون المستوعب قلما يزول بخلاف الاغماء والنوم إذا استوعب لان استيعابه نادر و النادر ملحق بالعدم بخلاف الجنون فان استيعابه ليس بنادر و يستوى الجواب في وجوب قضأ ما مضى عند أصحابنا في الجنون العارض ما إذا أفاق في وسط الشهر أو في أوله حتى لو جن قبل الشهر ثم أفاق في آخر يوم منه يلزمه قضأ جميع الشهر و لو جن في أول يوم من رمضان فلم يفق الا بعد مضى الشهر يلزمه قضأ كل الشهر الا قضأ اليوم الذي جن فيه ان كان نوى الصوم في الليل و ان كان لم ينو قضى جميع الشهر و لو جن في طرفي الشهر و أفاق في وسطه فعليه قضأ الطرفين و أما المجنون الاصلى و هو الذي بلغ مجنونا ثم أفاق في بعض الشهر فقد روى عن محمد انه فرق بينهما فقال لا يقضى ما مضى من الشهر و روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه سوى بينهما و قال يقضى ما مضى من الشهر و هكذا روى هشام عن أبى يوسف في صبي له عشر سنين جن فلم يزل مجنونا حتى أتى عليه ثلاثون سنة أو أكثر ثم صح في آخر يوم من شهر رمضان فالقياس أنه لا يجب عليه قضأ ما مضى لكن استحسن أن يقضى ما مضى في هذا الشهر وجه قول محمد أن زمان الافاقة في حيز زمان ابتداء التكليف فاشبه الصغير إذا بلغ في بعض الشهر بخلاف الجنون العارض فان هناك زمان التكليف سبق الجنون الا أنه عجز عن الاداء بعارض فاشبه المريض العاجز عن اداء الصوم إذا صح وجه رواية عن أبى حنيفة و أبى يوسف ما ذكرنا من الطريقين في الجنون العارض و لو أفاق المجنون جنونا عارضا في نهار رمضان قبل الزوال فنوى الصوم أجزأه عن رمضان و الجنون الاصلى على الاختلاف الذي ذكرنا و يجوز في الاغماء والنوم بلا خلاف بين أصحابنا و على هذا الطهارة من الحيض و النفاس انها شرط الوجوب عند أهل التحقيق من مشايخنا اذ الصوم الشرعي لا يتحقق من الحائض و النفساء فتعذر القول بوجوب الصوم عليهما في وقت الحيض و النفاس الا أنه يجب عليهما قضأ الصوم لفوات صوم رمضان عليهما و لقدرتهما على القضاء في عدة من أيام اخر من حرج و ليس عليهما قضأ الصلوات لما فيه من الحرج لان وجوبها يتكرر في كل يوم خمس مرات و لا يلزم الحائض في السنة الا قضأ عشرة أيام و لا حرج في ذلك و على قول عامة المشايخ ليس بشرط واصل الوجوب ثابت في حالة الحيض و النفاس و انما تشترط الطهارة لاهلية الاداء و الاصل فيه ما روى أن إمرأة سألت عائشة رضى الله عنها فقالت لم تقض الحائض الصوم و لا تقضى الصلاة فقالت عائشة رضى الله عنها للسائلة أحرورية أنت هكذا كن النساء يفعلن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم اشارت إلى أن ذلك ثبت تعبدا محضا و الظاهر أن فتواها بلغ الصحابة و لم ينقل أنه أنكر عليها منكر فيكون إجماعا من الصحابة رضى الله عنهم و لو طهرتا بعد طلوع الفجر قبل الزوال لا يجزيهما صوم ذلك اليوم لا عن فرض و لا عن نفل لعدم وجوب الصوم عليهما و وجوده في أول اليوم فلا يجب و لا يوجد في الباقى لعدم التجزى و عليهما قضاؤه مع الايام الاخر لما ذكرنا و ان طهرتا قبل طلوع الفجر ينظران كان الحيض عشرة أيام و النفاس أربعين يوما فعليهما قضأ صلاة العشاء و يجزيهما صومهما من الغد عن رمضان إذا نوتا قبل طلوع الفجر لخروجهما عن الحيض و النفاس بمجرد انقطاع الدم فتقع الحاجة الي النية لا و ان كان الحيض دون العشرة و النفاس دون الاربعين فان بقي من الليل مقدار ما يسع للاغتسال و مقدار ما يسع النية بعد الاغتسال فكذلك و ان بقي من الليل دون ذلك لا يلزمهما قضأ صلاة العشاء و لا يجزيهما صومهما من الغد و عليهما قضأ ذلك اليوم كما لو طهرتا بعد طلوع الفجر لان مدة الاغتسال فيما دون العشرة و الاربعين من الحيض بإجماع الصحابة رضى عنهم و لو أسلم الكافر قبل طلوع الفجر بمقدار ما يمكنه النية فعليه صوم الغد و الا فلا
فصل وأما ركنه فالامساك
و كذلك الصبي إذا بلغ و كذلك المجنون جنونا أصليا على قول محمد لانه بمنزلة الصبا عنده ( فصل )
و أما ركنه فالإِمساك عن الاكل و الشرب و الجماع لان الله تعالى أباح الاكل و الشرب و الجماع في ليالي رمضان لقوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى قوله فالآن باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر أى حتى يتبين لكم ضوء النهار من ظلمة الليل من الفجر ثم أمر بالامساك عن هذه الاشياء في النهار بقوله عز و جل ثم أتموا الصيام إلى الليل فدل أن ركن الصوم ما قلنا فلا يوجد الصوم بدونه و على هذا الاصل ينبنى بيان ما يفسد الصوم و ينقضه لان انتقاض الشيء عند فوات ركنه أمر ضروري و ذلك بالاكل و الشرب و الجماع سواء كان صورة و معنى أو صورة لا معنى أو معنى لا صورة و سواء كان بغير عذر أو بعذر و سواء كان عمدا أو خطأ طوعا أو كرها بعد ان كان ذاكرا لصومه لا ناسيا و لا في معنى الناسي و القياس أن يفسد و ان كان ناسيا و هو قول مالك لوجود ضد الركن حتى قال أبو حنيفة لو لا قول الناس لقلت يقضى أى لو لا قول الناس أن أبا حنيفة خالف الامر لقلت يقضى لكنا تركنا القياس بالنص و هو ما روى عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من نسى و هو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فان الله عز وجل أطعمة و سقاه حكم ببقاء صومه و علل بانقطاع نسبة فعله عنه بإضافته الي الله تعالى لوقوعه من قصده و روى عن أبى حنيفة أنه قال لا قضأ على الناسي للاثر المروي عن النبي صلى الله عليه و سلم و القياس أن يقضى ذلك و لكن اتباع الاثر أولى إذا كان صحيحا و حديث صححه أبو حنيفة لا يبقى لاحد فيه مطعن و كذا انتقده أبو يوسف حيث قال و ليس حديث شاذ نجترئ على رده و كان من صيارفة الحديث و روى عن على و ابن عمرو و أبى هريرة رضى الله عنهم مثل مذهبنا و لان النسيان في باب الصوم مما يغلب وجوده و لا يمكن دفعه الا بحرج فجعل عذار دفعا للحرج و عن عطاء و الثورى انهما فرقا بين الاكل و الشرب و بين الجماع ناسيا فقالا يفسد صومه في الجماع و لا يفسد في الاكل و الشرب لان القياس يقتضى الفساد في الكل لفوات ركن الصوم في الكل الا انا تركنا القياس بالخبر و انه ورد في الاكل و الشرب فبقى الجماع على أصل القياس و انا نقول نعم الحديث ورد في الاكل و الشرب لكنه معلول بمعنى يوجد في الكل و هو أنه فعل مضاف إلى الله تعالى على طريق التمحيض بقوله فانما أطعمة الله و سقاه قطع اضافته عن العبد لوقوعه فيه من قصده و اختياره و هذا المعنى يوجد في الكل و العلة إذا كانت منصوصا عليها كان الحكم منصوصا عليه و يتعمم الحكم بمعموم العلة و كذا معنى الحرج يوجد في الكل و لو أكل فقيل له انك صائم و هو لا يتذكر انه صائم ثم علم بعد ذلك فعليه القضاء في قول أبى يوسف و عند زفر و الحسن بن زياد لا قضأ عليه وجه قولهما انه لما تذكر انه كان صائما تبين انه أكل ناسيا فلم يفسد صومه و لابي يوسف انه أكل متعمدا لان عنده أنه ليس بصائم فيبطل صومه و لو دخل الذباب حلقه لم يفطره لانه لا يمكنه الاحتراز عنه فاشبه الناسي و لو أخذه فأكله فطره لانه تعمد أكله و ان لم يكن مأكولا كما لو أكل التراب و لو دخل الغبار أو الدخان أو الرائحة في حلقه لم يفطره لما قلنا و كذا لو ابتلع البلل الذي بقي بعد المضمضة في فمه مع البزاق أو ابتلع البزاق الذي اجتمع في فمه لما ذكرنا و لو بقي بين اسنانه شيء فابتلعه ذكر في الجامع الصغير أنه لا يفسد صومه و ان أدخله حلقه متعمدا روى عن أبى يوسف أنه ان تعمد عليه القضاء و لا كفارة عليه ووفق ابن أبى مالك فقال ان كان مقدار الحمصة أو أكثر يفسد صومه و عليه القضاء و لا كفارة كما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى و قول أبى يوسف محمول عليه و ان كان دون الحمصة لا يفسد صومه كما لو ذكر في الجامع الصغير و المذكور فيه محمول عليه و هو الاصح و وجهه ان ما دون الحمصة يسير يبقى بين الاسنان عادة فلا يمكن التحرز عنه بمنزلة الريق فيشبه الناسي و لا كذلك قدر الحمصة فان بقاءه بين الاسنان معتاد فيمكن الاحتراز عنه فلا يلحق بالناسي و قال زفر عليه القضاء و الكفارة وجه قوله انه أكل ما هو مأكول في نفسه الا انه متغير فاشبه اللحم المنتن و لنا انه أكل ما لا يؤكل عادة اذ لا يقصد به الغذاء و لا الدواء فان تثاءب فرفع رأسه إلى السماء فوقع في حلقه قطرة مطر أو ماء صب في ميزاب فطره
لان الاحتراز عنه ممكن و قد وصل الماء إلى جوفه و لو أكره على الاكل أو الشرب فاكل أو شرب بنفسه مكرها و هو ذاكر لصومه فسد صومه بلا خلاف عندنا و عند زفر و الشافعي لا يفسد وجه قولهما ان هذا أعذر من الناسي لان الناسي وجد منه الفعل حقيقة و انما انقطعت نسبته عنه شرعا بالنص و هذا لم يوجد منه الفعل أصلا فكان أعذر من الناسي ثم لم يفسد صوم الناسي فهذا أولى و لنا ان معنى الركن قد فات لوصول المغذى إلى جوفه بسبب لا يغلب وجوده و يمكن التحرز عنه في الجملة فلا يبقى الصوم كما لو أكل أو شرب بنفسه مكرها و هذا لان المقصود من الصوم معناه و هو كونه وسيلة إلى الشكر و التقوى و قهر الطبع الباعث على الفساد على ما بينا و لا يحصل شيء من ذلك إذا وصل الغذاء إلى جوفه و كذا النائمة الصائمة جامعها زوجها و لم تنتبه أو المجنونة جامعها زوجها فسد صومها عندنا خلافا لزفر و الكلام فيه على نحو ما ذكرنا و لو تمضمض أو استنشق فسبق الماء حلقه و دخل جوفه فان لم يكن ذاكرا لصومه لا يفسد صومه لانه لو شرب لم يفسد فهذا أولى و ان كان ذاكرا فسد صومه عندنا و قال ابن أبى ليلي ان كان وضوؤه للصلاة المكتوبة لم يفسد و ان كان للتطوع فسد و قال الشافعي لا يفسد أيهما كان و قال بعضهم ان تمضمض ثلاث مرات فسبق الماء حلقه لم يفسد ان زاد على الثلاث فسد وجه قول ابن أبى ليلي ان الوضوء للصلاة المكتوبة فرض فكل المضمضة و الاستنشاق من ضرورات اكمال الفرض فكان الخطأ فيهما عذرا بخلاف صلاة التطوع وجه قول من فرق بين الثلاث و ما زاد عليه ان السنة فيهما الثلاث فكان الخطأ فيهما من ضرورات اقامة السنة فكان عفوا و أما الزيادة على الثلاث فمن باب الاعتداء على ما قال النبي صلى الله عليه و سلم فمن زاد أو نقص فقد تعدى و ظلم فلم يعذر فيه و الكلام مع الشافعي على نحو ما ذكرنا في الاكراه يؤيد ما ذكرنا ان الماء لا يسبق الحلق في المضمضة و الاستنشاق عادة الا عند المبالغة فيهما و المبالغة مكروهة في حق الصائم قال النبي صلى الله عليه و سلم للقيط بن صبره بالغ في المضمضة و الاستنشاق الا أن تكون صائما فكان في المبالغة متعديا فلم يعذر بخلاف الناسي و لو احتلم في نهار رمضان فانزل لم يفطره لقول النبي صلى الله عليه و سلم ثلاث لا يفطرن الصائم القئ و الحجامة و الاحتلام و لانه لا صنع له فيه فيكون كالناسي و لو نظر إلى إمرأة و تفكر فانزل لم يفطره و قال مالك ان تتابع نظره فطره لان التتابع في النظر كالمباشرة و لنا انه لم يوجد الجماع لا صورة و لا معنى لعدم الاستمتاع بالنساء فاشبه الاحتلام بخلاف المباشرة و لو كان يأكل أو يشرب ناسيا ثم تذكر فالقى اللقمة أو قطع الماء أو كان يتسحر فطلع الفجر و هو يشرب الماء فقطعه أو يأكل فالقى اللقمة فصومه تام لعدم الاكل و الشرب بعد التذكر و الطلوع و لو كان يجامع إمرأته في النهار ناسيا لصومه فتذكر فنزع من ساعته أو كان يجامع في الليل فطلع الفجر و هو مخالط فنزع من ساعته فصوم تام و قال زفر فسد صومه و عليه القضاء وجه قوله ان جزأ من الجماع حصل بعد طلوع الفجر و التذكر و انه يكفى لفساد الصوم لوجود المضادة له و ان قل و لنا ان الموجود منه بعد الطلوع و التذكر هو النزع و النزع ترك الجماع و ترك الشيء لا يكون محصلا له بل يكون اشتغالا بضده فلم يوجد منه الجماع بعد الطلوع و التذكر رأسا فلا يفسد صومه و لهذا لم يفسد في الاكل و الشرب كذا في الجماع و هذا إذا نزع بعد ما تذكر أو بعد ما طلع الفجر فاما إذا لم ينزع و بقى فعليه القضاء و لا كفارة عليه في ظاهر الرواية و روى عن أبى يوسف انه فرق بين الطلوع و التذكر فقال في الطلوع عليه الكفارة و فى التذكر لا كفارة عليه و قال الشافعي عليه القضاء و الكفارة فيهما جميعا وجه قوله انه وجد الجماع في نهار رمضان متعمدا لوجوده بعد طلوع الفجر و التذكر فيوجب القضاء و الكفارة وجه رواية أبى يوسف و هو الفرق بين الطلوع و التذكر ان في الطلوع ابتداء الجماع كان عمدا و الجماع جماع واحد بابتدائه و انتهائه و الجماع العمد يوجب الكفارة و أما في التذكر فابتداء الجماع كان ناسيا و جماع الناسي لا يوجب فساد الصوم فضلا عن وجوب الكفارة وجه ظاهر الرواية ان الكفارة انما تجب بإفساد الصوم و إفساد الصوم يكون بعد وجوده و بقاؤه في الجماع يمنع وجود الصوم فإذا امتنع وجوده استحال الافساد فلا تجب الكفارة و وجوب القضاء لانعدام صومه اليوم لا لا فساده بعد وجوده و لان هذا جماع لم يتعلق بابتدائه وجوب الكفارة فلا يتعلق بالبقاء عليه لان الكل فعل واحد
و له شبهة الاتحاد و هذه الكفارة لا تجب مع الشبهة لما نذكره و لو أصبح جنبا في رمضان فصومه تام عند عامة الصحابة مثل على و ابن مسعود و زيد بن ثابت و أبى الدرداء و أبى ذر و ابن عباس و ابن عمر و معاذ بن جبل رضى الله تعالى عنهم و عن أبى هريرة رضى الله عنه انه لا صوم له و احتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من أصبح جنبا فلا صوم له محمد و رب الكعبة قاله راوي الحديث و أكده بالقسم و لعامة الصحابة قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله فالآن باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر أحل الله عز و جل الجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر و إذا كان الجماع في آخر الليل يبقى الرجل جنبا بعد طلوع الفجر لا محالة فدل ان الجنابة لا تضر الصوم و أما حديث أبى هريرة فقد ردته عائشة وأم سلمة فقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصبح جنبا من احتلام ثم يتم صومه ذلك من رمضان و قالت أم سلمة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصبح جنبا من قراف أى جماع مع انه خبر واحد ورد مخالفا للكتاب و لو نوى الصائم الفطر و لم يحدث شيأ آخر سوى النية فصومه تام و قال الشافعي بطل صومه وجه قوله ان الصوم لابد له من النية و قد نقض نية الصوم بنية ضده و هو الافطار فبطل صومه لبطلان شرطه و لنا ان مجرد النية لا عبرة به في أحكام الشرع ما لم يتصل به الفعل لقول النبي صلى الله عليه و سلم ان الله تعالى عفا عن أمتي ما تحدثت به أنفسهم ما لم يتكلموا أو يفعلوا و نية الافطار لم يتصل به الفعل و به تبين انه ما نقض نية الصوم بنية الفطر لان نية الصوم نية اتصل بها الفعل فلا تبطل بنية لم يتصل بها الفعل على ان النية شرط انعقاد الصوم لا شرط بقائه منعقدا الا ترى انه يبقى مع النوم و النسيان و الغفلة و لو ذرعه القئ لم يفطره سواء كان أقل من ملء الفم أو كان ملء الفم لقول النبي صلى الله عليه و سلم ثلاث لا يفطرن الصائم القئ و الحجامة و الاحتلام و قوله من قاء فلا قضأ عليه و لان ذرع القئ مما لا يمكن التحرز عنه بل يأتيه على وجه لا يمكنه دفعه فاشبه الناسي و لان الاصل أن لا يفسد الصوم بالقئ سواء ذرعه أو تقيا لان فساد الصوم متعلق بالدخول شرعا قال النبي صلى الله عليه و سلم الفطر مما يدخل و الوضوء مما يخرج علق كل جنس الفطر بكل ما يدخل و لو حصل لا بالدخول لم يكن كل جنس الفطر معلقا بكل ما يدخل لان الفطر الذي يحصل بما يخرج لا يكون ذلك الفطر حاصلا بما يدخل و هذا خلاف النص الا انا عرفنا الفساد بالاستيقاء بنص آخر و هو قول النبي صلى الله عليه و سلم و من استقاء فعليه القضاء فبقى الحكم في الذرع على الاصل و لانه لا صنع له في الذرع و هو سبق القئ بل يحصل بغير قصده و اختياره و الانسان لا يؤاخذ بما لا صنع له فيه فلهذا لا يؤاخذ الناسي بفساد الصوم فكذا هذا لان هذا في معناه بل أولى لانه لا صنع له فيه أصلا بخلاف الناسي على ما مر فان عاد إلى جوفه فان كان أقل من ملء الفم لا يفسد بلا خلاف و ان كان ملء الفم فذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان في قول أبى يوسف يفسد و فى قول محمد لا يفسد و ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي الاختلاف على العكس فقال في قول أبى يوسف لا يفسد و فى قول محمد يفسد وجه قول من قال يفسد انه وجد المفسد و هو الدخول في الجوف لان القئ ملء الفم له حكم الخروج بدليل انتقاض الطهارة و الطهارة لا تنتقض الا بخروج النجاسة فإذا عاد فقد وجد الدخول فيدخل تحت قول النبي صلى الله عليه و سلم و الفطر مما يدخل وجه قول من قال لا يفسد ان العود ليس صنعه بل هو صنع الله تعالى على طريق التمحض يعنى به مصنوعه لا صنع للعبد فيه رأسا فاشبه ذرع القئ و انه مفسد كذا عود القئ فان اعاده فان كان ملء الفم فسد صومه بالاتفاق لوجود الادخال متعمدا لما ذكرنا ان للقئ ملء الفم حكم الخروج حتى يوجب انتقاض الطهارة فإذا أعاده فقد أدخله في الجوف عن قصد فيوجب فساد الصوم و ان كان أقل من ملء الفم ففى قول أبى يوسف لا يفسد و فى قول محمد يفسد وجه قول محمد انه وجد الدخول إلى الجوف بصنعه فيفسد و لابي يوسف ان الدخول انما يكون بعد الخروج و قليل القئ ليس له حكم الخروج بدليل عدم انتقاض الطهارة به فلم يوجد الدخول فلا يفسد هذا الذي ذكرنا كله إذا ذرعة القئ فاما إذا استقاء فان كان ملء الفم يفسد صومه بلا خلاف لقول النبي صلى الله عليه
و سلم و من استقاء فعليه القضاء و ان كان أقل من ملء الفم لا يفسد في قول أبى يوسف و عند محمد يفسد و احتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم و من استقاء فعليه القضاء مطلقا من فصل بين القليل و الكثير وجه قول أبى يوسف ما ذكرنا ان الاصل أن لا يفسد الصوم الا بالدخول بالنص الذي روينا و لم يوجد ههنا فلا يفسد و الحديث محمول على الكثير توفيقا بين الدليلين بقدر الامكان ثم كثير المستقاء لا يتفرع عليه العود و الاعادة لان الصوم قد فسد بالاستقاء و كذا قليله في قول محمد لان عنده فسد الصوم بنفس الاستقاء و ان كان قليلا و أما على قول أبى يوسف فان عاد لا يفسد و ان أعاده ففيه عن أبى يوسف روايتان في رواية يفسد و فى رواية لا يفسد و ما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ من المخارق الاصلية كالانف و الاذن و الدبر بان استعط أو احتقن أو أقطر في أذنه فوصل إلى الجوف أو إلى الدماغ فسد صومه أما إذا وصل إلى الجوف فلا شك فيه لوجود الاكل من حيث الصورة و كذا إذا وصل إلى الدماغ لانه له منفذا إلى الجوف فكان بمنزلة زاوية من زوايا الجوف و قد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال للقيط ابن صبرة بالغ في المضمضة و الاستنشاق الا أن تكون صائما و معلوم ان استشاءه حالة الصوم للاحتراز عن فساد الصوم و الا لم يكن للاستثناء معنى و لو وصل إلى الرأس ثم خرج لا يفسد بان استعط بالليل ثم خرج بالنهار لانه لما خرج علم انه لم يصل إلى الجوف أو لم يستقر فيه و أما ما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ عن المخارق الاصلية بان داوى الجائفة و الآمة فان داواها بدواء يابس لا يفسد لانه لم يصل إلى الجوف و لا إلى الدماغ و لو علم انه وصل يفسد في قول أبى حنيفة و ان داواها بدواء رطب يفسد عند أبى حنيفة و عندهما لا يفسدهما اعتبرا المخارق الاصلية لان الوصول إلى الجوف من الخارق الاصلية متيقن به و من غيرها مشكوك فيه فلا نحكم بالفساد مع الشك و لابي حنيفة ان الدواء إذا كان رطبا فالظاهر هو الوصول لوجود المنفذ إلى الجوف فيبنى الحكم على الظاهر و أما الاقطار في الاحليل فلا يفسد في قول أبى حنيفة و عندهما يفسد قيل ان الاختلاف بينهم بناء على أمر خفى و هو كيفية خروج البول من الاحليل فعندهما ان خروجه منه لان له منفذا فإذا قطر فيه يصل إلى الجوف كالاقطار في الاذن و عند أبى حنيفة ان خروج البول منه من طريق الترشح كترشح الماء من الخزف الجديد فلا يصل بالاقطار فيه إلى الجوف و الظاهر ان البول يخرج منه خروج الشيء من منفذه كما قالا و روى الحسن عن أبى حنيفة مثل قولهما و على هذه الرواية اعتمد أستاذي رحمه الله و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي و قول محمد مع أبى حنيفة و اما الاقطار في قبل المرأة فقد قال مشايخنا انه يفسد صومها بالاجماع لان لمسانتها منفذا فيصل إلى الجوف كالقطار في الاذن و لو طعن برمح فوصل إلى جوفه أو إلى دماغه فان أخرجه مع النصل لم يفسد و ان بقي النصل فيه يفسد و كذا قالوا فيمن ابتلع لحما مربوطا على خيط ثم انتزعه من ساعته انه لا يفسد و ان تركه فسد و كذا روى عن محمد في الصائم إذا أدخل خشبة في المقعد انه لا يفسد صومه الا إذا غاب طرفا الخشبة و هذا يدل على ان استقرار الداخل في الجوف شرط فساد الصوم و لو أدخل أصبعه في دبره قال بعضهم يفسد صومه و قال بعضهم لا يفسد و هو قول الفقية أبى الليث لان الاصبع ليست بآلة الجماع فصارت كالخشب و لو اكتحل الصائم لم يفسد و ان وجد طعمه في حلقه عند عامة العلماء و قال ابن أبى ليلي يفسد وجه قوله انه لما وجد طعمه في حلقه فقد وصل إلى جوفه ( و لنا )
ما روى عن عبد الله بن مسعود انه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان وعيناه مملوأتان كحلا كحلتهما أم سلمة و لانه لا منفذ من العين إلى الجوف و لا إلى الدماغ و ما وجد من طعمه فذاك أثره لا عينه و انه لا يفسد كالغبار و الدخان و كذا لو دهن رأسه أو أعضاءه فتشرب فيه انه لا يضره لانه وصل اليه الاثر لا العين و لو أكل حصاة أو نواه أو خشبا أو حشيشا أو نحو ذلك مما لا يؤكل عادة و لا يحصل به قوام البدن يفسد صومه لوجود الاكل صورة و لو جامع إمرأته فيما دون الفرج فأنزل أو باشرها أو قبلها أو لمسها بشهوة فأنزل يفسد صومه و عليه القضاء و لا كفارة عليه و كذا إذا فعل ذلك فأنزلت المرأة لوجود الجماع من حيث المعنى و هو قضأ الشهوة بفعله و هو المس بخلاف النظر فانه ليس بجماع أصلا لانه ليس بقضاء للشهوة بل هو سبب لحصول الشهوة على ما نطق به الحديث إياكم و النظرة فانها تزرع في القلب
فصل وأما حكم فساد الصوم
الشهوة و لو عالج ذكره فامنى اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يفسد و قال بعضهم يفسد و هو قول محمد بن سلمة و الفقيه أبى الليث لوجود قضأ الشهوة بفعله فكان جماعا من حيث المعنى و عن محمد فيمن أولج ذكره في إمرأته قبل الصبح ثم خشى الصبح فانتزع منها فامنى بعد الصبح انه لا يفسد صومه و هو بمنزلة الاحتلام و لو جامع بهيمة فأنزل فسد صومه و عليه القضاء و لا كفارة عليه لانه و ان وجد الجماع صورة و معنى و هو قضأ الشهوة لكن على سبيل القصور لسعة المحل و لو جامعها و لم ينزل لا يفسد و لو حاضت المرأة أو نفست بعد طلوع الفجر فسد صومها لان الحيض و النفاس منافيان للصوم لمنافاتهما أهلية الصوم شرعا بخلاف القياس بإجماع الصحابة رضى الله عنهم على ما بينا فيما تقدم بخلاف ما إذا جن إنسان بعد طلوع الفجر أو أغمى عليه و قد كان نوى من الليل ان صومه ذلك اليوم جائز لما ذكرنا ان الجنون و الاغماء لا ينافيان أهلية الاداء و انما ينافيان النية بخلاف الحيض و النفاس و الله أعلم ( فصل )
و أما حكم فساد الصوم ففساد الصوم يتعلق به أحكام بعضها يعم الصيامات كلها و بعضها يخص البعض دون البعض أما الذي يعم الكل فالإِثم إذا أفسد بغير عذر لانه أبطل عمله من عذر و إبطال العمل من عذر حرام لقوله تعالى و لا تبطلوا أعمالكم و قال الشافعي كذلك الا في صوم التطوع بناء على ان الشروع في التطوع موجب للاتمام عندنا و عنده ليس بموجب و المسألة ذكرناها في كتاب الصلاة و ان كان بعذر لا يأثم و إذا اختلف الحكم بالعذر فلا بد من معرفة الاعذار المسقطة للاثم و المؤاخذة فنبينها بتوفيق الله تعالى فنقول هى المرض و السفر و الاكراه و الحبل و الرضاع و الجوع و العطش و كبر السن لكن بعضها مرخص و بعضها مبيح مطلق لا موجب كما فيه خوف زيادة ضرر دون خوف الهلاك فهو مرخص و ما فيه خوف الهلاك فهو مبيح مطلق بل موجب فنذكر جملة ذلك فنقول اما المرض فالمرخص منه هو الذي يخاف أن يزداد بالصوم و اليه وقعت الاشارة في الجامع الصغير فانه قال في رجل خاف ان لم يفطر تزداد عيناه وجعا أو حماه شدة أفطر و ذكر الكرخي في مختصره ان المرض الذي يبيح الافطار هو ما يخاف منه الموت أو زيادة العلة كائنا ما كانت العلة و روى عن أبى حنيفة انه ان كان بحال يباح له اداء صلاة الفرض قاعدا فلا بأس بأن يفطر و المبيح المطلق بل الموجب هو الذي يخاف منه الهلاك لان فيه إلقاء النفس إلى التهلكة لا لاقامة حق الله تعالى و هو الوجوب و الوجوب لا يبقى في هذه الحالة و انه حرام فكان الافطار مباحا بل واجبا و أما السفر فالمرخص منه هو مطلق السفر المقدر و الاصل فيهما قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر أى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فافطر بعذر المرض و السفر فعدة من أيام أخر دل ان المرض و السفر سببا الرخصة ثم السفر و المرض و ان أطلق ذكرهما في الآية فالمراد منهما المقيد لان مطلق السفر ليس بسبب الرخصة لان حقيقة السفر هو الخروج عن الوطن أو الظهور و ذا يحصل بالخروج الي الضيعة و لا تتعلق به الرخصة فعلم ان المرخص سفر مقدر بتقدير معلوم و هو الخروج عن الوطن على قصد مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا عندنا و عند الشافعي يوم و ليلة و قد مضى الكلام في تقديره في كتاب الصلاة و كذا مطلق المرض ليس بسبب للرخصة لان الرخصة بسبب المرض و السفر لمعنى المشقة بالصوم تيسيرا لهما و تخفيفا عليهما على ما قال الله تعالى يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و من الامراض ما ينفعه الصوم و يخفه و يكون الصوم على المريض أسهل من الاكل بل الاكل يضره و استقبلت عليه و من التعبد الترخص بما يسهل على المريض تحصيله و التضييق بما يشتد عليه و فى الآية دلالة وجوب القضاء على من أفطر بغير عذر لانه لما وجب القضاء على المريض و المسافر مع انهما أفطر ا بسبب العذر المبيح للافطار فلان يجب على ذي العذر أولي و سواء كان السفر سفر طاعة أو مباح أو معصية عندنا و عند الشافعي سفر المعصية لا يفيد الرخصة و المسألة مضت في كتاب الصلاة و الله أعلم و سواء سافر قبل دخول شهر رمضان أو بعده ان له أن يترخص فيفطر عند عامة الصحابة و عن على و ابن عباس رضى الله عنهما انه إذا أهل في المصر ثم سافر لا يجوز له أن يفطر وجه قولهما انه لما استهل في الحضر
لزمه صوم الاقامة و هو صوم الشهر حتما فهو بالسفر يريد إسقاطه عن نفسه فلا يملك ذلك كاليوم الذي سافر فيه انه لا يجوز له أن يفطر فيه لما بينا كذا هذا و لعامة الصحابة رضى الله عنهم قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر جعل الله مطلق السفر سبب الرخصة و لان السفر انما كان سبب الرخصة لمكان المشقة و انها توجد في الحالين فتثبت الرخصة في الحالين جميعا و أما وجه قولهما ان بالاهلال في الحضر لزمه صوم الاقامة فنقول نعم إذا أقام أما إذا سافر يلزمه صوم السفر و هو أن يكون فيه رخصة الافطار لقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فكان ما قلناه عملا بالآيتين فكان أولى بخلاف اليوم الذي سافر فيه لانه كان مقيما في أول اليوم فدخل تحت خطاب المقيمين في ذلك اليوم فلزمه إتمامه حتما فاما اليوم الثاني و الثالث فهو مسافر فلا يدخل تحت خطاب المقيمين و لان من المشايخ من قال ان الجزء الاول من كل يوم سبب لوجوب صوم ذلك اليوم و هو كان مقيما في أول الجزء فكان الجزء الاول سببا لوجوب صوم الاقامة و أما في اليوم الثاني و الثالث فهو مسافر فيه فكان الجزء الاول في حقه سببا لوجوب صوم السفر فيثبت الوجوب مع رخصة الافطار و لو لم يترخص المسافر و صام رمضان جاز صومه و ليس عليه القضاء في عدة من أيام أخر و قال بعض الناس لا يجوز صومه في رمضان و لا يعتد به و يلزمه القضاء و حكى القدوري فيه اختلافا بين الصحابة فقال يجوز صومه في قول أصحابنا و هو قول على و ابن عباس و عائشة و عثمان بن أبى العاص الثقفى رضى الله عنهم و عند عمرو ابن عمر و أبى هريرة رضى الله عنهم لا يجوز و حجة هذا القول ظاهر قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر أمر المسافر بالصوم في أيام أخر مطلقا سواء صام في رمضان أو لم يصم اذ الافطار مذكور في الآية فكان هذا من الله تعالى جعل وقت الصوم في حق المسافر أياما أخر و إذا صام في رمضان فقد صام قبل وقته فلا يعتد به في منع لزوم القضاء و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من صام في السفر فقد عصى أبا القاسم و المعصية مضادة للعبادة و روى عنه صلى الله عليه و سلم انه قال الصائم في السفر كالمفطر في الحضر فقد حقق له حكم الافطار ( و لنا )
ما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم صام في السفر و روى انه أفطر و كذا روى عن الصحابة انهم صاموا في السفر و روى انهم أفطروا حتى روى ان عليا رضى الله عنه أهل هلال رمضان و هو يسير إلى نهروان فأصبح صائما و لان الله تعالى جعل المرض و السفر من الاعذار المرخصة للافطار تيسيرا و تخفيفا على أربابها و توسيعا عليهم قال الله تعالي يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر فلو تحتم عليهم الصوم في السفر و لا يجوز في السفر لكان فيه تعسير و تضييق عليهم و هذا يضاد موضوع الرخصة و ينافى معنى التيسير فيؤدى إلى التناقض في وضع الشرع تعالى الله عن ذلك و لان السفر لما كان سبب الرخصة فلو وجب القضاء مع وجود الاداء لصار ما هو سبب الرخصة سبب زيادة فرض لم يكن في حق صاحب العذر و هو القضاء مع وجود الاداء فيتناقض و لان جواز الصوم للمسافر في رمضان مجمع عليه فان التابعين أجمعوا عليه بعد وقوع الاختلاف فيه بين الصحابة رضى الله عنهم و الخلاف في العصر الاول لا يمنع انعقاد الاجماع في العصر الثاني بل الاجماع المتأخر يرفع الخلاف المتقدم عندنا على ما عرف في أصول الفقة و به تبين ان الافطار مضمر في الآية و عليه إجماع أهل التفسير و تقديرها فمن كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر و على ذلك يجرى ذكر الرخص على انه ذكر الحظر في القرآن قال الله تعالي حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير إلى قوله تعالى فمن اضطر باغ و لا عاد فلا اثم عليه أى من اضطر فأكل لانه لا اثم يلحقه بنفس الاضطرار و قال تعالى و أتموا الحج و العمرة لله فان أحصرتم فما استيسر من الهدى أى فان أحصرتم فأحللتم فما استيسر من الهدى لانه معلوم انه على النسك من الحج ما لم يوجد الاحلال و قال الله تعالى و لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه فحلق و دفع الاذى عن رأسه ففدية من صيام و نظائره كثيرة في القرآن و الحديثان محمولان على ما إذا كان الصوم بجهده و يضعفه فإذا لم يفطر في السفر في هذه الحالة صار كالذي أفطر في الحضر لانه يجب عليه الافطار في هذه الحالة لما في الصوم
في هذه الحالة من إلقاء النفس إلى التهلكة و انه حرام ثم الصوم في السفر أفضل من الافطار عندنا إذا لم يجهده الصوم و لم يضعفه و قال الشافعي الافطار أفضل بناء على أن الصوم في السفر عندنا عزيمة و الافطار رخصة و عند الشافعي على العكس من ذلك و ذكر القدوري في المسألة اختلاف الصحابة فقال روى عن حذيفة و عائشة و عروة بن الزبير مثل مذهبنا و روى عن ابن عباس رضى الله عنهما مثل مذهبه و احتج بما روينا من الحديثين في المسألة الاولى و لنا قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلى قوله تعالى و لتكملوا العدة و الاستدلال بالآية من وجوه أحدهما انه أخبر أن الصيام مكتوب على المؤمنين عاما أى مفروض اذ الكتابة هى الفرض لغة و الثاني انه أمر بالقضاء عند الافطار بقوله عز و جل فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر و الامر بالقضاء عند الافطار دليل الفرضية من وجهين أحدهما أن القضاء لا يجب في الآداب و انما يجب في الفرائض و الثاني أن القضاء بدل عن الاداء فيدل على وجوب الاصل و الثالث أن الله تعالى من علينا بإباحة الافطار بعذر المرض و السفر بقوله تعالى يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر أى يريد الاذن لكم بالافطار للعذر و لو لم يكن الصوم فرضا لم يكن للامتنان بإباحة الفطر معنى لان الفطر مباح في صوم النفل بالامتناع عنه و الرابع أنه قال و لتكملوا العدة شرط اكمال العدة في القضاء و هو دليل لزوم حفظ المتروك لئلا يدخل التقصير في القضاء و انما يكون ذلك في الفرائض و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من كانت له حمولة تأوي إلى سبع فليصم رمضان حيث أدركه أمر المسافر بصوم رمضان إذا لم يجهده الصوم فثبت بهذه الدلائل أن صوم رمضان فرض على المسافر الا أنه رخص له الافطار و أثر الرخصة في سقوط المأثم لا في سقوط الوجوب فكان وجوب الصوم عليه هو الحكم الاصلى و هو معنى العزيمة و روى عن أنس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال المسافر ان أفطر فرخصة و ان يصم فهو أفضل و هذا نص في الباب لا يحتمل التأويل و ما ذكرنا من الدلائل في هذه المسألة حجة في المسألة الاولى لانها تدل على وجوب الصوم على المسافر في رمضان و ما لا يعتد به لا يجب و الجواب عن تعلقه بالحديثين ما ذكرناه في المسألة الاولى انهما يحملان على حال خوف التلف على نفسه لو صام عملا بالدلائل أجمع بقدر الامكان و هذا الذي ذكرنا من وجوب الصوم على المسافر في رمضان قول عامة مشايخنا و عند بعضهم لا وجوب على المسافر في رمضان و الافطار مباح مطلق لانه ثبت رخصة و تيسير عليه و معنى الرخصة و هو التيسير و السهولة في الاباحة المطلقة أكمل لما فيه من سقوط الحظر و المؤاخذة جميعا الا أنه إذا ترك الترخص و اشتغل بالعزيمة يعود حكم العزيمة لكن مع هذا الصوم في حقه أفضل من الافطار لما روينا من حديث أنس رضى الله عنه و أما المبيح المطلق من السفر فما فيه خوف الهلاك بسبب الصوم و الافطار في مثله واجب فضلا عن الاباحة لما ذكرنا في المرض و أما الاكراه على افطار صوم شهر رمضان بالقتل في حق الصحيح المقيم فمرخص و الصوم أفضل حتى لو امتنع من الافطار حتى قتل يثاب عليه لان الوجوب ثابت حالة الاكراه و أثر الرخصة في الاكراه في سقوط المآتم بالترك لا في سقوط الوجوب بل بقي الوجوب ثابتا و الترك حراما و إذا كان الصوم واجبا حالة الاكراه و الافطار حراما كان حق الله تعالى قائما فهو بالامتناع بذل نفسه لاقامة حق الله تعالى طلبا لمرضاته فكان مجاهدا في دينه فيثاب عليه و أما في حق المريض و المسافر فالإِكراه مبيح مطلق في حقهما بل موجب و الافضل هو الافطار بل يجب عليه ذلك و لا يسعه أن لا يفطر حتى لو امتنع من ذلك فقتل يأثم و وجه الفرق ان في الصحيح المقيم الوجوب كان ثابتا قبل الاكراه من رخصة الترك أصلا فإذا جاء الاكراه و انه من أسباب الرخصة فكان أثره في إثبات رخصة الترك لا في إسقاط الوجوب فكان الوجوب قائما فكان حق الله تعالى قائما فكان بالامتناع باذلا نفسه لاقامة حق الله تعالى فكان أفضل كما في الاكراه على اجراء كلمة الكفر و الاكراه على إتلاف مال الغير فاما في المريض و المسافر فالوجوب مع رخصة الترك كان ثابتا قبل الاكراه فلا بد و ان يكون للاكراه أثر آخر لم يكن ثابتا قبله و ليس ذلك الا إسقاط الوجوب رأسا و إثبات الاباحة المطلقة فنزل منزلة الاكراه على أكل الميتة و هناك يباح له
الاكل بل يجب عليه كذا هنا و الله أعلم و اما حبل المرأة و ارضاعها إذا خافتا الضرر بولدهما فمرخص لقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر و قد بينا أنه ليس المراد عين المرض فان المريض الذي لا يضره الصوم ليس له أن يفطر فكان ذكر المرض كناية عن أمر يضر الصوم معه و قد وجد ههنا فيدخلان تحت رخصة الافطار و قد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يفطر المريض و الحبلى إذا خافت أن تضع ولدها و المرضع إذا خافت الفساد على ولدها و قد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ان الله وضع عن المسافر شطر الصلاة و عن الحبلى و المرضع الصيام و عليهما القضاء و لا فدية عليهما عندنا و قال الشافعي عليهما القضاء و الفدية لكل يوم مد من حنطة و المسألة مختلفة بين الصحابة و التابعين فروى عن على من الصحابة و الحسن من التابعين انهما يقضيان و لا يفديان و به أخذ أصحابنا و روى عن ابن عمر من الصحابة و مجاهد من التابعين انهما يقضيان و يفديان و به أخذ الشافعي احتج بقوله تعالى و على الذين يطيقون فدية طعام مسكين و الحامل و المرضع يطيقان الصوم فدخلتا تحت الآية فتجب عليهما الفدية و لنا قوله تعالى فمن كان منكم مريضا الآية أوجب على المريض القضاء فمن ضم اليه الفدية فقد زاد على النص فلا يجوز الا بدليل و لانه لما لم يوجب غيره دل انه كل حكم لحادثة لان تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز و قد ذكرنا أن المراد من المرض المذكور ليس صورة المرض بل معناه و قد وجد في الحامل و المرضع إذا خافتا على ولدهما فيدخلان تحت الآية فكان تقدير قوله تعالى فمن كان منكم مريضا فمن كان منكم به معنى يضره الصوم أو على سفر فعدة من أيام أخر و أما قوله تعالى و على الذين يطيقونه فقد قيل في بعض وجوه التأويل ان لا مضمرة في الآية معناه و على الذين لا يطيقونه و انه جائز في اللغة قال الله تعالى يبين الله لكم أن تضلوا أى لا تضلوا و فى بعض القراآت و على الذين يطوقونه و لا يطيقونه على أنه لا حجة له في الآية لان فيها شرع الفداء مع الصوم على سبيل التخيير دون الجمع بقوله تعالى و ان تصوموا خير لكم و قد نسخ ذلك بوجوب صوم شهر رمضان حتما بقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه و عنده يجب الصوم و الفداء جميعا دل أنه لا حجة له فيها و لان الفدية لو وجبت انما تجب جبرا للفائت و معنى الجبر يحصل بالقضاء و لهذا لم تجب على المريض و المسافر و أما الجوع و العطش الشديد الذي يخاف منه الهلاك فمبيح مطلق بمنزلة المرض الذي يخاف منه الهلاك بسبب الصوم لما ذكرنا و كذا كبر السن حتى يباح للشيخ الفانى أن يفطر في شهر رمضان لانه عاجز عن الصوم و عليه الفدية عند عامة العلماء و قال مالك لا فدية عليه وجه قوله ان الله تعالى أوجب الفدية على المطيق للصوم بقوله تعالى و على الذي يطيقونه فدية طعام مسكين و هو لا يطيق الصوم فلا تلزمه الفدية و ما قاله مالك خلاف إجماع السلف فان اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أوجبوا الفدية على الشيخ الفانى فكان ذلك إجماعا منهم على أن المراد من الآية الشيخ الفانى اما على إضمار حرف لا في الآية على ما بينا و اما على إضمار كانوا أى و على الذين كانوا يطيقونه أى الصوم ثم عجزوا عنه فدية طعام مسكين و الله أعلم و لان الصوم لما فاته مست الحاجة إلى الجابر و تعذر جبره بالصوم فيجبر بالفدية و تجعل الفدية مثلا للصوم شرعا في هذه الحالة للضرورة كالقيمة في ضمان المتلفات و مقدار الفدية مقدار صدقة الفطر و هو ان يطعم عن كل يوم مسكينا مقدار ما يطعم في صدقة الفطر و قد ذكرنا ذلك في صدقة الفطر و ذكرنا الاختلاف فيه ثم هذه الاعذار كما ترخص أو تبيح الفطر في شهر رمضان ترخص أو تبيح في المنذور في وقت بعينه حتى لو جاء وقت الصوم و هو مريض مرضا لا يستطيع معه الصوم أو يستطيع مع ضرر أفطر و قضى و أما الذي يخص البعض دون البعض فاما صوم رمضان فيتعلق بفساده حكمان أحدهما وجوب القضاء و الثاني وجوب الكفارة أما وجوب القضاء فانه يثبت بمطلق الافساد سواء كان صورة و معنى أو صورة لا معنى أو معنى لا صورة و سواء كان عمدا أو خطأ و سواء كان بعذر أو بغير عذر لان القضاء يجب جبرا للفائت فيستدعى فوات الصوم لا و الفوات يحصل بمطلق الافساد فتقع الحاجة إلى الجبر بالقضاء ليقوم مقام الفائت فينجبر الفوات معنى و اما وجوب الكفارة فيتعلق بإفساد مخصوص و هو الافطار الكامل بوجود الاكل أو الشرب أو الجماع صورة و معنى متعمدا من عذر
مبيح و لامر خص و لا شبهة الاباحة و نعنى بصورة الاكل و الشرب و معناهما إيصال ما يقصد به التغذي أو التداوى إلى جوفه من الفم لان به يحصل قضأ شهوة البطن على سبيل الكمال و نعنى بصورة الجماع و معناه إيلاج الفرج في القبل لان كمال قضأ شهوة الفرج لا يحصل الا به و لا خلاف في وجوب الكفارة على الرجل بالجماع و الاصل فيه حديث الاعرابى و هو ما روى ان أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال يا رسول الله هلكت و أهلكت فقال ماذا صنعت قال واقعت إمرأتي في نهار رمضان متعمدا و أنا صائم فقال أعتق رقبة و فى بعض الروايات قال له من عذر و لا سفر قال نعم فقال أعتق رقبة و اما المرأة فكذلك يجب عليها عندنا إذا كانت مطاوعة و للشافعي قولان في قول لا يجب عليها أصلا و فى قول يجب عليها و يتحملها الرجل وجه قوله الاول أن وجوب الكفارة عرف نصا بخلاف القياس لما نذكر و النص ورد في الرجل دون المرأة و كذا ورد بالوجوب بالوطي و انه لا يتصور من المرأة فانها موطوءة و ليست بواطئة فبقى الحكم فيها على أصل القياس وجه قوله الثاني أن الكفارة انما وجبت عليها بسبب فعل الرجل فوجب عليه التحمل كثمن ماء الاغتسال و لنا أن النص و ان ورد في الرجل لكنه معلول بمعنى يوجد فيهما و هو إفساد صوم رمضان بإفطار كامل حرام محض متعمدا فتجب الكفارة عليها بدلالة النص و به تبين انه لا سبيل الي التحمل لان الكفارة انما وجبت عليها بفعلها و هو إفساد الصوم و يجب مع الكفارة القضاء عند عامة العلماء و قال الاوزاعى ان كفر بالصوم فلا قضأ عليه و زعم أن الصومين يتداخلان و هذا سديد لان صوم الشهرين يجب تكفيرا زجرا عن جناية الافساد أو رفعا لذنب الافساد وصوم القضاء يجب جبرا للفائت فكل واحد منهما شرع لغير ما شرع له الآخر فلا يسقط صوم القضاء بصوم شهرين كما لا يسقط بالاعتاق و قد روى عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر الذي واقع إمرأته ان يصوم يوما و لو جامع في الموضع المكروه فعليه الكفارة في قول أبى يوسف و محمد لانه يجب به الحد فلان تجب به الكفارة أولى و عن أبى حنيفة روايتان روى الحسن عنه أنه لا كفارة عليه و روى أبى يوسف عنه إذا توارت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل و عليه القضاء و الكفارة وجه رواية الحسن انه لا يتعلق به وجوب الحد فلا يتعلق به وجوب الكفارة و الجامع أن كل واحد منهما شرع للزجر و الحاجة إلى الزجر فيما يغلب وجوده و هذا يندر و لان المحل مكروه فاشبه وطء الميتة وجه رواية أبى يوسف ان وجوب الكفارة يعتمد إفساد الصوم بإفطار كامل و قد وجد لوجود الجماع صورة و معنى و لو أكل أو شرب ما يصلح به البدن اما على وجه التغذي أو التداوى متعمدا فعليه القضاء و الكفارة عندنا و قال الشافعي لا كفارة عليه وجه قوله ان وجوب الكفارة ثبت معدولا به عن القياس لان وجوبها لرفع الذنب و التوبة كافية لرفع الذنب و لان الكفارة من باب المقادير و القياس لا يهتدى إلى تعيين المقادير و انما عرف وجوبها بالنص و النص ورد في الجماع و الاكل و الشرب ليسا في معناه لان الجماع أشد حرمة منهما حتى يتعلق به وجوب الحد دونهما فالنص الوارد في الجماع لا يكون واردا في الاكل و الشرب فيقتصر على مورد النص و لنا ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من أفطر في رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر و على المظاهر الكفارة بنص الكتاب فكذا على المفطر متعمدا و لنا أيضا الاستدلال بالمواقعة و القياس عليها اما الاستدلال بها فهو ان الكفارة في المواقعة وجبت لكونها إفسادا لصوم رمضان من عذر و لا سفر على ما نطق به الحديث و الاكل و الشرب إفساد لصوم رمضان متعمدا من عذر و لا سفر فكان إيجاب الكفارة هناك إيجابا ههنا دلالة و الدليل على ان الوجوب في المواقعة لما ذكرنا وجهان أحدهما مجمل و الآخر مفسر أما المجمل فالاستدلال بحديث الاعرابى و وجهه ما ذكرناه في الخلافيات و اما المفسر فلان إفساد صوم رمضان ذنب و رفع الذنب واجب عقلا و شرعا لكونه قبيحا و الكفارة تصلح رافعة له لانها حسنة و قد جاء الشرع بكون الحسنات من التوبة و الايمان و الاعمال الصالحات رافعة للسيئات الا ان الذنوب مختلفة المقادير و كذا الروافع لها لا يعلم مقاديرها الا الشارع للاحكام و هو الله تعالى فمتى ورد
الشرع في ذنب خاص بإيجاب رافع خاص و وجد مثل ذلك الذنب في موضع آخر كان ذلك إيجابا لذلك الرافع فيه و يكون الحكم فيه ثابتا بالنص لا بالتعليل و القياس و الله أعلم وجه القياس على المواقعة فهو ان الكفارة هناك وجبت للزجر عن إفساد صوم رمضان صيانة له في الوقت الشريف لانها تصلح زاجرة و الحاجة مست إلى الزاجر اما الصلاحية فلان من تأمل انه لو أفطر يوما من رمضان لزمه إعتاق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا لامتنع منه و لنا الحاجة إلى الزجر فلوجود الداعي الطبعي إلى الاكل و الشرب و الجماع و هو شهوة الاكل و الشرب و الجماع و هذا في الاكل و الشرب أكثر لان الجوع و العطش يقلل الشهوة فكانت الحاجة إلى الزجر عن الاكل و الشرب أكثر فكان شرع الزاجر هناك شرعا ههنا من طريق الاولى و على هذه الطريقة يمنع عدم جواز إيجاب الكفارة بالقياس لان الدلائل المقتضية لكون القياس حجة لا يفصل بين الكفارة و غيرها و لو أكل ما لا يتغذى به و لا يتداوى كالحصاة و النواة و التراب و غيرها فعليه القضاء و لا كفارة عليه عند عامة العلماء و قال مالك عليه الكفارة لانه وجد الافطار من عذر و لنا ان هذا افطار صورة لا معنى لان معنى الصوم و هو الكف عن الاكل و الشرب الذي هو وسيلة إلى العواقب الحميدة قائم و انما الفائت صورة الصوم الا انا ألحقنا الصورة بالحقيقة و حكمنا بفساد الصوم احتياطا و لو بلع جوزة صحيحة يابسة أو لوزة يابسة فعليه القضاء و لا كفارة عليه لوجود الاكل صورة لا معنى لانه لا يعتاد أكله على هذا الوجه فاشبه أكل الحصا و لو مضغ الجوزة أو اللوزة اليابسة حتى يصل المضغ إلى جوفها حتى ابتلعه فعليه القضاء و الكفارة كذا روى ابن سماعة عن أبى يوسف لانه أكل لبها الا انه ضم إليها ما لا يؤكل عادة و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه لو أكل لوزة صغيرة فعليه القضاء و الكفارة و قوله في اللوزة محمول على اللوزة الرطبة لانها مأكولة كلها كالخوخة و لو أكل جوزة رطبة فعليه القضاء و لا كفارة عليه لانه لا يؤكل عادة و لا يحصل به التغذي و التداوى و لو أكل عجينا أو دقيقا فعليه القضاء و لا كفارة عليه لانه لا يقصد بهما التغذي و لا التداوى فلا يفوت معنى الصوم و ذكر في الفتاوى رواية عن محمد انه فرق بين الدقيق و العجين فقال في الدقيق القضاء و الكفارة و فى العجين القضاء دون الكفارة و لو قضم حنطة فعليه القضاء و الكفارة كذا روى الحسن عن أبى حنيفة لان هذا مما يقصد بالاكل و لو ابتلع اهليلجة روى ابن رستم عن محمد أن عليه القضاء و لا كفارة لانه لا يتداوى بها على هذه الصفة و روى هشام عنه ان عليه الكفارة قال الكرخي و هذا أقيس عندي لانه يتداوى بها على هذه الصفة و هكذا روى ابن سماعة عن محمد و كذا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان عليه الكفارة و لو أكل طينا فعليه القضاء و لا كفارة لما قلنا الا أن يكون أرمينا فعليه القضاء و الكفارة و كذا روى ابن رستم عن محمد قال محمد لانه بمنزلة الغار يقون أى يتداوى به قال ابن رستم فقلت له هذا الطين الذي يقلى يأكله الناس قال لا أدري ما هذا فكانه لم يعلم انه يتداوى به أولا و لو أكل ورق الشجر فان كان مما يؤكل عادة فعليه القضاء و الكفارة و ان كان مما لا يؤكل فعليه القضاء و لا كفارة عليه و لو أكل مسكا أو غالية أو زعفران فعليه القضاء و الكفارة لان هذا يؤكل و يتداوى به و روى عن محمد فيمن تناول سمسمة قال فطرته و لم يذكر ان عليه الكفارة أولا و اختلف المشايخ فيه قال محمد بن مقاتل الرازي عليه القضاء و الكفارة و قال أبو القاسم الصفار عليه القضاء و لا كفارة عليه و قد ذكرنا ان السمسمة لو كانت بينه أسنانه فابتلعها انه لا يفسد لانه لا يمكن التحرز عنه و روى عن أبى يوسف فيمن امتص سكرة بفية في رمضان متعمدا حتى دخل الماء حلقه عليه القضاء و الكفارة لان السكر هكذا يؤكل و لو مص اهليلجة فدخل الماء حلقه قال لا يفسد صومه ذكره في الفتاوى و لو خرج من بين أسنانه دم فدخل حلقه أو ابتلعه فان كانت الغلبة للدم فسد صومه و عليه القضاء و لا كفارة عليه و ان كانت الغلبة للبزاق فلا شيء عليه و ان كانا سواء فالقياس ان لا يفسد و فى الاستحسان يفسد احتياطا و لو أخرج البزاق من فيه ثم ابتلعه فعليه القضاء و لا كفارة عليه و كذا إذا ابتلع بزاق غيره لان هذا مما يعاف منه حتى لو ابتلع لعاب حبيبه أو صديقه ذكر الشيخ الامام الزاهد شمس الائمة الحلوانى ان عليه القضاء و الكفارة لان الحبيب لا يعاف ريق حبيبه أو صديقه و لو أكل
لحما قديدا فعليه القضاء و الكفارة لانه يؤكل في الجملة و لو أكل شحما قديدا اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا كفارة عليه لانه لا يؤكل و قال الفقية أبو الليث ان عليه القضاء و الكفارة كما في اللحم لانه يؤكل في الجملة كاللحم القديد و لو أكل ميتة فان كانت قد انتنت و دودت فعليه القضاء و لا كفارة عليه و ان كانت ذلك فعليه القضاء و الكفارة و لو أولج و لم ينزل فعليه القضاء و الكفارة لوجود الجماع صورة و معنى اذ الجماع هو الايلاج فاما الانزال ففراغ من الجماع فلا يعتبر و لو أنزل فيما دون الفرج فعليه القضاء و لا كفارة عليه لقصور في الجماع لوجوده معنى لا صورة و كذلك إذا وطي بهيمة فانزل لقصور في قضأ الشهوة لسعة المحل و نبوة الطمع و لو أخذ لقمة من الخبز ليأكلها و هو ناس فلما مضغها تذكر انه صائم فابتلعها و هو ذاكر ذكر في عيون المسائل ان في هذه المسألة أربعة أقوال للمتأخرين قال بعضهم لا كفارة عليه و قال بعضهم عليه الكفارة و قال بعضهم ان ابتلعها قبل أن يخرجها فلا كفارة عليه فان أخرجها من فيه ثم أعادها فابتلعها فعليه الكفارة و قال بعضهم ان ابتلعها قبل أن يخرجها فعليه الكفارة و ان أخرجها من فيه ثم أعادها فلا كفارة عليه قال الفقية أبو الليث هذا القول أصح لانه لما أخرجها صار بحال يعاف منها و ما دامت في فيه فانه يتلذذ بها و لو تسحر على ظن ان الفجر لم يطلع فإذا هو طالع أو أفطر على ظن ان الشمس قد غربت فإذا هى لم تغرب فعليه القضاء و لا كفارة عليه لانه لم يفطر متعمدا بل خاطئا ألا ترى انه اثم عليه و لو أصبح صائما في سفره ثم أفطر متعمدا فلا كفارة عليه لان السبب المبيح من حيث الصورة قائم و هو السفر فاورث شبهة و هذه الكفارة لا تجب مع الشبهة و الاصل فيه ان الشبهة إذا استندت إلى صورة دليل فان لم يكن دليلا في الحقيقة بل من حيث الظاهر اعتبرت في منع وجوب الكفارة و الا فلا و قد وجدت ههنا و هي صورة السفر لانه مرخص أو مبيح في الجملة و لو أكل أو شرب أو جامع ناسيا أو ذرعه القئ فظن ان ذلك يفطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه القضاء و لا كفارة عليه لان الشبهة ههنا استندت إلى ما هو دليل في الظاهر لوجود المضاد للصوم في الظاهر و هو الاكل و الشرب و الجماع حتى قال مالك بفساد الصوم بالاكل ناسيا و قال أبو حنيفة لو لا قول الناس لقلت له يقضى و كذا القئ لانه لا يخلو عن عود بعضه من الفم إلى الجوف فكانت الشبهة في موضع الاشتباه فاعتبرت قال محمد الا أن يكون بلغه أى بلغه الخبر ان أكل الناسي و القئ لا يفطران فتجب الكفارة لانه ظن في موضع الاشتباه فلا يعتبر و روى الحسن عن أبى حنيفة انه لا كفارة عليه سواء بلغه الخبر و علم أن صومه لم يفسد أو لم يبلغه و لم يعلم قال احتجم فظن ان ذلك يفطره فاكل بعد ذلك متعمدا ان استفتى فقيها فأفتاه بانه قد أفطر فلا كفارة عليه لان العامي يلزمه تقليد العالم فكانت الشبهة مستندة إلى صورة دليل و ان بلغه خبر الحجامة و هو المروي عن رسول الله صلى عليه و سلم أفطر الحاجم و المحجوم روى الحسن عن أبى حنيفة أنه لا كفارة عليه لان ظاهر الحديث واجب العمل به في الاصل فاورث شبهة و روى عن أبى يوسف انه تجب عليه الكفارة لان الواجب على العامي الاستفتاء من المفتى لا العمل بظواهر الاحاديث لان الحديث قد يكون منسوخا و قد يكون ظاهره متروكا فلا يصير ذلك شبهة و ان لم يستفت فقيها و لا بلغه الخبر فعليه القضاء و الكفارة لان الحجامة لا تنافي ركن الصوم في الظاهر و هو الامساك عن الاكل و الشرب و الجماع فلم تكن هذه الشبهة مستندة إلى دليل أصلا و لو لمس إمرأة بشهوة أو قبلها أو ضاجعها و لم ينزل فظن ان ذلك يفطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه الكفارة لان ذلك لا ينافى ركن الصوم في الظاهر فكان ظنه في موضعه فكان ملحقا بالعدم الا إذا تأول حديثا أو استفتى فقيها فافطر على ذلك فلا كفارة عليه و ان أخطأ الفقية و لم يثبت الحديث لان ظاهر الحديث و الفتوى يصير شبهة و لو اغتاب إنسانا فظن ان ذلك يفطره ثم أكل بعد ذلك متعمدا فعليه الكفارة و ان استفتى فقيها أو تأول حديثا لانه لا يعتبر بفتوى الفقية و لا بتأويله الحديث ههنا لان ذلك مما لا يشتبه على من له سمة من الفقة و هو لا يخفى على احد ان ليس المراد من المروي الغيبة تفطر الصائم حقيقة الافطار فلم يصر ذلك شبهة و كذا لو دهن شاربه فظن ان ذلك يفطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه الكفارة و ان استفتى فقيها أو تأول حديثا لما قلنا و الله أعلم و لو أفطر و هو مقيم فوجبت عليه الكفارة ثم سافر في يومه ذلك
لم تسقط عنه الكفارة و لو مرض في يومه ذلك مرضا يرخص الافطار أو يبيحه تسقط عنه الكفارة و وجه الفرق ان في المرض معنى يوجب تغيير الطبيعة عن الصحة إلى الفساد و ذلك المعنى يحدث في الباطن ثم يظهر أثره في الظاهر فلما مرض في ذلك اليوم علم أنه كان موجودا وقت الافطار لكنه لم يظهر أثره في الظاهر فكان المرخص أو المبيح موجودا وقت الافطار فمنع انعقاد الافطار موجبا للكفارة أو وجود أصله أورث شبهة في الوجوب و هذه الكفارة لا تجب مع الشبهة و هذا المعنى لا يتحقق في السفر لانه اسم للخروج و الانتقال من مكان إلى مكان و انه يوجد مقصورا على حال وجوده فلم يكن المرخص أو المبيح موجودا وقت الافطار فلا يؤثر في وجوبها و كذلك إذا أفطرت المرأة ثم حاضت في ذلك اليوم أو نفست سقطت عنها الكفارة لان الحيض دم مجتمع في الرحم يخرج شيأ فشيأ فكان موجودا وقت الافطار لكنه لم يبرز فمنع وجوب الكفارة و لو سافر في ذلك اليوم مكرها لا تسقط عنه الكفارة عند أبى يوسف و عند زفر تسقط و الصحيح قول أبى يوسف لما ذكرنا أن المرخص أو المبيح وجد مقصورا على الحال فلا يؤثر في الماضي و لو جرح نفسه فمرض مرضا شديدا مرخصا للافطار أو مبيحا اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يسقط و قال بعضهم لا يسقط و هو الصحيح لان المرض هنا حدث من الجرح و انها وجدت مقصورة على الحال فكان المرض مقصورا على حال حدوثه فلا يؤثر في الزمان الماضي و الله أعلم و من أصبح في رمضان لا ينوى الصوم فأكل أو شرب أو جامع عليه قضأ ذلك اليوم و لا كفارة عليه عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر عليه الكفارة بناء على أن صوم رمضان يتأدى بدون النية عنده فوجد إفساد صوم رمضان بشرائطه و عندنا لا يتأدى فلم يوجد الصوم فاستحال الافساد و روى عن أبى يوسف ان أكل قبل الزوال فعليه القضاء و الكفارة و ان أكل بعد الزوال فلا كفارة عليه كذا ذكر القدوري الخلاف بين أبى حنيفة و محمد و بين أبى يوسف في شرحه مختصر الكرخي و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي الخلاف بين أبى حنيفة و بين صاحبيه وجه قول من فصل بين ما قبل الزوال أو بعده أن الامساك قبل الزوال كان بفرض أن يصير صوما قبل الاكل و الشرب و الجماع لجواز أن ينوى فإذا أكل فقد أبطل الفرضية و أخرجه من أن يصير صوما فكان إفسادا للصوم معنى بخلاف ما بعد الزوال لان الاكل بعد الزوال لم يقع إبطالا للفرضية لبطلانها قبل الاكل و روى الحسن عن أبى حنيفة فيمن أصبح لا ينوى صوما ثم نوى قبل الزوال ثم جامع في بقية يومه فلا كفارة عليه و روى عن أبى يوسف أن عليه الكفارة وجه قوله أن صوم رمضان يتأدى بنية من النهار قبل الزوال عند أصحابنا فكانت النية من النهار و الليل سواء وجه ظاهر الرواية أنه لو جامع في أول النهار لا كفارة عليه فكذا إذا جامع في آخره لان اليوم في كونه محلا للصوم لا يتجزأ أو يوجب ذلك شبهة في آخر اليوم و هذه الكفارة لا تجب مع الشبهة و ذكر في المنتقى فيمن أصبح ينوى الفطر ثم عزم على الصوم ثم أكل متعمدا أنه لا كفارة عليه عند أبى حنيفة و عند أبى يوسف عليه الكفارة و الكلام من الجانبين على نحو ما ذكرنا و لو جامع في رمضان متعمدا مرارا بأن جامع في يوم ثم جامع في اليوم الثاني ثم في الثالث و لم يكفر فعليه لجميع ذلك كله كفارة واحدة عندنا و عند الشافعي عليه لكل يوم كفارة و لو جامع في يوم ثم كفر ثم جامع في يوم آخر فعليه كفارة أخرى في ظاهر الرواية و روى زفر عن أبى حنيفة أنه ليس عليه كفارة أخرى و لو جامع في رمضانين و لم يكفر للاول فعليه لكل جماع كفارة في ظاهر الرواية و ذكر محمد في الكيسانيات أن عليه كفارة واحدة و كذا حكى الطحاوي عن أبى حنيفة وجه قول الشافعي أنه تكرر سبب وجوب الكفارة و هو الجماع عنده و إفساد الصوم عندنا و الحكم يتكرر بتكرر سببه و هو الاصل الا في موضع فيه ضرورة كما في العقوبات البدنية و هي الحدود لما في التكرر من خوف الهلاك و لم يوجد ههنا فيتكرر الوجوب و لهذا تكرر في سائر الكفارات و هي كفارة القتل و اليمين و الظهار و لنا حديث الاعرابى أنه لما قال واقعت إمرأتي أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم بإعتاق رقبة واحدة بقوله أعتق رقبة و ان كان قوله واقعت يحتمل المرة و التكرار و لم يستفسر فدل أن الحكم لا يختلف بالمرة و التكرار و لان معنى الزجر لازم في هذه الكفارة أعنى كفارة الافطار بدليل اختصاص وجوبها بالعمد المخصوص في الجناية الخالصة الخالية عن
فصل وأما حكم الصوم المؤقت
الشبهة بخلاف سائر الكفارات و الزجر يحصل بكفارة واحدة بخلاف ما إذا جامع فكفر ثم جامع لانه لما جامع بعد ما كفر علم أن الزجر لم يحصل بالاول و لو أفطر في يوم فاعتق ثم أفطر في اليوم الثاني فأعتق ثم أفطر في اليوم الثالث فاعتق ثم استحقت الرقبة الاولى فلا شيء عليه لان الثانية تجزي عن الاولى و كذا لو استحقت الثانية لان الثالثة تجزي عن الثانية و لو استحقت الثالثة فعليه إعتاق رقبة واحدة لان ما تقدم لا يجزئ عما تأخر و لو استحقت الثانية أيضا فعليه إعتاق رقبة واحدة لليوم الثاني و الثالث و لو استحقت الاولى أيضا فعليه كفارة واحدة لان الاعتاق بالاستحقاق يلتحق بالعدم و جعل كانه لم يكن و قد أفطر في ثلاثة أيام و لم يكفر لشيء منها فتكفيه كفارة واحدة و لو استحقت الاولي و الثالثة دون الثانية أعتق رقبة واحدة لليوم الثالث لان الثانية اجزأت عن الاولى و الاصل في هذا الجنس أن الاعتاق الثاني يجزئ عما قبله و لا يجزئ عما بعده و أما صيام رمضان فلا يتعلق بإفساد شيء منه وجوب الكفارة لان وجوب الكفارة بإفساد صوم رمضان عرف بالتوقيف و انه صوم شريف في وقت شريف لا يوازيهما غيرهما من الصيام و الاوقات في الشرف و الحرمة فلا يلحق به في وجوب الكفارة و أما وجوب القضاء فأما الصيام المفروض فان كان الصوم متتابعا كصوم الكفارة و المنذور متتابعا فعليه الاستقبال لفوات الشرائط و هو التتابع و لو لم يكن متتابعا كصوم قضأ رمضان و النذر المطلق عن الوقت و النذر في وقت بعينه فحكمه أن لا يعتد به عما عليه و يلحق بالعدم و عليه ما كان قبل ذلك في قضأ رمضان و النذر المطلق و فى المنذور في وقت بعينه عليه قضأ ما فسد و أما صوم التطوع فعليه قضاؤه عندنا خلافا للشافعي و قد روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت أصبحت أنا و حفصة صائمتين متطوعتين فأهدى إلينا حبس فاكلنا منه فسألت حفصة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اقضيا يوما مكانه و الكلام في وجوب القضاء مبنى على الكلام في وجوب المضي و قد ذكرناه في كتاب الصلاة و اختلف أصحابنا في الصوم المظنون إذا أفسده بان شرع في صوم أو صلاة على ظن أنه عليه ثم تبين أنه ليس عليه فأفطر متعمدا قال أصحابنا الثلاثة لا قضأ عليه لكن الافضل أن يمضى فيه و قال زفر عليه القضاء و حكى الطحاوي عن أبى حنيفة فيمن شرع في صلاة يظن انها عليه مثل قول زفر و على هذا الخلاف إذا شرع في صوم الكفارة ثم أيسر في خلاله فافطر متعمدا وجه قول زفر انه لما تبين أنه ليس عليه تبين أنه شرع في النفل و لهذا ندب إلى المضي فيه و الشروع في النفل ملزم على أصل أصحابنا فليزمه المضي فيه و يلزمه القضاء إذا أفسد كما لو شرع في النفل ابتداء و لهذا كان الشروع في الحج المظنون ملزما كذا الصوم و لنا أنه شرع مسقطا لا موجبا فلا يجب عليه المضي و دليل ذلك أنه قصد بالشروع إسقاط ما في ذمته فإذا تبين أنه ليس في ذمته شيء من ذلك لم يصح قصدا و الشروع في العبادة لا يصح من قصد الا أنه استحب له أن يمضى فيه لشروعه في العبادة في زعمه و تشبهه بالشارع في العبادة فيثاب عليه كما يثاب المتشبه بالصائمين بإمساك بقية يومه إذا افطر بعذر و الاشتباه مما يكثر وجوده في باب الصوم فلو أوجبنا عليه القضاء لوقع في الحرج بخلاف الحج فان وقوع الشك و الاشتباه في باب الحج نادر غاية الندرة فكان ملحقا بالعدم فلا يكون في إيجاب القضاء عليه حرج و الله أعلم ( فصل )
و أما حكم الصوم المؤقت إذا فات عن وقته فالصوم المؤقت نوعان صوم رمضان و المنذور في وقت بعينه أما صوم رمضان فيتعلق بفواته أحكام ثلاثة وجوب إمساك بقية اليوم تشبها بالصائمين في حال و وجوب القضاء في حال و وجوب الفداء في حال أما وجوب الامساك تشبها بالصائمين فكل من كان له عذر في صوم رمضان في أول النهار مانع من الوجوب أو مبيح للفطر ثم زال عذره و صار بحال لو كان عليه في أول النهار لوجب عليه الصوم و لا يباح له الفطر كالصبى إذا بلغ في بعض النهار و أسلم الكافر و أفاق المجنون و طهرت الحائض و قدم المسافر مع قيام الاهلية تجب عليه إمساك بقية اليوم و كذا من وجب عليه الصوم في أول النهار لوجود سبب الوجوب و الاهلية ثم تعذر عليه المضي فيه بان أفطر متعمدا أو أصبح يوم الشك مفطرا ثم تبين انه من رمضان أو تسحر على
ظن أن الفجر لم يطلع ثم تبين له انه طلع فانه يجب عليه الامساك في بقية اليوم تشبها بالصائمين و هذا عندنا و أما عند الشافعي فكل من وجب عليه في أول النهار ثم تعذر عليه المضي مع قيام الاهلية يجب عليه إمساك بقية اليوم تشبها و من لا فلا فعلى قوله لا يجب الامساك على الصبي إذا بلغ في بعض النهار و الكافر إذا أسلم و المجنون إذا أفاق و الحائض إذا طهرت و المسافر إذا قدم مصره لانه لم يجب عليهم الصوم في أول النهار وجه قوله أن الامساك تشبها يجب خلفا عن الصوم و الصوم لم يجب فلم يجب الامساك خلفا و لهذا لو قال الله على أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم بعد ما أكل الناذر فيه أنه لا يجب الامساك كذا ههنا و لنا ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال في يوم عاشوراء الا من أكل فلا يأكلن بقية يومه وصوم عاشوراء كان فرضا يومئذ و لان زمان رمضان وقت شريف فيجب تعظيم هذا الوقت بالقدر الممكن فإذا عجز عن تعظيمه بتحقيق الصوم فيه يجب تعظيمه بالتشبه بالصائمين قضأ لحقه بالقدر الممكن إذا كان أهلا للتشبه و نفيا لتعريض نفسه للتهمة و فى حق هذا المعنى الوجوب في أول النهار و عدم الوجوب سواء و قوله التشبه وجب خلفا عن للصوم ممنوع بل يجب قضأ لحرمة الوقت بقدر الامكان لا خلفا بخلاف مسألة النذر لان الوقت لا يستحق التعظيم حتى يجب قضأ حقه بإمساك بقية اليوم و ههنا بخلافه و أما وجوب القضاء فالكلام في قضأ صوم رمضان يقع في مواضع في بيان أصل وجوب القضاء و فى بيان شرائط وجوب القضاء و فى بيان وقت وجوبه و كيفية الوجوب و فى بيان شرائط جوازه أما أصل الوجوب فلقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر فأفطر فعدة من أيام أخر و لان الاصل في العبادة المؤقتة إذا فاتت عن وقتها أن تقضى لما ذكرنا في كتاب الصلاة و سواء فاته صوم رمضان بعذر أو بغير عذر لانه لما وجب على المعذور فلان يجب على المقصر أولى و لان المعنى يجمعهما و هو الحاجة إلى جبر الفائت بل حاجة المعذور أشد و أما بيان شرائط وجوبه فمنها القدرة على القضاء حتى لو فاته صوم رمضان بعذر المرض أو السفر و لم يزل مريضا أو مسافرا حتى مات لقى الله و لا قضأ عليه لانه مات قبل وجوب القضاء عليه لكنه ان أوصى بأن يطعم عنه صحت وصيته و ان لم يجب عليه و يطعم عنه من ثلث ماله لان صحة الوصية لا تتوقف على الوجوب كما لو أوصى بثلث ماله للفقراء أنه يصح و ان لم يجب عليه شيء كذا هذا فان برأ المريض أو قدم المسافر و أدرك من الوقت بقدر ما فاته يلزمه قضأ جميع ما أدرك لانه قدر على القضاء لزوال العذر فان لم يصم حتى أدركه الموت فعليه ان يوصى بالفدية و هي ان يطعم عنه لكل يوم مسكينا لان القضاء قد وجب عليه ثم عجز عنه بعد وجوبه بتقصير منه فيتحول الوجوب إلى بدله و هو الفدية و الاصل فيه ما روى أبو مالك الاشجعي أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن رجل أدركه رمضان و هو شديد المرض لا يطيق الصوم فمات هل يقضى عنه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان مات قبل ان يطيق الصيام فلا يقضى عنه و ان مات و هو مريض و قد أطاق الصيام في مرضه ذلك فليقض عنه و المراد منه القضا بالفدية لا بالصوم لما روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنه موقوفا عليه و مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يصومن أحد عن أحد و لا يصلين أحد عن أحد و لان ما لا يحتمل النيابة حالة الحياة لا يحتمل بعد الموت كالصلاة و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم مفسرا أنه قال من مات و عليه قضأ رمضان أطعم عنه وليه و هو محمول على ما إذا أوصى أو على الندب إلى ذلك و إذا أوصى بذلك يعتبر من الثلث و ان لم يوص فتبرع به الورثة جاز و ان لم يتبرعوا لم يلزمهم و تسقط في حق أحكام الدنيا عندنا و عند الشافعي يلزمهم من جميع المال سواء أوصى به أو لم يوص و الاختلاف فيه كالاختلاف في الزكاة و الصحيح قولنا لان الصوم عبادة و الفدية بدل عنها و الاصل لا يتأدى بطريق النيابة فكذا البدل و البدل لا يخالف الاصل و الاصل فيه انه لا يجوز اداء العبادة عن غيره بغير أمره لانه يكون جبرا و الجبر ينافى معنى العبادة على ما بينا في كتاب الزكاة هذا إذا أدرك من الوقت بقدر ما فاته فمات قبل أن يقضى فاما إذا أدرك بقدر ما يقضى فيه البعض دون البعض بان صح المريض أياما ثم مات ذكر في الاصل انه يلزمه القضاء بقدر ما صح و لم يذكر الخلاف حتى لو مات
لا يجب عليه أن يوصى بالاطعام لجميع الشهر بل لذلك القدر الذي لم يصمه و ان صامه فلا وصية عليه رأسا و ذكر الطحاوي هذه المسألة على الاختلاف فقال في قول أبى حنيفة يلزمه قضأ الجميع إذا صح يوما واحدا حتى يلزمه الوصية بالاطعام لجميع الشهر ان لم يصم ذلك اليوم و ان صامه لم يلزمه شيء بالاجماع و عند محمد يلزمه بقدر ما أدرك و ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي ان ما ذكره محمد في الاصل قول جميع أصحابنا و ما أثبته الطحاوي من الاختلاف في المسألة غلط و انما ذلك في مسألة النذر و هي ان المريض إذا قال لله على أن أصوم شهرا فان مات قبل أن يصح لا يلزمه شيء و ان صح يوما واحدا يلزمه أن يوصى بالاطعام لجميع الشهر في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد لا يلزمه الا مقدار ما يصح على ما ذكره القدوري و ان كان مسألة القضاء على الاتفاق على ما ذكره القدوري فوجه هذا القول ظاهر لان القدرة على الفعل شرط وجوب الفعل اذ لو لم يكن لكان الايجاب تكليف ما لا يحتمله الوسع و انه محال عقلا و موضوع شرعا و لم يقدر الا على صوم بعض الايام فلا يلزمه الا ذلك القدر فان صام ذلك القدر فقد أفى بما عليه فلا يلزمه شيء آخر و ان لم يصم فقد قصر فيما وجب عليه فيلزمه أن يوصى بالفدية لذلك القدر لا اذ لم يجب عليه من الصوم الا ذلك القدر و ان كانت المسئلتان على الاختلاف على ما ذكره الطحاوي فوجه قول محمد في المسئلتين ما ذكرنا و هو لا يحتاج إلى الفرق بينهما لان قوله فيهما واحد و هو انه لا يلزمه من صوم القضاء و الصوم المنذور به الا قدر أيام الصحة حتى لا يلزمه الوصية بالاطعام فيهما الا لذلك القدر و أما وجه قولهما فهو ان قدر ما يقدر عليه من الصوم يصلح له الايام كلها على طريق البدل لان كل يوم صالح للصوم فيجعل كانه قدر على الكل فإذا لم يصم لزمته الوصية بالفدية للكل و إذا صام فيما قدر و صار قدر ما صام مستحقا للوقت فلم يبق صالحا لوقت آخر فلم يكن القول بوجوب الكل على البدل فلا يلزمه الوصية بالفدية للكل و منها أن لا يكون في القضاء حرج لان الحرج منفى بنص الكتاب و أما وجوب الاداء في الوقت فهل هو شرط وجوب القضاء خارج الوقت فقد ذكرنا اختلاف المشايخ في ذلك و خرجنا ما يتصل به من المسائل على القولين ما فيه اتفاق و ما فيه اختلاف و أما وقت وجوبه فوقت ادائه و قد ذكرناه و هو سائر الايام خارج رمضان سوى الايام الستة لقوله تعالي فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر أمر بالقضاء مطلقا عن وقت معين فلا يجوز تقييده ببعض الاوقات الا بدليل و الكلام في كيفية وجوب القضاء انه على الفور أو على التراخى كالكلام في كيفية الوجوب في الامر المطلق عن الوقت أصلا كالأَمر بالكفارات و النذور المطلقة و نحوها و ذلك على التراخى عند عامة مشايخنا و معنى التراخى عندهم انه يجب في مطلق الوقت عين و خيار التعيين إلى المكلف ففى أى وقت شرع فيه تعين ذلك الوقت للوجوب و ان لم يشرع يتضيق الوجوب عليه في آخر عمره في زمان يتمكن فيه من الاداء قبل موته و حكى الكرخي عن أصحابنا انه على الفور و الصحيح هو الاول و عند عامة أصحاب الحديث الامر المطلق يقتضى الوجوب على الفور على ما عرف في أصول الفقة و فى الحج اختلاف بين أصحابنا نذكره في كتاب الحج ان شاء الله تعالى و حكى القدوري عن الكرخي انه كان يقول في قضأ رمضان انه مؤقت بما بين رمضانين و هذا سديد بل المذهب عند أصحابنا ان وجوب القضاء لا يتوقت لما ذكرنا ان الامر بالقضاء مطلق عن تعيين بعض الاوقات دون بعض فيجرى على إطلاقه و لهذا قال أصحابنا انه لا يكره لمن عليه قضأ رمضان أن يتطوع و لو كان الوجوب على الفور لكره له التطوع قبل القضاء لانه يكون تأخيرا للواجب عن وقته المضيق و انه مكروه و على هذا قال أصحابنا انه إذا أخر قضأ رمضان حتى دخل رمضان آخر فلا فدية عليه و قال الشافعي عليه الفدية كانه قال بالوجوب على الفور مع رخصة التأخير إلى رمضان آخر و هذا سديد لما ذكرنا انه لا دلالة في الامر على تعيين الوقت فالتعيين يكون تحكما على الدليل و القول بالفدية باطل لانها تجب خلفا عن الصوم عند العجز عن تحصيله عجزا لا ترجى معه القدرة عادة كما في حق الشيخ الفانى و لم يوجد العجز لانه قادر على القضاء فلا معنى لايجاب الفدية و أما شرائط جواز القضاء فما هو شرط جواز أداء صوم رمضان فهو شرط جواز قضائه الا الوقت و تعيين النية من الليل فانه يجوز القضاء
في جميع الاوقات الا الاوقات المستثناة و لا يجوز الا بنية معينة من الليل بخلاف الاداء و وجه الفرق ما ذكرنا و الله الموفق و أما وجوب الفداء فشرطه العجز عن القضاء عجزا لا ترجى معه القدرة في جميع عمره فلا يجب الا على الشيخ الفانى و لا فداء على المريض و المسافر و لا على الحامل و المرضع و كل من يفطر لعذر ترجى معه القدرة لفقد شرطه و هو العجز المستدام و هذا لان الفداء خلف عن القضاء و القدرة على الاصل تمنع المصير إلى الخلف كما في سائر الاخلاف مع أصولها و لهذا قلنا ان الشيخ الفا لى إذا فدى ثم قدر على الصوم بطل الفداء و أما الصوم المنذور في وقت بعينه فهو كصوم رمضان في وجوب القضاء إذا فات عن وقته و قدر على القضاء و ان فات بعضه يلزمه قضأ ما فاته لا و لا يلزمه الاستقبال كصوم رمضان بخلاف ما إذا أوجب على نفسه صوم شهر متتابعا فأفطر يوما انه يلزمه الاستقبال و الفرق بينهما قد تقدم و لو مات قبل ممر الوقت فلا قضأ عليه لان الايجاب مضاف إلى زمان متعين فإذا مات قبله لم يجب عليه فلا يلزمه شيء كما لو مات قبل دخول رمضان و كذلك إذا أدرك الوقت و هو مريض ثم مات قبل أن يبرأ فلا قضأ عليه فان برأ قبل الموت فعليه القضاء كما في صوم رمضان و لو نذر و هو صحيح و صام بعض الشهر و هو صحيح ثم مرض فمات قبل تمام الشهر يلزمه أن يوصى بالفدية لما بقي من الشهر و لو نذر و هو مريض ثم مات قبل أن يصح لا يلزمه شيء بلا خلاف و لو صح يوما يلزمه أن يوصى بالفدية لجميع الشهر في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد بقدر ما صح و قد ذكرنا المسألة و الله أعلم ( فصل )
و أما بيان ما يسن و ما يستحب للصائم و ما يكره له أن يفعله فنقول يسن للصائم السحور لما روى عن عمرو بن العاص رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ان فصلا بين صيامنا و صيام أهل الكتاب أكله السحور و لانه يستعان به على صيام النهار و اليه أشار النبي صلى الله عليه و سلم في الندب إلى السحور فقال استعينوا بقائلة النهار على قيام الليل و بأكل السحور على صيام النهار و السنة فيها هو التأخير لان معنى الاستعانة فيه أبلغ و قد روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال ثلاث من سنن المرسلين تأخير السحور و تعجيل الافطار و وضع اليمين على الشمال تحت السرة في الصلاة و فى رواية قال ثلاث من أخلاق المرسلين و لو شك في طلوع الفجر فالمستحب له أن لا يأكل هكذا روى أبو يوسف عن أبى حنيفة انه قال إذا شك في الفجر فأحب إلى أن يدع الاكل لانه يحتمل ان الفجر قد طلع فيكون الاكل إفسادا للصوم فيتحرز عنه و الاصل فيه ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لوابصة بن معبد الحلال بين و الحرام بين و بينهما أمور مشتبهات فدع ما يريك إلى ما لا يريك و لو أكل و هو شاك لا يحكم عليه بوجوب القضاء عليه لان فساد الصوم مشكوك فيه لوقوع الشك في طلوع الفجر مع ان الاصل هو بقاء الليل فلا يثبت النهار بالشك و هل يكره الاكل مع الشك روى هشام عن أبى يوسف انه يكره و روى ابن سماعة عن محمد انه لا يكره و الصحيح قول أبى يوسف و هكذا روى الحسن عن أبى حنيفة انه إذا شك فلا يأكل و ان أكل فقد أساء لما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال ألا ان لكل ملك حمى ألا و ان حمى الله محارمه فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه و الذى يأكل مع الشك في طلوع الفجر يحوم حول الحمى فيوشك أن يقع فيه فكان بالاكل معرضا صومه للفساد فيكره له ذلك و عن الفقية أبى جعفر الهندواني انه لو ظهر على إمارة الطلوع من ضرب الدبداب و الاذان يكره و الا فلا و لا تعويل على ذلك لانه مما يتقدم و يتأخر هذا إذا تسحر و هو شاك في طلوع الفجر فاما إذا تسحر و أكبر رأيه ان الفجر طالع فذكر في الاصل و قال ان الاحب إلينا أن يقضى و روى الحسن عن ابى حنيفة انه يقضى و ذكر القدوري ان الصحيح انه لا قضأ عليه وجه رواية الاصل انه على يقين من الليل فلا يبطل الا بيقين مثله وجه رواية الحسن ان غالب الرأي دليل واجب العمل به بل هو في حق وجوب العمل في الاحكام بمنزلة اليقين و على رواية الحسن اعتمد شيخنا رحمه الله و يسن تعجيل الافطار إذا غربت الشمس هكذا روى عن أبى حنيفة انه قال و تعجيل الافطار إذا غربت الشمس أحب إلينا لما روينا من الحديث و هو قوله صلى الله عليه و سلم ثلاث من سنن المرسلين و ذكر من جملتها تعجيل الافطار و روى عن النبي صلى الله
عليه و سلم انه قال لا تزال أمتي بخير ما لم ينتظروا للافطار طلوع النجوم و التأخير يؤدى اليه و لو شك في غروب الشمس لا ينبغى له أن يفطر لجواز ان الشمس لم تغرب فكان الافطار إفسادا للصوم و لو أفطر و هو شاك في غروب الشمس و لم يتبين الحال بعد ذلك انها غربت أم لا لم يذكره في الاصل و لا القدوري في شرحه مختصر الكرخي و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه يلزمه القضاء فرق بينه و بين التسحر و وجه الفرق ان هناك الليل أصل فلا يثبت النهار بالشك فلا يبطل المتيقن به بالمشكوك فيه و ههنا النهار أصل فلا يثبت الليل بالشك فكان الافطار حاصلا فيما له حكم النهار فيجب قضاؤه و يجوز أن يكون ما ذكره القاضي جواب الاستحسان احتياطا فاما في الحكم المر و هو القياس ان لا يحكم بوجوب القضاء لان وجوب القضاء حكم حادث لا يثبت الا بسبب حادث و هو إفساد الصوم و فى وجوده شك و على هذا يحمل اختلاف الروايتين في مسألة التسحر بأن تسحروا كبر رأيه ان الفجر طالع و لو أفطروا كبر رأيه ان الشمس قد غربت فلا قضأ عليه لما ذكرنا ان غالب الرأي حجة موجبة للعمل به و انه في الاحكام بمنزلة اليقين و ان كان غالب رأيه انها لم تغرب فلا شك في وجوب القضاء عليه لانه إنضاف إلى غلبة الظن حكم الاصل و هو بقاء النهار فوقع افطاره في النهار فليزمه القضاء و اختلف المشايخ في وجوب الكفارة قال بعضهم تجب لما ذكرنا ان غالب الرأي نزل منزلة اليقين في وحوب العمل كيف و قد انضم اليه شهادة الاصل و هو بقاء النهار و قال بعضهم لا تجب و هو الصحيح لان احتمال الغروب قائم فكانت الشبهة ثابتة و هذه الكفارة لا تجب مع الشبهة و الله أعلم و لا بأس أن يكتحل الصائم بالاثمد و غيره و لو فعل لا يفطره و ان وجد طعمه في حلقه عند عامة العلماء لما روينا ان رسول الله صلى الله عليه و سلم اكتحل و هو صائم و لما ذكرنا انه ليس للعين منفذا إلى الجوف و ان وجده في حلقه فهو أثره لا عينه و لا بأس أن يدهن لما قلنا و كره أبو حنيفة أن يمضغ الصائم العلك لانه لا يؤمن أن ينفصل شيء منه فيدخل حلقه فكان المضغ تعريضا لصومه للفساد فيكره و لو فعل لا يفسد صومه لانه لا يعلم وصول شيء منه إلى الجوف و قيل هذا إذا كان معجونا فاما إذا لم يكن يفطره لانه يتفتت فيصل شيء منه إلى جوفه ظاهرا و غالبا و يكره للمرأة ان تمضغ لصبيتها طعاما و هي صائمة لانه لا يؤمن أن يصل شيء منه إلى جوفها الا إذا كان لابد لها من ذلك فلا يكره للضرورة و يكره للصائم أن يذوق العسل أو السمن أو الزيت و نحو ذلك بلسانه ليعرف انه جيد أو ردئ و ان لم يدخل حلقه ذلك و كذا يكره للمرأة ان نذوق المرقة لتعرف طعمها لانه يخاف وصول شيء منه إلى الحلق فتفطر و لا بأس للصائم أن يستاك سواء كان السواك يابسا أو رطبا مبلولا أو مبلول و قال أبو يوسف إذا كان مبلولا يكره و قال الشافعي يكره السواك في آخر النهار كيفما كان و احتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك و الاستياك يزيل الخلوف فيكره وجه قول أبى يوسف ان الاستياك بالمبلول من السواك إدخال الماء في الفم من حاجة فيكره و لنا ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال خير خلال الصائم السواك و الحديث حجة على ابى يوسف و الشافعي لانه وصف الاستياك بالخيرية مطلقا من فصل بين المبلول و غير المبلول و بين أن يكون في أول النهار و آخره لان المقصود منه تطهير الفم فيستوى فيه المبلول و غيره و أول النهار و آخره كالمضمضة و أما الحديث فالمراد منه تفخيم شأن الصائم و الترغيب في الصوم و التنبيه على كونه محبوبا لله تعالى و مرضيه و نحن به نقول أو يحمل على انهم كانوا يتحرجون عن الكلام مع الصائم لتغير فمه بالصوم فمنعهم عن ذلك و دعاهم إلى الكلام و لا بأس للصائم أن يقبل و يباشر إذا أمن على نفسه ما سوى ذلك أما القبلة فلما روى أن عمر رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن القبلة للصائم فقال أ رأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أ كان يضرك قال لا قال فصم إذا و فى رواية أخرى عن عمر رضى الله عنه انه قال هششت إلى أهلى ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت انى عملت اليوم عملا عظيما انى قبلت و أنا صائم فقال أ رأيت لو تمضمضت بماء أ كان يضرك قلت لا قال فصم إذا و عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبل
و هو صائم ورى ان شابا و شيخا سألا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن القبلة للصائم فنهى الشاب و رخص للشيخ و قال الشيخ أملك لا ربه و أنا أملككم لا ربى و فى رواية الشيخ يملك نفسه و أما المباشرة فلما روى عن عائشة رضى الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يباشر و هو صائم و كان أملككم لا ربه و روى عن أبى حنيفة انه كره المباشرة و وجه هذه الرواية ان عند المباشرة لا يؤمن على ما سوى ذلك ظاهرا و غالبا بخلاف القبلة و فى حديث عائشة رضى الله عنها اشارة إلى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان مخصوصا بذلك حيث قالت و كان أملككم لا ربه قال أبو يوسف و يكره للصائم أن يتمضمض لغير الوضوء لانه يحتمل أن يسبق الماء إلى حلقه و لا ضرورة فيه و ان كان للوضوء لا يكره لانه محتاج اليه لاقامه السنة و أما الاستنشاق و الاغتسال وصب الماء على الرأس و التلفف بالثوب المبلول فقد قال أبو حنيفة انه يكره و قال أبو يوسف لا يكره و احتج بما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم صب على رأسه ماء من شدة الحر و هو صائم و عن ابن عمر رضى الله عنهما انه كان يبل الثوب و يتلفف به و هو صائم و لانه ليس فيه الا دفع أذى الحر فلا يكره كما لو استظل و لابي حنيفة ان فيه اظهار الضجر من العبادة و الامتناع عن تحمل مشقتها و فعل رسول الله صلى عليه و سلم محمول على حال مخصوصة و هي حال خوف الافطار من شدة الحر و كذا فعل ابن عمر رضى الله عنه محمول على مثل هذه الحالة و لا كلام فيه و لا تكره الحجامة للصائم لما روى عن ابن عباس رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم احتجم و هو صائم و عن أنس رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم احتجم و هو صائم محرم و لو احتجم لا يفطره عند عامة العلماء و عند أصحاب الحديث يفطره و احتجوا بما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم مر على معقل بن يسار و هو يحتجم في رمضان فقال أفطر الحاجم و المحجوم و لنا ما روى عن ابن عباس و أنس رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه و سلم احتجم و هو صائم و لو كان الاحتجام يفطر لما فعله و روينا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال ثلاث لا يفطرن الصائم ألقئ و الحجامة و الاحتلام و أما ما روى من الحديث فقد قيل انه كان ذلك في الابتداء ثم رخص بعد ذلك و الثاني انه ليس في الحديث إثبات الفطر بالحجامة فيحتمل انه كان منهما ما يوجب الفطر و هو ذهاب ثواب الصوم كما روى عن ابن عباس رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم مر برجل يحجم رجل و هما يغتابان فقال أفطر الحاجم و المحجوم أى بسبب الغيبة منهما على ما روى الغيبة تفطر الصائم و لان الحجامة ليست الا إخراج شيء من الدم و الفطر مما يدخل و الوضوء مما يخرج كذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و ليس للمرأة التي لها زوج أن تصوم تطوعا الا باذن زوجها لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر ان تصوم صوم تطوع الا باذن زوجها و لان له حق الاستمتاع بها و لا يمكنه ذلك في حال الصوم و له أن يمنعها ان كان يضره لما ذكرنا انه لا يمكنه استيفاء حقه مع الصوم فكان له منعها فان كان صيامها لا يضره بأن كان صائما أو مريضا لا يقدر على الجماع فليس له أن يمنعها لان المنع كان لاستيفاء حقه فإذا لم يقدر على الاستمتاع فلا معنى للمنع و ليس لعبد و لا أمة و لا مدبر و لا مدبرة وأم ولد أن تصوم بغير اذن المولى لان منافعه مملوكة للمولى الا في القدر المستثنى و هو الفرائض فلا يملك صرفها إلى التطوع و سواء كان ذلك يضر المولي أو لا يضره بخلاف المرأة لان المنع ههنا لمكان الملك فلا يقف على الضرر و للزوج أن يفطر المرأة إذا صامت بغير اذنه و كذا للمولى و تقضى المرأة إذا أذن لها زوجها أو بانت منه و يقضى العبد إذا أذن له المولى أو أعتق لان الشروع في التطوع قد صح منهما الا انهما منعا من المضي فيه لحق الزوج و المولى فإذا أفطر ألزمهما القضاء و أما الاجير الذي استأجره الرجل ليخدمه فلا يصوم تطوعا الا باذنه لان صومه يضر المستأجر حتى لو كان لا يضره فله أن يصوم بغير اذنه لان حقه في منافعه بقدر ما يتأدى به الخدمة و الخدمة حاصلة له من خلل بخلاف العبد ان له أن يمنعه و ان كان لا يضره صومه لان المانع هناك ملك الرأس و انه يظهر في حق جميع المنافع سوى القدر المستثنى و ههنا المانع ملك بعض المنافع و هو قدر ما تتأدى به الخدمة و ذلك القدر حاصل من خلل فلا يملك منعه و أما بنت الرجل و أمه و أخته فلها أن تطوع بغير
* كتاب الاعتكاف * فصل وأما شرائط صحته فنوعان
اذنه لانه لا حق له في منافعها فلا يملك منعها كما لا يملك منع الاجنبية و لو أراد المسافر دخول مصره أو مصرا آخر ينوى فيه الاقامة يكره له أن يفطر في ذلك اليوم و ان كان مسافرا في أوله لانه اجتمع المحرم للفطر و هو الاقامة و المرخص و المبيح و هو السفر في يوم واحد فكان الترجيح للمحرم احتياطا فان كان أكبر رأيه أن لا يتفق دخوله المصر حتى تغيب الشمس فلا بأس بالفطر فيه و لا بأس بقضاء رمضان في عشر ذي الحجة و هو مذهب عمر و عامة الصحابة رضى الله عنهم الا شيأ حكى عن على رضى الله عنه انه قال يكره فيها لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه نهى عن قضأ رمضان في العشر و الصحيح قول العامة لقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر مطلقا من فصل و لانها وقت يستحب فيها الصوم فكان القضاء فيها أولى من القضاء في غيرها و ما روى من الحديث غريب في حد الاحاديث فلا يجوز تقييد مطلق الكتاب و تخصيصه بمثله أو نحمله على الندب في حق من اعتاد التنفل بالصوم في هذه الايام فالأَفضل في حقه أن يقضى في غيرها لئلا تفوته فضيلة صوم هذه الايام و يقضى صوم رمضان في وقت آخر و الله أعلم بالصواب ( كتاب الاعتكاف )
الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان صفة الاعتكاف و فى بيان شرائط صحته و فى بيان ركنه و يتضمن بيان محظورات الاعتكاف و ما يفسده و ما لا يفسده و فى بيان حكمه إذا فسد و فى بيان حكمه إذا فات عن وقته المعين له أما الاول فالاعتكاف في الاصل سنة و انما يصير واجبا بأحد أمرين أحدهما قول و هو النذر المطلق بان يقول لله على ان اعتكف يوما أو شهرا أو نحو ذلك أو علقه بشرط بان يقول ان شفى الله مريض أو ان قدم فلان فلله على أن اعتكف شهرا أو نحو ذلك و الثاني فعل و هو الشروع لان الشروع في التطوع ملزم عندنا كالنذر و الدليل على انه في الاصل سنة مواظبة النبي صلى الله عليه و سلم فانه روى عن عائشة و أبى هريرة رضى الله عنهما انهما قالا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعتكف العشر الاواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله تعالى و عن الزهرى انه قال عجبا للناس تركوا الاعتكاف و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل الشيء و يتركه و لم يترك الاعتكاف منذ دخل المدينة إلى أن مات و مواظبة النبي صلى الله عليه و سلم عليه دليل كونه سنة في الاصل و لان الاعتكاف تقرب إلى الله تعالى بمجاورة بيته و الاعراض عن الدنيا و الاقبال على خدمته لطلب الرحمة و طمع المغفرة حتى قال عطاء الخراساني مثل المعتكف مثل الذي ألقى نفسه بين يدى الله تعالى يقول لا أبرح حتى يغفر لي و لانه عبادة لما فيه من اظهار العبودية لله تعالى بملازمة الاماكن المنسوبة اليه و العزيمة في العبادات القيام بها بقدر الامكان و انتفاء الحرج و انما رخص تركها في بعض الاوقات فكان الاشتغال بالاعتكاف اشتغالا بالعزيمة حتى لو نذر به يلتحق بالعزائم الموظفة التي لا رخصة في تركها و الله أعلم ( فصل )
و أما شرائط صحته فنوعان نوع يرجع إلى المعتكف و نوع يرجع إلى المعتكف فيه أما ما يرجع إلى المعتكف فمنها الاسلام و العقل و الطهارة عن الجنابة و الحيض و النفاس و انها شرط الجواز في نوعى الاعتكاف الواجب و التطوع جميعا لان الكافر ليس من أهل العبادة و كذا المجنون لان العبادة لا تؤدى الا بالنية و هو ليس من أهل النية و الجنب و الحائض و النفساء ممنوغون عن المسجد و هذه العبادة لا تؤدى الا في المسجد و أما البلوغ فليس بشرط لصحة الاعتكاف فيصح من الصبي العاقل لانه من أهل العبادة كما يصح منه صوم التطوع و لا تشترط الذكورة و الحرية فيصح من المرأة و العبد باذن المولى و الزوج ان كان لها زوج لانهما من أهل العبادة و انما المانع حق الزوج و المولى فإذا وجد الاذن فقد زال المانع و لو نذر المملوك اعتكافا فللمولى أن يمنعه عنه فإذا أعتق قضاه و كذلك المرأة إذا نذرت فلزوجها أن يمنعها فإذا بانت قضت لان للزوج ملك المنفعة فيها و للمولى ملك الذات و المنفعة في المملوك و فى الاعتكاف تأخير
حقهما في استيفاء المنفعة فكان لهما المنع ما داما في ملك الزوج و المولى فإذا بانت المرأة و اعتق المملوك لزمهما قضاؤه و لان النذر منهما قد صح لوجوده من الاهل لكنهما منعا لحق المولى و الزوج فإذا سقط حقهما بالعتق و البينونة فقد زال المانع فيلزمهما القضاء و اما المكاتب فليس للمولى أن يمنعه من الاعتكاف الواجب و التطوع لان المولى لا يملك منافع مكاتبه فكان كالحر في حق منافعه و إذا أذن الرجل لزوجته بالاعتكاف لم يكن له أن يرجع عنه لانه لما أذن لها بالاعتكاف فقد ملكها منافع الاستمتاع بها في زمان الاعتكاف و هي من أهل الملك فلا يملك الرجوع عن ذلك و النهى عنه بخلاف المملوك إذا أذن له مولاه بالاعتكاف انه يملك الرجوع عنه لان هناك ما ملكه المولى منافعه لانه ليس من أهل الملك و انما أعاره منافعه و للمعير أن يرجع في العارية متى شاء الا انه يكره له الرجوع لانه خلف في الوعد و غرور فيكره له ذلك و منها النية لان العبادة لا تصح بدون النية و منها الصوم فانه شرط لصحة الاعتكاف الواجب بلا خلاف بين أصحابنا و عند الشافعي ليس بشرط و يصح الاعتكاف بدون الصوم و المسألة مختلفة بين الصحابة رضى الله عنهم و روى عن ابن عباس و عائشة واحدى الروايتين عن على رضى الله عنهم مثل مذهبنا و روى عن على و عبد الله بن مسعود مثل مذهبه وجه قوله ان الاعتكاف ليس الا اللبث و الاقامة و ذا لا يفتقر إلى الصوم و لان الصوم عبادة مقصودة بنفسه فلا يصلح شرطا لغيره لان شرط الشيء تبع له و فيه جعل المتبوع تبعا و انه قلب الحقيقة و لهذا لم يشترط لاعتكاف التطوع و كذا يصح الشروع في الاعتكاف الواجب بدونه بأن قال لله على ان اعتكف شهر رجب فكما رأى الهلال يجب عليه الدخول في الاعتكاف و لا صوم في ذلك الوقت و لو كان شرطا لما جاز بدونه فضلا عن الوجوب اذ الشروع في العبادة بدون شرطها لا يصح و الدليل عليه انه لو قال لله على ان اعتكف شهر رمضان فصام رمضان و اعتكف خرج عن عهدة النذر و ان لم يجب عليه الصوم بالاعتكاف و لنا ما روى عن عائشة رضى الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا اعتكاف الا بصوم و لان الصوم هو الامساك عن الاكل و الشرب و الجماع ثم أحد ركني الصوم و هو الامساك عن الجماع شرط صحة الاعتكاف فكذا الركن الاخر و هو الامساك عن الاكل و الشرب لاستواء كل واحد منهما في كونه ركنا للصوم فإذا كان احد الركنين شرطا كان الآخر كذلك و لان معنى هذه العبادة و هو ما ذكرنا من الاعراض عن الدنيا و الاقبال على الآخرة بملازمة بيت الله تعالى لا يتحقق بدون ترك قضأ الشهوتين الا بقدر الضرورة و هي ضرورة القوام و ذلك بالاكل و الشرب في الليالي و لا ضرورة في الجماع و قوله الاعتكاف ليس الا اللبث و المقام مسلم لكن هذا لا يمنع أن يكون الامساك عن الاكل و الشرب شرطا لصحته كما لم يمنع أن يكون الامساك عن الاكل و الشرب و الجماع شرطا لصحته و النية و كذا كون الصوم عبادة مقصوده بنفسه لا ينافى أن يكون شرطا لغيره ألا ترى ان قراءة القرآن عبادة مقصودة بنفسه ثم جعل شرطا لجواز الصلاة حالة الاختيار كذا ههنا و أما اعتكاف التطوع فقد روى الحسن عن أبى حنيفة انه لا يصح بدون الصوم و من مشايخنا من اعتمد على هذه الرواية و اما على ظاهر الرواية فلان في الاعتكاف التطوع عن أصحابنا روايتين في رواية مقدر بيوم و فى رواية مقدر أصلا و هو رواية الاصل فإذا لم يكن مقدرا و الصوم عبادة مقدرة بيوم فلا يصلح شرطا لما ليس بمقدر بخلاف الاعتكاف الواجب فانه مقدر بيوم لا يجوز الخروج عنه قبل تمامه فجاز أن يكون الصوم شرط لصحته و اما إذا قال لله على ان اعتكف شهر رجب فانما أوجب عليه الدخول في الاعتكاف في الليل لان الليالي دخلت في الاعتكاف المضاف إلى الشهر لضرورة اسم الشهر اذ هو اسم للايام و الليالي دخلت تبعا لا أصلا و مقصودا فلا يشترط لها ما يشترط للاصل كما إذا قال لله على ان اعتكف ثلاثة أيام انه يدخل فيه الليالي و يكون أول دخوله فيه من الليل لما قلنا كذا هذا و اما النذر باعتكاف شهر رمضان فانما يصح لوجود شرطه و هو الصوم في زمان الاعتكاف و ان لم يكن لزومه بالتزام الاعتكاف لان ذلك أفضل و اما اعتكاف التطوع فالصوم ليس بشرط لجوازه في ظاهر الرواية و انما الشرط أحد ركني الصوم عينا و هو الامساك عن الجماع لقوله تعالى و لا تباشروهن و أنتم عاكفون في
المساجد فاما الامساك عن الاكل و الشرب فليس بشرط و روى الحسن عن أبى حنيفة انه شرط و اختلاف الرواية فيه مبنى على اختلاف الرواية في اعتكاف التطوع انه مقدر بيوم أو مقدر ذكر محمد في الاصل انه مقدر و يستوى فيه القليل و الكثير و لو ساعة و روى الحسن عن أبى حنيفة انه مقدر بيوم فلما لم يكن مقدرا على رواية الاصل لم يكن الصوم شرطا له لان الصوم مقدر بيوم اذ صوم بعض اليوم ليس بمشروع فلا يصلح شرطا لما ليس بمقدر و لما كان مقدرا بيوم على رواية الحسن فالصوم يصلح ان يكون شرطا له و الكلام فيه يأتى في موضعه و على هذا يخرج ما إذا قال لله على ان اعتكف يوما انه يصح نذره و عليه أن يعتكف يوما واحدا بصوم و التعيين اليه فإذا أراد أن يؤدى يدخل المسجد قبل طلوع الفجر فيطلع الفجر و هو فيه فيعتكف يومه ذلك و يخرج منه بعد غروب الشمس لان اليوم اسم لبياض النهار و هو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فيجب أن يدخل المسجد قبل طلوع الفجر حتى يقع اعتكافه في جميع اليوم و انما كان التعيين اليه لانه لم يعين اليوم في النذر و لو قال لله على ان اعتكف ليلة لم يصح و لم يلزمه شيء عندنا لان الصوم شرط صحة الاعتكاف فالليل ليس بمحل للصوم و لم يوجد منه ما يوجب دخوله في الاعتكاف تبعا فالنذر لم يصادف محله و عند الشافعي يصح لان الصوم عنده ليس بشرط لصحة الاعتكاف و روى عن أبى يوسف انه ان نوى ليلة بيومها لزمه ذلك و لم يذكر محمد هذا التفصيل في الاصل فاما ان يوفق بين الروايتين فيحمل المذكور في الاصل على ما إذا لم تكن له نية و اما أن يكون في المسألة روايتان وجه ما روى عن أبى يوسف اعتبار الفرد بالجمع و هو ان ذكر الليالي بلفظ الجمع يكون ذكرا للايام كذا ذكر الليلة الواحدة يكون ذكر اليوم واحد و الجواب ان هذا إثبات اللغة بالقياس و لا سبيل اليه فلو قال لله على ان اعتكف ليلا و نهارا لزمه ان يعتكف ليلا و نهارا و ان لم يكن الليل محلا للصوم لان الليل يدخل فيه تبعا و لا يشترط للتبع ما يشترط للاصل و لو نذر اعتكاف يوم قد أكل فيه لم يصح و لم يلزمه شيء لان الاعتكاف الواجب لا يصح بدون الصوم و لا يصح الصوم في يوم قد أكل فيه و إذا لم يصح الصوم لم يصح الاعتكاف و لو قال لله على ان اعتكف يومين و لا نية له يلزمه اعتكاف يومين بليلتيهما و تعيين ذلك اليه فإذا أراد ان يؤدى يدخل المسجد قبل غروب الشمس فيمكث تلك الليلة و يومها ثم الليلة الثانية و يومها إلى أن تغرب الشمس ثم يخرج من المسجد و هذا قول أبى حنيفة و محمد و قال أبو يوسف الليلة الاولى لا تدخل في نذره و انما تدخل الليلة المتخللة بين اليومين فعلى قوله يدخل قبل طلوع الفجر و روى عن ابن سماعة ان المستحب له ان يدخل قبل غروب الشمس و لو دخل قبل طلوع الفجر جاز وجه قوله ان اليوم في الحقيقة اسم لبياض النهار الا ان الليلة المتخللة تدخل لضرورة حصول التتابع و الدوام و لا ضرورة في دخول الليلة الاولى بخلاف ما إذا ذكر الايام بلفظ الجمع حيث يدخل ما بإزائها من الليالي لان الدخول هناك للعرف و العادة كقول الرجل كنا عند فلان ثلاثة أيام و يريد به ثلاثة أيام و ما بإزائها من الليالي و مثل هذا العرف لم يوجد في التثنية و لهما ان هذا العرف أيضا ثابت في التثنية كما في الجمع يقول الرجل كنا عند فلان يومين و يريد به يومين و ما بإزائهما من الليالي و يلزمه اعتكاف يومين متتابعين لكن تعيين اليومين اليه لانه لم يعين في النذر و لو نوى يومين خاصة دون ليلتيهما صحت نيته و يلزمه اعتكاف يومين بغير ليلة لانه نوى حقيقة كلامه و هو بالخيار ان شاء تابع و ان شاء فرق لانه ليس في لفظه ما يدل على التتابع و اليومان متفرقان لتخلل الليلة بينهما فصار الاعتكاف ههنا كالصوم فيدخل في كل يوم المسجد قبل طلوع الفجر و يخرج منه بعد غروب الشمس و كذا لو قال لله على ان اعتكف ثلاثة أيام أو أكثر من ذلك و لا نية له انه يلزمه الايام مع لياليهن و تعيينها اليه لكن يلزمه مراعاة صفة التتابع و ان نوى الايام دون الليالي صحت نيته لما قلنا و يلزمه اعتكاف ثلاثة أيام بغير ليلة و له خيار التفريق لان القربة تعلقت بالايام و الايام متفرقة فلا يلزمه التتابع الا بالشرط كما في الصوم و يدخل كل يوم قبل طلوع الفجر إلى غروب الشمس ثم يخرج و لو قال لله على ان اعتكف ليلتين و لا نية له يلزمه اعتكاف ليلتين مع يوميهما و كذلك لو قال ثلاث ليال أو أكثر من ذلك من الليالي و يلزمه متتابعا لكن التعيين اليه لما قلنا و يدخل المسجد قبل
غروب الشمس و لو نوى الليل دون النهار صحت نيته لانه نوى حقيقة كلامه و لا يلزمه شيء لان الليل ليس وقتا للصوم و الاصل في هذا ان الايام إذا ذكرت بلفظ الجمع يدخل ما بإزائها من الليالي و كذا الليالي إذا ذكرت بلفظ الجمع يدخل ما بإزائها من الايام لقوله تعالى في قصة زكريا عليه السلام ثلاثة أيام الا رمزا و قال عز و جل في موضع آخر ثلاث ليال سويا و القصة قصة واحدة فلما عبر في موضع بإسم الايام و فى موضع بإسم الليالي دل ان المراد من كل واحد منهما هو و ما بازاء صاحبه حتى ان في الموضع الذي لم تكن الايام فيه على عدد الليالي أفرد كل واحد منهما بالذكر قال الله تعالى سبع ليال و ثمانية أيام حسوما و للآيتين حكم الجماعة ههنا لجريان العرف فيه كما في اسم الجمع على ما بينا و لو قال لله على ان اعتكف ثلاثين يوما و لا نية له فهو على الايام و الليالي متتابعا لكن التعيين اليه و لو قال نويت النهار دون الليل صحت نيته لانه عني به حقيقة كلامه دون ما نقل عنه بالعرف و العرف أيضا باستعمال هذه الحقيقة باق فيصح نيته ثم هو بالخيار ان شاء تابع و ان شاء فرق لان اللفظ مطلق عن قيد التتابع و كذا ذات الايام لا تقتضي التتابع لتخلل ما ليس بمحل للاعتكاف بين كل يومين و لو قال عنيت الليالي دون النهار لم يعمل بنيته و لزمه الليل و النهار لانه لما نص على الايام فإذا قال نويت بها الليالي دون الايام فقد نوى ما لا يحتمله كلامه فلا يقبل قوله و لو قال لله على ان اعتكف ثلاثين ليلة و قال عنيت به الليالي دون النهار لا يلزمه شيء لانه عني به حقيقة كلامه و الليالي في اللغة اسم للزمان الذي كانت الشمس فيه غائبة الا ان عند الاطلاق تتناول ما بإزائها من الايام بالعرف فإذا عني به حقيقة كلامه و العرف أيضا باستعمال هذه الحقيقة باق صحت نيته لمصادفتها محلها و لو قال لله على ان اعتكف شهرا يلزمه اعتكاف شهر أى شهر كان متتابعا في النهار و الليالي جميعا سواء ذكر التتابع أو لا و تعيين ذلك الشهر اليه فيدخل المسجد قبل غروب الشمس فتغرب الشمس و هو فيه فيعتكف ثلاثين ليلة و ثلاثين يوما ثم يخرج بعد استكمالها بعد غروب الشمس بخلاف ما إذا قال لله على ان أصوم شهرا و لم يعين و لم يذكر التتابع و لا نواه انه لا يلزمه التتابع بل هو بالخيار ان شاء تابع و ان شاء فرق و هذا الذي ذكرنا من لزوم التتابع في هذه المسائل مذهب أصحابنا الثلاثة و قال زفر لا يلزمه التتابع في شيء من ذلك الا بذكر التتابع أو بالنية و هو بالخيار ان شاء تابع و ان شاء فرق وجه قوله ان اللفظ مطلق عن قيد التتابع و لم ينو التتابع أيضا فيجرى على إطلاقه كما في الصوم و لنا الفرق بينهما و وجه الفرق ان الاعتكاف عبادة دائمة و مبناها على الاتصال لانه لبث و اقامة و الليالي قابلة للبث فلا بد من التتابع و ان كان اللفظ مطلقا عن قيد التتابع لكن في لفظه ما يقتضيه و فى ذاته ما يوجبه بخلاف ما إذا نذر أن يصوم شهرا و لزمه أن يصوم شهرا معين انه إذا عين شهرا له ان يفرق لانه أوجب مطلقا عن قيد التتابع و ليس مبنى حصوله على التتابع بل على التفريق لان بين كل عبادتين منه وقتا لا يصلح لها و هو الليل فلم يوجد فيه قيد التتابع و لا اقتضاء لفظه و تعيينه فبقى له الخيار و لهذا لم يلزم التتابع فيما لم يتقيد بالتتابع من الصيام المذكور في الكتاب كذا هذا و لو نوى في قوله لله على ان اعتكف شهرا النهار دون الليل لم تصح نيته و يلزمه الاعتكاف شهرا بالايام و الليالي جميعا لان الشهر اسم لزمان مقدر بثلاثين يوما و ليلة مركب من شيئين مختلفين كل واحد منهما أصل في نفسه كالبلق فإذا أراد أحدهما فقد أراد بالاسم ما لم يوضع له و لا احتمله فبطل كمن ذكر البلق و عنى به البياض دون السواد فلم تصادف النية محلها فلغت و هذا بخلاف اسم الخاتم فانه اسم للحلقة بطريق الاصالة و الفص كالتابع لها لانه مركب فيها زينة لها فكان كالوصف لها فجاز ان يذكر الخاتم و يراد به الحلقة فاما ههنا فكل واحد من الزمانين أصل فلم ينطلق الاسم على أحدهما بخلاف ما إذا قال لله على أن أصوم شهرا حيث انصرف إلى النهار دون الليالي لان هناك أيضا لا نقول ان اسم الشهر تناول النهار دون الليالي لما ذكرنا من الاستحالة بل تناول النهار و الليالي جميعا فكان مضيفا النذر بالصوم إلى الليالي و النهار جميعا معا أن الليالي ليست محلا لاضافة النذر بالصوم إليها فلم تصادف النية محلها فلغا ذكر الليالي و النهار محل لذلك فصحت الاضافة إليها على الاصل المعهود ان التصرف المصادف لمحله يصح والمصادف لغير محله يلغو فاما في الاعتكاف فكل واحد منهما محل و لو قال لله
على ان اعتكف شهر النهار دون الليل يلزمه كما التزم و هو اعتكاف شهر بالايام دون الليالي لانه لما قال النهار دون الليل فقد لغا ذكر الشهر بنص كلامه كمن قال رأيت فرسا أبلق للبياض منه دون السواد و كان هو بالخيار ان شاء تابع و ان شاء فرق لانه تلفظ بالنهار و الاصل فيه ان كل اعتكاف وجب في الايام دون الليالي فصاحبه فيه بالخيار ان شاء تابع و ان شاء فرق و كل اعتكاف وجب في الايام و الليالي جميعا يلزمه اعتكاف شهر يصومه متتابعا و لو أوجب على نفسه اعتكاف شهر بعينه بان قال لله على ان اعتكف رجب يلزمه ان يعتكف فيه يصومه متتابعا و ان أفطر يوما أو يومين فعليه قضأ ذلك و لا يلزمه قضا ما صح اعتكافه فيه كما إذا أوجب على نفسه صوم رجب على ما ذكرنا في كتاب الصوم فان لم يعتكف في رجب حتى مضى يلزمه اعتكاف شهر يصومه متتابعا لانه لما مضى رجب من اعتكاف صار في ذمته اعتكاف شهر بغير عينه فيلزمه مراعاة صفة التتابع فيه كما إذا أوجب على نفسه اعتكاف شهر بغير عينه ابتداء بان قال لله على ان اعتكف شهرا و لو أوجب اعتكاف شهر بعينه فاعتكف شهرا قبله عن نذره بان قال لله على أن اعتكف رجبا فاعتكف شهر ربيع الآخر أجزأه عن نذره عند أبى يوسف و عند محمد رحمهما الله تعالى لا يجزئه و هو على الاختلاف في النذر بالصوم في شهر معين فصام قبله و نذكر المسألة في كتاب النذر ان شاء الله تعالى و لو قال لله على ان اعتكف شهر رمضان يصح نذره و يلزمه ان يعتكف في شهر رمضان كله لوجود الالتزام بالنذر فان صام رمضان و اعتكف فيه خرج عن عهدة النذر لوجود شرط صحة الاعتكاف و هو الصوم و ان لم يكن لزومه بالتزامه الاعتكاف لان ذلك ليس بشرط انما الشرط وجوده معه كمن لزمه أداء الظهر و هو محدث يلزمه الطهارة و لو دخل وقت الظهر و هو على الطهارة يصح أداء الظهر بها لان الشرط هو الطهارة و قد وجدت كذا هذا و لو صام رمضان كله و لم يعتكف يلزمه قضأ الاعتكاف بصوم آخر في شهر آخر متتابعا كذا ذكر محمد في الجامع و روى عن أبى يوسف انه لا يلزمه الاعتكاف بل يسقط نذره وجه قوله ان نذره انعقد موجب للصوم و قد تعذر إبقاؤه كما انعقد فتسقط لعدم الفائدة في البقاء وجه قول محمد رحمه الله تعالى أن النذر بالاعتكاف في رمضان قد صح و وجب عليه الاعتكاف فيه فإذا لم يؤد بقي واجبا عليه كما إذا نذر بالاعتكاف في شهر آخر بعينه فلم يؤده حتى مضى الشهر و إذا بقي واجبا عليه و لا يبقى واجبا عليه الا بوجوب شرط صحة أدائه و هو الصوم فيبقى واجبا عليه بشرطه و هو الصوم و اما قوله ان نذره ما انعقد موجبا للصوم في رمضان فنعم لكن جاز أن يبقى موجبا للصوم في رمضان و هذا لان وجوب الصوم لضرورة التمكن من الاداء و لا يتمكن من الاداء في غيره الا بالصوم فيجب عليه الصوم و يلزمه متتابعا لانه لزمه الاعتكاف في شهر بعينه و قد فاته فيقضيه متتابعا كما إذا أوجب اعتكاف رجب فلم يعتكف فيه انه يقضيه في شهر آخر متتابعا كذا هذا و لو يصم رمضان و لم يعتكف فيه فعليه اعتكاف شهر متتابعا بصوم و قضاء رمضان فان قضى صوم الشهر متتابعا و قرن به الاعتكاف جاز و يسقط عنه قضأ رمضان و خرج عن عهدة النذر لان الصوم الذي وجب فيه الاعتكاف باق فيقضيهما جميعا يصوم شهرا متتابعا و هذا لان ذلك الصوم لما كان باقيا لا يستدعى وجوب الاعتكاف فيها صوما آخر فبقى واجب الاداء بعين ذلك الصوم كما انعقد و لو صام و لم يعتكف حتى دخل رمضان القابل فاعتكف قاضيا لما فاته بصوم هذا الشهر لم يصح لما ذكرنا ان بقاء وجوب الاعتكاف يستدعى وجوب صوم يصير شرطا لادائه فوجب في ذمته صوم على حدة و ما وجب في الذمة من الصوم لا يتأدى بصوم الشهر و لو نذر ان يعتكف يومى العيد و أيام التشريق فهو على الروايتين التين ذكرناهما في الصوم ان على رواية محمد عن أبى حنيفة يصح نذره لكن يقال له اقض في يوم آخر و يكفر اليمين ان كان أراد به اليمين و ان اعتكف فيها جاز و خرج عن عهدة النذر و كان مسيأ و على رواية أبى يوسف و ابن المبارك عن أبى حنيفة لا يصح نذره بالاعتكاف فيها أصلا كما لا يصح نذره بالصوم فيها و انما كان كذلك لان الصوم من لوازم الاعتكاف الواجب فكان الجواب في الاعتكاف كالجواب في الصوم و الله أعلم و أما الذي يرجع إلى المعتكف فيه فالمسجد و انه شرط في
فصل وأما ركن الاعتكاف ومحظوراته وما يفسده وما لا يفسده
نوعى الاعتكاف الواجب و التطوع لقوله تعالى و لا تباشروهن و أنتم عاكفون في المساجد وصفهم بكونهم عاكفين في المساجد مع انهم لم يباشروا الجماع في المساجد لينهوا عن الجماع فيها فدل ان مكان الاعتكاف هو المسجد و يستوى فيه الاعتكاف الواجب و التطوع لان النص مطلق ثم ذكر الكرخي انه لا يصح الاعتكاف الا في مساجد الجماعات يريد به الرجل و قال الطحاوي انه يصح في كل مسجد و روى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة انه لا يجوز الا في مسجد تصلى فيه الصلوات كلها و اختلفت الرواية عن ابن مسعود رضى الله عنه روى عنه انه لا يجوز الا في المسجد الحرام و مسجد المدينة و مسجد بيت المقدس كانه ذهب في ذلك إلى ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا اعتكاف الا في المسجد الحرام و روى أنه قال لا تشد الرحال الا لثلاث مساجد المسجد الحرام و مسجدي هذا و المسجد الاقصى و فى رواية و مسجد الانبياء و لنا عموم قوله تعالى و لا تباشروهن و أنتم عاكفون في المساجد و عن حذيفة رضى الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الاعتكاف في كل مسجد له امام و مؤذن و المروي انه لا اعتكاف الا في المسجد الحرام ان ثبت فهو على التناسخ لانه روى ان النبي صلى الله عليه و سلم اعتكف في مسجد المدينة فصار منسوخا بدلالة فعله اذ فعل النبي صلى الله عليه و سلم يصلح ناسخا لقوله أو يحمل على بيان الافضل كقوله لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد أو على المجاورة على قول من لا يكرهها و أما الحديث الآخر ان ثبت فيحمل على الزيارة أو على بيان الافضل فأفضل الاعتكاف ان يكون في المسجد الحرام ثم في مسجد المدينة و هو مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم في المسجد الاقصى ثم في المسجد الجامع ثم في المساجد العظام التي كثر أهلها و عظم اما المسجد الحرام و مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال صلاة في مسجدى هذا تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد ما خلا المسجد الحرام و لان للمسجد الحرام من الفضائل ما ليس لغيره من كون الكعبة فيه و لزوم الطواف به ثم بعده مسجد المدينة لانه مسجد أفضل الانبياء و المرسلين صلى الله تعالى عليه و عليهم و سلم ثم مسجد بيت المقدس لانه مسجد الانبياء عليهم الصلاة و السلام و لاجماع المسلمين على انه ليس بعد المسجد الحرام و مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجد أفضل منه ثم المسجد الجامع لانه مجمع المسلمين لاقامة الجمعة ثم بعده المساجد الكبار لانها في معنى الجوامع لكثرة أهلها و أما المرأة فذكر في الاصل انها لا تعتكف الا في مسجد بيتها و لا تعتكف في مسجد جماعة و روى الحسن عن أبى حنيفة أن للمرأة ان تعتكف في مسجد الجماعة و ان شاءت اعتكفت في مسجد بيتها و مسجد بيتها أفضل لها من مسجد حيها و مسجد حيها أفضل لها من المسجد الاعظم و هذا لا يوجب اختلاف الروايات بل يجوز اعتكافها في مسجد الجماعة على الروايتين جميعا بلا خلاف بين أصحابنا و المذكور في الاصل محمول على نفى الفضيلة لا على نفى الجواز توفيقا بين الروايتين و هذا عندنا و قال الشافعي لا يجوز اعتكافها في مسجد بيتها وجه قوله أن الاعتكاف قربة خصت بالمساجد بالنص و مسجد بيتها ليس بمسجد حقيقة بل هو اسم للمكان المعد للصلاة في حقها حتى لا يثبت له شيء من أحكام المسجد فلا يجوز اقامة هذا القربة فيه و نحن نقول بل هذه قربة خصت بالمسجد لكن مسجد بيتها له حكم المسجد في حقها في حق الاعتكاف لان له حكم المسجد في حقها في حق الصلاة لحاجتها إلى إحراز فضيلة الجماعة فاعطى له حكم مسجد الجماعة في حقها حتى كانت صلاتها في بيتها أفضل على ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال صلاة المرأة في مسجد بيتها أفضل من صلاتها في مسجد دارها و صلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في مسجد حيها و إذا كان له حكم المسجد في حقها في حق الصلاة فكذلك في حق الاعتكاف لان كل واحد منهما في اختصاصه بالمسجد سواء و ليس لها أن تعتكف في بيتها في مسجد و هو الموضع المعد للصلاة لانه ليس لغير ذلك الموضع من بيتها حكم المسجد فلا يجوز اعتكافها فيه و الله أعلم ( فصل )
و أما ركن الاعتكاف و محظوراته و ما يفسده و ما لا يفسده فركن الاعتكاف هو اللبث و الاقامة يقال اعتكف و عكف اى أقام و قال الله تعالى قالوا لن نبرح عليه عاكفين أى لن نزال عليه مقيمين و يقال فلان معتكف على
حرام أى مقيم عليه فسمى من أقام على العبادة في المسجد معتكفا و عاكفا و إذا عرف هذا فنقول لا يخرج المعتكف من معتكفه في الاعتكاف الواجب ليلا و لا نهارا الا لما لابد له منه من الغائط و البول و حضور الجمعة لان الاعتكاف لما كان لبثا و اقامة فالخروج يضاده و لا بقاء للشيء مع ما يضاده فكان إبطالا له و إبطال العبادة حرام لقوله تعالى و لا تبطلوا أعمالكم الا انا جوزنا له الخروج لحاجة الانسان اذ لابد منها و تعذر قضاؤها في المسجد فدعت الضرورة إلى الخروج و لان في الخروج لهذه الحاجة تحقيق هذه القربة لانه لا يتمكن المرء من اداء هذه القربة الا بالبقاء و لا بقاء بدون القوت عادة و لا بد لذلك من الاستفراغ على ما عليه مجرى العادة فكان الخروج لها من ضرورات الاعتكاف و وسائله و ما كان من و سائل الشيء كان حكمه حكم ذلك الشيء فكان المعتكف في حال خروجه عن المسجد لهذه الحاجة كانه في المسجد و قد روى عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يخرج من معتكفه ليلا و لا نهارا الا لحاجة الانسان و كذا في الخروج في الجمعة ضرورة لانها فرض عين و لا يمكن اقامتها في كل مسجد فيحتاج إلى الخروج إليها كما يحتاج إلى الخروج لحاجة الانسان فلم يكن الخروج إليها مبطلا لاعتكافه و هذا عندنا و قال الشافعي إذا خرج إلى الجمعة بطل اعتكافه وجه قوله ان الخروج في الاصل مضاد للاعتكاف و مناف له لما ذكرنا انه قرار و اقامة و الخروج انتقال و زوال فكان مبطلا له الا فيما لا يمكن التحرز عنه كحاجة الانسان و كان يمكنه التحرز عن الخروج إلى الجمعة بان يعتكف في المسجد الجامع و لنا ان اقامة الجمعة فرض لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و الامر بالسعى إلى الجمعة أمر بالخروج من المعتكف و لو كان الخروج إلى الجمعة مبطلا للاعتكاف لما أمر به لانه يكون أمرا بإبطال الاعتكاف و انه حرام و لان الجمعة لما كانت فرضا حقا لله تعالى عليه و الاعتكاف قربة ليست هى عليه فمتى أوجبه على نفسه بالنذر لم يصح نذره في إبطال ما هو حق لله تعالى عليه بل كان نذره عدما في إبطال هذا الحق و لان الاعتكاف دون الجمعة فلا يؤذن بترك الجمعة لاجله و قد خرج الجواب عن قوله ان الاعتكاف لبث و الخروج يبطله لما ذكرنا ان الخروج إلى الجمعة لا يبطله لما بينا و اما وقت الخروج إلى الجمعة و مقدار ما يكون في المسجد الجامع فذكر الكرخي و قال ينبغى أن يخرج إلى الجمعة عند الاذان فيكون في المسجد مقدار ما يصلى قبلها أربعا و بعدها أربعا أو ستا و روى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة مقدار ما يصلى قبلها أربعا و بعدها أربعا و هو على الاختلاف في سنة الجمعة بعدها انها أربع في قول أبى حنيفة و عندهما ستة على ما ذكرنا في كتاب الصلاة و قال محمد إذا كان منزله بعيدا يخرج حين يرى انه يبلغ المسجد عند النداء و هذا أمر يختلف بقرب المسجد و بعده فيخرج في أى وقت يرى أنه يدرك الصلاة و الخطبة و يصلى قبل الخطبة أربع ركعات لان إباحة الخروج إلى الجمعة إباحة لها بتوابعها و سننها من توابعها بمنزلة الاذكار المسنونة فيها و لا ينبغى أن يقيم في المسجد الجامع بعد صلاة الجمعة الا مقدار ما يصلى بعدها أربعا أو ستا على الاختلاف و لو أقام يوما و ليلة الا ينتقض اعتكافه لكن يكره له ذلك اما عدم الانتقاض فلان الجامع لما صلح لابتداء الاعتكاف فلان يصلح للبقاء أولى لان البقاء أسهل من الابتداء و اما الكراهة فلانه لما ابتدأ الاعتكاف في مسجد فكانه عينه للاعتكاف فيه فيكره له التحول عنه مع إمكان الاتمام فيه و لا يخرج لعيادة مريض و لا لصلاة جنازة لانه لا ضرورة إلى الخروج لان عيادة المريض ليست من الفرائض بل من الفضائل و صلاة الجنازة ليست بفرض عين بل فرض كفاية تسقط عنه بقيام الباقين بها فلا يجوز إبطال الاعتكاف لاجلها و ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم من الرخصة في عيادة المريض و صلاة الجنازة فقد قال أبو يوسف ذلك محمول عندنا على الاعتكاف الذي يتطوع به من إيجاب فله أن يخرج متى شاء و يجوز أن تحمل الرخصة على ما إذا كان خرج المعتكف لوجه مباح كحاجة الانسان أو للجمعة ثم عاد مريضا أو صلى على جنازة من أن كان خروجه لذلك قصدا و ذلك جائز اما المرأة إذا اعتكفت في مسجد بيتها لا تخرج منه إلى منزلها الا لحاجة الانسان لان ذلك في حكم المسجد لها ما بينا فان خرج من المسجد الذي يعتكف فيه لعذر بان انهدم المسجد أو أخرجه السلطان مكرها أو السلطان
فدخل مسجد آخر غيره من ساعته لم يفسد اعتكافه استحسانا و القياس أن يفسد وجه القياس انه وجد ضد الاعتكاف و هو الخروج الذي هو ترك الاقامة فيبطل كما لو خرج عن اختيار وجه الاستحسان انه خرج من ضرورة اما عند انهدام المسجد فظاهر لانه لا يمكنه الاعتكاف فيه بعد ما انهدم فكان الخروج منه أمرا لابد منه بمنزلة الخروج لحاجة الانسان و اما عند الاكراه فلان الاكراه من أسباب العذر في الجملة فكان هذا القدر من الخروج ملحقا بالعدم كما إذا خرج لحاجة الانسان و هو يمشى مشيا رفيقا فان خرج من المسجد لغير عذر فسد اعتكافه في قول أبى حنيفة و ان كان ساعة و عند أبى يوسف و محمد لا يفسد حتى يخرج أكثر من نصف يوم قال محمد قول أبى حنيفة أقيس و قول أبى يوسف أوسع وجه قولهما ان الخروج القليل عفو و ان كان بغير عذر بدليل انه لو خرج لحاجة الانسان و هو يمشى متأنيا لم يفسد اعتكافه و ما دون نصف اليوم فهو قليل فكان عفوا و لابي حنيفة انه ترك الاعتكاف باشتغاله بضده من ضرورة فيبطل اعتكافه لفوات الركن و بطلان الشيء بفوات ركنه يستوى فيه الكثير و القيل كالاكل في باب الصوم و فى الخروج لحاجة الانسان ضرورة و أحوال الناس في المشي مختلفة لا يمكن ضبطها فسقط اعتبار صفة المشي و ههنا لا ضرورة في الخروج و على هذا الخلاف إذا خرج لحاجة الانسان و مكث بعد فراغه أنه ينتقض اعتكافه عند أبى حنيفة قل مكثه أو كثر و عندهما لا ينتقض ما لم يكن أكثر من نصف يوم و لو صعد المئذنة لم يفسد اعتكافه بلا خلاف و ان كان كان باب المئذنة خارج المسجد لان المئذنة من المسجد الا ترى انه يمنع فيه كل ما يمنع في المسجد من البول و نحوه و لا يجوز بيعها فاشبه زاوية من زوايا المسجد و كذا إذا كان داره بجنب المسجد فاخرج رأسه إلى داره لا يفسد اعتكافه لان ذلك ليس بخروج الا ترى أنه لو حلف لا يخرج من الدار ففعل ذلك لا يحنث في يمينه و روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج رأسه من المسجد فيغسل رأسه و ان غسل رأسه في المسجد في إناء لا بأس به إذا لم يلوث المسجد بالماء المستعمل فان كان بحيث يتلوث المسجد يمنع منه لان تنظيف المسجد واجب و لو توضأ في المسجد في إناء فهو على هذا التفصيل و أما اعتكاف التطوع فهل يفسد بالخروج لغير عذر كالخروج لعيادة المريض و تشييع الجنازة فيه روايتان في رواية الاصل لا يفسد و فى رواية الحسن بن زياد عن أبى حنيفة يفسد بناء على ان اعتكاف التطوع مقدر على رواية الاصل فله أن يعتكف ساعة من نهار أو نصف يوم أو ما شاء من قليل أو كثير أو يخرج فيكون معتكفا ما أقام تاركا ما خرج و على رواية الحسن هو مقدر بيوم كالصوم و لهذا قال انه لا يصبح بدون الصوم كما لا يصح الاعتكاف الواجب بدون الصوم وجه رواية الحسن ان الشروع في التطوع موجب للاتمام على أصل أصحابنا صيانة للمؤدى عن البطلان كما في صوم التطوع و صلاة التطوع و مست الحاجة الي صيانة المؤدى ههنا لان القدر المؤدى انعقد قربة فيحتاج إلى صيانته و ذلك بالمضي فيه إلى آخر اليوم وجه رواية الاصل ان الاعتكاف لبث و اقامة فلا يتقدر بيوم كامل كالوقوف بعرفة و هذا لان الاصل في كل فعل تام بنفسه في زمان اعتباره في نفسه من أن يقف اعتباره على وجود غيره و كل لبث و اقامة توجد فهو فعل تام في نفسه فكان اعتكافا في نفسه فلا تقف صحته و اعتباره على وجود أمثاله إلى آخر اليوم هذا هو الحقيقة الا إذا جاء دليل التغيير فتجعل الافعال المتعددة المتغايرة حقيقة متحدة حكما كما في الصوم و من ادعى التغيير ههنا يحتاج إلى الدليل و قوله الشروع فيه موجب مسلم لكن بقدر ما اتصل به الاداء و لما خرج فما أوجب الا ذلك القدر فلا يلزمه أكثر من ذلك و لو جامع في حال الاعتكاف فسد اعتكافه لان الجماع من محظورات الاعتكاف لقوله تعالى و لا تباشروهن و أنتم عاكفون في المساجد قيل المباشرة كناية عن الجماع كذا روى عن ابن عباس رضى الله عنه ان ما ذكر الله عز و جل في القرآن من المباشرة و الرفث و الغشيان فانما عني به الجماع لكن الله تعالى حيى كريم يكنى بما شاء دلت الآية على ان الجماع محظور في الاعتكاف فان حظر الجماع على المعتكف ليس لمكان المسجد بل لمكان الاعتكاف و ان كان ظاهر النهى عن المباشرة في حال الاعتكاف في المسجد بقوله عز و جل و لا تباشروهن و أنتم عاكفون في المساجد لان الآية الكريمة
نزلت في قوم كانوا يعتكفون في المساجد و كانوا يخرجون يقضون حاجتهم في الجماع ثم يغتسلون ثم يرجعون إلى معتكفهم لا أنهم كانوا يجامعون في المساجد لينهوا عن ذلك بل المساجد في قلوبهم كانت أجل و أعظم من أن يجعلوها مكانا لوطأ نسائهم فثبت ان النهى عن المباشرة في حال الاعتكاف لاجل الاعتكاف فكان الجماع من محظورات الاعتكاف فيوجب فساده و سواء جامع ليلا أو نهارا لان النص مطلق فكان الجماع من محظورات الاعتكاف ليلا و نهارا و سواء كان عامدا أو ناسيا بخلاف الصوم فان جماع الناسي لا يفسد الصوم و النسيان لم يجعل عذرا في باب الاعتكاف و جعل عذرا في باب الصوم و الفرق من وجهين أحدهما ان الاصل أن لا يكون عذرا لان فعل الناسي مقدورا لامتناع عنه في الجملة اذ الوقوع فيه لا يكون الا لنوع تقصير و لهذا كان النسيان جابر المؤاخذة عليه عندنا و انما رفعت المؤاخذة ببركة دعاء النبي صلى الله عليه و سلم بقوله ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا و لهذا لم يجعل عذرا في باب الصلاة الا انه جعل عذرا في باب الصوم بالنص فيقتصر عليه و الثاني ان المحرم في الاعتكاف عين الجماع فيستوى فيه العمد و السهو و المحرم في باب الصوم هو الافطار لا عين الجماع أو حرم الجماع لكونه افطارا لا لكونه جماعا فكانت حرمته لغيره و هو الافطار و الافطار يختلف حكما بالعمد و النسيان و لو أكل أو شرب في النهار عامدا فسد صومه و فسد اعتكافه لفساد الصوم و لو أكل ناسيا لا يفسد اعتكافه لانه لا يفسد صومه و الاصل ان ما كان من محظورات الاعتكاف و هو ما منع عنه لاجل الاعتكاف لا لاجل الصوم يختلف فيه العمد و السهو و النهار و الليل كالجماع و الخروج من المسجد و ما كان من محظورات الصوم و هو ما منع عنه لاجل الصوم يختلف فيه العمد و السهو و النهار و الليل كالجماع و الخروج من المسجد و كالاكل و الشرب و الفقه ما بينا و لو بأشر فانزل فسد اعتكافه لان المباشرة منصوص عليها في الآية و قد قيل في بعض وجوه التأويل ان المباشرة الجماع و ما دونه و لان المباشرة مع الانزال في معنى الجماع فيلحق به و كذا لو جامع فيما دون الفرج فانزل لما قلنا فان لم ينزل لا يفسد اعتكافه لانه بدون الانزال لا يكون في معنى الجماع لكنه يكون حراما و كذا التقبيل و المعانقة و اللمس انه ان أنزل في شيء من ذلك فسد اعتكافه و الا فلا يفسد لكنه يكون حراما بخلاف الصوم فان في باب الصوم لا تحرم الدواعي إذا كان يأمن على نفسه و الفرق على نحو ما ذكرنا ان عين الجماع في باب الاعتكاف محرم و تحريم الشيء يكون تحريما لدواعيه لانها تقضى اليه فلو لم تحرم لادى إلى التناقض و أما في باب الصوم فعين الجماع ليس محرما انما المحرم هو الافطار أو حرم الجماع لكونه افطارا و هذا لا يتعدى إلى الدواعي فهو الفرق و لو نظر فانزل لم يفسد اعتكافه لانعدام الجماع صورة و معنى فاشبه الاحتلام و الله الموفق و لا يأتى الزوج إمرأته و هي معتكفة إذا كانت اعتكفت باذن زوجها لان اعتكافها إذا كان باذن زوجها فانه لا يملك الرجوع عنه لما بينا فيما تقدم فلا يجوز وطؤها لما فيه من إفساد عبادتها و يفسد الاعتكاف بالردة لان الاعتكاف قربة و الكافر ليس من أهل القربة و لهذا لم ينعقد مع الكفر فلا يبقى مع الكفر أيضا و نفس الاغماء لا يفسده بلا خلاف حتى لا ينقطع التتابع و لا يلزمه أن يستقبل الاعتكاف إذا أفاق و ان أغمى عليه أياما أو أصابه لمم فسد اعتكافه و عليه إذا برأ أن يستقبل لانه لزمه متتابعا و قد فاتت صفة التتابع فيلزمه الاستقبال كما في صوم كفارة الظهار فان تطاول الجنون و بقى سنين ثم أفاق هل يجب عليه أن يقضى أو يسقط عنه ففيه روايتان قياس و استحسان نذكرهما في موضعهما ان شاء الله تعالى و لو سكر ليلا لا يفسد اعتكافه عندنا و عند الشافعي يفسد وجه قوله ان السكران كالمجنون و الجنون يفسد الاعتكاف فكذا السكر ( و لنا )
ان السكر ليس الا معنى له أثر في العقل مدة يسيرة فلا يفسد الاعتكاف و لا يقطع التتابع كالاغماء و لو حاضت المرأة في حال الاعتكاف فسد اعتكافها لان الحيض ينافى أهلية الاعتكاف لمنافاتها الصوم و لهذا منعت من انعقاد الاعتكاف فتمنع من البقاء و لو احتلم المعتكف لا يفسد اعتكافه لانه لا صنع له فيه فلم يكن جماعا و لا في معنى الجماع ثم ان أمكنه الاغتسال في المسجد من أن يتلوث المسجد فلا بأس به و الا فيخرج فيغتسل و يعود إلى المسجد و لا بأس للمعتكف أن يبيع و يشترى و يتزوج و يراجع و يلبس و يتطيب و يدهن و يأكل و يشرب بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر و يتحدث ما بدا له بعد
فصل وأما بيان حكمه اذا فسد
أن لا يكون مأثما و ينام في المسجد و المراد من البيع و الشراء هو كلام الايجاب و القبول من نقل الامتعة إلى المسجد لان ذلك ممنوع عنه لاجل المسجد لما فيه من اتخاذ المسجد متجرا لا لاجل الاعتكاف و حكى عن مالك أنه لا يجوز البيع في المسجد كانه يشير الي ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال جنبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم و بيعكم و شراءكم و رفع أصواتكم وسل سيوفكم ( و لنا )
عمومات البيع و الشراء من الكتاب الكريم و السنة من فصل بين المسجد و غيره و روى عن على رضى الله عنه انه قال لا بن أخيه جعفر هلا اشتريت خادما قال كنت معتكفا قال و ما ذا عليك لو اشتريت أشار إلى جواز الشراء في المسجد و أما الحديث فمحمول على اتخاذ المساجد متاجر كالسوق يباع فيها و تنقل الامتعة إليها أو يحمل على الندب و الاستحباب توفيقا بين الدلائل بقدر الامكان و أما النكاح و الرجعة فلان نصوص النكاح و الرجعة لا تفصل بين المسجد و غيره من نحو قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء و نحو ذلك و قوله تعالى فأمسكوهن بمعروف و نحو ذلك و كذا الاكل و الشرب و اللبس و الطيب والنوم لقوله تعالى وكلوا و اشربوا و قوله تعالى يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد و قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق و قوله عز و جل و جعلنا نومكم سباتا و قد روى ان النبي كان يفعل ذلك في حال اعتكافه في المسجد مع ما ان الاكل و الشرب والنوم في المسجد في حال الاعتكاف لو منع منه لمنع من الاعتكاف اذ ذلك أمر لا بد منه و أما التكلم بما لا مأثم فيه فلقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولا سديدا قيل في بعض وجوه التأويل أى صدقا و صوابا لا كذبا و لا فحشا و قد روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يتحدث مع أصحابه و نسائه رضى الله عنهم و هو معتكف في المسجد فاما التكلم بما فيه مأثم فانه لا يجوز في المسجد ففى المسجد أولى و له أن يحرم في اعتكافه بحج أو عمرة و إذا فعل لزمه الاحرام و أقام في اعتكافه إلى أن يفرغ منه ثم يمضى في إحرامه الا أن يخاف فوت الحج فيدع الاعتكاف و يحج ثم يستقبل الاعتكاف أما صحة الاحرام في حال الاعتكاف فلانه لا تنافي بينهما ألا ترى ان الاعتكاف ينعقد مع الاحرام فيبقى معه أيضا و إذا صح إحرامه فانه يتم الاعتكاف ثم يشتغل بافعال الحج لانه يمكنه الجمع بينهما و أما إذا خاف فوت الحج فانه يدع الاعتكاف لان الحج يفوت و الاعتكاف لا يفوت فكان الاشتغال بالذي يفوت أولى و لان الحج آكد وأهم من الاعتكاف فالاشتغال به أولى و إذا ترك الاعتكاف يقضيه بعد الفراغ من الحج و الله أعلم ( فصل )
و أما بيان حكمه إذا فسد فالذي فسد لا يخلو اما أن يكون واجبا و أعني به المنذور و اما أن يكون تطوعا فان كان واجبا يقضى إذا قدر على القضاء الا الردة خاصة لانه إذا فسد التحق بالعدم فصار فائتا معنى فيحتاج إلى القضاء جبرا للفوات و يقضى بالصوم لانه فاته مع الصوم فيقضيه مع الصوم ان المنذور به ان كان اعتكاف شهر بعينه يقضى قدر ما فسد لا و لا يلزمه الاستقبال كالصوم المنذور به في شهر بعينه إذا أفطر يوما انه يقضى ذلك اليوم و لا يلزمه الاستئناف كما في صوم رمضان لما ذكرنا في كتاب الصوم و إذا كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الاستقبال لانه يلزمه متتابعا فيراعى فيه صفة التتابع و سواء فسد بصنعه من عذر كالخروج و الجماع و الاكل و الشرب في النهار الا الردة أو فسد بصنعه لعذر كما إذا مرض فاحتاج إلى الخروج فخرج أو بغير صنعه رأسا كالحيض و الجنون و الاغماء الطويل لان القضاء يجب جبرا للفائت و الحاجة إلى الجبر متحققة في الاحوال كلها الا أن سقوط القضاء في الردة عرف بالنص و هو قوله تعالى قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف و قول النبي صلى الله عليه و سلم الاسلام يجب ما قبله و القياس في الجنون الطويل ان يسقط القضاء كما في صوم رمضان الا ان في الاستحسان يقضى لان سقوط القضاء في صوم رمضان انما كان لدفع الحرج لان الجنون إذا طال قلما يزول فيتكرر عليه صوم رمضان فيحرج في قضائه و هذا المعنى لا يتحقق في الاعتكاف و أما اعتكاف التطوع إذا قطعه قبل تمام اليوم فلا شيء عليه في رواية الاصل و فى رواية الحسن يقضى بناء على ان اعتكاف التطوع معتد في رواية محمد عن أبى حنيفة و فى رواية الحسن عنه مقدر بيوم و قد ذكرنا الوجه للروايتين فيما تقدم و أما حكمه إذا
فات عن وقته المعين له بان نذر اعتكاف شهر بعينه انه إذا فات بعضه قضأ لا و لا يلزمه الاستقبال كما في الصوم و ان فاته كله قضى الكل متتابعا لانه لما لم يعتكف حتى مضى الوقت صار الاعتكاف دينا في ذمته فصار كانه أنشأ النذر باعتكاف شهر بعينه فان قدر عن قضائه فلم يقضه حتى أيس من حياته يجب عليه أن يوصى بالفدية لكل يوم طعام مسكين لاجل الصوم لا لاجل الاعتكاف كما في قضأ رمضان و الصوم المنذور في وقت بعينه و ان قدر على البعض دون البعض فلم يعتكف فكذلك ان كان صحيحا وقت النذر فان كان مريضا وقت النذر فذهب الوقت و هو مريض حتى مات فلا شيء عليه و ان صح يوما فهو على الاختلاف الذي ذكرناه في الصوم المنذور في وقت بعينه و إذا نذر اعتكاف شهر بغير بعينه فجميع العمر وقته كما في النذر بالصوم في وقت بغير بعينه و فى أى وقت أدى كان مؤديا لا قاضيا لان الايجاب حصل مطلقا عن الوقت و انما يتضيق عليه الوجوب إذا أيس من حياته و عند ذلك يجب عليه ان يوصى بالفدية كما في قضأ رمضان و الصوم المنذور المطلق فان لم يوص حتى مات سقط عنه في أحكام الدنيا عندنا حتى لا تؤخذ من تركته و لا يجب على الورثة الفدية الا أن يتبرعوا به و عند الشافعي لا تسقط و تؤخذ من تركته و تعتبر من جميع المال و المسألة مضت في كتاب الزكاة و الله الموفق ( كتاب الحج )
الكتاب يشتمل على فصلين فصل في الحج و فصل في العمرة أما فصل الحج فالكلام فيه يقع في مواضع في بيان فرضية الحج و فى بيان كيفية فرضه و فى بيان شرائط الفرضية و فى بيان أركان الحج و فى بيان واجباته و فى بيان سننه و فى بيان الترتيب في أفعاله من الفرائض و الواجبات و السنن و فى بيان شرائط أركانه و فى بيان ما يفسده و بيان حكمه إذا فسد و فى بيان ما يفوت الحج بعد الشروع فيه و فى بيان حكمه إذا فات عن عمره أصلا و رأسا أما الاول فالحج فريضة ثبتت فرضيته بالكتاب و السنة و إجماع الامة و المعقول أما الكتاب فقوله تعالى و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا في الآية دليل وجوب الحج من وجهين أحدهما انه قال و لله على الناس حج البيت و على كلمة إيجاب و الثاني أنه قال تعالى و من كفر قيل في التأويل و من كفر بوجوب الحج حتى روى عن ابن عباس رضى الله عنه انه قال أى و من كفر بالحج فلم ير حجه برأ و لا تركه مأثما و قوله تعالى لابراهيم عليه الصلاة و السلام و أذن في الناس بالحج أى ادع الناس و نادهم إلى حج البيت و قيل أى أعلم الناس ان الله فرض عليهم الحج دليله قوله تعالى يأتوك رجالا و على كل ضامر و أما السنة فقوله صلى الله عليه و سلم بني الاسلام على خمس شهادة أن لا اله الا الله و اقام الصلاة و إيتاء الزكاة وصوم رمضان و حج البيت من استطاع اليه سبيلا و قوله صلى الله عليه و سلم أعبدوا ربكم وصلوا خمسكم و صوموا شهركم و حجوا بيت ربكم و أدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم و روى عنه عليه الصلاة و السلام انه قال من مات و لم يحج حجة الاسلام من أن يمنعه سلطان جائر أو مرض حابس أو عدو ظاهر فليمت ان شاء يهوديا و ان شاء نصرانيا أو مجوسيا و روى انه قال من ملك زاد أو راحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا و أما الاجماع فلان الامة أجمعت على فرضيته و أما المعقول فهو ان العبادات وجبت لحق العبودية أو لحق شكر النعمة اذ كل ذلك لازم في العقول و فى الحج اظهار العبودية و شكر النعمة أما اظهار العبودية فلان اظهار العبودية هو اظهار التذلل للمعبود و فى الحج ذلك لان الحاج في حال إحرامه يظهر الشعث و يرفض أسباب التزين و الارتفاق و يتصور بصورة عبد سخط عليه مولاه فيتعرض بسوء حاله لعطف مولاه و مرحمته إياه و فى حال وقوفه بعرفة بمنزلة عبد عصى مولاه فوقف بين يديه متضرعا حامدا له مثنيا عليه مستغفرا لزلالته مستقيلا لعثراته و بالطواف حول البيت يلازم المكان المنسوب إلى ربه بمنزلة عبد معتكف على باب مولاه لائذ بجنابه و أما شكر النعمة فلان العبادات بعضها بدنية و بعضها مالية و الحج عبادة لا تقوم الا بالبدن و المال و لهذا لا يجب الا عند وجود المال و صحة البدن فكان فيه شكر النعمتين و شكر النعمة ليس الا استعمالها
في طاعة المنعم و شكر النعمة واجب عقلا و شرعا و الله أعلم ( فصل )
و أما كيفية فرضه فمنها انه فرض عين لا فرض كفاية فيجب على كل من استجمع شرائط الوجوب عينا لا يسقط بإقامة البعض عن الباقين بخلاف الجهاد فانه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين لان الايجاب تناول كل واحد من آحاد الناس عينا و الاصل أن الانسان لا يخرج عن عهدة ما عليه الا بادائه بنفسه الا إذا حصل المقصود منه باداء غيره كالجهاد و نحوه و ذلك لا يتحقق في الحج و منها أنه لا يجب في العمر الا مرة واحدة بخلاف الصلاة و الصوم و الزكاة فان الصلاة تجب في كل يوم و ليلة خمس مرات و الزكاة و الصوم يجبان في كل سنة مرة واحدة لان الامر المطلق بالفعل لا يقتضى التكرار لما عرف في أصول الفقة و التكرار في باب الصلاة و الزكاة و الصوم ثبت بدليل زائد لا بمطلق الامر و لما روى أنه لما نزلت آية الحج سأل الاقرع بن حابس رضى الله عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله الحج في كل عام أو مرة واحدة فقال عليه الصلاة و السلام مرة واحدة و فى رواية قال لما نزلت آية الحج ألعامنا هذا يا رسول الله أم للابد فقال للابد و لانه عبادة لا تتأدى الا بكلفة عظيمة و مشقة شديدة بخلاف سائر العبادات فلو وجب في كل عام لادى إلى الحرج و أنه منفى شرعا و لانه إذا لم يمكن اداؤه الا بحرج لا يؤدى فيلحق المأثم و العقاب الي هذا أشار النبي صلى الله عليه و سلم لما سأله الاقرع ابن حابس و قال ألعامنا هذا أم للابد فقال عليه الصلاة و السلام للابد و لو قلت في كل عام لوجب و لو وجب ثم تركتم لضللتهم و اختلف في وجوبه على الفور والترخى ذكر الكرخي أنه على الفور حتى يأثم بالتأخير عن أول أوقات الامكان و هي السنة الاولى عند استجماع شرائط الوجوب و ذكر أبو سهل الزجاجي الخلاف في المسألة بين أبى يوسف و محمد فقال في قول أبى يوسف يجب على الفور و فى قول محمد على التراخى و هو قول الشافعي و روى عن أبى حنيفة مثل قول أبى يوسف و روى عنه مثل قول محمد وجه قول محمد أن الله تعالى فرض الحج في وقت مطلقا لان قوله تعالى و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا مطلقا عن الوقت ثم بين وقت الحج بقوله عز وجل الحج أشهر معلومات أى وقت الحج أشهر معلومات فصار المفروض هو الحج في أشهر الحج مطلقا من العمر فتقييده بالفور تقييد المطلق و لا يجوز الا بدليل و روى أن فتح مكة كان لسنة ثمان من الهجرة و حج رسول الله صلى الله عليه و سلم في سنة العشر و لو كان وجوبه على الفور لما احتمل التأخير منه و الدليل عليه أنه لو أدى في السنة الثانية أو الثالثة يكون مؤديا لا قاضيا و لو كان واجبا على الفور و قد فات الفور فقد فات وقته فينبغي أن يكون قاضيا لا مؤديا كما لو فاتت صلاة الظهر عن وقتها وصوم رمضان عن وقته و لهما أن الامر بالحج في وقته مطلق يحتمل الفور و يحتمل التراخى و الحمل على الفور أحوط لانه إذا حمل عليه يأتى بالفعل على الفور ظاهرا و غالبا خوفا من الاثم بالتأخير فان أريد به الفور فقد أتى بما أمر به فأمن الضرر و ان أريد به التراخى لا يضره الفعل على الفور بل ينفعه لمسارعته إلى الخير و لو حمل على التراخى ربما لا يأتى به على الفور بل يؤخر إلى السنة الثانية و الثالثة فتلحقه المضرة ان أريد به الفور و ان كان لا يلحقه ان أريد به التراخى فكان الحمل على الفور حملا على أحوط الوجهين فكان أولى و هذا قول امام الهدى الشيخ أبى منصور الماتريدى في كل أمر مطلق عن الوقت أنه يحمل على الفور لكن عملا لا اعتقادا على طريق التعيين أن المراد منه الفور أو التراخى بل يعتقد أن ما أراد الله تعالي به من الفور و التراخى فهو حق و روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من ملك زادا و راحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا الحق الوعيد بمن أخر الحج عن أول أوقات الامكان لانه قال من ملك كذا فلم يحج و الفاء للتعقيب بلا فصل أى لم يحج عقيب ملك الزاد و الراحلة بلا فصل و أما طريق عامة المشايخ فان للحج وقتا معينا من السنة يفوت عن تلك السنة بفوات ذلك الوقت فلو أخره عن السنة الاولى و قد يعيش إلى السنة الثانية و قد لا يعيش فكان التأخير عن السنة الاولى تفويتا له للحال لانه لا يمكنه الاداء للحال إلى أن يجئ وقت الحج من السنة الثانية و فى إدراكه السنة الثانية شك فلا يرتفع الفوات الثابت للحال بالشك و التفويت
فصل وأما شرائط فرضيته فنوعان
حرام و أما قوله ان الوجوب في الوقت ثبت مطلقا عن الفور فمسلم لكن المطلق يحتمل الفور و يحتمل التراخى و الحمل على الفور أولى لما بينا و يجوز تقييد المطلق عند قيام الدليل و أما تأخير رسول الله صلى الله عليه و سلم الحج عن أول أوقات الامكان فقد قيل انه كان لعذر له و لا كلام في حال لعذر يدل على أنه لا خلاف في أن التعجيل أفضل و الرسول صلى الله عليه و سلم لا يترك الافضل الا لعذر على أن المانع من التأخير هو احتمال الفوات و لم يكن في تأخيره ذلك فوات لعلمه من طريق الوحي أنه يحج قبل موته قال الله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله آمنين و الثنيا للتيمن و التبرك أو لما أن الله تعالى خاطب الجماعة و قد علم أن بعضهم يموت قبل الدخول و أما قوله لو أدى في السنة الثانية كان مؤديا لا قاضيا فانما كان كذلك لان أثر الوجوب على الفور عملا في احتمال الاثم بالتأخير عن أول الوقت في الامكان لا في إخراج السنة الثانية و الثالثة من أن يكون وقتا للواجب كما في باب الصلاة و هذا لان وجوب التعجيل انما كان تحرزا عن الفوات فإذا عاش إلى السنة الثانية و الثالثة فقد زال احتمال الفوات فحصل الاداء في وقته كما في باب الصلاة و الله أعلم ( فصل )
و أما شرائط فرضيته فنوعان نوع يعم الرجال و النساء و نوع يخص النساء أما الذي يعم الرجال و النساء فمنها البلوغ و منها العقل فلا حج على الصبي و المجنون لانه لا خطاب عليهما فلا يلزمهما الحج حتى لو حجا ثم بلغ الصبي و أفاق المجنون فعليهما حجة الاسلام و ما فعله الصبي قبل البلوغ يكون تطوعا و قد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أيما صبي حج عشر حجج ثم بلغ فعليه حجة الاسلام و منها الاسلام في حق أحكام الدنيا بالاجماع حتى لو حج الكافر ثم أسلم يجب عليه حجة الاسلام و لا يعتد بما حج في حال الكفر و قد روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال ايما أعرابي حج و لو عشر حجج فعليه حجة الاسلام إذا هاجر يعنى أنه إذا حج قبل الاسلام ثم أسلم و لان الحج عبادة و الكافر ليس من أهل العبادة و كذا لا حج على الكافر في حق أحكام الآخرة عندنا حتى لا يؤاخذ بالترك و عند الشافعي ليس بشرط و يجب على الكافر حتى يؤاخذ بتركه في الآخرة وأصل المسألة أن الكفار لا يخاطبون بشرائع هى عبادات عندنا و عنده يخاطبون بذلك و هذا يعرف في أصول الفقة و لا حجة له في قوله تعالى و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا لان المراد منه المؤمنون بدليل سياق الآية و هو قوله و من كفر فان الله غنى عن العالمين و بدليل عقلي يشمل الحج و غيره من العبادات و هو أن الحج عبادة و الكافر ليس من أهل اداء العبادة و لا سبيل إلى الايجاب لقدرته على الاداء بتقديم الاسلام لما فيه من جعل المتبوع تبعا و التبع متبوعا و انه قلب الحقيقة على ما بينا في كتاب الزكاة و تخصيص العام بدليل عقلي جائز و منها الحرية فلا حج على المملوك لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ايما عبد حج عشر حجج فعليه حجة الاسلام إذا أعتق و لان الله تعالى شرط الاستطاعة لوجوب الحج بقوله تعالى و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و لا استطاعة بدون ملك الزاد و الراحلة لما نذكر ان شاء الله تعالى و لا ملك للعبد لانه مملوك فلا يكون مالكا بالاذن فلم يوجد شرط الوجوب و سواء أذن له المولى بالحج أو لا لانه لا يصير مالكا الا بالاذن فلم يجب الحج عليه فيكون ما حج في حال الرق تطوعا و لان ما روينا من الحديث لا يفصل بين الاذن و عدم الاذن فلا يقع حجه عن حجة الاسلام بحال بخلاف الفقير لانه لا يجب الحج عليه في الابتداء ثم إذا حج بالسؤال من الناس يجوز ذلك عن حجة الاسلام حتى لو أيسر لا يلزمه حجة أخرى لان الاستطاعة بملك الزاد و الراحلة و منافع البدن شرط الوجوب لان الحج يقام بالمال و البدن جميعا و العبد لا يملك شيأ من ذلك فلم يجب عليه ابتداء و انتهاء و الفقير يملك منافع نفسه اذ لا ملك لاحد فيها الا أنه ليس له ملك الزاد و الراحلة و انه شرط ابتداء الوجوب فامتنع الوجوب في الابتداء فإذا بلغ مكة و هو يملك منافع بدنه فقد قدر على الحج بالمشي و قليل زاد فوجب عليه الحج فإذا أدى وقع عن حجة الاسلام فأما العبد فمنافع بدنه ملك مولاه ابتداء و انتهاء ما دام عبدا فلا يكون قادرا على الحج ابتداء و انتهاء فلم يجب عليه و لهذا قلنا ان الفقير إذا حضر القتال يضرب له بسهم كامل كسائر من فرض عليه القتال و ان كان لا يجب
عليه الجهاد ابتداء و العبد إذا شهد الوقعة لا يضرب له بسهم الحر بل يرضخ له و ما افترقا الا لما ذكرنا و هذا بخلاف العبد إذا شهد الجمعة وصلى أنه يقع فرضا و ان كان لا تجب عليه الجمعة في الابتداء لان منافع العبد مملوكة للمولى و العبد محجور عن التصرف في ملك مولاه نظرا للمولى الا قدر ما استثنى عن ملكه من الصلوات الخمس فانه مبقى فيها على أصل الحرية لحكمة الله تعالى في ذلك و ليس في ذلك كبير ضرر بالمولى لانها تتأدى بمنافع البدن في ساعات قليلة فيكون فيه نفع العبد من ضرر بالمولى فإذا حضر الجمعة و فاتت المنافع بسبب السعي فيعد ذلك الظهر و الجمعة سواء فنظر المالك في جواز الجمعة اذ لو لم يجز له ذلك يجب عليه اداء الظهر ثانيا فيزيد الضرر في حق المولى بخلاف الحج و الجهاد فانهما لا يؤديان الا بالمال و النفس في مدة طويلة و فيه ضرر بالمولى بفوات ماله و تعطيل كثير من منافع العبد فلم يجعل مبقى على أصل الحرية في حق هاتين العبادتين و لو قلنا بالجواز عن الفرض إذا وجد من العبد يتبادر العبيد إلى الاداء لكون الحج عبادة مرغوبة و كذا الجهاد فيؤدى إلى الاضرار بالمولى فالشرع حجر عليهم و سد هذا الباب نظرا بالمولى حتى لا يجب الا بملك الزاد و الراحلة و ملك منافع البدن و لو أحرم الصبي ثم بلغ قبل الوقوف بعرفة فان مضى على إحرامه يكون حجه تطوعا عندنا و عند الشافعي يكون عن حجة الاسلام إذا وقف بعرفة و هو بالغ و هذا بناء على أن من عليه حجة الاسلام إذا نوى النفل يقع عن النفل عندنا و عنده يقع عن الفرض و المسألة تأتي في موضعها ان شاء الله تعالى و لو جدد الاحرام بأن لبى أو نوى حجة الاسلام و وقف بعرفة و طاف طواف الزيارة يكون عن حجة الاسلام بلا خلاف و كذا المجنون إذا أفاق و الكافر إذا أسلم قبل الوقوف بعرفة فجدد الاحرام و لو أحرم العبد ثم عتق فأحرم بحجة الاسلام بعد العتق لا يكون ذلك عن حجة الاسلام بخلاف الصبي و المجنون و الكافر و الفرق أن إحرام الكافر و المجنون لم ينعقد أصلا لعدم الاهلية و إحرام الصبي العاقل وقع صحيحا لكنه لازم لكونه مخاطب فكان محتملا للانتقاض فإذا جدد الاحرام بحجة الاسلام انتقض فأما إحرام العبد فانه وقع لازما لكونه أهلا للخطاب فانعقد إحرامه تطوعا فلا يصح إحرامه الثاني الا بفسخ الاول و انه لا يحتمل الانفساخ و منها صحة البدن فلا حج على المريض و الزمن و المقعد و المفلوج و الشيخ الكبير الذي لا يثبت على الراحلة بنفسه و المحبوس و الممنوع من قبل السلطان الجائر عن الخروج إلى الحج لان الله تعالى شرط الاستطاعة لوجوب الحج و المراد منها استطاعة التكليف و هي سلامة الاسباب و الآلات و من جملة الاسباب سلامة البدن عن الآفات المانعة عن القيام بما لابد منه في سفر الحج لان الحج عبادة بدنية فلا بد من سلامة البدن و لا سلامة مع المانع و عن ابن عباس رضى الله عنه في قوله عز و جل من استطاع اليه سبيلا ان السبيل أن يصح بدن العبد و يكون له ثمن زاد و راحلة من أن يحجب و لان القرب و العبادات وجبت بحق الشكر لما أنعم الله على المكلف فإذا منع السبب الذي هو النعمة و هو سلامة البدن أو المال كيف يكلف بالشكر و لا نعمة و أما الاعمى فقد ذكر في الاصل عن أبى حنيفة انه لا حج عليه بنفسه و ان وجد زاد أو راحلة و قائدا و انما يجب في ماله إذا كان له مال و روى الحسن عن أبى حنيفة في الاعمى و المقعد و الزمن ان عليهم الحج بأنفسهم و قال أبو يوسف و محمد يجب على الاعمى الحج بنفسه إذا وجد زاد أو راحلة و من يكفيه مؤنة سفره في خدمته و لا يجب على الزمن و المقعد و المقطوع وجه قولهما ما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن الاستطاعة فقال هى الزاد و الراحلة فسر صلى الله عليه و سلم الاستطاعة بالزاد و الراحلة و للاعمى هذه الاستطاعة فيجب عليه الحج و لان الاعمى يجب عليه الحج بنفسه الا انه لا يهتدى إلى الطريق بنفسه و يهتدى بالقائد فيجب عليه بخلاف الزمن و المقعد و مقطوع اليد و الرجل لان هؤلاء لا يقدرون على الاداء بأنفسهم وجه رواية الحسن في الزمن و المقعد انهما يقدران بغيرهما ان كانا لا يقدران بأنفسهما و القدرة بالغير كافية لوجوب الحج كالقدرة بالزاد و الراحلة و كذا فسر النبي صلى الله عليه و سلم الاستطاعة بالزاد و الراحلة و قد وجد وجه رواية الاصل لابى حنيفة ان الاعمى لا يقدر على اداء الحج بنفسه لانه لا يهتدى إلى الطريق بنفسه و لا يقدر على ما لابد منه في الطريق
بنفسه من الركوب و النزول و غير ذلك و كذا الزمن و المقعد فلم يكونا قادرين على الاداء بأنفسهم بل بقدرة مختار و القادر بقدرة مختار لا يكون قادرا على الاطلاق لان فعل المختار يتعلق باختياره فلم تثبت الاستطاعة على الاطلاق و لهذا لم يجب الحج على الشيخ الكبير الذي لا يستمسك على الراحلة و ان كان ثمة غيره يمسكه لما قلنا كذا هذا و انما فسر النبي صلى الله عليه و سلم الاستطاعة بالزاد و الراحلة لكونهما من الاسباب الموصلة إلى الحج لا لاقتصار الاستطاعة عليهما ألا ترى انه إذا كان بينه و بين مكة بحر زاخر لا سفينة ثمة أو عدو حائل يحول بينه و بين الوصول إلى البيت لا يجب عليه الحج مع وجود الزاد و الراحة فثبت أن تخصيص الزاد و الراحلة ليس لاقتصار الشرط عليهما بل للتنبيه على أسباب الامكان فكلما كان من أسباب الامكان يدخل تحت تفسير الاستطاعة معنى و لان في إيجاب الحج على الاعمى و الزمن و المقعد و المفلوج و المريض و الشيخ الكبير الذي لا يثبت على الراحلة بأنفسهم حرجا بينا و مشقة شديدة و قد قال الله عز و جل ما جعل عليكم في الدين من حرج و منها ملك الزاد و الراحلة في حق النائى عن مكة و الكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان انه من شرائط الوجوب و الثاني في تفسير الزاد و الراحلة اما الاول فقد قال عامة العلماء انه شرط فلا يجب الحج بإباحة الزاد و الراحلة سواء كانت الاباحة ممن له منة على المباح له أو كانت ممن لا منة له عليه كالأَب و قال الشافعي يجب الحج بإباحة الزاد و الراحلة إذا كانت الاباحة ممن لا منة له على المباح له كالوالد بذل الزاد و الراحلة لابنه و له في الاجنبي قولان و لو وهبه إنسان ما لا يحج به لا يجب على الموهوب له القبول عندنا و للشافعي فيه قولان و قال مالك الراحلة ليست بشرط لوجوب الحج أصلا لا ملكا و لا إباحة و ملك الزاد شرط حتى لو كان صحيح البدن و هو يقدر على المشي يجب عليه الحج و ان لم يكن له راحلة أما الكلام مع مالك فهو احتج بظاهر قوله تعالى و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و من كان صحيح البدن قادرا على المشي و له زاد فقد استطاع اليه سبيلا فليزمه فرض الحج ( و لنا )
ان رسول الله صلى الله عليه و سلم فسر الاستطاعة بالزاد و الراحلة جميعا فلا تثبت الاستطاعة بأحدهما و به تبين ان القدرة على المشي لا تكفى لاستطاعة الحج ثم شرط الراحلة انما يراعى لوجوب الحج في حق من نأى عن مكة فاما أهل مكة و من حولهم فان الحج يجب على القوي منهم القادر على المشي من راحلة لانه لا حرج يلحقه في المشي إلى الحج كما لا يلحقه الحرج في المشي الي الجمعة و أما الكلام مع الشافعي فوجه قوله ان الاستطاعة المذكورة هى القدرة من حيث سلامة الاسباب و الآلات و القدرة تثبت بالاباحة فلا معنى لاشتراط الملك اذ الملك لا يشترط لعينه بل للقدرة على استعمال الزاد و الراحلة أكلا و ركوبا و إذا ثبتت بالاباحة و لهذا استوى الملك و الاباحة في باب الطهارة في المنع من جواز التيمم كذا ههنا ( و لنا )
ان استطاعة الاسباب و الآلات لا تثبت بالاباحة لان الاباحة لا تكون لازمة الا ترى ان للمبيح أن يمنع المباح له عن التصرف في المباح و مع قيام ولاية المنع لا تثبت القدرة المطلقة فلا يكون مستطيعا على الاطلاق فلم يوجد شرط الوجوب فلا يجب بخلاف مسألة الطهارة لان شرط جواز التيمم عدم الماء بقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا و العدم لا يثبت مع البذل و الاباحة و أما تفسير الزاد و الراحلة فهو أن يملك من المال مقدار ما يبلغه إلى مكة ذاهبا و جائيا راكبا لا ماشيا بنفقة وسط لا إسراف فيها و لا تقتير فاضلا عن مسكنه و خادمه و فرسه و سلاحه و ثيابه و أثاثه و نفقة عياله و خدمه و كسوتهم و قضاء ديونه و روى عن أبى يوسف انه قال و نفقة شهر بعد انصرافه أيضا و روى الحسن عن أبى حنيفة انه فسر الراحلة فقال إذا كان عنده ما يفضل عما ذكرنا ما يكترى به شق محمل أو زاملة أو رأس راحلة و ينفق ذاهبا و جائيا فعليه الحج و ان لم يكفه ذلك الا أن يمشى أو يكترى عقبة فليس عليه الحج ماشيا و لا راكبا عقبة و انما اعتبرنا الفضل على ما ذكرنا من الحوائج لانها من الحوائج اللازمة التي لابد منها فكان المستحق بها ملحقا بالعدم و ما ذكره بعض أصحابنا في تقدير نفقة العيال سنة و البعض شهرا فليس بتقدير لازم بل هو على حسب اختلاف المسافة في القرب و البعد لان قدر النفقة يختلف باختلاف المسافة فيعتبر في ذلك قدر ما يذهب و يعود إلى منزله و انما لا يجب
عليه الحج إذا لم يكف ماله الا للعقبة لان المفروض هو الحج راكبا لا ماشيا و الراكب عقبة لا يركب في كل الطريق بل يركب في البعض و يمشى في البعض و ذكر ابن شجاع انه إذا كانت له دار لا يسكنها و لا يؤاجرها و متاع لا يمهنه و عبد لا يستخدمه وجب عليه أن يبيعه و يحج به و حرم عليه أخذ الزكاة إذا بلغ نصابا لانه إذا كان كذلك كان فاضلا عن حاجته كسائر الاموال و كان مستطيعا فيلزمه فرض الحج فان أمكنه بيع منزله و ان يشترى بثمنه منزلا دونه و يحج بالفضل فهو أفضل لكن لا يجب عليه لانه محتاج إلى سكناه فلا يعتبر في الحاجة قدر ما لابد منه كمالا يجب عليه بيع المنزل و الاقتصار على السكنى و ذكر الكرخي ان أبا يوسف قال إذا لم يكن له مسكن و لا خادم و لا قوت عياله و عنده دراهم تبلغه إلى الحج لا ينبغى أن يجعل ذلك في الحج فان فعل أثم لانه مستطيع لملك الدراهم فلا يعذر في الترك و لا يتضرر بترك شراء المسكن و الخادم بخلاف بيع المسكن و الخادم فانه يتضرر بيعهما و قوله و لا قوت عياله مؤول و تأويله و لا قوت عياله ما يزيد على مقدار الذهاب و الرجوع فاما المقدار المحتاج اليه من وقت الذهاب الي وقت الرجوع فذلك مقدم على الحج لما بينا ( و منها )
أمن الطريق و انه من شرائط الوجوب عند بعض أصحابنا بمنزلة الزاد و الراحلة و هكذا روى ابن شجاع عن أبى حنيفة و قال بعضهم انه من شرائط الاداء لا من شرائط الوجوب و فائدة هذا الاختلاف تظهر في وجوب الوصية إذا خاف الفوت فمن قال انه من شرائط الاداء يقول انه تجب الوصية إذا خاف الفوت و من قال انه شرط الوجوب يقول لا تجب الوصية لان الحج لم يجب عليه و لم يصر دينا في ذمته فلا تلزمه الوصية وجه قول من قال انه شرط الاداء لا شرط الوجوب ما روينا ان رسول الله صلى الله عليه و سلم فسر الاستطاعة بالزاد و الراحلة و لم يذكر أمن الطريق وجه قول من قال انه شرط الوجوب و هو الصحيح ان الله تعالى شرط الاستطاعة و لا استطاعة بدون أمن الطريق كما لا استطاعة بدون الزاد و الراحلة الا أن النبي صلى الله عليه و سلم بين الاستطاعة بالزاد و الراحلة بيان كفاية ليستدل بالمنصوص عليه على غيره لاستوائهما في المعنى و هو إمكان الوصول إلى البيت الا ترى انه كما لم يذكر أمن الطريق لم يذكر صحة الجوارح و زوال سائر الموانع الحسية و ذلك شرط الوجوب على ان الممنوع عن الوصول إلى البيت لا زاد له و لا راحلة معه فكان شرط الزاد و الراحلة شرطا لامن الطريق ضرورة ( و أما )
الذي يخص النساء فشرطان أحدهما أن يكون معها زوجها أو محرم لها فان لم يوجد أحدهما لا يجب عليها الحج و هذا عندنا و عند الشافعي هذا ليس بشرط و يلزمها الحج و الخروج من زوج و لا محرم إذا كان معها نساء في الرفقة ثقات و احتج بظاهر قوله تعالى و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و خطاب الناس يتناول الذكور و الاناث بلا خلاف فإذا كان لها زاد و راحلة كانت مستطيعة و إذا كان معها نساء ثقات يؤمن الفساد عليها فيلزمها فرض الحج ( و لنا )
ما روى عن ابن عباس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال الا لا تحجن إمرأة الا و معها محرم و عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا تسافر إمرأة ثلاثة أيام الا و معها محرم أو زوج و لانها إذا لم يكن معها زوج و لا محرم لا يؤمن عليها اذ النساء لحم على و ضم الا ما ذب عنه و لهذا لا يجوز لها الخروج وحدها و الخوف عند اجتماعهن أكثر و لهذا حرمت الخلوة بالاجنبية و ان كان معها إمرأة أخرى و الا آية لا تتناول النساء حال عدم الزوج و المحرم معها لان المرأة لا تقدر على الركوب و النزول بنفسها فتحتاج إلى من يركبها و ينزلها و لا يجوز ذلك لغير الزوج و المحرم فلم تكن مستطيعة في هذه الحالة فلا يتناولها النص فان امتنع الزوج أو المحرم عن الخروج لا يجبر ان على الخروج و لو امتنع من الخروج لارادة زاد و راحلة هل يلزمها ذلك ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي انه يلزمها ذلك و يجب عليها الحج بنفسها و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه لا يلزمها ذلك و لا يجب الحج عليها وجه ما ذكره القدوري ان المحرم أو الزوج من ضرورات حجها بمنزلة الزاد و الراحلة اذ لا يمكنها الحج بدونه كما لا يمكنها الحج بدون الزاد و الراحلة و لا يمكن إلزام ذلك الزوج أو المحرم من مال نفسه فيلزمها ذلك له كما يلزمها الزاد و الراحلة لنفسها وجه ما ذكره القاضي ان هذا من شرائط وجوب الحج عليها و لا يجب على الانسان تحصيل شرط
الوجوب بل ان وجد الشرط وجب و الا فلا الا ترى ان الفقير لا يلزمه تحصيل الزاد و الراحلة فيجب عليه الحج و لهذا قالوا في المرأة التي لا زوج لها و لا محرم انه لا يجب عليها أن تتزوج بمن يحج بها كذا هذا و لو كان معها محرم فلها أن تخرج مع المحرم في الحجة الفريضة من اذن زوجها عندنا و عند الشافعي ليس لها ان تخرج بغير اذن زوجها وجه قوله ان في الخروج تفويت حقه المستحق عليها و هو الاستمتاع بها فلا تملك ذلك من رضاه ( و لنا )
انها إذا وجدت محرما فقد استطاعت إلى حج البيت سبيلا لانها قدرت على الركوب و النزول و أمنت المخاوف لان المحرم يصونها و أما قوله ان حق الزوج في الاستمتاع يفوت بالخروج إلى الحج فنقول منافعها مستثناة عن ملك الزوج في الفرائض كما في الصلوات الخمس وصوم رمضان و نحو ذلك حتى لو أرادت الخروج إلى حجة التطوع فللزوج أن يمنعها كما في صلاة التطوع وصوم التطوع و سواء كانت المرأة شابة أو عجوزا انها لا تخرج الا بزوج أو محرم لان ما روينا من الحديث لا يفصل بين الشابة و العجوز و كذا المعنى لا يوجب الفصل بينهما لما ذكرنا من حاجة المرأة إلى من يركبها و ينزلها بل حاجة العجوز إلى ذلك أشد لانها أعجز و كذا يخاف عليها من الرجال و كذا لا يؤمن عليها من أن يطلع عليها الرجال حال ركوبها و نزولها فتحتاج إلى الزوج أو إلى المحرم ليصونها عن ذلك و الله أعلم ثم صفة المحرم أن يكون ممن لا لا يجوز له نكاحها على التأبيد اما بالقرابة أو الرضاع أو الصهرية لان الحرمة المؤيدة تزيل التهمة في الخلوة و لهذا قالوا ان المحرم إذا لم يكن مأمونا عليه لم يجز لها أن تسافر معه و سواء كان المحرم حرا أو عبدا لان الرق لا ينافى المحرمية و سواء كان مسلما أو ذميا أو مشركا لان الذمي و المشرك يحفظان محارمهما الا أن يكون مجوسيا لانه يعتقد إباحة نكاحها فلا تسافر معه لانه لا يؤمن عليها كالأَجنبي و قالوا في الصبي الذي لم يحتلم و المجنون الذي لم يفق انهما ليسا بمحرمين في السفر لانه لا يتأتى منهما حفظها و قالوا في الصبية التي لا يشتهى مثلها انها تسافر بغير محرم لانه يؤمن عليها فإذا بلغت حد الشهوة لا تسافر بغير محرم لانها صارت بحيث لا يؤمن عليها ثم المحرم أو الزوج انما يشترط إذا كان بين المرأة و بين مكة ثلاثة أيام فصاعدا فان كان أقل من ذلك حجت بغير محرم لان المحرم يشترط للسفر و ما دون ثلاثة أيام ليس بسفر فلا يشترط فيه المحرم كما لا يشترط للخروج من محلة إلى محلة ثم الزوج أو المحرم شرط الوجوب أم شرط الجواز فقد اختلف أصحابنا فيه كما اختلفوا في أمن الطريق و الصحيح انه شرط الوجوب لما ذكرنا في أمن الطريق و الله أعلم و الثاني أن لا تكون معتدة عن طلاق أو وفاة لان الله تعالى نهى المعتدات عن الخروج بقوله عز وجل و لا تخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن و روى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه انه رد المعتدات من ذي الحليفة و روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه انه ردهن من الجحفة و لان الحج يمكن أداؤه في قت آخر فاما العدة فانها انما يجب قضاؤها في هذا الوقت خاصة فكان الجمع بين الامرين أولى و ان لزمتها بعد الخروج إلى السفر و هي مسافر فان كان الطلاق رجعيا لا يفارقها زوجها لان الطلاق الرجعي لا يزيل الزوجية و الافضل أن يراجعها و ان كانت بائنا أو كانت معتدة عن وفاة فان كان إلى منزلها أقل من مدة سفر و إلى مكة مدة سفر فانها تعود إلى منزلها لانه ليس فيه انشاء سفر فصار كانها في بلدها و ان كان إلى مكة أقل من مدة سفر و إلى منزلها مدة سفر مضت إلى مكة لانها لا تحتاج إلى المحرم في أقل من مدة السفر و ان كان من الجانبين أقل من مدة السفر فهي بالخيار ان شاءت مضت و ان شاءت رجعت إلى منزلها فان كان من الجانبين مدة سفر فان كانت في المصر فليس لها أن تخرج حتى تنقضى عدتها في قول أبى حنيفة و ان وجدت محرما و عند أبى يوسف و محمد لها أن تخرج إذا وجدت محرما و ليس لها أن تخرج بلا محرم بلا خلاف و ان كان ذلك في المفازة أو في بعض القرى بحيث لا تأمن على نفسها و مالها فلها أن تمضى فتدخل موضع الامن ثم لا تخرج منه في قول أبى حنيفة سواء وجدت محرما أو لا و عندهما تخرج إذا وجدت محرما و هذه من مسائل كتاب الطلاق نذكرها بدلائلها في فصول العدة ان شاء الله تعالى ثم من لم يجب عليه الحج بنفسه لعذر كالمريض و نحوه و له مال يلزمه أن يحج رجلا عنه و يجزئه عن حجة الاسلام إذا وجد شرائط جواز الا حجاج على ما نذكره و لو تكلف واحد ممن له عذر فحج بنفسه أجزأه عن حجة الاسلام إذا كان
فصل وأما ركن الحج فشيئان
عاقلا بالغا حرا لانه من أهل الفرض الا انه لم يجب عليه لانه لا يمكنه الوصول الا مكة الا بحرج فإذا تحمل الحرج وقع موقعه كالفقير إذا حج و العبد إذا حضر الجمعة فاداها و لانه إذا وصل إلى مكة صار كاهل مكة فيلزمه الحج بخلاف العبد و الصبي و المجنون فان العبد و الصبي ليسا من أهل فرض الحج و المجنون ليس من أهل العبادة أصلا و الله أعلم ثم ما ذكرنا من الشرائط لوجوب الحج من الزاد و الراحلة و غير ذلك يعتبر وجودها وقت خروج أهل بلده حتى لو ملك الزاد و الراحلة في أول السنة قبل أشهر الحج و قبل أن يخرج أهل بلده إلى مكة فهو في سعة من صرف ذلك إلى حيث أحب لانه لا يلزمه التأهب للحج قبل خروج أهل بلده لانه لم يجب عليه الحج قبله و من لا حج عليه لا يلزمه التأهب للحج فكان بسبيل من التصرف في ماله كيف شاء و إذا صرف ماله ثم خرج أهل بلده لا يجب عليه الحج فاما إذا جاء وقت الخروج و المال في يده فليس له أن يصرفه إلى غيره على قول من يقول بالوجوب على الفور لانه إذا جاء وقت خروج أهل بلده فقد وجب عليه الحج لوجود الاستطاعة فيلزمه التأهب للحج فلا يجوز له صرفه إلى غيره كالمسافر إذا كان معه ماء للطهارة و قد قرب الوقت لا يجوز له استهلاكه في الطهارة فان صرفه إلى الحج اثم و عليه الحج و الله تعالى أعلم ( فصل )
و أما ركن الحج فشيان أحدهما الوقوف بعرفة و هو الركن الاصلى للحج و الثاني طواف الزيارة أما الوقوف بعرفة فالكلام فيه يقع في مواضع في بيان انه ركن و فى بيان مكانه و فى بيان زمانه و فى بيان مقداره و فى بيان سننه و فى بيان حكمه إذا فات عن وقته أما الاول فالدليل عليه قوله تعالى و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ثم فسر النبي صلى الله عليه و سلم الحج بقوله الحج عرفة أى الحج الوقوف بعرفة اذ الحج فعل و عرفه مكان فلا يكون حجا فكان الوقوف مضمرا فيه فكان تقديره الحج الوقوف بعرفة و المجمل إذا التحق به التفسير يصير مفسرا من الاصل فيصير كانه تعالى قال و لله على الناس حج البيت و الحج الوقوف بعرفة فظاهره يقتضى أن يكون هو الركن لا الا انه زيد عليه طواف الزيارة بدليل ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم في سياق التفسير من وقف بعرفة فقد تم حجه جعل الوقوف بعرفة اسما للحج فدل انه ركن فان قيل هذا يدل على ان الوقوف بعرفة واجب و ليس بفرض فضلا عن أن يكون ركنا لانه علق تمام الحج به و الواجب هو الذي يتعلق بوجوده التمام لا الفرض فالجواب ان المراد من قوله فقد تم حجه ليس هو التمام الذي هو ضد النقصان بل خروجه عن احتمال الفساد فقوله فقد تم حجه أى خرج من أن يكون محتملا للفساد بعد ذلك لوجود المفسد حتى لو جامع بعد ذلك لا يفسد حجه لكن تلزمه الفدية على ما نذكر ان شاء الله تعالى و هذا لان الله تعالى فرض الحج بقوله و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و فسر النبي صلى الله عليه و سلم الحج بالوقوف بعرفة فصار الوقوف بعرفة فرضا و هو ركن فلو حمل التمام المذكور في الحديث على التمام الذي هو ضد النقصان لم يكن فرضا لانه يوجد الحج بدونه فيتناقض فحمل التمام المذكور على خروجه عن احتمال الفساد عملا بالدلائل صيانة لها عن التناقض و قوله عز و جل ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس قيل ان أهل الحرم كانوا لا يقفون بعرفات و يقولون نحن أهل حرم الله لا نفيض كغيرنا ممن قصدنا فانزل الله عز و جل الآية الكريمة يأمرهم بالوقوف بعرفات و الافاضة من حيث أفاض الناس و الناس كانوا يفيضون من عرفات و افاضتهم منها لا تكون الا بعد حصولهم فيها فكان الامر بالافاضة منها أمرا بالوقوف بها ضرورة و روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت كانت قريش و من كان على دينها يقفون بالمزدلفة و لا يقفون بعرفات فأنزل الله عز و جل قوله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس و كذا الامة أجمعت على كون الوقوف ركنا في الحج و أما مكان الوقوف فعرفات كلها موقف لقول النبي صلى الله عليه و سلم عرفات كلها موقف الا بطن عرفة و لما روينا من الحديث و هو قوله صلى الله عليه و سلم الحج عرفة فمن وقف بعرفة فقد تم حجه مطلقا من تعيين موضع دون موضع الا انه لا ينبغى أن يقف في بطن عرفة لان النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن ذلك و أخبر انه وادي الشيطان و أما زمانه فزمان الوقوف من حين تزول الشمس من يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثاني من يوم
النحر حتى لو وقف بعرفة في هذا الوقت كان وقوفه و عدم وقوفه سواء لانه فرض مؤقت فلا يتأدى في وقته كسائر الفرائض المؤقتة الا في حال الضرورة و هي حال الاشتباه استحسانا على ما نذكره ان شاء الله تعالى و كذا الوقوف قبل الزوال لم يجز ما لم يقف بعد الزوال و كذا من لم يدرك عرفة بنهار و لا بليل فقد فاته الحج و الاصل فيه ما روى ان النبي صلى الله عليه و سلم وقف بعرفة بعد الزوال و قال خذوا عني مناسككم فكان بيانا لاول الوقت و قال صلى الله عليه و سلم من أدرك عرفة فقد أدرك الحج و من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج و هذا بيان آخر الوقت فدل أن الوقت يبقى ببقاء الليل و يفوت بفواته و هذا الذي ذكرنا قول عامة العلماء و قال مالك وقت الوقوف هو الليل فمن لم يقف في جزء من الليل لم يجز وقوفه و احتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج علق إدراك الحج بإدراك عرفة بليل فدل ان الوقوف بجزء من الليل هو وقت الركن و لنا ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من وقف معنا هذا الموقف وصلى معنا هذه الصلاة و كان وقف قبل ذلك بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه و قضى تفثه أخبر النبي صلى الله عليه و سلم عن تمام الحج بالوقوف ساعة من ليل أو نهار فدل ان ذلك هو وقت الوقوف عين و روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من وقف بعرفة فقد تم حجه مطلقا عن الزمان الا أن زمان ما قبل الزوال و بعد انفجار الصبح من يوم النحر ليس بمراد بدليل فبقى ما بعد الزول إلى انفجار الصبح مرادا و لان هذا نوع نسك فلا يختص بالليل كسائر أنواع المناسك و لا حجة له في الحديث لان فيه من أدرك عرفة بليل فقد ادرك الحج و ليس فيه ان من لم يدركها بليل ماذا حكمه فكان متعلقا بالمسكوت فلا يصح و لو اشتبه على الناس هلال ذي الحجة فوقفوا بعرفة بعد ان أكملوا عدة ذي القعدة ثلاثين يوما ثم شهد الشهود انهم رأوا الهلال يوم كذا و تبين ان ذلك اليوم كان يوم النحر فوقوفهم صحيح و حجتهم تامة استحسانا و القياس أن لا يصح وجه القياس انهم وقفوا في وقت الوقوف فلا يجوز كما لو تبين انهم وقفوا يوم التروية وأى فرق بين التقديم و التأخير و الاستحسان ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال صومكم يوم تصومون و اضحاكم يوم تضحون و عرفتكم يوم تعرفون و روى و حجكم يوم تحجون فقد جعل النبي صلى الله عليه و سلم وقت الوقوف أو الحج وقت تقف أو تحج فيه الناس و المعنى فيه من وجهين أحدهما ما قال بعض مشايخنا ان هذه شهادة قامت على النفي و هي نفى جواز الحج و الشهادة على النفي باطلة و الثاني ان شهادتهم جائزة مقبولة لكن وقوفهم جائز أيضا لان هذا النوع من الاشتباه مما يغلب و لا يمكن التحرز عنه فلو لم نحكم بالجواز لوقع الناس في الحرج بخلاف ما إذا تبين ان ذلك اليوم كان يوم التروية لان ذلك نادر غاية الندرة فكان ملحقا بالعدم و لانهم بهذا التأخير بنوا على دليل ظاهر واجب العمل به و هو وجوب اكمال العدة إذا كان بالسماء علة فعذروا في الخطأ بخلاف التقديم فانه خطأ مبنى على دليل رأسا فلم يعذروا فيه نظيره إذا اشتبهت القبلة فتحرى وصلى إلى جهة ثم تبين أنه أخطأ جهة القبلة جازت صلاته و لو لم يتحر وصلى ثم تبين انه أخطأ لم يجز لما قلنا كذا هذا و هل يجوز وقوف الشهود روى هشام عن محمد انه يجوز وقوفهم و حبهم أيضا و قد قال محمد إذا شهد عند الامام شاهدان عشية يوم عرفة بروية الهلال فان كان الامام لم يمكنه الوقوف في بقية الليل مع الناس أو أكثرهم لم يعمل بتلك الشهادة و وقف من الغد بعد الزوال لانهم و ان شهدوا عشية عرفة لكن لما تعذر على الجماعة الوقوف في الوقت و هو ما بقي من الليل صاروا كانهم شهدوا بعد الوقت فان كان الامام يمكنه الوقوف قبل طلوع الفجر مع الناس أو أكثرهم بان كان يدرك الوقوف عامة الناس الا انه لا يدركه ضعفة الناس جاز وقوف فان لم يقف فات حجة لانه ترك الوقوف في وقته مع علمه به و القدرة عليه قال محمد فان اشتبه على الناس فوقف الامام و الناس يوم النحر و قد كان من رأى الهلال وقف يوم عرفة لم يجزه وقوفه و كان عليه أن يعيد الوقوف مع الامام لان يوم النحر صار يوم الحج في حق الجماعة و وقت الوقوف لا يجوز ان يختلف فلا يعتد بما فعله بانفراده و كذا إذا أخر الامام الوقوف لمعنى يسوغ فيه الاجتهاد لم يجز وقوف من وقف قبله فان شهد شاهدان عند الامام بهلال ذي الحجة فرد شهادتهما لانه
فصل وأما طواف الزيارة
لا علة بالسماء فوقف بشهادتهما قوم قبل الامام لم يجز وقوفهم لان الامام أخر الوقوف بسبب يجوز العمل عليه في الشرع فصار كما لو أخر بالاشتباه و الله تعالى أعلم و اما قدره فنبين القدر المفروض و الواجب أما القدر المفروض من الوقوف فهو كينونته بعرفة في ساعة من هذا الوقت فمتى حصل إتيانها في ساعة من هذا الوقت تأدى فرض الوقوف سواء كان عالما بها أو جاهلا نائما أو يقظان مفيقا أو مغمى عليه وقف بها أو مر و هو يمشى أو على الدابة أو محمولا لانه أتى بالقدر المفروض و هو حصوله كائنا بها و الاصل فيه ما روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من وقف بعرفة فقد تم حجه و المشي و السير لا يخلو عن وقفة و سواء نوى الوقوف عند الوقوف أو لم ينو بخلاف الطواف و سنذكر الفرق في فصل الطواف ان شاء الله و سواء كان محدثا أو جنبا أو حائضا أو نفساء لان الطهارة ليست بشرط لجواز الوقوف لان حديث الوقوف مطلق عن شرط الطهارة و لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لعائشة رضى الله عنها حين حاضت افعلى ما يفعله الحاج انك لا تطوفي بالبيت و لانه نسك متعلق بالبيت فلا تشترط له الطهارة كرمى الجمار و سواء كان قد صلى الصلاتين أو لم يصل لاطلاق الحديث و لان الصلاتين و هما الظهر و العصر لا تعلق لهما بالوقوف فلا يكون تركهما مانعا من الوقوف و الله أعلم و أما القدر الواجب من الوقوف فمن حين تزول الشمس إلى أن تغرب فهذا القدر من الوقوف واجب عندنا و عند الشافعي ليس بواجب بل هو سنة بناء على انه لا فرق عنده بين الفرض و الواجب فإذا لم يكن فرضا لم يكن واجبا و نحن نفرق بين الفرض و الواجب كفرق ما بين السماء و الارض و هو أن الفرض اسم لما ثبت وجوبه بدليل مقطوع به و الواجب اسم لما ثبت وجوبه بدليل فيه شبهة العدم على ما عرف في أصول الفقة وأصل الوقوف ثبت بدليل مقطوع به و هو النص المفسر من الكتاب و السنة المتواترة المشهورة و الاجماع على ما ذكرنا فاما الوقوف إلى جزء من الليل فلم يقم عليه دليل قاطع بل مع شبهة العدم أعنى خبر الواحد و هو ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج أو ذلك من الآحاد التي لا تثبت بمثلها الفرائض فضلا عن الاركان و إذا عرف أن الوقوف من حين زوال الشمس إلى غروبها واجب فان دفع منها قبل غروب الشمس فان جاوز عرفة بعد الغروب فلا شيء عليه لانه ما ترك الواجب و ان جاوزها قبل الغروب فعليه دم عندنا لتركه الواجب فيجب عليه الدم كما لو ترك غيره من الواجبات و عند الشافعي لا دم عليه لانه لم يترك الواجب اذ الوقوف المقدر ليس بواجب عنده و لو عاد إلى عرفة قبل غروب الشمس و قبل ان يدفع الامام ثم دفع منها بعد الغروب مع الامام سقط عنه الدم عندنا لانه استدرك المتروك و عند زفر لا يسقط و هو على الاختلاف في مجاوزة الميقات بغير إحرام و الكلام فيه على نحو الكلام في تلك المسألة و سنذكرها ان شاء الله في موضعها و ان عاد قبل غروب الشمس بعد ما خرج الامام من عرفة ذكر الكرخي أنه يسقط عنه الدم أيضا و كذا روى ابن شجاع عن أبى حنيفة ان الدم يسقط عنه أيضا لانه استدرك المتروك اذ المتروك هو الدفع بعد الغروب و قد استدركه و ذكر في الاصل انه لا يسقط عنه الدم قال مشايخنا اختلاف الرواية لمكان الاختلاف فيما لاجله يجب الدم فعلى رواية الاصل الدم يجب لاجل دفعه قبل الامام و لم يستدرك ذلك و على رواية ابن شجاع يجب لاجل دفعه قبل غروب الشمس و قد استدركه بالعود و القدورى اعتمد على هذه الرواية و قال هى الصحيحة و المذكور في الاصل مضطرب و لو عاد إلى عرفة بعد الغروب لا يسقط عنه الدم بلا خلاف لانه لما غربت الشمس عليه قبل العود فقد تقرر عليه الدم الواجب فلا يحتمل السقوط بالعود و الله الموفق و أما بيان حكمه إذا فات فحكمه انه يفوت الحج في تلك السنة و لا يمكن استدراكه فيها لان ركن الشيء ذاته و بقاء الشيء مع فوات ذاته محال ( فصل )
و أما طواف الزيارة فالكلام فيه في مواضع في بيان أنه ركن و فى بيان ركنه و فى بيان شرائطه و واجباته و سننه و فى بيان مكانه و فى بيان زمانه و فى بيان مقداره و فى بيان حكمه إذا فات عن أيام النحر اما الاول فالدليل على انه ركن قوله تعالى و ليطوفوا بالبيت العتيق و المراد منه طواف الزيارة بالاجماع و لانه تعالى أمر الكل بالطواف
فصل وأما شرطه وواجباته
فصل وأما ركنه
فيقتضى الوجوب على الكل و طواف اللقاء لا يجب أصلا و طواف الصدر لا يجب على الكل لانه لا يجب على أهل مكة فيتعين طواف الزيارة مرادا بالآية و قوله تعالى و لله على الناس حج البيت و الحج في اللغة هو القصد و فى عرف الشرع هو زيارة البيت و الزيارة هى القصد إلى الشيء للتقرب قال الشاعر ألم تعلمي يا أم سعد بأنما تخاطانى ريب الزمان لا كثرا و اشهد من عوف حلولا كثيرة يحجون بيت الزبر قان المزعفرا و قوله يحجون أى يقصدون ذلك البيت للتقرب فكان حج البيت هو القصد اليه للتقرب به و انما يقصد البيت للتقرب بالطواف به فكان الطواف به ركنا و المراد به طواف الزيارة لما بينا و لهذا يسمى في عرف الشرع طواف الركن فكان ركنا و كذا الامة أجمعت على كونه ركنا و يجب على أهل الحرم و غيرهم لعموم قوله تعالى و ليطوفوا بالبيت العتيق و قوله عز و جل و لله على الناس حج البيت ( فصل )
و أما ركنه فحصوله كائنا حول البيت سواء كان بفعل نفسه أو بفعل غيره و سواء كان عاجزا عن الطواف بنفسه فطاف به غيره بامره أو بغير أمره أو كان قادرا على الطواف بنفسه فحمله غيره بامره أو بغير أمره أنه ان كان عاجزا أجزأه و لا شيء عليه و ان كان قادرا أجزأه و لكن يلزمه الدم اما الجواز فلان الفرض حصوله كائنا حول البيت و قد حصل و اما لزوم الدم فلتركه الواجب و هو المشي بنفسه مع القدرة عليه فدخله نقص فيجب جبره بالدم كما إذا طاف راكبا أو زحفا و هو قادر على المشي و إذا كان عاجزا عن المشي لا يلزمه شيء لانه لم يترك الواجب اذ لا وجوب مع العجز و يجوز ذلك عن الحامل و المحمول جميعا لما ذكرنا أن الفرض حصوله كائنا حول البيت و قد حصل كل واحد منهما كائنا حول البيت ان أحدهما حصل كائنا بفعل نفسه و الآخر بفعل غيره فان قيل ان مشى الحامل فعل و الفعل الواحد كيف يقع عن شخصين فالجواب من وجهين أحدهما أن المفروض ليس هو الفعل في الباب بل حصول الشخص حول البيت بمنزلة الوقوف بعرفة ان المفروض منه حصوله كائنا بعرفة لا فعل الوقوف على ما بينا فيما تقدم و الثاني أن مشى الواحد جاز ان يقع عن اثنين في باب الحج كالبعير الواحد إذا ركبه اثنان فطافا عليه و كذا يجوز في الشرع ان يجعل فعل واحد حقيقة كفعلين معنى كالأَب و الوصي إذا باع مال نفسه من الصغير أو اشترى مال الصغير لنفسه و نحو ذلك كذا ههنا ( فصل )
و أما شرطه و واجباته فشرطه النية و هو أصل النية دون التعيين حتى لو لم ينو أصلا بان طاف هاربا من سبع أو طالبا لغريم لم يجز فرق أصحابنا بين الطواف و بين الوقوف أن الوقوف يصح من نية الوقوف عند الوقوف و الطواف لا يصح من نية الطواف عند الطواف كذا ذكره القدوري في شرحه مختصر الكرخي و أشار القاضي في شرحه مختصر الطحاوي إلى أن نية الطواف عند الطواف ليست بشرط أصلا و ان نية الحج عند الاحرام كافية و لا يحتاج إلى نية مفردة كما في سائر أفعال الحج و كما في أفعال الصلاة و وجه الفرق على ما ذكره القدوري أن الوقوف ركن يقع في حال قيام نفس الاحرام لانعدام ما يضاده فلا يحتاج إلى نية مفردة بل تكفيه النية السابقة و هي نية الحج كالركوع و السجود في باب الصلاة لانه لا يحتاج الي افرادهما بالنية لاشتمال نية الصلاة عليهما كذا الوقوف فاما الطواف فلا يؤتى به في حال قيام نفس الاحرام لوجود ما يضاده لانه تحليل لانه يقع به التحليل و لا إحرام حال وجود التحليل لان الشيء حال وجوده موجود و وجوده يمنع الاحرام من الوجود فلا تشتمل عليه نية الحج فتقع الحاجة إلى الافراد بالنية كالتسليم في باب الصلاة اذ التسليم تحليل أو نقول ان الوقوف يوجد في حال قيام الاحرام المطلق لبقائه في حق جميع الاحكام فيتناوله نية الحج فلا يحتاج إلى نية على حدة و لا كذلك الطواف فانه يوجد حال زوال الاحرام من وجه لوقوع التحلل قبله من وجه بالحلق أو التقصير الا ترى انه يحل له كل شيء الا النساء فوقعت الحاجة الي نية على حدة فاما تعيين النية حال وجوده في وقته فلا حاجة اليه حتى لو نفر في النفر الاول فطاف و هو لا يعين طوافا يقع عن طواف الزيارة لا عن الصدر لان أيام النحر متعينة لطواف الزيارة
فلا حاجة إلى تعيين النية كما لو صام رمضان بمطلق النية انه يقع عن رمضان لكون الوقت متعينا لصومه كذا هذا و كذا لو نوى تطوعا يقع عن طواف الزيارة كما لو صام رمضان بنية التطوع و كذلك كل طواف واجب أو سنة يقع في وقته من طواف اللقاء و طواف الصدر فانما يقع عما يستحقه الوقت و هو الذي انعقد عليه الاحرام دون غيره سواء عين ذلك بالنية أو لم يعين فيقع عن الاول و ان نوى الثاني لا يعمل بنيته في تقديمه على الاول حتى ان المحرم إذا قدم مكة و طاف لا يعين شيأ أو نوى التطوع فان كان محرما بعمرة يقع طوافه للعمرة و ان كان محرما بحجة يقع طوافه للقدوم لان عقد الاحرام انعقد عليه و كذلك الفارن إذا طاف لا يعين شيأ أو نوى التطوع كان ذلك للعمرة فان طاف طوافا آخر قبل أن يسعى لا يعين شيأ أو نوى تطوعا كان ذلك للحج و الله أعلم فاما الطهارة عن الحدث و الجنابة و الحيض و النفاس فليست بشرط لجواز الطواف و ليست بفرض عندنا بل واجبة حتى يجوز الطواف بدونها و عند الشافعي فرض لا يصح الطواف بدونها و احتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال الطواف صلاة الا أن الله تعالى اباح فيه الكلام و إذا كان صلاة فالصلوة لا جواز لها بدون الطهارة و لنا قوله تعالى و ليطوفوا بالبيت العتيق أمر بالطواف مطلقا عن شرط الطهارة و لا يجوز تقييد مطلق الكتاب بخبر الواحد فيحمل على التشبيه كما في قوله تعالى و أزواجه أمهاتهم أى كامهاتهم و معناه الطواف كالصلاة اما في الثواب أو في أصل الفرضية في طواف الزيارة لان كلام التشبيه لا عموم له فيحمل على المشابهة في بعض الوجوه عملا بالكتاب و السنة أو نقول الطواف يشبه الصلاة و ليس بصلاة حقيقة فمن حيث انه ليس بصلاة حقيقة لا تفترض له الطهارة و من حيث انه يشبه الصلاة تجب له الطهارة عملا بالدليلين بالقدر الممكن و ان كانت الطهارة من واجبات الطواف فإذا طاف من طهارة فما دام بمكة تجب عليه الاعادة لان الاعادة جبر له بجنسه و جبر الشيء بجنسه أولى لان معنى الجبر و هو التلافى فيه أتم ثم ان أعاد في أيام النحر فلا شيء عليه و ان أخره عنها فعليه دم في قول أبى حنيفة و المسألة تأتي ان شاء الله تعالى في موضعها و ان لم يعد و رجع الي أهله فعليه الدم انه ان كان محدثا فعليه شاة و ان كان جنبا فعليه بدنة لان الحدث يوجب نقصانا يسيرا فتكفيه الشاة لجبره كما لو ترك شوطا فاما الجنابة فانها توجب نقصانا متفاحشا لانها أكبر الحدثين فيجب لها أعظم الجابرين و قد روى عن ابن عباس رضى الله عنه انه قال البدنة تجب في الحج في موضعين أحدهما إذا طاف جنبا و الثاني إذا جامع بعد الوقوف و إذا لم تكن الطهارة من شرائط الجواز فإذا طاف و هو محدث أو جنب وقع موقعه حتى لو جامع بعده لا يلزمه شيء لان الوطء لم يصادف الاحرام لحصول التحلل بالطواف هذا إذا طاف بعد أن حلق أو قصر ثم جامع فاما إذا طاف و لم يكن حلق و لا قصر ثم جامع فعليه دم لانه إذا لم يحلق و لم يقصر فالإِحرام باق و الوطء إذا صادف الاحرام يوجب الكفارة الا انه يلزمه الشاة لا البدنة لان الركن صار مؤدى فارتفعت الحرمة المطلقة فلم يبق الوطء جنابة محضة بل خف معنى الجنابة فيه فيكفيه اخف الجابرين فاما الطهارة عن النجس فليست من شرائط الجواز بالاجماع فلا يفترض تحصيلها و لا تجب أيضا لكنه سنة حتى لو طاف و على ثوبه نجاسة أكثر من قدر الدرهم جاز و لا يلزمه شيء الا انه يكره و اما ستر العورة فهو مثل الطهارة عن الحدث و الجنابة أى انه ليس بشرط الجواز و ليس بفرض لكنه واجب عندنا حتى لو طاف عريانا فعليه الاعادة ما دام بمكة فان رجع الي أهله فعليه الدم و عند الشافعي شرط الجواز كالطهارة عن الحدث و الجنابة و حجته ما روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال الطواف صلاة الا ان الله أباح فيه الكلام و ستر العورة من شرائط جواز الصلاة و حجتنا قوله تعالى و ليطوفوا بالبيت العتيق أمر بالطواف مطلقا عن شرط الستر فيجرى على إطلاقه و الجواب عن تعلقه بالحديث على نحو ما ذكرنا في الطهارة و الفرق بين ستر العورة و بين الطهارة عن النجاسة ان المنع من الطواف مع الثوب النجس ليس لاجل الطواف بل لاجل المسجد و هو صيانته عن إدخال النجاسة فيه و صيانته عن تلويثه فلا يوجب ذلك نقصانا في الطواف فلا حاجة إلى الجبر فاما المنع من الطواف عريانا فلاجل الطواف لنهي النبي صلى الله عليه و سلم عن الطواف عريانا بقوله صلى الله عليه و سلم الا لا يطوفن بعد
عامي هذا مشرك و لا عريان و إذا كان النهى لمكان الطواف تمكن فيه النقص فيجب جبره بالدم لكن بالشاة لا بالبدنة لان النقص فيه كالنقص بالحدث لا كالنقص بالجنابة قال محمد و من طاف تطوعا على شيء من هذه الوجوه فأحب إلينا ان كان بمكة أن يعيد الطواف و ان كان قد رجع إلى أهله فعليه صدقة سوى الذي طاف و على ثوبه نجاسة لان التطوع يصير واجبا بالشروع فيه الا انه دون الواجب ابتداء بإيجاب الله تعالى فكان النقص فيه أقل فيجبر بالصدقة و محاذاة المرأة الرجل في الطواف لا تفسد عليه طوافه لان المحاذاة انما عرفت مفسدة في الشرع على خلاف القياس في صلاة مطلقة مشتركة و الطواف ليس بصلاة حقيقة و لا اشتراك أيضا و الموالاة في الطواف ليست بشرط حتى لو خرج الطائف من طوافه لصلاة جنارة أو مكتوبة أو لتجديد وضوء ثم عاد بني على طوافه و لا يلزمه الاستئناف لقوله تعالى و ليطوفوا بالبيت العتيق مطلقا عن شرط الموالاة و روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه خرج من الطواف و دخل السقاية فاستسقى فسقى فشرب ثم عاد و بني على طوافه و الله تعالى أعلم و من واجبات الطواف أن يطوف ماشيا لا راكبا الا من عذر حتى لو طاف راكبا من عذر فعليه الاعادة ما دام بمكة و ان عاد إلى أهله يلزمه الدم و هذا عندنا و عند الشافعي ليس بواجب فإذا طاف راكبا من عذر لا شيء عليه و احتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه طاف راكبا و لنا قوله تعالى و ليطوفوا بالبيت العتيق و الراكب ليس بطائف حقيقة فأوجب ذلك نقصا فيه فوجب جبره بالدم و اما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد روى ان ذلك كان لعذر كذا روى عن عطاء عن ابن عباس رضى الله عنهما ان ذلك كان بعد ما أسن و بدن و يحتمل انه فعل ذلك لعذر آخر و هو التعليم كذا روى عن جابر رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه و سلم طاف راكبا ليراه الناس فيسألوه و يتعلموا منه و هذا عذر و على هذا أيضا يخرج ما إذا طاف زحفا انه ان كان عاجزا عن المشي أجزأه و لا شيء عليه لان التكليف بقدر الوسع و ان كان قادرا عليه الاعادة ان كان بمكة و الدم ان كان رجع إلى أهله لان الطواف مشيا واجب عليه و لو أوجب على نفسه أن يطوف بالبيت زحفا و هو قادر على المشي عليه أن يطوف ماشيا لانه نذ و إيقاع العبادة على وجه مشروع فلغت الجهة و بقى النذر بأصل العبادة كما إذا نذر أن يطوف للحج على طهارة فان طاف زحفا أعاد ان كان بمكة و ان رجع إلى أهله فعليه دم لانه ترك الواجب كذا ذكر في الاصل و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه إذا طاف زحفا أجزأه لانه ادى ما أوجب على نفسه فيجزئه كمن نذر أن يصلى ركعتين في الارض المغصوبة أو يصوم يوم النحر انه يجب عليه أن يصلى في موضع آخر و يصوم يوما آخر و لو صلى في الارض المغصوبة و صام يوم النحر أجزأه و خرج عن عهدة النذر كذا هذا و على هذا أيضا يخرج ما إذا طاف محمولا انه ان كان لعذر جاز و لا شيء عليه و ان كان لغير عذر جاز و يلزمه الدم لان الطواف ماشيا واجب عند القدرة على المشي و ترك الواجب من عذر يوجب الدم فاما الابتداء من الحجر الاسود فليس بشرط من شرائط جوازه بل هو سنة في ظاهر الرواية حتى لو افتتح من عذر أجزأه مع الكراهة لقوله تعالى و ليطوفوا بالبيت العتيق مطلقا عن شرط الابتداء بالحجر الاسود الا انه لو لم يبدأ يكره لانه ترك السنة و ذكر محمد رحمه الله في الرقيات إذا افتتح الطواف من الحجر لم يعتد بذلك الشوط الا أن يصير إلى الحجر فيبدأ منه الطواف فهذا يدل على ان الافتتاح منه شرط الجواز و به أخذ الشافعي و الدليل على ان الافتتاح من الحجر اما على وجه السنة أو القرض ما روى ان إبراهيم صلى الله عليه و سلم لما انتهى في البناء إلى مكان الحجر قال لاسماعيل عليه الصلاة و السلام ائتنى بحجر اجعله علامة لابتداء الطواف فخرج و جاء بحجر فقال ائتنى بغيره فأتاه بحجر آخر فقال ائتنى بغيره فأتاه بثالث فألقاه و قال جآنى بحجر من أغنانى عن حجرك فرأى الحجر الاسود في موضعه و اما الابتداء من يمين الحجر لا من يساره فليس من شرائط الجواز بلا خلاف بين أصحابنا حتى يجوز الطواف منكوسا بان افتتح الطواف عن يسار الحجر و يعتد به و عند الشافعي هو من شرائط الجواز لا يجوز بدونه و احتج بما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم افتتح الطواف من يمين الحجر لا من يساره و ذلك تعليم منه صلى الله عليه و سلم مناسك الحج و قد قال عليه
فصل وأما مكان الطواف
الصلاة و السلام خذوا عني مناسككم فتجب البداية بما بدأ به النبي صلى الله عليه و سلم و لنا قوله تعالى و ليطوفوا بالبيت العتيق مطلقا من شرط البداية باليمين أو باليسار و فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم محمول على الوجوب و به نقول انه واجب كذا ذكره الامام القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه تجب عليه الاعادة ما دام بمكة و ان رجع إلى أهله يجب عليه الدم و كذا ذكر في الاصل و وجهه انه ترك الواجب و هو قادر على استدراكه بجنسه فيجب عليه ذلك تلافيا للتقصير بأبلغ الوجوه و إذا رجع إلى أهله فقد عجز عن استدراكه الفائت بجنسه فيستدره بخلاف جنسه جبرا للفائت بالقدر الممكن على ما هو الاصل في ضمان الفوائت في الشرع و ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي ما يدل على انه سنة فانه قال أجزأه الطواف و يكره و هذا إمارة السنة و اما سننه فنذكرها عند بيان سنن الحج و لا رمل في هذا الطواف إذا كان الطواف طواف اللقاء وسعى عقيبه و ان كان لم يطف طواف اللقاء أو كان قد طاف لكنه لم يسع عقيبه فانه يرمل في طواف الزيارة و الاصل فيه ان الرمل سنة طواف عقيبه سعى و كل طواف يكون بعده سعى يكون فيه رمل و الا فلا لما نذكر ان شاء الله عند بيان سنن الحج و الترتيب بين أفعاله و يكره لنشاد الشعر و التحدث في الطواف لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال الطواف بالبيت صلاة فأقلوا فيه الكلام و روى انه قال صلى الله عليه و سلم فمن نطق فيه فلا ينطق الا بخير و لان ذلك يشغله عن الدعاء و يكره أن يرفع صوته بالقرآن لانه يتأذى به غيره لما يشغله ذلك عن الدعاء و لا بأس بأن يقرأ القرآن في نفسه و قال مالك يكره و انه سديد لان قراءة القرآن مندوب إليها في جميع الاحوال الا في حال الجنابة و الحيض و لم يوجد و من المشايخ من قال التسبيح أولى لان محمدا رحمه الله ذكر لفظة لا بأس و هذه اللفظة انما تستعمل في الرخص و لا بأس أن يطوف و عليه خفاه أو نعلاه إذا كانا طاهرتين لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه طاف مع نعليه و لانه تجوز الصلاة مع الخفين و النعلين مع ان حكم الصلاة أضيق فلان يجوز الطواف أولى و لا يرمل في هذا الطواف إذا كان طاف طواف اللقاء وسعى عقيبه و ان كان لم يطف طواف اللقاء أو كان قد طاف لكنه لم يسع عقيبه فانه يرمل في طواف الزيارة و الاصل فيه ان الرمل سنة طواف عقيبه سعى فكل طواف بعد سعى يكون فيه رمل و الا فلا لما نذكر عند بيان سنن الحج و الترتيب في أفعاله ان شاء الله تعالى و اما سننه فنذكرها عند بيان سنن الحج ان شاء الله تعالى ( فصل )
و اما مكان الطواف فمكانه حول البيت لقوله تعالى و ليطوفوا بالبيت العتيق و الطواف بالبيت هو الطواف حوله فيجوز الطواف في المسجد الحرام قريبا من البيت أو بعيدا عنه بعد أن يكون في المسجد حتى لو طاف من وراء زمزم قريبا من حائط المسجد أجزأه لوجود الطواف بالبيت لحصوله حول البيت و لو طاف حول المسجد و بينه و بين البيت حيطان المسجد لم يجز لان حيطان المسجد حاجزة فلم يطف بالبيت لعدم الطواف حوله بل طاف بالمسجد لوجود الطواف حوله لا حول البيت و لانه لو جاز الطواف حول المسجد مع حيلولة حيطان المسجد لجاز حول مكة و الحرم و ذا لا يجوز كذا هذا و يطوف من خارج الحطيم لان الحطيم من البيت على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم فانه روى عن عائشة رضى الله عنها ان النبي صلى الله عليه و سلم قال لها ان قومك قصرت بهم النفقة فقصروا البيت عن قواعد إبراهيم عليه الصلاة و السلام و ان الحطيم من البيت و لو لا حدثان عهدهم بالجاهلية لرددته إلى قواعد إبراهيم و لجعلت له بابين بابا شرقيا و بابا غربيا و روى ان رجلا نذر أن يصلى في البيت ركعتين فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يصلى في الحطيم ركعتين و روى أن عائشة رضى الله عنها نذرت بذلك فامرها النبي صلى الله عليه و سلم أن تصلى في الحطيم ركعتين فان قيل إذا كان الحطيم من البيت فلم لا يجوز التوجه اليه في الصلاة فالجواب ان كون الحطيم من البيت ثبت بخبر الواحد و وجوب التوجه إلى البيت ثبت بنص الكتاب العزيز و هو قوله تعالى و حيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره و لا يجوز ترك العمل بنص الكتاب بالآحاد و ليس في الطواف من وراء الحطيم عملا بخبر الواحد ترك العمل بنص الكتاب العزيز و هو قوله تعالى و ليطوفوا
فصل وأما مقداره
فصل وأما زمان هذا الطواف
بالبيت العتيق بل فيه عمل بهما جميعا و لو طاف في داخل الحجر فعليه أن يعيد لان الحطيم لما كان من البيت فإذا طاف في داخل الحطيم فقد ترك الطواف ببعض البيت و المفروض هو الطواف بكل البيت لقوله تعالى و ليطوفوا بالبيت العتيق و الافضل ان يعيد الطواف كله مراعاة للترتيب فان أعاد على الحجر خاصة أجزأه لان المتروك هو لا و قد استدركه و لو لم يعد حتى عاد إلى أهله يجب عليه الدم لان الحطيم ربع البيت فقد ترك من طوافه ربعه ( فصل )
و اما زمان هذا الطواف و هو وقته فأوله حين يطلع الفجر الثاني من يوم النحر بلا خلاف بين أصحابنا حتى لا يجوز قبله و قال الشافعي أول وقته منتصف ليلة النحر و هذا سديد لان ليلة النحر وقت ركن آخر و هو الوقوف بعرفة فلا يكون وقتا للطواف لان الوقت الواحد لا يكون وقتا لركنين و ليس لآخره زمان معين موقت به فرضا بل جميع الايام و الليالي وقته فرضا بلا خلاف بين أصحابنا لكنه موقت بأيام النحر وجوبا في قول أبى حنيفة حتى لو أخره عنها فعليه دم عنده و فى قول أبى يوسف و محمد موقت أصلا و لو أخره عن أيام النحر لا شيء عليه و به أخذ الشافعي و احتجوا بما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عمن ذبح قبل أن يرمى فقال ارم و لا حرج و ما سئل يومئذ عن أفعال الحج قدم شيء منها أو أخر الا قال افعل و لا حرج فهذا ينفى توقيت آخره و ينفى وجوب الدم بالتأخير و لانه لو توقت آخره لسقط بمضي آخره كالوقوف بعرفة فلما لم يسقط دل أنه لم يتوقت و لابي حنيفة أن التأخير بمنزلة الترك في حق وجوب الجابر بدليل أن من جاوز الميقات بغير إحرام ثم أحرم يلزمه دم و لو لم يوجد منه الا تأخير النسك و كذا تأخير الواجب في باب الصلاة بمنزلة الترك في حق وجوب الجابر و هو سجدتا السهو فكان الفقة في ذلك أن اداء الواجب كما هو واجب فمراعاة محل الواجب واجب فكان التأخير تركا للمراعاة الواجبة و هي مراعاته في محله و الترك تركا لواجبين أحدهما اداء الواجب في نفسه و الثاني مراعاته في محله فإذا ترك هذا الواجب يجب جبره بالدم و إذا توقت هذا الطواف بأيام النحر وجوبا عنده فإذا أخره عنها فقد ترك الواجب فأوجب ذلك نقصانا فيه فيجب جبره بالدم و لما لم يتوقت عندهما ففى أى وقت فعله فقد فعله في وقته فلا يتمكن فيه نقص فلا يلزمه شيء و لا حجة لهما في الحديث لان فيه نفى الحرج و هو نفى الاثم و انتفاء الاثم لا ينفى وجوب الكفارة كما لو حلق رأسه لاذى فيه أنه لا يأثم و عليه الدم كذا ههنا و قولهما انه لا يسقط بمضي آخر الوقت مسلم لكن هذا لا يمنع كونه موقتا و واجبا في الوقت كالصلوات المكتوبات انها لا تسقط بخروج أوقاتها و ان كانت موقتة حتى تقضى كذا هذا و الافضل هو الطواف في أول أيام النحر لقوله صلى الله عليه و سلم أيام النحر ثلاثة أولها أفضلها و قد روى أنه صلى الله عليه و سلم طاف في أول أيام النحر و معلوم انه كان يأتى بالعبادات في أفضل أوقاتها و لان هذا الطواف يقع به تمام التحلل و هو التحلل من النساء فكان في تعجيله صيانة نفسه عن الوقوع في الجماع و لزوم البدنة فكان أولى ( فصل )
و أما مقداره فالمقدار المفروض منه هو أكثر الاشواط و هو ثلاثة أشواط و أكثر الشوط الرابع فأما الاكمال فواجب و ليس بفرض حتى لو جامع بعد الاتيان بأكثر الطواف قبل الاتمام لا يلزمه البدنة و انما تلزمه الشاة و هذا عندنا و قال الشافعي الفرض هو سبعة أشواط لا يتحلل بما دونها وجه قوله أن مقادير العبادات لا تعرف بالرأي و الاجتهاد و انما تعرف بالتوقيف و رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف سبعة أشواط فلا يعتد بما دونها و لنا قوله تعالى و ليطوفوا بالبيت العتيق و الامر المطلق لا يقتضى التكرار الا أن الزيادة على المرة الواحدة إلى أكثر الاشواط ثبت بدليل آخر و هو الاجماع و لا إجماع في الزيادة على أكثر الاشواط و لانه أتى بأكثر الطواف و الاكثر يقوم مقام الكل فيما يقع به التحلل في باب الحج كالذبح إذا لم يستوف قطع العروق الاربعة و انما كان المفروض هذا القدر فإذا أتى به فقد أتى بالقدر المفروض فيقع به التحلل فلا يلزمه البدنة بالجماع بعد ذلك لان ما زاد عليه إلى تمام السبعة فهو واجب و ليس بفرض فيجب بتركه الشاة دون البدنة كرمى الجمار و الله تعالى أعلم
( فصل )
و أما حكمه إذا فات عن أيام النحر فهو أنه لا يسقط بل يجب أن يأتى به لان سائر الاوقات وقته بخلاف الوقوف بعرفة انه إذا فات عن وقته يسقط لانه موقت بوقت مخصوص ثم ان كان بمكة يأتى به بإحرامه الاول لانه قائم اذ التحلل بالطواف و لم يوجد و عليه لتأخيره عن أيام النحر دم عند أبى حنيفة و ان كان رجع إلى أهله فعليه أن يرجع إلى مكة بإحرامه الاول و لا يحتاج إلى إحرام جديد و هو محرم عن النساء إلى أن يعود فيطوف و عليه للتأخير دم عند أبى حنيفة و لا يجزئ عن هذا الطواف بدنة لانه ركن و أركان الحج لا يجزئ عنها البدل و لا يقوم غيرها مقامها بل يجب الاتيان بعينها كالوقوف بعرفة و كذا لو كان طاف ثلاثة أشواط فهو و الذى لم يطف سواء لان الاقل لا يقوم مقام الكل و ان كان طاف جنبا أو على وضوء أو طاف أربعة أشواط ثم رجع إلى أهله أما إذا طاف جنبا فعليه أن يعود إلى مكة لا محالة هو العزيمة و باحرام جديد حتى يعيد الطواف أما وجوب العود بطريق العزيمة فلتفاحش النقصان بالجنابة فيؤمر بالعود كما لو ترك أكثر الاشواط و أما تجديد الاحرام فلانه حصل التحلل بالطواف مع الجنابة على أصل أصحابنا و الطهارة عن الحدث و الجنابة ليست بشرط لجواز الطواف فإذا حصل التحلل صار حلالا و الحلال لا يجوز له دخول مكة بغير إحرام فان لم يعد إلى مكة لكنه بعث بدنة جاز لما ذكرنا أن البدنة تجبر النقص بالجنابة لان العزيمة هو العود لان النقصان فاحش فكان العود أجبر له لانه جبر بالجنس و أما إذا طاف محدثا أو طاف أربعة أشواط فان عاد و طاف جاز لانه جبر النقص بجنسه و ان بعث شاة جاز أيضا لان النقص يسير فينجبر بالشاة و الافضل أن يبعث بالشاة لان الشاة تجبر النقص و تنفع الفقراء و تدفع عنه مشقة الرجوع و ان كان بمكة فالرجوع أفضل لانه جبر الشيء بجنسه فكان أولى و الله تعالى أعلم ( فصل )
و أما واجبات الحج فخمسة السعي بين الصفا و المروة و الوقوف بمزدلفة و رمى الجمار و الحلق أو التقصير و طواف الصدر أما لسعى فالكلام فيه يقع في مواضع في بيان صفته و فى بيان قدره و فى بين ركنه و فى بيان شرائط جوازه و فى بيان سننه و فى بيان وقته و فى بيان حكمه إذا تأخر عن وقته أما الاول فقد قال أصحابنا انه واجب و قال الشافعي انه فرض حتى لو ترك الحاج خطوة منه و أتى أقصى بلاد المسلمين يؤمر بأن يعود الي ذلك الموضع فيضع قدمه عليه و يخطو تلك الخطوة و قال بعض الناس ليس بفرض و لا واجب و احتج هؤلاء بقوله عز و جل فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما و كلمة لا جناح لا تستعمل في الفرائض و الواجبات و يدل عليه قراءة أبى فلا جناج عليه أن لا يطوف بهما و احتج الشافعي بما روى عن صفية بنت فلان انها سمعت إمرأة سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال ان الله تعالى كتب عليكم السعي بين الصفا و المروة أى فرض عليكم اذ الكتابة عبارة عن الفرض كما في قوله تعالى كتب عليكم الصيام و كتب عليكم القصاص و غير ذلك و لنا قوله عز و جل و لله على الناس حج البيت و حج البيت هو زيارة البيت لما ذكرنا فيما تقدم فظاهره يقتضى أن يكون طواف الزيارة هو الركن لا الا أنه زيد عليه الوقوف بعرفة بدليل فمن ادعى زيادة السعي فعليه الدليل و قول النبي صلى الله عليه و سلم الحج عرفة فظاهره يقتضى أن يكون الوقوف بعرفة كل الركن الا أنه زيد عليه طواف الزيارة فمن ادعى زيادة السعي فعليه الدليل و عن عائشة رضى الله عنها انها قالت ماتم حج امرئ قط الا بالسعى و فيه اشارة إلى أنه واجب و ليس بفرض لانها وصفت الحج بدونه بالنقصان لا بالفساد و فوت الواجب هو الذي يوجب النقصان فأما فوت الفرض فيوجب الفساد و البطلان و لان الفرضية انما ثبتت بدليل مقطوع به و لا يوجد ذلك في محل الاجتهاد إذا كان الخلاف بين أهل الديانة و أما الآية فليس المراد منها رفع الجناح على الطواف بهما مطلقا بل على الطواف بهما لمكان الاصنام التي كانت هنالك لما قيل انه كان بالصفا صنم و بالمروة صنم و قيل كان بين الصفا و المروة أصنام فتحرجوا عن الصعود عليهما و السعي بينهما احترازا عن التشبه بعبادة الاصنام و التشبه بأفعال الجاهلية فرفع الله عنهم الجناح بالطواف بهما أو بينهما مع كون الاصنام هنالك و أما قراءة أبى رضى الله عنه فيحتمل أن تكون لا صلة زائدة معناه لا جناح عليه أن يطوف بينهما لان لا قد
فصل وأما شرائط جوازه
فصل وأما ركنه
فصل وأما قدره فسبعة أشواط
تزاد في الكلام صلة كقوله تعالى ما منعك أن لا تسجد اذ أمرتك معناه أن تسجد فكان كالقراءة المشهورة في المعنى و أما الحديث فلا يصح تعلق الشافعي به على زعمه لانه قال روت صفية بنت فلان فكانت مجهولة لا ندرى من هى و العجب منه أنه يأبى مرة قبول المراسيل لتوهم الغلط و يحتج بقول إمرأة لا تعرف و لا يذكر اسمها على أنه ان ثبت فلا حجة له فيه لان الكنية قد تذكر و يراد بها الحكم قال الله تعالى و أولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله أى في حكم الله و قال عز و جل كتب الله عليكم أى حكم الله عليكم فان أريد بها الاول تكون حجة و ان أريد بها الثاني لا تكون حجة لان حكم الله تعالي لا يقتصر على الفرضية بل الوجوب و الانتداب و الاباحة من حكم الله تعالى فلا يكون حجة مع الاحتمال أو نحملها على الوجوب دون الفرضية توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض و إذا كان واجبا فان تركه لعذر فلا شيء عليه و ان تركه لغير عذر لزمه دم لان هذا حكم ترك الواجب في هذا الباب أصله طواف الصدر وأصل ذلك ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من حج هذا البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطواف و رخص للحائض بخلاف الاركان فانها لا تسقط بالعذر لان ركن الشيء ذاته فإذا لم يأت به فلم يوجد الشيء أصلا كاركان الصلاة بخلاف الواجب و لو ترك أربعة أشواط بغير عذر فعليه دم و الاصل أن كل ما وجب في جميعه دم يجب في أكثره دم أصله طواف الصدر و رمى الجمار و لو ترك ثلاثة أشواط أطعم لكل شوط نصف صاع من بر مسكينا الا أن يبلغه ذلك دما فله الخيار و الاصل في ذلك أن كل ما يكون في جميعه دم يكون في أقله صدقة لما نذكر ان شاء الله تعالى و لو ترك الصعود على الصفا و المروة يكره له ذلك و لا شيء عليه لان الصعود عليهما سنة فيكره تركه و لكن لو ترك لا شيء عليه كما لو ترك الرمل في الطواف ( فصل )
و أما قدره فسبعة أشواط لاجماع الامة و لفعل رسول الله صلى الله عليه و سلم و يعد من الصفا إلى المروة شوطا و من المروة إلى الصفا شوطا آخر كذا ذكر في الاصل و قال الطحاوي من الصفا إلى المروة و من المروة إلى الصفا شوط واحد و الصحيح ما ذكر في الاصل لما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم طاف بينهما سبعة أشواط و لو كان كما ما ذكره الطحاوي لكان أربعة عشر شوطا و الدليل على أن المذهب ما قلنا أن محمدا رحمه الله ذكر في الاصل فقال يبتدئ بالصفا و يختم بالمروة و على ما ذكره الطحاوي يقع الختم بالصفا لا بالمروة فدل أن مذهب أصحابنا ما ذكرنا ( فصل )
و أما ركنه فيكنونته بين الصفا و المروة سواء كان بفعل نفسه أو بفعل غيره عند عجزه عن السعي بنفسه بأن كان مغمى عليه أو مريضا فسعى به محمولا أو سعى راكبا لحصوله كائنا بين الصفا و المروة و ان كان قادرا على المشي بنفسه فحمل أو ركب يلزمه الدم لان السعي بنفسه عند القدرة على المشي واجب فإذا تركه فقد ترك الواجب من عذر فيلزمه الدم كما لو ترك المشي في الطواف من عذر ( فصل )
و أما شرائط جوازه فمنها أن يكون بعد الطواف أو بعد أكثره لان النبي صلى الله عليه و سلم هكذا فعل و قد قال صلى الله عليه و سلم خذوا عني مناسككم و لان السعي تبع للطواف و تبع الشيء كاسمه و هو ان يتبعه فيما تقدمه لا يتبعه فلا يكون تبعا له الا انه يجوز بعد وجود أكثر الطواف قبل تمامه لان للاكثر حكم الكل و منها البداية بالصفا و الختم بالمروة في الرواية المشهورة حتى لو بدأ بالمروة ختم بالصفا لزمه اعادة شوط واحد و روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالي ان ذلك ليس بشرط و لا شيء عليه لو بدأ بالمروة وجه هذه الرواية انه أتى بأصل السعي و انما ترك الترتيب فلا تلزمه الاعادة كما لو توضأ في باب الصلاة و ترك الترتيب ( و لنا )
ان الترتيب ههنا مأمور به لقول النبي صلى الله عليه و سلم و فعله أما قوله فلما روى انه لما نزل قوله عز و جل ان الصفا و المروة من شعائر الله قالوا بأيهما نبدأ يا رسول الله فقال صلى الله عليه و سلم ابدؤا بما بدأ الله به و أما فعله صلى الله عليه و سلم فانه بدأ بالصفا و ختم بالمروة و أفعال النبي صلى الله عليه و سلم في مثل هذا موجبة لما تبين و إذا لزمت البداية بالصفا فإذا بدأ بالمروة إلى الصفا لا يعتد بذلك الشوط فإذا جاء من الصفا إلى المروة كان هذا أول شوط
فصل وأما الوقوف بمزدلفة
فصل وأما بيان حكمه اذا تأخر
فصل وأما وقته فوقته الاصلى
فصل وأما سننه
فيجب عليه أن يعود بعد ستة من الصفا إلى المروة حتى يتم سبعة و أما الطهارة عن الجنابة و الحيض فليست بشرط فيجوز سعى الجنب و الحائض بعد ان كان طوافه بالبيت على الطهارة عن الجنابة و الحيض لان هذا نسك متعلق بالبيت فلا تشترط له الطهارة عن الجنابة و الحيض كالوقوف الا انه يشترط أن يكون الطواف على الطهارة عن الجنابة و الحيض لان السعي مرتب عليه و من توابعه و الطواف مع الجنابة و الحيض لا يعتد به حتى تجب إعادته فكذا السعي الذي هو من توابعه و مرتب عليه فإذا كان طوافه على الطهارة عن الحدثين فقد وجد شرط جوازه فجاز و جاز سعى الجنب و الحائض تبعا له لوجود شرط جواز الاصل اذ التبع لا يفرد بالشرط بل يكفيه شرط الاصل فصار الحاصل ان حصول الطواف على الطهارة عن الجنابة و الحيض من شرائط جواز السعي فان كان طاهرا وقت الطواف جاز السعي سواء كان طاهرا وقت السعي أو لا و ان لم يكن طاهرا وقت الطواف لم يجز سعيه رأسا سواء كان طاهرا أو لم يكن و الله أعلم ( فصل )
و أما سننه فالرمل في بعض كل شوط و السعي في البعض و سنذكرها في بيان سنن الحج لانها من السنن لا من الواجبات حتى لو رمل في الكل أو سعى في الكل لا شيء عليه لكنه يكون مسيأ لتركه السنة و الله أعلم ( فصل )
و أما وقته فوقته الاصلى يوم النحر بعد طواف الزيارة لا بعد طواف اللقاء لان ذلك سنة و السعي واجب فلا ينبغى أن يجعل الواجب تبعا للسنة فأما طواف الزيارة ففرض و الواجب يجوز أن يجعل تبعا للفرض الا انه رخص السعي بعد طواف اللقاء و جعل ذلك وقتا له ترفيها بالحاج و تيسيرا له لازدحام الاشتغال له يوم النحر فأما وقته الاصلى فيوم النحر عقيب طواف الزيارة لما قلنا و الله أعلم ( فصل )
و أما بيان حكمه إذا تأخر عن وقته الاصلى و هي أيام النحر بعد طواف الزيارة فان كان لم يرجع إلى أهله فانه يسعى و لا شيء عليه لانه أتى بما وجب عليه و لا يلزمه بالتأخير شيء لانه فعله في وقته الاصلى و هو ما بعد طواف الزيارة و لا يضره ان كان قد جامع لوقوع التحلل بطواف الزيارة اذ السعي ليس بركن حتى يمنع التحلل و إذا صار حلالا بالطواف فلا فرق بين أن يسعى قبل الجماع أو بعده انه لو كان بمكة يسعى و لا شيء عليه لما قلنا و ان كان رجع إلى أهله فعليه دم لتركه السعي بغير عذر و ان أراد أن يعود إلى مكة يعود بإحرام جديد لان إحرامه الاول قد ارتفع بطوف الزيارة لوقوع التحلل به فيحتاج إلى تجديد الاحرام و إذا عاد وسعى يسقط عنه الدم لانه تدارك الترك و ذكر في الاصل و قال و الدم أحب إلى من الرجوع لان فيه منفعة للفقراء و النقصان ليس بفاحش فصار كما إذا طاف محدثا ثم رجع إلى أهله على ما ذكرنا فيما تقدم و الله أعلم ( فصل )
و أما الوقوف بمزدلفة فالكلام فيه يقع في مواضع في بيان صفته و ركنه و مكانه و زمانه و حكمه إذا فات عن وقته أما الاول فقد اختلف فيه أصحابنا قال بعضهم انه واجب و قال الليث انه فرض و هو قول الشافعي و احتجا بقوله تعالى فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام و المشعر الحرام هو المزدلفة و الامر بالذكر عندها يدل على فرضية الوقوف بها ( و لنا )
ان الفرضية لا تثبت الا بدليل مقطوع به و لم يوجد لان المسألة اجتهادية بين أهل الديانة و أهل الديانة لا يختلفون في موضع هناك دليل قطعى و دليل الوجوب ما روى عن عروة بن المضرس الطائي جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم و قال أتعبت مطيتي فما مررت بشرف الا علوته فهل لي من حج و فى بعض الروايات قال أتعبت راحلتي و أجهدت نفسى و ما تركت جبلا من جبال طى الا وقفت عليه فهل لي من حج فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من وقف معنا هذا الوقوف وصلى معنا هذه الصلاة و قد كان وقف قبل ذلك بعرفة ساعة بليل أو نهار فقد تم حجه فقد علق تمام الحج بهذا الوقوف و الواجب هو الذي يتعلق التمام بوجوده لا الفرض لان المتعلق به أصل الجواز لا صفة التمام و قال النبي صلى الله عليه و سلم الحج عرفة من أدرك عرفة فقد أدرك الحج جعل الوقوف بعرفة كل الحج و ظاهره يقتضى أن يكون كل الركن و كذا جعل مدرك عرفة مدركا للحج و لو كان الوقوف بمزدلفة ركنا لم يكن الوقوف بعرفة كل الحج بل بعضه و لم يكن أيضا مدركا
فصل وأما رمى الجمار
فصل وأما حكم فواته عن وقته
فصل وأما زمانه فما بين طلوع الفجر من يوم النحر وطلوع الشمس
فصل وأما مكانه فجزء من أجزاء مزدلفة
فصل وأما ركنه فكينونته بمزدلفة
للحج بدونه و هذا خلاف الحديث و ظاهر الحديث يقتضى أن يكون الركن هو الوقوف بعرفة لا الا أن طواف الزيارة عرف ركنا بدليل آخر و هو ما ذكرنا فيما تقدم و لان ترك الوقوف بمزدلفة جائز لعذر على ما نبين و لو كان فرضا لما جاز تركه أصلا كسائر الفرائض فدل انه ليس بفرض بل هو واجب الا انه قد يسقط وجوبه لعذر من ضعف أو مرض أو حيض أو نحو ذلك حتى لو تعجل و لم يقف لا شيء عليه و أما الآية فقد قيل في تأويلها ان المراد من الذكر هو صلاة المغرب و العشاء بمزدلفة و قيل هو الدعاء و فرضيتها لا تقتضي فرضية الوقوف على ان مطلق الامر للوجوب لا للفرضية بل الفرضية ثبتت بدليل زائد و الله أعلم ( فصل )
و أما ركنه فكينونته بمزدلفة سواء كان بفعل نفسه أو بفعل غيره بأن كان محمولا و هو نائم أو مغمى عليه أو كان على دابة لحصوله كائنا بها سواء علم بها أو لم يعلم لما قلنا و لان الفائت ليس الا النية و انها ليست بشرط كما في الوقوف بعرفة و سواء وقف أو مر مارا لحصوله كائنا بمزدلفة و ان قل و لا تشترط له الطهارة عن الجنابة و الحيض لانه عبادة لا تتعلق بالبيت فتصح من طهارة كالوقوف بعرفة و رمى الجمار و الله أعلم ( فصل )
و أما مكانه فجزء من أجزاء مزدلفة أى جزء كان و له أن ينزل في أى موضع شاء منها الا انه لا ينبغى أن ينزل في وادي محسر لقول النبي صلى الله عليه و سلم عرفات كلها موقف الا بطن عرنة و مزدلفة كلها موقف الا وادي محسر و روى انه قال مزدلفة كلها موقف و ارتفعوا عن المحسر فيكره النزول فيه و لو وقف به أجزأه مع الكراهة و الافضل أن يكون وقوفه خلف الامام على الجبل الذي يقف عليه الامام و هو الجبل الذي يقال له قزح لانه روى انه صلى الله عليه و سلم وقف عليه و قال خذوا عني مناسككم و لانه يكون أقرب إلى الامام فيكون أفضل و الله أعلم ( فصل )
و أما زمانه فما بين طلوع الفجر من يوم النحر و طلوع الشمس فمن حصل بمزدلفة في هذا الوقت فقد أدرك الوقوف سواء بات بها أو لا و من لم يحصل بها فيه فقد فاته الوقوف و هذا عندنا و قال الشافعي يجوز في النصف الاخير من ليلة النحر كما قال في الوقوف بعرفة و فى جمرة العقبة و السنة أن يبيت ليلة النحر بمزدلفة و البيتوتة ليست بواجبة انما الواجب هو الوقوف و الافضل أن يكن وقوفه بعد الصلاة فيصلى صلاة الفجر بغلس ثم يقف عند المشعر الحرام فيدعو الله تعالى و يسأله حوائجه إلى أن يسفر ثم يفيض منها قبل طلوع الشمس إلى منى و لو أفاض بعد طلوع الفجر قبل صلاة الفجر فقد أساء و لا شيء عليه لتركه السنة و الله أعلم ( فصل )
و أما حكم فواته عن وقته انه ان كان لعذر فلا شيء عليه لما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قدم ضعفة أهله و لم يأمرهم بالكفارة و ان كان فواته لغير عذر فعليه دم لانه ترك الواجب من عذر و انه يوجب الكفارة و الله عز و جل أعلم ( فصل )
و أما رمى الجمار فالكلام فيه في مواضع في بيان وجوب الرمى و فى تفسير الرمى و فى بيان وقته و فى بيان مكانه و فى بيان عدد الجمار و قدرها و جنسها و مأخذها و مقدار ما يرمى كل يوم عند كل موضع و كيفية الرمى و ما يسن في ذلك و يستحب و ما يكره و فى بيان حكمه إذا تأخر عن وقته أو فات عن وقته ( أما )
الاول فدليل وجوبه الاجماع و قول رسول الله صلى الله عليه و سلم و فعله أما الاجماع فلان الامة أجمعت على وجوبه و أما قول رسول الله صلى الله عليه و سلم فما روى ان رجلا سأله و قال انى ذبحت ثم رميت فقال صلى الله عليه و سلم ارم و لا حرج و ظاهر الامر يقتضى وجوب العمل و أما فعله فلانه صلى الله عليه و سلم رمى و أفعال النبي صلى الله عليه و سلم فيما لم يكن بيانا لمجمل الكتاب و لم يكن من حوائج نفسه و لا من أمور الدنيا محمول على الوجوب لورود النصوص بوجوب الاقتداء به و الاتباع له و لزوم طاعته و حرمة مخالفته فكانت أفعاله فيما قلنا محمولة على الوجوب لكن عملا لا اعتقادا على طريق التعيين لاحتمال الخصوص كما في بعض الواجبات نحو صلاة الليل و بعض المباحات و هو حل تسع نسوة أو زيادة عليها فاعتقاد الوجوب منها عينا يؤدى إلى اعتقاد الواجب واجبا في حقه و غير
فصل وأما وقت الرمى من اليوم الاولى والثانى
فصل وأما وقت الرمى فايام الرمى أربعة
فصل وأما تفسير رمى الجمار
المباح مباحا في حقه و هذا لا يجوز فاما القول بالوجوب عملا مع الاعتقاد مبهما ان ما أراد الله تعالى به فهو حق مما لا ضرر فيه لانه ان كان واجبا يخرج عن العهدة بفعله و ان لم يكن واجبا يثاب على فعله فكان ما قلناه احترازا عن الضرر بقدر الامكان و انه واجب عقلا و شرعا و الله أعلم ( فصل )
و أما تفسير رمى الجمار فرمى الجمار في اللغة هو القدف بالاحجار الصغار و هي الحصى اذ الجمار جمع جمرة و الجمرة هى الحجر الصغير و هي الحصاة و فى عرف الشرع هو القدف بالحصى في زمان مخصوص و مكان مخصوص و عدد مخصوص على ما نبين ان شاء الله تعالى و على هذا يخرج ما إذا قام عند الجمرة و وضع الحصاة عندها وضعا انه لم يجزه لعدم الرمى و هو القذف و ان طرحها طرحا أجزأه لوجود الرمى الا انه رمى خفيف فيجزئه و سواء رمى بنفسه أو بغيره عند عجزه عن الرمى بنفسه كالمريض الذي لا يستطيع الرمى فوضع الحصى في كفه فرمى بها أو رمى عنه غيره لان أفعال الحج تجري فيها النيابة كالطواف و الوقوف بعرفة و مزدلفة و الله أعلم ( فصل )
و أما وقت الرمى فايام الرمى أربعة يوم النحر و ثلاثة أيام التشريق أما يوم النحر فاول وقت الرمى منه ما بعد طلوع الفجر الثاني من يوم النحر فلا يجوز قبل طلوعه و أول وقته المستحب ما بعد طلوع الشمس قبل الزوال و هذا عندنا و قال الشافعي إذا انتصف ليلة النحر دخل وقت الجمار كما قال في الوقوف بعرفة و مزدلفة فإذا طلعت الشمس وجب و قال سفيان الثورى لا يجوز قبل طلوع الشمس و الصحيح قولنا لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قدم ضعفة أهله ليلة المزدلفة و قال صلى الله عليه و سلم لا ترموا جمرة العقبة حتى تكونوا مصبحين نهى عن الرمى قبل الصبح و روى ان النبي صلى الله عليه و سلم كان يلج أفخاذ أغيلمة بني عبد المطلب و كان يقول لهم لا ترموا جمرة العقبة حتى تكونوا مصبحين فان قيل قد روى أنه قال لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس و هذا حجة سفيان فالجواب ان ذلك محمول على بيان الوقت المستحب توفيقا بين الروايتين بقدر الامكان و به نقول ان المستحب ذلك و أما آخره فآخر النهار كذا قال أبو حنيفة ان وقت الرمى يوم النحر يمتد الي غروب الشمس و قال أبو يوسف يمتد إلى وقت الزوال فإذا زالت الشمس يفوت الوقت و يكون فيما بعده قضأ وجه قول أبى يوسف أن أوقات العبادة لا تعرف الا بالتوقيف و التوقيف ورد بالرمي في يوم النحر قبل الزوال فلا يكون ما بعده وقتا له أداء كما في سائر أيام النحر لانه لما جعل وقته فيها بعد الزوال لم يكن قبل الزوال وقتا له و لابي حنيفة الاعتبار بسائر الايام و هو ان في سائر الايام ما بعد الزوال إلى غروب الشمس وقت الرمى فكذا في هذا اليوم لان هذا اليوم انما يفارق سائر الايام في ابتداء الرمى لا في انتهائه فكان مثل سائر الايام في الانتهاء فكان آخره وقت الرمى كسائر الايام فان لم يرم حتى غربت الشمس فيرمى قبل طلوع الفجر من اليوم الثاني أجزأه و لا شيء عليه في قول أصحابنا و للشافعي فيه قولان في قول إذا غربت الشمس فقد فات الوقت و عليه الفدية و فى قول لا يفوت الا في آخر أيام التشريق و الصحيح قولنا لما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أذن للرعاء أن يرموا بالليل و لا يقال انه رخص لهم ذلك لعذر لانا نقول ما كان لهم عذر لانه كان يمكنهم أن يستنيب بعضهم بعضا فيأتى بالنهار فيرمى فثبت ان الاباحة كانت لعذر فيدل على الجواز مطلقا فلا يجب الدم فان أخر الرمى حتى طلع الفجر من اليوم الثاني رمى و عليه دم للتأخير في قول أبى حنيفة و فى قول أبى يوسف و محمد لا شيء عليه و الكلام فيه يرجع الي ان الرمى مؤقت عنده و عندهما ليس بمؤقت و هو قول الشافعي و هو على الاختلاف الذي ذكرنا في طواف الزيارة في أيام النحر انه مؤقت بها وجوبا عنده حتى الدم بالتأخير عنها و عندهم ليس بمؤقت أصلا فلا يجب بالتأخير شيء و الحجج من الجانبين و جواب أبى حنيفة عن تعلقهما بالخبر و المعنى ما ذكرنا في الطواف و الله أعلم ( فصل )
و أما وقت الرمى من اليوم الاول و الثاني من أيام التشريق و هو اليوم الثاني و الثالث من أيام الرمى فبعد الزوال حتى لا يجوز الرمى فيهما قبل الزوال في الرواية المشهورة عن أبى حنيفة و روى عن أبى حنيفة ان الافضل أن يرمى في اليوم الثاني و الثالث بعد الزوال فان رمى قبله جاز وجه هذه الرواية ان قبل الزوال وقت
فصل وأبيان حكمه اذا تأخر عن وقته
فصل وأما الكلام في عدد الجمار وقدرها
فصل وأما مكان الرمى ففى يوم النحر
الرمى في يوم النحر فكذا في اليوم الثاني و الثالث لان الكل أيام النحر وجه الرواية المشهورة ما روى عن جابر رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم رمى الجمرة يوم النحر ضحى و رمى في بقية الايام بعد الزوال و هذا باب لا يعرف بالقياس بل بالتوقيف فان أخر الرمى فيهما إلى الليل فرمى قبل طلوع الفجر جاز و لا شيء عليه لان الليل وقت الرمى في أيام الرمى لما روينا من الحديث فإذا رمى في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال فاراد أن ينفر من منى إلى مكة و هو المراد من النفر الاول فله ذلك لقوله تعالى فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه أى من نفر إلى مكة بعد ما رمى يومين من أيام التشريق و ترك الرمى في اليوم الثالث فلا اثم عليه في تعجيله و الافضل أن لا يتعجل بل يتأخر إلى آخر أيام التشريق و هو اليوم الثالث منها فيستوفى الرمى في الايام كلها ثم ينفر و هو المعنى من النفر الثاني و ذلك معنى قوله تعالى و من تأخر فلا اثم عليه و فى ظاهر هذه الآية الشريفة اشكال من وجهين أحدهما انه ذكر قوله تعالى لا اثم عليه في المتعجل و المتأخر جميعا و هذا ان كان يستقيم في حق المتعجل لانه يترخص لا يستقيم في حق المتأخر لانه أخذ بالعزيمة و الافضل و الثاني انه قال تعالى في المتأخر فلا اثم عليه لمن اتقى قيده بالتقوى و هذا التقييد بالمتعجل أليق لانه اخذ بالرخصة و لم يذكر فيه هذا التقييد و الجواب عن الاشكال الاول ما روى عن ابن عباس رضى الله عنه انه قال في هذه الآية فمن تعجل في يومين غفر له و من تأخر غفر له و كذا روى عن ابن مسعود رضى الله عنه انه قال في قوله تعالى فلا اثم عليه رجع مغفورا له و أما قوله تعالى لمن اتقى فهو بيان أن ما سبق من وعد المغفرة للمتعجل و المتأخر بشرط التقوي ثم من أهل التأويل من صرف التقوي إلى الاتقاء عن قتل الصيد في الاحرام أى لمن اتقى قتل الصيد في حال الاحرام و صرف أيضا قوله تعالى و اتقوا الله أى فاتقوا الله و لا تستحلوا قتل الصيد في الاحرام و منهم من صرف التقوي إلى الاتقاء عن المعاصي كلها في الحج و فيما بقي من عمره و يحتمل أن يكون المراد منه التقوي عما حظر عليه الاحرام من الرفث و الفسوق و الجدال و غيرها و الله أعلم و انما يجوز له النفر في اليوم الثاني و الثالث ما لم يطلع الفجر من اليوم الثاني فإذا طلع الفجر لم يجز له النفر و أما وقت الرمى من اليوم الثالث من أيام التشريق و هو اليوم الرابع من أيام الرمى فالوقت المستحب له بعد الزوال و لو رمى قبل الزوال يجوز في قول أبى حنيفة و فى قول أبى يوسف و محمد لا يجوز و احتجا بما روى عن جابر رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه و سلم رمى الجمرة يوم النحر ضحى و رمى في بقية الايام بعد الزوال و أوقات المناسك لا تعرف قياسا فدل ان وقته بعد الزوال و لان هذا يوم من أيام الرمى فكان وقت الرمى فيه بعد الزوال كاليوم الثاني و الثالث من أيام التشريق و لابي حنيفة ما روى عن ابن عباس رضى الله عنه انه قال إذا افتتح النهار من آخر أيام التشريق جاز الرمى و الظاهر انه قاله سماعا من النبي صلى الله عليه و سلم اذ هو باب لا يدرك بالرأي و الاجتهاد فصار اليوم الاخير من أيام التشريق مخصوصا من حديث جابر رضى الله عنه بهذا الحديث أو يحمل فعله في اليوم الاخير على الاستحباب و لان له أن ينفر قبل الرمى و يترك الرمى في هذا اليوم رأسا فإذا جاز له ترك الرمى أصلا فلان يجوز له الرمى قبل الزوال أولى و الله أعلم ( فصل )
و أما مكان الرمى ففى يوم النحر عند جمرة العقبة و فى الايام الاخر عند ثلاثة مواضع عند الجمرة الاولى و الوسطى و العقبة و يعتبر في ذلك كله مكان وقوع الجمرة لا مكان الرمى حتى لو رماها من مكان بعيد فوقعت الحصاة عند الجمرة أجزأه و ان لم تقع عنده لم تجزها الا إذا وقعت بقرب منها لان ما يقرب من ذلك المكان كان في حكمه لكونه تبعا له و الله أعلم ( فصل )
و أما الكلام في عدد الجمار و قدرها و جنسها و مأخذها و مقدار ما يرمى كل يوم عند كل موضع و كيفية الرمى و ما يسن في ذلك و ما يستحب و ما يكره فيأتى ان شاء الله تعالي في بيان سنن أفعال الحج و الله أعلم ( فصل )
و أما بيان حكمه إذا تأخر عن وقته أو فات فنقول إذا ترك من جمار يوم النحر حصاة أو حصاتين أو ثلاثا إلى الغد فانه يرمى ما ترك أو يتصدق لكل حصاة نصف صاع من حنطة الا أن يبلغ قدر الطعام دما فينقص ما شاء و لا
يبلغ دما و الاصل ان ما يجب في جميعه دم يجب في أقله صدقة لما نذكر ان شاء الله تعالى و ههنا لو ترك جميع الرمى إلى الغد كان عليه دم عند أبى حنيفة فإذا ترك أقله تجب عليه الصدقة الا أن يبلغ دما لما نذكر و ان ترك الاكثر منها فعليه دم في قول أبى حنيفة لان في جميعه دم عنده فكذا في أكثره و عند أبى يوسف و محمد لا يجب في جميعه دم فكذا في أكثره فان ترك رمى أحد الجمار الثلاث من اليوم الثاني فعليه صدقة لانه ترك أقل وظيفة اليوم و هو رمى سبع حصيات فكان عليه صدقة إلى أن يصير المتروك أكثر من نصف الوظيفة لان وظيفة كل يوم ثلاث جمار فكان رمى جمرة منها أقلها و لو ترك الكل و هو الجمار الثلاث فيه للزمه عنده دم فيجب في أقلها الصدقة بخلاف اليوم الاول و هو يوم النحر إذا ترك الجمرة فيه و هو سبع حصيات انه يلزمه دم عنده لان سبع حصيات كل وظيفة اليوم الاول فكان تركه بمنزلة ترك كل وظيفة اليوم الثاني و الثالث و ذلك احد و عشرون حصاة و ترك ثلاث حصيات فيه بمنزلة ترك جمرة تامة من اليوم الثاني و الثالث و هي سبع حصيات فان ترك الرمى كله في سائر الايام إلى آخر أيام الرمى و هو اليوم الرابع فانه يرميها فيه على الترتيب و عليه دم عنده و عندهما لا دم عليه لما بينا ان الرمى مؤقت عنده و عندهما ليس بمؤقت ثم على قوله لا يلزمه الا دم واحد و ان كان ترك وظيفة يوم واحد بانفراده يوجب دما واحدا و مع ذلك لا يجب عليه لتأخير الكل الا دم واحد لان جنس الجناية واحد حظرها إحرام واحد من جهة متقومة فيكفيها دم واحد كما لو حلق المحرم ربع رأسه انه يجب عليه دم واحد و لو حلق جميع رأسه يلزمه دم واحد أيضا و كذا لو طيب عضوا واحدا أو طيب أعضاءه كلها أو لبس ثوبا واحدا أو لبس ثيابا كثيرة لا يلزمه في ذلك كله الا دم واحد كذا ههنا بخلاف ما إذا قتل صيودا انه يجب عليه لكل صيد جزاؤه على حدة لان الجهة هناك متقومة فان ترك الكل حتى غربت الشمس من آخر أيام التشريق و هو آخر أيام الرمى يسقط عنه الرمى و عليه دم واحد في قولهم جميعا أما سقوط الرمى فلان الرمى عبادة مؤقتة و الاصل في العبادات المؤقتة إذا فات وقتها ان تسقط و انما القضاء في بعض العبادات المؤقتة يجب بدليل مبتدا ثم انما وجب هناك لمعنى لا يوجد ههنا و هو ان القضاء صرف ماله إلى ما عليه فيستدعى ان يكون جنس الفائت مشروعا في وقت القضاء فيمكنه صرف ماله إلى ما عليه و هذا لا يوجد في الرمى لانه ليس في هذه الايام رمى مشروع على هيئة مخصوصة ليصرف ماله إلى ما عليه فتعذر القضاء فسقط ضرورة و نظير هذا إذا فاتته صلاة في أيام التشريق فقضاها في غيرها انه يقضيها بلا تكبير لانه ليس في وقت القضاء تكبير مشروع ليصرف ماله إلى ما عليه فسقط أصلا كذا هذا و أما وجوب الدم فلتركه الواجب عن وقته أما عند أبى حنيفة فظاهر لان رمى كل يوم مؤقت و عندهما ان لم يكن مؤقتا فهو مؤقت بأيام الرمى فقد ترك الواجب عن وقته فان ترك الترتيب في اليوم الثاني فبدأ بجمرة العقبة فرماها ثم بالوسطى ثم بالتي تلى المسجد ثم ذكر ذلك في يومه فانه ينبغى ان يعيد الوسطى و جمرة العقبة و ان لم يعد اجزأه و لا يعيد الجمرة الاولى أما اعادة الوسطى و جمرة العقبة فلتركه الترتيب فانه مسنون لان النبي صلى الله عليه و سلم رتب فإذا ترك المسنون تستحب الاعادة و لا يعيد الاولى لانه إذا أعاد الوسطى و العقبة صارت هى الاولى و ان لم يعد الوسطى و العقبة أجزأه لان الرميات مما يجوز ان ينفرد بعضها من بعض بدليل ان يوم النحر يرمى فيه جمرة العقبة و لا يرمى غيرها من الجمار و فيما جاز ان ينفرد البعض من البعض لا يشترط فيه الترتيب كالوضوء بخلاف ترتيب السعي على الطواف انه شرط لانه السعي لا يجوز ان ينفرد عن الطواف بحال فان رمى كل جمرة بثلاث حصيات ثم ذكر ذلك فانه يبدأ فيرمى الاولي بأربع حصيات حتى يتم ذلك لان رمى تلك الجمرة مرتب على غيره فيجب عليه ان يتم ذلك بأربع حصيات ثم يعيد الوسطى بسبع حصيات لان قدر ما فعل حصل قبل الاولى فيعيد مراعاة للترتيب الا ترى انه لو فعل الكل يعيد فإذا رمى الثلاث أولى أن يعيد و كذلك جمرة العقبة فان كان قد رمى كل واحدة بأربع حصيات فانه يرمى كل واحدة بثلاث لان الاربع أكثر الرمى فيقوم مقام الكل فصار كانه رتب الثاني
على رمى كامل و كذا الثالث و ان استقبل رميها فهو أفضل ليكون الرمى في الثلاث البواقى على الوجه المسنون و هو الترتيب و لو نقص حصاة لا يدرى من أيتهن نقصها أعاد على كل واحدة منهن حصاة إسقاطا للواجب عن نفسه بيقين كمن ترك صلاة واحدة من الصلوات الخمس لا يدرى أيتها هى أنه يعيد خمس صلوات ليخرج عن العهدة بيقين كذا هذا و الله أعلم ( فصل )
و أما الحلق أو التقصير فالكلام فيه يقع في وجوبه و فى بيان مقدار الواجب و فى بيان زمانه و مكانه و فى بيان حكمه إذا وجد و فى بيان حكم تأخره عن وقته و فعله في مكانه اما الاول فالحلق أو التقصير واجب عندنا إذا كان على رأسه شعر لا يتحلل بدونه و عند الشافعي ليس بواجب و يتحلل من الحج بالرمي و من العمرة بالسعى احتج بما روى عن ابن عمر رضى الله عنه ان عمر رضى الله عنه خطب سفية و علمهم أمر الحج فقال لهم إذا جئتم منى فمن رمى الجمرة فقد حل له ما حرم على الحاج الا النساء و الطيب حتى يطوف بالبيت و لنا قوله تعالى ثم ليقضوا تفثهم و روى عن ابن عمر رضى الله عنه ان التفث حلاق الشعر و لبس الثياب و ما يتبع ذلك و هو قول أهل التأويل انه حلق الرأس وقص الاظافير و الشارب و لان التفث في اللغة الوسخ يقال إمرأة تفثة إذا كانت خبيثة الرائحة و قوله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم و مقصرين قيل في بعض وجوه التأويل ان قوله لتدخلن خبر بصيغته و معناه الامر أى أدخلوا المسجد الحرام ان شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم و مقصرين فيقتضى وجوب الدخول بصفة الحلق أو التقصير لان مطلق الامر لوجوب العمل و الاستثناء على هذا التأويل يرجع إلى قوله آمنين أى ان شاء الله ان تأمنوا تدخلوا و ان شاء لا تأمنوا لا تدخلونه و ان كانت الآية على الاخبار و الوعد على ما يقتضيه ظاهر الصيغة فلا بد و ان يكون المخبر به على ما أخبر و هو دخولهم محلقين و مقصرين و ذلك متعلق باختيارهم و قد يوجد و قد لا يوجد فلا بد من الدخول ليكون الوجوب حاملا لهم على التحصيل فيوجد المخبر به ظاهرا و غالبا فالاستثناء على هذا التأويل يكون على طريق التيمن و التبرك بإسم الله تعالي أو يرجع إلى دخول بعضهم دون بعض لجواز ان يموت البعض أو يمنع بمانع فيحمل عليه لئلا يؤدى إلى الخلف في الخبر و قوله محلقين رؤوسكم و مقصرين أى بعضكم محلقين و بعضكم مقصرين لاجماعنا على انه لا يجمع بين الحلق و التقصير فدل أن الحلق أو التقصير واجب لكن الحلق أفضل لانه روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا للمحلقين ثلاثا و للمقصرين مرة واحدة فقال أللهم اغفر للمحلقين فقيل له و المقصرين فقال أللهم اغفر للمحلقين فقيل له و المقصرين فقال أللهم اغفر للمحلقين و المقصرين و لان في الحلق تقصير أو زيادة و لا حلق في التقصير أصلا فكان الحلق أفضل و أما حديث عمر رضى الله عنه فيضمر فيه الحلق أو التقصير معناه فمن رمى الجمرة و حلق أو قصر فقد حل و يجب حمله على هذا ليكون موافقا للكتاب هذا إذا كان على رأسه شعر فاما إذا لم يكن أجرى الموسى على رأسه لما روى عن ابن عمر أنه قال من جاءه يوم النحر و لم يكن على رأسه شعر أجرى الموسى على رأسه و القدورى رواه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و لانه إذا عجزوا عن تحقيق الحلق فلم يعجز عن التشبه بالحالقين و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم من تشبه بقوم فهو منهم فان حلق رأسه بالنورة أجزأه و الموسى أفضل اما الجواز فلحصول المقصود و هو ازلة الشعر و أما أفضلية الحلق بالموسى فلقوله تعالى محلقين رؤوسكم و اصلاق اسم الحلق يقع على الحلق بالموسى و كذا النبي صلى الله عليه و سلم حلق بالموسى و كان يختار من الاعمال أفضلها و هذا إذا لم يكن محصرا فاما المحصر فلا حلق عليه في قول أبى حنيفة و محمد و فى قول أبى يوسف عليه الحلق و سنذكر المسألة ان شاء الله تعالى في بيان أحكام الاحصار و لو وجب عليه الحلق أو التقصير فغسل رأسه بالخطمي مقام الحلق لا يقوم مقامه و عليه الدم لغسل رأسه بالخطمي في قول أبى حنيفة و فى قول أبى يوسف و محمد لا دم عليه ذكر الطحاوي الخلاف و قال الجصاص لا أعرف فيه خلافا و الصحيح انه يلزمه الدم لان الحلق أو التقصير واجب لما ذكرنا فلا يقع التحلل الا بأحدهما و لم
فصل وأما بيان زمانه ومكانه
فصل وأما مقدار الواجب
يوجد فكان إحرامه باقيا فإذا غسل رأسه بالخطمي فقد أزال التفث في حال قيام الاحرام فيلزمه الدم و الله أعلم و لا حلق على المرأة لما روى عن ابن عباس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ليس على النساء حلق و انما عليهن تقصير و روت عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم انه نهى المرأة ان تحلق رأسها و لان الحلق في النساء مثلة و لهذا لم تفعله واحدة من نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم و لكنها تقصر فتأخذ من أطراف شعرها قدر أنملة لما روى عن عمر رضى الله عنه أنه سئل فقيل له كم تقصر المرأة فقال مثل هذه و أشار إلى أنملته و ليس على الحاج إذا حلق ان يأخذ من لحيته شيأ و قال الشافعي إذا حلق ينبغى ان يأخذ من لحيته شيأ لله تعالى و هذا ليس بشيء لان الواجب حلق الرأس بالنص الذي تلونا و لان حلق اللحية من باب المثلة لان الله تعالى زين الرجال باللحى و النساء بالذوائب على ما روى في الحديث ان لله تعالى ملائكة تسبيحهم سبحان من زين الرجال باللحى و النساء بالذوائب و لان ذلك تشبه بالنصارى فيكره ( فصل )
و أما مقدار الواجب فاما الحلق فالأَفضل حلق جميع الرأس لقوله عز و جل محلقين رؤوسكم و الرأس اسم للجميع و كذا روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حلق جميع رأسه فانه روى انه رمى ثم ذبح ثم دعا بالحلاق فأشار الي شقه الايمن فحلقه و فرق شعره بين الناس ثم أشار إلى الايسر فحلقه و أعطاه لام سليم و روى أنه قال صلى الله عليه و سلم أول نسكنا في يومنا هذا الرمى ثم الذبح ثم الحلق و الحلق المطلق يقع على حلق جميع الرأس و لو حلق بعض الرأس فان حلق أقل من الربع لم يجزه و ان حلق ربع الرأس أجزأه و يكره اما الجواز فلان ربع الرأس يقوم مقام كله في القرب المتعلقة بالرأس كمسح ربع الرأس في باب الوضوء و اما الكراهة فلان المسنون هو حلق جميع الرأس لما ذكرنا و ترك المسنون مكروه و اما التقصير فالتقدير فيه بالانملة لما روينا من حديث عمر رضى الله عنه لكن أصحابنا قالوا يجب ان يزيد في التقصير على قدر الانملة لان الواجب هذا القدر من أطراف جميع الشعر و أطراف جميع الشعر لا يتساوى طولها عادة بل تتفاوت فلو قصر قدر الانملة لا يصير مستوفيا قدر الانملة من جميع الشعر بل من بعضه فوجب ان يزيد عليه حتى يستيقن باستيفاء قدر الواجب فيخرج عن العهدة بيقين ( فصل )
و أما بيان زمانه و مكانه فزمانه أيام النحر و مكانه الحرم و هذا قول أبى حنيفة ان الحلق يختص بالزمان و المكان و قال أبو يوسف لا يختص بالزمان و لا بالمكان و قال محمد يختص بالمكان لا بالزمان و قال زفر يختص بالزمان لا بالمكان حتى لو أخر الحلق عن أيام النحر أو حلق خارج الحرم يجب عليه الدم في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف لا دم عليه فيهما جميعا و عند محمد يجب عليه الدم في المكان و لا يجب في الزمان و عند زفر يجب في الزمان و لا يجب في المكان احتج زفر بما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حلق عام الحديبية و أمر أصحابه بالحلق و حديبية من الحل فلو اختص بالمكان و هو الحرم لما جاز في غيره و لو كان كذلك لما فعل بنفسه و لما أمر أصحابه فدل ان الحلق لا يختص جوازه بالمكان و هو الحرم و هذا أيضا حجة أبى يوسف في المكان و لابي يوسف و محمد في انه لا يختص بزمان ما روى أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال حلقت قبل ان اذبح فقال صلى الله عليه و سلم اذبح و لا حرج و جاءه آخر فقال ذبحت قبل ان ارمى فقال ارم و لا حرج فما سئل في ذلك اليوم عن تقديم نسك و تأخيره الا قال افعل و لا حرج و لابي حنيفة انه صلى الله عليه و سلم حلق في أيام النحر في الحرم فصار فعله بيانا لمطلق الكتاب و يجب عليه بتأخيره دم عنده لان تأخير الواجب بمنزلة الترك في حق وجوب الجابر لما ذكرنا في طواف الزيارة و اما حديث الحديبية فقد ذكرنا ان الحديبية بعضها من الحل و بعضها من الحرم فيحتمل انهم حلقوا في الحرم فلا يكون حجة مع الاحتمال مع ما انه روى أن النبي صلى الله عليه و سلم كان نزل بالحديبية في الحل و كان يصلى في الحرم فالظاهر انه لم يحلق في الحل و له سبيل الحلق في الحرم و اما الحديث الآخر فنقول بموجبه انه لا حرج في التأخير عن المكان و الزمان و هو الاثم لكن انتفاء الاثم لا يوجب انتفاء الكفارة كما في كفارة الحلق عند الاذى و كفارة قتل الخطا و لو لم يحلق حتى خرج من الحرم ثم عاد إلى الحرم
فصل وأما شرائطه
فضل وأما طواف الصدر
فصل وأما حكم تأخيره عن زمانه
فصل وأما حكم الحلق
فحلق أو قصر فلا دم عليه لوجود الشرط على قول من يجعل المكان شرطا ( فصل )
و أما حكم الحلق فحكمه حصول التحلل و هو صيرورته حلا لا يباح له جميع ما حظر عليه الاحرام الا النساء و هذا قول أصحابنا و قال مالك الا النساء و الطيب و قال الليث الا النساء و الصيد و قال الشافعي يحل له بالحلق الوطي فيما دون الفرج و المباشرة احتج مالك بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال إذا حلقتم فقد حل لكم كل شيء الا النساء و الطيب و الصحيح قولنا لما روى عن عائشة رضى الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من رمى ثم ذبح ثم حلق فقد حل له كل شيء الا النساء و الحديث حجة على الكل لان النبي صلى الله عليه و سلم أخبر أنه حل له كل شيء و استثنى النساء فبقى الطيب و الصيد داخلين تحت نص المستثنى منه و هو احلال ما سوى النساء و خرج الوطء فيما دون الفرج و المباشرة عن الاحلال بنص الاستثناء و أما حديث عمر فقد قيل انه لما بلغ عائشة رضى الله تعالى عنها قالت يغفر الله لهذا الشيخ لقد طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين حلق ( فصل )
و أما حكم تأخيره عن زمانه و مكانه فوجوب الدم عن أبى حنيفة و أبو يوسف خالفه في الزمان و المكان و محمد وافقه في المكان لا في الزمان و زفر وافقه في الزمان لا في المكان على ما ذكرنا و الله أعلم ( فصل )
و أما طواف الصدر فالكلام فيه يقع في مواضع في بيان وجوبه و فى بيان شرائطه و فى بيان قدره و كيفيته و ما يسن له أن يفعله بعد فراغه منه و فى بيان وقته و فى بيان مكانه و حكمه إذا نفر و لم يطف أما الاول فطواف الصدر واجب عندنا و قال الشافعي سنة وجه قوله مبنى على أنه لا يفرق بين الفرض و الواجب و ليس بفرض بالاجماع فلا يكون واجبا لكنه سنة لفعل رسول الله صلى الله عليه و سلم إياه على المواظبة و انه دليل السنة ثم دليل عدم الوجوب انا أجمعنا على أنه لا يجب على الحائض و النفساء و لو كان واجبا لوجب عليهما كطواف الزيارة و نحن نفرق بين الفرض و الواجب على ما عرف و دليل الوجوب ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من حج هذا البيت فليكن آخر عهده به الطواف و مطلق الامر لوجوب العمل الا أن الحائض خصت عن هذا العموم بدليل و هو ما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم رخص للنساء الحيض ترك طواف الصدر لعذر الحيض و لم يأمرهن بإقامة شيء آخر مقامه و هو الدم و هذا أصل عندنا في كل نسك جاز تركه لعذر انه لا يجب بتركه من المعذور كفارة و الله أعلم ( فصل )
و أما شرائطه فبعضها شرائط الوجوب و بعضها شرائط الجواز أما شرائط الوجوب فمنها ان يكون من أهل الآفاق فليس على أهل مكة و لا من كان منزله داخل المواقيت إلى مكة طواف الصدر إذا حجوا لان هذا الطواف انما وجب توديعا للبيت و لهذا يسمى طواف الوداع و يسمى طواف الصدر لوجوده عند صدور الحجاج و رجوعهم إلى وطنهم و هذا لا يوجد في أهل مكة لانهم في وطنهم و أهل داخل المواقيت في حكم أهل مكة فلا يجب عليهم كما لا يجب على أهل مكة و قال أبو يوسف أحب إلى أن يطوف المكي طواف الصدر لانه وضع لختم أفعال الحج و هذا المعنى يوجد في أهل مكة و لو نوى الآفاقى الاقامة بمكة أبدا بان توطن بها و اتخذها دارا فهذا لا يخلو من أحد وجهين اما ان نوى الاقامة بها قبل ان يحل النفر الاول و اما ان نوى بعد ما حل النفر الاول فان نوى الاقامة قبل ان يحل النفر الاول سقط عنه طواف الصدر أى لا يجب عليه بالاجماع و ان نوى بعد ما حل النفر الاول لا يسقط و عليه طواف الصدر في قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف يسقط عنه الا إذا كان شرع فيه و وجه قوله انه لما نوى الاقامة صار كواحد من أهل مكة و ليس على أهل مكة طواف الصدر الا إذا شرع فيه لانه وجب عليه بالشروع فلا يجوز له تركه بل يجب عليه المضي فيه و وجه قول أبى حنيفة انه إذا حل له النفر فقد وجب عليه الطواف لدخول وقته الا انه مرتب على طواف الزيارة كالوتر مع العشاء فنية الاقامة بعد ذلك لا تعمل كما إذا نوى الاقامة بعد خروج وقت الصلاة و منها الطهارة من الحيض و النفاس فلا يجب على الحائض و النفساء حتى لا يجب عليهما الدم بالترك لما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص للحيض ترك هذا الطواف
فصل وأما بيان سنن الحج وبيان ترتيبه
فصل وأما مكانه فحول البيت
فصل وأما وقته
فصل وأما قدره وكيفيته
فصل وأما شرائط جوازه
لا إلى بدل فدل أنه واجب عليهن اذ لو كان واجبا لما جاز تركه لا إلى بدل و هو الدم فاما الطهارة عن الحدث و الجنابة فليست بشرط للوجوب و يجب على المحدث و الجنب لانه يمكنهما ازالة الحدث و الجنابة فلم يكن ذلك عذرا و الله أعلم ( فصل )
و أما شرائط جوازه فمنها النية لانه عبادة فلا بد له من النية فاما تعيين النية فليس بشرط حتى لو طاف بعد طواف الزيارة لا يعين شيأ أو نوى تطوعا كان للصدر لان الوقت تعين له فتنصرف مطلق النية اليه كما في صوم رمضان و منها ان يكون بعد طواف الزيارة حتى إذا نفر في النفر الاول فطاف طوافا لا ينوى شيأ أو نوى تطوعا أو الصدر يقع عن الزيارة لا عن الصدر لان الوقت له طواف و طواف الصدر مرتب عليه فاما النفر على فور الطواف فليس من شرائط جوازه حتى لو طاف للصدر ثم تشاغل بمكة بعده لا يجب عليه طواف آخر فان فيل أ ليس ان النبي صلى الله عليه و سلم قال من حج هذا البيت فليكن آخر عهده به الطواف فقد أمر ان يكون آخر عهده الطواف بالبيت و لما تشاغل بعده لم يقع الطواف آخر عهده به فيجب ان لا يجوز ان اذ لم يأت بالمأمور به فالجواب أن المراد منه آخر عهده بالبيت نسكا لا اقامة و الطواف آخر مناسكه بالبيت و ان تشاغل بغيره و روى عن أبى حنيفة انه قال إذا طاف للصدر ثم أقام إلى العشاء فأحب الي ان يطوف طوافا آخر لئلا يحول بين طوافه و بين نفره حائل و كذا الطهارة عن الحدث و الجنابة ليست بشرط لجوازه فيجوز طوافه إذا كان محدثا أو جنبا و يعتد به و الافضل ان يعيد طاهرا فان لم يعد جاز و عليه شاة ان كان جنبا لان النقص كثير فيجبر بالشاة كما لو ترك أكثر الاشواط و ان كان محدثا ففيه روايتان عن أبى حنيفة في رواية عليه صدقة و هي الرواية الصحيحة و هو قول أبى يوسف و محمد لان النقص يسير فصار كشوط أو شوطين و فى رواية عليه شاة لانه طواف واجب فاشبه طواف الزيارة و كذا ستر عورته ليس بشرط للجواز حتى لو طاف مكشوف العورة قدر ما لا تجوز به الصلاة جاز و لكن يجب عليه الدم و كذا الطهارة عن النجاسة الا انه يكره و لا شيء عليه و الفرق ما ذكرنا في طواف الزيارة و الله أعلم ( فصل )
و أما قدره و كيفيته فمثل سائر الاطوفة و نذكر السنن التي تتعلق به في بيان سنن الحج ان شاء الله تعالى ( فصل )
و أما وقته فقد روى عن أبى حنيفة انه قال ينبغى للانسان إذا أراد السفر ان يطوف طواف الصدر حين يريد ان ينفر و هذا بيان الوقت المستحب لا بيان أصل الوقت و يجوز في أيام النحر و بعدها و يكون أداء لا قضأ حتى لو طاف طواف الصدر ثم أطال الاقامة بمكة و لم ينو الاقامة بها و لم يتخذها دارا جاز طوافه و ان أقام سنة بعد الطواف الا ان الافضل ان يكون طوافه عند الصدر لما قلنا و لا يلزمه شيء بالتأخير عن أيام النحر بالاجماع ( فصل )
و أما مكانه فحول البيت لا يجوز الا به لقول النبي صلى الله عليه و سلم من حج هذا البيت فليكن آخر عهده به الطواف و الطواف بالبيت هو الطواف حوله فان نفر و لم يطف يجب عليه ان يرجع و يطوف ما لم يجاوز الميقات لانه ترك طوافا واجبا و أمكنه ان يأتى به من الحاجة إلى تجديد الاحرام فيجب عليه ان يرجع و يأتي به و ان جاوز الميقات لا يجب عليه الرجوع لانه لا يمكنه الرجوع الا بالتزام عمرة بالتزام إحرامها ثم إذا أراد أن يمضى مضى و عليه دم و ان أراد أن يرجع أحرم بعمرة ثم رجع و إذا رجع يبتدئ بطواف العمرة ثم بطواف الصدر و لا شيء عليه لتأخيره عن مكانه و قالوا الاولى ان لا يرجع و يريق دما مكان الطواف لان هذا نفع للفقراء و أيسر عليه لما فيه من دفع مشقة السفر و ضرر التزام الاحرام و الله أعلم ( فصل )
و أما بيان سنن الحج و بيان الترتيب في أفعاله من الفرائض و الواجبات و السنن فنقول و بالله التوفيق إذا أراد أن يحرم اغتسل أو توضأ و الغسل أفضل لما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بلغ ذا الحليفة اغتسل لاحرامه و سواء كان رجلا أو إمرأة و المرأة طاهرة عن الحيض و النفاس أو حائض أو نفساء لان المقصود من اقامة هذه السنة النظافة فيستوى فيها الرجل و المرأة و حال طهر المرأة و حيضها و نفاسها و الدليل عليه أيضا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما نزل تحت الشجرة في بيعة الرضوان أتاه أبو بكر الصديق رضى الله عنه و قال
له ان أسماء قد نفست و كانت ولدت محمد بن أبى بكر رضى الله عنه فقال له النبي صلى الله عليه و سلم مرها فلتغتسل و لتحرم بالحج و كذا روى أن عائشة رضى الله عنها حاضت فامرها بالاغتسال و الاهلال بالحج و الامر بالاغتسال في الحديثين على وجه الاستحباب دون الايجاب لان الاغتسال عن الحيض و النفاس لا يجب حال قيام الحيض و النفاس و انما كان الاغتسال أفضل لان النبي صلى الله عليه و سلم اختاره على الوضوء لاحرامه و كان يختار من الاعمال أفضلها و كذا أمر به عائشة و أسماء رضى الله عنهما و لان معنى النظافة فيه أتم و أوفر و يلبس ثوبين ازار أو رداء لانه روى أن النبي صلى الله عليه و سلم لبس ثوبين ازار أو رداء و لان المحرم ممنوع عن لبس المخيط و لا بد من ستر العورة و ما يتقى به الحر و البرد و هذه المعاني تحصل بازار و رداء جديدين كانا أو غسيلين لان المقصود يحصل بكل واحد منهما الا ان الجديد أفضل لانه أنظف و ينبغي لولى من أحرم من الصبيان العقلاء ان يجرده و يلبسه ثوبين ازار أو رداء لان الصبي في مراعاة السنن كالبالغ و يدهن باى دهن شاء و يتطيب باى طيب شاء سواء كان طيبا تبقي عينه بعد الاحرام أو لا تبقي في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و هو قول محمد أولا ثم رجع و قال يكره له ان يتطيب بطيب تبقي عينه بعد الاحرام و حكى عن محمد في سبب رجوعه انه قال كنت لا أرى به بأسا حتى رأيت قوما أحضروا طيبا كثيرا و رأيت أمرا شنيعا فكرهته و هو قول مالك احتج محمد بما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال للاعرابي اغسل عنك هذا الخلوف و روى عن عمر و عثمان رضى الله عنهما انهما كرها ذلك و لانه إذا بقي عينه ينتقل من الموضع الذي طيبه إلى موضع آخر فيصير كانه طيب ذلك الموضع ابتداء بعد الاحرام و لابي حنيفة و أبى يوسف ما روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم لاحرامه حين أحرم و لاحلاله حين أحل قبل ان يطوف بالبيت و لقد رأيت و بيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد إحرامه و معلوم ان و بيص الطيب انما يتبين مع بقاء عينه فدل أن الطيب كان بحيث تبقي عينه بعد الاحرام و لان التطيب بعد حصل مباحا في الابتداء لحصوله في حال الاحرام و البقاء على التطيب لا يسمى تطيبا فلا يكره كما إذا حلق رأسه ثم أحرم و أما حديث الاعرابى فهو محمول على ما إذا كان عليه ثوب مزعفر و الرجل يمنع من المزعفر في حال الاحرام ففى حال الاحرام أولى حملناه على هذا توفيقا بين الحديثين بقدر الامكان و أما حديث عمر و عثمان فقد روى عن ابن عمر و عائشة رضى الله عنهما بخلافه فوقع التعارض فسقط الاحتجاج بقولهما و ما ذكر من معنى الانتقال إلى مكان آخر سديد لان اعتباره يوجب الجزاء لو انتقل و ليس كذلك بالاجماع و لو ابتدأ الطيب بعد الاحرام فوجبت عليه الكفارة فكفر و بقى عليه هل يلزمه كفارة أخرى ببقاء الطيب عليه اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يلزمه كفارة أخرى لان ابتداء الاحرام كان محظورا لوجوده في حال الاحرام فكذا البقاء عليه بخلاف المسألة الاولى و قال بعضهم لا يلزمه كفارة أخرى لان حكم الابتداء قد سقط عنه بالكفارة و البقاء على الطيب لا يوجب الكفارة كما في المسألة الاولى ثم يصلى ركعتين لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أتانى آت من ربي و أنا بالعقيق و قال لي صل في هذا الوادي المبارك ركعتين و قل لبيك بعمرة و حجة لانه كان قارنا ثم ينوى الاحرام و يستحب له ان يتكلم بلسانه ما نوى بقلبه فيقول إذا أراد ان يحرم بالحج أللهم انى أريد الحج فيسره لي و تقبله منى و إذا أراد أن يحرم بالعمرة يقول أللهم انى أريد العمرة فيسرها لي و تقبلها منى و إذا أراد القرآن يقول أللهم انى أريد العمرة و الحج فيسرهما لي و تقبلهما منى لان الحج عبادة عظيمة فيها كلفة و مشقة شديدة فيستحب الدعاء بالتيسير و التسهيل و بالقبول بعد التحصيل اذ لا كل عبادة تقبل الا ترى ان إبراهيم و إسماعيل عليهما الصلاة و السلام لما بنيا البيت على الوجه الذي أمرا ببنائه سألا ربهما قبول ما فعلا فقالا ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم و يستحب ان يذكر الحج و العمرة أوهما في اهلا له و يقدم العمرة على الحج في الذكر إذا أهل بهما فيقول لبيك بعمرة و حجة لما رينا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أتانى آت من ربي و أنا بالعقيق فقال صل في هذا الوادي المبارك ركعتين و قل لبيك بعمرة و حجة و انما يقدم العمرة على الحج في الذكر
لان النبي صلى الله عليه و سلم أمر ان يقول كذلك و لان العمرة تقدم على الحج في الفعل فكذا في الذكر ثم يلبى في دبر كل صلاة و هو الافضل عندنا و قال الشافعي الافضل ان يلبى بعد ما استوى على راحلته و قال مالك بعد ما استوى على البيداء و انما اختلفوا فيه لاختلاف الرواية في أول تلبية النبي صلى الله عليه و سلم روى عن ابن عباس رضى الله عنه انه لبى دبر صلاته و روى عن ابن عمر رضى الله عنه انه لبى حين ما استوى على راحلته و روى جابر بن عبد الله رضى الله عنه أنه صلى الله عليه و سلم لبى حين استوى على البيداء و أصحابنا أخذوا برواية ابن عباس رضى الله عنه لانها محكمة في الدلالة على الاولية و رواية ابن عمر و جابر رضى الله عنهما محتملة لجواز ان ابن عمر رضى الله عنه لم يشهد تلبية النبي صلى الله عليه و سلم دبر الصلاة و انما شهد تلبيته حال استوائه على الراحلة فظن أن ذلك أول تلبيته فروى ما رأى و جابر لم ير تلبيته الا عند استوائه على البيداء فظن أنه أول تلبيته فروى ما رأى و الدليل على صحة هذا التأويل ما روى عن سعيد بن جبير انه قال قلت لا بن عباس كيف اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في اهلا له فقال انا أعلم بذلك صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسجد ذي الحليفة ركعتين و أهل بالحج و كانت ناقته مسرجة على باب المسجد و ابن عمر عندها فرآه قوم فقالوا أهل عقيب الصلاة ثم استوى على راحلته و أهل فكان الناس يأتونه إرسالا فأدركه قوم فقالوا انما أهل حين استوى على راحلته ثم ارتفع على البيداء فاهل فأدركه قوم فقالوا انما أهل حين ارتفع على البيداء و ايم الله لقد أوجبه في مصلاه و يكثر التلبية بعد ذلك في أدبار الصلوات فرائض كانت أو نوافل و ذكر الطحاوي انه يكثر في ادبار المكتوبات دون النوافل و الفوائت و أجراها مجرى التكبير في أيام التشريق و المذكور في ظاهر الرواية في ادبار الصلوات عاما من تخصيص و لان فضيلة التلبية عقيب الصلاة لاتصالها بالصلاة التي هى ذكر الله عز و جل اذ الصلاة من أولها إلى آخرها ذكر الله تعالى و هذا يوجد في التلبية عقيب كل صلاة و كلما علا شرفا و كلما هبط واديا و كلما لقى ركبا و كلما استيقظ من منامه و بالاسحار لما روى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا كانوا يفعلون و يرفع صوته بالتلبية لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال أفضل الحج العج و الثج و العج هو رفع الصوت بالتلبية و الثج هو سيلان الدم و عن خلاد بن السائب الانصاري عن أبيه رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال أتانى جبريل و أمرني ان آمر أصحابى و من معي ان يرفعوا أصواتهم بالتلبية فانها من شعائر الحج أمر برفع الصوت في التلبية و أشار إلى المعنى و هو انها من شعائر الحج و السبيل في اذكار هى من شعائر الحج اشهارها و إظهارها كالاذان و نحوه و السنة ان يأتى بتلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم و هي ان يقول لبيك أللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك كذا روى عن ابن مسعود و ابن عمر هذه الالفاظ في تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم فالسنة ان يأتى بها و لا ينقص شيأ منها و ان زاد عليها فهو مستحب عندنا و عند الشافعي لا يزيد عليها كما لا ينقص منها و هذا سديد لانه لو نقص منها لترك شيأ من السنة و لو زاد عليها فقد أتى بالسنة و زيادة و الدليل عليه ما روى عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم انهم كانوا يريدون على تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ابن مسعود رضى الله تعالى عنه يزيد لبيك عدد التراب لبيك لبيك ذا المعارج لبيك لبيك اله الحق لبيك و كان ابن عمر يزيد لبيك و سعديك و الخير كله بيديك لبيك و الرغباء إليك و يروى و العمل و الرغباء إليك و لان هذا من باب الحمد لله تعالى و الثناء عليه فالزيادة عليه تكون مستحبة لا مكروهة ثم اختلفت الرواية في تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذه الكلمة و هي قوله لبيك ان الحمد و النعمة لك رويت بالكسر و الفتح و الكسر أصح و هكذا ذكر محمد في الاصل أن الافضل أن يقول بالكسر و انما كان كذلك لان معنى الفتح فيها يكون على التفسير أو التعليل أى ألبى بان الحمد لك أو البى لان الحمد لك أى لاجل ان الحمد لك و إذا كسرتها صار ما بعدها ثناء و ذكرا مبتدأ لا تفسيرا و لا تعليلا فكان أبلغ في الذكر و الثناء فكان أفضل و إذا قدم مكة فلا يضره ليلا دخلها أو نهارا لما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم دخلها نهارا و روى أنه دخلها ليلا و كذا روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها دخلتها ليلا و روى أن
الحسن و الحسين رضى الله تعالى عنهما دخلاها ليلا و ما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه نهى عن دخول مكة ليلا فهو محمول على نهى الشفقة مخافة السرقة كذا أوله إبراهيم النخعي و لانه إذا دخل ليلا لا يعرف موضع النزول فلا يدرى أين ينزل و ربما نزل في موضع النزول فيتأذى به و يدخل المسجد الحرام و الافضل أن يدخل من باب بني شيبة و يقول أللهم افتح لي أبواب رحمتك و أعذني من الشيطان الرجيم و إذا وقع نظره على البيت يقول و يخفى سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله و الله أكبر أللهم هذا بيتك عظمته و شرفته و كرمته فزده تعظيما و تشريفا و تكريما و يبدأ بالحجر الاسود فإذا استقبله كبر و رفع يديه كما يرفعهما في الصلاة لكن حذو منكبيه لما روى عن مكحول أن النبي صلى الله عليه و سلم لما دخل المسجد بدأ بالحجر الاسود فاستقبله و كبر و هلل و روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم في كتاب الصلاة أنه قال لا ترفع الايدى الا في سبع مواطن و ذكر من جملتها عند استلام الحجر الاسود ثم يرسلهما و يستلم الحجر ان أمكنه ذلك من أن يؤذى أحدا و الافضل أن يقبله لما روى أن عمر رضى الله تعالى عنه التزمه و قبله و قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بك حفيا و روى أنه قال و الله انى لاعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لو لا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك و فى رواية أخرى قال لو لا انى رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلمك ما استلمتك ثم استلمه و عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استقبل الحجر فاستلمه ثم وضع شفتيه عليه فبكى طويلا ثم التفت فإذا هو بعمر يبكى فقال له ما يبكيك فقال يا رسول الله رأيتك تبكي فبكيت لبكائك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ههنا تسكب العبرات و عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال طاف رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن ثم يرده إلى فيه و عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال ليبعثن الحجر يوم القيامة و له عينان يبصر بهما و أذنان يسمع بهما و لسان ينطق به فيشهد لمن استلمه بالحق و روى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا يستلمون الحجر ثم يقبلونه فيلتزمه و يقبله ان أمكنه ذلك من أن يؤذى أحدا لما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لعمر يا أبا حفص انك رجل قوى وانك تؤذي الضعيف فإذا وجدت مسلكا فاستلم و الا فدع و كبر و هلل و لان الاستلام سنة و إيذاء المسلم حرام و ترك الحرام أولى من الاتيان بالسنة و إذا لم يمكنه ذلك من أن يؤذى استقبله و كبر و هلل و حمد الله و أثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه و سلم كما يصلى عليه في الصلاة و لم يذكر عن أصحابنا فيه دعاء بعينه لان الدعوات لا تحصى و عن مجاهد أنه كان يقول إذا أتيت الركن فقل أللهم انى أسألك اجابة دعوتك و ابتغاء رضوانك و اتباع سنة نبيك و عن عطا رضى الله تعالى عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا مر بالحجر الاسود قال أعوذ برب هذا الحجر من الدين و الفقر و ضيق الصدر و عذاب القبر و لا يقطع التلبية عند استلام الحجر و يقطعها في العمرة لما نذكر ان شاء الله ثم يفتتح الطواف و هذا الطواف يسمى طواف اللقاء و طواف التحية و طواف أول عهد بالبيت و انه سنة عند عامة العلماء و قال مالك انه فرض و احتج بظاهر قوله عز و جل و ليطوفوا بالبيت العتيق أمر بالطواف بالبيت فدل على الوجوب و الفرضية و لنا أنه لا يجب على أهل مكة بالاجماع و لو كان ركنا لوجب عليهم لان الاركان لا تختلف بين أهل مكة و غيرهم كطواف الزيارة فلما لم يجب على أهل مكة دل أنه ليس بركن و المراد من الآية طواف الزيارة لاجماع أهل التفسير و لانه خاطب الكل بالطواف بالبيت و طواف الزيارة هو الذي يجب على الكل فأما طواف اللقاء فانه لا يجب على أهل مكة دل على أن المراد هو طواف الزيارة و كذا سياق الآية دليل عليه لانه أمرنا بذبح الهدايا بقوله عز و جل ليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام و أمر بقضاء التفث و هو الحلق و الطواف بالبيت عقيب ذبح الهدى لان كلمة ثم للترتيب مع التعقيب فيقتضى أن يكون الحلق و الطواف مرتبين على الذبح و الذبح يختص بأيام النحر لا يجوز قبلها فكذا الحلق و الطواف و هو طواف الزيارة فأما طواف اللقاء فانه يكون سابقا على أيام
النحر فثبت أن المراد من الآية الكريمة طواف الزيارة و به نقول انه ركن و إذا افتتح الطواف يأخذ عن يمينه مما يلى الباب فيطوف بالبيت سبعة أشواط يرمل في الثلاثة الاول و يمشى على هينته في الاربعة الباقية و الاصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه استلم الحجر ثم أخذ عن يمينه مما يلى الباب فطاف بالبيت سبعة أشواط و أما الرمل فالأَصل فيه أن كل طواف بعده سعى فمن سننه الاضطباع و الرمل في الثلاثة الاشواط الاول منه و كل طواف ليس بعده سعى فلا رمل فيه و هذا قول عامة الصحابة رضى الله تعالى عنهم الا ما حكى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن الرمل في الطواف ليس بسنة وجه قوله ان النبي صلى الله عليه و سلم انما رمل و ندب أصحابه اليه لاظهار الجلد للمشركين و ابداء القوة لهم من أنفسهم فانه روى أنه دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه مكة و كفار قريش قد صفت عند دار الندوة ينظرون إليهم و يستضعفونهم و يقولون أوهنتهم حمى يثرب فلما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم المسجد اضطبع بردائه و رمل ثم قال رحم الله امرأ أبدى من نفسه جلدا و روى أنه صلى الله عليه و سلم قال رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة و ذلك المعنى قد زال فلم يبق الرمل سنة لكنا نقول الرواية عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما لا تكاد تصح لانه قد صح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رمل بعد فتح مكة و روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا طاف بالبيت الطواف الاول خب ثلاثا و مشى أربعا و كذا أصحابه رضى الله تعالى عنهم بعده رملوا و كذا المسلمون إلى يومنا هذا فصار الرمل سنة متواترة فاما ان يقال ان أول الرمل كان لذلك السبب و هو اظهار الجلادة و ابداء القوة للكفرة ثم زال ذلك السبب و بقيت سنة الرمل على الاصل المعهود ان بقاء السبب ليس بشرط لبقاء الحكم كالبيع و النكاح و غيرهما و اما أن يقال لما رمل النبي صلى الله عليه و سلم بعد زوال ذلك السبب صار الرمل سنة مبتدأة فنتبع النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك و ان كان لا نعقل معناه و إلى هذا أشار عمر رضى الله تعالى عنه حين رمل في الطواف و قال مالى أهز كتفى و ليس ههنا أحد رأيته لكن اتبع رسول الله صلى الله عليه و سلم أو قال لكن أفعل ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم و يرمل من الحجر إلى الحجر و هذا قول عامة العلماء و قال سعيد بن جبير و عطاء و مجاهد و طاووس رضى الله تعالى عنهم لا يرمل بين الركن اليماني و بين الحجر الاسود و انما يرمل من الجانب الآخر وجه قولهم ان الرمل في الاصل كان لاظهار الجلادة للمشركين و المشركون انما كانوا يطلعون على المسلمين من ذلك الجانب فإذا صاروا إلى الركن اليماني لم يطلعوا عليهم لصيرورة البيت حائلا بينهم و بين المسلمين و لنا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رمل ثلاثا من الحجر إلى الحجر و الجواب عن قولهم ان الرمل كان لاظهار القوة و الجلادة ان الرمل الاول كان لذلك و قد زال و بقى حكمه أو صار الرمل بعد ذلك سنة مبتدأة لا لما شرع له الاول بل لمعنى آخر لا نعقله و أما الاضطباع فلما روينا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرمل مضطبعا بردائه و تفسير الاضطباع بالرداء هو أن يدخل الرداء من تحت ابطه الايمن و يرد طرفه على يساره و يبدى منكبه الايمن و يغطى الايسر سمى اضطباعا لما فيه من الضبع و هو العضد لما فيه من ابداء الضبعين و هما العضدان فان زوحم في الرمل وقف فإذا وجد فرجة رمل لانه ممنوع من فعله الاعلى وجه السنة فيقف إلى أن يمكنه فعله على وجه السنة و يستلم الحجر في كل شوط يفتتح به ان استطاع من أن يؤذى أحدا لما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان كلما مر بالحجر الاسود استلمه و لان كل شوط طواف على حدة فكان استلام الحجر فيه مسنونا كالشوط الاول و ان لم يستطع استقبله و كبر و هلل و أما الركن اليماني فلم يذكر في الاصل أن استلامه سنة و لكنه قال ان استلمه فحسن و ان تركه لم يضره في قول أبى حنيفة رحمه الله و هذا يدل على أنه مستحب و ليس بسنة و قال محمد رحمه الله يستلمه و لا يتركه و هذا يدل على أن استلامه سنة و لا خلاف في أن تقبيله ليس بسنة و قال الشافعي يستلمه و يقبل يده وجه قول محمد ما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلم هذين الركنين و لا يستلم غيرهما و عن ابن عباس
رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلم الركن اليماني و يضع خده عليه وجه ما ذكر في الاصل و هو أنه مستحب و ليس بمسنون أنه ليس من السنة تقبيله و لو كان مسنونا لسن تقبيله كالحجر الاسود و عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم استلم الركن اليماني و لم يقبله و هذا يدل على أنه مستحب و ليس بسنة و أما الركنان الآخران و هما العراقي و الشامي فلا يستلمهما عند عامة الصحابة رضى الله عنهم و هو قولنا و عن معاوية و زيد بن ثابت و سويد بن غفلة رضى الله عنهم أنه يستلم الاركان الاربعة و عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه رأى معاوية و سويدا استلما جميع الاركان فقال ابن عباس لمعاوية انما يستلم هذين الركنين فقال معاوية ليس شيء من البيت مهجورا و الصحيح قول العامة لان الاستلام انما عرف سنة بفعل رسول الله صلى الله عليه و سلم و رسول الله صلى الله عليه و سلم ما استلم الركنين لما روينا عن عمر رضى الله عنه أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلم هذين الركنين و لا يستلم غيرهما و لان الاستلام لاركان البيت و الركن الشامي و العراقي ليسا من الاركان حقيقة لان ركن الشيء ناحيته و هما في وسط البيت لان الحطيم من البيت و جعل طوافه من وراء الحطيم فلو لم يجعل طوافه من ورائه لصار تاركا الطواف ببعض البيت الا أنه لا يجوز التوجه اليه في الصلاة لما ذكرنا فيما تقدم و إذا فرغ من الطواف يصلى ركعتين عند المقام أو حيث تيسر عليه من المسجد و ركعتا الطواف واجبة عندنا و قال الشافعي سنة بناء على أنه لا يعرف الواجب الا الفرض و ليستا بفرض و قد واظب عليهما رسول الله صلى الله عليه و سلم فكانتا سنة و نحن نفرق بين الفرض و الواجب و نقول الفرض ما ثبت وجوبه بدليل مقطوع به و الواجب ما ثبت وجوبه بدليل مقطوع به و دليل الوجوب قوله عز و جل و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى قيل في بعض وجوه التأويل ان مقام إبراهيم ما ظهر فيه آثار قدميه الشريفين عليه الصلاة و السلام و هو حجارة كان يقوم عليها حين نزوله و ركوبه من الابل حين كان يأتى إلى زيارة هاجر و ولده اسماعيل فامر النبي صلى الله عليه و سلم باتخاذ ذلك الموضع مصلى يصلى عنده صلاة الطواف مستقبلا الكعبة على ما روى ان النبي عليه السلام لما قدم مكة قام إلى الركن اليماني ليصلى فقال عمر رضى الله تعالى عنه ألا نتخذ مقام إبراهيم مصلى فانزل الله تعالى و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى و مطلق الامر لوجوب العمل و روى أن النبي صلى الله عليه و سلم لما فرغ من الطواف أتى المقام وصلى عنده ركعتين و تلا قوله تعالى و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى و روى عن عمر رضى الله عنه انه نسى ركعتي الطواف فقضاهما بذى طوى فدل انها واجبة ثم يعود إلى الحجر الاسود فيستلمه ليكون افتتاح السعي بين الصفا و المروة باستلام الحجر كما يكون افتتاح الطواف باستلام الحجر الاسود و الاصل فيه ان كل طواف بعده سعى فانه يعود بعد الصلاة إلى الحجر و كل طواف لا سعى بعده لا يعود إلى الحجر كذا روى عن عمر و ابن عمر و ابن مسعود رضى الله عنهم و عن عائشة رضى الله عنها انه لا يعود و ان كان بعده سعى و هو قول عمر بن عبد العزيز و الصحيح انه يعود لما روى عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم لما فرغ من طوافه صلى ركعتين خلف المقام و قرأ فيهما آيات من سورة البقرة و قرأ فيهما و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى و رفع صوته يسمع الناس ثم رجع إلى الركن فاستلمه و لان السعي مرتب على الطواف لا يجوز قبله و يكره ان يفصل بين الطواف و بين السعي فصار كبعض أشواط الطواف و الاستلام بين كل شوطين سنة و هذا المعنى لا يوجد في طواف لا يكون بعده سعى لانه إذا لم يكن بعده سعى لا يوجد الملحق له بالاشواط فلا يعود إلى الحجر ثم يخرج إلى الصفا لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم استلم الركن و خرج إلى الصفا فقا نبدأ بما بدأ الله به و تلا قوله تعالى ان الصفا و المروة من شعائر الله و لم يذكر في الكتاب انه من أى باب يخرج من باب الصفا أو من حيث تيسر له و ما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج من باب الصفا فذلك ليس على وجه السنة عندنا و انما خرج منه لقربه من الصفا أو لامر آخر و يصعد على الصفا إلى حيث يرى الكعبة فيحول وجهه إليها و يكبر و يهلل و يحمد الله تعالى و يثنى عليه و يصلى على النبي صلى
الله عليه و سلم و يدعو الله تعالى بحوائجه و يرفع يديه و يجعل بطون كفيه إلى السماء لما روى عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم رقى على الصفا حتى بدا له البيت ثم كبر ثلاثا و قال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد يحيى و يميت و هو على كل شيء قدير لا اله الا الله أنجز وعده و نصر عبده و هزم الاحزاب وحده و جعل يدعو بعد ذلك ثم يهبط نحو المروة فيمشى على هينته حتى ينتهى إلى بطن الوادي فإذا كان عند الميل الاخضر في بطن الوادي سعى حتى يجاوز الميل الاخضر فيسعى بين الميلين الاخضرين لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم لما فرغ من الدعاء مشى نحو المروة حتى إذا انتصبت قدماه في بطن الوادي سعى و قال في سعيه رب اغفر و ارحم و تجاوز عما تعلم انك أنت الاعز الاكرم و كان عمر رضى الله عنه إذا رمل بين الصفا و المروة قال أللهم استعملني بسنة نبيك و توفني على ملته و أعذني من عذاب القبر ثم يمشى على هينته حتى يأتى المروة فيصعد عليها و يقوم مستقبل القبلة فيحمد الله تعالى و يثنى عليه و يكبر و يهلل و يصلى على النبي صلى الله عليه و سلم و يسأل الله تعالى حوائجه فيفعل على المروة مثل ما فعل على الصفا لما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم هكذا فعل و يطوف بينهما سبعة أشواط هكذا يبدأ بالصفا و يختم بالمروة و يسعى في بطن الوادي في كل شوط و يعد البداية شوطا و العود شوطا آخر خلافا لما قاله الطحاوي انهما يعدان جميعا شوطا واحدا و انه خلاف ظاهر الرواية لما بينا فيما تقدم فإذا فرغ من السعي فان كان محرما بالعمرة و لم يسق الهدى يحلق أو يقصر فيحل لان أفعال العمرة هى الطواف و السعي فإذا أتى بهما لم يبق عليه شيء من أفعال العمرة فيحتاج إلى الخروج منها بالتحلل و ذلك بالحلق أو التقصير كالتسليم في باب الصلاة و الحلق أفضل لما ذكرنا فيما تقدم فإذا حلق أو قصر حل له جميع محظورات الاحرام و هذا الذي ذكرنا قول أصحابنا و قال الشافعي يقع التحلل من العمرة بالسعى و من الحج بالرمي و المسألة قد مرت في بيان واجبات الحج و ان كان قد ساق الهدى لا يحلق و لا يقصر للعمرة بل يقيم حراما إلى يوم النحر لا يحل له التحلل الا يوم النحر عندنا و عند الشافعي سوق الهدى لا يمنع من التحلل و نذكر المسألة في التمتع ان شاء الله تعالى و ان كان محرما بالحج فان كان مفردا به يقيم على إحرامه و لا يتحلل لان افعال الحج عليه باقية فلا يجوز له التحلل إلى يوم النحر و من الناس من قال يجوز له ان يفتتح إحرام الحج بفعل العمرة و هو الطواف و السعي و التحلل منها بالحلق أو التقصير لما روى عن جابر رضى الله عنه ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا أهلوا بالحج مفردين فقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم احلوا من إحرامكم بطواف البيت و بين الصفا و المروة و قصروا ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج فالجواب أن ذلك كان ثم نسخ و عن أبى ذر رضى الله عنه انه قال اشهد أن فسخ الاحرام كان خاصا للركب الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه و سلم و ان كان قارنا فانه يطوف طوافين و يسعى سعيين عندنا فيبدأ أولا بالطواف و السعي للعمرة فيطوف و يسعى للعمرة ثم يطوف و يسعى للحج كما وصفنا و عند الشافعي يطوف لهما جميعا طوافا واحدا و يسعى لهما سعيا واحدا و هذا بناء على أن القارن عندنا محرم بإحرامين بإحرام العمرة و إحرام الحج و لا يدخل إحرام العمرة في إحرام الحج و عنده يحرم بإحرام واحد و يدخل إحرام العمرة في إحرام الحج لان نفس العمرة لا تدخل في الحجة و لان الاحرام على أصله ركن لما نذكر فكان من أفعال الحج و الافعال يجوز فيها التداخل كسجدة التلاوة و الحدود و غيرها و لنا ما روى عن على و عبد الله بن مسعود و عمران بن الحصين رضى الله عنهم ان النبي صلى الله عليه و سلم فرق بين الحج و العمرة و طاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين و لان القارن محرم بالعمرة و محرم بالحجة حقيقة لان قوله لبيك بعمرة و حجة معناه لبيك بعمرة و لبيك بحجة كقوله جاءني زيد و عمرو ان معناه جاني زيد و جانى عمرو و إذا كان محرما بكل واحد منهما يطوف و يسعى لكل واحد منهما طوافا على حدة و سعيا على حدة و كذا تسمية القرآن يدل على ما قلنا اذ القرآن حقيقة يكون بين شيئين اذ هو ضم شيء إلى شيء و معنى الضم حقيقة فيما قلنا لا فيما قاله و اعتبار الحقيقة أصل في الشريعة و أما الحديث فمعناه دخل وقت العمرة في وقت الحج لان سبب ذلك انهم كانوا يعدون العمرة في وقت الحج من أفجر الفجور ثم
رخص لهم النبي صلى الله عليه و سلم فقال دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة أى دخل وقت العمرة في وقت الجمعة و هو أشهر الحج و يحتمل ما قلنا و يحتمل ما قاله فلا يكون حجة مع الاحتمال و لو طاف القارن طوافين متواليين وسعى سعيين متواليين أجزأه و قد أساء اما الجواز فلانه أتى بوظيفة من الطوافين و السعيين و أما الاساءة فلتركه السنة و هي تقديم أفعال الحج على أفعال العمرة و لو طاف أولا بحجته وسعى لها ثم طاف لعمرته وسعى لها فنيته لغو و طوافه الاول و سعيه يكونان للعمرة لما مر أن أفعال العمرة تترتب على ما أوجبه إحرامه و إحرامه أوجب تقديم أفعال العمرة على أفعال الحج فلغت نيته و إذا فرغ من أفعال العمرة لا يحلق و لا يقصر لانه بقي محرما بإحرام الحج و ان كان متمتعا فإذا قدم مكة فانه يطوف و يسعى لعمرته ثم يحرم بالحج في أشهر الحج و يلبس الازار و الرداء و يلبى بالحج لان هذا ابتداء دخوله في الحج للاحرام بالحج و له ان يحرم من جوف مكة أو من الابطح أو من أى حرم شاء و له ان يحرم يوم التروية عند الخروج إلى منى و قيل يوم التروية و كلما قدم الاحرام بالحج على يوم التروية فهو أفضل عندنا و قال الشافعي الافضل ان يحرم يوم التروية و احتج بما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أصحابه بالاحرام يوم التروية فدل ان ذلك أفضل و لنا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال من أراد الحج فليتعجل و أدنى درجات الامر الندب و لان التعجيل من باب المسارعة إلى العبادة فكان أولي و لانه أشق على البدن لانه إذا أحرم بالحج يحتاج إلى الاجتناب عن محظورات الاحرام و أفضل الاعمال أحمزها على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم و أما الحديث فانما ندب إلى الاحرام بالحج يوم التروية لركن خاص اختار لهم الايسر على الافضل ألا ترى انه أمرهم بفسخ إحرام الحج و انه لا يفسخ اليوم و إذا أحرم المتمتع بالحج فلا يطوف بالبيت و لا يسعى في قول أبى حنيفة و محمد لان طواف القدوم للحج لمن قدم مكة بإحرام الحج و المتمتع انما قدم مكة بإحرام العمرة لا بإحرام الحج و انما يحرم للحج من مكة و طواف القدوم لا يكون بدون القدوم و كذلك لا يطوف و لا يسعى أيضا لان السعي بدون الطواف مشروع و لان المحل الاصلى للسعي ما بعد طواف الزيارة لان السعي واجب و طواف الزيارة فرض و الواجب يصلح تبعا للفرض فأما طواف القدوم فسنة و الواجب لا يتبع السنة الا أنه رخص تقديمه على محله الاصلى عقيب طواف القدوم فصار واجبا عقيبه بطريق الرخصة و إذا لم يوجد طواف القدوم يؤخر السعي إلى محله الاصلى فلا يجوز قبل طواف الزيارة و روى الحسن عن أبى حنيفة ان المتمتع إذا أحرم بالحج يوم التروية أو قبله فان شاء طاف وسعى قبل ان يأتى إلى منى و هو أفضل و روى هشام عن محمد انه ان طاف وسعى لا بأس به و وجه ذلك ان هذا الطواف ليس بواجب بل هو سنة و قد ورد الشرع بوجوب السعي عقيبه و ان كان واجبا رخصة و تيسيرا في حق المفرد بالحج و القارن فكذا المتمتع و الجواب نعم انه سنة لكنه سنة القدوم للحج لمن قدم بإحرام الحج و المتمتع لم يقدم مكة بإحرام الحج فلا يكون سنة في حقه و عن الحسن بن زياد انه فرق بينهما قبل الزوال و بعده فقال إذا أحرم يوم التروية طاف وسعى الا أن يكون أحرم بعد الزوال و وجهه ان بعد الزوال يلزمه الخروج إلى منى فلا يشتغل بغيره و قبل الزوال لا يلزمه الخروج فكان له ان يطوف و يسعى و الجواب ما ذكرنا و إذا فرغ المفرد بالحج أو القارن من السعي يقيم على إحرامه و يطوف طواف التطوع ماشيا إلى يوم التروية لان الطواف خير موضوع كالصلاة فمن شاء استقل و من شاء استكثر و طواف التطوع أفضل من صلاة التطوع للغرباء و اما لاهل مكة فالصلوة أفضل لان الغرباء يفوتهم الطواف اذ لا يمكنهم الطواف في كل مكان و لا تفوتهم الصلاة لانه يمكن فعلها في كل مكان و أهل مكة لا يفوتهم الطواف و لا الصلاة فعند الاجتماع الصلاة أفضل و على هذا الغازي الحارس في دار الحرب انه ان كان هناك من ينوب عنه في دار الحرب فصلاة التطوع أفضل له و ان لم يكن فالحراسة أفضل و لا يرمل في هذا الطواف بل يمشى على هينته و لا يسعى بعده بين الصفا و المروة السعي الاول و يصلى لكل أسبوع ركعتين في الوقت الذي لا يكره فيه التطوع و يكره الجمع بين أسبوعين من صلاة بينهما عند أبى حنيفة و محمد سواء انصرف
عن شفع أو وتر و قال أبو يوسف لا بأس به إذا انصرف عن وتر نحو ان ينصرف عن ثلاثة أسابيع أو عن خمسة أسابيع أو عن سبعة أسابيع و احتج بما روى عن عائشة رضى الله عنها انها كانت تجمع بين الطواف ثم تصلى بعده ثم فرق أبو يوسف بين انصرافه عن شفع أو عن وتر فقال إذا انصرف عن أسبوعين و ذلك أربعة عشر أو أربعة أسابيع و ذلك ثمانية و عشرون يكره و لو انصرف عن ثلاثة أو عن خمسة لا يكره لان الاول شفع و الثاني وتر وأصل الطواف سبعة و هي وتر و لهما ان ترتيب الركعتين على الطواف كترتيب السعي عليه لان كل واحد منهما واجب ثم لو جمع بين أسبوعين من الطواف و أخر السعي يكره فكذا إذا جمع بين أسبوعين منه و أخر الصلاة و أما حديث عائشة رضى الله عنها فيحمل أنها فعلت ذلك لضرورة و عذر فإذا كان يوم التروية و هو اليوم الثامن من ذي الحجة يروح مع الناس إلى منى فيصلى بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء و الفجر لما روى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال جاء جبريل إلى إبراهيم عليهما السلام يوم التروية فخرج به الي منى فصلى به الظهر و العصر و المغرب و العشاء و الفجر ثم غدا به إلى عرفات و روى عن جابر رضى الله عنه أنه قال لما كان يوم التروية توجه النبي صلى الله عليه و سلم إلى منى فصلى بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء و الصبح ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس و سار إلى عرفات فان دفع منها قبل طلوع الشمس جاز و الاول أفضل لما روينا فيخرج إلى عرفات على السكينة و الوقار فإذا انتهى إليها نزل بها حيث أحب الا في بطن عرنة لما روى عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال عرفات كلها موقف الا بطن عرنة و يغتسل يوم عرفة و غسل يوم عرفة سنة كغسل يوم الجمعة و العيدين و عند الاحرام و ذكر في الاصل ان اغتسل فحسن و هذا يشير إلى الاستحباب ثم غسل يوم عرفة لاجل يوم عرفة أو لاجل الوقوف فيجوز ان يكون على الاختلاف الذي ذكرنا في غسل يوم الجمعة في كتاب الطهارة فإذا زالت الشمس صعد الامام المنبر فاذن المؤذنون و الامام على المنبر في ظاهر الرواية فإذا فرغوا من الاذان قام الامام و خطب خطبتين و عن أبى يوسف ثلاث روايات روى عنه مثل قول أبى حنيفة و محمد و روى عنه انه يؤذن المؤذن و الامام في الفسطاط ثم يخرج بعد فراغ المؤذن من الاذان فيصعد المنبر و يخطب و روى الطحاوي عنه في باب خطب الحج أن الامام يبدأ بالخطبة قبل الاذان فإذا مضى صدر من خطبته أذن المؤذنون ثم يتم خطبته بعد الاذان اما تقديم الخطبة على الصلاة فلان النبي صلى الله عليه و سلم قدمها على الصلاة و لان المقصود من هذه الخطبة تعليم أحكام المناسك فلا بد من تقديمها ليعلموا و لانه لو أخرها يتبادر القوم إلى الوقوف و لا يستمعون فلا يحصل المقصود من هذه الخطبة ثم هذه الخطبة سنة و ليست بفريضة حتى لو جمع بين الظهر و العصر فصلاهما من خطبة أجزأه بخلاف خطبة الجمعة لانه لا تجوز الجمعة بدونها و الفرق ان هذه الخطبة لتعليم المناسك لا لجواز الجمع بين الصلاتين و فرضية خطبة الجمعة لقصر الصلاة و قيامها مقام البعض على ما قالت عائشة رضى الله عنها انما قصرت الجمعة لمكان الخطبة و قصر الصلاة ترك شطرها و لا يجوز ترك الفرض الا لاجل الفرض فكانت الخطبة فرضا و لا قصر ههنا لان كل واحد من الفرضين يؤدى على الكمال و التمام فلم تكن الخطبة فرضا الا انه يكون مسيأ بترك الخطبة لانه ترك السنة و لو خطب قبل الزوال أجزأه و قد أساء اما الجواز فلان هذه الخطبة ليست من شطر الصلاة فلا يشترط لها الوقت و أما الاساءة فلتركه السنة اذ السنة ان تكون الخطبة بعد الزوال بخلاف خطبة يوم الجمعة فانه إذا خطب قبل الزوال لا تجوز الجمعة لان الخطبة هناك من فرائض الجمعة ألا ترى انه قصرت الجمعة لمكانها و لا يترك بعض الفرض الا لاجل الفرض و اما الكلام في وقت صعود الامام على المنبر انه يصعد قبل الاذان أو بعده فوجه رواية أبى يوسف ان الصلاة التي تؤدى في هذا الوقت هى صلاة الظهر و العصر فيكون الاذان فيهما قبل خروج الامام كما في سائر الصلوات و كما في الظهر و العصر في هذا المكان و الزمان وجه ظاهر الرواية ان هذه الخطبة لما كانت متقدمة على الصلاة كان هذا الاذان للخطبة فيكون بعد صعود الامام على المنبر كخطبة الجمعة و قد خرج الجواب عما قاله أبو يوسف ان
هذه صلاة الظهر و العصر لانا نقول نعم لكن نقدم عليها الخطبة فيكون وقت الاذان بعد ما صعد الامام المنبر للخطبة كما في خطبة الجمعة فإذا فرغ المؤذنون من الاذان قام الامام و خطب خطبتين قائما يفصل بينهما بجلسة خفيفة كما يفصل في خطبة الجمعة وصفة الخطبة هى ان يحمد الله تعالى و يثنى عليه و يكبر و يهلل و يعظ الناس فيأمرهم بما أمرهم الله عز و جل و ينهاهم عما نهاهم الله عنه و يعلمهم مناسك الحج لان الخطبة في الاصل وضعت لما ذكرنا من الحمد و الثناء و التهليل و التكبير و الوعظ و التذكير و يزاد في هذه الخطبة تعليم معالم الحج لحاجة الحجاج إلى ذلك ليتعلموا الوقوف بعرفة و الافاضة منها و الوقوف بمزدلفة فإذا فرغ من الخطبة أقام المؤذنون فصلى الامام بهم صلاة الظهر ثم يقوم المؤذنون فيقيمون للعصر فيصلى بهم الظهر و العصر باذان واحد و إقامتين و لا يشتغل الامام و القوم بالسنن و التطوع فيما بينهما لان النبي صلى الله عليه و سلم جمع بينهما بعرفة يوم عرفة باذان واحد و إقامتين و لم يتنفل قبلهما و لا بعدهما مع حرصه على النوافل فان اشتغلوا فيما بينهما بتطوع أو غيره أعادوا الاذان للعصر لان الاصل ان يؤذن لكل مكتوبة و انما عرف ترك الاذان بفعل النبي صلى الله عليه و سلم و انه لم يشتغل فيما بين الظهر و العصر بالتطوع و لا بغيره فبقى الامر عند الاشتغال على الاصل و يخفى الامام القراءة فيهما بخلاف الجمعة و العيدين فانه يجهر فيهما بالقراءة لان الجهر بالقراءة هناك من الشعائر و السبيل في الشعائر اشهارها و فى الجهر زيادة اشهار فشرعت تلك الصلاة كذلك فأما الظهر و العصر فهما على حالهما لم يتغيرا لانهما كظهر سائر الايام و عصر سائر الايام و الحادث ليس الا اجتماع الناس و اجتماعهم للوقوف لا للصلاة و انما اجتماعهم في حق الصلاة حصل اتفاقا ثم ان كان الامام مقيما من أهل مكة يتم كل واحدة من الصلاتين أربعا أربعا و القوم يتمون معه و ان كانوا مسافرين لان المسافر إذا اقتدى بالمقيم في الوقت يلزمه الاتمام لانه بالاقتداء بالامام صار تابعا له في هذه الصلاة و ان كان الامام مسافرا يصلى كل واحدة من الصلاتين ركعتين ركعتين فإذا سلم يقول لهم أتموا صلاتكم يا أهل مكة فانا قوم سفر ثم لجواز الجمع أعنى تقديم العصر على وقتها و اداءها في وقت الظهر شرائط بعضها متفق عليه و بعضها مختلف فيه أما المتفق عليه فهو شرطان أحدهما أن يكون اداؤها عقيب الظهر لا يجوز تقديمها عليها لانها شرعت مرتبة على الظهر فلا يسقط الترتيب الا بأسباب مسقطة و لم توجد فلا تسقط فلزم مراعاة الترتيب و الثاني أن تكون مرتبة على ظهر جائزة استحسانا حتى لو صلى الامام بالناس الظهر و العصر في يوم غيم ثم استبان لهم أن الظهر وقعت قبل الزوال و العصر بعد الزوال فعليهم اعادة الظهر و العصر جميعا استحسانا و القياس أن لا يكون هذا شرطا و ليس عليه الا اعادة الظهر وجه القياس الاعتبار بسائر الايام فانه إذا صلى العصر في سائر الايام على ظن أنه صلى الظهر ثم تبين أنه لم يصلها يعيد الظهر خاصة كذا ههنا و الجامع أنه صلى العصر على ظن أنه ليس عليه الا اعادة الظهر فاشبه الناسي و النسيان عذر مسقط للترتيب وجه الاستحسان أن العصر مؤداة قبل وقتها حقيقة فالأَصل أن لا يجوز اداء العبادة المؤقتة قبل وقتها و انما عرفنا جوازها بالنص مرتبة على ظهر جائزة فإذا لم تجز بقي الامر فيها على الاصل و أما المختلف فيه فمنها أن يكون اداء الصلاتين بالجماعة عند أبى حنيفة حتى لو صلى العصر وحده أو الظهر وحده لا تجوز العصر قبل وقتها عنده و عند أبى يوسف و محمد هذا ليس بشرط و يجوز تقديمها على وقتها وجه قولهما أن جواز التقديم لصيانة الوقوف بعرفة لان اداء العصر في وقتها يحول بينه و بين الوقوف و هذا المعنى لا يوجب الفصل بين الوحدان و الجماعة و لابي حنيفة أن الجواز ثبت معدولا به عن الاصل لانها عبادة مؤقتة و العبادات المؤقتة لا يجوز تقديمها على أوقاتها الا أن جواز تقديم العصر على وقتها ثبت بالنص معقول المعنى فيراعى فيه عين ما ورد به النص و النص ورد بجواز اداء العصر كاملا مرتبا على ظهر كامل و هي المؤداة بالجماعة و المؤداة لا بجماعة لا تساويها في الفضيلة فلا يكون في معنى المنصوص عليه و قولهما ان الجواز ثبت لصيانة الوقوف ممنوع و لا يجوز أن يكون مطلوبهم به لان الصلاة لا تنافي الوقوف لانها في نفسها وقوف و الشئ لا ينافى نفسه و انما ثبت نصا معقول المعنى فيتبع فيه مورد النص و هو ما ذكرنا و لم يوجد و لو أدرك
ركعة من كل واحدة من الصلاتين مع الامام بان أدرك ركعة من الظهر ثم قام الامام و دخل في العصر فقام الرجل و قضى ما فاته من الظهر فلما فرغ من الظهر دخل في صلاة الامام في العصر و أدرك شيأ من كل واحدة من الصلاتين مع الامام جاز له تقديم العصر بلا خلاف لانه أدرك فضيلة الجماعة فتقع العصر مرتبة على ظهر كامل و منها أن يكون اداء الصلاتين بإمام و هو الخليفة أو نائبه في قول أبى حنيفة حتى لو صلى الظهر بجماعة لكن لا مع الامام و العصر مع الامام لم تجز العصر عنده و عندهما هذا ليس بشرط و الصحيح قول أبى حنيفة لما ذكرنا أن جواز التقديم ثبت معدولا به عن الاصل مرتبا على ظهر كامل و هي المؤداة بالجماعة مع الامام أو نائبه فالمؤداة بجماعة من امام أو نائبه لا تكون مثلها في الفضيلة فلا تكون في معنى مورد النص و لو أحدث الامام بعد ما خطب فأمر رجلا بالصلاة جاز له أن يصلى بهم الصلاتين جميعا سواء شهد المأمور الخطبة أو لم يشهد بخلاف الجمعة لان الخطبة ليست هناك من شرائط جواز الجمعة و ههنا الخطبة ليست بشرط لجواز الجمع بين الصلاتين و الفرق ما بينا فان لم يأمر الامام أحدا فتقدم واحد من عرض الناس وصلى بهم الصلاتين جميعا لم يجز الجمع في قول أبى حنيفة لان الامام أو نائبه شرط عنده و لم يوجد و عندهما يجوز و ان كان المتقدم رجلا من ذي سلطان كالقاضي و صاحب الشرط جاز لانه نائب الامام فان كان الامام سبقه الحدث في الظهر فاستخلف رجلا فانه يصلى بهم الظهر و العصر لانه قائم مقام الامام فان فرغ من العصر قبل أن يرجع الامام فان الامام لا يصلى العصر الا في وقتها لانه لما استخلف صار كواحد من المؤتمين و المؤتم إذا صلى الظهر مع الامام و لم يصل العصر معه لا يصلى العصر الا في وقتها كذا هذا و منها أن يكون محرما بالحج حال اداء الصلاتين جميعا حتى لو صلى الظهر بجماعة مع الامام و هو حلال من أهل مكة ثم أحرم للحج لا يجوز له أن يصلى العصر الا في وقتها كذا ذكر في نوادر الصلاة و روى عن أبى حنيفة في رواية الاصول أنه يجوز و هو قول زفر و الصحيح رواية النوادر لان العصر شرعت مرتبة على ظهر كامل و هو ظهر المحرم و ظهر الحلال لا يكون مثل ظهر المحرم في الفضيلة فلا يجوز ترتيب العصر على ظهر هى دون المنصوص عليه و على هذا إذا صلى الظهر بجماعة مع الامام و هو محرم لكن بإحرام العمرة ثم أحرم بالحج لا يجزئه العصر الا في وقتها و عند زفر يجوز كما في المسألة الاولى و الصحيح قولنا لان ظهر المحرم بالعمرة لا يكون مثل ظهر المحرم بالحج في الفضيلة فلا يكون اداء العصر في معنى مورد النص فلا تجوز الا في وقتها و لو نفر الناس عن الامام فصلى وحده الصلاتين أجزاه و دلت هذه المسألة على أن الشرط في الحقيقة هو الامام عند أبى حنيفة لا الجماعة فان الصلاتين جازتا للامام و لا جماعة فتبنى المسائل عليه اذ هو اقرب إلى الصيغة و لا يلزمه على هذا ما إذا سبق الامام الحدث في صلاة الظهر فاستخلف رجلا و ذهب الامام ليتوضأ فصلى الخليفة الظهر و العصر ثم جاء الامام أنه لا يجوز له أن يصلى العصر الا في وقتها لان عدم الجواز هناك ليس لعدم الجماعة بل لعدم الامام لانه خرج عن ان يكون اماما فصار كواحد من المؤتمين أو يقال الجماعة شرط الجمع عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لكن في حق الامام لا في حق الامام و الله تعالى الموفق فان مات الامام فصلى بالناس خليفته جاز لان موت الامام لا يوجب بطلان ولاية خلفائه كولاية السلطنة و القضاء فإذا فرغ الامام من الصلاة راح إلى الموقف عقيب الصلاة و راح الناس معه لان النبي صلى الله عليه و سلم راح اليه عقيب الصلاة و يرفع الايدى بسطا يستقبل كما يستقبل الداعي بيده و وجهه لما روى عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو بعرفات باسطا يديه في نحره كاستطعام المسكين فيقف الامام و الناس إلى غروب الشمس يكبرون و يهللون و يحمدون الله تعالى و يثنون عليه و يصلون على النبي صلى الله عليه و سلم و يسألون الله تعالى حوائجهم و يتضرعون اليه بالدعاء لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أفضل الدعاء دعاء أهل عرفة و أفضل ما قلت و قالت الانبياء قبلى عشية يوم عرفة لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد يحيى و يميت و هو حى لا يموت بيده الخير و هو على كل شيء قدير و عن على رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ان أكثر دعائي و دعاء
الانبياء قبل عشية يوم عرفة لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد يحيى و يميت و هو على كل شيء قدير أللهم اجعل في قلبى نورا و فى سمعي نورا و فى بصري نورا أللهم اشرح لي صدري و يسر لي أمري و أعوذ بك من وسواس الصدور و سيآت الامور و فتنة الفقر أللهم انى أعوذ بك من شر ما يلج في الليل و شر ما تهب به الرياح و ليس عن أصحابنا فيه دعاء مؤقت لان الانسان يدعو بما شاء و لان توقيت الدعاء يذهب بالرقة لانه يجرى على لسانه من قصده فيبعد عن الاجابة و يلبى في موقفه ساعة بعد ساعة و لا يقطع التلبية و هذا قول عامة العلماء و قال مالك إذا وقف بعرفة يقطع التلبية و الصحيح قول العامة لما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لبى حتى رمى جمرة العقبة و روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه لبى عشية يوم عرفة فقيل له ليس هذا موضع التلبية فقال أجهل الناس أم نسوا فو الذي بعث محمدا بالحق لقد حججت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة الا أن يخللها أو يخلطها بتكبير و تهليل و لان التلبية ذكر يؤتى به في ابتداء هذه العبادة و تكرر في اثنائها فاشبه التكبير في باب الصلاة و كان ينبغى أن يؤتى به إلى آخر أركان هذه العبادة كالتكبير الا أنا تركنا القياس فيما بعد رمى جمرة العقبة أو ما يقوم مقام الرمى في القطع بالاجماع فبقى الامر فيما قبل ذلك على أصل القياس و سواء كان مفردا بالحج أو قارنا أو متمتعا بخلاف المفرد بالعمرة أنه يقطع التلبية إذا استلم الحجر حين يأخذ في طواف العمرة لان الطواف ركن في العمرة فاشبه طواف الزيارة في الحج و هناك يقطع التلبية قبل الطواف كذا ههنا و الافضل أن يكون في الموقف مستقبل القبلة لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال خير المجالس ما استقبل به القبلة و روى عن جابر رضى الله عنه أنه قال ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى الموقف فاستقبل به القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس فان انحرف قليلا لم يضره لان الوقوف ليس بصلاة و كذا لو وقف و هو محدث أو جنب لم يضره لما مر أن الوقوف عبادة لا يتعلق بالبيت فلا يشترط له الطهارة كرمى الجمار و الافضل للامام أن يقف على راحلته لان النبي صلى الله عليه و سلم وقف راكبا و كلما قرب في وقوفه من الامام فهو أفضل لان الامام يعلم الناس و يدعو فكلما كان أقرب كان أمكن من السماع و عرفات كلها موقف الا بطن عرنة فانه يكره الوقوف فيه لما ذكرنا في بيان مكان الوقوف فيقف إلى غروب الشمس فإذا غربت الشمس دفع الامام و الناس معه و لا يدفع أحد قبل غروب الشمس لا الامام و لا غيره لما مر أن الوقوف إلى غروب الشمس واجب و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه خطب عشية عرفة فقال أما بعد فان هذا يوم الحج الاكبر و ان الجاهلية كانت تدفع من ههنا و الشمس على رؤوس الجبال مثل العمائم على رؤوس الرجال فخالفوهم و أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالدفع منه بعد الغروب فان خاف بعض القوم الزحام أو كانت به علة فيقدم قبل الامام قليلا و لم يجاوز حد عرفة فلا بأس به لانه إذا لم يجاوز حد عرفة فهو في مكان الوقوف و قد دفع الضرر عن نفسه و ان ثبت على مكانه حتى يدفع الامام فهو أفضل لقوله تعالي ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس و ينبغي للناس أن يدفعوا و عليهم السكينة و الوقار حتى يأتوا مزدلفة لما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم أفاض من عرفة و عليه السكينة حتى روى أنه كان يكبح ناقته و روى أنه لما دفع من عرفات فقال أيها الناس ان البر ليس في إيجاف الخيل و لا في ابضاع الابل بل على هينتكم و لان هذا مشى إلى الصلاة لانهم يأتون مزدلفة ليصلوا بها المغرب و العشاء و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم إذا أتيتم الصلاة فأتوها و أنتم تمشون و لا تأتوها و أنتم تسعون و عليكم السكينة و الوقار فان أبطأ الامام بالدفع و تبين للناس الليل دفعوا قبل الامام لانه إذا تبين الليل فقد جاء أو ان الدفع و الامام بالتأخير ترك السنة فلا ينبغى لهم أن يتركوها و إذا أتى مزدلفة ينزل حيث شاء عن يمين الطريق أو عن يساره و لا ينزل على قارعة الطريق و لا في وادي محسر لقول النبي صلى الله عليه و سلم مزدلفة كلها موقف الا وادي محسر و انما لا ينزل على الطريق لانه يمنع الناس عن الجواز فيتأذون به فإذا دخل وقت العشاء يؤذن المؤذن و يقيم فيصلى الامام بهم صلاة المغرب في وقت صلاة العشاء ثم يصلى بهم صلاة العشاء بأذان واحد و اقامة واحدة في قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر باذان واحد و إقامتين و قال الشافعي
بأذانين و اقامة واحدة احتج زفر بما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى المغرب و العشاء بمزدلفة بإقامتين و لان هذا أحد نوعى الجمع فيعتبر بالنوع الآخر و هو الجمع بعرفة و الجمع هناك بأذان واحد و إقامتين كذا ههنا و لنا ما روى عن عبد الله بن عمر و خزيمة بن ثابت رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى المغرب و العشاء بمزدلفة بأذان واحد و اقامة واحدة و عن أبى أيوب الانصاري رضى الله عنه أنه قال صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بأذان واحد و اقامة واحدة و ما احتج به زفر محمول على الاذان و الاقامة فيسمى الاذان اقامة كما يقال سنة العمرين و يراد به سنة أبى بكر و عمر رضى الله عنهما و قال صلى الله عليه و سلم بين كل أذانين صلاة لمن شاء الا المغرب و أراد به الاذان و الاقامة كذا ههنا و القياس على الجمع الا آخر سديد لان هناك الصلاة الثانية و هي العصر تؤدى في وقتها فتقع الحاجة إلى اقامة أخرى للاعلام بالشروع فيها و الصلاة الثانية ههنا و هي العشاء تؤدى في وقتها فيستغنى عن تجديد الاعلام كالوتر مع العشاء و لا يتشاغل بينهما بتطوع و لا بغيره لان النبي صلى الله عليه و سلم لم يتشاغل بينهما بتطوع و لا بغيره فان تطوع بينهما أو تشاغل بشيء أعاد الاقامة للعشاء لانها انقطعت عن الاعلام الاول فاحتاجت إلى إعلام آخر فان صلى المغرب وحده و العشاء وحده أجزأه بخلاف الظهر و العصر بعرفة على قول أبى حنيفة أنه لا يجوز الا بجماعة عنده و الفرق له أن المغرب تؤدى فيما هو وقتها في الجملة ان لم يكن وقت ادائها فكان الجمع ههنا بتأخير المغرب عن وقت ادائها فيجوز فعلها وحده كما لو تأخرت عنه بسبب آخر فقضاه في وقت العشاء وحده و العصر هناك تؤدى فيما ليس وقتها أصلا و رأسا فلا يجوز اذ لا جواز للصلاة قبل وقتها و انما عرفنا جوازها بالشرع و انما ورد الشرع بها بجماعة فيتبع مورد الشرع و الافضل أن يصليهما مع الامام بجماعة لان الصلاة بجماعة أفضل و لو صلى المغرب بعد غروب الشمس قبل أن يأتى مزدلفة فان كان يمكنه أن يأتى مزدلفة قبل طلوع الفجر لم تجز صلاته و عليه إعادتها ما لم يطلع الفجر في قول أبى حنيفة و محمد و زفر و الحسن و قال أبو يوسف تجزئه و قد أساء و على هذا الخلاف إذا صلى العشاء في الطريق بعد دخول وقتها وجه قوله أنه أدى المغرب و العشاء في وقتيهما لانه ثبت كون هذا الوقت وقتا لهما بالكتاب العزيز و السنن المشهورة المطلقة عن المكان على ما ذكرنا في كتاب الصلاة فيجوز كما لو أداها في ليلة المزدلفة الا أن التأخير سنة و ترك السنة لا يسلب الجواز بل يوجب الاساءة و لهما ما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما دفع من عرفات و كان اسامة بن زيد رضى الله عنه رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فلما بلغ الشعب الايسر الذي دون المزدلفة اناخ فبال ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ و ضوأ خفيفا فقلت الصلاة يا رسول الله فقال الصلاة أمامك و روى أنه صلى الله عليه و سلم قال المصلى امامك فجاء مزدلفة فتوضأ فاسبغ الوضوء فدل الحديث على اختصاص جوازها في حال الاختيار و الامكان بزمان و مكان و هو وقت العشاء بمزدلفة و لم يوجد فلا يجوز و يؤمر بالاعادة في وقتها و مكانها ما دام الوقت قائما فان لم يعد حتى طلع الفجر أعاد إلى الجواز عندهما أيضا لان الكتاب الكريم و السنن المشهورة تقتضي الجواز لانها تقتضي كون الوقت وقتا لها و انها مطلقة عن المكان و حديث اسامة رضى الله عنه يقتضى عدم الجواز و انه من أخبار الآحاد و لا يجوز العمل بخبر الواحد على وجه يتضمن بطلان العمل بالكتاب و السنن المشهورة فيجمع بينهما فيعمل بخبر الواحد فيما قبل طلوع الفجر و يؤمر بالاعادة و يعمل بالكتاب العزيز و السنن المشهورة فيما بعد طلوعه فلا نأمره بالاعادة عملا بالدلائل بقدر الامكان هذا إذا كان يمكنه أن يأتى مزدلفة قبل طلوع الفجر فاما إذا خشى أن يطلع الفجر قبل أن يصل إلى مزدلفة لاجل ضيق الوقت بان كان في آخر الليل بحيث يطلع الفجر قبل أن يأتى مزدلفة فانه يجوز بلا خلاف هكذا روى الحسن عن أبى حنيفة لان بطلوع الفجر يفوت وقت الجمع فكان في تقديم الصلاة صيانتها عن الفوات فان كان لا يخشى الفوات لاجل ضيق الوقت و لكنه ضل عن الطريق لا يصلى بل يؤخر إلى أن يخاف طلوع الفجر لو لم يصل فعند ذلك يصلى لما ذكرنا و الله الموفق و يبيت ليلة المزدلفة بمزدلفة لان رسول الله صلى الله عليه و سلم بات بها فان مر بها مارا بعد طلوع الفجر من أن يبيت بها فلا شيء عليه و يكون مسيأ و انما لا يلزمه شيء لانه
أتى بالركن و هو كينونته بمزدلفة بعد طلوع الفجر لكنه يكون مسيأ لتركه السنة و هي البيتوتة بها فإذا طلع الفجر صلى الامام بهم صلاة الفجر بغلس لما روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى صلاة لغير ميقاتها الا صلاة العصر بعرفة و صلاة المغرب بجمع و صلاة الفجر يومئذ فانه صلاها قبل وقتها بغلس أى صلاها قبل وقتها المستحب بغلس و لان الفائت بالتغليس فضيلة الاسفار و انها ممكن الاستدراك في كل يوم فاما فضيلة الوقوف فلا تستدرك في ذلك اليوم فإذا صلى الامام بهم وقف بالناس و وقفوا وراءه أو معه و الافضل أن يكون موقفهم على الجبل الذي يقال له قزح و هو تأويل ابن عباس للمشعر الحرام أنه الجبل و ما حوله و عند عامة أهل التأويل المشعر الحرام هو مزدلفة فيقفون إلى أن يسفر جدا يدعون الله تعالى و يكبرون و يهللون و يحمدون الله تعالى و يثنون عليه و يصلون على النبي صلى الله عليه و سلم و يسألون حوائجهم ثم يدفع منها إلى منى قبل طلوع الشمس لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ان الجاهلية كانت تنفر من هذا المقام و الشمس على رؤوس الجبال فخالفوهم فأفاض قبل طلوع الشمس و قد كانت الجاهلية تقول بمزدلفة أشرق ثبير كما نغير و هو جبل عال تطلع عليه الشمس قبل كل موضع فخالفهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فدفع قبل طلوع الشمس و ان دفع بعد طلوع الشمس قبل ان يصلى الناس الفجر فقد أساء و لا شيء عليه أما الاساءة فلان السنة ان يصلى الفجر و يقف ثم يفيض فإذا لم يفعل فقد ترك السنة فيكون مسيأ و اما عدم لزوم شيء فلانه وجد منه الركن و هو الوقوف و لو ساعة و إذا أفاض من جمع دفع على هينته لان النبي صلى الله عليه و سلم كذا فعل و يأخذ حصى الجمار من مزدلفة أو من الطريق لما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر ابن عباس رضى الله عنهما ان يأخذ الحصى من مزدلفة و عليه فعل المسلين و هو أحد نوعى الاجماع و ان رمى بحصاة أخذها من الجمرة أجزأه و قد أساء و قال مالك لا تجزئه لانها حصى مستعملة و لنا قوله صلى الله عليه و سلم ارم و لا حرج مطلقا و تعليل مالك لا يستقيم على أصله لان الماء المستعمل عنده طاهر و طهور حتى يجوز الوضوء به فالحجارة المستعملة أولى و انما كره ذلك عندنا لما روى انه سئل ابن عباس فقيل له ان من عهد إبراهيم إلى يومنا هذا في الجاهلية و الاسلام يرمى الناس و ليس ههنا الا هذا القدر فقال كل حصاة تقبل فانها ترفع و ما لا يقبل فانه يبقى و مثل هذا لا يعرف الا سماعا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فيكره ان يرمى بحصاة لم تقبل فيأتى منى فيرمى جمرة العقبة سبع حصيات لما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أتى منى لم يعرج على شيء حتى رمى جمرة العقبة سبع حصيات و يقطع التلبية مع أول حصاة يرمى بها جمرة العقبة لما روى أسامة بن زيد و الفضل ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قطع التلبية عند أول حصاة رمى بها جمر العقبة و كان اسامة رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم من عرفات الي مزدلفة و الفضل كان رديفه من مزدلفة إلى منى و روى ان ابن عباس سئل عن ذلك فقال أخبرني أخى لفضل ان النبي صلى الله عليه و سلم قطع التلبية عند أول حصاة رمى بها جمرة العقبة و كان رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم و سواء كان في الحج الصحيح أو في الحج الفاسد انه يقطع التلبية مع أول حصاة يرمى بها جمرة العقبة لان أعمالها لا تختلف فلا يختلف وقت قطع التلبية و سواء كان مفردا بالحج أو قارنا أو متمتعا لان القارن و المتمتع كل واحد منهما محرم بالحج فكان كالمفرد به و لا يقطع القارن التلبية إذا أخذ في طواف العمرة لانه محرم بإحرام الحج و انما يقطع عندما يقطع المفرد بالحجة لانه بعد إتيانه بالعمرة كالمفرد بالحج فما المحرم بالعمرة المفردة فانه يقطع التلبية إذا استلم الحجر و أخذ في طواف العمرة و الفرق بين المحرم بالحج و بين المحرم بالعمرة المفردة ذكرناه فيما تقدم و قال مالك في المفرد بالعمرة يقطع التلبية إذا رأى البيت و هذا سديد لان قطع التلبية يتعلق بفعل هو نسك كالرمى في حق المحرم بالحج و رؤية البيت ليس بنسك فلا يقطع عندنا فاما استلام الحجر فنسك كالرمى فيقطع عنده لا عند الرؤية قال محمد ان فائت الحج إذا تحلل بالعمرة يقطع التلبية حين يأخذ في الطواف كذا هذا و القارن إذا فاته الحج يقطع التلبية في الطواف و الثاني الذي يتحلل به من حجته لان العمرة
ما فاتته اذ ليس لها وقت معين فياتى بها فيطوف و يسعى كما كان يفعل لو لم يفته الحج و انما فاته فيفعل ما يفعله فائت الحج و هو ان يتحلل بافعال العمرة و هي الطواف و السعي كالمقيم فيقطع التلبية إذا أخذ في طواف الحج و المحصر يقطع التلبية إذا ذبح عنه هديه لانه إذا ذبح هديه فقد تحلل و لا تلبية بعد التحلل فان حلق الحاج قبل ان يرمى جمرة العقبة يقطع التلبية لانه بالحلق تحلل من الاحرام لما روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لمن حلق قبل الرمى ارم و لا حرج فثبت أن التحلل من الاحرام يحصل بالحلق قبل الرمى و لا تلبية بعد التحلل فان زار البيت قبل ان يرمى و يحلق و يذبح قطع التلبية في قول أبى حنيفة و روى عن أبى يوسف انه يلبى ما لم يحلق أو تزول الشمس من يوم النحر و عن محمد ثلاث روايات في رواية مثل قول أبى حنيفة و روى هشام عنه و روى ابن سماعة عنه أن من لم يرم قطع التلبية إذا غربت الشمس من يوم النحر و روى هشام عنه رواية أخرى انه يقطع التلبية إذا مضت أيام النحر فظاهر روايته مع أبى حنيفة وجه قول أبى يوسف انه و ان طاف فاحرامه قائم لم يتحلل بهذا الطواف إذا لم يحلق بدليل انه لا يباح له الطيب و اللبس فالتحق الطواف بالعدم و صار كانه لم يطف فلا يقطع التلبية الا إذا زالت الشمس لان من أصله ان هذا الرمى مؤقت بالزوال فإذا زالت الشمس يفوت وقته و يفعل بعده قضأ فصار فواته عن وقته بمنزلة فعله في وقته و عند فعله في وقته يقطع التلبية كذا عند فواته عن وقته بخلاف ما إذا حلق قبل الرمى لانه تحلل بالحق و خرج عن إحرامه حتى يباح له الطيب و اللبس لذلك افترقا و لهما أن الطواف و ان كان قبل الرمى و الحلق و الذبح فقد وقع التحلل به في حق النساء بدليل انه لو جامع بعده لا يلزمه بدنة فكان التحلل بالطواف كالتحلل بالحلق فيقطع التلبية به كما يقطع بالحلق و قد خرج الجواب عن قوله ان إحرامه قائم بعد الطواف لانا نقول نعم لكن في حق الطيب و اللبس لا في حق النساء فلم يكن قائما مطلقا و التلبية لم تشرع الا في الاحرام المطلق و لو ذبح قبل الرمى يقطع التلبية في قول أبى حنيفة إذا كان قارنا أو متمتعا و هو احدى الروايتين عن محمد و ان كان مفردا بالحج لا يقطع لان الذبح من القارن و المتمتع محلل كالحلق و لا تلبية بعد التحلل فاما المفرد فتحلله لا يقف على ذبحه الا ترى انه ليس بواجب عليه فلا يقطع عنده التلبية و روى ابن سماعة عن محمد انه لا يقطع التلبية و التحلل لا يقع بالذبح على هذه الرواية عنده و انما يقع بالرمي أو بالحلق و يرمى سبع حصيات مثل حصى الخزف لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لعبد الله بن عباس رضى الله عنهما ائتنى بسبع حصيات مثل حصى الخزف فاتاه بهن فجعل يقلبهن بيده و يقول مثلهن بمثلهن لا تغلوا فانما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين و قد قالوا لا يزيد على ذلك لما روى عن معاذ رضى الله عنه انه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنى و علمنا المناسك و قال ارموا سبع حصيات مثل حصى الخزف و وضع احدى سبابتيه على الاخرى كانه يخذف و لانه لو كان أكبر من ذلك فلا يؤمن ان يصيب غيره لازدحام الناس فيتأذى به و يرمى من بطن الوادي و يكبر مع كل حصاة يرميها لما روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه رمى جمرة العقبة سبع حصيات من بطن الوادي يكبر مع كل حصاة يرميها فقيل له ان ناسا يرمون من فوقها فقال عبد الله رضى الله عنه هذا و الذى لا اله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة و كذا روى عن ابن عمر رضى الله عنهما انه كان يرمى جمرة العقبة بسبع حصيات يتبع كل حصاة بتكبيرة و يقول ان النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك و عن ابنه سالم بن عبد الله انه استبطن الوادي فرمى الجمرة سبع حصيات يكبر مع كل حصاة الله أكبر الله أكبر أللهم اجعله حجا مبرورا و ذنبا مغفورا و عملا مشكورا و قال حدثنى أبى أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرمى جمرة العقبة من هذا المكان و يقول كلما رمى بحصاة مثل ما قلت و ان رمى من فوق العقبة أجزأه لكن السنة ما ذكرنا و كذا لو جعل بدل التكبير تسبيحا أو تهليلا جاز و لا يكون مسيأ و قد قالوا إذا رمى للعقبة يجعل الكعبة عن يساره و منى عن يمينه و يقوم فيها حيث يرى موقع حصاه لما روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه لما انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل الكعبة عن يساره و منى عن يمينه و بأى شيء رمى أجزأه حجرا كان أو طينا أو غيرهما مما هو من جنس الارض و هذا عندنا
و قال الشافعي لا يجوز الا بالحجر وجه قوله ان هذا أمر يعرف بالتوقيف و التوقيف ورد بالحصى و الحصى هى الاحجار الصغار و لنا ما روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ارم و لا حرج و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أول نسكنا في يومنا هذا الرمى ثم الذبح ثم الحلق و روى عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال من رمى و ذبح و حلق فقد حل له كل شيء الا النساء مطلقا عن صفة الرمى و الرمى بالحصى من النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه رضى الله عنهم محمول على الافضلية لا الجواز توفيقا بين الدلائل لما صح من مذهب أصحابنا أن المطلق لا يحمل على المقيد بل يجرى المطلق على إطلاقه و المقيد على تقييده ما أمكن و ههنا أمكن بأن يحمل المطلق على أصل الجواز و المقيد على الافضلية و لا يقف عند هذه الجمرة للدعاء بل ينصرف إلى رحله و الاصل أن كل رمى ليس بعده رمى في ذلك اليوم لا يقف عنده و كل رمى بعده رمى في ذلك اليوم يقف عنده لان النبي صلى الله عليه و سلم لم يقف عند جمرة العقبة و وقف عند الجمرتين ثم الرمى ماشيا أفضل أو راكبا فقد روى عن أبى يوسف انه فصل في ذلك تفصيلا فانه حكى ان إبراهيم بن الجراح دخل على أبى يوسف و هو مريض في المرض الذي مات فيه فسأله أبو يوسف فقال أيهما أفضل الرمى ماشيا أو راكبا فقال ماشيا فقال أخطأت ثم قال راكبا فقال أخطأت و قال كل رمى بعده رمى فالماشى أفضل و كل رمى لا رمى بعده فالراكب أفضل قال فخرجت من عنده فسمعت الناعي بموته قبل ان أبلغ الباب ذكرنا هذه الحكاية ليعلم انه بلغ حرصه في التعليم حتى لم يسكت عنه في رقمه فيقتدى به في التحريض على التعليم و هذا لما ذكرنا ان كل رمى بعده رمى فالسنة فيه هو الوقوف للدعاء و الماشي أمكن للوقوف و الدعاء و كل رمى لا رمى بعده فالسنة فيه هو الانصراف لا الوقوف و الراكب أمكن من الانصراف فان قيل أ ليس انه روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه رمى راكبا و قال صلى الله عليه و سلم خذوا عني مناسككم لا أدري لعلى لا أحج بعد عامي هذا فالجواب ان ذلك محمول على رمى لا رمى بعده أو على التعليم ليراه الناس فيتعلموا منه مناسك الحج فان رمى احدى الجمار بسبع حصيات جميعا دفعة واحدة فهي عن واحدة و يرمى ستة أخرى لان التوقيف ورد بتفريق الرميات فوجب اعتباره و هذا بخلاف الاستنجاء انه إذا استنجى بحجر واحد و انقاه كفاه و لا يراعى فيه العدد عندنا لان وجوب الاستنجاء ثبت معقولا بمعنى التطهير فإذا حصلت الطهارة بواحد اكتفى به فاما الرمى فاما وجب تعبدا محضا فيراعى فيه مورد التعبد و انه ورد بالتفريق فيقتصر عليه فان رمى أكثر من سبع حصيات لم تضره الزيادة لانه أتى بالواجب و زيادة و السنة ان يرمى بعد طلوع الشمس من يوم النحر قبل الزوال لما روى جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يرم يوم النحر ضحى و رمى بعد ذلك بعد الزوال و لو رمى قبل طلوع الشمس بعد انفجار الصبح أجزأه خلافا لسفيان و المسألة ذكرناها فيما تقدم و لا يرمى يومئذ غيرها لما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يرم يوم النحر الا جمرة العقبة فإذا فرغ من هذا الرمى لا يقف و ينصرف إلى رحله فان كان منفردا بالحج يحلق أو يقصر و الحلق أفضل لما ذكرنا فيما تقدم و لا ذبح عليه و ان كان قارنا أو متمتعا يجب عليه ان يذبح و يحلق و يقدم الذبح على الحلق لقوله تعالى ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام فكلوا منها و أطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم رتب قضأ التفث و هو الحلق على الذبح و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال أول نسكنا في يومنا هذا الرمى ثم الذبح ثم الحلق و روى عنه صلى الله عليه و سلم انه رمى ثم ذبح ثم دعا بالحلاق فان حلق قبل الذبح من احصار فعليه لحلقه قبل الذبح دم في قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد و جماعة من أهل العلم انه لا شيء عليه و أجمعوا على أن المحصر إذا حلق قبل الذبح أنه تجب عليه الفدية احتج من خالفه بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سئل عن رجل حلق قبل ان يذبح فقال اذبح و لا حرج و لو كان الترتيب واجبا لكان في تركه حرج و لابي حنيفة الاستدلال بالمحصر إذا حلق قبل الذبح لاذى في رأسه انه تلزمه الفدية بالنص فالذي يحلق رأسه بغير أذى به أولى و لهذا قال أبو حنيفة بزيادة التغليظ في حق من حلق رأسه قبل الذبح بغير أذى حيث قال لا يجزئه الدم و صاحب الاذى مخير بين الدم و الطعام و الصيام كما خيره
الله تعالى و هذا هو المعقول لان الضرورة سبب لتخفيف الحكم و تيسيره فالمعقول ان يجب في حال الاختيار بذلك السبب زيادة غلظ لم يكن في حال العذر فاما ان يسقط من الاصل في حالة العذر و يجب في حالة العذر فممتنع و لا حجة لهم في الحديث لان قوله لا حرج المراد منه الاثم لا الكفارة و ليس من ضرورة انتفاء الاثم انتفاء الكفارة ألا ترى ان الكفارة تجب على من حلق رأسه لاذى به و لا اثم عليه و كذا يجب على الخاطئ فإذا حلق الحاج أو قصر حل له كل شيء حظر عليه الاحرام الا النساء عند عامة العلماء لما ذكرنا فيما تقدم ثم يزور البيت من يومه ذلك أو من الغد أو بعد الغد و لا يؤخرها عنها و أفضلها أولها لما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم طاف في أول أيام النحر فيطوف أسبوعا لان النبي صلى الله عليه و سلم هكذا طاف و عليه عمل المسلمين و لا يرمل في هذا الطواف لانه لا سعى عقيبه لانه قد طاف طواف اللقاء وسعى عقيبه حتى لو لم يكن طاف طواف اللقاء و لا سعى فانه يرمل في طواف الزيارة و يسعى بين الصفا و المروة عقيب طواف الزيارة و لو أخره عن أيام النحر فعليه دم في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد لا شيء عليه و المسألة قد مضت فإذا طاف طواف الزيارة كله أو أكثره حل له النساء أيضا لانه قد خرج من العبادة و ما بقي عليه شيء من أركانها و الاصل ان في الحج احلالين الاحلال الاول بالحق أو بالتقصير و يحل به كل شيء الا النساء و الاحلال الثاني بطواف الزيارة و يحل به النساء أيضا ثم يرجع إلى منى و لا يبيت بمكة و لا في الطريق هو السنة لان النبي صلى الله عليه و سلم هكذا فعل و يكره ان يبيت في منى في أيام منى فان فعل لا شيء عليه و يكون مسيأ لان البيتوتة بها ليست بواجبة بل هى سنة و عند الشافعي يجب عليه الدم لانها واجبة عنده و احتج بفعل النبي صلى الله عليه و سلم و أفعاله على الوجوب في الاصل و لنا ما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم ارخص للعباس ان يبيت بمكة للسقاية و لو كان ذلك واجبا لم يكن العباس يترك الواجب لاجل السقاية و لا كان النبي صلى الله عليه و سلم يرخص له في ذلك و فعل النبي صلى الله عليه و سلم محمول على السنة توفيقا بين الدليلين و إذا بات بمنى فإذا كان من الغد و هو اليوم الاول من أيام التشريق و الثاني من أيام الرمى فانه يرمى الجمار الثلاث بعد الزوال في ثلاث مواضع أحدها المسمى بالجمرة الاولى و هي التي تلى مسجد الخيف و هو مسجد إبراهيم عليه الصلاة و السلام فيرمى عندها سبع حصيات مثل حصى الخزف يكبر مع كل حصاة فإذا فرغ منها يقف عندها فيكبر و يهلل و يحمد الله تعالى و يثنى عليه و يصلى على النبي صلى الله عليه و سلم و يسأل الله تعالى حوائجه ثم يأتى الجمرة الوسطى فيفعل بها مثل ما فعل بالاولى و يرفع يديه عند الجمرتين بسطا ثم يأتى جمرة العقبة فيفعل مثل ما فعل بالجمرتين الاولتين الا انه لا يقف للدعاء بعد هذه الجمرة بل ينصرف إلى رحله لما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رمى الجمار الثلاث في أيام التشريق و ابتدأ بالتي تلى مسجد الخيف و وقف عند الجمرتين و لم يقف عند الثالثة و اما رفع اليدين فلقول النبي صلى الله عليه و سلم لا ترفع الايدى الا في سبع مواطن و ذكر من جملتها و عند المقامين عند الجمرتين فإذا كان اليوم الثاني من أيام التشريق و هو اليوم الثالث من أيام الرمى رمى الجمار الثلاث بعد الزوال ففعل مثل ما فعل أمس فإذا رمى فان أراد ان ينفر من منى و يدخل مكة نفر قبل غروب الشمس و لا شيء عليه لقوله تعالى فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه و ان أقام و لم ينفر حتى غربت الشمس يكره له أن ينفر حتى تطلع الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق و هو اليوم الرابع من أيام الرمى و يرمى الجمار الثلاث و لو نفر قبل طلوع الفجر لا شيء عليه و قد اساء اما الجواز فلانه نفر في وقت لم يجب فيه الرمى بعد بدليل انه لو رمى فيه عن اليوم الرابع لم يجز فجاز فيه النفر كما لو رمى الجمار في الايام كلها ثم نفروا ما الاساءة فلانه ترك السنة فإذا طلع الفجر من اليوم الثالث من أيام التشريق رمى الجمار الثلاث ثم ينفر فان نفر قبل الرمى فعليه دم لانه ترك الواجب و إذا أراد ان ينفر في النفر الاول أو في النفر الثاني فانه يحمل ثقله معه و يكره تقديمه لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال المرء من حيث رحله و روى المرء من حيث أهله و لانه لو فعل ذلك يشتغل قلبه بذلك و لا يخلو من ضرر و قد روى عن عمر رضى الله عنه انه كان يضرب على ذلك و حكى عن إبراهيم النخعي ان عمر رضى الله عنه
فصل وأما شرائط أركانه
انما كان يضرب على تقديم الثقل مخافة السرقة ثم يأتى الابطح و يسمى المحصب و هو موضع بين منى و بين مكة فينزل به ساعة فانه سنة عندنا لما روى عن نافع عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهم أن النبي صلى الله عليه و سلم و أبا بكر و عمر و عثمان رضى الله عنهم نزلوا بالابطح ثم يدخل مكة فيطوف طواف الصدر توديعا للبيت و لهذا يسمى طواف الوداع و انه واجب على أهل الا آفاق عندنا لما ذكرنا فيما تقدم فيطوف سبعة أشواط لا رمل فيها لانه طواف لا سعى بعده و يصلى ركعتين ثم يرجع إلى أهله لانه لم يبق عليه شيء من الاركان و الواجبات كذا ذكر في الاصل و ذكر الطحاوي في مختصره عن أبى حنيفة انه إذا فرغ من طواف الصدر يأتى المقام فيصلى عنده ركعتين ثم يأتى زمزم فيشرب من مائها و يصب على وجهه و رأسه ثم يأتى الملتزم و هو ما بين الحجر الاسود و الباب فيضع صدره و جبهته عليه و يتشبث بأستار الكعبة و يدعو ثم يرجع و ذكر في العيون كذلك الا انه قال في آخره و يستلم الحجر و يكبر ثم يرجع و روى عن أبى حنيفة انه قال ان دخل البيت فحسن و ان لم يدخل لم يضره و يقول عند رجوعه آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده و نصر عبده و هزم الاحزاب وحده و الله الموفق ( فصل )
و أما شرائط أركانه فمنها الاسلام فانه كما هو شرط الوجوب فهو شرط جواز الاداء لان الحج عبادة و الكافر ليس من أهل أداء العبادة و منها العقل فلا يجوز أداء الحج من المجنون و الصبي الذي لا يعقل كما لا يجب عليهما فاما البلوغ و الحرية فليسا من شرائط الجواز فيجوز حج الصبي العاقل باذن وليه و العبد الكبير باذن مولاه لكنه لا يقع عن حجة الاسلام لعدم الوجوب و منها الاحرام عندنا و الكلام في الاحرام يقع في مواضع في بيان انه شرط و فى بيان ما يصير به محرما و فى بيان زمان الاحرام و فى بيان مكانه و فى بيان ما يحرم به و فى بيان حكم المحرم إذا منع عن المضي في موجب الاحرام و فى بيان ما يحظره الاحرام و ما لا يحظره و فى بيان ما يجب بفعل المحظور منه اما الاول فالإِحرام شرط جواز أداء أفعال الحج عندنا و عند الشافعي ركن و عنى به أنه جزء من أفعال الحج و هو على الاختلاف في تحريمه الصلاة و يتضمن الكلام في هذا الفصل بيان زمان الاحرام انه جميع السنة عندنا و عنده أشهر الحج حتى يجوز الاحرام قبل أشهر الحج عندنا لكنه يكره و عنده لا يجوز رأسا و ينعقد إحرامه للعمرة لا للحجة عنده و عندنا ينقعد للحجة و وجه البناء على هذا الاصل ان الاحرام لما كان شرطا لجواز أداء افعال الحج عندنا جاز وجوده قبل هجوم وقت أداء الافعال كما تجوز الطهارة قبل دخول وقت الصلاة و لما كان ركنا عنده لم يجز سابقا على وقته لان أداء أفعال العبادة المؤقتة قبل وقتها لا يجوز كالصلاة و غيرها فنتكلم في المسألة بناء و ابتداء اما البناء فوجه قول الشافعي ان الذي أحرم بالحج يؤمر بإتمامه و كذا المحرم للصلاة يؤمر بإتمامها لا بالابتداء فلو لم يكن الاحرام من أفعال الحج لامر بالابتداء لا بالاتمام فدل انه ركن في نفسه و شرط لجواز أداء ما بقي من الافعال و لنا ان ركن الشيء ما يأخذ الاسم منه ثم قد يكون بمعنى واحد كالامساك في باب الصوم و قد يكون معاني مختلفة كالقيام و القراءة و الركوع و السجود في باب الصلاة و الايجاب و القبول في باب البيع و نحو ذلك و شرطه ما يأخذ الاعتبار منه كالطهارة للصلاة و الشهادة في النكاح و غير ذلك و الحج يأخذ الاسم من الوقوف بعرفة و طواف الزيارة لا من الاحرام قال الله تعالى و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و حج البيت هو زيارة البيت و قال النبي صلى الله عليه و سلم الحج عرفة أى الوقوف بعرفة و لم يطلق اسم الحج على الاحرام و انما به اعتبار الركنين فكان شرطا لا ركنا و لهذا جعله الشافعي شرطا لاداء ما بقي من الافعال و اما قوله انه يؤمر بالاتمام بعد الاحرام ممنوع بل لا يؤمر به ما لم يؤد بعد الاحرام شيأ من أفعال الحج و اما الابتداء فالشافعي احتج بقوله تعالى الحج أشهر معلومات أى وقت الحج أشهر معلومات اذ الحج نفسه لا يكون أشهرا لانه فعل و الاشهر أزمنة فقد عين الله أشهرا معلومة وقتا للحج و الحج في عرف الشرع اسم لجملة من الافعال مع شرائطها منها الاحرام فلا يجوز تقديمه على وقته و لنا قوله تعالى يسألونك عن الاهلة قل هى مواقيت للناس و الحج ظاهر الآية يقتضى ان تكون الاشهر كلها وقتا للحج فيقتضى جواز الاحرام باداء أفعال الحج في الاوقات
كلها الا انا عرفنا تعيين هذه الاشهر لاداء الافعال بدليل آخر و هو قوله الحج أشهر معلومات فيعمل بالنصين فيحمل ما تلونا على الاحرام الذي هو شرط و يحمل ما تلوتم على نفس الاعمال عملا بالنص بالقدر الممكن و لان الحج يختص بالمكان و الزمان ثم يجوز الاحرام من مكان الحج بالاجماع فيجوز في زمان الحج الا انه يكره لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال من سنة الحج ان لا يحرم بالحج الا في أشهر الحج و مخالفة السنة مكروهة ثم اختلفوا في أن الكراهة لاجل الوقت أم لغيره منهم من قال الكراهة ليست لاجل الوقت بل لمخالفة الوقوع في محظورات الاحرام حتى ان من أمن من ذلك لا يكره له و منهم من قال ان الكراهة لنفس الوقت فان ابن سماعة روى عن محمد انه قال أكره الاحرام قبل الاشهر و يجوز إحرامه و هو لابس أو جالس في خلوق أو طيب و هذا الاطلاق يدل على أن الكراهة لنفس الوقت و الله عز و جل أعلم ( فصل )
و اما بيان ما يصير به محرما فنقول و بالله التوفيق لا خلاف في انه إذا نوى و قرن النية بقول و فعل هو من خصائص الاحرام أو دلائله انه يصير محرما بان لبى ناويا به الحج ان أراد به الافراد بالحج أو العمرة ان أراد الافراد بالعمرة أو العمرة و الحج ان أراد القرآن لان التلبية من خصائص الاحرام و سواء تكلم بلسانه ما نوى بقلبه أو لا لان النية عمل القلب لا عمل اللسان لكن يستحب أن يقول بلسانه ما نوى بقلبه فيقول أللهم انى أريد كذا فيسره لي و تقبله منى لما ذكرنا في بيان سنن الحج و ذكرنا التلبية المسنونة و لو ذكر مكان التلبية التهليل أو التسبيح أو التحميد أو ذلك مما يقصد به تعظيم الله تعالى مقرونا بالنية يصير محرما و هذا على أصل أبى حنيفة و محمد في باب الصلاة أنه يصير شارعا في الصلاة بكل ذكر هو ثناء خالص لله تعالى يراد به تعظيمه لا و هو ظاهر الرواية عن أبى يوسف ههنا و فرق بين الحج و الصلاة و روى عنه أنه لا يصير محرما الا بلفظ التلبية كما لا يصير شارعا في الصلاة الا بلفظ التكبير فابو حنيفة و محمد مرا على أصلهما أن الذكر الموضوع لافتتاح الصلاة لا يختص بلفظ دون لفظ ففى باب الحج أولى و وجه الفرق لابى يوسف على ظاهر الرواية عنه أن باب الحج أوسع من باب الصلاة فان أفعال الصلاة لا يقوم بعضها مقام بعض و بعض الافعال يقوم مقام البعض كالهدى فانه يقوم مقام كثير من أفعال الحج في حق المحصر و سواء كان بالعربية أو غيرها و هو يحسن العربية أو لا يحسنها و هذا على أصل أبى حنيفة و أبى يوسف في الصلاة ظاهر و هو ظاهر الرواية عن محمد في الحج و روى عنه أنه لا يصير محرما الا إذا كان لا يحسن العربية كما في باب الصلاة فهما مرا على أصلهما و محمد على ظاهر الرواية عنه فرق بين الصلاة و الحج و وجه الفرق له على نحو ما ذكرنا لابى يوسف في المسألة الاولى و تجوز النيابة في التلبية عند العجز بنفسه بأمره بلا خلاف حتى لو توجه يريد حجة الاسلام فاغمى عليه فلبى عنه أصحابه و قد كان أمرهم بذلك حتى لو عجز عنه بنفسه يجوز بالاجماع فان لم يأمرهم بذلك نصا فأهلوا عنه جاز أيضا في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد لا يجوز فلا خلاف في أنه تجوز النيابة في أفعال الحج عند عجزه عنها بنفسه من الطواف و السعي و الوقوف حتى لو طيف به وسعى و وقف جاز بالاجماع وجه قولهما قوله تعالى و ان ليس للانسان الا ما سعى و لم يوجد منه السعي في التلبية لان فعل غيره لا يكون فعله حقيقة و انما يجعل فعلا له تقديرا بأمره و لم يوجد بخلاف الطواف و نحوه فان الفعل هناك ليس بشرط بل الشرط حصوله في ذلك الموضع على ما ذكرنا و قد حصل و الشرط ههنا هو التلبية و قول غيره لا يصير قولا له الا بأمره و لم يوجد و لابي حنيفة أن الامر ههنا موجود دلالة و هي دلالة عقد المرافقة لان كل واحد من رفقائه المتوجهين إلى الكعبة يكون آذنا للآخر باعانته فيما يعجز عنه من أمر الحج فكان الامر موجودا دلالة وسعى الانسان جاز أن يجعل سعيا لغيره بأمره فقلنا بموجب الآية بحمد الله تعالى و لو قلد بدنة يريد به الاحرام بالحج أو بالعمرة أو بهما و توجه معها يصير محرما لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله و لا الشهر الحرام و لا الهدى و لا القلائد ثم ذكر تعالي بعده و إذا حللتم فاصطادوا و الحل يكون بعد الاحرام و لم يذكر الاحرام في الاول و انما ذكر التقليد بقوله عز و جل و لا القلائد فدل أن التقليد منهم مع التوجه كان إحراما الا انه زيد عليه النية بدليل آخر و عن جماعة
من الصحابة رضى الله عنهم منهم على و ابن مسعود و ابن عمر و جابر رضى الله عنهم انهم قالوا إذا قلد فقد أحرم و كذا روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال إذا قلد و هو يريد الحج أو العمرة فقد أحرم و لان التقليد مع التوجه من خصائص الاحرام فالنية اقترنت بما هو من خصائص الاحرام فاشبه التلبية فان قيل أ ليس أنه روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت لا يحرم الا من أهل و لبى فهذا يقتضى أنه لا يصير محرما بالتقليد فالجواب ان ذلك محمول على ما إذا قلد و لم يخرج معها توفيقا بين الدلائل و به نقول ان بمجرد التقليد لا يصير محرما على ما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يبعث بهدية و يقيم فلا يحرم عليه شيء و التقليد هو تعليق القلادة على عنق البدنة من عروة مزادة أو شراك نعل من أدم أو ذلك من الجلود و ان قلد و لم يتوجه و لم يبعث على يد غيره لم يصر محرما و ان بعث على يد غيره فكذلك عند عامة العلماء و عامة الصحابة رضى الله عنهم و عن ابن عباس رضى الله عنه أنه يصير محرما بنفس التوجيه من توجه و الصحيح قول عامة العلماء لما روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت انى كنت لا فتل قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيبعثها و يمكث عندنا حلالا بالمدينة لا يجتنب ما يجتنبه المحرم و لان التوجيه من توجه ليس الا امر بالفعل فلا يصير به محرما كما لو أمر غيره بالتلبية و لو توجه بنفسه بعد ما قلد و بعث لا يصير محرما ما لم يلحقها و يتوجه معها فإذا لحقها و توجه معها عند ذلك يصير محرما الا في هدى المتعة فان هناك يصير محرما بنفس التوجه قبل أن يلحقه و القياس أن لا يصير محرما ثم أيضا ما لم يلحق و يتوجه معه لان السير بنفسه بدون البدنة ليس من خصائص الاحرام و لا دليل أنه يريد الاحرام فلا يصير به محرما الا انا تركنا القياس و استحسنا في هدى المتعة لما ان لهدى فضل تأثير في البقاء على الاحرام ما ليس لغيره بدليل انه لو ساق الهدى لا يجوز له أن يتحلل و ان لم يسق جاز له التحلل فإذا كان له فضل تأثير في البقاء على الاحرام جاز ان يكون له تأثير في الابتداء و قد قالوا انه يصير محرما بنفس التوجه في اثر هدى المتعة و ان لم يلحق الهدى إذا كان في أشهر الحج فاما في أشهر الحج فلا يصير محرما حتى يلحق الهدى لان أحكام التمتع لا تثبب قبل أشهر الحج فلا يصير هذا الهدى للمتعة قبل أشهر الحج فكان هدى التطوع و لو جلل البدنة و نوى الحج لا يصير محرما و ان توجه معها لان التجليل ليس من خصائص الحج لانه انما يفعل ذلك لدفع الحر و البرد عن البدنة أو للتزيين و لو قلد الشاة ينوى به الحج و توجه معها لا يصير محرما و ان نوى الاحرام لان تقليد الغنم ليس بسنة عندنا فلم يكن من دلائل الاحرام فضلا عن أن يكون من خصائصه و الدليل على أن الغنم لا تقلد قوله تعالى و لا الهدى و لا القلائد عطف القلائد على الهدى و العطف يقتضى المغايرة في الاصل و اسم الهدى يقع على الغنم و الابل و البقر جميعا فهذا يدل على أن الهدى نوعان ما يقلد و ما لا يقلد ثم الابل و البقر يقلد ان بالاجماع فتعين ان الغنم لا تقلد ليكون عطف القلائد على الهدى عطف الشيء على غيره فيصح و لو أشعر بدنته و توجه معها لا يصير محرما لان الاشعار مكروه عند أبى حنيفة لانه مثلة و إيلام الحيوان من ضرورة لحصول المقصود بالتقليد و هو الاعلام بكون المشعر هديا لئلا يتعرض له لو ضل و الاتيان بفعل مكروه لا يصلح دليل الاحرام و اختلف المشايخ على قول أبى يوسف و محمد قال بعضهم ان أشعر و توجه معها يصير محرما عندهما لان الاشعار سنة عندهما كالتقليد فيصلح ان يكون دليل الاحرام كالتقليد و قال بعضهم لا يصير محرما عندهما أيضا لان الاشعار ليس بسنة عندهما بل هو مباح فلم يكن قربة فلا يصلح دليل الاحرام و ذكر في الجامع الصغير أن الاشعار عندهما حسن و لم يسمه سنة لانه من حيث انه اكمال لما شرع له التقليد و هو إعلام المقلد بانه هدى لما ان تمام الاعلام تحصل به سنة و من حيث انه مثلة بدعة فتردد بين السنة البدعة فسماه حسنا و عند الشافعي الاشعار سنة و احتج بما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أشعر و الجواب أن ذلك كان في الابتداء حين كانت المثلة مشروعة ثم لما نهى عن المثلة انتسخ بنسخ المثلة و ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم فعل ذلك قطعا لايدى المشركين عن التعرض للهدايا لو ضلت لانهم كانوا ما يتعرضون للهدايا و التقليد ما كان يدل دلالة تامة انها هدى فكان يحتاج إلى الاشعار ليعلموا انها هدى و قد زال هذا المعنى في زماننا فانتسخ بانتساخ المثلة ثم الاشعار
فصل وأما بيان مكان الاحرام
هو الطعن في أسفل السنام و ذلك من قبل اليسار عند أبى يوسف و عند الشافعي من قبل اليمين و كل ذلك مروى عن النبي صلى الله عليه و سلم فانه كان يدخل بين بعيرين من قبل الرؤس و كان يضرب أولا الذي عن يساره من قبل يسار سنامه ثم يعطف على الآخر فيضربه من قبل يمينه اتفاقا للاول لا قصدا فصار الطعن على الجانب الايسر أصليا و الآخر اتفاقيا بل الاعتبار الاصلى أولى و الله عز و جل أعلم هذا الذي ذكرنا في أن الاحرام لا يثبت بمجرد النية ما لم يقترن بها قول أو فعل هو من خصائص الاحرام أو دلائله ظاهر مذهب أصحابنا و روى عن أبى يوسف أنه يصير محرما بمجرد النية و به أخذ الشافعي و هذا يناقض قوله ان الاحرام ركن لانه جعل نية الاحرام إحراما و النية ليست بركن بل هى شرط لانها عزم على الفعل و العزم على فعل ليس ذلك الفعل بل هو عقد على ادائه و هو أن تعقد قلبك عليه انك فاعله لا محالة قال الله تعالى فإذا عزم الامر أى جد الامر و فى الحديث خير الامور عوازمها أى ما وكدت رأيك عليه و قطعت التردد عنه و كونه ركنا يشعر بكونه من أفعال الحج فكان تناقضا ثم جعل الاحرام عبارة عن مجرد النية مخالف للغة فان الاحرام في اللغة هو الاهلال يقال أحرم أى أهل بالحج و هو موافق لمذهبنا أى الاهلال لابد منه اما بنفسه أو بما يقوم مقامه على ما بينا و الدليل على ان الاهلال شرط ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال لعائشة رضى الله عنها و قد رآها حزينة مالك فقالت انا قضيت عمرتي و القانى الحج عاركا فقال النبي صلى الله عليه و سلم ذاك شيء كتبه الله تعالى على بنات آدم حجى و قولي مثل ما يقول الناس في حجهم فدل قوله قولى ما يقول الناس في حجهم على لزوم التلبية لان الناس يقولونها و فيه اشارة إلى ان إجماع المسلمين حجة يجب اتباعها حيث أمرها باتباعهم بقوله قولى ما يقول الناس في حجهم و روينا عن عائشة رضى الله عنها انها قالت لا يحرم الا من أهل و لبى و لم يرو عن غيرها خلافه فيكون إجماعا و لان مجرد النية لا عبرة به في أحكام الشرع عرفنا ذلك بالنص و المعقول أما النص ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ان الله تعالى عفا عن أمتي ما تحدثت به أنفسهم ما لم يتكلموا أو يفعلوا و أما المعقول فهو أن النية وضعت لتعيين جهة الفعل في العبادة و تعيين المعدوم محال و لو أحرم بالحج و لم يعين حجة الاسلام و عليه حجة الاسلام يقع عن حجة الاسلام استحسانا و القياس أن لا يقع عن حجة الاسلام الا بتعيين النية وجه القياس أن الوقت يقبل الغرض و النفل فلا بد من التعيين بالنية بخلاف صوم رمضان أنه يتأدى بمطلق النية لان الوقت هناك لا يقبل صوما آخر فلا حاجة إلى التعيين بالنية و الاستحسان ان الظاهر من حال من عليه حجة الاسلام انه لا يريد بإحرام الحج حجة للتطوع و يبقى نفسه في عهده الفرض فيحمل على حجة الاسلام بدلالة حاله فكان الاطلاق فيه تعيينا كما في صوم رمضان و لو نوى التطوع يقع عن التطوع لانا انما أوقعناه عن الفرض عند إطلاق النية بدلالة حاله و الدلالة لا تعمل مع النص بخلافه و لو لبى ينوى الاحرام و لا نية له في حج و لا عمرة مضى في أيهما شاء ما لم يطف بالبيت شوطا فان طاف شوطا كان إحرامه عن العمرة و الاصل في انعقاد الاحرام بالمجهول ما روى ان عليا و أبا موسى الاشعرى رضى الله عنهما لما قدما من اليمن في حجة الوداع قال لهما النبي صلى الله عليه و سلم بماذا أهللتما فقالا بإهلال كاهلال رسول الله صلى الله عليه و سلم فصار هذا أصلا في انعقاد الاحرام بالمجهول و لان الاحرام شرط جواز الاداء عندنا و ليس باداء بل هو عقد على الاداء فجاز ان ينعقد مجملا و يقف على البيان و إذا انعقد إحرامه جاز له ان يؤدى به حجة أو عمرة و له الخيار في ذلك يصرفه إلى أيهما شاء ما لم يطف بالبيت شوطا واحدا فإذا طاف بالبيت شوطا واحدا كان إحرامه للعمرة لان الطواف ركن في العمرة و طواف اللقاء في الحج ليس بركن بل هو سنة فايقاعه عن الركن أولى و تتعين العمرة بفعله كما تتعين بقصده قال الحاكم في الاصل و كذلك لو لم يطف حتى جامع أو أحصر كانت عمرة لان القضاء قد لزمه فيجب عليه الاقل اذ الاقل متيقن به و هو العمرة و الله أعلم ( فصل )
و أما بيان مكان الاحرام فمكان الاحرام هو المسمى بالميقات فنحتاج إلى بيان المواقيت و ما يتعلق بها من الاحكام فنقول و بالله التوفيق المواقيت تختلف باختلاف الناس و الناس في حق المواقيت أصناف ثلاثة
صنف منهم يسمون أهل الآفاق و هم الذين منازلهم خارج المواقيت التي وقت لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و هي خمسة كذا روى في الحديث ان رسول الله صلى الله عليه و سلم وقت لاهل المدينة ذا الحليفة و لاهل الشام الجحفة و لاهل نجد قرن و لاهل اليمن يلملم و لاهل العراق ذات عرق و قال صلى الله عليه و سلم هن لاهلهن و لمن مر بهن من أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة و صنف منهم يسمون أهل الحل و هم الذين منازلهم داخل المواقيت الخمسة خارج الحرم كاهل بستان بني عامر و غيرهم و صنف منهم أهل الحرم و هم أهل مكة اما الصنف الاول فميقاتهم ما وقت لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يجوز لاحد منهم أن يجاوز ميقاته إذا أراد الحج أو العمرة الا محرما لانه لما وقت لهم ذلك فلا بد و ان يكون الوقت مقيدا و ذلك اما المنع من تقديم الاحرام عليه و اما المنع من تأخيره عنه و الاول ليس بمراد لاجماعنا على جواز تقديم الاحرام عليه فتعين الثاني و هو المنع من تأخير الاحرام عنه و روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان رجلا سأله و قال انى أحرمت بعد الميقات فقال له ارجع إلى الميقات فلب و الا فلا حج لك فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يجاوز أحد الميقات الا محرما و كذلك لو أراد بمجاوزة هذه المواقيت دخول مكة لا يجوز له ان يجاوزها الا محرما سواء أراد بدخول مكة النسك من الحج أو العمرة أو التجارة أو حاجة أخرى عندنا و قال الشافعي ان دخلها للنسك وجب عليه الاحرام و ان دخلها لحاجة جاز دخوله من إحرام وجه قوله انه تجوز السكنى بمكة من إحرام فالدخول أولي لانه دون السكنى و لنا ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ألا ان مكة حرام منذ خلقها الله تعالي لم تحل لاحد قبلى و لا تحل لاحد بعدي و انما أحلت لي ساعة من نهار ثم عادت حراما إلى يوم القيامة الحديث و الاستدلال به من ثلاثة أوجه أحدها بقوله صلى الله عليه و سلم ألا ان مكة حرام و الثاني بقوله لا تحل لاحد بعدي و الثالث بقوله ثم عادت حراما إلى يوم القيامة مطلقا من فصل و روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يحل دخول مكة بغير إحرام و لان هذه بقعة شريفة لها قدر و خطر عند الله تعالى فالدخول فيها يقتضى التزام عبادة إظهارا لشرفها على سائر البقاع و أهل مكة بسكناهم فيها جعلوا معظمين لها بقيامهم بعمارتها و سدانتها و حفظها و حمايتها لذلك أبيح لهم السكنى و كلما قدم الاحرام على المواقيت هو أفضل و روى عن أبى حنيفة ان ذلك أفضل إذا كان يملك نفسه ان يمنعها ما يمنع منه الاحرام و قال الشافعي الاحرام من الميقات أفضل بناء على أصله ان الاحرام ركن فيكون من أفعال الحج و لو كان كما زعم لما جاز تقديمه على الميقات لان أفعال الحج لا يجوز تقديمها على أوقاتها و تقديم الاحرام على الميقات جائز بالاجماع إذا كان في أشهر الحج و الخلاف في الافضلية دون الجواز و لنا قوله تعالي و أتموا الحج و العمرة لله و روى عن على و ابن مسعود رضى الله عنهما انهما قالا إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك و روى عن أم سلمة رضى الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من أحرم من المسجد الاقصى إلى المسجد الحرام بحج أو عمرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و وجبت له الجنة هذا إذا قصد مكة من هذه المواقيت فأما إذا قصدها من طريق مسلوك فانه يحرم إذا بلغ موضعا يحاذى ميقاتا من هذه المواقيت لانه إذا حاذى ذلك الموضع ميقاتا من المواقيت صار في حكم الذي يحاذيه في القرب من مكة و لو كان في البحر فصار في موضع لو كان مكان البحر بر لم يكن له ان يجاوزه الا بإحرام فانه يحرم كذا قال أبو يوسف و لو حصل في شيء من هذه المواقيت من ليس من أهلها فاراد الحج أو العمرة أو دخول مكة فحكمه حكم أهل ذلك الميقات الذي حصل فيه لقول النبي صلى الله عليه و سلم هن لاهلهن و لمن مر بهن من أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة و روى عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال من وقتنا له وقتا فهو له و لمن مر به من أهله ممن أراد الحج أو العمرة و لانه إذا مر به صار من أهله فكان حكمه في المجاوزة حكمهم و لو جاوز ميقاتا من هذه المواقيت من إحرام إلى ميقات آخر جاز له لان الميقات الذي صار اليه صار ميقاتا له لما روينا من الحديثين الا أن المستحب أن يحرم من الميقات الاول هكذا روى عن أبى حنيفة أنه قال في أهل المدينة إذا مروا على المدينة
فجاوزوها إلى الجحفة فلا بأس بذلك و أحب إلى أن يحرموا من ذي الحليفة لانهم إذا حصلوا في الميقات الاول لزمهم محافظة حرمته فيكره لهم تركها و لو جاز ميقاتا من المواقيت الخمسة يريد الحج أو العمرة فجاوزه بغير إحرام ثم عاد قبل أن يحرم و أحرم من الميقات و جاوزه محرما لا يجب عليه دم بالاجماع لانه لما عاد إلى الميقات قبل أن يحرم و أحرم التحقت تلك المجاوزة بالعدم و صار هذا ابتداء إحرام منه و لو أحرم بعد ما جاوز الميقات قبل أن يعمل شيأ من أفعال الحج ثم عاد إلى الميقات و لبى سقط عنه الدم و ان لم يلب لا يسقط و هذا قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد يسقط لبى أو لم يلب و قال زفر لا يسقط لبى أو لم يلب وجه قول زفر أن وجوب الدم بجنايته على الميقات بمجاوزته إياه من إحرام و جنايته لا تنعدم بعوده فلا يسقط الدم الذي وجب وجه قولهما أن حق الميقات في مجاوزته إياه محرما لا في انشاء الاحرام منه بدليل أنه لو أحرم من دويرة أهله و جاوز الميقات و لم يلب لا شيء عليه فدل أن حق الميقات في مجاوزته إياه محرما لا في انشاء الاحرام منه و بعد ما عاد اليه محرما فقد جاوزه محرما فلا يلزمه الدم و لابي حنيفة ما روينا عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال للذي أحرم بعد الميقات ارجع إلى الميقات فلب و الا فلا حج لك أوجب التلبية من الميقات فلزم اعتبارها و لان الفائت بالمجاوزة هو التلبية فلا يقع تدارك الفائت الا بالتلبية بخلاف ما إذا أحرم من دويرة أهله ثم جاوز الميقات من انشاء الاحرام لانه إذا أحرم من دويرة أهله صار ذلك ميقاتا له و قد لبى منه فلا يلزمه تلبية و إذا لم يحرم من دويرة أهله كان ميقاته المكان الذي تجب التلبية منه و هو الميقات المعهود و ما قاله زفر ان الدم انما وجب عليه بجنايته على الميقات مسلم لكن لما عاد قبل دخوله في أفعال الحج فما جنى عليه بل ترك حقه في الحال فيحتاج إلى التدارك و قد تداركه بالعود إلى التلبية و لو جاوز الميقات بغير إحرام فأحرم و لم يعد إلى الميقات حتى طاف شوطا أو شوطين أو وقف بعرفة أو كان إحرامه بالحج ثم عاد إلى الميقات لا يسقط عنه الدم لانه لما اتصل الاحرام بافعال الحج تأكد عليه الدم فلا يسقط بالعود و لو عاد إلى ميقات آخر الذي جاوزه قبل ان يفعل شيأ من أفعال الحج سقط عنه الدم وعوده إلى هذا الميقات و إلى ميقات آخر سواء و على قول زفر لا يسقط على ما ذكرنا و روى عن أبى يوسف انه فصل في ذلك تفصيلا فقال ان كان الميقات الذي عاد اليه يحاذى الميقات الاول أو أبعد من الحرم يسقط عنه الدم و الا فلا و الصحيح جواب ظاهر الرواية لما ذكرنا ان كل واحد من هذه المواقيت الخمسة ميقات لاهله و لغير أهله بالنص مطلقا عن اعتبار المحاذاة و لو لم يعد إلى الميقات لكنه أفسد إحرامه بالجماع قبل طواف العمرة ان كان إحرامه بالعمرة أو قبل الوقوف بعرفة ان كان إحرامه بالحج سقط عنه ذلك الدم لانه يجب عليه القضاء و انجبر ذلك كله بالفضاء كمن سها في صلاته ثم أفسدها فقضاها انه لا يجب عليه سجود السهو و كذلك إذا فاته الحج فانه يتحلل بالعمرة و عليه قضأ الحج و سقط عنه ذلك الدم عند اصحابنا الثلاثة و عند زفر لا يسقط و لو جاوز الميقات يريد دخول مكة أو الحرم من إحرام يلزمه اما حجة و اما عمرة لان مجاوزة الميقات على قصد دخول مكة أو الحرم بدون الاحرام لما كان حراما كانت المجاوزة التزاما للاحرام دلالة كانه قال لله تعالى على إحرام و لو قال ذلك يلزمه حجة أو عمرة كذا إذا فعل ما يدل على الالتزام كمن شرع في صلاة التطوع ثم أفسدها يلزمه قضأ ركعتين كما إذا قال لله تعالى على ان أصلي ركعتين فان أحرم بالحج أو بالعمرة قضأ لما عليه من ذلك لمجاوزته الميقات و لم يرجع إلى الميقات فعليه دم لانه جنى على الميقات لمجاوزته إياه من إحرام و لم يتداركه فيلزمه الدم جبرا فان أقام بمكة حتى تحولت السنة ثم أحرم يريد قضأ ما وجب عليه بدخوله مكة بغير إحرام أجزأه في ذلك ميقات أهل مكة في الحج بالحرم و فى العمرة بالحل لانه لما أقام بمكة صار في حكم أهل مكة فيجزئه إحرامه من ميقاتهم فان كان حين دخل مكة عاد في تلك السنة إلى الميقات فأحرم بحجة عليه من حجة الاسلام أو حجة نذر أو عمرة نذر سقط ما وجب عليه لدخوله مكة بغير إحرام استحسانا و القياس ان لا يسقط الا ان ينوى ما وجب عليه لدخول مكة و هو قول زفر و لا خلاف في انه تحولت السنة ثم عاد إلى الميقات ثم أحرم بحجة الاسلام انه لا يجزئه عما لزمه الا بتعيين النية وجه القياس انه قد وجب عليه حجة أو
عمرة بسبب المجاورة فلا يسقط عنه بواجب آخر كما لو نذر بحجة انه لا تسقط عنه بحجة الاسلام و كذا لو فعل ذلك بعد ما تحولت السنة وجه الاستحسان أن لزوم الحجة أو العمرة ثبت تعظيما للبقعة و الواجب عليه تعظيمها بمطلق الاحرام لا بإحرام على حدة بدليل أنه يجوز دخولها ابتداء بإحرام حجة الاسلام فانه لو أحرم من الميقات ابتداء بحجة الاسلام أجزأه ذلك عن حجة الاسلام و عن حرمة الميقات و صار كمن دخل المسجد وادي فرض الوقت قام ذلك مقام تحية المسجد و كذا لو نذر أن يعتكف شهر رمضان فصام رمضان معتكفا جاز و قام صوم رمضان مقام الصوم الذي هو شرط الاعتكاف بخلاف ما إذا تحولت السنة لانه لما لم يقض حق البقعة حتى تحولت السنة صار مفوتا حقها فصار ذلك دينا عليه و صار أصلا و مقصودا بنفسه فلا يتأدى بغيره كمن نذر أن يعتكف شهر رمضان فلم يصم و لم يعتكف حتى قضى شهر رمضان مع الاعتكاف جاز فان صام رمضان و لم يعتكف فيه حتى دخل شهر رمضان القابل فاعتكف فيه قضأ عما عليه لا يجوز لان الصوم صار أصلا و مقصودا بنفسه كذا هذا و كذلك لو أحرم بعمرة منذ و رة في السنة الثانية لم يجزه لانه يكره تأخير العمرة إلى يوم النحر و أيام التشريق فإذا صار إلى وقت يكره تأخير العمرة اليه صار تأخيرها كتفويتها فان دخل مكة بغير إحرام ثم خرج فعاد إلى أهله ثم عاد إلى مكة فدخلها بغير إحرام وجب عليه لكل واحد من الدخولين حجة أو عمرة لان كل واحد من الدخولين سبب الوجوب فان أحرم بحجة الاسلام جاز عن الدخول الثاني إذا كان في سنته و لم يجز عن الدخول الاول لان الواجب قبل الدخول الثاني صار دينا فلا يسقط الا بتعيين النية هذا إذا جاوز أحد هذه المواقيت الخمسة يريد الحج أو العمرة أو دخول مكة أو الحرم بغير إحرام فاما إذا لم يرد ذلك و انما أراد أن يأتى بستان بني عامر أو غيره لحاجة فلا شيء عليه لان لزوم الحج أو العمرة بالمجاوزة من إحرام لحرمة الميقات تعظيما للبقعة و تمييزا لها من بين سائر البقاع في الشرف و الفضيلة فيصير ملتزما للاحرام منه فإذا لم يرد البيت لم يصير ملتزما للاحرام فلا يلزمه شيء فان حصل في البستان أو ما وراءه من الحل ثم بدا له ان يدخل مكة لحاجة من إحرام فله ذلك لانه بوصوله إلى أهل البستان صار كواحد من أهل البستان و لاهل البستان أن يدخلوا مكة لحاجة من إحرام فكذا له و قيل ان هذا هو الحيلة في إسقاط الاحرام عن نفسه و روى عن أبى يوسف أنه لا يسقط عنه الاحرام و لا يجوز له أن يدخل مكة بغير إحرام ما لم يجاوز الميقات بنية أن يقيم بالبستان خمسة عشر يوما فصاعدا لانه لا يثبب للبستان حكم الوطن في حقه الا بنية مدة الاقامة و أقل مدة الاقامة خمسة عشر يوما و أما الصنف الثاني فميقاتهم للحج أو العمرة دويرة أهلهم أو حيث شاؤوا من الحل الذي بين دويرة أهلهم و بين الحرم لقوله عز و جل و أتموا الحج و العمرة لله روينا عن على و ابن مسعود رضى الله عنهما أنهما قالا حين سئلا عن هذه الآية إتمامهما ان تحرم بهما من دويرة أهلك فلا يجوز لهم ان يجاوزوا ميقاتهم للحج أو العمرة الا محرمين و الحل الذي بين دويرة أهلهم و بين الحرم كشيء واحد فيجوز إحرامهم إلى آخر أجزاء الحل كما يجوز إحرام الآفاقى من دويرة أهله إلى آخر أجزاء ميقاته فلو جاوز أحد منهم ميقاته يريد الحج أو العمرة فدخل الحرم من إحرام فعليه دم و لو عاد إلى الميقات قبل أن يحرم أو بعد ما أحرم فهو على التفصيل و الاتفاق و الاختلاف الذي ذكرنا في الآفاقى إذا جاوز الميقات بغير إحرام و كذلك الآفاقى إذا حصل في البستان أو المكي إذا خرج اليه فاراد أن يحج أو يعتمر فحكمه حكم أهل البستان و كذلك البستانى أو المكي إذا خرج إلى الآفاق صار حكمه حكم أهل الآفاق لا تجوز مجاوزته ميقات أهل الآفاق و هو يريد الحج أو العمرة الا محرما لما روينا من الحديثين و يجوز لمن كان من أهل هذا الميقات و ما بعده دخول مكة لغير الحج أو العمرة بغير إحرام عندنا و لا يجوز ذلك في أحد قولى الشافعي و ذكر في قوله الثالث إذا تكرر دخولهم يجب عليهم الاحرام في كل سنة مرة و الصحيح قولنا لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه رخص لحطابين أن يدخلوا مكة بغير إحرام و عادة الحطابين انهم لا يتجاوزن الميقات و روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه خرج من مكة إلى قديد فبلغه خبر فتنة بالمدينة فرجع و دخل مكة بغير إحرام و لان البستان من توابع الحرم فيلحق به و لان مصالح أهل البستان
فصل وأما بيان ما يحرم به
تتعلق بمكة فيحتاجون إلى الدخول في كل وقت فلو منعوا من الدخول الا بإحرام لوقعوا في الحرج و انه منفى شرعا و أما الصنف الثالث فميقاتهم للحج الحرم و للعمرة الحل فيحرم المكي من دويرة أهله للحج أو حيث شاء من الحرم و يحرم للعمرة من الحل و هو التنعيم أو غيره أما الحج فلقوله تعالى و أتموا الحج و العمرة لله و روينا عن على و ابن مسعود رضى الله عنهما أنهما قالا إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك الا أن العمرة صارت مخصوصة في حق أهل الحرم فبقى الحج مرادا في حقهم و روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أمر أصحابه بفسخ إحرام الحج بعمل العمرة أمرهم يوم التروية أن يحرموا بالحج من المسجد و فسخ إحرام الحج بعمل العمرة و ان نسخ فالإِحرام من المسجد لم ينسخ و ان شاء أحرم من الابطح أو حيث شاء من الحرم لكن من المسجد أولى لان الاحرام عبادة و إتيان العبادة في المسجد أولى كالصلاة و أما العمرة فلما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أراد الافاضة من مكة دخل على عائشة رضى الله عنها و هي تبكي فقالت أكل نسائك يرجعن بنسكين و أنا أرجع بنسك واحد فامر اخاها عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنه أن يعتمر بها من التنعيم و لان من شأن الاحرام أن يجتمع في أفعاله الحل و الحرم فلو أحرم المكي بالعمرة من مكة و أفعال العمرة تؤدى بمكة لم يجتمع في أفعالها الحل و الحرم بل يجتمع كل أفعالها في الحرم و هذا خلاف عمل الاحرام في الشرع و الافضل أن يحرم من التنعيم لان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحرم منه و كذا أصحابه رضى الله عنهم كانوا يحرمون لعمرتهم منه و كذلك من حصل في الحرم من أهله فاراد الحج أو العمرة فحكمه حكم أهل الحرم لانه صار منهم فإذا أراد أن يحرم للحج أحرم من دويرة أهله أو حيث شاء من الحرم و إذا أراد أن يحرم بالعمرة يخرج إلى التنعيم و يهل بالعمرة في الحل و لو ترك المكي ميقاته فأحرم للحج من الحل و للعمرة من الحرم يجب عليه الدم الا إذا عاد و جدد التلبية أو لم يجدد على التفصيل و الاختلاف الذي ذكرنا في الآفاقى و لو خرج من الحرم إلى الحل و لم يجاوز الميقات ثم أرد أن يعود إلى مكة له أن يعود إليها من إحرام لان أهل مكة يحتاجون إلى الخروج إلى الحل للاحتطاب و الاحتشاش و العود إليها فلو ألزمناهم الاحرام عند كل خروج لوقعوا في الحرج ( فصل )
و أما بيان ما يحرم به فما يحرم به في الاصل ثلاثة أنواع الحج وحده و العمرة وحدها و العمرة مع الحج و على حسب تنوع المحرم به يتنوع المحرمون و هم في الاصل أنواع ثلاثة مفرد بالحج و مفرد بالعمرة و جامع بينهما فالمفرد بالحج هو الذي يحرم بالحج لا و المفرد بالعمرة هو الذي يحرم بالعمرة لا و أما الجامع بينهما فنوعان قارن و متمتع فلا بد من بيان معنى القارن و المتمتع في عرف الشرع و بيان ما يجب عليهما بسبب القرآن و التمتع و بيان الافضل من أنواع ما يحرم به أنه الافراد أو القرآن أو التمتع أما القارن في عرف الشرع فهو اسم لآفاقى يجمع بين إحرام العمرة و إحرام الحج قبل وجود ركن العمرة و هو الطواف كله أو أكثره فيأتى بالعمرة أولا ثم يأتى بالحج قبل أن يحل من العمرة بالحلق أو التقصير سواء جمع بين الاحرامين بكلام موصول أو مفصول حتى لو أحرم بالعمرة ثم أحرم بالحج بعد ذلك قبل الطواف للعمرة أو أكثره كان قارنا لوجود معنى القرآن و هو الجمع بين الاحرامين و شرطه و لو كان إحرامه للحج بعد طواف العمرة أو أكثره لا يكون قارنا بل يكون متمتعا لوجود معنى التمتع و هو أن يكون إحرامه بالحج بعد وجود ركن العمرة كله و هو الطواف سبعة أشواط أو أكثره و هو أربعة أشواط على ما نذكر في تفسير المتمتع ان شاء الله تعالى و كذلك لو أحرم بالحجة أولا ثم بعد ذلك أحرم بالعمرة يكون قارنا لاتيانه بمعنى القرآن الا أنه يكره له ذلك لانه مخالفة السنة اذ السنة تقديم إحرام العمرة على إحرام الحج ألا ترى أنه يقدم العمرة على الحجة في الفعل فكذا في القول ثم إذا فعل ذلك ينظر ان أحرم بالعمرة قبل أن يطوف لحجته عليه أن يطوف أولا لعمرته و يسعى لها ثم يطوف لحجته و يسعى لها مراعاة للترتيب في الفعل فان لم يطف للعمرة و مضى إلى عرفات و وقف بها صار رافضا لعمرته لان العمرة تحتمل الارتفاض لاجل الحجة في الجملة لما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قدمت مكة معتمرة فحاضت فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم ارفضى عمرتك و أهلي
بالحج و اصنعى في حجتك ما يصنع الحاج و ههنا وجد دليل الارتفاض و هو الوقوف بعرفة لانه اشتغال بالركن الاصلى للحج فيتضمن ارتفاض العمرة ضرورة لفوات الترتيب في الفعل و هل يرتفض بنفس التوجه إلى عرفات ذكر في الجامع الصغير أنه لا يرتفض و ذكر في كتاب المناسك فيه القياس و الاستحسان فقال القياس أن يرتفض و فى الاستحسان لا يرتفض عني به القياس على أصل أبى حنيفة في باب الصلاة فيمن صلى الظهر يوم الجمعة في منزله ثم خرج إلى الجمعة أنه يرتفض ظهره عنده كذا ههنا ينبغى ان ترتفض عمرته بالقياس على ذلك الا انه استحسن و قال لا يرتفض ما لم يقف بعرفات و فرق بين العمرة و بين الصلاة و وجه الفرق له أن السعي إلى الجمعة من ضرورات اداء الجمعة و أداء الجمعة ينافى بقاء الظهر فكذا ما هو من ضروراته اذ الثابت ضرورة شيء ملحق به و ههنا التوجه إلى عرفات و ان كان من ضرورات الوقوف بها لكن الوقوف لا ينافى بقاء العمرة صحيحة فان عمرة القارن و المتمتع تبقي صحيحة مع الوقوف بعرفة و انما الحاجة ههنا إلى مراعاة الترتيب في الافعال فما لم توجد أركان الحج قبل أركان العمرة لا يوجد فوات الترتيب و ذلك هو الوقوف بعرفة فاما التوجه فليس بركن فلا يوجب فوات الترتيب في الافعال و ان كان طاف للحج ثم أحرم بالعمرة فالمستحب له أن يرفض عمرته لمخالفته السنة في الفعل اذ السنة هى تقديم أفعال العمرة على أفعال الحج فإذا ترك التقديم فقد تحققت البدعة فيستحب له أن يرفض لكن لا يؤمر بذلك حتما لان المؤدى من أفعال الحج و هو طواف اللقاء ليس بركن و لو مضى عليها أجزأه لانه اتى بأصل النسك و انما ترك السنة بترك الترتيب في الفعل و انه يوجب الاساءة دون الفساد و عليه دم القرآن لانه قارن لجمعه بين إحرام الحجة و العمرة و القران جائز مشروع و لو رفضها يقضيها لانها لزمته بالشروع فيها و عليه دم لرفضها لان رفض العمرة فسخ للاحرام بها و انه أعظم من إدخال النقص في الاحرام و ذا يوجب الدم فهذا أولى و الله تعالى أعلم و أما المتمتع في عرف الشرع فهو اسم لآفاقى يحرم بالعمرة و يأتي بأفعالها من الطواف و السعي أو يأتى بأكثر ركنها و هو الطواف أربعة أشواط أو أكثر في أشهر الحج ثم يحرم بالحج في أشهر الحج و يحج من عامة ذلك قبل أن يلم بأهله فيما بين ذلك الما ما صحيحا فيحصل له النسكان في سفر واحد سواء حل من إحرام العمرة بالحلق أو التقصير أو لم يحل إذا كان ساق الهدى لمتعته فانه لا يجوز التحلل بينهما و يحرم بالحج قبل أن يحل من إحرام العمرة و هذا عندنا و قال الشافعي سوق الهدى لا يمنع من التحلل فصار المتمتع نوعين ممتنع لم يسق الهدى و متمتع ساق الهدى فالذي لم يسق الهدى يجوز له التحلل إذا فرغ من أفعال لعمرة بلا خلاف و إذا تحلل صار حلالا كسائر المتحللين إلى أن يحرم بالحج لانه إذا تحلل من العمرة فقد خرج منها و لم يبق عليه شيء فيقيم بمكة حلالا أى لا يلم بأهله لان الالمام بالاهل يفسد التمتع و أما الذي ساق الهدى فانه لا يحل له التحلل الا يوم النحر بعد الفراغ من الحج عندنا و عند الشافعي يحل له التحلل و سوق الهدى لا يمنع من التحلل و الصحيح قولنا لما روى عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلقوا الا من كان معه الهدى و فى حديث اسماء أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من كان معه هدى فليقم على إحرامه و من لم يكن معه هدى فليحلق و روى انه لما أمر أصحابه ان يحلوا قالوا له انك لم تحل فقال انى سقت الهدى فلا أحل من إحرامي إلى يوم النحر و قال صلى الله عليه و سلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدى و تحللت كما أحلوا فقد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم ان الذي منعه من الحل سوق الهدى و لان لسوق الهدى أثرا في الاحرام حتى يصير به داخلا في الاحرام فجاز أن يكون له أثر في حال البقاء حتى يمنع من التحلل و سواء كان إحرامه للعمرة في أشهر الحج أو قبلها عندنا بعد أن يأتى بافعال العمرة أو ركنها أو بأكثر الركن في الاشهر أنه يكون متمتعا و عند الشافعي شرط كونه متمتعا الاحرام بالعمرة في الاشهر حتى لو أحرم بها قبل الاشهر لا يكون متمتعا و ان أتى بأفعالها في الاشهر و الكلام فيه بناء على أصل قد ذكرناه فيما تقدم و هو ان الاحرام عنده ركن فكان من أفعال العمرة فلا بد من وجود افعال العمرة في أشهر الحج و لم يوجد بل وجد بعضها في الاشهر و عندنا ليس بركن بل هو شرط فتوجد
افعال العمرة في الاشهر فيكون متمتعا و ليس لاهل مكة و لا لاهل داخل المواقيت التي بينها و بين مكة قران و لا تمتع و قال الشافعي يصح قرانهم و تمتعهم وجه قوله قوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى من فصل بين أهل مكة و غيرهم و لنا قوله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام جعل التمتع لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام على الخصوص لان اللام للاختصاص ثم حاضر و المسجد الحرام هم أهل مكة و أهل الحل الذين منازلهم داخل المواقيت الخمسة و قال مالك هم أهل مكة خاصة لان معنى الحضور لهم و قال الشافعي هم أهل مكة و من كان بينه و بين مكة مسافة لا تقصر فيها الصلاة لانه إذا كان كذلك كان من توابع مكة و الا فلا و الصحيح قولنا لان الذين هم داخل المواقيت الخمسة منازلهم من توابع مكة بدليل أنه يحل لهم أن يدخلوا مكة لحاجة بغير إحرام فكانوا في حكم حاضرى المسجد الحرام و روى عن ابن عمر رضى الله عنه أنه قال ليس لاهل مكة تمتع و لا قران و لان دخول العمرة في أشهر الحج ثبت رخصة لقوله تعالى الحج أشهر معلومات قيل في بعض وجوه التأويل أى للحج أشهر معلومات و اللام للاختصاص فيقتضى اختصاص هذه الاشهر بالحج و ذلك بان لا يدخل فيها غيره الا أن العمرة دخلت فيها رخصة للآفاقى ضرورة تعذر انشاء السفر للعمرة نظرا له باسقاط أحد السفرين و هذا المعنى لا يوجد في حق أهل مكة و من بمعناهم فلم تكن العمرة مشروعة في أشهر الحج في حقهم و كذا روى عن ذلك الصحابي انه قال كنا نعد العمرة في أشهر الحج من أكبر الكبائر ثم رخص و الثابت بطريق الرخصة يكون ثابتا بطريق الضرورة في حق أهل الآفاق لا في حق أهل مكة على ما بينا فبقيت العمرة في أشهر الحج في حقهم معصية و لان من شرط التمتع أن تحصل العمرة و الحج للمتمتع في أشهر الحج من أن يلم بأهله فيما بينهما و هذا لا يتحقق في حق المكي لانه يلم بأهله فيما بينهما لا محالة فلم يوجد شرط التمتع في حقه و لو جمع المكي بين العمرة و الحج في أشهر الحج فعليه دم لكن دم كفارة الذنب لا دم نسك شكرا للنعمة عندنا حتى لا يباح له أن يأكل منه و لا يقوم الصوم مقامه إذا كان معسرا و عنده هو دم نسك يجوز له أن يأكل منه و يقوم الصوم مقامه إذا لم يجد الهدى و لو أحرم الآفاقى بالعمرة قبل أشهر الحج فدخل مكة محرما بالعمرة و هو يريد التمتع فينبغي أن يقيم محرما حتى تدخل أشهر الحج فيأتى بافعال العمرة ثم يحرم بالحج و يحج من عامه ذلك فيكون متمتعا فان أتى بافعال العمرة أو بأكثرها قبل أشهر الحج ثم دخل أشهر الحج فأحرم بالحج و حج من عامه ذلك لم يكن متمتعا لانه لم يتم له الحج و العمرة في أشهر الحج و لو أحرم بعمرة أخرى بعد ما دخل أشهر الحج لم يكن متمتعا في قولهم جميعا لانه صار في حكم أهل مكة بدليل أنه صار ميقاتهم ميقاته فلا يصح له التمتع الا أن يعود إلى أهله ثم يعود إلى مكة محرما بالعمرة في قول أبى حنيفة و فى قولهما الا أن يعود إلى أهله أو إلى موضع يكون لاهله التمتع و القران على ما نذكر و لو أحرم من لا تمتع له من المكي و نحوه بعمرة ثم أحرم بحجة يلزمه رفض أحدهما لان الجمع بينهما معصية و النزوع عن المعصية لازم ثم ينظر ان أحرم بعمرة ثم أحرم بحجة قبل أن يطوف لعمرته رأسا فانه يرفض العمرة لانها أقل عملا و الحج أكثر عملا فكانت العمرة أخف مؤنة من الحجة فكان رفضها أيسر و لان المعصية حصلت بسببها لانها هى التي دخلت في وقت الحج فكانت أولى بالرفض و يمضى على حجته و عليه لرفض عمرته دم و عليه قضأ العمرة لما نذكر و ان كان طاف لعمرته جميع الطواف أو أكثره لا يرفض العمرة بل يرفض الحج لان العمرة مؤداة و الحج مؤدى فكان رفض الحج امتناعا عن الاداء و رفض العمرة إبطالا للعمل و الامتناع عن العمل دون إبطال العمرة فكان أولى و ان كان طاف لها شوطا أو شوطين أو ثلاثة يرفض الحج في قول أبى حنيفة و فى قول أبى يوسف و محمد يرفض العمرة وجه قولهما ان رفض العمرة أدنى و أخف مؤنة الا ترى انها سميت الحجة الصغرى فكانت أولى بالرفض و لا عبرة بالقدر المؤدى منها لانه أقل و الاكثر مؤدى و الاقل بمقابلة الاكثر ملحق بالعدم فكانه لم يؤد شيأ منها و الله أعلم و لابي حنيفة أن رفض الحجة امتناع من العمل و رفض العمرة إبطال للعمل و الامتناع دون الابطال فكان أولى و بيان ذلك انه لم يوجد للحج عمل لانه لم يوجد له الا الاحرام و انه ليس من
الاداء في شيء لانه شرط و ليس بركن عندنا على ما بينا فيما تقدم فلا يكون رفض الحج إبطالا للعمل بل يكون امتناعا فاما العمرة فقد أدى منها شيأ و ان قل و كان رفضها إبطالا لذلك القدر من العمل فكان الامتناع أولى لما قلنا و إذا رفض الحجة عنه فعليه لرفضها دم و قضاء حجة و عمرة و إذا رفض العمرة عندهما فعليه لرفضها دم و قضاء عمرة و الاصل في جنس هذه المسائل ان كل من لزمه رفض عمرة فرفضها فعليه لرفضها دم لانه تحلل منها قبل وقت التحلل فيلزمه الدم كالمحصر و عليه عمرة مكانها قضأ لانها قد وجبت عليه بالشروع فإذا أفسدها يقضيها و كل من لزمه رفض حجة فرفضها فعليه لرفضها دم و عليه حجة و عمرة أما لزوم الدم لرفضها فلما ذكرنا في العمرة و أما لزوم الحجة و العمرة فاما الحجة فلوجوبها بالشروع و أما العمرة فلعدم إتيانه بافعال الحجة في السنة التي أحرم فيها فصار كفائت الحج فيلزمه العمرة كما يلزم فائت الحج فان أحرم بالحجة من سنته فلا عمرة عليه و كل من لزمه رفض أحدهما فمضى فيها فعليه دم لان الجمع بينهما معصية فقد أدخل النقص في أحدهما فليزمه دم لكنه يكون دم كفارة لا دم متعة حتى لا يجوز له أن يأكل منه و لا يجزئه الصوم ان كان معسرا و مما يتصل بهذه المسائل ما إذا أحرم بحجتين معا أو بعمرتين معا قال أبو حنيفة و أبو يوسف لزمتاه جميعا و قال محمد لا يلزمه الا احداهما و به أخذ الشافعي وجه قول محمد انه إذا أحرم بعبادتين لا يمكنه المضي فيهما جميعا فلا ينعقد إحرامه بهما جميعا كما لو أحرم بصلاتين أو صومين بخلاف ما إذا أحرم بحجة و عمرة لان المضي فيهما ممكن فيصح إحرامه بهما كما لو نوى صوما و صلاة و لابي حنيفة و أبى يوسف انه أحرم بما يقدر عليه في وقتين فيصح إحرامه كما لو أحرم بحجة و عمرة معا و ثمرة هذا الاختلاف تظهر في وجوب الجزاء إذا قتل صيدا عندهما يجب جزءان لانعقاد الاحرام بهما جميعا و عنده يجب جزاء واحد لانعقاد الاحرام بإحداهما ثم اختلف أبو حنيفة و أبو يوسف في وقت ارتفاض احداهما عند أبى يوسف يرتفض عقيب الاحرام بلا فصل و عن أبى حنيفة روايتان في الرواية المشهورة عنه يرتفض إذا قصد مكة و فى رواية لا يرتفض حتى يبتدئ بالطواف و لو أحرم الآفاقى بالعمرة فاداها في أشهر الحج و فرغ منها وحل من عمرته ثم عاد إلى أهله حلالا ثم رجع إلى مكة و أحرم بالحج و حج من عامه ذلك لم يكن متمتعا حتى لا يلزمه الهدى بل يكون مفردا بعمرة و مفردا بحجة لانه ألم بأهله بين الاحرامين الما ما صحيحا و هذا يمنع التمتع و قال الشافعي لا أعرف الالمام و نحن نقول ان كنت لا تعرف معناه لغة فمعناه في اللغة القرب يقال ألم به أى قرب منه و ان كنت لا تعرف حكمه شرعا فحكمه أن يمنع التمتع لما روى عن عمر و ابن عمر رضى الله عنهما أن المتمتع إذا أقام بمكة صح تمتعه و ان عاد إلى أهله بطل تمتعه و كذا روى عن جماعة من التابعين مثل سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و إبراهيم النخعي و طاووس و عطاء رضى الله عنهم انهم قالوا كذلك و مثل هذا لا يعرف رأيا و اجتهادا فالظاهر سماعهم ذلك من رسول الله صلى الله عليه و سلم و لان التمتع في حق الآفاقى ثبت رخصة ليجمع بين النسكين و يصل أحدهما بالآخر في سفر واحد من أن يتخلل بينهما ما ينافى النسك و هو الارتفاق و لما ألم بأهله فقد حصل له مرافق الوطن فبطل الاتصال و الله تعالى أعلم و لو رجع إلى مكة بعمرة أخرى و حج كان متمتعا لان حكم العمرة الاولى قد سقط بالمامه بأهله فيتعلق الحكم بالثانية و قد جمع بينهما و بين الحجة في أشهر الحج من المام فكان متمتعا و لو كان المامة بأهله بعد ما طاف لعمرته قبل أن يحلق أو يقصر ثم حج من عامه ذلك قبل أن يحل من العمرة في أهله فهو متمتع لان العود مستحق عليه لاجل الحلق لان من جعل الحرم شرطا لجواز الحق و هو أبو حنيفة و محمد لابد من العود و عند من لم يجعله شرطا و هو أبو يوسف كان العود مستحبا ان لم يكن مستحقا و أما الالمام الفاسد الذي لا يمنع صحة التمتع فهو أن يسوق الهدى فإذا فرغ من العمرة عاد إلى وطنه فلا يبطل تمتعه في قول أبى حنيفة و أبى يوسف حتى لو عاد إلى مكة فأحرم بالحج و حج من عامه ذلك كان متمتعا في قولهما و عند محمد يبطل تمتعه حتى لو حج من عامه ذلك لم يكن متمتعا وجه قول محمد ان المانع من صحة التمتع و هو الالمام بالاهل قد وجد و العود مستحق عليه بدليل أنه لو بدا له من التمتع جاز له ذبح الهدى ههنا و إذا لم يستحق عليه العود
صار كان لم يسق الهدى و لو لم يسق الهدى يبطل تمتعه كذا هذا و لهما أن العود مستحق عليه ما دام على نية التمتع فيمنع صحة الالمام فلا يبطل تمتعه كالقارن إذا عاد الي أهله ثم ما ذكرنا من بطلان التمتع بالالمام الصحيح إذا عاد إلى أهله فاما إذا عاد إلى أهله بأن خرج من الميقات و لحق بموضع لاهله القرآن و التمتع كالبصرة مثلا أو نحوها و اتخذ هناك دارا أو لم يتخذ توطن بها أو لم يتوطن ثم عاد إلى مكة و حج من عامه ذلك فهل يكون متمتعا ذكر في الجامع الصغير أنه يكون متمتعا و لم يذكر الخلاف و ذكر القاضي أيضا أنه يكون متمتعا في قولهم و ذكر الطحاوي أنه يكون متمتعا في قول أبى حنيفة و هذا و ما إذا أقام بمكة و لم يبرح منها سواء و اما في قول ابى يوسف و محمد فلا يكون متمتعا و لحوقه بموضع لاهله التمتع و القران و لحوقه بأهله سواء وجه قولهما أنه لما جاوز الميقات و وصل إلى موضع لاهله التمتع و القران فقد بطل حكم السفر الاول و خرج من أن يكون من أهل مكة لوجود انشاء سفر آخر فلا يكون متمتعا كما لو رجع إلى أهله و لابي حنيفة أن وصوله الي موضع لاهله القرآن و التمتع لا يبطل السفر الاول ما لم يعد إلى منزله لان المسافر ما دام يتردد في سفره يعد ذلك كله منه سفرا واحد ما لم يعد إلى منزلة و لم يعد ههنا فكان السفر الاول قائما فصار كانه لم يبرح من مكة فيكون متمتعا و يلزمه هدى المتعة و لو أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم أفسدها و أتمها على الفساد وحل منها ثم أحرم بالحج و حج من عامه ذلك قبل أن يقضيها لم يكن متمتعا لانه لا يصير متمتعا الا بحصول العمرة و الحجة و لما أفسد العمرة فلم تحصل له العمرة و الحجة فلا يكون متمتعا و لو قضى عمرته و حج من عامه ذلك فهذا لا يخلو من ثلاثة أوجه فان فرغ من عمرته الفاسدة وحل منها و رجع إلى أهله ثم عاد الي مكة و قضى عمرته و أحرم بالحج و حج من عامه ذلك فانه يكون متمتعا بالاجماع لانه لما لحق بأهله صار من أهل التمتع و قد أتى به فكان متمتعا و إذا فرغ من عمرته الفاسدة وحل منها لكنه لم يخرج من الحرم أو خرج منه لكنه لم يجاوز الميقات حتى قضى عمرته و أحرم بالحج لا يكون متمتعا بالاجماع لانه لما حل من عمرته الفاسدة صار كواحد من أهل مكة و لا تمتع لاهل مكة و يكون مسيأ و عليه لاساءته دم و ان فرغ من عمرته الفاسدة وحل منها و خرج من الحرم و جاوز الميقات حتى قضى عمرته و لحق بموضع لاهله التمتع و القران كالبصرة و غيرها ثم رجع الي مكة و قضى عمرته الفاسدة ثم أحرم بحج و حج من عامه ذلك لم يكن متمتعا في قول أبى حنيفة كانه لم يبرح من مكة و فى قول أبى يوسف و محمد يكون متمتعا كانه لحق بأهله وجه قولهما انه لما حصل في موضع لاهله التمتع و القران صار من أهل ذلك الموضع و بطل حكم ذلك السفر ثم إذا قدم مكة كان هذا انشاء سفر و قد حصل له نسكان في هذا السفر و هو عمرة و حجة فيكون متمتعا كما لو رجع إلى أهله ثم عاد الي مكة و قضى عمرته في أشهر الحج و أحرم بالحج و حج من عامه ذلك انه يكون متمتعا كذا هذا بخلاف ما إذا اتخذ مكة دارا لانه صار من أهل مكة و لا تمتع لاهل مكة و لابي حنيفة ان حكم السفر الاول باق لان الانسان إذا خرج من وطنه مسافرا فهو على حكم السفر ما لم يعد إلى وطنه و إذا كان حكم السفر الاول باقيا فلا عبرة بقدومه البصرة و اتخاذه دارا بها فصار كانه أقام بمكة لم يبرح منها حتى قضى عمرته الفاسدة و إذا كان كذلك لم يكن متمتعا و لم يلزمه الدم لانه لما أفسد العمرة لزمه أن يقضيها من مكة و هو ان يحرم بالعمرة من ميقات أهل مكة للعمرة و ذلك دليل الحاقه بأهل مكة فصارت عمرته و حجته مكيتين لصيرورة ميقاته للحج و العمرة ميقات أهل مكة فلا يكون متمتعا لوجود الالمام بمكة كما فرغ من عمرته و صار كالمكي إذا خرج إلى أقرب الآفاق و أحرم بالعمرة ثم عاد إلى مكة و أتى بالعمرة ثم أحرم بالحج و حج من عامه ذلك لم يكن متمتعا كذا هذا بخلاف ما إذا رجع إلى وطنه لانه إذا رجع إلى وطنه فقد قطع حكم السفر الاول بابتداء سفر آخر فانقطع حكم كونه بمكة فبعد ذلك إذا أتى مكة و قضى العمرة و حج فقد حصل له النسكان في سفر واحد فصار متمتعا هذا إذا أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم أفسدها و أتمها على الفساد فاما إذا أحرم بها قبل أشهر الحج ثم أفسدها و أتمها على الفساد فان لم يخرج من الميقات حتى دخل أشهر الحج و قضى عمرته في أشهر الحج ثم أحرم بالحج و حج من عامه ذلك فانه لا يكون متمتعا بالاجماع و حكمه كمكى تمتع لانه صار كواحد من
فصل وأما بيان ما يجب على المتمتع
أهل مكة لما ذكرنا و يكون مسيأ و عليه لاساءته دم و ان عاد إلى أهله ثم عاد إلى مكة محرما بإحرام العمرة و قضى عمرته في أشهر الحج ثم أحرم بالحج و حج من عامه ذلك يكون متمتعا بالاجماع لما مر و ان عاد إلى أهله و لحق بموضع لاهله التمتع و القران ثم عاد إلى مكة محرما بإحرام العمرة و قضى عمرته في أشهر الحج ثم أحرم بالحج و حج من عامه ذلك فهذا على وجهين في قول أبى حنيفة في وجه يكون متمتعا و هو ما إذا رأى هلال شول خارج الميقات ثم عاد إلى مكة محرما بإحرام العمرة و قضى عمرته في أشهر الحج ثم أحرم بالحج و حج من عامه ذلك و فى وجه لا يكون متمتعا و هو ما إذا رأى هلال شوال داخل الميقات و عند أبى يوسف و محمد يكون متمتعا في الوجهين جميعا لهما أن لحوقه بذلك الموضع بمنزلة لحوقه بأهله و لو لحق بأهله يكون متمتعا فكذا هذا و لابي حنيفة ان في الوجه الاول أدركته أشهر الحج و هو من أهل التمتع لانها أدركته خارج الميقات و فى الوجه الثاني أدركته و هو ليس من أهل التمتع لكونه ممنوعا شرعا عن التمتع و لا يزول المنع حتى يلحق بأهله و لو اعتمر في أشهر الحج ثم عاد إلى أهله قبل ان يحل من عمرته و ألم بأهله و هو محرم ثم عاد إلى مكة بذلك الاحرام و أتم عمرته ثم حج من عامه ذلك فهذا على ثلاثة أوجه فان كان طاف لعمرته شوطا أو شوطين أو ثلاثة أشواط ثم عاد إلى أهله و هو محرم ثم رجع إلى مكة بذلك الاحرام و أتم عمرته و حج من عامه ذلك فانه يكون متمتعا بالاجماع و ان اعتمر وحل من عمرته ثم عاد إلى أهله حلالا ثم عاد إلى مكة و حج من عامه ذلك لا يكون متمتعا بالاجماع لان المامة بأهله صحيح و انه يمنع التمتع و ان رجع إلى أهله بعد ما طاف أكثر طواف عمرته أو كله و لم يحل بعد ذلك و ألم بأهله محرما ثم عاد و أتم بقية عمرته و حج من عامه ذلك فانه يكون متمتعا في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و فى قول محمد لا يكون متمتعا وجه قوله انه أدى العمرة بسفرين و أكثرها حصل في السفر الاول و هذا يمنع التمتع و لهما ان المامة بأهله لم يصح بدليل انه يباح له العود إلى مكة بذلك الاحرام من ان يحتاج إلى إحرام جديد فصار كانه أقام بمكة و كذا لو اعتمر في أشهر الحج و من نيته التمتع و ساق الهدى لاجل تمتعه فلما فرغ منها عاد إلى أهله محرما ثم عاد و حج من عامه ذلك فانه يكون متمتعا في قولهما لان المامة بأهله لم يصح فصار كانه أقام بمكة و عند محمد لا يكون متمتعا و لو خرج المكي إلى الكوفة فأحرم بها للعمرة ثم دخل مكة فأحرم بها للحج لم يكن متمتعا لانه حصل له الالمام بأهله بين الحجة و العمرة فمنع التمتع كالكوفى إذا رجع إلى أهله و سواء ساق الهدى أو لم يسق يعنى إذا أحرم بالعمرة بعد ما خرج إلى الكوفة و ساق الهدى لم يكن متمتعا و سوقه الهدى لا يمنع صحة المامة بخلاف الكوفي لان الكوفي انما يمنع سوق الهدى صحة المامة لان العود مستحق عليه فاما المكي فلا يستحق عليه العود فصح المامة مع السوق كما يصح مع عدمه و لو خرج المكي إلى الكوفة فقرن صح قرانه لان القرآن يحصل بنفس الاحرام فلا يعتبر فيه الالمام فصار بعوده إلى مكة كالكوفى إذا قرن ثم عاد إلى الكوفة و ذكر ابن سماعة عن محمد أن قران المكي بعد خروجه إلى الكوفة انما يصح إذا كان خروجه من مكة قبل أشهر الحج فاما إذا دخلت عليه أشهر الحج و هو بمكة ثم خرج إلى الكوفة فقرن لم يصح قرانه لانه حين دخول الاشهر عليه كان على صفة لا يصح له التمتع و لا القرآن في هذه السنة لانه في أهله فلا يتغير ذلك بالخروج إلى الكوفة و فى نوادر ابن سماعة عن محمد فيمن أحرم بعمرة في رمضان و أقام على إحرامه إلى شوال من قابل ثم طاف لعمرته في العام القابل من شوال ثم حج في ذلك العام انه متمتع لانه باق على إحرامه و قد أتى بافعال العمرة و الحج في أشهر الحج فصار كانه ابتدأ الاحرام بالعمرة في أشهر الحج و حج من عامه ذلك و لو فعل ذلك كان متمتعا كذا هذا و بمثله من وجب عليه ان يتحلل من الحج بعمرة فاخر إلى العام القابل فتحلل بعمرة في شوال و حج من عامه ذلك لا يكون متمتعا لانه ما أتى بافعال العمرة لها بل للتحلل عن إحرام الحج فلم تقع هذه الافعال معتدا بها عن العمرة فلم يكن متمتعا بخلاف الفصل الاول ( فصل )
و أما بيان ما يجب على المتمتع و القارن بسبب التمتع و القران اما المتمتع فيجب عليه الهدى بالاجماع و الكلام في الهدى في مواضع في تفسير الهدى و فى بيان وجوبه و فى بيان شرط الوجوب و فى بيان صفة الواجب
و فى بيان مكان أقامته و فى بيان زمان الاقامة أما الاول فالهدى المذكور في آية التمتع اختلف فيه الصحابة رضى الله عنهم روى عن على و ابن عباس و ابن مسعود رضى الله عنهم انهم قالوا هو شاة و عن ابن عمر و عائشة رضى الله عنهم انه بدنة أو بقرة و الحاصل ان اسم الهدى يقع على الابل و البقر و الغنم لكن الشاة ههنا مرادة من الآية الكريمة بإجماع الفقهاء حتى أجمعوا على جوازها عن المتعة و الدليل عليه أيضا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه سئل عن الهدى فقال صلى الله عليه و سلم أدناه شاة الا أن البدنة أفضل من البقرة و البقرة أفضل من الشاة لقول النبي صلى الله عليه و سلم في تفسير الهدى أدناه شاة ففيه اشارة إلى أن اعلاه البدنة و البقرة و روى عنه صلى الله عليه و سلم انه قال المبكر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ثم كالمهدي بقرة ثم كالمهدي شاة و كذا النبي صلى الله عليه و سلم ساق البدن و معلوم أنه كان يختار من الاعمال أفضلها و لان البدنة أكثر لحما و قيمة من البقرة و البقرة أكثر لحما و قيمة من الشاة فكان انفع للفقراء فكان أفضل و أما وجوبه فانه واجب بالاجماع و بقوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى أى فعليه ذبح ما استيسر من الهدى كما في قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية الآية أى فحلق فعليه فدية و قوله عز و جل فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر معناه فافطر فليصم في عدة من أيام أخر و أما شرط وجوبه فالقدرة عليه لان الله تعالى أوجب ما استيسر من الهدى و لا وجوب الا على القادر فان لم يقدر فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع إلى أهله لقوله عز وجل فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة معناه فمن لم يجد الهدى فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجعتم و لا يجوز له أن يصوم ثلاثة أيام في أشهر الحج قبل أن يحرم بالعمرة بلا خلاف و هل يجوز له بعد ما أحرم بالعمرة في أشهر الحج قبل أن يحرم بالحج قال أصحابنا يجوز سواء طاف لعمرته أو لم يطف بعد ان أحرم بالعمرة و قال الشافعي لا يجوز حتى يحرم بالحج كذا ذكر الفقية أبو الليث الخلاف و ذكر امام الهدى الشيخ أبو منصور الماتريدى رحمه الله القياس أن لا يجوز ما لم يشرع في الحج و هو قول زفز لقوله تعالى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج و انما يكون في الحج بعد الشروع فيه و ذلك بالاحرام و لان على أصل الشافعي دم المتعة دم كفارة وجب جبرا للنقص و ما لم يحرم بالحج لا يظهر النقص و لنا ان الاحرام بالعمرة سبب لوجود الاحرام بالحجة فكان الصوم تعجيلا بعد وجود السبب فجاز و قبل وجود العمرة لم يوجد السبب فلم يجز و لان السنة في المتمتع ان يحرم بالحج عشية التروية كذا روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أصحابه بذلك و إذا كانت السنة في حقه الاحرام بالحج عشية التروية فلا يمكنه صيام الثلاثة الايام بعد ذلك و انما بقي له يوم واحد لان أيام النحر و التشريق قد نهى عن الصيام فيها فلا بد من الحكم بجواز الصوم بعد إحرام العمرة قبل الشروع في الحج و اما الآية فقد قيل في تأويلها ان المراد منها وقت الحج و هو الصحيح اذ الحج لا يصلح ظرفا للصوم و الوقت يصلح ظرفا له فصار تقدير الآية الشريفة فصيام ثلاثة أيام في وقت الحج كما في قوله تعالى الحج أشهر معلومات أى وقت الحج أشهر معلومات و على هذا صارت الآية الشريفة حجة لنا عليه لان الله تعالى أوجب على المتمتع صيام ثلاثة أيام في وقت الحج و هو أشهر الحج و قد صام في أشهر الحج فجاز الا أن زمان ما قبل الاحرام صار مخصوصا من النص و الافضل أن يصوم ثلاثة أيام آخرها يوم عرفة بان يصوم قبل يوم التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة لان الله تعالى جعل صيام ثلاثة أيام بدلا عن الهدى و أفضل أوقات البدل وقت اليأس عن الاصل لما يحتمل القدرة على الاصل قبله و لهذا كان الافضل تأخير التيمم إلى آخر وقت الصلاة لاحتمال وجود الماء قبله و هذه الايام آخر وقت هذا الصوم عندنا فإذا مضت و لم يصم فيها فقد فات الصوم و سقط عنه و عاد الهدى فان لم يقدر عليه يتحلل و عليه دمان دم التمتع و دم التحلل قبل الهدى و عند الشافعي لا يفوت بمضي هذه الايام ثم له قولان في قول يصومها في أيام التشريق و فى قول يصومها بعد أيام التشريق و الصحيح قولنا لقوله تعالى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج أى في وقت الحج لما بينا عين وقت الحج لصوم هذه الآيام الا أن يوم النحر خرج من أن
يكون وقتا لهذا الصوم بالاجماع و ما رواه ليس وقت الحج فلا يكون محلا لهذا الصوم و عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال المتمتع انما يصوم قبل يوم النحر و عن عمر رضى الله عنه أن رجلا أتاه يوم النحر و هو متمتع لم يصم فقال له عمر رضى الله عنه اذبح شاة فقال الرجل ما أجدها فقال له عمر سل قومك فقال ليس ههنا منهم أحد فقال عمر رضى الله عنه يا مغيث أعطه عني ثمن شاة و الظاهر أنه قال ذلك سماعا من رسول الله صلى الله عليه و سلم لان مثل ذلك لا يعرف رأيا و اجتهادا و أما صوم السبعة فلا يجوز قبل الفراغ من أفعال الحج بالاجماع و هل يجوز بعد الفراغ من أفعال الحج بمكة قبل الرجوع إلى الاهل قال أصحابنا يجوز و قال الشافعي لا يجوز الا بعد الرجوع إلى الاهل الا إذا نوى الاقامة بمكة فيصومها بمكة فيجوز و احتج بقوله تعالى و سبعة إذا رجعتم أى إذا رجعتم إلى أهليكم و لنا هذه الآية بعينها لانه قال عز و جل إذا رجعتم مطلقا فيقتضى أنه إذا رجع من منى إلى مكة و صامها يجوز و هكذا قال بعض أهل التأويل إذا رجعتم من منى و قال بعضهم إذا فرغتم من أفعال الحج و قيل إذا أتى وقت الرجوع و لو وجد الهدى قبل أن يشرع في صوم ثلاثة أيام أو في خلال الصوم أو بعد ما صام فوجده في أيام النحر قبل أن يحلق أو يقصر يلزمه الهدى و يسقط حكم الصوم عندنا و قال الشافعي لا يلزمه الهدى و لا يبطل حكم الصوم و الصحيح قولنا لان الصوم بدل عن الهدى و قد قدر على الاصل قبل حصول المقصود بالبدل فبطل حكم البدل كما لو وجد الماء في خلال التيمم و لو وجد الهدى في أيام الذبح أو بعد ما حلق أو قصر فحل قبل أن يصوم السبعة صح صومه و لا يجب عليه الهدى لان المقصود من البدل و هو التحلل قد حصل فالقدرة على الاصل بعد ذلك لا تبطل حكم البدل كما لو صلى بالتيمم ثم وجد الماء و اختلف أبو بكر الرازي و أبو عبد الله الجرجاني في صوم السبعة قال الجرجاني انه ليس ببدل بدليل أنه يجوز مع وجود الهدى بالاجماع و لا جواز للبدل مع وجود الاصل كما في التراب مع الماء و نحو ذلك و قال الرازي انه بدل لانه لا يجب الا حال العجز عن الاصل و جوازه حال وجود الاصل لا يخرجه عن كونه بدلا و لو صام ثلاثة أيام و لم يحل حتى مضت أيام الذبح ثم وجد الهدى فصومه ماض و لا هدى عليه كذا روى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة ذكره الكرخي في مختصره لان الذبح يتوقت بأيام الذبح عندنا فإذا مضت فقد حصل المقصود و هو إباحة التحلل فكانه تحلل ثم وجد الهدى و أما صفة الواجب فقد اختلف فيها قال أصحابنا انه دم نسك وجب شكرا لما وفق للجمع بين النسكين بسفر واحد فله أن يأكل منه و يطعم من شاء غنيا كان المطعم أو فقيرا و يستحب له أن يأكل الثلث و يتصدق بالثلث و يهدى الثلث لاقربائه و جيرانه سواء كانوا فقراء أو أغنياء كدم الاضحية لقوله عز و جل فكلوا منها و أطعموا البائس الفقير و قال الشافعي انه دم كفارة وجب جبرا للنقص بترك احدى السفرتين لان الافراد أفضل عنده لا يجوز للغنى أن يأكل منه و سبيله سبيل دماء الكفارات و أما القارن فحكمه حكم المتمع في وجوب الهدى عليه ان وجد و الصوم ان لم يجد و إباحة الاكل من لحمه للغنى و الفقير لانه في معنى المتمتع فيما لاجله وجب الدم و هو الجمع بين الحجة و العمرة في سفر واحد و قد روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان قارنا فنحر البدن و أمر عليا رضى الله عنه فأخذ من كل بدنة قطعة فطبخها و أكل رسول الله صلى الله عليه و سلم من لحمها و حسا من مرقها و أما مكان هذا الدم فالحرم لا يجوز في غيره لقوله تعالى و الهدى معكوفا أن يبلغ محله و محله الحرم و المراد منه هدى المتعة لقوله تعالي فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى و الهدى اسم لما يهدى إلى بيت الله الحرام أى يبعث و ينقل اليه و أما زمانه فأيام النحر حتى لو ذبح قبلها لم يجز لانه دم نسك عندنا فيتوقت بأيام النحر كالاضحية و أما بيان أفضل أنواع ما يحرم به فظاهر الرواية عن أصحابنا أن القرآن أفضل ثم التمتع ثم الافراد و روى عن أبى حنيفة أن الافراد أفضل من التمتع و به أخذ الشافعي و قال مالك التمتع أفضل و ذكر محمد في كتاب الرد على أهل المدينة أن حجة كوفية و عمرة كوفية أفضل احتج الشافعي بما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفرد بالحج عام حجة الوداع فدل أن الافراد أفضل اذ هو صلى الله عليه و سلم كان يختار من الاعمال أفضلها و لنا أن المشهور أن النبي صلى الله عليه و سلم قرن بين الحج و العمرة رواه عمر و على و ابن عباس
و جابر و أنس رضى الله عنهم و روى عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال أتانى آت من ربي و أنا بالعقيق فقال قم فصل في هذا الوادي المبارك ركعتين و قل لبيك بعمرة في حجة حتى روى عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصرخ بها صراخا و يقول لبيك بعمرة في حجة فدل أنه صلى الله عليه و سلم كان قارنا و روى عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال تابعوا بين الحج و العمرة فان المتابعة بينهما تزيد في العمر و تنفى الفقر و لان القرآن و التمتع جمع بين عبادتين بإحرامين فكان أفضل من اتيان عبادة واحدة بإحرام واحد و انما كان القرآن أفضل من التمتع لان القارن حجته و عمرته آفاقيتان لانه يحرم بكل واحدة منهما من الآفاق و المتمتع عمرته آفاقية و حجته مكية لانه يحرم بالعمرة من الآفاق و بالحجة من مكة و الحجة الآفاقية أفضل من الحجة المكية لقوله تعالى و أتموا الحج و العمرة لله و روينا عن على و ابن مسعود رضى الله عنهما انهما قالا إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك و ما كان أتم فهو أفضل و أما ما رواه الشافعي فالمشهور ما روينا و العمل بالمشهور أولى مع ما أن فيما روينا زيادة ليست في روايته و الزيادة برواية العدل مقبولة على انا نجمع بين الروايتين على ما هو الاصل عند تعارض الدليلين أنه يعمل بهما بالقدر الممكن فنقول كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قارنا لكنه كان يسمى العمرة و الحجة في التلبية بهما مرة و كان صلى الله عليه و سلم يلبى بهما لكنه كان يسمى بإحداهما مرة اذ تسمية ما يحرم به في التلبية ليس بشرط لصحة التلبية فراوى الافراد سمعه يسمى الحجة في التلبية فبنى الامر على الظاهر فظنه مفردا فروى الافراد و راوي القرآن وقف على حقيقة الحال فروى القرآن ( فصل )
و أما بيان حكم المحرم إذا منع عن المضي في الاحرام و هو المسمى بالمحصر في عرف الشرع فالكلام في الاحصار في الاصل في ثلاث مواضع في تفسير الاحصار انه ما هو و مم يكون و فى بيان حكم الاحصار و فى بيان حكم زوال الاحصار أما الاول فالمحصر في اللغة هو الممنوع و الاحصار هو المنع و فى عرف الشرع هو اسم لمن أحرم ثم منع عن المضي في موجب الاحرام سواء كان المنع من العدو أو المرض أو الحبس أو الكسر أو العرج و غيرها من الموانع من إتمام ما أحرم به حقيقة أو شرعا و هذا قول أصحابنا و قال الشافعي لا احصار الا من العدو و وجه قوله أن آية الاحصار و هي قوله تعالى فان أحصرتم فما استيسر من الهدى نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أحصروا من العدو و فى آخر الآية الشريفة دليل عليه و هو قوله عز و جل فإذا أمنتم و الامان من العدو يكون و روى عن ابن عباس و ابن عمر رضى الله عنهما انهما قالا لا حصر الا من عدو و لنا عموم قوله تعالى فان أحصرتم فما استيسر من الهدى و الاحصار هو المنع و المنع كما يكون من العدو يكون من المرض و غيره و العبرة بعموم اللفظ عندنا لا بخصوص السبب اذ الحكم يتبع اللفظ لا السبب و عن الكسائي و أبى معاذ ان الاحصار من المرض و الحصر من العدو فعلى هكذا كانت الآية خاصة في الممنوع بسبب المرض و أما قوله عز و جل فإذا أمنتم فالجواب عن التعلق به من وجهين أحدهما أن الامن كما يكون من العدو يكون من زوال المرض لانه إذا زال مرض الانسان أمن الموت منه أو أمن زيادة المرض و كذا بعض الامراض قد تكون أمانا من البعض كما قال النبي صلى الله عليه و سلم الزكام أمان من الجذام و الثاني أن هذا يدل على ان المحصر من العدو مراد من الآية الشريفة و هذا لا ينفى كون المحصر من المرض مرادا منها و ما روى عن ابن عباس و ابن عمر رضى الله عنهما انه ان ثبت فلا يجوز ان ينسخ به مطلق الكتاب كيف و انه لا يرى نسخ الكتاب بالسنة و قد روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من كسر أو عرج فقد حل و عليه الحج من قابل و قوله حال أى جاز له أن يحل بغير دم لانه لم يؤذن له بذلك شرعا و هو كقول النبي صلى الله عليه و سلم إذا أقبل الليل من ههنا و أدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم و معناه أى حل له الافطار فكذا ههنا معناه حل له ان يحل و لانه انما صار محصرا من العدو و من خصاله التحلل لمعنى هو موجود في المرض و غيره و هو الحاجة إلى الترفيه و التيسير لما يلحقه من الضرر و الحرج بإبقائه على الاحرام مسدة مديدة و الحاجة إلى الترفيه و التيسير متحققة في المريض و نحوه فيتحقق الاحصار و يثبت موجبه بل أولى لانه يملك دفع
شر العدو عن نفسه بالقتال فيدفع الاحصار عن نفسه و لا يمكنه دفع المرض عن نفسه فلما جعل ذلك عذرا فلان يجعل هذا عذرا أولى و الله أعلم و سواء كان العدو المانع كافرا أو مسلما لتحقق الاحصار منهما و هو المنع عن المضي في موجب الاحرام فيدخل تحت عموم الآية و كذا ما ذكرنا من المعنى الموجب لثبوت حكم الاحصار و هو إباحة التحلل و غيره لا يوجب الفصل بين الاحصار من المسلم و من الكافر و لو سرقت نفقته أو هلكت راحلته فان كان لا يقدر على المشي فهو محصر لانه منع من المضي في موجب الاحرام فكان محصرا كما لو منعه المرض و ان كان يقدر على المشي فليس بمحصر لانه قادر على المضي في موجب الاحرام فلا يجوز له التحلل و يجب عليه المشي إلى الحج ان كان محرما بالحج و يجوز ان لا يجب على الانسان المشي إلى الحج ابتداء و يجب عليه بعد الشروع فيه كالفقير الذي لا زاد له و لا راحلة شرع في الحج انه يجب عليه المشي و ان كان لا يجب عليه ابتداء قبل الشروع كذا هذا قال أبو يوسف فان قدر على المشي في الحال و خاف ان يعجز جاز له التحلل لان المشي الذي لا يوصله إلى المناسك وجوده و العدم بمنزلة واحدة فكان محصرا فيجوز له التحلل كما لو لم يقدر على المشي أصلا و على هذا يخرج المرأة إذا أحرمت و لا زوج لها و معها محرم فمات محرمها أو أحرمت و لا محرم معها و لكن معها زوجها فمات زوجها انها محصرة لانها ممنوعة شرعا من المضي في موجب الاحرام بلا زوج و لا محرم و على هذا يخرج ما إذا أحرمت بحجة التطوع و لها محرم و زوج فمنعها زوجها انها محصرة لان للزوج أن يمنعها من حجة التطوع كما أن له أن يمنعها عن صوم التطوع فصارت ممنوعة شرعا بمنع الزوج فصارت محصرة كالممنوع حقيقة بالعدو و غيره و ان أحرمت و معها محرم و ليس لها زوج فليس بمحصرة لانها ممنوعة عن المضي في موجب الاحرام حقيقة و شرعا و كذلك إذا كان لها محرم و لها زوج فاحرمت باذن الزوج انها لا تكون محصرة و تمضى في إحرامها لان الزوج أسقط حق نفسه بالاذن و ان أحرمت و ليس لها محرم فان لم يكن لها زوج فهي محصرة لانها ممنوعة عن المضي في موجب الاحرام بغير زوج و لا محرم و ان كان لها زوج فان أحرمت بغير اذنه فكذلك لانها ممنوعة من المضي بغير اذن الزوج و ان أحرمت باذنه لا تكون محصرة لانها ممنوعة و ان أحرمت بحجة الاسلام و لا محرم لها و لا زوج فهي محصرة لانها ممنوعة عن المضي في موجب الاحرام لحق الله تعالى و هذا المنع أقوى من منع العباد و ان كان لها محرم و زوج و لها استطاعة عند خروج أهل بلدها فليست بمحصرة لانه ليس للزوج ان يمنعها من الفرائض كالصلوات المكتوبة وصوم رمضان و ان كان لها زوج و لا محرم معها فمنعها الزوج فهي محصرة في ظاهر الرواية لان الزوج لا يجبر على الخروج و لا يجوز لها الخروج بنفسها و لا يجوز للزوج أن يأذن لها بالخروج و لو أذن لا يعمل اذنه فكانت محصرة و هل للزوج أن يحللها روى عن أبى حنيفة أن له أن يحللها لانها لما صارت محصرة ممنوعة عن الخروج و المضي بمنع الزوج صار هذا كحج التطوع و هناك للزوج أن يحللها فكذا هذا و لو أجرم العبد و الامة بغير اذن المولي فهو محصر لانه ممنوع عن المضي بغير اذنه و للمولى أن يحلله و ان كان باذنه فللمولى أن يمنعه الا أنه يكره له ذلك لانه خلف في الوعد و لا يكون الحاج محصرا بعد ما وقف بعرفة و يبقى محرما عن النساء إلى أن يطوف طواف الزيارة و انما قلنا انه لا يكون محصرا لقوله تعالى فان أحصرتم فما استيسر من الهدى أى فان أحصرتم عن إتمام الحج و العمرة لانه مبنى على قوله و أتموا الحج و العمرة لله و قد تم حجة بالوقوف لقوله صلى الله عليه و سلم الحج عرفة فمن وقف بعرفة فقد تم حجه و بعد تمام الحج لا يتحقق الا حصار و لان المحصر اسم لفائت الحج و بعد وجود الركن الاصلى و هو الوقوف لا يتصور الفوات فلا يكون محصرا و لكنه يبقى محرما عن النساء إلى ان يطوف طواف الزيارة لان التحلل عن النساء لا يحصل بدون طواف الزيارة فان منع حتى مضى أيام النحر و التشريق ثم خلى سبيله يسقط عنه الوقوف بمزدلفة و رمى الجار و عليه دم لترك الوقوف بمزدلفة و دم لترك الرمى لان كل واحد منهما واجب و عليه أن يطوف طواف الزيارة و طواف الصدر و عليه لتأخير طواف الزيارة عن أيام النحر دم عند أبى حنيفة و كذا عليه لتأخير الحلق عن أيام النحر دم عنده و عندهما لا شيء عليه و المسألة مضت في
فصل وأما حكم الاحصار
موضعها و لا احصار بعد ما قدم مكة أو الحرم ان كان لا يمنع من الطواف و لم يذكر في الاصل أنه ان منع من الطواف ماذا حكمه و ذكر الجصاص انه ان قدر على الوقوف و الطواف جميعا أو قدر على أحدهما فليس بمحصر و ان لم يقدر على واحد منهما فهو محصر و روى عن أبى يوسف أنه لا يكون الرجل محصرا بعد ما دخل الحرم الا أن يكون بمكة عدو غالب يحول بينه و بين الدخول إلى مكة كما حال المشركون بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين دخول مكة فإذا كان كذلك فهو محصر و روى عن أبى يوسف أنه قال سألت أبا حنيفة هل على أهل مكة احصار فقال لا فقلت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحصر بالحديبية فقال كانت مكة اذ ذاك حربا و هي اليوم دار اسلام و ليس فيها احصار و الصحيح ما ذكره الجصاص من التفصيل انه ان كان يقدر على الوقوف أو على الطواف لا يكون محصرا و ان لم يقدر على واحد منهما يكون محصرا أما إذا كان يقدر على الوقوف فلما ذكرنا و أما إذا كان يصل الي الطواف فلان التحلل بالدم انما رخص للمحصر لتعذر الطواف قائما مقامه بدلا عنه بمنزلة فائت الحج أنه يتحلل بعمل العمرة و هو الطواف فإذا قدر على الطواف فقد قدر على الاصل فلا يجوز التحلل و أما إذا لم يقدر على الوصول إلى أحدهما فلانه في حكم المحصر في الحل فيجوز له أن يتحلل و الله عز و جل أعلم ثم الاحصار كما يكون عن الحج يكون عن العمرة عند عامة العلماء و قال بعضهم لا احصار عن العمرة وجه قوله أن الاحصار لخوف الفوت و العمرة لا تحتمل الفوت لان سائر الاوقات وقت لها فلا يخاف فوتها بخلاف الحج فانه يحتمل الفوت فيتحقق الاحصار عنه و لنا قوله تعالى فان أحصرتم فما استيسر من الهدى عقيب قوله عز و جل و أتموا الحج و العمرة لله فكان المراد منه و الله أعلم فان أحصرتم عن إتمامهما فما استيسر من الهدى و روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه رضى الله عنهم حصروا بالحديبية فحال كفار قريش بينهم و بين البيت و كانوا معتمرين فنحروا هديهم و حلقوا رؤوسهم و قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه عمرتهم في العام القابل حتى سميت عمرة القضاء و لان التحلل بالهدى في الحج لمعنى هو موجود في العمرة و هو ما ذكرنا من التضرر بامتداد الاحرام و الله أعلم ( فصل )
و أما حكم الاحصار فالاحصار يتعلق به أحكام لكن الاصل فيه حكمان أحدهما جواز التحلل عن الاحرام و الثاني وجوب قضأ ما أحرم به بعد التحلل أما جواز التحلل فالكلام فيه في مواضع في تفسير التحلل و فى بيان جوازه و فى بيان ما يتحلل به و فى بيان مكانه و فى بيان زمانه و فى بيان حكم التحلل اما الاول فالتحلل هو فسخ الاحرام و الخروج منه بالطريق الموضوع له شرعا و أما دليل جوازه فقوله تعالى فان أحصرتم فما استيسر من الهدى و فيه إضمار و معناه و الله أعلم فان أحصرتم عن إتمام الحج و العمرة و أردتم أن تحلوا فاذبحوا ما تيسر من الهدى اذ الاحصار نفسه لا يوجب الهدى ألا ترى أن له أن لا يتحلل و يبقى محرما كما كان إلى أن يزول المانع فيمضى في موجب الاحرام و هو كقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية معناه فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه فحلق ففدية و الا فكون الاذى في رأسه لا يوجب الفدية و كذا قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر معناه فأفطر فعدة من أيام أخر و الا فنفس المرض و السفر لا يوجب الصوم في عدة من أيام أخر و كذا قوله فمن اضطر باغ و لا عاد فلا اثم عليه معناه فأكل فلا اثم عليه و الا فنفس الاضطرار لا يوجب الاثم كذا ههنا و لان المحصر محتاج إلى التحلل لانه منع عن المضي في موجب الاحرام على وجه لا يمكنه الدفع فلو لم يجز له التحلل لبقى محرما لا يحل له ما حظره الاحرام إلى أن يزول المانع فيمضى في موجب الاحرام و فيه من الضرر و الحرج ما لا يخفى فمست الحاجة إلى التحلل و الخروج من الاحرام دفعا للضرر و الحرج و سواء كان الاحصار عن الحج أو عن العمرة أو عنهما عند عامة العلماء لما ذكرنا و الله عز و جل أعلم و أما بيان ما يتحلل به فالمحصر نوعان نوع لا يتحلل الا بالهدى و نوع يتحلل بغير الهدى أما الذي لا يتحلل الا بالهدى فكل من منع من المضي في موجب الاحرام حقيقة أو منع منه شرعا حقا لله تعالى لا لحق العبد على ما ذكرنا فهذا لا يتحلل
الا بالهدى و هو أن يبعث بالهدى أو بثمنه ليشتري به هديا فيذبح عنه و ما لم يذبح لا يحل و هذا قول عامة العلماء سواء كان شرط عند الاحرام الاحلال بغير ذبح عند الاحصار أو لم يشترط و قال بعض الناس المحصر يحل بغير هدى الا إذا كان معه هدى فيذبحه و يحل و قيل انه قول مالك و قال بعضهم ان كان لم يشترط عند الاحرام الاحلال عند الاحصار من هدى لا يحل الا بالهدى و ان كان شرط عند الاحرام الاحلال عند الاحصار من هدى لا يحل الا بالهدى احتج من قال بالتحلل من هدى بما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حل عام الحديبية عن احصاره بغير هدى لان الهدى الذي نحره كان هديا ساقه لعمرته لا لاحضاره فنحر هديه على النية الاولى وحل من احصاره بغير دم فدل أن المحصر يحل بغير هدى يحقق ما قلنا انه ليس في حديث صلح الحديبية أنه نحر دمين و انما نحر دما واحدا و لو كان المحصر لا يحل الا بدم لنحر دمين و انه منقول و لنا قوله تعالى و لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله معناه حتى يبلغ الهدى محله فيذبح نهى عز و جل عن حلق الرأس قبل ذبح الهدى في محله و هو الحرم من فصل بين ما إذا كان معه هدى وقت الاحصار أم لا شرط المحصر عند الاحرام الاحلال عند الاحصار أو لم يشرط فيجرى على إطلاقه و لان شرع التحلل ثبت بطريق الرخصة لما فيه من فسخ الاحرام و الخروج منه قبل أوانه فكان ثبوته بطريق الضرورة و الضرورة تندفع بالتحلل بالهدى فلا يثبت التحلل بدونه و أما الحديث فليس فيه ما يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم حل عام الحديبية عن احصاره بغير هدى اذ لا يتوهم على النبي صلى الله عليه و سلم ان يكون حل من احصاره بغير هدى و الله تعالى أمر المحصر أن لا يحل حتى ينحر هديه بنص الكتاب العزيز و لكن وجه ذلك و الله أعلم و هو معنى المروي في حديث صلح الحديبية انه نحر دما واحدا ان الهدى الذي كان ساقه النبي صلى الله عليه و سلم كان هدى متعة أو قران فلما منع عن البيت سقط عنه دم القرآن فجاز له ان يجعله من دم الاحصار فان قيل كيف قلتم ان النبي صلى الله عليه و سلم صرف الهدى عن سبيله و أنتم تزعمون ان من باع هدية التطوع فهو مسئ لما انه صرفه عن سبيله فالجواب انه لا مشابهة بين الفصلين لان الذي باعه صرفه عن سبيل التقرب به إلى الله تعالى رأسا فاما النبي صلى الله عليه و سلم فلم يصرف الهدى عن سبيل التقرب أصلا و رأسا بل صرفه إلى ما هو أفضل و هو الواجب و هو دم الاحصار و مما يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم جعل الهدى لا حصاره ما روى انه لم يحلق حتى نحر هديه و قال أيها الناس انحروا و حلوا و الله عز و جل أعلم و إذا لم يتحلل الا بالهدى و أراد التحلل يجب ان يبعث الهدى أو ثمنه ليشتري به الهدى فيذبح عنه و يجب أن يواعدهم يوما معلوما يذبح فيه فيحل بعد الذبح و لا يحل قبله بل يحرم عليه كما يحرم على المحرم المحصر فلا يحلق رأسه و لا يفعل شيأ من محظورات الاحرام حتى يكون اليوم الذي واعدهم فيه و يعلم ان هديه قد ذبح لقوله تعالى و لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله حتى لو فعل شيأ من محظورات الاحرام قبل ذبح الهدى يجب عليه ما يجب على المحرم إذا لم يكن محصرا و سنذكر ذلك ان شاء الله تعالى في موضعه حتى لو حلق قبل الذبح تجب عليه الفدية سواء حلق لغير عذر أو لعذر لقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك أى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه فحلق ففدية من صيام أو صدقة أو نسك كقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر أى فأفطر فعدة من أيام أخر و عن كعب ابن عجرة قال في نزلت الآية و ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم مر بي و القمل يتناثر على وجهي فقال صلى الله عليه و سلم أ يؤذيك هو ام رأسك فقلت نعم يا رسول الله فقال صلى الله عليه و سلم احلق و أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة أو صم ثلاثة أيام أو انسك نسيكة فنزلت الآية و النسك جمع نسيكة و النسيكة الذبيحة و المراد منه الشاة لاجماع المسلمين على ان الشاة مجزئة في الفدية و فى بعض الروايات ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لكعب بن عجرة انسك شاة و إذا وجبت الفدية عليه إذا حلق رأسه لاذى بالنص فيجب عليه إذا حلق لا لاذى بدلالة النص لان العذر سبب تخفيف الحكم في الجملة فلما وجب في حال الضرورة ففى حال الاختيار
أولى و لا يجزئ دم الفدية الا في الحرم كدم الاحصار و دم المتعة و القران و أما الصدقة و الصوم فانهما يجزيان حيث شاء و قال الشافعي لا نجزئ الصدقة الا بمكة وجه قوله ان الهدى يختص بمكة فكذا الصدقة و الجامع بينهما ان أهل الحرم ينتفعون بذلك و لنا قوله تعالى ففدية من صيام أو صدقة أو نسك مطلقا عن المكان الا أن النسك قيد بالمكان بدليل فمن ادعى تقييد الصدقة فعليه الدليل و أما قوله ان الهدى انما اختص بالحرم لينتفع به أهل الحرم فكذا الصدقة فنقول هذا الاعتبار فاسد لانه لا خلاف في انه لو ذبح الهدى في الحرم و تصدق بلحمه في الحرم انه لا يجوز و لو ذبح في الحرم و تصدق به على أهل الحرم يجوز و الدليل على التفرقة بين الهدى و الاطعام ان من قال لله على أن أهدى ليس له أن يذبح الا بمكة و لو قال لله على إطعام عشرة مساكين أو لله على عشرة دراهم صدقة له ان يطعم و يتصدق حيث شاء فدل على التفرقة بينهما و لو حل على ظن انه ذبح عنه ثم تبين انه لم يذبح فهو محرم كما كان لا يحل ما لم يذبح عنه لعدم شرط الحل و هو ذبح الهدى و عليه لاحلاله تناول محظور إحرامه دم لانه جنى على إحرامه فيلزمه الدم كفارة لذنبه ثم الهدى بدنة أو بقرة أو شاة و أدناه شاة لما روينا و لان الهدى في اللغة اسم لما يهدى أى يبعث و ينقل و فى الشرع اسم لما يهدى إلى الحرم و كل ذلك مما يهدى إلى الحرم و الافضل هو البدنة ثم البقرة لما ذكرنا في المتمتع و لما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أحصر بالحديبية نحر البدن و كان يختار من الاعمال أفضلها و ان كان قارنا لا يحل الا بدمين عندنا و عند الشافعي يحل بدم واحد بناء على أصل ذكرناه فيما تقدم ان القارن محرم بإحرامين فلا يحل الا بهديين و عنده محرم بإحرام واحد و يدخل إحرام العمرة في الحجة فيكفيه دم واحد و لو بعث القارن بهديين و لم يبين أيهما للحج و أيهما للعمرة لم يضره لان الموجب لهما واحد فلا يشترط فيه تعيين النية كقضاء يومين من رمضان و لو بعث القارن بهدى واحد ليتحلل من الحج و يبقى في إحرام العمرة لم يتحلل من واحد منهما لان تحلل القارن من أحد الاحرامين متعلق بتحلله من الآخر لان الهدى بدل عن الطواف ثم لا يتحلل بأحد الطوافين عن أحد الاحرامين فكذا بأحد الهديين و لو كان أحرم بشيء واحد لا ينوى حجة و لا عمرة ثم أحصر يحل بهدى واحد و عليه عمرة استحسانا لان الاحرام بالمجهول صحيح لما ذكرنا فيما تقدم و كان البيان اليه ان شاء صرفه إلى الحج و ان شاء إلى العمرة لانه هو المجمل فكان البيان اليه كما في الطلاق و غيره و القياس ان لا تتعين العمرة بالاحصار لعدم التعيين قولا و لا فعلا لان ذلك ان يأخذ في عمل أحدهما و لم يوجد الا انهم استحسنوا و قالوا تتعين العمرة بالاحصار لان العمرة أقلهما و هو متيقن و لو كان أحرم بشيء واحد و سماه ثم نسيه و أحصر يحل بهدى واحد و عليه حجة و عمرة اما الحل بهدى واحد فلانه محرم بإحرام واحد و أيهما كان فانه يقع التحلل منه بدم وحد و اما لزوم حجة و عمرة فلانه يحتمل انه كان قد أحرم بحجة و يحتمل بعمرة فان كان إحرامه بحجة فالعمرة لا تنوب منا بها و ان كان بالعمرة فالحجة لا تنوب منا بها فيلزمه ان يجمع بينهما احتياطا ليسقط الفرض عن نفسه بيقين كمن نسى صلاة من الصلوات الخمس انه يجب عليه اعادة خمس صلوات ليسقط الفرض عن نفسه بيقين كذا هذا و كذلك ان لم يحصر و وصل فعليه حجة و عمرة و يكون عليه ما على القارن لانه جمع بين الحج و العمرة على طريق النسك و اما مكان ذبح الهدى فالحرم عندنا و قال الشافعي له ان يذبح في الموضع الذي أحصر فيه احتج با روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نحر الهدى عام الحديبية و لم يبلغنا انه نحر في الحرم و لان التحلل بالهدى ثبت رخصة و تيسيرا و ذلك في الذبح في أى موضع كان و لنا قوله تعالى و لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله و لو كان كل موضع محلا له لم يكن لذكر المحل فائدة و لانه عز و جل قال ثم محلها إلى البيت العتيق أى إلى البقعة التي فيها البيت بخلاف قوله تعالى و ليطوفوا بالبيت العتيق ان المراد منه نفس البيت لان هناك ذكر بالبيت و ههنا ذكر إلى البيت و أما ما روى من الحديث فقد روى في رواية أخرى انه نحر هديه عام الحديبية في الحرم فتعارضت الروايات فلم يصح الاحتجاج به و عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل الحديبية فحال المشركون بينه و بين دخول مكة فجاء
سهيل بن عمرو يعرض عليه الصلح و ان يسوق البدن و ينحر حيث شاء فصالحه رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا يحتمل أن ينحر رسول الله صلى الله عليه و سلم بدنه في الحل مع إمكان النحر في الحرم و هو بقرب الحرم بل هو فيه و روى عن مروان و المسور بن مخرمة قالا نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحديبية في الحل و كان يصلى في الحرم فهذا يدل على أنه كان قادرا على أن ينحر بدنه في الحرم حيث كان يصلى في الحرم و لا يحتمل أن يترك نحر البدن في الحرم و له سبيل النحر في الحرم و لان الحديبية مكان يجمع الحل و الحرم جميعا فلا يحتمل أن ينحر في الحل مع كونه قادرا على النحر في الحرم و لو حل من إحرامه على ظن أنهم ذبحوا عنه في الحرم ثم ظهر انهم ذبحوا في الحرم فهو على إحرامه و لا يحل منه الا بذبح الهدى في الحرم لفقد شرط التحلل و هو الذبح في الحرم فبقى محرما كما كان و عليه لاحلاله في تناوله محظورات إحرامه دم لما قلنا و كذلك لو بعث الهدى و واعدهم أن يذبحوا عنه في الحرم في يوم بعينه ثم حل من إحرامه على ظن انهم ذبحوا عنه فيه ثم تبين انهم لم يذبحوا فانه يكون محرما لما قلنا و لو بعث هديين و هو مفرد فانه يحل من إحرامه بذبح الاول منهما و يكون الآخر تطوعا لوجود شرط الحل عند وجود ذبح الاول منهما و لو كان قارنا لا يحل الا بذبحهما و لا يحل بذبح الاول لان شرط الحل في حقه الزمان فما لم يوجد الا يحل و لو أراد ان يتحلل بالهدى فلم يجد هديا يبعث و لا ثمنه هل يحل بالصوم و يكون الصوم بدلا عنه قال أبو حنيفة و محمد لا يحل بالصوم و ليس الصوم بدلا عن هدى المحصر و هو ظاهر قول أبى يوسف و يقيم حراما حتى يذبح الهدى عنه في الحرم أو يذهب إلى مكة فيحل من إحرامه بافعال العمرة و هو الطواف بالبيت و السعي بين الصفا و المروة و يحلق أو يقصر كما يفعله إذا فاته الحج و هو أحد قولى الشافعي و قال عطاء بن أبى رباح في المحصر لا يجد الهدى قوم الهدى طعاما و تصدق به على المساكين فان لم يكن عنده طعام صام لكل نصف صاع يوما و هو مروى عن أبى يوسف و قال الشافعي في قول ان الهدى للاحصار بدلا و اختلف قوله في ماهية البدل فقال في قول البدل هو الصوم مثل صوم المتعة و فى قول البدل هو الاطعام و هل يقوم الصوم مقامه له فيه قولان وجه قول من قال ان له بدلا ان هذا دم يقع به التحلل فجاز ان يكون له بدل كدم المتعة و لنا قوله تعالى و لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله أى حتى يبلغ الهدى محله فيذبح نهى الله عن حلق الرأس ممدود الي غاية ذبح الهدى و الحكم الممدود إلى غاية لا ينتهى قبل وجود الغاية فيقتضى أن لا يتحلل ما لم يذبح الهدى سواء صام أو أطعم أولا و لان التحلل بالدم قبل إتمام مواجب الاحرام عرف بالنص بخلاف القياس فلا يجوز اقامة غيره مقامه بالرأي و اما الحلق فليس بشرط للتحلل و يحل المحصر بالذبح بدون الحلق في قول أبى حنيفة و محمد و ان حلق فحسن و قال أبو يوسف أرى عليه أن يحلق فان لم يفعل فلا شيء عليه و روى عنه أنه قال هو واجب لا يسعه تركه و ذكر الجصاص و قال انما لا يجب الحلق عندهما إذا أحصر في الحل لان الحلق يختص بالحرم فأما إذا أحصر في الحرم يجب الحلق عندهما احتج أبو يوسف بما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حلق عام الحديبية و أمر أصحابه بالحق فدل أن الحلق واجب و لهما قوله تعالى فان أحصرتم فما استيسر من الهدى معناه فان أحصرتم و أردتم أن تحلوا فاذبحوا ما استيسر من الهدى جعل ذبح الهدى في حق المحصر إذا أراد الحل كل موجب الاحصار فمن أوجب الحلق فقد جعله بعض الموجب و هذا خلاف النص و لان الحلق للتحلل عن افعال الحج و المحصر لا يأتى بافعال الحج فلا حلق عليه و أما الحديث فعلى ما ذكره الجصاص لا حجة فيه لان الحديبية بعضها في الحل و بعضها في الحرم فيحتمل انه أحصر في الحرم فامر بالحلق و اما على جواب المذكور في الاصل فهو محمول على الندب و الاستحباب و اما زمان ذبح الهدى فمطلق الوقت لا يتوقت بيوم النحر سواء كان الاحصار عن الحج أو عن العمرة و هذا قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد ان المحصر عن الحج لا يذبح عنه الا في أيام النحر لا يجوز في غيرها و لا خلاف في المحصر عن العمرة انه يذبح عنه في اى وقت كان وجه قولهما ان هذا الدم سبب للتحلل من إحرام الحج فيختص بزمان التحلل كالحلق بخلاف العمرة فان التحلل من إحرامها بالحلق لا يختص بزمان فكذا
بالهدى و لابي حنيفة ان التحلل من المحصر تحلل قبل أوان التحلل يباح لضرورة دفع الضرر ببقائه محرما رخصة و تيسيرا فلا يختص بيوم النحر كالطواف الذي يتحلل به فائت الحج اذ المحصر فائت الحج و الله أعلم و اما حكم التحلل فصيرورته حلالا يباح له تناول جميع ما حظره الاحرام لارتفاع الحاظر فيعود حلالا كما كان قبل الاحرام و اما الذي يتحلل به بغير ذبح الهدى فكل محصر منع عن المضي في موجب الاحرام شرعا لحق العبد كالمرأة و العبد الممنوعين شرعا لحق الزوج و المولى بان أحرمت المرأة بغير اذن زوجها أو أحرم العبد بغير اذن مولاه فللزوج و المولى أن يحللهما في الحال من ذبح الهدى فيقع الكلام في هذا في موضعين أحدهما في جواز هذا النوع من التحلل و الثاني في بيان ما يتحلل به اما الجواز فلان منافع بضع المرأة حق الزوج و ملكه عليها فيحتاج إلى استيفاء حقه و لا يمكنه ذلك مع قيام الاحرام فيحتاج إلى التحلل و لا سبيل إلى توقيفه على ذبح الهدى في الحرم لما فيه من إبطال حقه للحال فكان له ان يحللها للحال و على المرأة ان تبعث الهدى أو ثمنه الي الحرم ليذبح عنها لانها تحللت بغير طواف و عليها حجة و عمرة كما على الرجل المحصر إذا تحلل بالهدى بخلاف ما إذا أحرمت بحجة الاسلام و لا زوج لها و لا محرم أو كان لها زوج أو محرم فمات انها لا تتحلل الا بالهدى لان المنع هناك لحق الله تعالى لا لحق العبد فكان تحللها جائز الا حقا مستحقا عليها لاحد ألا ترى ان لها ان تبقي على إحرامها ما لم تجد محرما أو زوجا فكان تحللها بما هو الموضوع للتحلل في الاصل و هو ذبح الهدى فهو الفرق و كذا العبد بمنافعه ملك المولى فيحتاج إلى تصريفه في وجوه مصالحه و لا يمكنه ذلك مع قيام الاحرام فيحتاج إلى التحلل في الحال لما فيه من التوقيف على ذبح الهدى في الحرم من تعطيل مصالحه فيحلله المولى للحال و على العبد إذا عتق هدى الاحصار و قضاء حجة و عمرة لان الحج وجب عليه بالشروع لكونه مخاطبا أهلا الا أنه تعذر عليه المضي لحق المولى فإذا عتق زال حقه و تجب عليه العمرة لفوات الحج في عامه ذلك و لو كان أحرم العبد باذن مولاه يكره للمولى أن يحلله بعد ذلك لانه رجوع عما وعد و خلف في الوعد فيكره و لو حلله جاز لان العبد بمنافعه ملك المولى و روى عن أبى يوسف و زفر ان المولى إذا أذن للعبد في الحج ليس له أن يحلله لانه لما أذن له فقد أسقط حقه بالاذن فاشبه الحر و الصحيح جواب ظاهر الرواية لان المحلل بعد الاذن قائم و هو الملك الا أنه يكره لما قلنا و إذا حلله لاهدى عليه لان المولى لا يجب عليه لعبده شيء و لو أحصر العبد بعد ما أحرم باذن المولى ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي أنه لا يلزم المولى إنفاذ هدى لانه لو لزمه للزمه لحق العبد و لا يجب للعبد على مولاه حق فان أعتقه وجب عليه أن يبعث الهدى لانه إذا أعتق صار ممن يثبت له عليه حق فصار كالحر إذا حج عن غيره فاحصر أنه يجب على المحجوج عنه أن يبعث الهدى و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أن على المولى أن يذبح عنه هديا في الحرم فيحل لان هذا الدم وجب لبلية ابتلى بها العبد باذن المولى فصار بمنزلة النفقة و النفقة على المولى و كذا دم الاحصار و لهذا كان دم الاحصار في مال الميت إذا أحصر الحاج عن الميت لا عليه كذا هذا و لو أحرم العبد أو الامة باذن المولى ثم باعهما يجوز البيع و للمشتري أن يمنعهما و يحللهما في قول أصحابنا الثلاثة و فى قول زفر ليس له ذلك و له أن يردهما بالعيب و على هذا الخلاف المرأة إذا أحرمت بحجة التطوع ثم تزوجت فللزوج أن يحللها و عند زفر ليس له ذلك كذا حكى القاضي الخلاف في شرحه مختصر الطحاوي و ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي الخلاف بين أبى يوسف و زفر وجه قول زفر أن الذي انتقل إلى المشترى هو ما كان للبائع و لم يكن للبائع أن يحلله عنده لما ذكرنا انه أسقط حق نفسه بالاذن كذا المشترى و لنا أن الاحرام لم يقع باذن المشترى فصار كانه أحرم في ملكه ابتداء بغير اذنه و لو كان كذلك كان له أن يحلله كذا هذا و قال محمد إذا أذن الرجل لعبده في الحج ثم باعه لا أكره للمشتري أن يحلله لان الكراهة في حق البائع لما فيه من خلف الوعد و لم يوجد ذلك من المشترى و روى ابن سماعة عن محمد في أمة لها زوج اذن لها مولاها في الحج فاحرمت ليس لزوجها أن يحللها لان التحلل انما ثبت للزوج بمنعها من السفر ليستوفى حقه منها و منع الامة من السفر إلى مولاها دون الزوج ألا ترى أن المولى
لو سافر بها لم يكن للزوج منعها فكذا اذ أذن لها في السفر و أما بيان ما يتحلل به فالتحلل عن هذا النوع من الاحصار يقع بفعل الزوج و المولى أدنى محظورات الاحرام من قص ظفرهما أو تطييبهما أو بفعلهما ذلك بأمر الزوج و المولى أو بامتشاط الزوجة رأسها بأمر الزوج أو تقبيلها أو معانقتها فتحل بذلك و الاصل فيه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعائشة رضى الله عنها حين حاضت في العمرة امتشطى و ارفضى عنك العمرة و لان التحلل صار حقا عليهما للزوج و المولى فجاز بمباشرتهما أدنى ما يحظره الاحرام و لا يكون التحلل بقوله حللتك لان هذا تحليل من الاحرام فلا يقع بالقول كالرجل الحر إذا أحصر فقال حللت نفسى و أما وجوب قضأ ما أحرم به بعد التحلل فجملة الكلام فيه أن المحصر لا يخلوا ما ان كان أحرم بالحجة لا و اما ان كان أحرم بالعمرة لا و اما كان أحرم بهما بان كان قارنا فان كان أحرم بالحجة لا فان بقي وقت الحج عند زوال الاحصار و أراد أن يحج من عامه ذلك أحرم و حج و ليس عليه نية القضاء و لا عمرة عليه كذا ذكره محمد في الاصل و ذكر ابن أبى مالك عن أبى يوسف عن أبى حنيفة و عليه دم لرفض الاحرام الاول و ان تحولت السنة فعليه قضأ حجة و عمرة و لا تسقط عنه تلك الحجة الا بنية القضاء و روى الحسن عن أبى حنيفة أن عليه قضأ حجة و عمرة في الوجهين جميعا و عليه نية القضاء فيهما و هو قول زفر ذكره القاضي في شرحه مختصر الطحاوي و على هذا التفصيل و الاختلاف ما إذا أحرمت المرأة بحجة التطوع بغير اذن زوجها فمنعها زوجها فحللها ثم أذن لها بالاحرام فاحرمت في عامها ذلك أو تحولت السنة فاحرمت وجه قول زفر ان ما تحجه في هذا العام دخل في حد القضاء لانه يؤدى بإحرام جديد لانفساخ الاول بالتحلل فيكون قضأ فلا يتأدى الا بنية القضاء و عليه حجة و عمرة كما لو تحولت السنة و لنا أن القضاء اسم للفائت عن الوقت و وقت الحج باق فكان فعل الحج فيه اداء لا قضأ فلا يفتقر إلى نية القضاء و لا تلزمه العمرة لان لزومها لفوات الحج في عامه ذلك و لم يفت و قال الشافعي عليه قضأ حجة لا و ان تحولت السنة و احتج بما روى عن ابن عباس انه قال حجة بحجة و عمرة بعمرة و هو المعنى له في المسألة ان القضاء يكون مثل الفائت و الفائت هو الحجة لا فمثلها الحجة لا و روينا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من كسر أو عرج حل و عليه الحج من قابل و لم يذكر العمرة و لو كانت واجبة لذكرها و لنا الاثر و النظر أما الاثر فما روى عن ابن مسعود و ابن عمر رضى الله عنهما أنهما قالا في المحصر بحجة يلزمه حجة و عمرة و أما النظر فلان الحج قد وجب عليه بالشروع و لم يمض فيه بل فاته في عامه ذلك و فائت الحج يتحلل بافعال العمرة فان قيل فائت الحج يتحلل بالطواف لا بالدم و المحصر قد حل بالدم و قام الدم مقام الطواف من الذي يفوته الحج فكيف يلزمه طواف آخر فالجواب أن الدم الذي حل به المحصر ما وجب بدلا عن الطواف ليقال انه قام مقام الطواف فلا يجب عليه طواف آخر و انما وجب لتعجيل الاحلال لان المحصر لو لم يبعث هديا لبقى على إحرامه مدة مديدة و فيه حرج و ضرر فجعل له أن يتعجل الخروج من إحرامه و يؤخر الطواف الذي لزمه بدم يهريقه فحل بالدم و لم يبطل الطواف و إذا لم يبطل الدم عنه الطواف و لم يجعل بدلا عنه فعليه أن يأتى به بإحرام جديد فيكون ذلك عمرة و الدليل على أن دم الاحصار ما وجب بدلا عن الطواف الذي يتحلل به فائت لحج ان فائت الحج لو أراد أن يفسخ الطواف الذي لزمه بدم يريقه بدلا عنه ليس له ذلك بالاجماع فثبت أن دم الاحصار لتعجيل الاحلال به لابد لا عن الطواف فاندفع الاشكال بحمد الله تعالى و منه و أما حديث ابن عباس رضى الله عنهما ان ثبت فهو تمسك بالمسكوت لان قوله حجة بحجة و عمرة بعمرة يقتضى وجوب الحجة بالحجة و العمرة بالعمرة و هذا لا ينفى وجوب العمرة و الحجة بالحجة و لا يقتضى أيضا فكان مسكوتا عنه فيقف على قيام الدليل و قد قام دليل الوجوب و هو ما ذكرنا و هو كقوله تعالى الحر بالحر و العبد بالعبد و الانثى بالانثي أنه لا ينفى قتل الحر بالعبد و الانثى بالذكر بالاجماع كذا هذا و يحمل على فائت الحج و هو الذي لم يدرك الوقوف بعرفة بدليل أنه يتحلل بافعال العمرة و عليه قضأ الحج من قابل و لا عمرة عليه و ان كان إحرامه بالعمرة لا قضاها لوجوبها بالشروع في أى وقت شاء لانه ليس لها وقت
فصل وأما بيان ما يحظره الاحرام
معين و ان كان أحرم بالعمرة و الحجة ان كان قارنا فعليه قضأ حجة و عمرتين أما قضأ حجة و عمرة فلوجوبهما بالشروع و أما عمرة أخرى فلفوات الحج في عامه ذلك و هذا على أصلنا فاما على أصل الشافعي فليس عليه الا حجة بناء على أصله أن القارن محرم بإحرام واحد و يدخل إحرام العمرة في الحجة فكان حكمه حكم المفرد بالحج و المفرد بالحج إذا أحصر لا يجب عليه الا قضأ حجة عنده فكذا القارن و الله أعلم و أما حكم زوال الاحصار فالاحصار إذا زال لا يخلو من أحد وجهين اما ان زال قبل بعث الهدى أو بعد ما بعث فان زال قبل أن يبعث الهدى مضى على موجب إحرامه و ان كان قد بعث الهدى ثم زال الاحصار فهذا لا يخلو من أربعة أوجه اما ان كان يقدر على إدراك الهدى و الحج أو لا يقدر على إدراكهما جميعا أو يقدر على إدراك الهدى دون الحج أو يقدر على إدراك الحج دون الهدى فان كان يقدر على إدراك الهدى و الحج لم يجز له التحلل و يجب عليه المضي فان إباحة التحلل لعذر الاحصار و العذر قد زال و ان كان لا يقدر على إدراك واحد منهما لم يلزمه المضي و جاز له التحلل لانه لا فائدة في المضي فتقرر الاحصار فيتقرر حكمه و ان كان يقدر على إدراك الهدى و لا يقدر على إدراك الحج لا يلزمه المضي أيضا لعدم الفائدة في إدراك الهدى دون إدراك الحج اذ الذهاب لاجل إدراك الحج فإذا كان لا يدرك الحج فلا فائدة في الذهاب فكانت قدرته على إدراك الهدى و العدم بمنزلة واحدة و ان كان يقدر على إدراك الحج و لا يقدر على إدراك الهدى قيل ان هذا الوجه الرابع انما يتصور على مذهب أبى حنيفة لان دم الاحصار عنده لا يتوقف بأيام النحر بل يجوز قبلها فيتصور إدراك الحج دون إدراك الهدى فاما على مذهب أبى يوسف و محمد فلا يتصور هذا الوجه الا في المحصر عن العمرة لان دم الاحصار عندهما مؤقت بأيام النحر فإذا أدرك الحج فقد أدرك الهدى ضرورة و انما يتصو عندهما في المحصر عن العمرة لان الاحصار عنها لا يتوقت بأيام النحر بلا خلاف و إذا عرف هذا فقياس مذهب أبى حنيفة في هذا الوجه أنه يلزمه المضي و لا يجوز له التحلل لانه إذا قدر على إدراك الحج لم يعجز عن المضي في الحج فلم يوجد عذر الاحصار فلا يجوز له التحلل و يلزمه المضي و فى الاستحسان لا يلزمه المضي و يجوز له التحلل الا أنه إذا كان لا يقدر على إدراك الهدى صار كان الاحصار زال عنه بالذبح فيحل بالذبح عنه و لان الهدى قد مضى في سبيله بدليل انه لا يجب الضمان بالذبح على من بعث على يده بدنة فصار كانه قدر على الذهاب بعد ما ذبح عنه و الله أعلم ( فصل )
و أما بيان ما يحظره الاحرام و ما لا يحظره و بيان ما يجب بفعل المحظور فجملة الكلام فيه أن محظورات الاحرام في الاصل نوعان نوع لا يوجب فساد الحج و نوع يوجب فساده اما الذي لا يوجب فساد الحج فانواع بعضها يرجع إلى اللباس و بعضها يرجع الي الطيب و ما يجرى مجراه من ازالة الشعث و قضاء التفث و بعضها يرجع إلى توابع الجماع و بعضها يرجع إلى الصيد أما الاول فالمحرم لا يلبس المخيط جملة و لا قميصا و لا قباء و لا جبة و لا سراويل و لا عمامة و لا قلنسوة و لا يلبس خفين الا أن لا يجد نعلين فلا بأس أن يقطعهما أسفل الكعبين فيلبسهما و الاصل فيه ما روى عن عبد الله بن عمر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم و قال ما يلبس المحرم من الثياب فقال لا يلبس القميص و لا العمائم و لا السراويلات و لا البرانس و لا الخفاف الا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين و ليقطعهما أسفل من الكعبين و لا يلبس من الثياب شيأ مسه الزعفران و لا الورس و لا تنتقب المرأة و لا تلبس القفازين فان قيل في هذا الحديث ضرب اشكال لان فيه أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عما يلبس المحرم فقال لا يلبس كذا و كذا من المخيط فسئل عن شيء فعدل عن محل السوأل و أجاب عن شيء آخر لم يسئل عنه و هذا محيد عن الجواب أو يوجب أن يكون إثبات الحكم في مذكور دليلا على أن الحكم في غيره بخلافه و هذا خلاف المذهب فالجواب عنه من وجوه أحدها أنه يحتمل أن يكون السوأل عما لا يلبسه المحرم و أضمر لا في محل السوأل لان لا تارة تزاد في الكلام و تارة تحذف عنه قال الله تعالى يبين الله لكم أن تضلوا أى لا تضلوا فكان معنى الكلام أنه سئل عمالا يلبسه المحرم فقال لا يلبس المحرم كذا و كذا فكان الجواب مطابقا للسؤال و الثاني يحتمل أن النبي صلى
الله عليه و سلم علم غرض السائل و مراده انه طلب منه بيان ما لا يلبسه المحرم بعد إحرامه اما بقرينة حاله أو بدليل آخر أو بالوحي فأجاب عما في ضميره من غرضه و مقصوده و نظيره قوله تعالى خبرا عن إبراهيم عليه الصلاة و السلام رب اجعل هذا بلدا آمنا و ارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله و اليوم الآخر فأجابه الله عز و جل بقوله و من كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره سأل إبراهيم عليه الصلاة و السلام ربه عز و جل أن يرزق من آمن أهل مكة من الثمرات فأجابه تعالى أنه يرزق الكافر أيضا لما علم أن مراد إبراهيم عليه الصلاة و السلام من سؤاله أن يرزق ذلك المؤمن منهم دون الكافر فأجابه الله تعالى عما كان في ضميره كذا هذا و الثالث أنه لما خص المخيط أنه لا يلبسه المحرم بعد تقدم السوأل عما يلبسه دل أن الحكم في المخيط بخلافه و التنصيص على حكم في مذكور انما لا يدل على تخصيص ذلك الحكم به بشرائط ثلاثة أحدها ان لا يكون فيه حيد عن الجواب ممن لا يجوز عليه الحيد فاما إذا كان فانه يدل عليه صيانة لمنضب النبي صلى الله عليه و سلم عن الحيد عن الجواب عن السوأل و الثاني من المحتمل أن يكون حكم المذكور خلاف حكم المذكور و ههنا لا يحتمل لانه يقتضى أن لا يلبس المحرم أصلا و فيه تعريضه للهلاك بالحر أو البرد و العقل يمنع من ذلك فكان المنع من أحد النوعين في مثله إطلاقا للنوع الآخر و نظيره قوله تعالى الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه أن جعل الليل للسكون يدل على جعل النهار للكسب و طلب المعاش اذ لا بد من الفوت للبقاء و كان جعل الليل للسكون تعيينا للنهار لطلب المعاش و الثالث أن يكون ذلك في الامر و النهى فاما في الامر و النهى فيدل عليه لما قد صح من مذهب أصحابنا أن الامر بالشيء نهى عن ضده و النهى عن الشيء أمر بضده و التنصيص ههنا في محل النهى فكان ذلك دليلا على أن الحكم في المخيط بخلافه و الله عز و جل الموفق و لان لبس المخيط من باب الارتفاق بمرافق المقيمين و الترفه في اللبس و حال المحرم ينافيه و لان الحاج في حال إحرامه يريد أن يتوسل بسوء حاله إلى مولاه يستعطف نظره و مرحمته بمنزلة العبد المسخوط عليه في الشاهد أنه يتعرض بسوء حاله لعطف سيده و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم المحرم الاشعث الاغبر و انما يمنع المحرم من لبس المخيط إذا لبسه على الوجه المعتاد فاما إذا لبسه لا على الوجه المعتاد فلا يمنع منه بان اتشح بالقميص أو اتزر بالسراويل لان معنى الارتفاق بمرافق المقيمين و الترفه في اللبس لا يحصل به و لان لبس القميص و السراويل على هذا الوجه في معنى الارتداء و الاتزار لانه يحتاج في حفظه إلى تكلف كما يحتاج إلى التكلف في حفظ الرداء و الازار و ذا ممنوع عنه و لو أدخل منكبيه في القباء و لم يدخل يديه في كميه جاز له ذلك في قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر لا يجوز وجه قوله ان هذا لبس المخيط اذ اللبس هو التغطية و فيه تغطية أعضاء كثيرة بالمخيط من المنكبين و الظهر و غيرها فيمنع من ذلك كادخال اليدين في الكمين و لنا أن الممنوع عنه هو اللبس المعتاد و ذلك في القباء الالقاء على المنكبين مع إدخال اليدين في الكمين و لان الارتفاق بمرافق المقيمين و الترفه في اللبس لا يحصل الا به و لم يوجد فلا يمنع منه و لان إلقاء القباء على المنكبين دون إدخال اليدين في الكمين يشبه الارتداء و الاتزار لانه يحتاج إلى حفظه عليه لئلا يسقط إلى تكلف كما يحتاج إلى ذلك في الرداء و الازار و هو لم يمنع من ذلك كذا هذا بخلاف ما إذا أدخل يديه في كميه لان ذلك لبس معتاد يحصل به الارتفاق به و الترفه في اللبس و يقع به الامن عن السقوط و لو إلقاء على منكبيه وزره لا يجوز لانه إذا زره فقد ترفه في لبس المخيط الا ترى انه لا يحتاج في حفظه إلى تكلف و لو لم يجد رداء و له قميص فلا بأس بان يشق قميصه و يرتدى به لانه لما شقه صار بمنزلة الرداء و كذا إذا لم يجد ازارا و له سراويل فلا بأس ان يفتق سراويله خلا موضع التكة و يأتزر به لانه لما فتقه صار بمنزلة الازار و كذا إذا لم يجد نعلين و له خفان فلا بأس ان يقطعهما أسفل الكعبين فيلبسهما لحديث ابن عمر رضى الله عنه و رخص بعض مشايخنا المتأخرون لبس الصندلة قياسا على الخف المقطوع لانه في معناه و كذا لبس الميثم لما قلنا و لا يلبس الجوربين لانهما في معنى الخفين و لا يغطى رأسه بالعمامة و لا غيرها مما يقصد به التغطية لان المحرم ممنوع عن تغطية رأسه بما يقصد به التغطية و الاصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في
المحرم الذي وقصت به ناقته في أحافيق حردان فمات لا تخمروا رأسه و لا تفربوه طيبا فانه يبعث يوم القيامة ملبيا و لو حمل على رأسه شيأ فان كان مما يقصد به التغطية من لباس الناس لا يجوز له ذلك لانه كاللبس و ان كان مما لا يقصد به التغطية كاجانة أو عدل بزوضعه على رأسه فلا بأس بذلك لانه لا يعد ذلك لبسا و لا تغطية و كذا لا يغطى الرجل وجهه عندنا و قال الشافعي يجوز له تغطية الوجه و أما المرأة فلا تغطى وجهها و كذا لا بأس أن تدل على وجهها بثوب و تجافيه عن وجهها احتج الشافعي بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إحرام الرجل في رأسه و إحرام المرأة في وجهها جعل إحرام كل واحد منهما في محل خاص و لا خصوص مع الشركة و لهذا لما خص الوجه في المرأة بان إحرامها فيه لم يكن في رأسها فكذا في الرجل و لان مبنى أحوال المحرم على خلاف العادة و ذلك فيما قلنا لان العادة هو الكشف في الرجال فكان الستر على خلاف العادة بخلاف النساء فان العادة فيهن الستر فكان الكشف خلاف العادة و لنا ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إحرام الرجل في رأسه و وجهه و لا حجة له فيما روى لان فيه أن إحرام الرجل في رأسه و هذا لا ينفى أن يكون في وجهه و لا يوجب أيضا فكان مسكونا عنه فيقف على قيام الدليل و قد قام الدليل و هو ما روينا و هكذا نقول في المرأة انا انما عرفنا ان إحرامها ليس في رأسها لا بقوله و إحرام المرأة في وجهها بل بدليل آخر نذكره ان شاء الله تعالى و لا يلبس ثوبا اصبغ بورس أو زعفران و ان لم يكن مخيطا لخبر ابن عمر رضى الله عنه و لان الورس و الزعفران طيب و المحرم ممنوع من استعمال الطيب في بدنه و لا يلبس المعصفر و هو المصبوغ بالعصفر عندنا و قال الشافعي يجوز و احتج بما روى ان عائشة رضى الله عنها لبست الثياب المعصفرة و هي محرمة و روى أن عثمان رضى الله عنه أنكر على عبد الله بن جعفر لبس المعصفر في الاحرام فقال على رضى الله عنه ما أرى أن أحدا يعلمنا السنة و لنا ما روى أن عمر رضى الله عنه أنكر على طلحة لبس المعصفر في الاحرام فقال طلحة رضى الله عنه انما هو ممشق بمغرة فقال عمر رضى الله عنه انكم أئمة يقتدى بكم فدل إنكار عمر و اعتذار طلحة رضى الله عنهما على أن المحرم ممنوع من ذلك و فيه اشارة الي أن الممشق مكروه أيضا لانه قال انكم أئمة يقتدى بكم أى من شاهد ذلك ربما يظن أنه مصبوغ بغير المغرة فيعتقد الجواز فكان سببا للوقوع في الحرام عسى فيكره و لان المعصفر طيب لان له رائحة طيبة فكان كالورس و الزعفران و أما حديث عائشة رضى الله عنها فقد روى عنها انها كرهت المعصفر في الاحرام أو يحمل على المصبوغ بمثل العصفر كالمغرة و نحوها و هو الجواب عن قول على عمر رضى الله عنه على أن قوله معارض بقول عثمان رضى الله عنه و هو إنكاره فسقط الاحتجاج به للتعارض هذا إذا لم يكن مغسولا فاما إذا كان قد غسل حتى صار لا ينفض فلا بأس به لما روى عن ابن عباس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا بأس أن يحرم الرجل في ثوب مصبوغ بورس أو زعفران قد غسل و ليس له نفض و لا ردغ و قوله صلى الله عليه و سلم لا ينفض له تفسيران منقولان عن محمد روى عنه لا يتناثر صبغه و روى لا يفوح ريحه و التعويل على زوال الرائحة حتى لو كان لا يتناثر صبغه و لكن يفوح ريحه يمنع منه لان ذلك دليل بقاء الطيب اذ الطيب ماله رائحة طيبة و كذا ما صبغ بلون الهروي لانه صبغ خفيف فيه أدنى صفرة لا توجد منه رائحة و قال أبو يوسف في الاملاء لا ينبغى للمحرم أن يتوسد ثوبا مصبوغا بالزعفران و لا الورس و لا ينام عليه لانه يصير مستعملا للطيب فكان كاللبس و لا بأس بلبس الخز و الصوف و القصب و البرد و ان كان مسلونا كالعدنى و غير لانه ليس فيه أكثر من الزينة و المحرم ممنوع من ذلك و لا بأس أن يلبس الطيلسان لان الطيلسان ليس بمخيط و لا يزره كذا روى عن ابن عمر رضى الله عنه و عن ابن عباس رضى الله عنه أنه لا بأس به و الصحيح قول ابن عمر لان الزرة مخيط في نفسها فإذا زره فقد اشتمل المخيط عليه فيمنع منه و لانه إذا زره لا يحتاج في حفظه الي تكلف فاشبه لبس المخيط بخلاف الرداء و الازار و يكره أن يخلل الازار بالخلال و ان يعقد الازار لما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى محرما قد عقد ثوبه بحبل فقال له أنزع الحبل ويلك و روى عن ابن عمر رضى الله عنه أنه كره أن
يعقد المحرم الثوب عليه و لانه يشبه المخيط في عدم الحاجة في حفظه إلى تكلف و لو فعل لا شيء عليه لانه ليس بمخيط و لا بأس أن يتحزم بعمامة يشتمل بها و لا يعقدها لان اشتمال العمامة عليه اشتمال المخيط فاشبه الاتشاح بقميص فان عقدها كره له ذلك لانه يشبه المخيط كعقد الازار و لا بأس بالهميان و المنطقة للمحرم سواء كان في الهميان نفقته أو نفقة غيره و سواء كان شد المنطقة بالابزيم أو بالسيور و عن أبى يوسف في المنطقة ان شده بالابزيم يكره و ان شده بالسيور لا يكره و قال مالك في الهميان ان كان فيه نفقته لا يكره و ان كان فيه نفقة غيره يكره وجه قوله أن شد الهميان لمكان الضرورة و هي استيثاق النفقة و لا ضرورة في نفقة غيره وجه رواية أبى يوسف أن الابزيم مخيط فالشد به يكون كزر الازار بخلاف السير و لنا ما روى عن عائشة رضى الله عنها انها سئلت عن الهميان فقالت أوثق عليك نفقتك أطلقت القضيه و لم تستفسر و عن ابن عباس رضى الله عنهما قال رخص رسول الله صلى الله عليه و سلم في الهميان يشده المحرم في وسطه إذا كانت فيه نفقته و عليه جماعة من التابعين و روى عن سعيد بن المسيب رضى الله عنه أنه لا بأس بالهميان و هو قول سعيد بن جبير و عطاء و طاووس رضى الله تعالى عنهم و لان اشتمال الهميان و المنطقة عليه كاشتمال الازار فلا يمنع عنه و لا بأس أن يستظل المحرم بالفسطاط عند عامة العلماء و قال مالك يكره و احتج بما روى عن ابن عمر رضى الله عنه انه كره ذلك و لنا ما روى عن عمر رضى الله عنه انه كان يلقى على شجرة ثوبا أو نطعا فيستظل به ورى انه ضرب لعثمان رضى الله عنه فسطاط بمنى فكان يستظل به و لان الاستظلال بما لا يماسه بمنزلة الاستظلال بالسقف و ذا ممنوع عنه كذا هذا فان دخل تحت ستر الكعبة حتى غطاه فان كان الستر يصيب وجهه و رأسه يكره له ذلك لانه يشبه ستر وجهه و رأسه بثوب و ان كان متجافيا فلا يكره لانه بمنزلة الدخول تحت ظلة و لا بأس أن تغطى المرأة سائر جسدها و هي محرمة بما شاءت من الثياب المخيطة و غيرها و ان تلبس الخفين أنها لا تغطى وجهها اما ستر سائر بدنها فلان بدنها عورة و ستر العورة بما ليس بمخيط متعذر فدعت الضرورة إلى لبس المخيط و أما كشف وجهها فلما روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال إحرام المرأة في وجهها و عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كان الركبان يمرون بنا و نحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا حاذونا اسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا رفعنا فدل الحديث على انه ليس للمرأة أن تغطى وجهها و انها لو اسدلت على وجهها شيأ و جافته عنه لا بأس بذلك و لانها إذا جافته عن وجهها صار كما لو جلست في قبة أو استترت بفسطاط و لا بأس لها ان تلبس الحرير و الذهب و تتحلى بأى حلية شاءت عند عامة العلماء و عن عطاء انه كره ذلك و الصحيح قول العامة لما روى أن ابن عمر رضى الله عنه كان يلبس نساءه الذهب و الحرير في الاحرام و لان لبس هذه الاشياء من باب التزين و المحرم ممنوع من الزينة و لا يلبس ثوبا مصبوغا لان المانع ما فيه من الصبغ من الطيب لا من الزينة و المرأة تساوي الرجل في الطيب و أما لبس القفازين فلا يكره عندنا و هو قول على و عائشة رضى الله عنهما و قال الشافعي لا يجوز و احتج بحديث ابن عمر رضى الله عنه فانه ذكر في آخره و لا تنتقب المرأة و لا تلبس القفازين و لان العادة في بدنها الستر فيجب مخالفتها بالكشف كوجهها و لنا ما روى ان سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه كان يلبس بناته وهن محرمات القفازين و لان لبس القفازين ليس الا تغطية يديها بالمخيط و انها ممنوعة عن ذلك فان لها ان تغطيهما بقميصها و ان كان مخيطا فكذا بمخيط آخر بخلاف وجهها و قوله و لا تلبس القفازين نهى ندب حملناه عليه جمعا بين الدلائل بقدر الامكان و أما بيان ما يحب بفعل هذا المحظور و هو لبس المخيط فالواجب به يختلف في بعض المواضع يجب الدم عينا و فى بعضها تجب الصدقة عينا و فى بعضها يجب أحد الاشياء الثلاثة عين الصيام أو الصدقة أو الدم و جهات التعيين إلى من عليه كما في كفارة اليمين و الاصل ان الارتفاق الكامل باللبس يوجب فداء كاملا فيتعين فيه الدم لا يجوز غيره ان فعله من عذر و ان فعله لعذر فعليه أحد الاشياء الثلاثة و الارتفاق القاصر يوجب فداء قاصرا و هو الصدقة إثباتا للحكم على قدر العلة و بيان هذه الجملة إذا لبس المخيط من قميص أو جبة أو سراويل أو عمامة أو قلنسوة
أو خفين أو جوربين من عذر و ضرورة يوما كاملا فعليه الدم لا يجوز غيره لان لبس أحد هذه الاشياء يوما كاملا ارتفاق كامل فيوجب كفارة كاملة و هي الدم لا يجوز غيره لانه فعله من ضرورة و ان لبس أقل من يوم لادم عليه و عليه الصدقة و كان أبو حنيفة يقول أولا ان لبس أكثر اليوم فعليه دم و كذا روى عن أبى يوسف ثم رجع و قال لادم عليه حتى يلبس يوما كاملا و روى عن محمد انه إذا لبس أقل من يوم يحكم عليه بمقدار ما لبس من قيمة الشاة ان لبس نصف يوم فعليه قيمة نصف شاة على هذا القياس و هكذا روى عنه في الحلق و قال الشافعي يجب عليه الدم و ان لبس ساعة واحدة وجه قوله ان اللبس و لو ساعة ارتفاق كامل لوجود اشتمال المخيط على بدنه فيلزمه جزاء كامل وجه رواية محمد اعتبار البعض بالكل وجه قول أبى حنيفة الاول بان الارتفاق باللبس في أكثر اليوم بمنزلة الارتفاق في كله لانه ارتفاق كامل فان الانسان قد يلبس أكثر اليوم ثم يعود إلى منزله قبل دخول الليل وجه قوله الآخر ان اللبس أقل من يوم ارتفاق ناقص لان المقصود منه دفع الحر و البرد و ذلك باللبس في كل اليوم و لهذا اتخذ الناس في العادة للنهار لباسا و لليل لباسا و لا ينزعون لباس النهار الا في الليل فكان اللبس في بعض اليوم ارتفاقا قاصرا فيوجب كفارة قاصرة و هي الصدقة كقص ظفر واحد و مقدار الصدقة نصف صاع من بر كذا روى ابن سماعة عن أبى يوسف انه يطعم مسكينا نصف صاع من بر و كل صدقة تجب بفعل ما يحظره الاحرام فهي مقدرة بنصف صاع الا ما يجب بقتل القملة و الجرادة و روى ابن سماعة عن محمد ان من لبس ثوبا يوما الا ساعة فعليه من الدم بمقدار ما لبس أى من قيمة الدم لما قلنا و الصحيح قول أبى يوسف لان الصدقة المقدرة للمسكين في الشرع لا تنقص عن نصف صاع كصدقة الفطر و كفارة اليمين و الفطر و الظهار و كذا لو أدخل منكبيه في القباء و لم يدخل يديه في كميه لكنه زره عله أوزر عليه طيلسانا يوما كاملا فعليه دم لوجود الارتفاق الكامل بلبس المخيط اذ المزرر مخيط و كذا لو غطى ربع رأسه يوما فصاعدا فعليه دم و ان كان أقل من الربع فعليه صدقة كذا ذكر في الاصل و ذكر ابن سماعة في نوادره عن محمد انه لا دم عليه حتى يغطى الاكثر من رأسه و لا أقول حتى يغطى رأسه كله وجه رواية ابن سماعة عن محمد ان تغطية الاقل ليس بارتفاق كامل فلا يجب به جزاء كامل وجه رواية الاصل ان ربع الرأس له حكم الكل في هذا الباب كحلق ربع الرأس و على هذا إذا غطت المرأة ربع وجهها و كذا لو غطى الرجل ربع وجهه عندنا و عند الشافعي لا شيء عليه لانه ممنوع عن ذلك عنده و المسألة قد تقدمت و لو عصب على رأسه أو وجهه يوما أو أكثر فلا شيء عليه لانه لم يوجد ارتفاق كامل و عليه صدقة لانه ممنوع عن التغطية و لو عصب شيأ من جسده لعلة أو علة لا شيء عليه لانه ممنوع عن تغطية بدنه بغير المخيط و يكره ان يفعل ذلك بغير عذر لان الشد عليه يشبه لبس المخيط هذا إذا لبس المخيط يوما كاملا حالة الاختيار فاما إذا لبسه لعذر و ضرورة فعليه أى الكفارات شاء الصيام أو الصدقة أو الدم و الاصل فيه قوله تعالى في كفارة الحلق من مرض أو أذى في الرأس فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك و روينا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال لكعب بن عجرة أ يؤذيك هو ام رأسك قال نعم فقال احلق و اذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر و النص و ان ورد بالتخيير في الحلق لكنه معلول بالتيسير و التسهيل للضرورة و العذر و قد وجد ههنا و النص الوارد هناك يكون واردا ههنا دلالة و قيل ان عند الشافعي يتخير بين أحد الاشياء الثلاثة في حالة الاختيار أيضا و انه سديد لان التخيير في حال الضرورة للتيسير و التخفيف و الجانى لا يستحق التخفيف و يجوز في الطعام التمليك و التمكين و هو طعام الاباحة في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد لا يجوز فيه الا التمليك و نذكر المسألة في كتاب الكفارات ان شاء الله تعالى و يجوز في الصيام التتابع و التفرق لاطلاق اسم الصوم في النص و لا يجوز الذبح الا في الحرم كذبح المتعة الا إذا ذبح في الحرم و تصدق بلحمه على ستة مساكين على كل واحد منهم قدر قيمة نصف صاع من حنطة فيجوز على طريق البدل عن الطعام و يجوز الصوم في الاماكن كلها بالاجماع و كذا الصدقة عندنا و عند الشافعي لا تجزيه
الا بمكة نظرا لاهل مكة لانهم ينتفعون به و لهذا لم يجز الدم الا بمكة و لنا ان نص الصدقة مطلق عن المكان فيجرى على إطلاقه و القياس على الدم بمعنى الانتفاع فاسد لما ذكرنا في الاحصار و انما عرف اختصاص جواز الذبح بمكة بالنص و هو قوله تعالى حتى يبلغ الهدى محله و لم يوجد مثله في الصدقة و قد ذكرنا ان المحرم إذا لم يجد الازار و أمكنه فتق السراويل و التستر به فتقه فان لبسه يوما و لم يفتقه فعليه دم في قول أصحابنا و قال الشافعي يلبسه و لا شيء عليه وجه قوله ان الكفارة انما تجب بلبس محظور و لبس السراويل في هذه الحالة ليس بمحظور لانه لا يمكنه لبس المخيط الا بالفتق و فى الفتق تنقيص ماله و لنا ان حظر لبس المخيط ثبت بعقد الاحرام و يمكنه التستر بغير المخيط في هذه الحالة بالفتق فيجب عليه الفتق و الستر بالمفتوق أولى فإذا لم يفعل فقد ارتكب محظور إحرامه يوما كاملا فيلزمه الدم و قوله في الفتق تنقيص ماله مسلم لكن لاقامة حق الله تعالى و انه جائز كالزكاة و قطع الخفين أسفل من الكعبين إذا لم يجد النعلين و يستوى في وجوب الكفارة بلبس المخيط العمد و السهو و الطوع و الكره عندنا و قال الشافعي لا شيء على الناسي و المكره و يستوى أيضا ما إذا لبس بنفسه أو ألبسه غيره و هو لا يعلم به عندنا خلافا له وجه قوله ان الكفارة انما تجب بارتكاب محظور الاحرام لكونه جناية و لا حظر مع النسيان و الاكراه فلا يوصف فعله بالجناية فلا تجب الكفارة و لهذا جعل النسيان عذرا في باب الصوم بالاجماع و الاكراه عندي و لنا ان الكفارة انما تجب في حال الذكر و الطوع لوجود ارتفاق كامل و هذا يوجد في حال الكرة و السهو و قوله فعل الناسي و المكره لا يوصف بالحظر ممنوع بل الحظر قائم حالة النسيان و الاكراه و فعل الناسي و المكره موصوف بكونه جناية و انما أثر النسيان و الاكراه في ارتفاع المؤاخذة في الآخرة لان فعل الناسي و المكره جائز المؤاخذة عليه عقلا عندنا و انما رفعت المؤاخذة شرعا ببركة دعاء النبي صلى الله عليه و سلم بقوله ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا و قوله رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه و الاعتبار بالصوم سديد لان في الاحرام أحوالا مذكرة يندر النسيان معها غاية الندرة فكان ملحقا بالعدم و لا مذكر للصوم فجعل عذرا دفعا للحرج و لهذا لم يجعل عذرا في باب الصلاة لان أحوال الصلاة مذكرة كذا هذا و لو جمع المحرم اللباس كله القميص و العمامة و الخفين لزمه دم واحد لانه لبس واحد وقع على جهة واحدة فيكفيه كفارة واحدة كالايلاجات في الجماع و لو اضطر المحرم إلى لبس ثوب فلبس ثوبين فان لبسهما على موضع الضرورة فعليه كفارة واحدة و هي كفارة الضرورة بان اضطر إلى قميص واحد فلبس قميصين أو قميصا وجبة أو اضطر إلى القلنسوة فلبس قلنسوة و عمامة لان اللبس حصل على وجه واحد فيوجب كفارة واحدة كما إذا اضطر إلى لبس قميص فلبس جبة و ان لبسهما على موضعين مختلفين موضع الضرورة و غير موضع الضرورة كما إذا اضطر إلى لبس العمامة أو القلنسوة فلبسهما مع القميص أو ذلك فعليه كفارتان كفارة الضرورة للبسه ما يحتاج اليه و كفارة الاختيار للبسه ما لا يحتاج اليه و لو لبس ثوبا للضرورة ثم زالت الضرورة فدام على ذلك يوما أو يومين فما دام في شك من زوال الضرورة لا يجب عليه الا كفارة واحدة كفارة الضرورة و ان تيقن بان الضرورة قد زالت فعليه كفارتان كفارة ضرورة و كفارة اختيار لان الضرورة كانت ثابتة بيقين فلا يحكم بزوالها بالشك على الاصل المعهود ان الثابت يقينا لا يزال بالشك و إذا كان كذلك فاللبس الثاني وقع على الوجه الذي وقع عليه الاول فكان لبسا واحدا فيوجب كفارة واحدة و إذا استيقن بزوال الضرورة فاللبس الثاني حصل على الوجه الذي حصل عليه الاول فيوجب عليه كفارة أخرى و نظير هذا ما إذا كان به قرح أو جرح اضطر إلى مداواته بالطيب انه ما دام باقيا فعليه كفارة واحدة و ان كان تكرر عليه الدواء لان الضرورة باقية فوقع الكل على وجه واحد و لو برأ ذلك القرح أو الجرح و حدث قرح آخر أو جراحة أخرى فداوها بالطيب يلزمه كفارة أخرى لان الضرورة قد زالت فوقع الثاني على الوجه الاول و كذا المحرم إذا مرض أو أصابته الحمى و هو يحتاج إلى لبس الثوب في وقت و يستغنى عنه في وقت الحمى فعليه كفارة واحدة ما لم تزل عنه تلك العلة لحصول اللبس على جهة واحدة و لو زالت عنه تلك
الحمى و اصابته حمى أخرى عرف ذلك أو زال عنه ذلك المرض و جاءه مرض آخر فعليه كفارتان سواء كفر للاول أو لم يكفر في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد عليه كفارة واحدة ما لم يكفر للاول فان كفر للاول فعليه كفارة أخرى و سنذكر المسألة ان شاء الله في بيان المحظور الذي يفسد الحج و هو الجماع بان جامع في مجلسين مختلفين و لو جرح له قرح أو أصابه جرح و هو يداويه بالطيب فخرجت قرحة أخرى أو أصابه جرح آخر و الاول على حاله لم يبرأ فداوى الثاني فعليه كفارة واحدة لان الاول لم يبرأ فالضرورة باقية فالمداواة الثانية حصلت على الجهة التي حصلت عليها الاولى فيكفيه كفارة واحدة و لو حصره عدو فاحتلج الي لبس الثياب فلبس ثم ذهب فنزع ثم عاد فعاد أو كان العدو لم يبرح مكانه فكان يلبس السلاح فيقاتل بالنهار و ينزع بالليل فعليه كفارة واحدة ما لم يذهب هذا العدو و يجئ عدو آخر لان العذر واحد و العذر الواحد لا يتعلق باللبس له الا كفارة واحدة و الاصل في جنس هذه المسائل انه ينظر الي اتحاد الجهة و اختلافها لا إلى صورة اللبس فان لبس المخيط أياما فان لم ينزع ليلا و لا نهارا يكفيه دم واحد بلا خلاف لان اللبس على وجه واحد و كذلك إذا كان يلبسه بالنهار و ينزعه بالليل للنوم من ان يعزم على تركه لا يلزمه الا دم واحد بالاجماع لانه إذا لم يعزم على الترك كان اللبس على وجه واحد فان لبس يوما كاملا فأراق دما ثم دام على لبسه يوما كاملا فعليه دم آخر بلا خلاف لان الدوام على اللبس بمنزلة لبس مبتدا بدليل انه لو أحرم و هو مشتمل على المخيط فدام عليه بعد الاحرام يوما كاملا يلزمه دم و لو لبسه يوما كاملا ثم نزعه و عزم على تركه ثم لبس بعد ذلك فان كان كفر للاول فعليه كفارة أخرى بالاجماع لانه لما كفر للاول فقد التحق اللبس الاول بالعدم فيعتبر الثاني لبسا آخر مبتدأ و ان لم يكفر للاول فعليه كفارتان في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و فى قول محمد عليه كفارة واحدة وجه قول محمد انه ما لم يكفر للاول كان اللبس على حاله فإذا وجد الثاني فلا يتعلق به الا كفارة واحدة و إذا كفر للاول بطل الاول فيعتبر الثاني لبسا ثانيا فيوجب كفارة أخرى كما إذا جامع في يومين من شهر رمضان و لهما انه لما نزع على عزم الترك فقد انقطع حكم اللبس الاول فيعتبر الثاني لبسا مبتدأ فيتعلق به كفارة أخرى و الاصل عندهما أن النزع على عزم الترك يوجب اختلاف اللبستين في الحكم تخللهما التكفير أولا و عنده لا يختلف الا إذا تخللهما التكفير و لو لبس ثوبا مصبوغا بالورس أو الزعفران فعليه دم لان الورس و الزعفران لهما رائحة طيبة فقد استعمل الطيب في بدنه فيلزمه الدم و كذا إذا لبس المعصفر عندنا لانه محظور الاحرام عندنا اذ المعصفر طيب لان له رائحة طيبة و على القارن في جميع ما يوجب الكفارة مثلا ما على المفرد من الدم و الصدقة عندنا لانه محرم بإحرامين فادخل النقص في كل واحد منهما فيلزمه كفارتان و الله أعلم بالصواب ( فصل )
و أما الذي يرجع إلى الطيب و ما يجرى مجراه من ازالة الشعث و قضاء التفث اما الطيب فنقول لا يتطيب المحرم لقول النبي صلى الله عليه و سلم المحرم الاشعث الاغبر و الطيب ينافى الشعث و روى أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم و عليه مقطعان مضمخان بالخلوق فقال ما أصنع في حجتي يا رسول الله فسكت النبي صلى الله عليه و سلم حتى أوحى الله اليه فلما سرى عنه قال صلى الله عليه و سلم أين السائل فقال الرجل أنا فقال اغسل هذا الطيب عنك و اصنع في حجتك ما كنت صانعا في عمرتك و روينا ان محرما وقصت به ناقته فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تخمروا رأسه و لا تقربوه طيبا فانه يبعث يوم القيامة ملبيا جعل كونه محرما علة حرمة تخمير الرأس و التطيب في حقه فان طيب عضوا كاملا كالرأس و الفخذ و الساق و نحو ذلك فعليه دم و ان طيب أقل من عضو فعليه صدقة و قال محمد يقوم ما يجب فيه الدم فيتصدق بذلك القدر حتى لو طيب ربع عضو فعليه من الصدقة قدر قيمة ربع شاة و ان طيب نصف عضو تصدق بقدر قيمة نصف شاة هكذا و ذكر الحاكم في المنتقى في موضع إذا طيب مثل الشارب أو بقدره من اللحية فعليه صدقة و فى موضع إذا طيب مقدار ربع الرأس فعليه دم أعطى الربع حكم الكل كما في الحلق و قال الشافعي في قليل الطيب و كثيره دم لوجود الارتفاق و محمد اعتبر البعض بالكل و الصحيح ما ذكر في الاصل لان تطييب عضو كامل ارتفاق كامل فكان
جناية كاملة فيوجب كفارة كاملة و تطييب ما دونه ارتفاق قاصر فيوجب كفارة قاصرة اذ الحكم يثبت على قدر السبب فان طيب مواضع متفرقة من كل عضو يجمع ذلك كله فإذا بلغ عضوا كاملا يجب عليه دم و ان لم يبلغ فعليه صدقة لما قلنا و ان طيب الاعضاء كلها فان كان في مجلس واحد فعليه دم واحد لان جنس الجناية واحد حظرها إحرام واحد من جهة متقومة فيكفيه دم واحد و ان كان في مجلسين مختلفين بان طيب كل عضو في مجلس على حدة فعليه لكل واحد دم في قول أبى حنيفة و أبى يوسف سواء ذبح للاول أو لم يذبح كفر للاول أو لم يكفر و قال محمد ان ذبح للاول فكذلك و ان لم يذبح فعليه دم واحد و الاختلاف فيه كالاختلاف في الجماع بان جامع قبل الوقوف بعرفة ثم جامع انه ان كان ذلك في مجلس واحد يجب على كل واحد منهما دم واحد و ان كان في مجلسين مختلفين يجب على كل واحد منهما دمان في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد ان ذبح للاول فعليه دم آخر و ان لم يذبح يكفى دم واحد قياسا على كفارة الافطار في شهر رمضان و سنذكر المسألة ان شاء الله تعالى و لو ادهن بدهن فان كان الدهن مطيبا كدهن البنفسج و الورد و الزئبق و البان و الحرى و سائر الادهان التي فيها الطيب فعليه دم إذا بلغ عضوا كاملا و حكى عن الشافعي ان البنفسج ليس بطيب و انه سديد لانه دهن مطيب فاشبه البان و غيره من الادهان المطيبة و ان كان مطيب بان ادهن بزيت أو بشيرج فعليه دم في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد عليه صدقة و قال الشافعي ان استعمله في شعره فعليه دم و ان استعمله في بدنه فلا شيء عليه احتجا بما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ادهن بزيت و هو محرم و لو كان ذلك موجبا للدم لما فعل صلى الله عليه و سلم لانه ما كان يفعل ما يوجب الدم و لان المطيب من الادهان يستعمل استعمال الغذاء فاشبه اللحم و الشحم و السمن الا انه يوجب الصدقة لانه يقتل الهوام لا لكونه طيبا و لابي حنيفة ما روى عن أم حبيبة رضى الله عنها انه لما نعى إليها وفاة أخيها قعدت ثلاثة أيام ثم استدعت بزنة زيت و قالت مالى إلى الطيب من حاجة لكنى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام الا على زوجها أربعة أشهر و عشرا سمت الزيت طيبا و لانه أصل الطيب بدليل انه يطيب بالقاء الطيب فيه فإذا استعمله على وجه الطيب كان كسائر الادهان المطيبة و لانه يزيل الشعث الذي هو علم الاحرام و شعاره على ما نطق به الحديث فصار جارحا إحرامه بإزالة علمه فتكاملت جنايته فيجب الدم و الحديث محمول على حال الضرورة لانه صلى الله عليه و سلم كما كان لا يفعل ما يوجب الدم كان لا يفعل ما يوجب الصدقة و عندهما تجب الصدقة فكان المراد منه حالة العذر و الضرورة ثم انه ليس فيه انه لم يكفر فيحتمل انه فعل و كفر فلا يكون حجة و لو داوى بالزيت جرحه أو شقوق رجليه فلا كفارة عليه لانه ليس بطيب بنفسه و ان كان أصل الطيب لكنه ما استعمله على وجه الطيب فلا تجب به الكفارة بخلاف ما إذا تداوي بالطيب لا للتطيب انه تجب به الكفارة لانه طيب في نفسه فيستوى فيه استعماله للتطيب أو لغيره و ذكر محمد في الاصل و ان دهن شقاق رجليه طعن عليه في ذلك فقيل الصحيح شقوق رجليه و انما قال محمد ذلك اقتداء بعمر بن الخطاب رضى الله عنه فانه قال هكذا في هذه المسألة و من سيرة أصحابنا الاقتداء بالفاظ الصحابة و معاني كلامهم رضى الله عنهم و ان ادهن بشحم أو سمن فلا شيء عليه لانه ليس بطيب في نفسه و لا أصل للطيب بدليل انه لا يطيب بالقاء الطيب فيه و لا يصير طيبا بوجه و قد قال أصحابنا ان الاشياء التي تستعمل في البدن على ثلاثة أنواع نوع هو طيب محض معد للتطيب به كالمسك و الكافور و العنبر و غير ذلك و تجب به الكفارة على أى وجه استعمل حتى قالوا لو داوى عينه بطيب تجب عليه الكفارة لان العين عضو كامل استعمل فيه الطيب فتجب الكفارة و نوع ليس بطيب بنفسه و لا فيه معنى الطيب و لا يصير طيبا بوجه كالشحم فسواء أكل أو ادهن به أو جعل في شقاق الرجل لا تجب الكفارة و نوع ليس بطيب بنفسه لكنه أصل الطيب يستعمل على وجه الطيب و يستعمل على وجه الا دام كالزيت و الشيرج فيعتبر فيه الاستعمال فان استعمل استعمال الادهان في البدن يعطى له حكم الطيب و ان
استعمل في مأكول أو شقاق رجل لا يعطى له حكم الطيب كالشحم و لو كان الطيب في طعام طبخ و تغير فلا شيء على المحرم في أكله سواء كان يوجد ريحه أو لا لان الطيب صار مستهلكا في الطعام بالطبخ و ان كان لم يطبخ يكره إذا كان ريحه يوجد منه و لا شيء عليه لان الطعام غالب عليه فكان الطيب مغمورا مستهلكا فيه و ان أكل عين الطيب مخلوط بالطعام فعليه الدم إذا كان كثيرا و قالوا في الملح يجعل فيه الزعفران أنه ان كان الزعفران غالبا فعليه الكفارة لان الملح يصير تبعا له فلا يخرجه عن حكم الطيب و ان كان الملح غالبا فلا كفارة عليه لانه ليس فيه معنى الطيب و قد روى عن ابن عمر رضى الله عنهما انه كان يأكل الخشكنابخ الاصفر و هو محرم و يقول لا بأس بالخبيص الاصفر للمحرم فان تداوي المحرم بما لا يؤكل من الطيب لمرض أو علة أو اكتحل بطيب لعلة فعليه أى الكفارات شاء لما ذكرنا ان ما يحظره الاحرام إذا فعله المحرم لضرورة و عذر فعليه احدى الكفارات الثلاث و يكره للمحرم أن يشم الطيب و الريحان كذا روى عن ابن عمر و جابر رضى الله عنهما انهما كرها شم الريحان للمحرم و عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه لا بأس به و لو شمه لا شيء عليه عندنا و قال الشافعي تجب عليه الفدية وجه قوله أن الطيب ماله رائحة و الريحان له رائحة طيبة فكان طيبا و انا نقول نعم انه طيب لكنه لم يلتزق ببدنه و لا بثيابه شيء منه و انما شم رائحته فقط و هذا لا يوجب الكفارة كما لو جلس عند العطارين فشم رائحة العطر الا أنه كره لما فيه من الارتفاق و كذا كل نبات له رائحة طيبة و كل ثمرة لها رائحة طيبة لانه ارتفاق بالرائحة و لو فعل لا شيء عليه لانه لم يلتزق ببدنه و ثيابه شيء منه و حكى عن مالك أنه كان يأمر برفع العطارين بمكة في أيام الحج و ذلك سديد لان النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه لم يفعلوا ذلك فان شم المحرم رائحة طيب تطيب به قبل الاحرام لا بأس به لان استعمال الطيب حصل في وقت مباح فبقى شم نفس الرائحة فلا يمنع منه كما لو مر بالعطارين و روى ابن سماعة عن محمد أن رجلا لو دخل بيتا قد أجمر و طال مكثه بالبيت فعلق في ثوبه شيء يسير فلا شيء عليه لان الرائحة لم تتعلق بعين و بمجرد الرائحة لا يمنع منها فان استجمر بثوب فعلق بثوبه شيء كثير فعليه دم لان الرائحة ههنا تعلقت بعين و قد استعملها في بدنه فصار كما لو تطيب و ذكر ابن رستم عن محمد فيمن اكتحل بكحل قد طيب مرة أو مرتين فعليه صدقة و ان كان كثيرا فعليه دم لان الطيب إذا غلب الكحل فلا فرق بين استعماله على طريق التداوى أو التطيب فان مس طيبا فلزق بيده فهو بمنزلة التطيب لانه طيب به يده و ان لم يقصد به التطيب لان القصد ليس بشرط لوجوب الكفارة و قالوا فيمن استلم الحجر فأصاب يده من طيبه أن عليه الكفارة لانه استعمل الطيب و ان لم يقصد به التطيب و وجوب الكفارة لا يقف على القصد فان داوى جرحا أو تطيب لعلة ثم حدث جرح آخر قبل أن يبرأ الاول فعليه كفارة واحدة لان العذر الاول باق فكان جهة الاستعمال واحدة فتكفيه كفارة واحدة كما قلنا في لبس المخيط و لا بأس بان يحتجم المحرم و يفتصد و يبط القرحة و يعصب عليه الخرقة و يجبر الكسر و ينزع الضرس إذا اشتكى منه و يدخل الحمام و يغتسل لما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم احتجم و هو صائم محرم بالفاحة و الفصد وبط القرحة و الجرح في معنى الحجامة و لانه ليس في هذه الاشياء الا شق الجلدة و المحرم ممنوع عن ذلك و لانها من باب التداوى و الاحرام لا يمنع من التداوى و كذا جبر الكسر من باب العلاج و المحرم لا يمنع منه و كذا قلع الضرس و هو أيضا من باب ازالة الضرر فيشبه قطع اليد من الاكلة و ذا لا يمنع منه المحرم كذا هذا و أما الاغتسال فلما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اغتسل و هو محرم و قال ما نفعل بأوساخنا فان غسل رأسه و لحيته بالخطمي فعليه دم في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد عليه صدقة لهما أن الخطمى ليس بطيب و انما يزيل الوسخ فاشبه الاشنان فلا يجب به الدم و تجب الصدقة لانه يقتل الهوام لا لانه طيب و لابي حنيفة أن الخطمى طيب لان له رائحة طيبة فيجب به الدم كسائر أنواع الطيب و لانه يزيل الشعث و يقتل الهوام فاشبه الحلق فان خضب رأسه و لحيته بالحناء فعليه دم لان الحناء طيب لما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى المعتدة ان تختضب بالحناء و قال الحناء طيب
فصل وأماما يجرى مجرى الطيب
و لان الطيب ماله رائحة طيبة و للحناء رائحة طيبة فكان طيبا و ان خضبت المحرمة يديها بالحناء فعليها دم و ان كان قليلا فعليها صدقة لان الارتفاق الكامل لا يحصل الا بتطييب عضو كامل و القسط طيب لان له رائحة طيبة و لهذا يتبخر به و يلتذ برائحته و الوسمة ليس بطيب لانه ليس لها رائحة طيبة بل كريهة و انما تغير الشعر و ذلك ليس من باب الارتفاق بل من باب الزينة فان خاف ان يقتل دواب الرأس تصدق بشيء لانه يزيل التفث و روى عن أبى يوسف فيمن خضب رأسه بالوسمة ان عليه دما لا لاجل الخضاب بل لاجل تغطية الرأس و الكحل ليس بطيب و للمحرم أن يكتحل بكحل ليس فيه طيب و قال ابن أبى ليلي هو طيب و ليس للمحرم ان يكتحل به و هذا سديد لانه ليس له رائحة طيبة فلا يكون طيبا و يستوى في وجوب الجزاء بالتطيب الذكر و النسيان و الطوع و الكره عندنا كما في لبس المخيط خلافا للشافعي على ما مر و الرجل و المرأة في الطيب سواء في الحظر و وجوب الجزاء لاستوائهما في الحاظر و الموجب للجزاء و كذا القارن و المفرد الا أن على القارن مثلي ما على المفرد عندنا لانه محرم بإحرامين فادخل نقصا في احرامين فيؤاخذ بجزاءين و لا يحل للقارن و المفرد التطيب ما لم يحلقا أو يقصر البقاء الاحرام قبل الحلق أو التقصير فكان الحاظر باقيا فيبقى الحظر و كذا المعتمر لما قلنا و قد ذكرنا ذلك فيما تقدم و الله أعلم ( فصل )
و أما ما يجرى مجرى الطيب من ازالة الشعث و قضاء التفث فحلق الشعر و قلم الظفر أما الحلق فنقول لا يجوز للمحرم أن يحلق رأسه قبل يوم النحر لقوله تعالى و لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله و قول النبي صلى الله عليه و سلم المحرم الاشعث الاغبر و سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم من الحاج فقال الشعث التفث و حلق الرأس يزيل الشعث و التفث و لانه من باب الارتفاق بمرافق المقيمين و المحرم ممنوع عن ذلك و لانه نوع نبات استفاد الامن بسبب الاحرام فيحرم التعرض له كالنبات الذي استفاد الامن بسبب الحرم و هو الشجر و الخلى و كذا لا يطلى رأسه بنورة لانه في معنى الحلق و كذا لا يزيل شعرة من شعر رأسه و لا يطليها بالنورة لما قلنا فان حلق رأسه فان حلقه من عذر فعليه دم لا يجزيه غيره لانه ارتفاق كامل من ضرورة و ان حلقه لعذر فعليه أحد الاشياء الثلاثة لقوله عز و جل فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك و لما روينا من حديث كعب بن عجرة و لان الضرورة لها أثر في التخفيف فخير بين الاشياء الثلاثة تخفيفا و تيسيرا و ان حلق ثلثه أو ربعه فعليه دم و ان حلق دون الربع فعليه صدقة كذا ذكر في ظاهر الرواية و لم يذكر الاختلاف و حكى الطحاوي في مختصره الاختلاف فقال إذا حلق ربع رأسه يجب عليه الدم في قول أبى حنيفة و فى قول أبى يوسف و محمد لا يجب ما لم يحلق أكثر رأسه و ذكر القدروى في شرحه مختصر الحاكم إذا حلق ربع رأسه يجب عليه دم في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف إذا حلق أكثره يجب و عند محمد إذا حلق شعرة يجب و قال الشافعي إذا حلق ثلاث شعرات يجب و قال مالك لا يجب الا بحلق الكل و على هذا إذا حلق لحيته أو ثلثها أو ربعها احتج مالك بقوله تعالى و لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله و الرأس اسم لكل هذا المحدود وجه قول الشافعي أن الثلاث جمع صحيح فيقوم مقام الكل و لهذا قام مقام الكل في مسح الرأس و لان الشعر نبات استفاد الامن بسبب الاحرام فيستوى فيه قليله و كثيره كالنبات الذي استفاد الامن بسبب الحرم من الشجر و الخلى و اما الكلام بين اصحابنا فمبنى على ان حلق الكثير يوجب الدم و القليل يوجب الصدقة و اختلفوا في الحد الفاصل بين القليل و الكثير فجعل أبو حنيفة ما دون الربع قليلا و الربع و ما فوقه كثيرا و هما على ما ذكر الطحاوي جعلا ما دون النصف قليلا و ما زاد على النصف كثيرا و الوجه لهما ان القليل و الكثير من أسماء المقابلة و انما يعرف ذلك بمقابله فان كان مقابله قليلا فهو كثير و ان كان كثيرا فهو قليل فيلزم منه ان يكون الربع قليلا لان ما يقابله كثير فكان هو قليلا و الوجه لابى حنيفة ان الربع في حلق الرأس بمنزلة الكل الا ترى ان من عادة كثير من الاجيال من العرب و الترك و الكرد الاقتصار على حلق ربع الرأس و لذا يقول القائل رأيت فلانا يكون صادقا في مقالته و ان لم ير الا احد جوانبه الاربع و لهذا أقيم مقام الكل في المسح و فى الخروج من الاحرام بان حلق ربع رأسه للتحلل
و الخروج من الاحرام انه يتحلل و يخرج من الاحرام فكان حلق ربع الرأس ارتفاقا كاملا فكانت جناية كاملة فيوجب كفارة كاملة و كذا حلق ربع اللحية لاهل بعض البلاد معتاد كالعراق و نحوها فكان حلق الربع منها كحلق الكل و لا حجة لمالك في الآية لان فيها نهيا عن حلق الكل و ذا لا ينفى النهى عن حلق البعض فكان تمسكا بالمسكوت فلا يصح و ما قاله الشافعي سديد لان آخذ ثلاث شعرات لا يسمى حالقا في العرف فلا يتناوله نص الحلق كما لا يسمى ماسح ثلاث شعرات ماسحا في العرف حتى لم يتناوله نص المسح على أن وجوب الدم متعلق بارتفاق كامل و حلق ثلاث شعرات ليس بارتفاق كامل فلا يوجب كفارة كاملة و قوله انه نبات استفاد الامن بسبب الاحرام مسلم لكن هذا يقتضى حرمة التعرض لقليله و كثيره و نحن به نقول و لا كلام فيه و انما الكلام في وجوب الدم و ذا يقف على ارتفاق كامل و لم يوجد و قد خرج الجواب عن قولهما ان القليل و الكثير يعرف بالمقابلة لما ذكرنا ان الربع كثير من مقابلة في بعض المواضع فيعمل عليه في موضع الاحتياط و لو أخذ شيأ من رأسه أو لحيته أو لمس شيأ من ذلك فانتثر منه شعرة فعليه صدقة لوجود الارتفاق بإزالة التفث هذا إذا حلق رأس نفسه فأما إذا حلق رأس غيره فعلى الحالق صدقة عندنا و قال مالك و الشافعي لا شيء على الحالق وجه قولهما ان وجوب الجزاء لوجود الارتفاق و لم يوجد من الحالق و لنا أن المحرم كما هو ممنوع من حلق رأس نفسه ممنوع من حلق رأس غيره لقوله عز و جل و لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله و الانسان لا يحلق رأس نفسه عادة الا أنه لما حرم عليه حلق رأس غيره يحرم عليه حلق رأس نفسه من طريق الاولى فتجب عليه الصدقة و لا يجب عليه الدم لعدم الارتفاق في حقه و سواء كان المحلوق حلالا أو حراما لما قلنا أنه ان كان حلالا لا شيء عليه و ان كان حراما فعليه الدم لحصول الارتفاق الكامل له و سواء كان الحلق بامر المحلوق أو بغير أمره طائعا أو مكرها عندنا و قال الشافعي ان كان مكرها فلا شيء عليه و ان لم يكن مكرها لكنه سكت ففيه وجهان و الصحيح قولنا لان الاكراه لا يسلب الحظر و كمال الارتفاق موجود فيجب عليه كمال الجزاء و ليس له ان يرجع به على الحالق و عن القاضي أبى حازم انه يرجع عليه بالكفارة لان الحالق هو الذي أدخله في عهدة الضمان فكان له ان يرجع عليه كالمكره على إتلاف المال و لنا ان الارتفاق الكامل حصل له فلا يرجع على أحد اذ لو رجع لسلم له العوض و المعوض و هذا لا يجوز كالمغرور إذا وطي الجارية و غرم العقر انه لا يرجع به على الغار لما قلنا كذا هذا و ان كان الحالق حلالا فلا شيء عليه و حكم المحلوق ما ذكرنا و ان حلق شاربه فعليه صدقة لان الشارب تبع للحية الا ترى انه ينبت تبعا للحية و يؤخذ تبعا للحية أيضا و لانه قليل فلا يتكامل معنى الجناية و ذكر في الجامع الصغير محرم أخذ من شاربه فعليه حكومة عدل و هي ان ينظركم تكون مقادير أدنى ما يجب في اللحية من الدم و هو الربع فتجب الصدقة بقدره حتى لو كان مثل ربع اللحية يجب ربع قيمة الشاة لانه تبع للحية و قوله أخذ من شاربه اشارة إلى القص و هو السنة في الشارب لا الحلق و ذكر الطحاوي في شرح الآثار ان السنة فيه الحلق و نسب ذلك إلى أبى حنيفة و أبى يوسف و محمد رحمهم الله و الصحيح ان السنة فيه القص لما ذكرنا انه تبع اللحية و السنة في اللحية القص لا الحلق كذا في الشارب و لان الحلق يشينه و يصير بمعنى المثلة و لهذا لم يكن سنة في اللحية بل كان بدعة فكذا في الشارب و لو حلق الرقبة فعليه الدم لانه عضو كامل مقصود بالارتفاق بحلق شعره فتجب كفارة كاملة كما في حلق الرأس و لو نتف أحد الا بطين فعليه دم لما قلنا و لو نتف الا بطين جميعا تكفيه كفارة واحدة لان جنس الجناية واحد و الحاظر واحد و الجهة متقومة فتكفيها كفارة واحدة و لو نتف من أحد الا بطين أكثره فعليه صدقة لان الاكثر فيما له نظير في البدن لا يقام مقام كله بخلاف الرأس و اللحية و الرقبة و ما لا نظير له في البدن ثم ذكر في الابط النتف في الاصل و هو اشارة إلى أن السنة فيه النتف و هو كذلك و ذكر في الجامع الصغير الحلق و هو اشارة إلى انه ليس بحرام و لو حلق موضع المحاجم فعليه دم في قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد فيه صدقة وجه قولهما ان موضع الحجامة مقصود بالحلق بل هو تابع فلا يتعلق بحلقه دم كحلق الشارب لانه إذا لم يكن مقصودا بالحلق لا تتكامل الجناية بحلقه فلا تجب به كفارة كاملة
و لانه انما يحلق للحجامة لا لنفسه و الحجامة لا توجب الدم لانه ليس من محظورات الاحرام على ما بينا فكذا ما يفعل لها و لان ما عليه من الشعر قليل فاشبه الصدر و الساعد و الساق و لا يجب بحلقها دم بل صدقة كذا هذا و لابي حنيفة ان هذا عضو مقصود بالحلق لمن يحتاج إلى حلقه لان الحجامة أمر مقصود لمن يحتاج إليها لاستفراغ المادة الدموية و لهذا لا يحلق تبعا للرأس و لا للرقبة فاشبه حلق الابط و العانة و يستوى في وجوب الجزاء بالحلق العمد و السهو و الطلوع و الكره عندنا و الرجل و المرأة و المفرد و القارن ان القارن يلزمه جزءان عندنا لكونه محرما بإحرامين على ما بينا و اما قلم الظفر فنقول لا يجوز للمحرم قلم أظفاره لقوله تعالى ثم ليقضوا تفثهم و قلم الاظفار من قضأ النفث رتب الله تعالى قضأ التفث على الذبح لانه ذكره بكلمة موضوعة للترتيب مع التراخى بقوله عز و جل ليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام فكلوا منها و أطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم فلا يجوز الذبح و لانه ارتفاق بمرافق المقيمين و المحرم ممنوع عن ذلك و لانه نوع نبات استفاد الا من بسبب الاحرام فيحرم التعرض له كالنوع الآخر و هو النبات الذي استفاد الا من بسبب الحرم فان قلم أظافير يد أو رجل من عذر و ضرورة فعليه دم لانه ارتفاق كامل فتكاملت الجناية فتجب كفارة كاملة و ان قلم أقل من يد أو رجل فعليه صدقة لكل ظفر نصف صاع و هذا قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر إذا قلم ثلاثة أظفار فعليه دم وجه قوله ان ثلاثة أظافير من اليد أكثرها و الاكثر يقوم مقام الكل في هذا الباب كما في حلق الرأس و لاصحابنا الثلاثة ان قلم ما دون اليد ليس بارتفاق كامل فلا يوجب كفارة كاملة و أما قوله الاكثر يقوم مقام الكل فنقول ان اليد الواحدة قد أقيمت مقام كل الاطراف في وجوب الدم و ما أقيم مقام الكل لا يقوم أكثره مقامه كما في الرأس أنه لما أقيم الربع فيه مقام الكل لا يقام أكثر الربع مقامه و هذا لانه لو أقيم أكثر ما أقيم مقام الكل مقامه لا قيم أكثر أكثره مقامه فيؤدى إلى إبطال التقدير أصلا و رأسا و هذا لا يجوز فان قلم خمسة أظافير من الاعضاء الاربعة متفرقة اليدين و الرجلين فعليه صدقة لكل ظفر نصف صاع في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و قال محمد عليه دم و كذلك لو قلم من كل عضو من الاعضاء الاربعة أربعة أظافير فعليه صدقة عندهما و ان كان يبلغ جملتها ستة عشر ظفرا و يجب في كل ظفر نصف صاع من بر الا إذا بلغت قيمة الطعام دما فينقص منه ما شاء و عند محمد عليه دم فمحمد اعتبر عدد الخمسة لا و لم يعتبر التفرق و الاجتماع و أبو حنيفة و أبو يوسف اعتبرا مع عدد الخمسة صفة الاجتماع و هو ان يكون من محل واحد وجه قول محمد ان قلم أظافير يد واحدة أو رجل واحدة انما أوجب الدم لكونها ربع الاعضاء المتفرقة و هذا المعنى يستوى فيه المجتمع و المتفرق ألا ترى أنهما استويا في الارش بان قطع خمسة أظافير متفرقة فكذا هذا و لهما أن الدم انما يجب بارتفاق كامل و لا يحصل ذلك بالقلم متفرقا لان ذلك شين و يصير مثلة فلا تجب به كفارة كاملة و يجب في كل ظفر نصف صاع من حنطة الا أن تبلغ قيمة الطعام دما فينقص منه ما شاء لانا انما لم نوجب عليه الدم لعدم تناهى الجناية لعدم ارتفاق كامل فلا يجب ان يبلغ قيمة الدم فان اختار الدم فله ذلك و ليس عليه غيره فان قلم خمسة أظافير من يد واحدة أو رجل واحدة و لم يكفر ثم قلم أظافير يده الاخرى أو رجله الاخرى فان كان في مجلس واحد فعليه دم واحد استحسانا و القياس ان يجب لكل واحد دم لما سنذكر ان شاء الله تعالى و ان كان في مجلسين فعليه دمان في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و قال محمد عليه دم واحد ما لم يكفر للاول و اجمعوا على انه لو قلم خمسة أظافير من يد واحدة أو رجل واحدة و حلق ربع رأسه و طيب عضوا واحدا ان عليه لكل جنس دما على حدة سواء كان في مجلس واحد أو في مجالس مختلفة و اجمعوا في كفارة الفطر على انه إذا جامع في اليوم الاول و أكل في اليوم الثاني و شرب في اليوم الثالث انه ان كفر للاول فعليه كفارة أخرى و ان لم يكفر للاول فعليه كفارة واحدة فابو حنيفة و أبو يوسف جعلا اختلاف المجلس كاختلاف الجنس و محمد جعل اختلاف المجلس كاتحاده عند اتفاق الجنس و على هذا إذا قطع أظافير اليدين و الرجلين انه ان كان في مجلس واحد يكفيه دم واحد استحسانا و القياس ان يجب عليه بقلم أظافير كل عضو من يد
فصل وأما الذى يرجع إلى الصيد
فصل وأما الذى يرجع إلى توابع الجماع
أو رجل دم و ان كان في مجلس واحد وجه القياس ان الدم انما يجب لحصول الارتفاق الكامل لان بذلك تتكامل الجناية فتتكامل الكفارة و قلم أظافير كل عضو ارتفاق على حدة فيستدعى كفارة على حدة وجه الاستحسان ان جنس الجناية واحد حظرها إحرام واحد بجهة متقومة فلا يوجب الا دما واحدا كما في حلق الرأس انه إذا حلق الربع يجب عليه دم و لو حلق الكل يجب عليه دم واحد لما قلنا كذا هذا و ان كان في مجالس مختلفة يجب لكل من ذلك كفارة في قول أبى حنيفة و أبى يوسف سواء كفر للاول أو لا و عند محمد ان لم يكفر للاول فعليه كفارة واحدة وجه قوله ان الكفارة تجب بهتك حرمة الاحرام و قد انهتك حرمته بقلم أظافير العضو الاول و هتك المهتوك لا يتصور فلا يلزمه كفارة أخرى و لهذا لا يجب كفارة أخرى بالافطار في يومين من رمضان لان وجوبها بهتك حرمة الشهر جبرا لها و قد انهتك بإفساد الصوم في اليوم الاول فلا يتصور هتكا بالافساد في اليوم الثاني و الثالث كذا هذا بخلاف ما إذا كفر للاول لانه انجبر الهتك بالكفارة و جعل كانه لم يكن فعادت حرمة الاحرام فإذا هتكها تحب كفارة أخرى جبرا لها كما في كفارة رمضان و لهما أن كفارة الاحرام تجب بالجناية على الاحرام و الاحرام قائم فكان كل فعل جناية على حدة على الاحرام فيستدعى كفارة على حدة الا أن عند اتحاد المجلس جعلت الجنايات المتعددة حقيقة متحدة حكما لان المجلس جعل في الشرع جامعا للافعال المختلفة كما في خيار المخيرة و سجدة التلاوة و الايجاب و القبول في البيع و غير ذلك فإذا اختلف المجلس اعطى لكل جناية حكم نفسها فيعتبر في الحكم المتعلق بها بخلاف كفارة الافطار لانها ما وجبت بالجناية على الصوم بل جبرا لهتك حرمة الشهر و حرمة الشهر واحدة لا تتجزأ أو قد انتهكت حرمته بالافطار الاول فلا يحتمل الهتك ثانيا و لو قلم أظافير يد لاذى في كفه فعليه أى الكفارات شاء لما ذكرنا أن ما حظره الاحرام إذا فعله المحرم عن ضرورة و عذر فكفارته أحد الاشياء الثلاثة و الله عز و جل أعلم و لو انكسر ظفر المحرم فانقطعت منه شظية فقلعها لم يكن عليه شيء إذا كان مما لا يثبت لانها كالزائدة و لانها خرجت عن احتمال النماء فاشبهت شجر الحرم إذا يبس فقطعه إنسان أنه لا ضمان عليه كذا هذا و ان قلم المحرم أظافير حلال أو محرم أو قلم الحلال أظافير محرم فحكمه حكم الحلق و قد ذكرنا ذلك كله و الله أعلم و الذكر و النسيان و الطوع و الكره في وجوب الفدية بالقلم سواء عندنا خلافا للشافعي و كذا يستوى فيه الرجل و المرأة و المفرد و القارن الا أن على القارن ضعف ما على المفرد لما ذكرنا و الله أعلم ( فصل )
و أما الذي يرجع إلى توابع الجماع فيجب على المحرم أن يجتنب الدواعي من التقبيل و اللمس بشهوة و المباشرة و الجماع فيما دون الفرج لقوله عز و جل فمن فرض فيهن الحج فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج قيل في بعض وجوه التأويل ان الرفث جميع حاجات الرجال إلى النساء و سئلت عائشة رضى الله تعالى عنها عما يحل للمحرم من إمرأته فقالت يحرم عليه كل شيء الا الكلام فان جامع فيما دون الفرج أنزل أو لم ينزل أو قبل أو لمس بشهوة أو بأشر فعليه دم لكن لا يفسد حجه اما عدم فساد الحج فلان ذلك حكم متعلق بالجماع في الفرج على طريق التغليظ و اما وجوب الدم فلحصول ارتفاق كامل مقصود و قد روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال إذا بأشر المحرم إمرأته فعليه دم و لم يرو عن غيره خلافه و سواء فعل ذاكرا أو ناسيا عندنا خلافا للشافعي و لو نظر إلى فرج إمرأته عن شهوة فأمنى فلا شيء عليه بخلاف المس عن شهوة انه يوجب الدم أمنى أو لم يمن و وجه الفرق ان اللمس استمتاع بالمرأة و قضاء للشهوة فكان ارتفاقا كاملا فأما النظر فليس من باب الاستمتاع و لا قضأ الشهوة بل هو سبب لزرع الشهوة في القلب و المحرم ممنوع عما يزرع الشهوة كالاكل و ذكر في الجامع الصغير إذا لمس بشهوة فامنى فعليه دم و قوله أمنى ليس على سبيل الشرط لانه ذكر في الاصل ان عليه دما أنزل أو لم ينزل ( فصل )
و أما الذي يرجع إلى الصيد فنقول لا يجوز للمحرم أن يتعرض لصيد البر المأكول و غير المأكول عندنا الا المؤذى المبتدئ بالاذى غالبا و الكلام في هذا الفصل يقع في مواضع في تفسير الصيد انه ما هو و فى بيان
أنواعه و فى بيان ما يحل اصطياده للمحرم و ما يحرم عليه و فى بيان حكم ما يحرم عليه اصطياده إذا اصطاده اما الاول فالصيد هو الممتنع المتوحش من الناس في أصل الخلقة اما بقوائمه أو بجناحه فلا يحرم على المحرم ذبح الابل و البقر و الغنم لانها ليست بصيد لعدم الامتناع و التوحش من الناس و كذا الدجاج و البط الذي يكون في المنازل و هو المسمى بالبط الكسكرى لانعدام معنى الصيد فيهما و هو الامتناع و التوحش فاما البط الذي يكون عند الناس و يطير فهو صيد لوجود معنى الصيد فيه و الحمام المسرول صيد و فيه الجزاء عند عامة العلماء و عند مالك ليس بصيد وجه قوله ان الصيد اسم للمتوحش و الحمام المسرول مستأنس فلا يكون صيدا كالدجاج و البط الذي يكون في المنازل و لنا ان جنس الحمام متوحش في أصل الخلقة و انما يستأنس البعض منه بالتولد و التأنيس مع بقائه صيدا كالظبية المستأنسة و النعامة المستأنسة و الطوطى و نحو ذلك حتى يجب فيه الجزاء و كذا المستأنس في الخلقة قد يصير مستوحشا كالأَبل إذا توحشت و ليس له حكم الصيد حتى لا يجب فيه الجزاء فعلم أن العبرة بالتوحش و الاستئناس في أصل الخلقة و جنس الحمام متوحش في أصل الخلقة و انما يستأنس البعض منه لعارض فكان صيدا بخلاف البط الذي يكون عند الناس في المنازل فان ذلك ليس من جنس المتوحش بل هو من جنس آخر و الكلب ليس بصيد لانه ليس بمتوحش بل هو مستأنس سواء كان أهليا أو وحشيا لان الكلب أهلى في الاصل لكن ربما يتوحش لعارض فاشبه الابل إذا توحشت و كذا السنور الاهلي ليس بصيد لانه مستأنس و أما البرى ففيه روايتان روى هشام عن أبى حنيفة ان فيه الجزاء و روى الحسن عنه انه لا شيء فيه كالاهلى وجه رواية هشام انه متوحش فاشبه الثعلب و نحوه وجه رواية الحسن ان جنس السنور مستأنس في أصل الخلقة و انما يتوحش البعض منه لعارض فاشبه البعير إذا توحش و لا بأس بقتل البرغوث و البعوض و النملة و الذباب و الحلم و القراد و الزنبور لانها ليست بصيد لانعدام التوحش و الامتناع الا ترى انها تطلب الانسان مع امتناعه منها و قد روى عن عمر رضى الله عنه انه كان يقرد بعيره و هو محرم و لان هذه الاشياء من المؤذيات المبتدئة بالاذى غالبا فالتحقت بالمؤذيات المنصوص عليها من الحية و العقرب و غيرهما و لا يقتل القملة لا لانها صيد بل لما فيها من ازالة التفت لانه متولد من البدن كالشعر و المحرم منهى عن ازالة التفث من بدنه فان قتلها تصدق بشيء كما لو أزال شعرة و لم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الصدقة و روى الحسن عن أبى حنيفة انه قال إذا قتل المحرم قملة أو ألقاها أطعم كسرة و ان كانتا اثنتين أو ثلاثا أطعم قبضة من الطعام و ان كانت كبيرة أطعم نصف صاع و كذا لا يقتل الجرادة لانها صيد البر اما كونه صيدا فلانه متوحش في أصل الخلقة و اما كونه صيد البر فلان توالده في البر و لذا لا يعيش الا في البر حتى لو وقع في الماء يموت فان قتلها تصدق بشيء من الطعام و قد روى عن عمر انه قال تمرة خير من جرادة و لا بأس له بقتل هوام الارض من الفأرة و الحية و العقرب و الخنافس و الجعلان وأم حنين و صياح الليل و الصرصر و نحوها لانها ليست بصيد بل من حشرات الارض و كذا القنفذ و ابن عرس لانهما من الهوام حتى قال أبو يوسف ابن عرس من سباع الهوام و الهوام ليست بصيد لانها لا تتوحش من الناس و قال أبو يوسف في القنفذ الجزاء لانه من جنس المتوحش و لا يبتدئ بالاذى ( فصل )
و أما بيان أنواعه و بيان ما يحل للمحرم اصطياده و ما يحرم عليه من كل نوع فنقول و بالله التوفيق الصيد في الاصل نوعان بري و بحرى فالبحرى هو الذي توالده في البحر سواء كان لا يعيش الا في البحر أو يعيش في البحر و البر و البرى ما يكون توالدة في البر سواء كان لا يعيش الا في البر أو يعيش في البر و البحر فالعبرة للتوالد اما صيد البحر فيحل اصطياده للحلال و المحرم جميعا مأكولا كان أو مأكول لقوله تعالى أحل لكم صيد البحر و طعامه متاعا لكم و للسيارة و المراد منه اصطياد ما في البحر لان الصيد مصدر يقال صاد يصيد صيدا و استعماله في المصيد مجاز و الكلام بحقيقته إباحة اصطياد ما في البحر عاما و أما صيد البر فنوعان مأكول و غير مأكول اما المأكول فلا يحل للمحرم اصطياده نحو الظبي و الارنب و حمار الوحش و بقر الوحش و الطيور التي
يؤكل لحومها برية كانت أو بحرية لان الطيور كلها برية لان توالدها في البر و انما يدخل بعضها في البحر لطلب الرزق و الاصل فيه قوله تعالى و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما و قوله تعالى لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم ظاهر الآيتين يقتضى تحريم صيد البر للمحرم عاما أو مطلقا الا ما خص أو قيد بدليل و قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم و رماحكم و المراد منه الابتلاء بالنهى بقوله تعالى في سياق الآية فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم أى اعتدى بالاصطياد بعد تحريمه و المراد منه صيد البر لان صيد البحر مباح بقوله تعالى أحل لكم صيد البحر و كذا لا يحل له الدلالة عليه و الاشارة اليه بقوله صلى الله عليه و سلم الدال على الخير كفاعله و الدال على الشر كفاعله و لان الدلالة و الاشارة سبب إلى القتل و تحريم الشيء تحريم لا سبابه و كذا لا يحل له الاعانة على قتله لان الاعانة فوق الدلالة و الاشارة و تحريم الادنى تحريم الاعلى من طريق الاولى كالتأفيف مع الضرب و الشتم و أما المأكول فنوعان نوع يكون مؤذيا طبعا مبتدئا بالاذى غالبا و نوع لا يبتدئ بالاذى غالبا اما الذي يبتدئ بالاذى غالبا فللمحرم أن يقتله و لا شيء عليه و ذلك نحو الاسد و الذئب و النمر و الفهد لان دفع الاذى من سبب موجب للاذى واجب فضلا عن الاباحة و لهذا اباح رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل الخمس الفواسق للمحرم في الحل و الحرم بقوله صلى الله عليه و سلم خمس من الفواسق يقتلهن المحرم في الحل و الحرم الحية و العقرب و الفأرة و الكلب العقور و الغراب و روى و الحدأة و روى عن ابن عمر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال خمس يقتلهن المحل و المحرم في الحل و الحرم الحدأة و الغراب و العقرب و الفأرة و الكلب العقور و روى عن عائشة رضى الله عنها قالت أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقتل خمس فواسق في الحل و الحرم الحدأة و الفأرة و الغراب و العقرب و الكلب العقور و علة الاباحة فيها هى الابتداء بالاذى و العدو على الناس غالبا فان من عادة الحدأة ان تغير على اللحم و الكرش و العقرب تقصد من تلذغه و تتبع حسه و كذا الحية و الغراب يقع على دبر البعير و صاحبه قريب منه و الفأرة تسرق أموال الناس و الكلب العقور من شأنه العدو على الناس و عقرهم ابتداء من حيث الغالب و لا يكاد يهرب من بني آدم و هذا المعنى موجود في الاسد و الذئب و الفهد و النمر فكان ورود النص في تلك الاشياء ورودا في هذه دلالة قال أبو يوسف الغراب المذكور في الحديث هو الغراب الذي يأكل الجيف أو يخلط مع الجيف اذ هذا النوع هو الذي يبتدئ بالاذى و العقعق ليس في معناه لانه لا يأكل الجيف و لا يبتدئ بالاذى و أما الذي لا يبتدئ بالاذى غالبا كالضبع و الثعلب و غيرهما فله أن يقتله ان عدى عليه و لا شيء عليه إذا قتله و هذا قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر يلزمه الجزاء وجه قوله ان المحرم للقتل قائم و هو الاحرام فلو سقطت الحرمة انما تسقط بفعله و فعل العجماء جبار فبقى محرم القتل كما كان كالجمل الصؤل إذا قتله إنسان انه يضمن لما قلنا كذا هذا و لنا انه لما عدا عليه و ابتدأه بالاذى التحق بالمؤذيات طبعا فسقطت عصمته و قد روى عن عمر رضى الله عنه انه ابتدأ قتل ضبع فادى جزاءها و قال انا ابتدأناها فتعليله بابتدائه قتله اشارة إلى أنها لو ابتدأت لا يلزمه الجزاء و قوله الاحرام قائم مسلم لكن أثره في أن لا يتعرض للصيد لا في وجوب تحمل الاذى بل يجب عليه دفع الاذى لانه من صيانة نفسه عن الهلاك و انه واجب فسقطت عصمته في حال الاذى فلم يجب الجزاء بخلاف الجمل الصائل لان عصمته ثبتت حقا لمالكه و لم يوجد منه ما يسقط العصمة فيضمن القاتل و ان لم يعد عليه لا يباح له أن يبتدئه بالقتل و ان قتله ابتداء فعليه الجزاء عندنا و عند الشافعي يباح له قتله ابتداء و لا جزاء عليه إذا قتله وجه قوله ان النبي صلى الله عليه و سلم اباح للمحرم قتل خمس من الدواب و هي لا يؤكل لحمها و الضبع و الثعلب ما لا يؤكل لحمه فكان ورود النص هناك ورودا ههنا و لنا قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم و قوله و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما و قوله يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم و رماحكم عاما أو مطلقا من فصل بين المأكول و غيره و اسم الصيد يقع على المأكول و غير المأكول لوجود حد الصيد فيهما جميعا و الدليل عليه قول الشاعر
فصل وأما بيان حكم ما يحرم على المحرم
صيد الملوك أرانب و ثعالب و إذا ركبت فصيدى الابطال أطلق اسم الصيد على الثعلب الا انه خص منها الصيد العادي المبتدئ بالاذى غالبا أو قيدت بدليل فمن ادعى تخصيص غيره أو التقييد فعليه الدليل و قد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال الضبع صيد و فيه شاة إذا قتله المحرم و عن عمر و ابن عباس رضى الله عنهما انهما أو جبا في قتل المحرم الضبع جزاء و عن على رضى الله عنه انه قال في الضبع إذا عدا على المحرم فليقتله فان قتله قبل أن يعدو عليه فعليه شاة مسنة و لا حجة للشافعي في حديث الخمس الفواسق لانه ليس فيه أن إباحة قتلهن لاجل انه لا يؤكل لحمها بل فيه اشارة إلى ان علة الاباحة فيها الابتداء بالاذى غالبا و لا يوجد ذلك في الضبع و الثعلب بل من عادتهما الهرب من بني آدم و لا يؤذيان أحدا حتى يبتدئهما بالاذى فلم توجد علة الاباحة فيهما فلم تثبت الاباحة و على هذا الخلاف الضب و اليربوع و السمور و الدلف و القرد و الفيل و الخنزير لانها صيد لوجود معنى الصيد فيها و هو الامتناع و التوحش و لا تبتدي بالاذى غالبا فتدخل تحت ما تلونا من الآيات الكريمة و قال زفر في الخنزير انه لا يجب الجزاء فيه لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال بعثت بكسر المعازف و قتل الخنازير ندبنا صلى الله عليه و سلم إلى قتله و الندب فوق الاباحة فلا يتعلق به الجزاء و الحديث محمول على حال الاحرام أو على حال العدو و الابتداء بالاذى حملا لخبر الواحد على موافقة الكتاب العزيز و على هذا الاختلاف سباع الطير و الله أعلم ( فصل )
و أما بيان حكم ما يحرم على المحرم اصطياده إذا اصطاده فالأَمر لا يخلو اما ان قتل الصيد و اما ان جرحه و اما ان أخذه فلم يقتله و لم يجرحه فان قتله فالقتل لا يخلو اما ان يكون مباشرة أو تسيبا فان كان مباشرة فعليه قيمة الصيد المقتول يقومه ذوا عدل لهما بصارة بقيمة الصيود فيقومانه في المكان الذي أصابه ان كان موضعا تباع فيه الصيود و ان كان في مفازة يقومانه في أقرب الاماكن من العمران اليه فان بلغت قيمته ثمن هدى فالقاتل بالخيار ان شاء أهدى و ان شاء أطعم و ان شاء صام و ان لم يبلغ قيمته ثمن هدى فهو بالخيار بين الطعام و الصيام سواء كان الصيد مما له نظير أو كان مما لا نظير له و هذا قول أبى حنيفة و أبى يوسف و حكى الطحاوي قول محمد ان الخيار للحكمين ان شا آحكما عليه هديا و ان شا آطعاما و ان شا آصياما فان حكما عليه هديا نظر القاتل إلى نظيره من النعم من حيث الخلقة و الصورة ان كان الصيد مما له نظير سواء كان قيمة نظيره مثل قيمته أو أقل أو أكثر لا ينظر إلى القيمة بل إلى الصورة و الهيئة فيجب في الظبي شاة و فى الضبع شاة و فى حمار الوحش بقرة و فى النعامة بعير و فى الارنب عناق و فى اليربوع جفرة و ان لم يكن له نظير مما في ذبحه قربة كالحمام و العصفور و سائر الطيور تعتبر قيمته كما قال أبو حنيفة و أبو يوسف و محمد و حكى الكرخي قول محمد ان الخيار للقاتل عنده أيضا انه ان اختار الهدى لا يجوز له الا إخراج النظير فيما له نظير و عند الشافعي يجب عليه بقتل ماله نظيرا لنظير ابتداء من اختيار أحد و له ان يطعم و يكون الاطعام بدلا عن النظير لا عن الصيد فيقع الكلام في موجب قتل صيد له نظير في مواضع منها انه يجب على القاتل قيمته في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و لا يجب عند محمد و الشافعي و الاصل فيه قوله عز و جل و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم أى فعليه جزاء مثل ما قتل أوجب الله تعالى على القاتل جزاء مثل ما قتل و اختلف الفقهاء في المراد من المثل المذكور في الآية الشريفة قال أبو حنيفة و أبو يوسف المراد منه المثل من حيث المعنى و هو القيمة و قال محمد و الشافعي المراد منه المثل من حيث الصورة و الهيئة وجه قولهما ان الله تعالى أوجب على القاتل جزاء من النعم و هو مثل ما قتل من النعم لانه ذكر المثل ثم فسره بالنعم بقوله عز و جل من النعم و من ههنا لتمييز الجنس فصار تقدير الآية الشريفة و من قتله منكم متعمدا فجزاء من النعم و هو مثل المقتول و هو ان يكون مثله في الخلقة و الصورة و روى ان جماعة من الصحابة رضى الله عنهم منهم عمر رضى الله عنه أوجبوا في النعامة بدنة و فى الظبية شاة و فى الارنب عناقا و هم كانوا أعرف بمعاني كتاب الله تعالى و لابي حنيفة و أبى يوسف وجوه من الاستدلال بهذه الآية أولها ان الله عز و جل نهى المحرمين عن قتل الصيد عاما لانه تعالى
ذكر الصيد بالالف و اللام بقوله عز و جل لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم و الالف و اللام لاستغراق الجنس خصوصا عند عدم المعهود ثم قال تعالى و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل و الهاء كناية راجعة إلى الصيد الموجد من اللفظ المعرف بلام التعريف فقد أوجب سبحانه و تعالى بقتل الصيد مثلا يعم ماله نظير و ما لا نظير له و ذلك هو المثل من حيث المعنى و هو القيمة لا المثل من حيث الخلقة و الصورة لان ذلك لا يجب في صيد لا نظير له بل الواجب فيه المثل من حيث المعنى و هو القيمة بلا خلاف فكان صرف المثل المذكور بقتل الصيد على العموم اليه تخصيصا لبعض ما تناوله عموم الآية و العمل بعموم اللفظ واجب ما أمكن و لا يجوز تخصيصه الا بدليل و الثاني ان مطلق اسم المثل ينصرف إلى ما عرف مثلا في أصول الشرع و المثل المتعارف في أصول الشرع هو المثل من حيث الصورة و المعنى أو من حيث المعنى و هو القيمة كما في ضمان المتلفات فان من أتلف على آخر حنطة يلزمه حنطة و من أتلف عليه عرضا تلزمه القيمة فاما المثل من حيث الصورة و الهيئة فلا نظير له في أصول الشرع فعند الاطلاق ينصرف إلى المتعارف لا الي غيره و الثالث انه سبحانه و تعالى ذكر المثل منكرا في موضع الاثبات فيتناول واحدا و أنه اسم مشترك يقع على المثل من حيث المعنى و يقع على المثل من حيث الصورة فالمثل من حيث المعنى براد من الآية فيما لا نظير له فلا يكون الآخر مرادا اذ المشترك في موضع الاثبات لا عموم له و الرابع ان الله تعالى ذكر عدالة الحكمين و معلوم ان العدالة انما تشترط فيما يحتاج فيه إلى النظر و التأمل و ذلك في المثل من حيث المعنى و هو القيمة لان بها تحقق الصيانة عن الغلو والتقصر و تقرير الامر على الوسط فاما الصورة فمشابهة لا تفتقر إلى العدالة و اما قوله تعالى من النعم فلا نسلم ان قوله تعالى من النعم خرج تفسيرا للمثل و بيانه من وجهين أحدهما ان قوله فجزاء مثل ما قتل كلام تام بنفسه مفيد بذاته من وصلة بغيره لكونه مبتدأ و خبرا و قوله من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة يمكن استعماله على وجه التفسير للمثل لانه كما يرجع إلى الحكمين في تقويم الصيد المتلف يرجع إليهما في تقويم الهدى الذي يوجد بذلك القدر من القيمة فلا يجعل قوله مثل ما قتل مربوطا بقوله عز و جل من النعم مع استغناء الكلام عنه هذا هو الاصل الا إذا قام دليل زائد يوجب الربط بغيره و الثاني أنه وصل قوله من النعم بقوله يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة و قوله عز و جل أو كفارة طعام مساكين و قوله عز و جل أو عدل ذلك صياما جعل الجزاء أحد الاشياء الثلاثة لانه أدخل حرف التخيير بين الهدى و الاطعام و بين الطعام و الصيام فلو كان قوله من النعم تفسيرا للمثل لكان الطعام و الصيام مثلا لدخول حرف أو بينهما و بين النعم اذ لا فرق بين التقديم و التأخير في الذكر بأن قال تعالى فجزاء مثل ما قتل طعاما أو صياما أو من النعم هديا لان التقديم في التلاوة لا يوجب التقديم في المعنى و لما لم يكن الطعام و الصيام مثلا للمقتول دل أن ذكر النعم لم يخرج مخرج التفسير للمثل بل هو كلام مبتدأ موصول المراد بالاول و قول جماعة الصحابة رضى الله عنهم محمول على الايجاب من حيث القيمة توفيقا بين الدلائل مع ما ان المسألة مختلفة بين الصحابة رضى الله عنهم روى عن ابن عباس مثل مذهب أبى حنيفة و أبى يوسف فلا يحتج بقول البعض على البعض و على هذا ينبنى اعتبار مكان الاصابة في التقويم عندهما لان الواجب على القائل القيمة و انها تختلف باختلاف المكان و عند محمد و الشافعي الواجب هو النظير اما بحكم الحكمين أو ابتداء فلا يعتبر فيه المكان و قال الشافعي يقوم بمكة أو بمنى و انه سديد لان العبرة في قيم المستهلكات في أصول الشرع مواضع الاستهلاك كما في استهلاك سائر الاموال و منها أن الطعام بدل عن الصيد عندنا فيقوم الصيد بالدراهم و يشترى بالدراهم طعاما و هو مذهب ابن عباس و جماعة من التابعين و عن ابن عباس رواية أخرى أن الطعام بدل عن الهدى فيقوى الهدى بالدراهم ثم يشترى بقيمة الهدى طعاما و هو قول الشافعي و الصحيح قولنا لان الله تعالى جعل جميع ذلك جزاء الصيد بقوله عز و جل فجزاء مثل ما قتل من النعم إلى قوله أو كفارة طعام مساكين فلما كان الهدى من حيث كونه جزاء معتبرا بالصيد اما في قيمته أو نظيره على اختلاف القولين كان الطعام مثله و لان فيما لا مثل له من النعم اعتبار الطعام بقيمة الصيد
بلا خلاف فكذا فيما له مثل لان الآية عامة منتظمة للامرين جميعا و منها ان كفارة جزاء الصيد على التخيير كذا روى عن ابن عباس رضى الله عنهما و هو مذهب جماعة من التابعين مثل عطاء و الحسن و إبراهيم و هو قول أصحابنا و عن ابن عباس رواية أخرى انه على ترتيب الهدى ثم الاطعام ثم الصيام حتى لو وجد الهدى لا يجوز الطعام و لو وجد الهدى أو الطعام لا يجوز الصيام كما في كفارة الظهار و الافطار انها على الترتيب دون التخيير و احتج من اعتبر الترتيب بما روى أن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم حكموا في الضبع بشاة و لم يذكروا غيره فدل ان الواجب على الترتيب و لنا ان الله تعالى ذكر حرف أو في ابتداء الايجاب و حرف أو إذا ذكر في ابتداء الايجاب يراد به التخيير لا الترتيب كما في قوله عز و جل في كفارة اليمين فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة و قوله تعالى في كفارة الحلق ففدية من صيام أو صدقة أو نسك و غير ذلك هذا هو الحقيقة الا في موضع قام الدليل بخلافها كما في آية المحاربين انه ذكر فيها أو على إرادة الواو و من ادعى خلاف الحقيقة ههنا فعليها الدليل ثم إذا اختار الهدى فان بلغت قيمة الصيد بدنة نحرها و ان لم تبلغ بدنة و بلغت بقرة ذبحها و ان لم تبلغ بقرة و بلغت شاة ذبحها و ان اشترى بقيمة الصيد إذا بلغت بدنة أو بقرة سبع شياه و ذبحها أجزأه فان اختار شراء الهدى و فضل من قيمة الصيد فان بلغ هديين أو أكثر اشترى و ان كان لا يبلغ هديا فهو بالخيار ان شاء صرف الفاضل الي الطعام و ان شاء صام كما في صيد الصغير الذي لا تبلغ قيمته هديا و قد اختلف في السن الذي يجوز في جزاء الصيد قال أبو حنيفة لا يجوز الا ما يجوز في الاضحية و هدى المتعة و القران و الاحصار و قال أبو يوسف و محمد تجوز الجفرة و العناق على قدر الصيد و احتجا بما روى عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم أنهم أوجبوا في اليربوع جفرة و فى الارنب عناقا و لابي حنيفة أن إطلاق الهدى ينصرف إلى ما ينصرف اليه سائر الهدايا المطلقة في القرآن فلا يجوز دون السن الذي يجزى في سائر الهدايا و ما روى عن جماعة من الصحابة حكاية حال لا عموم له فيحمل على انه كان على طريق القيمة على ان ابن عباس رضى الله عنهما يخالفهم فلا يقبل قول بعضهم على بعض الا عند قيام دليل الترجيح ثم اسم الهدى يقع على الابل و البقر و الغنم على ما بينا فيما تقدم و لا يجوز ذبح الهدى الا في الحرم لقوله تعالى هديا بالغ الكعبة و لو جاز ذبحه في الحرم لم يكن لذكر بلوغه الكعبة معنى و ليس المراد منه بلوغ عين الكعبة بل بلوغ قربها و هو الحرم و دلت الآية الكريمة على ان من حلف لا يمر على باب الكعبة أو المسجد الحرام فمر بقرب بابه حنث و هو كقوله تعالي فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا و المراد منه الحرم لانهم منعوا بهذه الآية الكريمة عن دخول الحرم و عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال الحرم كله مسجد و لان الهدى اسم لما يهدى إلى مكان الهدايا أى ينقل إليها و مكان الهدايا الحرم لقوله تعالى ثم محلها إلى البيت العتيق و المراد منه الحرم و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال منى كلها منحر و فجاج مكة كلها منحر و لو ذبح في الحل لا يسقط عنه الجزاء بالذبح الا أن يتصدق بلحمه على الفقراء على كل فقير قيمة نصف صاع من بر فيجزئه على طريق البدل عن الطعام و إذا ذبح الهدى في الحرم سقط الجزاء عنه بنفس الذبح حتى لو هلك أو سرق أو ضاع بوجه من الوجوه خرج عن العهدة لان الواجب هو اراقة الدم و ان اختار الطعام اشترى بقيمة الصيد طعاما فأطعم كل مسكين نصف صاع من بر و لا يجزيه أقل من ذلك كما في كفارة اليمين و فدية الاذى و يجوز الاطعام في الاماكن كلها عندنا و عند الشافعي لا يجوز الا في الحرم كما لا يجوز الذبح الا في الحرم توسعة على أهل الحرم و لنا أن قوله تعالى أو كفارة طعام مساكين مطلق عن المكان و قياس الطعام على الذبح بمعنى التوسعة على أهل الحرم قد أبطلناه فيما تقدم و لان الاراقة لم تعقل قربة بنفسها و انما عرفت قربة بالشرع و الشرع ورد بها في مكان مخصوص أو زمان مخصوص فيتبع مورد الشرع فيتقيد كونها قربة بالمكان الذي ورد الشرع بكونها قربة فيه و هو الحرم فاما الاطعام فيعقل قربة بنفسه لانه من باب الاحسان إلى المحتاجين فلا يتقيد كونه قربة بمكان كمالا يتقيد بزمان و تجوز فيه الاباحة و التمليك لما نذكره في كتاب الكفارات و لا
يجوز للقاتل أن يأكل شيأ من لحم الهدى و لو أكل شيأ منه فعليه قيمة ما أكل و لا يجوز دفعه و دفع الطعام إلى ولده و ولد ولده و ان سفلوا و لا إلى والده و والد والده و ان علوا كما لا تجوز الزكاة و يجوز دفعه إلى أهل الذمة في قول أبى حنيفة و محمد و لا يجوز في قول أبى يوسف كما في صدقة الفطر و الصدقة المنذور بها على ما ذكرنا في كتاب الزكاة و ان اختار الصيام اشترى بقيمة الصيد طعاما و صام لكل نصف صاع من بر يوما عندنا و هو قول ابن عباس و جماعة من التابعين مثل إبراهيم و عطاء و مجاهد و قال الشافعي يصوم لكل مد يوما و الصحيح قولنا لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال يصوم عن كل نصف صاع يوما و مثل هذا لا يعرف بالاجتهاد فتعين السماع من رسول الله صلى الله عليه و سلم فان فضل من الطعام أقل من نصف صاع فهو بالخيار ان شاء تصدق به و ان شاء صام عنه يوما لان صوم بعض يوم لا يجوز و يجوز الصوم في الايام كلها بلا خلاف و يجوز متتابعا و متفرقا لقوله تعالى أو عدل ذلك صياما مطلقا عن المكان وصفة التتابع و التفرق و سواء كان الصيد مما يؤكل لحمه أو مما لا يؤكل لحمه عندنا بعد ان كان محرما و الاصطياد على المحرم كالضبع و الثعلب و سباع الطير و ينظر إلى قيمته لو كان مأكول اللحم لعموم قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم أنه لا يجاوز به دما في ظاهر الرواية و ذكر الكرخي أنه لا يبلغ دما بل ينقص من ذلك بخلاف مأكول اللحم فانه تجب قيمته بالغة ما بلغت و ان بلغت قيمته هديين أو أكثر و قال زفر تجب قيمته بالغة ما بلغت كما في مأكول اللحم وجه قوله أن هذا المصيد مضمون بالقيمة و المضمون بالقيمة يعتبر كمال قيمته كالمأكول و لنا أن هذا المضمون انما يجب بقتله من حيث انه صيد و من حيث انه صيد لا تزيد قيمة لحمه على لحم الشاة بحال بل لحم الشاة يكون خيرا منه بكثير فلا يجاوز به دما بل ينقص منه كما ذكره الكرخي و لانه جزاء وجب بإتلاف ما ليس بمال فلا يجاوز به دما كحلق الشعر وقص الاظفار و قد خرج الجواب عما ذكره زفر و يستوى في وجوب الجزاء بقتل الصيد المبتدئ و العائد و هو ان يقتل صيدا ثم يعود و يقتل آخر و ثم و ثم أنه يجب لكل صيد جزاء على حدة و هذا قول عامة العلماء و عامة الصحابة رضى الله عنهم و عن ابن عباس أنه لا جزاء على العائد و هو قول الحسن و شريح و إبراهيم و احتجوا بقوله تعالى و من عاد فينتقم الله منه جعل جزاء العائد الانتقام في الآخرة فتنتفى الكفارة في الدنيا و لنا ان قوله تعالي و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من العم يتناول القتل في كل مرة فيقتضى وجوب الجزاء في كل مرة كما في قوله تعالي و من قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله و نحو ذلك و أما قوله تعالى و من عاد فينتقم الله منه فيه ان الله تعالى ينتقم من العائد و ليس فيه ان ينتقم منه بماذا فيحتمل انه ينتقم منه بالكفارة كذا قال بعض أهل التأويل فينتقم الله منه بالكفارة في الدنيا أو بالعذاب في الآخرة على ان الوعيد في الآخرة لا ينفى وجوب الجزاء في الدنيا كما أن الله تعالى جعل حد المحاربين لله و رسوله جزاء لهم في الدنيا بقوله انما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا الآية ثم قال عز و جل في آخرها ذلك لهم خزى في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم و منهم من صرف تأويل الآية الكريمة إلى استحلال الصيد فقال الله عز و جل عفا الله عما سلف في الجاهلية من استحلالهم الصيد إذا تاب و رجع عما استحل من قتل الصيد و من عاد إلى الاستحلال فينتقم الله منه بالنار في الآخرة و به نقول هذا إذا لم يكن قتل الثاني و الثالث على وجه الرفض و الاحلال فاما إذا كان على وجه الرفض و الاحلال لاحرامه فعليه جزاء واحد استحسانا و القياس ان يلزمه لكل واحد منهما دم لان الموجود ليس الا نية الرفض و نية الرفض لا يتعلق بها حكم لانه لا يصير حلالا بذلك فكان وجودها و العدم بمنزلة واحدة الا انهم استحسنوا و قالوا لا يجب الا جزاء واحد لان الكل وقع على وجه واحد فاشبه الايلاجات في الجماع و يستوى فيه العمد و الخطأ و الذكر و النسيان عند عامة العلماء و عامة الصحابة رضى الله عنهم و عن ابن عباس رضى الله عنهما انه لا كفارة على الخاطئ و قال الشافعي لا كفارة على الخاطئ و الناسى و الكلام في المسألة بناء و ابتداء أما البناء فما ذكرنا فيما تقدم ان الكفارة انما تجب
بارتكاب محظور الاحرام و الجناية عليه ثم زعم الشافعي ان فعل الخاطئ و الناسى لا يوصف بالجناية و الحظر لان فعل الخطأ و النسيان مما لا يمكن التحرز عنه فكان عذرا و قلنا نحن ان فعل الخاطئ و الناسى جناية و حرام لان فعلهما جائز المؤاخذة عليه عقلا و انما رفعت المؤاخذة عليه شرعا مع بقاء وصف الحظر و الحرمة فأمكن القول بوجوب الكفارة و كذا التحرز عنهما ممكن في الجملة اذ لا يقع الانسان في الخطأ و السهو الا لنوع تقصير منه فلم يكن عذرا منه و لهذا لم يعذر الناسي في باب الصلاة الا أنه جعل عذرا في باب الصوم لانه يغلب وجوده فكان في وجوب القضاء حرج و لا يغلب في باب الحج لان أحوال الاحرام مذكرة فكان النسيان معها نادرا على أن العذر في هذا الباب لا يمنع وجوب الجزاء كما في كفارة الحلق لمرض أو أذى بالرأس و كذا فوات الحج لا يختلف حكمه للعذر و عدم العذر و أما الابتداء فاحتج بقوله عز و جل و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم خص المتعمد بإيجاب الجزاء عليه فلو شاركه الخاطئ و الناسى في الوجوب لم يكن للتخصيص معنى و لنا وجوه من الاستدلال بالعمد أحدها أن الكفارات وجبت رافعة للجناية و لهذا سماه الله تعالى كفارة بقوله عز و جل أو كفارة طعام مساكين و قد وجدت الجناية على الاحرام في الخطأ الا ترى ان الله عز و جل سمى الكفارة في القتل الخطأ توبة بقوله تعالى في آخر الآية توبة من الله و لا توبة الا من الجناية و الحاجة إلى رفع الجناية موجودة و الكفارة صالحة لرفعها لانها ترفع أعلى الجنايتين و هي العمد و ما صلح رافعا لاعلى الذنبين يصلح رافعا لادناهما بخلاف قتل الآدمى عمدا أنه لا يوجب الكفارة عندنا و الخطأ يوجب لان النقص هناك وجب ورد بإيجاب الكفارة في الخطأ و ذنب الخطأ دون ذنب العمد و ما يصلح لرفع الادنى لا يصلح لرفع الاعلى فامتنع الوجوب من طريق الاستدلال لانعدام طريقه و الثاني أن المحرم بالاحرام أمن الصيد عن التعرض و التزم ترك التعرض له فصار الصيد كالأَمانة عنده و كل ذي أمانة إذا اتعف الامانة يلزمه الغرم عمدا كان أو خطأ بخلاف قتل النفس عمدا لان النفس محفوظة بصاحبها و ليست بأمانة عند القاتل حتى يستوى حكم العمد و الخطأ في التعرض لها و الثالث ان الله تعالى ذكر التخيير في حال العمد و موضوع التخيير في حال الضرورة لانه في التوسع و ذا في حال الضرورة كالتخيير في الحلق لمن به مرض أو به أذى من رأسه بقوله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك و لا ضرورة في حال العمد فعلم أن ذكر التخيير فيه لتقدير الحكم به في حال الضرورة لولاه لما ذكر التخيير فكان إيجاب الجزاء في حال العمد إيجابا في حال الخطأ و لهذا كان ذكر التخيير الموضوع للتخفيف و التوسع في كفارة اليمين بين الاشياء الثلاثة حالة العمد ذكرا في حالة الخطا والنوم و الجنون دلالة و أما تخصيص العامد فقد عرف من أصلنا أنه ليس في ذكر حكمه و بيانه في حال دليل نفيه في حال أخرى فكان تمسكا بالمسكوت فلا يصح و يحتمل أن يكون تخصيص العامد لعظم ذنبه تنبيها على الايجاب على من قصر ذنبه عنه من الخاطئ و الناسى من طريق الاولى لان الواجب لما رفع أعلى الذنبين فلان يرفع الادنى أولى و على هذا كانت الآية حجة عليه و الله أعلم و يستوى في وجوب كمال الجزاء بقتل الصيد حال الانفراد و الاجتماع عندنا حتى لو اشترك جماعة من المحرمين في قتل صيد يجب على كل واحد منهم جزاء كامل عند أصحابنا و عند الشافعي يجب عليهم جزاء واحد وجه قوله أن المقتول واحد فلا يضمن الا بجزاء واحد كما إذا قتل جماعة رجلا واحدا خطا انه لا تجب عليهم الا دية واحدة و كذا جماعة من المحللين إذا قتلوا صيدا واحدا في الحرم لا يجب عليهم الا قيمة واحدة كذا هذا و لنا قوله تعالي و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم و كلمة من تتناول كل واحد من القاتلين على حياله كما في قوله عز و جل و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم و قوله تعالى و من يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا و قوله عز و جل و من يكفر بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و أقرب المواضع قوله عز و جل و من قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة حتى يجب على كل واحد من القاتلين خطأ كفارة على حدة و لا تلزمه الدية انه لا يجب عليهم الا دية واحدة لان ظاهر اللفظ و عمومه يقتضى وجوب الدية على كل واحد منهم و انما عرفنا وجوب دية واحدة بالاجماع و قد ترك ظاهر اللفظ بدليل
و الشافعي نظر إلى المحل فقال المحل و هو المقتول متحد فلا يجب الا ضمان واحد و أصحابنا نظروا إلى الفعل فقالوا الفعل متعدد فيتعدد الجزاء و نظرنا أقوى لان الواجب جزاء الفعل لان الله تعالى سماه جزاء بقوله فجزاء مثل ما قتل من النعم و الجزاء يقابل الفعل لا المحل و كذا سمى الواجب كفارة بقوله عز و جل أو كفارة طعام مساكين و الكفارة جزاء الجناية بخلاف الدية فانها بدل المحل فتتحد باتحاد المحل و تتعدد بتعدده و هو الجواب عن صيد الحرم لان ضمانه يشبه ضمان الاموال لانها تجب بالجناية على الحرم و الحرم واحد فلا تجب الا قيمة واحدة و لو قتل صيدا معلما كالبازى و الشاهين و الصقر و الحمام الذي يجئ من مواضع بعيدة و نحو ذلك يجب عليه قيمتان قيمته معلما لصاحبه بالغة ما بلغت و قيمته معلم حقا لله لانه جنى على حقين حق الله تعالى و حق العبد و التعليم وصف مرغوب فيه في حق العباد لانهم ينتفعون بذلك و الله عز و جل يتعالى عن أن ينتفع بشيء و لان الضمان الذي هو حق الله تعالى يتعلق بكونه صيدا و كونه معلما وصف زائد على كونه صيدا فلا يعتبر ذلك في وجوب الجزاء و قد قالوا في الحمامة المصوتة انه يضمن قيمتها مصوتة في رواية و فى رواية مصوتة وجه الرواية الاولى ان كونها مصوتة من باب الحسن و الملاحة و الصيد مضمون بذلك كما لو قتل صيدا حسنا مليحا له زيادة قيمة تجب قيمته على تلك الصفة و كما لو قتل حمامة مطوقة أو فاختة مطوقة وجه الرواية الاخرى على نحو ما ذكرنا ان كونها مصوتة لا يرجع إلى كونه صيدا فلا يلزم المحرم ضمان ذلك و هذا يشكل بالمطوقة و الصيد الحسن المليح و لو أخذ بيض صيد فشواه أو كسره فعليه قيمته يتصدق به لما روى عن الصحابة رضى الله عنهم انهم حكموا في بيض النعامة بقيمته و لانه أصل الصيد اذ الصيد يتولد منه فيعطى له حكم الصيد احتياطا فان شوى بيضا أو جرادا فضمنه لا يحرم أكله و لو أكله أو غيره حلالا كان أو محرما لا يلزمه شيء بخلاف الصيد الذي قتله المحرم انه لا يحل أكله و لو أكل المحرم الصائد منه بعد ما أدى جزاءه يلزمه قيمة ما أكل في قول أبى حنيفة لان الحرمة هناك لكونه ميتة لعدم الذكاة لخروجه عن أهلية الذكاة و الحرمة ههنا ليست لمكان كونه ميتة لانه لا يحتاج إلى الذكاة فصار كالمجوسي إذا شوى بيضا أو جرادا انه يحل أكله كذا هذا فان كسر البيض فخرج منه فرخ ميت فعليه قيمته حيا يؤخذ فيه بالثقة و قال مالك عليه نصف عشر قيمته و اعتبره بالجنين لان ضمانه ضمان الجنايات و فى الجنين نصف عشر قيمته كذا فيه و لنا ان الفرخ صيد لانه يفرض أن يصير صيدا فيعطى له حكم الصيد و يحتمل انه مات بكسره و يحتمل انه كان ميتا قبل ذلك و ضمان الصيد يؤخذ فيه بالاحتياط لانه وجب حقا لله تعالى و حقوق الله تعالى يحتاط في إيجابها و كذلك إذا ضرب بطن ظبية فألقت جنينا ثم ماتت الظبية فعليه قيمتهما يؤخذ في ذلك كله بالثقة اما قيمة الام فلانه قتلها و أما قيمة الجنين فلانه يحتمل انه مات بفعله و يحتمل انه كان ميتا فيحكم بالضمان احتياطا فان قتل ظبية حاملا فعليه قيمتها حاملا لان الحمل يجرى مجرى صفاتها و حسنها و ملاحتها و سمنها و الصيد مضمون بأوصافه و لو حلب صيدا فعليه ما نقصه الحلب لان اللبن جزء من أجزاء الصيد فإذا نقصه الحلب يضمن كما لو أتلف جزأ من أجزائه كالصيد المملوك و أما إذا قتل الصيد تسببا فان كان متعديا في التسبب يضمن و الا فلا بيان ذلك انه إذا نصب شبكة فتعقل به صيد و مات أو حفر حفيرة للصيد فوقع فيها فعطب يضمن لانه متعد في التسبب و لو ضرب فسطاطا لنفسه فتعقل به صيد فمات أو حفر حفيرة للماء أو للخبز فوقع فيها صيد فمات لا شيء عليه لان ذلك مباح له فلم يكن متعديا في التسبب و هذا كمن حفر بئرا على قارعة الطريق فوقع فيها إنسان أو بهيمة و مات يضمن و لو كان الحفر في دار نفسه فوقع فيها إنسان لا يضمن لانه في الاول متعديا لتسبب و فى الثاني لا كذا هذا و لو أعان محرم محرما أو حلالا على صيد ضمن لان الاعانة على الصيد تسبب إلى قتله و هو متعد في هذا التسبب لانه تعاون على الاثم و العدوان و قد قال الله تعالى و لا تعاونوا على الاثم و العدوان و لو دل عليه أو أشار اليه فان كان المدلول يرى الصيد أو يعلم به من دلالة أو اشارة فلا شيء على الدال لانه إذا كان يراه أو يعلم به من دلالته فلا أثر لدلالنه في تفويت الامن على الصيد فلم تقع الدلالة تسببا الا انه يكره ذلك فقتله
بدلالته لانه نوع تحريض على اصطياده و ان رآه المدلول بدلالته فقتله فعليه الجزاء عند أصحابنا و قال الشافعي لا جزاء عليه وجه قوله ان وجوب الجزاء متعلق بقتل الصيد و لم يوجد و لنا ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال الدال على الشيء كفاعله و روى الدال على الخير كفاعله و الدال على الشر كفاعله فظاهر الحديث يقتضى أن يكون للدلالة حكم الفعل الا ما خص بدليل و روى ان أبا قتادة رضى الله عنه شد على حمار وحش و هو حلال فقتله و أصحابه محرمون فمنهم من أكل و منهم من أبى فسألوا النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال صلى الله عليه و سلم هل أشرتم هل أعنتم فقالوا لا فقال كلوا إذا فلو لا ان الحكم يختلف بالاعانة و الاشارة و الا لم يكن للفحص عن ذلك معنى ودل ذلك على حرمة الاعانة و الاشارة و ذا يدل على وجوب الجزاء و روى ان رجلا سأل عمر رضى الله عنه فقال انى أشرت إلى ظبية فقتلها صاحبي فسأل عمر عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنهما فقال ما ترى فقال أرى عليه شاة فقال عمر رضى الله تعالى عنه و انا أرى مثل ذلك و روى ان رجلا أشار إلى بيضة نعامة فكسرها صاحبه فسأل عن ذلك عليا و ابن عباس رضى الله عنهما فحكما عليه بالقيمة و كذا حكم عمر و عبد الرحمن رضى الله عنهما محمول على القيمة و لان المحرم فدا من الصيد بإحرامه و الدلالة تزيل الامن لان أمن الصيد في حال قدرته و يقظته يكون بتوحشه عن الناس و فى حال عجزه و نومه يكون باختفائه عن الناس و الدلالة تزيل الاختفاء فيزول الامن فكانت الدلالة في ازالة الامن كالاصطياد و لان الاعانة و الدلالة و الاشارة تسبب إلى القتل و هو متعد في هذا التسبب لكونه مزيلا للامن و انه محظور الاحرام فاشبه نصب الشبكة و نحو ذلك و لانه لما أمن الصيد عن التعرض بعقد الاحرام و التزم ذلك صار به الصيد كالأَمانة في يده فاشبه المودع إذا دل سارقا على سرقة الوديعة و لو استعار محرم من محرم سكينا ليذبح به صيدا فأعاره إياه فذبح به الصيد فلا جزاء على صاحب السكين كذا ذكر محمد في الاصل من المشايخ من فصل في ذلك تفصيلا فقال ان كان المستعير يتوصل إلى قتل الصيد بغيره لا يضمن و ان كان لا يتوصل اليه الا بذلك السكين يضمن المعير لانه يصير كالدال و نظير هذا ما قالوا لو ان محرما رأى صيدا و له قوس أو سلاح يقتل به و لم يعرف ان ذلك في أى موضع فدله محرم على سكينته أو على قوسه فأخذ فقتله به انه ان كان يجد ما دله عليه مما يقتله به لا يضمن الدال و ان لم يجد غيره يضمن و لا يحل للمحرم أكل ما ذبحه من الصيد و لا لغيره من المحرم و الحلال و هو بمنزلة الميتة لانه بالاحرام خرج من أن يكون أهلا للذكاة فلا تتصور منه الذكاة كالمجوسي إذا ذبح و كذا الصيد خرج من أن يكون محلا للذبح في حقه لقوله تعالى و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما و التحريم المضاف إلى الاعيان يوجب خروجها عن محلية التصرف شرعا كتحريم الميتة و تحريم الامهات و التصرف الصادر من الاهل و فى محله يكون ملحقا بالعدم فان أكل المحرم الذابح منه فعليه الجزاء و هو قيمته في قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد و الشافعي رحمهم الله تعالى ليس عليه الا التوبة و الاستغفار و لا خلاف في أنه لو أكله غيره لا يلزمه الا التوبة و الاستغفار وجه قولهم انه أكل ميتة فلا يلزمنه الا التوبة و الاستغفار كما لو أكله غيره و لابي حنيفة رحمه الله تعالى انه تناول محظور إحرامه فيلزمه الجزاء و بيان ذلك ان كونه ميتة لعدم الاهلية و المحلية و عدم الاهلية و المحلية بسبب الاحرام فكانت الحرمة بهذه الواسطة مضافة إلى الاحرام فإذا أكله فقد ارتكب محظور إحرامه فيلزمه الجزاء بخلاف ما إذا أكله محرم آخر انه لا يجب عليه جزاء ما أكل لان ما أكله ليس محظور إحرامه بل محظور إحرام غيره و كما لا يحل له لا يحل لغيره محرما كان أو حلالا عندنا و قال الشافعي يحل لغيره أكله وجه قوله ان الحرمة لمكان انه صيد لقوله تعالى و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما و هو صيده لا صيد غيره فيحرم عليه لا على غيره و لنا ان حرمته لكونه ميتة لعدم أهلية الذكاة و محليتها فيحرم عليه و على غيره كذبيحة المجوسي هذا إذا أدى الجزاء ثم أكل فأما إذا أكل قبل أداء الجزاء فقد ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان عليه جزاء واحد أو يدخل ضمان ما أكل في الجزاء و ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي انه لا رواية في هذه المسألة فيجوز ان يقال يلزمه جزاء آخر
و يجوز أن يقال يتداخلان و سواء تولى صيده بنفسه أو بغيره من المحرمين بامره أو رمى صيدا فقتله أو أرسل كلبه أو بازيه المعلم انه لا يحل له لان صيد غيره بامره صيده معنى و كذا صيد البازى و الكلب و السهم لان فعل الاصطياد منه و انما ذلك آلة الاصطياد و الفعل لمستعمل الآلة لا للآلة و يحل للمحرم أكل صيد اصطاده الحلال لنفسه عند عامة العلماء و قال داود بن على الاصفهانى لا يحل و المسألة مختلفة بين الصحابة رضى الله عنهم روى عن طلحة و عبيد الله و قتادة و جابر و عثمان في رواية انه يحل و عن على و ابن عباس و عثمان في راوية انه لا يحل و احتج هؤلاء بقوله تعالى و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما أخبر أن صيد البر محرم على المحرم مطلقا من فصل بين أن يكون صيد المحرم أو الحلال و هكذا قال ابن عباس ان الآية مبهمة لا يحل لك ان تصيده و لا أن تأكله و روى عن ابن عباس رضى الله عنه ان الصعب بن جثامة اهدى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لحم حمار وحش و هو بالابواء أو بودان فرده فرأى النبي صلى الله عليه و سلم في وجهه كراهة فقال ليس بنا رد عليك و لكنا حرم و فى رواية قال لو لا انا حرم لقبلناه منك و عن زيد بن أرقم ان النبي صلى الله عليه و سلم نهى المحرم عن لحم الصيد مطلقا و لنا ما روى عن أبى قتادة رضى الله عنه انه كان حلالا و أصحابه محرمون فشد على حمار وحش فقتله فأكل منه بعض أصحابه و أبى البعض فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم انما هى طعمة أطعمكموها الله هل معكم من لحمه شيء و عن جابر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لحم صيد البر حلال لكم و أنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم و هذا نص في الباب و لا حجة لهم في الآية لان فيها تحريم صيد البر لا تحريم لحم الصيد و هذا لحم الصيد و ليس بصيد حقيقة لانعدام معنى الصيد و هو الامتناع و التوحش على ان الصيد في الحقيقة مصدر و انما يطلق على المصيد مجازا و اما حديث الصعب بن جثامة فقد اختلفت الروايات فيه عن ابن عباس رضى الله عنه روى في بعضها انه اهدى اليه حمارا وحشيا كذا روى مالك و سعيد بن جبير و غيرهما عن ابن عباس فلا يكون حجة و حديث زيد بن أرقم محمول على صيد صاده بنفسه أو غيره بأمره أو باعانته أو بدلالته أو بإشارته عملا بالدلائل كلها و سواء صاده الحلال لنفسه أو للمحرم بعد ان لا يكون بأمره عندنا و قال الشافعي إذا صاده له لا يحل له أكله و احتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال صيد البر حلال لكم و أنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم و لا حجة له فيه لانه لا يصير مصيدا له الا بأمره و به نقول و الله أعلم و أما حكم الصيد إذا جرحه المحرم فان جرحه جرحا يخرجه عن حد الصيد و هو الممتنع المتوحش بأن قطع رجل ظبى أو جناح طائر فعليه الجزاء لانه أتلفه حيث أخرجه عن حد الصيد فيضمن قيمته و ان جرحه جرحا لم يخرجه عن حد الصيد يضمن ما نقصته الجراحة لوجود إتلاف ذلك القدر من الصيد فان اندملت الجراحة و برئ الصيد لا يسقط الجزاء لان الجزاء يجب بإتلاف جزء من الصيد و بالاندمال لا يتبين ان الاتلاف لم يكن بخلاف ما إذا جرح آدميا فاندملت جراحته و لم يبق لها أثر انه لا ضمان عليه لان الضمان هناك انما يجب لاجل الشين و قد ارتفع فان رمى صيدا فجرحه فكفر عنه ثم رآه بعد ذلك فقتله فعليه كفارة أخرى لانه لما كفر الجراحة ارتفع حكمها و جعلت كان لم تكن و قتله الآن ابتداء فيجب عليه الضمان لكن ضمان صيد مجروح لان تلك الجراحة قد أخرج ضمانها مرة فلا تجب مرة أخرى فان جرحه و لم يكفر ثم رآه بعد ذلك فقتله فعليه الكفارة و ليس عليه في الجراحة شيء لانه لما قتله قبل أن يكفر عن الجراحة صار كانه قتله دفعة واحدة و ذكر الحاكم في مختصره الا ما نقصته الجراحة الاولى أى يلزمه ضمان صيد مجروح لان ذلك النقصان قد وجب عليه ضمانه مرة فلا يجب مرة أخرى و لو جرح صيدا فكفر عنه قبل أن يموت ثم مات اجزأته الكفارة التي أداها لانه ان أدى الكفارة قبل وجوبها لكن بعد وجود سبب الوجوب و انه جائز كما لو جرح إنسانا خطأ فكفر عنه ثم مات المجروح انه يجوز لما قلنا كذا هذا و ان نتف ريش صيد أو قلع سن ظبى فنبت و عاد إلى ما كان أو ضرب على عين ظبى فابيضت ثم ارتفع بياضها قال أبو حنيفة في سن الظبي انه لا شيء عليه إذا نبت و لم يحك عنه في غيره شيء و قال أبو يوسف عليه صدقة وجه قوله ان وجوب
الجزاء بالجناية على الاحرام و بالنبات و العود إلى ما كان لا يتبين ان الجناية لم تكن فلا تسقط الجزاء و لابي حنيفة ان وجوب الجزاء لمكان النقصان و قد زال فيزول الضمان كما لو قلع سن ظبى لم يثغر ( و أما )
حكم أخذ الصيد فالمحرم إذا أخذ الصيد يجب عليه إرساله سواء كان في يده أو في قفص معه أو في بيته لان الصيد استحق الامن بإحرامه و قد فوت عليه الامن بالاخذ فيجب عليه إعادته إلى حالة الامن و ذلك بالارسال فان أرسله محرم من يده فلا شيء على المرسل لان الصائد ما ملك الصيد فلم يصر بالارسال متلفا ملكه و انما وجب عليه الارسال ليعود إلى حالة الامن فإذا أرسل فقد فعل ما وجب عليه و ان قتله فعلى كل واحد منهما جزاء اما القاتل فلانه محرم قتل صيدا و اما الآخذ فلانه فوت الامن على الصيد بالاخذ و انه سبب لوجوب الضمان الا انه يسقط بالارسال فإذا تعذر الارسال لم يسقط و للآخذ ان يرجع بما ضمن على القاتل عند أصحابنا الثلاثة و قال زفر لا يرجع وجه قوله ان المحرم لم يملك الصيد بالاخذ فكيف يملك بدله عند الاتلاف ( و لنا )
ان الملك له و ان لم يثبت فقد وجد سبب الثبوت في حقه و هو الاخذ قال النبي صلى الله عليه و سلم الصيد لمن أخذه الا انه تعذر جعله سببا لملك الصيد فيجعل سببا لملك بدله فيملك بدله عند الاتلاف و يجعل كان الاصل كان ملكه كمن غصب مدبرا فجاء إنسان و قتله في يد الغاصب أو غصبه من يده فضمن المالك الغاصب فان للغاصب أن يرجع بالضمان على الغاصب و القاتل و كذا هذا في غصب أم الولد و ان لم يملك المدبر وأم الولد لما قلنا كذا هذا و لو أصاب الحلال صيدا ثم أحرم فان كان ممسكا إياه بيده فعليه إرساله ليعود به إلى الامن الذي استحقه بالاحرام فان لم يرسله حتى هلك في يده يضمن قيمته و ان أرسله إنسان من بده ضمن له قيمته في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد لا يضمن وجه قولهما ان الارسال كان واجبا على المحرم حقا لله فإذا أرسله الاجنبي فقد احتسب بالارسال فلا يضمن كما لو أخذه و هو محرم فارسله إنسان من يده و لابي حنيفة انه أتلف صيدا مملوكا له فيضمن كما لو أتلف قبل الاحرام و الدليل على ان الصيد ملكه انه أخذه و هو حلال و أخذ الصيد من الحلال سبب لثبوت الملك لقوله صلى الله عليه و سلم الصيد لمن أخذه و اللام للملك و العارض و هو الاحرام أثره في حرمة التعرض لا في زوال الملك بعد ثبوته و اما قولهما ان المرسل احتسب بالارسال لانه واجب فنقول الواجب هو الارسال على وجه يفوت يده عن الصيد أصلا و رأسا أو على وجه يزول يده الحقيقية عنه ان قالا على وجه يفوت يده أصلا و رأسا ممنوع و ان قالا على وجه يزول يده الحقيقية عنه فمسلم لكن ذلك يحصل بالارسال في بيته و ان أرسله في بيته فلا شيء عليه بخلاف ما إذا اصطاده و هو محرم فارسله غيره من يده لان الواجب على الصائد هناك إرسال الصيد على وجه يعود اليه به الامن الذي استحقه بإحرامه و فى الامساك في القفص أو في البيت لا يعود الامن بخلاف المسألة الاولى لان الصيد هناك ما استحق الامن و قد أخذه و صار ملكا له و انما يحرم عليه التعرض في حال الاحرام فيجب ازالة التعرض و ذلك يحصل بزوال يده الحقيقية فلا يحرم عليه الارسال في البيت أو في القفص و الدليل على التفرقة بينهما في الفصل الاول لو أرسله ثم وجده بعد ما حل من إحرامه في يد آخر له ان يسترده منه و فى الفصل الثاني ليس له ان يسترده و ان كان الصيد في قفص معه أو في بيته لا يجب إرساله عندنا و عند الشافعي يجب حتى انه لو لم يرسله فمات لا يضمن عندنا و عنده يضمن و الكلام فيه مبنى على ان من أحرم و فى ملكه صيد لا يزول ملكه عنه عندنا و عنده يزول و الصحيح قولنا لما بينا انه كان ملكا له و العارض و هو حرمة التعرض لا يوجب زوال الملك و يستوى فيما يوجب الجزاء الرجل و المرأة و المفرد و القارن ان القارن يلزمه جزءان عندنا لكونه محرما بإحرامين فيصير جانيا عليهما فيلزمه كفارتان و عند الشافعي لا يلزمه الا جزاء واحد لكونه محرما بإحرام واحد ( و أما )
الذي يوجب فساد الحج فالجماع لقوله عز و جل فلا رفث و لا فسوق عن ابن عباس و ابن عمر رضى الله عنهما انه الجماع و انه مفسد للحج لما نذكر في بيان ما يفسد الحج و بيان حكمه إذا فسد ان شاء الله تعالى هذا الذي ذكرنا بيان ما يخص المحرم من المحظورات و هي محظورات الاحرام و الله أعلم
فصل ويتصل بهذا بيان ما يعم المحرم المحرم والحلال جميعا
( فصل )
و يتصل بهذا بيان ما يعم المحرم و الحلال جميعا و هو محظورات الحرم فنذكرها فنقول و بالله التوفيق محظورات الحرم نوعان نوع يرجع إلى الصيد و نوع يرجع إلى النبات اما الذي يرجع إلى الصيد فهو انه لا يحل قتل صيد الحرم للمحرم و الحلال جميعا الا المؤذيات المبتدئة بالاذى غالبا و قد بينا ذلك في صيد الاحرام و الاصل فيه قوله تعالى أو لم يروا انا جعلنا حرما آمنا و قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم و قوله تعالى و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما و هذا يتناول صيد الاحرام و الحرم جميعا لانه يقال أحرم إذا دخل في الاحرام و أحرم إذا دخل في الحرم كما يقال أنجد إذا دخل نجد و اتهم إذا دخل تهامة و أعرق إذا دخل العراق و أحرم إذا دخل في الشهر الحرام و منه قول الشاعر في عثمان رضى الله عنه قتل ابن عفان الخليفة محرما و دعا فلم أر مثله مخذولا الخليفة محرما أى في الشهر الحرام و اللفظ و ان كان مشتركا لكن المشترك في محل النفي يعم لعدم التنافي الا ان الدخول في الشهر الحرام ليس بمراد بالاجماع لان أخذ الصيد في الشهر الحرم لم يكن محظورا ثم قد نسخت الاشهر الحرم فبقى الدخول في الحرم و الاحرام مرادا بالآيتين الا ما خص بدليل و قول النبي صلى الله عليه و سلم الا ان مكة حرام حرمها الله تعالى يوم خلق السموات و الارض لم تحل لاحد قبلى و لا تحل لاحد بعدي و انما أحلت لي ساعة من نهار ثم عادت حراما إلى يوم القيامة لا يختلى خلاها و لا يعضد شجرها و لا ينفر صيدها و الاستدلال به من وجوه أحدها قوله مكة حرام و الثاني قوله حرمها الله تعالي و الثالث قوله و لا تحل لاحد بعدي و الرابع قوله ثم عادت حراما إلى يوم القيامة و الخامس قوله لا يختلى خلاها و لا يعضد شجرها و لا ينفر صيدها فان قتل صيد الحرم فعليه الجزاء محرما كان القاتل أو حلالا لقوله تعالى و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل و جزاؤه ما هو جزاء قاتل صيد الاحرام و هو ان تجب عليه قيمته فان بلغت هديا له ان يشترى بها هديا أو طعاما الا انه لا يجوز الصوم هكذا ذكر في الاصل و هكذا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان حكمه حكم صيد الاحرام الا انه لا يجوز فيه الصوم و ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي ان الاطعام يجزئ في صيد الحرم و لا يجزئ الصوم عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر يجزئ و به أخذ الشافعي و فى الهدى روايتان وجه قول زفر الاعتبار بصيد الاحرام لان كل واحد من الضمانين يجب حقا لله تعالى ثم يجزئ الصوم في أحدهما كذا في الآخر ( و لنا )
الفرق بين الصيدين و الضمانين و هو ان ضمان صيد الاحرام وجب لمعنى يرجع إلى الفاعل لانه وجب جزاء على جنايته على الاحرام فاما ضمان صيد الحرم فانما وجب لمعنى يرجع إلى المحل و هو تفويت أمن الحرم رعاية لحرمة الحرم فكان بمنزلة ضمان سائر الاموال و ضمان سائر الاموال لا يدخل فيه الصوم كذا هذا و اما الهدى فوجه رواية عدم الجواز ما ذكرنا ان هذا الضمان يشبه ضمان سائر الاموال لان وجوبه لمعنى في المحل فلا يجوز فيه الهدى كما لا يجوز في سائر الاموال الا أن تكون قيمته مذبوحا مثل قيمة الصيد فيجزئ عن الطعام وجه رواية الجواز ان ضمان صيد الحرم له شبه بأصلين ضمان الاموال و ضمان الافعال اما شبهه بضمان الاموال فلما ذكرنا و اما شبهه بضمان الافعال و هو ضمان الاحرام فلانه يجب حقا لله تعالى فيعمل بالشبهين فنقول انه لا يدخل فيه الصوم اعتبارا لشبه الاموال و يدخل فيه الهدى اعتبارا لشبه الافعال و هو الاحرام عملا بالشبهين بالقدر الممكن اذ لا يمكن القول بالعكس و لان الهدى مال فكان بمنزلة الاطعام و الصوم ليس بمال و لا فيه معنى المال فافترقا و لو قتل المحرم صيدا في الحرم فعليه ما على المحرم إذا قتل صيدا في الحل و ليس عليه لاجل الحرم شيء و هذا استحسان و القياس ان يلزمه كفارتان لوجود الجناية على شيئين و هما الاحرام و الحرم فاشبه القارن الا أنهم استحسنوا و أوجبوا كفارة الاحرام لا لان حرمة الاحرام أقوى من حرمة الحرم فاستتبع الاقوى الاضعف و بيان أن حرمة الاحرام أقوى من وجوه أحدها أن حرمه الاحرام ظهر أثرها في الحرم و الحل جميعا حتى حرم على المحرم الصيد في الحرم و الحل جميعا و حرمة الاحرام لا يظهر أثرها الا في الحرم حتى يباح للحلال الاصطياد
لصيد الحرم إذا خرج إلى الحل و الثاني أن الاحرام يحرم الصيد و غيره مما ذكرنا من محظورات الاحرام و الحرم لا يحرم الا الصيد و ما يحتاج اليه الصيد من الخلى و الشجر و الثالث أن حرمة الاحرام تلازم حرمة الحرم وجودا لان المحرم يدخل الحرم لا محالة و حرمة الحرم لا تلازم حرمة الاحرام وجودا فثبت أن حرمة الاحرام أقوى فاستتبعت الادنى بخلاف القارن لان ثمة كل واحدة من الحرمتين اعنى حرمة إحرام الحج و حرمة إحرام العمرة أصل الا ترى أنه يحرم إحرام العمرة ما يحرمه إحرام الحج فكان كل واحدة منهما أصلا بنفسها فلا تستتبع احداهما صاحبتها و لو اشترك حلالان في قتل صيد في الحرم فعلى كل واحد منهما نصف قيمته فان كانوا أكثر من ذلك يقسم الضمان بين عددهم لان ضمان صيد الحرم يجب لمعنى في المحل و هو حرمة الحرم فلا يتعدد بتعدد الفاعل كضمان سائر الاموال بخلاف ضمان صيد الاحرام فان اشترك محرم و حلال فعلى المحرم جميع القيمة و على الحلال النصف لان الواجب على المحرم ضمان الاحرام لما بينا و ذلك لا يتجزأ و الواجب على الحلال ضمان المحل و أنه متجزئ و سواء كان شريك الحلال ممن يجب عليه الجزاء أو لا يجب كالكافر و الصبي أنه يجب على الحلال بقدر ما يخصه من القيمة لان الواجب بفعله ضمان المحل فيستوى في حقه الشريك الذي يكون من أهل وجوب الجزاء و من لا يكون من أهله فان قتل حلال و قارن صيدا في الحرم فعلى الحلال نصف الجزاء و على القارن جزءان لان الواجب على الحلال ضمان المحل و الواجب على المحرم جزاء الجناية و القارن جنى على احرامين فيلزمه جزءان و لو اشترك حلال و مفرد و قارن في قتل صيد فعلى الحلال ثلث الجزاء و على المفرد جزاء كامل و على القارن جزءان لما قلنا و ان صاد حلال صيدا في الحرم فقتله في يده حلال آخر فعلى الذي كان في يده جزاء كامل و على القاتل جزاء كامل أما القاتل فلا شك فيه لانه أتلف صيدا في الحرم حقيقة و أما الصائد فلان الضمان قد وجب عليه باصطياده و هو أخذه لتفويته الامن عليه بالاخذ و انه سبب لوجوب الضمان الا أنه يسقط بالارسال و قد تعذر الارسال بالقتل فتقرر تفويت الامن فصار كانه مات في يده و هذا بخلاف المغصوب إذا أتلفه إنسان في يد الغاصب انه لا يجب الا ضمان واحد يطالب المالك أيهما شاء لان ضمان الغصب ضمان المحل و ليس فيه معنى الجزاء لانه يجب حقا للمالك و المحل الواحد لا يقابله الا ضمان واحد و ضمان صيد الحرم و ان كان ضمان المحل لكن فيه معنى الجزاء لانه يجب حقا لله تعالى فجاز أن يجب على القاتل و الآخذ و للآخذ أن يرجع على القاتل بالضمان أما على أصل أبى حنيفة فلا يشكل لانه يرجع عليه في صيد الاحرام عنده فكذا في صيد الحرم و الجامع أن القاتل فوت على الآخذ ضمانا كان يقدر على إسقاطه بالارسال و أما على أصلهما فيحتاج إلى الفرق بين صيد الحرم و الاحرام لانهما قالا في صيد الاحرام انه لا يرجع و وجه الفرق أن الواجب في صيد الحرم ضمان يجب لمعنى يرجع إلى المحل و ضمان المحل يحتمل الرجوع كما في الغصب و الواجب في صيد الاحرام جزاء فعله لا بدل المحل ألا ترى أنه لا يملك الصيد بالضمان و إذا كان جزاء فعله لا يرجع به على غيره و لو دل حلال حلالا على صيد الحرم أو دل محرما فلا شيء على الدال في قول أصحابنا الثلاثة و قد أساء و أثم و قال زفر على الدال الجزاء و روى عن أبى يوسف مثل قول زفر و على هذا الاختلاف الآمر و المشير وجه قول زفر اعتبار الحرم بالاحرام و هو اعتبار صحيح لان كل واحد منهما سبب لحرمة الاصطياد ثم الدلالة في الاحرام توجب الجزاء كذا في الحرم و لنا الفرق بينهما و هو أن ضمان صيد الحرم يجرى مجرى ضمان الاموال لانه يجب لمعنى يرجع إلى المحل و هو حرمة الحرم لا لمعنى يرجع إلى القاتل و الاموال لا تضمن بالدلالة من عقد و انما صار مسيأ آثما لكون الدلالة و الاشارة و الامر حراما لانه من باب المعاونة على الاثم و العدوان و قد قال الله تعالى و لا تعاونوا على الاثم و العدوان و لو أدخل صيدا من الحل إلى الحرم وجب إرساله و ان ذبحه فعليه الجزاء و لا يجوز بيعه و قال الشافعي يجوز بيعه وجه قوله أن الصيد كان ملكه في الحل و إدخاله في الحرم لا يوجب زوال ملكه فكان ملكه قائما فكان محلا للبيع و لنا أنه لما حصل الصيد في الحرم وجب ترك التعرض له رعاية لحرمة الحرم كما لو أحرم و الصيد في يده و ذكر محمد في الاصل و قال لا خير فيما
يترخص به أهل مكة من الحجل و اليعاقيب و لا يدخل شيء منه في الحرم حيا لما ذكرنا أن الصيد إذا حصل في الحرم وجب اظهار حرمة الحرم بترك التعرض له بالارسال فان قيل ان أهل مكة يبيعون الحجل و اليعاقيب و هي كل ذكر و أنثى من القبح من نكير و لو كان حراما لظهر النكير عليهم فالجواب ان ترك النكير عليهم ليس لكونه حلالا بل لكونه محل الاجتهاد فان المسألة مختلفة بين عثمان و على رضى الله عنهما و الانكار لا يلزم في محل الاجتهاد إذا كان الاختلاف في الفروع و أما وجوب الجزاء بذبحه فلانه ذبح صيدا مستحق الارسال و أما فساد البيع فلان إرساله واجب و البيع ترك الارسال و لو باعه يجب عليه فسخ البيع و استرداد المبيع لانه بيع فاسد و البيع الفاسد مستحق الفسخ حقا للشرع فان كان لا يقدر على فسخ البيع و استرداد المبيع فعليه الجزاء لانه وجب عليه إرساله فإذا باعه و تعذر عليه فسخ البيع و استرداد المبيع فكانه أتلفه فيجب عليه الضمان و كذلك ان أدخل صقرا أو بازيا فعليه إرساله لما ذكرنا في سائر الصيود فان أرسله فجعل يقتل حمام الحرم لم يكن عليه في ذلك شيء لان الواجب عليه الارسال و قد أرسل فلا يلزمه شيء بعد ذلك كما لو أرسله في الحل ثم دخل الحرم فجعل يقتل صيد الحرم و لو أرسل كلبا في الحل على صيد في الحل فاتبعه الكلب فأخذه في الحرم فقتله فلا شيء على المرسل و لا يؤكل الصيد أما عدم وجوب الجزاء فلان العبرة في وجوب الضمان بحالة الارسال اذ الارسال هو السبب الموجب للضمان و الارسال وقع مباحا لوجوده في الحل فلا يتعلق به الضمان و أما حرمة أكل الصيد فلان فعل الكلب ذبح للصيد و انه حصل في الحرم فلا يحل أكله كما لو ذبحه آدمى اذ فعل الكلب لا يكون أعلى من فعل الآدمى و لو رمى صيدا في الحل فنفر الصيد فوقع السهم به في الحرم فعليه الجزاء قال محمد في الاصل و هو قول أبى حنيفة رحمه الله فيما أعلم و كان القياس فيه أن لا يجب عليه الجزاء كما لا يجب عليه في إرسال الكلب لان كل واحد منهما مأذون فيه لحصوله في الحل و الاخذ و الاصابة كل واحد منهما يضاف إلى المرسل و الرامى و خاصة على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالي فانه يعتبر حال الرمى في المسائل حتى قال فيمن رمى إلى مسلم فارتد المرمى اليه ثم أصابه السهم مثلا أنه تجب عليه الدية اعتبارا بحالة الرمى الا انهم استحسنوا فاوجبوا الجزاء في الرمى و لم يوجبوا في الارسال لان الرمى هو المؤثر في الاصابة بمجرى العادة إذا لم يتخلل بين الرمى و الاصابة فعل اختياري يقطع نسبة الاثر اليه شرعا فبقيت الاصابة مضافة اليه شرعا في الاحكام فصار كأنه ابتدأ الرمى بعد ما حصل الصيد في الحرم و ههنا قد تخلل بين الارسال و الاخذ فعل فاعل مختار و هو الكلب فمنع اضافة الاخذ إلى المرسل و صار كما لو أرسل بازيا في الحرم فاخذ حمام الحرم و قتله أنه لا يضمن لما قلنا كذا هذا و لو أرسل كلبا على ذئب في الحرم أو نصب له شركا فأصاب الكلب صيدا أو وقع في الشرك صيد فلا جزاء عليه لان الارسال على الذئب و نصب الشبكة له مباح لان قتل الذئب مباح في الحل و الحرم للمحرم و الحلال جميعا لكونه من المؤذيان المبتدئة بالاذى عادة فلم يكن متعديا في التسبب فيضمن و لو نصب شبكة أو حفر حفيرة في الحرم للصيد فأصاب صيدا فعليه جزاؤه لانه مأذون في نصب الشبكة و الحفر لصيد الحرم فكان متعديا في التسبب فيضمن و لو نصب خيمة فتعقل به صيد أو حفر للماء فوقع فيه صيد الحرم لا ضمان عليه لانه متعد في التسبب و قالوا فيمن أخرج ظبية من الحرم فادى جزاءها ثم ولدت ثم ماتت و مات أولادها لا شيء عليه لانه متى أدى جزاءها ملكها فحدثت الاولاد على ملكه و روى ابن سماعة عن محمد في رجل أخرج صيدا من الحرم إلى الحل ان ذبحه و الانتفاع بلحمه ليس بحرام سواء كان أدى جزاءه أو لم يؤد انى أكره هذا الصنيع و أحب إلى ان يتنزه عن أكله أما حل الذبح فلانه صيد حل في الحال فلا يكون ذبحه حراما و أما كراهة هذا الصنيع فلان الانتفاع به يؤدى إلى استئصال صيد الحرم لان كل من احتاج إلى شيء من ذلك أخذه و أخرجه من الحرم و ذبحه و انتفع بلحمه وادي قيمته فان انتفع به فلا شيء عليه لان الضمان سبب لملك المضمون على أصلنا فإذا ضمن قيمته فقد ملكه فلا يضمن بالانتفاع به و ان باعه و استعان
بثمنه في جزائه كان له ذلك لان الكراهة في حق الاكل خاصة و كذا إذا قطع شجر الحرم حتى ضمن قيمته يكره له الانتفاع به لان الانتفاع به يؤدى إلى استئصال شجر الحرم على ما بينا في الصيد و لو اشتراه إنسان من القاطع لا يكره له الانتفاع به لانه تناوله بعد انقطاع النماء عنه و الله الموفق ( فصل )
و أما الذي يرجع إلى النبات فكل ما ينبت بنفسه مما لا ينبته الناس عادة و هو رطب و جملة الكلام فيه أن نبات الحرم لا يخلو اما ان يكون مما لا ينبته الناس عادة و اما ان يكون مما ينبته الناس عادة فان كان مما لا ينبته الناس عادة إذا نبت بنفسه و هو رطب فهو محظور القطع و القلع على المحرم و الحلال جميعا نحو الحشيش الرطب و الشجر الرطب الا ما فيه ضرورة و هو الاذخر فان قلعه إنسان أو قطعه فعليه قيمته لله تعالى سواء كان محرما أو حلالا بعد ان كان مخاطبا بالشرائع و الاصل فيه قوله تعالى أو لم يروا انا جعلنا حرما آمنا أخبر الله تعالى أنه جعل الحرم آمنا مطلقا فيجب العمل بإطلاقه الا ما قيد بدليل و قول النبي صلى الله عليه و سلم الا ان مكة حرام حرمها الله تعالى الي قوله لا يختلى خلالها و لا يعضد شجرها نهى عن اختلاء كل خلى و عضد كل شجر فيجرى على عمومه الا ما خص بدليل و هو الاذخر فانه روى أن النبي صلى الله عليه و سلم لما ساق الحديث إلى قوله لا يختلى خلاها و لا يعضد شجرها فقال العباس رضى الله عنه الا الاذخر يا رسول الله فانه متاع لاهل مكة لحيهم و ميتهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم الا الاذخر و المعنى فيه ما أشار اليه العباس رضى الله عنه و هو حاجة أهل مكة إلى ذلك في حياتهم و مماتهم فان قيل ان النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن اختلاء خلى مكة عاما فكيف استثنى الاذخر باستثناء العباس و كان صلى الله عليه و سلم لا ينطق عن الهوى و قد قيل في الجواب عنه من وجهين أحدهما يحتمل أن النبي صلى الله عليه و سلم كان في قلبه هذا الاستثناء الا أن العباس رضى الله عنه سبقه به فاظهر النبي صلى الله عليه و سلم بلسانه ما كان في قلبه و الثاني يحتمل ان الله تعالى أمره أن يخبر بتحريم كل خلى مكة الا ما يستثنيه العباس و ذلك ممنوع و يحتمل وجها ثالثا و هو ان النبي صلى الله عليه و سلم عم القضيه بتحريم كل خلى فسأله العباس الرخصة في الاذخر لحاجة أهل مكة ترفيها بهم فجاءه جبريل عليه السلام بالرخصة في الاذخر فقال النبي صلى الله عليه و سلم الا الاذخر فان قيل من شرط صحة الاستثناء و التحاقه بالكلام الاول أن يكون متصلا به ذكرا و هذا منفصل لانه ذكر بعد انقطاع الكلام الاول و بعد سؤال العباس رضى الله عنه الاستثناء بقوله الا الاذخر و الاستثناء المنفصل لا يصح و لا يلحق المستثنى منه فالجواب ان هذا ليس باستثناء حقيقة و ان كانت صيغته صيغة الاستثناء بل هو اما تخصيص و الخصيص المتراخى عن العام جائز عند مشايخنا و هو النسخ و النسخ قبل التمكن من الفعل بعد التمكن من الاعتقاد جائز عندنا و الله الموفق و انما يستوى فيه المحرم و الحلال لانه لا فصل في النصوص المقتضية للامن و لان حرمة التعرض لاجل الحرم فيستوى فيه المحرم و الحلال و إذا وجب عليه قيمته فسبيلها سبيل جزاء صيد الحرم انه ان شاء اشترى بها طعاما يتصدق به على الفقراء على كل فقير نصف صاع من بر و ان شاء اشترى بها هديا ان بلغت قيمته هديا على رواية الاصل و الطحاوي فيذبح في الحرم و لا يجوز فيه الصوم عندنا خلافا لزفر على ما مر في صيد الحرم و إذا أدى قيمته يكره له الانتفاع بالمقلوع و المقطوع لانه وصل اليه بسبب خبيث و لان الانتفاع به يؤدى إلى استئصال نبات الحرم لانه إذا احتاج إلى شيء من ذلك يقلع و يقطع و يؤدى قيمته على ما ذكرنا في الصيد فان باعه يجوز و يتصدق بثمنه لانه ثمن مبيع حصل بسبب خبيث و لا بأس بقلع الشجر اليابس و الانتفاع به و كذا الحشيش اليابس لانه قد مات و خرج عن حد النمو و لا يجوز رعى حشيش الحرم في قول أبى حنيفة و محمد و قال أبو يوسف لا بأس بالرعى وجه قوله ان الهدايا تحمل إلى الحرم و لا يمكن حفظها من الرعى فكان فيه ضرورة و لهما انه لما منع من التعرض لحشيش الحرم استوى فيه التعرض بنفسه و بارسال البهيمة عليه لان فعل البهيمة مضاف اليه كما في الصيد فانه لما حرم عليه التعرض لصيده استوى فيه اصطياده بنفسه و بارسال الكلب كذا هذا و ان كان مما ينبته الناس عادة من الزروع و الاشجار التي ينبتونها فلا بأس بقطعه و قلعه لاجماع
الامة على ذلك فان الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا يزرعون في الحرم و يحصدونه من نكبير من أحد و كذا ما لا ينبته الناس عادة إذا أنبته احد مثل شجر أم غيلان و شجر الاراك و نحوهما فلا بأس بقطعه و إذا قطعه فلا ضمان عليه لاجل الحرم لانه ملكه بالانبات فلم يكن من شجر الحرم فصار كالذي ينبته الناس عادة شجرة أصلها في الحرم و أغصانها في الحل فهي من شجر الحرم و ان كان أصلها في الحل و أغصانها في الحرم فهي من شجر الحل ينظر في ذلك إلى الاصل لا إلى الاغصان لان الاغصان تابعة للاصل فيعتبر فيه موضع الاصل لا التابع و ان كان بعض أصلها في الحرم و البعض في الحل فهي من شجر الحرم لانه اجتمع فيه الحظر و الاباحة فيرجح الحاظر احتياطا و هذا بخلاف الصيد فان المعتبر فيه موضع قوائم الطير إذا كان مستقرا به فان كان الطير على غصن هو في الحرم لا يجوز له أن يرميه و ان كان أصل الشجر في الحل و ان كان على غصن هو في الحل فلا بأس له أن يرميه و ان كان أصل الشجر في الحرم ينظر إلى مكان قوائم الصيد لا إلى أصل الشجر لان قوام الصيد بقوائمه حتى لو رمى صيدا قوائمه في الحرم و رأسه في الحل فهو من صيد الحرم لا يجوز للمحرم و الحلال أن يقتله و لو رمى صيدا قوائمه في الحل و رأسه في الحرم فهو من صيد الحل و لا بأس للحلال أن يقتله و كذا إذا كان بعض قوائمه في الحرم و بعضها في الحل فهو صيد الحرم ترجيحا لجانب الحرمة احتياطا هذا إذا كان قائما فاما إذا نام فجعل قوائمه في الحل و رأسه في الحرم فهو من صيد الحرم لان القوائم انما تعتبر إذا كان مستقرا بها و هو مستقر بقوائمه بل هو كالملقى على الارض و إذا بطل اعتبار القوائم فاجتمع فيه الحاظر و المبيح فيترجح جانب الحاظر احتياطا و لا بأس بأخذه كمأة الحرم لان الكمأة ليست من جنس النبات بل هى من ودائع الارض و قال أبو حنيفة لا بأس بإخراج حجارة الحرم و ترابه إلى الحل لان الناس يخرجون القدور من مكة من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا من نكير و لانه يجوز استهلاكه باستعماله في الحرم فيجوز إخراجه الي الحل و عن ابن عباس و ابن عمر رضى الله عنهما كراهة ذلك بقوله عز و جل أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا جعل الله تعالى نفس الحرم آمنا و لان الحرم لما أفاد الامن لغيره فلان يفيد لنفسه أولى ثم انما يجب على المحرم اجتناب محظورات الاحرام و الحرم و تثبت أحكامها إذا فعل إذا كان مخاطبا بالشرائع فاما إذا لم يكن مخاطبا كالصبى العاقل لا يجب و لا يثبت حتى لو فعل شيأ من محظورات الاحرام و الحرم فلا شيء عليه و لا على وليه لان الحرمة بسبب الاحرام و الحرم يثبت حقا لله تعالى و الصبي مؤاخذ بحقوق الله تعالى و لكن ينبغى للولي أن يجنبه ما يجتنبه المحرم تادبا و تعودا كما يأمره بالصلاة و أما العبد إذا أحرم باذن مولاه فانه يجب عليه اجتناب لانه من أهل الخطاب فان فعل شيأ من المحظورات فان كان مما يجوز فيه الصوم يصوم و ان كان مما لا يجوز فيه الا الفدية أو الاطعام لا يجب عليه ذلك في الحال و انما يجب بعد العتق و لو فعل في حال الرق لا يجوز لانه لا ملك له و كذا لو فعل عنه مولاه أو غيره لانه ليس من أهل الملك فلا يملك و ان ملك و إذا فرغنا من فصول الاحرام و ما يتصل به فلنرجع إلى ما كنا فيه و هو بيان شرائط الاركان و قد ذكرنا جملة منها فمنها الاسلام و منها العقل و منها النية و منها الاحرام و قد ذكرناه بجميع فصوله و علائقه و ما اتصل به و منها الوقت فلا يجوز الوقوف بعرفة قبل يوم عرفة و لا طواف الزيارة قبل يوم النحر و لا أداء شيء من أفعال الحج قبل وقته لان الحج عبادة مؤقتة قال الله تعالى الحج أشهر معلومات و العبادات المؤقتة لا يجوز أداؤها قبل أوقاتها كالصلاة و الصوم و كذا إذا فات الوقوف بعرفة عن وقته الذي ذكرناه فيما تقدم لا يجوز الوقوف في يوم آخر و يفوت الحج في تلك السنة الا لضرورة الاشتباه استحسانا بان اشتبه عليهم هلال ذي الحجة فوقفوا ثم تبين انهم وقفوا يوم النحر على ما ذكرنا فيما تقدم و أما طواف الزيارة إذا فات عن أيام النحر فانه يجوز في غيرها لكن يلزمه الدم في قول أبى حنيفة بالتأخير على ما مر و أشهر الحج شوال و ذو القعدة و عشر من ذي الحجة كذا روى عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم منهم عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و عبد الله بن الزبير رضى الله عنهم و كذا روى عن جماعة من التابعين مثل الشعبي و مجاهد و إبراهيم و ينبنى أيضا على معرفة أشهر الحج الاحرام بالحج قبل أشهر الحج و قد ذكرنا
الاختلاف فيه فيما تقدم و منها إذا أمن عليه بنفسه حال قدرته على الاداء بنفسه فلا يجوز استنابة غيره مع قدرته على الحج بنفسه و جملة الكلام فيه ان العبادات في الشرع أنواع ثلاثة مالية محضة كالزكاة و الصدقات و الكفارات و العشور و بدنية محضة كالصلاة و الصوم و الجهاد و مشتملة على البدن و المال كالحج فالمالية المحضة تجوز فيها النيابة على الاطلاق و سواء كان من عليه قادرا على الاداء بنفسه أو لا لان الواجب فيها إخراج المال و انه يحصل بفعل النائب و البدنية المحضة لا تجوز فيها النيابة على الاطلاق لقوله عز و جل و ان ليس للانسان الا ما سعى الا ما خص بدليل و قول النبي صلى الله عليه و سلم لا يصوم أحد عن أحد و لا يصلى أحد عن أحد أى في حق الخروج عن العهدة لا في حق الثواب فان من صام أو صلى أو تصدق و جعل ثوابه لغيره من الاموات أو الاحياء جاز و يصل ثوابها إليهم عند أهل السنة و الجماعة و قد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه و الآخر عن أمته ممن آمن بوحدانية الله تعالي و برسالته صلى الله عليه و سلم و روى ان سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله ان أمى كانت تحب الصدقة أ فاتصدق عنها فقال النبي صلى الله عليه و سلم تصدق و عليه عمل المسلمين من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا من زيارة القبور و قراءة القرآن عليها و التكفين و الصدقات و الصوم و الصلاة و جعل ثوابها للاموات و لا امتناع في العقل أيضا لان إعطاء الثواب من الله تعالى افضال منه لا استحقاق عليه فله أن يتفضل على من عمل لا جعله بجعل الثواب له كما له أن يتفضل بإعطاء الثواب من عمل رأسا و أما المشتملة على البدن و المال و هي الحج فلا يجوز فيها النيابة عند القدرة و يجوز عند العجز و الكلام فيه يقع في مواضع في جواز النيابة في الحج في الجملة و فى بيان كيفية النيابة فيه و فى بيان شرائط جواز النيابة و فى بيان ما يصير النائب به مخالفا و بيان حكمه إذا خالف اما الاول فالدليل على الجواز حديث الخثعمية و هو ما روى ان إمرأة جاءت من بني خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قالت يا رسول الله ان فريضة الحج أدركت أبى و انه شيخ كبير لا يثبت على الراحلة و فى رواية لا يستمسك على الراحلة أفيجزينى أن أحج عنه فقال صلى الله عليه و سلم حجى عن أبيك و اعتمرى و فى رواية قال لها أ رأيت لو كان على ابيك دين فقضيتيه اما كان يقبل منك قالت نعم فقال النبي صلى الله عليه و سلم فدين الله تعالى أحق و لانه عبادة تؤدى بالبدن و المال فيجب اعتبارهما و لا يمكن اعتبارهما في حالة واحدة لتناف بين أحكامهما فنعتبرهما في حالين فنقول لا تجوز النيابة فيه عند القدرة اعتبارا للبدن و تجوز عند العجز اعتبارا للمال عملا بالمعنيين في الحالين و أما كيفية النيابة فيه فذكر في الاصل ان الحج يقع عن المحجوج عنه و روى عن محمد ان نفس الحج يقع عن الحاج و انما للمحجوج عنه ثواب النفقة وجه رواية محمد انه عبادة بدنية و مالية و البدن للحاج و المال للمحجوج عنه فما كان من البدن لصاحب البدن و ما كان بسبب المال يكون لصاحب المال و الدليل عليه انه لو ارتكب شيأ من محظورات الاحرام فكفارته في ماله لا في مال المحجوج عنه و كذا لو أفسد الحج يجب عليه القضاء فدل ان نفس الحج يقع له الا ان الشرع أقام ثواب نفقة الحج في حق العاجز عن الحج بنفسه مقام الحج بنفسه نظرا له و مرحمة عليه وجه رواية الاصل ما روينا من حديث الخثعمية حيث قال لها النبي صلى الله عليه و سلم حجى عن أبيك أمرها بالحج عن أبيها و لو لا ان حجها يقع عن أبيها لما أمرها بالحج عنه و لان النبي صلى الله عليه و سلم قاس دين الله تعالى بدين العباد بقوله أ رأيت لو كان على أبيك دين و ذلك تجزي فيه النيابة و يقوم فعل النائب مقام فعل المنوب عنه كذا هذا و الدليل عليه ان الحاج يحتاج إلى نية المحجوج عنه كذا الاحرام و لو لم يقع نفس الحج عنه لكان لا يحتاج إلى نيته و الله أعلم و أما شرائط جواز النيابة فمنها أن يكون المحجوج عنه عاجزا عن أداء الحج بنفسه و له مال فان كان قادرا على الاداء بنفسه بأن كان صحيح البدن و له مال لا يجوز حج غيره لانه إذا كان قادرا على الاداء ببدنه و له مال فالغرض يتعلق ببدنه لا بماله بل المال يكون شرطا و إذا تعلق الفرض ببدنه لا تجزي فيه النيابة كالعبادات البدنية المحضة و كذا لو كان فقيرا صحيح البدن لا يجوز حج
غيره عنه لان المال من شرائط الوجوب فإذا لم يكن له مال لا يجب عليه أصلا فلا ينوب عنه غيره في أداء الواجب و لا واجب و منها العجز المستدام من وقت الا حجاج إلى وقت الموت فان زال قبل الموت لم يجز حج غيره عنه لان جواز حج الغير عن الغير ثبت بخلاف القياس لضرورة العجز الذي لا يرجى زواله فيتقيد الجواز به و على هذا يخرج المريض أو المحبوس إذا أحج عنه ان جوازه موقوف ان مات و هو مريض أو محبوس جاز و ان زال المرض أو الحبس قبل الموت لم يجز و الا حجاج من الزمن و الاعمى على أصل أبى حنيفة جائز لان الزمانة و العمى لا يرجى زوالهما عادة فوجد الشرط و هو العجز المستدام إلى وقت الموت و منها الامر بالحج فلا يجوز حج الغير عنه بغير أمره لان جوازه بطريق النيابة عنه و النيابة لا تثبت الا بالامر الا الوارث يحج عن مورثه بغير أمره فانه يجوز ان شاء الله تعالى بالنص و لوجود الامر هناك دلالة على ما نذكر ان شاء الله تعالى و منها نية المحجوج عنه عند الاحرام لان النائب يحج عنه لا عن نفسه فلا بد من نيته و الافضل أن يقول بلسانه لبيك عن فلان كما إذا حج عن نفسه و منها أن يكون حج المأمور بمال المحجوج عنه فان تطوع الحاج عنه بمال نفسه لم يجز عنه حتى يحج بماله و كذا إذا كان أوصى أن يحج عنه بماله و مات فتطوع عنه وارثه بمال نفسه لان الفرض تعلق بماله فإذا لم يحج بماله لم يسقط عنه الفرض و لان مذهب محمد ان نفس الحج يقع للحاج و انما للمحجوج عنه ثواب النفقة فإذا لم ينفق من ماله فلا شيء له رأسا و منها الحج راكبا حتى لو أمره بالحج فحج ماشيا يضمن النفقة و يحج عنه راكبا لان المفروض عليه هو الحج راكبا فينصرف مطلق الامر بالحج اليه فإذا حج ماشيا فقد خالف فيضمن و سواء كان الحاج قد حج عن نفسه أو كان صرورة انه يجوز في الحالين جميعا الا انه الافضل أن يكون قد حج عن نفسه و قال الشافعي لا يجوز حج الصرورة عن غيره و يقع حجه عن نفسه و يضمن النفقة و احتج بما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع رجلا يلبى عن شبرمة فقال له صلى الله عليه و سلم و من شبرمة فقال أخ لي أو صديق لي فقال صلى الله عليه و سلم أ حججت عن نفسك فقال لا فقال صلى الله عليه و سلم حج عن نفسك ثم عن شبرمة فالاستدلال به من وجهين أحدهما انه سأله عن حجه عن نفسه و لو لا ان الحكم يختلف لم يكن لسؤاله معنى و الثاني انه أمره بالحج عن نفسه أولا ثم عن شبرمة فدل انه لا يجوز الحج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه و لان حجه عن نفسه فرض عليه و حجه عن غيره ليس بفرض فلا يجوز ترك الفرض بما ليس بفرض و لنا حديث الخثعمية ان النبي صلى الله عليه و سلم قال لها حجى عن أبيك و لم يستفسر انها كانت حجت عن نفسها أو كانت صرورة و لو كان الحكم يختلف لاستفسر و لان الاداء عن نفسه لم يجب في وقت معين فالوقت كما يصلح لحجه عن نفسه يصلح لحجه عن غيره فإذا عينه لحجه عن غيره وقع عنه و لهذا قال أصحابنا ان الصرورة إذا حج بنية النفل انه يقع عن النفل لان الوقت لم يتعين للفرض بل يقبل الفرض و النفل فإذا عينه للنفل تعين له الا ان عند إطلاق النية يقع عن الفرض لوجود نية الفرض بدلالة حاله اذ الظاهر انه لا يقصد النفل و عليه الفرض فانصرف المطلق إلى المقيد بدلالة حاله لكن الدلالة انما تعتبر عند عدم النص بخلافها فإذا نوى التطوع فقد وجد النص بخلافها فلا تعتبر الدلالة الا أن الافضل ان يكون قد حج عن نفسه لانه بالحج عن غيره يصير تاركا إسقاط الفرض عن نفسه فيتمكن في هذا الا حجاج ضرب كراهة و لانه إذا كان حج مرة كان أعرف بالمناسك و كذا هو أبعد عن محل الخلاف فكان أفضل و الحديث محمول على الافضلية توفيقا بين الدلائل و سواء كان رجلا أو إمرأة الا انه يكره إحجاج المرأة لكنه يجوز أما الجواز فلحديث الخثعمية و أما الكراهة فلانه يدخل في حجها ضرب نقصان لان المرأة لا تستوفى سنن الحج فانها لا ترمل في الطواف و فى السعي بين الصفا و المروة و لا تحلق و سواء كان حرا أو عبدا باذن المولى لكنه يكره حجاج العبد أما الجواز فلانه يعمل بالنيابة و ما تجوز فيه النيابة يستوى فيه الحر و العبد كالزكاة و نحوها و أما الكراهة فلانه ليس من أهل أداء الفرض عن نفسه فيكره أداؤه عن غيره و الله الموفق و أما بيان ما يصير به المأمور بالحج مخالفا و بيان حكمه إذا خالف فنقول إذا أمر بحجة مفردة أو بعمرة مفردة فقرن فهو مخالف ضامن في قول
أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد يجزى ذلك عن الامر نستحسن و ندع القياس فيه و لا يضمن فيه دم القرآن على الحاج وجه قولهما انه فعل المأمور به و زاد خيرا فكان مأذونا في الزيادة دلالة فلم يكن مخالفا كمن قال لرجل اشتر لي هذا العبد بألف درهم فاشتراه بخمسمائة أو قال بع هذا العبد بألف درهم فباعه بألف و خمسمأة يجوز و ينفذ على الآمر لما قلنا كذا هذا و عليه دم القرآن لان الحاج إذا قرن باذن المحجوج عنه كان الدم على الحاج لما نذكر و لابي حنيفة انه لم يأت بالمأمور به لانه أمر بسفر يصرفه إلى الحج لا و لم يأت به فقد خالف أمر الآمر فضمن و لو أمره أن يحج عنه فاعتمر ضمن لانه خالف و لو اعتمر ثم حج من مكة يضمن النفقة في قولهم جميعا لامره له بالحج بسفر و قد أتى بالحج من سفر لانه صرف سفره الاول إلى العمرة فكان مخالفا فيضمن النفقة و لو أمره بالحج عنه فجمع بين إحرام الحج و العمرة فأحرم بالحج عنه و أحرم بالعمرة عن نفسه فحج عنه و اعتمر عن نفسه صار مخالفا في ظاهر الرواية عن أبى حنيفة و عن أبى يوسف انه يقسم النفقة على الحج و العمرة و يطرح عن الحج ما أصاب العمرة و يجوز ما أصاب الحج وجه رواية أبى يوسف ان المأمور فعل ما أمر به و هو الحج عن الآمر و زاده إحسانا حيث أسقط عنه بعض النفقة وجه ظاهر الرواية انه أمره بصرف كل السفر إلى الحج و لم يأت به لانه أدى بالسفر حجا عن الا آمر و عمرة عن نفسه فكان مخالفا و به تبين انه فعل ما أمر به و قوله انه أحسن اليه حيث أسقط عنه بعض النفقة سديد لان غرض الا آمر في الحج عن الغير هو ثواب النفقة فاسقاطه لا يكون إحسانا بل يكؤن إساءة و لو أمره أن يعتمر فأحرم بالعمرة و اعتمر ثم أحرم بالحج بعد ذلك و حج عن نفسه لم يكن مخالفا لانه فعل ما أمر به و هو أداء العمرة بالسفر و انما فعل بعد ذلك الحج فاشتغاله به كاشتغاله بعمل آخر من التجارة و غيرها الا ان النفقة مقدار مقامه للحج من ماله لانه عمل لنفسه و روى ابن سماعة عن محمد رحمه الله في الرقيات إذا حج عن الميت و طاف لحجه وسعى ثم أضاف اليه عمرة عن نفسه لم يكن مخالفا لان هذه العمرة واجبة الرفض لوقوعها على مخالفة السنة على ما ذكرنا في فصل القرآن فكان وجودها و العدم بمنزلة واحدة و لو كان جمع بينهما ثم أحرم بهما ثم لم يطف حتى وقف بعرفة و رفض العمرة لم ينفعه ذلك و هو مع ذلك مخالف لانه لما أحرم بهما جميعا فقد صار مخالفا في ظاهر الرواية على ما ذكرنا فوقعت الحجة عن نفسه فلا يحتمل التغيير بعد ذلك برفض العمرة و لو أمره رجل أن يحج عنه حجة و أمره رجل آخر أن يحج عنه فأحرم بحجة فهذا لا يخلو عن أحد وجهين اما ان أحرم بحجة عنهما جميعا و اما ان أحرم بحجة عن أحدهما فان أحرم بحجة عنهما جميعا فهو مخالف و يقع الحج عنه و يضمن النفقة لهما ان كان أنفق من مالهما لان كل واحد منهما أمره بحج تام و لم يفعل فصار مخالفا لامرهما فلم يقع حجه عنهما فيضمن لهما لان كل واحد منهما لم يرض بإنفاق ماله فيضمن و انما وقع الحج عن الحاج لان الاصل أن يقع كل فعل عن فاعله و انما يقع لغيره بجعله فإذا خالف لم يصر لغيره فبقى فعله له و لو أراد أن يجعله لاحدهما لم يملك ذلك بخلاف الابن إذا أحرم بحجة عن أبويه انه يجزئه ان يجعله عن أحدهما لان الابن مأمور بالحج عن الابوين فلا تتحقق مخالفة الآمر و انما جعل ثواب الحج الواقع عن نفسه في الحقيقة لابويه و كان من عزمه أن يجعل ثواب حجه لهما ثم نقض عزمه و جعله لاحدهما و ههنا بخلافه لان الحاج متصرف بحكم الا آمر و قد خالف أمرهما فلا يقع حجه لهما و لا لاحدهما و ان أحرم بحجة عن أحدهما فان أحرم لاحدهما عينا وقع الحج عن الذي عينه و يضمن النفقة للاآخر و هذا ظاهر و ان أحرم بحجة عن أحدهما عين فله أن يجعلها عن أحدهما أيهما شاء ما لم يتصل بها الاداء في قول أبى حنيفة و محمد استحسانا و القياس أن لا يجوز له ذلك و يقع الحج عن نفسه و يضمن النفقة لهما وجه القياس انه خالف الامر لانه أمر بالحج لمعين و قد حج لمبهم و المبهم المعين فصار مخالفا و يضمن النفقة و يقع الحج عن نفسه لما ذكرنا بخلاف ما إذا أحرم الابن بالحج عن أحد أبويه انه يصح و ان لم يكن معينا لما ذكرنا ان الابن في حجه لابويه ليس متصرفا بحكم الآمر حتى يصير مخالفا للامر بل هو يحج عن نفسه ثم يجعل ثواب حجه لاحدهما و ذلك جائز و ههنا بخلافه وجه الاستحسان انه قد صح من أصل أصحابنا ان الاحرام ليس
من الاداء بل هو شرط جواز اداء أفعال الحج فيقتضى تصور الاداء و الاداء متصور بواسطة التعيين فإذا جعله عن أحدهما قبل أن يتصل به شيء من أفعال الحج تعين له فيقع عنه فان لم يجعلها عن أحدهما حتى طاف شوطا ثم أراد أن يجعلها عن أحدهما لم تجز عن واحد منهما لانه إذا اتصل به الاداء تعذر تعيين القدر المؤدى لان المؤدى قد مضى و انقضى فلا يتصور تعيينه فيقع عن نفسه و صار إحرامه واقعا له لاتصال الاداء به و ان أمره أحدهما بحجة و أمره الا آخر بعمرة فان أذنا له بالجمع و هو القرآن فجمع جاز لانه أمر بسفر ينصرف بعضه إلى الحج و بعضه إلى العمرة و قد فعل ذلك فلم يصر مخالفا و ان لم يأذنا له بالجمع فجمع ذكر الكرخي انه يجوز و ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي انه لا يجوز على قول أبى حنيفة لانه خالف لانه أمر بسفر ينصرف كله إلى الحج و قد صرفه إلى الحج و العمرة فصار مخالفا و انما يصح هذا على ما روى عن أبى يوسف ان من حج عن غيره و اعتمر عن نفسه جاز و لو أمره أن يحج عنه فحج عنه ماشيا يضمن لانه خالف لان الامر بالحج ينصرف إلى الحج المتعارف في الشرع و هو الحج راكبا لان الله تعالى أمر بذلك فعند الاطلاق ينصرف اليه فإذا حج ماشيا فقد خالف فيضمن لما قلنا و لان الذي يحصل للآمر من الامر بالحج هو ثواب النفقة و النفقة في الركوب أكثر فكان الثواب فيه أوفر و لهذا قال محمد ان حج على حمار كرهت له ذلك و الجمل أفضل لان النفقة في ركوب الجمل أكثر فكان حصول المقصود فيه أكمل فكان أولى و إذا فعل المأمور بالحج ما يوجب الدم أو غيره فهو عليه و لو قرن عن الآمر بأمره فدم القرآن عليه و الحاصل ان جميع الدماء المتعلقة بالاحرام في مال الحاج الا دم الاحصار خاصة فانه في مال المحجوج عنه كذا ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي دم الاحصار و لم يذكر الاختلاف و كذا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي و لم يذكر الخلاف و ذكر في بعض نسخ الجامع الصغير انه على الحاج عند أبى يوسف اما ما يجب بالجناية فلانه هو الذي جنى فكان عليه الجزاء و لانه أمر بحج خال عن الجناية فإذا جنى فقد خالف فعليه ضمان الخلاف و اما دم القرآن فلانه دم نسك لانه يجب شكرا و سائر افعال النسك على الحاج فكذا هذا النسك و اما دم الاحصار فلان المحجوج عنه هو الذي أدخله في هذه العهدة فكان من جنس النفقة و المؤنة و ذلك عليه كذا هذا فان جامع الحاج عن غيره قبل الوقوف بعرفة فسد حجه و يمضى فيه و النفقة في ماله و يضمن ما أنفق من مال المحجوج عنه قبل ذلك و عليه القضاء من مال نفسه اما فساد الحج فلان الجماع قبل الوقوف بعرفة مفسد للحج لما نذكر ان شاء الله تعالى في موضعه و الحجة الفاسدة يجب المضي فيها و يضمن ما أنفق من مال المحجوج عنه قبل ذلك و عليه القضاء من مال نفسه و يضمن ما أنفق من مال الآمر قبل ذلك لانه خالف لانه أمره بحجة صحيحة و هي الخالية عن الجماع و لم يفعل ذلك فصار مخالفا فيضمن ما أتفق و ما بقي ينفق فيه من ماله لان الحج وقع له و يقضى لان من أفسد حجه يلزمه قضاؤه فان فاته الحج يصنع ما يصنع فائت الحج بعد شروعه فيه و سنذكره في موضعه ان شاء الله و لا يضمن النفقة لانه فاته بغير صنعه فلم يوجد منه الخلاف فلا يجب الضمان و عليه عن نفسه الحج من قابل لان الحجة قد وجبت عليه بالشروع فإذا فاتت لزمه قضاؤها و هذا على قول محمد ظاهر لان الحج عنده يقع عن الحاج و قالوا فيمن حج عن غيره فمرض في الطريق لم يجز له أن يدفع النفقة إلى من يحج عن الميت الا أن يكون اذن له في ذلك لانه مأمور بالحج لا بالاحجاج كان لم يبلغ المال المدفوع اليه النفقة فانفق من مال نفسه و مال الآمر ينظر فان بلغ مال الآمر الكراء و عامة النفقة فالحج عن الميت لا يكون مخالفا و الا فهو ضامن و يكون الحج عن نفسه و يرد المال و الاصل فيه أن يعتبر الاكثر و يجعل الاقل تبعا لللاكثر و قليل الانفاق من مال نفسه مما لا يمكن التحرز عنه من شربة ماء أو قليل زاد فلو اعتبر القليل مانعا من وقوع الحج عن الآمر يؤدى إلى سد باب الا حجاج فلا يعتبر و يعتبر الكثير و لو أحج رجلا يؤدى الحج و يقيم بمكا جاز لان فرض الحج صار مؤديا بالفراغ عن أفعاله و الافضل أن يحج ثم يعود اليه لان الحاصل للآمر ثواب النفقة فمهما كانت النفقة أكثر كان الثواب أكثر و أوفر و إذا فرغ المأمور بالحج من الحج و نوى الاقامة خمسة عشر يوما فصاعدا أنفق من مال نفسه
فصل وأما بيان ما يفسد الحج
لان نية الاقامة قد صحت فصار تاركا للسفر فلم يكن مأذونا بالانفاق من مال الآمر و لو أنفق ضمن لانه أنفق مال غيره بغير اذنه فان أقام بها أياما من نية الاقامة فقد قال أصحابنا انه ان أقام اقامة معتادة فالنفقة في مال المحجوج عنه و ان زاد على المعتاد فالنفقة من ماله حتى قالوا إذا أقام بعد الفراغ من الحج ثلاثة أيام ينفق من مال الآمر و ان زاد ينفق من مال نفسه و قالوا في الخراساني إذا جاء حاجا عن غيره فدخل بغداد فأقام بها اقامة معتادة مقدار ما يقيم الناس بها عادة فالنفقة في مال المحجوج عنه و ان أقام أكثر من ذلك فالنفقة في ماله و هذا كان في زمانهم لانه كان زمان أمن يتمكن الحاج من الخروج من مكة وحده أو مع نفر يسير فقد روا مدة الاقامة بها بعد الفراغ من الحج كما أذن النبي صلى الله عليه و سلم للمهاجر أن يقيم بمكة فاما في زماننا فلا يمكن الخروج للافراد و الآحاد و لا لجماعة قليلة من مكة الا مع القافلة فما دام منتظرا خروج القافلة فنفقته في مال المحجوج عنه و كذا هذا في أقامته ببغداد انه ما دام منتظرا لخروج القافلة فالنفقة في مال الآمر لتعذر سبقه بالخروج لما فيه من تعريض المال و النفس للهلاك فالتعويل في الذهاب و الاياب على ذهاب القافلة وايابها فان نوى اقامة خمسة عشر يوما فصاعدا حتى سقطت نفقته من مال الا آمر ثم رجع بعد ذلك هل تعود نفقته في مال الآمر ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي انه تعود و لم يذكر الخلاف و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان على قول محمد تعود و هو ظاهر الرواية و عند أبى يوسف لا تعود و هذا إذا لم يكن اتخذ مكة دارا فاما إذا اتخذها دارا ثم عاد لا تعود النفقة في مال الآمر بلا خلاف وجه قول أبى يوسف انه إذا نوى الاقامة خمسة عشر يوما فصاعدا فقد انقطع حكم السفر فلا تعود بعد ذلك كما لو اتخذ مكة دارا وجه ظاهر الرواية ان الاقامة ترك السفر لا قطعها و المتروك يعود فاما اتخاذ مكة دارا و التوطن بها هو قطع السفر و المنقطع لا يعود و لو تعجل المأمور بالحج ليكون شهر رمضان بمكة فدخل محرما في شهر رمضان أو في ذي القعدة فنفقته في مال نفسه إلى عشر الاضحى فإذا جاء عشر الاضحى أنفق من مال الآمر كذا روى هشام عن محمد لان المقام بمكة قبل الوقت الذي يدخلها الناس لا يحتاج اليه لاداء المناسك غالبا فلا تكون هذه الاقامة مأذونا فيها كالاقامة بعد الفراغ من الحج أكثر من المعتاد و لا يكون بما عجل مخالفا لان الا آمر ما عين له وقتا و التجارة و الاجارة لا يمنعان جواز الحج و يجوز حج التاجر و الاجير و المكاري لقوله عز و جل ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم قيل الفضل التجارة و ذلك ان أهل الجاهلية كانوا يتحرجون من التجارة في عشر ذي الحجة فلما كان الاسلام امتنع أهل الاسلام عن التجارة خوفا من أن يضر ذلك حجهم فرخص الله سبحانه و تعالى لهم طلب الفضل في الحج بهذه الا آية و روى ان رجلا سأل ابن عمر رضى الله عنه فقال انا قوم نكرى و نزعم ان ليس لنا حج فقال ألستم تحرمون قالوا بلى قال فأنتم حجاج جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فسأله عما سألتني عنه فقرأ هذه الآية ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم و لان التجارة و الاجارة لا يمنعان من أركان الحج و شرائطها فلا يمنعان من الجواز و الله أعلم ( فصل )
و أما بيان ما يفسد الحج و بيان حكمه إذا فسد اما الاول فالذي يفسد الحج الجماع لكن عند وجود شرطه فيقع الكلام فيه في موضعين في بيان ان الجماع يفسد الحج في الجملة و فى بيان شرط كونه مفسدا اما الاول فالدليل عليه ما روى عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم انهم قالوا فيمن جامع إمرأته و هما محرمان مضيا في إحرامهما و عليهما هدى و يقضيان من قابل و يفترقان و لان الجماع في نهاية الارتفاق بمرافق المقيمين فكان في نهاية الجناية على الاحرام فكان مفسدا للاحرام ( و أما )
شرط كونه مفسدا فشيآن أحدهما أن يكون الجماع في الفرج حتى لو جامع فيما دون الفرج أو لمس بشهوة أو عانق أو قبل أو بأشر لا يفسد حجه لانعدام الارتفاق البالغ لكن تلزمه الكفارة سواء أنزل أو لم ينزل لوجود استمتاع مقصود على ما بينا فيما تقدم و فرقنا بين اللمس و النظر عن شهوة و لو وطي بهيمة لا يفسد حجه لما قلنا و لا كفارة عليه الا إذا أنزل لانه ليس باستمتاع مقصود بخلاف الجماع فيما دون الفرج و اما الوطء في الموضع المكروه فاما على أصلهما يفسد الحج لانه في معنى الجماع
في القبل عندهما حتى قالوا بوجوب الحد و عن أبى حنيفة فيه روايتان في رواية يفسد لانه مثل الوطء في القبل في قضأ الشهوة و يوجب الاغتسال من إنزال و فى رواية لا يفسد لعدم كمال الارتفاق لقصور قضأ الشهوة فيه لسوء المحل فاشبه الجماع فيما دون الفرج و لهذا قال محمد رحمه الله انه لا يجب الحد و الثاني أن يكون قبل الوقوف بعرفة فان كان بعد الوقوف بها لا يفسد الحج عندنا و عند الشافعي هذا ليس بشرط و يفسد الحج قبل الوقوف و بعده ( وجه )
قوله ان الجماع انما عرف مفسدا للحج لكونه مفسدا للاحرام و الاحرام بعد الوقوف باق لبقاء ركن الحج و هو طواف الزيارة و لا يتصور بقاء الركن بدون الاحرام فصار الحال بعد الوقوف كالحال قبل ( و لنا )
ان الركن الاصلى للحج هو الوقوف بعرفة لقول النبي صلى الله عليه و سلم الحج عرفة أى الوقوف بعرفة فمن وقف بعرفة فقد تم حجه أخبر عن تمام الحج بالوقوف و معلوم انه ليس المراد منه التمام الذي هو ضد النقصان لان ذا لا يثبت بنفس الوقوف فعلم أن المراد منه خروجه عن احتمال الفساد و الفوات و لان الوقوف ركن مستقل بنفسه وجودا و صحة لا يقف وجوده و صحته على الركن الآخر و ما وجد و مضى على الصحة لا يبطل الا بالردة و لم توجد و إذا لم يفسد الماضي لا يفسد الباقى لان فساده بفساده و لكن يلزمه بدنة لما نذكره و يستوى في فساد الحج بالجماع الرجل و المرأة لاستوائهما في المعنى الموجب للفساد و هو ما بينا و لما ذكرنا أن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم أفتوا بفساد حجهما حيث أوجبوا القضاء عليهما و يستوى فيه العامد و الخاطئ و الذاكر و الناسى عند أصحابنا و قال الشافعي لا يفسده الخطأ و النسيان و الكلام فيه بناء على أصل ذكرناه مرة و هو ان فساد الحج لا يثبت الا بفعل محظور فزعم الشافعي أن الحظر لا يثبت مع الخطاء و النسيان و قلنا نحن يثبت و انما المرفوع هو المؤاخذة عليهما على ما ذكرنا فيما تقدم و يستوى فيه الطوع و الاكراه لان الاكراه لا يزيل الحظر و لو كانت المرأة مكرهة فانها لا ترجع بما لزمها على المكره لانه حصل لها استمتاع بالجماع فلا ترجع على أحد كالمغرور إذا وطي الجارية و لزمه الغرم انه لا يرجع به على الغار كذا هذا و يستوى فيه كون المرأة المحرمة مستيقظة أو نائمة حتى يفسد حجها في الحالين سواء كان المجامع لها محرما أو حلالا لان النائمة في معنى الناسية و النسيان لا يمنع فساد الحج كذا النوم و يستوى فيه كون المجامع عاقلا بالغا أو مجنونا أو صبيا بعد ان كانت المرأة المحرمة عاقلة بالغة حتى يفسد حجها لان التمكين محظور عليها ( و أما )
بيان حكمه إذا فسد ففساد الحج يتعلق به أحكام منها وجوب الشاة عندنا و قال الشافعي وجوب بدنة ( وجه )
قوله ان الجماع بعد الوقوف انما أوجب البدنة لتغليظ الجناية و الجناية قبل الوقوف أغلظ لوجودها حال قيام الاحرام المطلق لبقاء ركني الحج و بعد الوقوف لم يسبق لا أحدهما فلما وجبت البدنة بعد الوقوف فلان تجب قبله أولى و لنا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال البدنه في الحج في موضعين أحدهما إذا طاف للزيارة جنبا و رجع إلى أهله و لم يعد و الثاني إذا جامع بعد الوقوف و روينا عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم انهم قالوا و عليهما هدى و اسم الهدى و ان كان يقع على الغنم و الابل و البقر لكن الشاة أدنى و الادنى متيقن به فحمله على الغنم أولى على أنه روينا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه سئل عن الهدى فقال أدناه شاة و يجزى فيه شركة في جز و رأو بقرة لما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أشرك بين أصحابه رضى الله عنهم في البدن عام الحديبية فذبحوا البدنة عن سبعة و البقرة عن سبعة و اعتباره بما قبل الوقوف سديد لان الجناية قبل الوقوف أخف من الجناية بعده لان الجماع قبل الوقوف أوجب القضاء لانه أوجب فساد الحج و القضاء خلف عن الفائت فيجبر معنى الجناية فتخف الجناية فيوجب نقصان الموجب و بعد الوقوف لا يفسد الحج عندنا لما ذكرنا فلم يجب القضاء فلم يوجد ما تجب به الجناية فبقيت متغلظة فتغلظ الموجب و لو جامع قبل الوقوف بعرفة ثم جامع فان كان في مجلس لا يجب عليه الا دم واحد استحسانا و القياس ان يجب عليه لكل واحد دم على حدة لان سبب الوجوب قد تكرر فتكرر الواجب الا أنهم استحسنوا
فما أوجبوا الا دما واحدا لان أسباب الوجوب اجتمعت في مجلس واحد من جنس واحد فيكتفى بكفارة واحدة لان المجلس الواحد يجمع الافعال المتفرقة كما يجمع الاقوال المتفرقة كايلاجات في جماع واحد انها لا توجب الا كفارة واحدة و ان كان كل ايلاجة لو انفردت أوجبت الكفارة كذا هذا و ان كان في مجلسين مختلفين يجب دمان في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و قال محمد يجب دم واحد الا إذا كان كفر للاول كما في كفارة الافطار في شهر رمضان ( وجه )
قول محمد ان الكفارة انما وجبت بالجماع الاول جزاء لهتك حرمة الاحرام و الحرمة حرمة واحدة إذا انهتكت مرة لا يتصور انهتاكها ثانيا كما في صوم شهر رمضان و كما إذا جامع ثم جامع في مجلس واحد و إذا كفر فقد جبر الهتك فالتحق بالعدم و جعل كانه لم يوجد فلم يتحقق الهتك ثانيا و لهما ان الكفارة تجب بالجناية على الاحرام و قد تعددت الجناية فيتعدد الحكم و هو الاصل الا إذا قام دليل يوجب جعل الجنايات المتعددة حقيقة متحدة حكما و هو اتحاد المجلس و لم يوجد ههنا بخلاف الكفارة للصوم فانها لا تجب بالجناية على الصوم بل جبر الهتك حرمة الشهر على ما ذكرناه فيما تقدم و لا يجب عليه في الجماع الثاني الا شاة واحدة لان الاول لم يوجب الا شاة واحدة فالثاني أولى لان الاول صادف إحراما صحيحا و الثاني صادف إحراما مجروحا فلما لم يجب للاول الا شاة واحدة فالثاني أولى و لو جامع بعد الوقوف بعرفة ثم جامع ان كان في مجلس واحد لا يجب عليه الا بدنة واحدة و ان كان في مجلسين يجب عليه بدنة للاول و للثاني شاة على قول أبى حنيفة و أبى يوسف و على قول محمد ان كان ذبح للاول بدنه يجب للثاني شاة و الا فلا يجب و هو على ما ذكرنا من الاختلاف فيما قبل الوقوف هذا إذا لم يرد بالجماع بعد الجماع رفض الاحرام فاما إذا أراد به رفض الاحرام و الاحلال فعليه كفارة واحدة في قولهم جميعا سواء كان في مجلس واحد أو في مجالس مختلفة لان الكل مفعول على وجه واحد فلا يجب بها الا كفارة واحدة كالايلاجات في الجماع الواحد و منها وجوب المضي في الحجة الفاسدة لقول جماعة من الصحابة رضى الله عنهم يمضيا في إحرامهما و لان الاحرام عقد لازم لا يجوز التحلل عنه الا بأداء أفعال الحج أو لضرورة الاحصار و لم يوجد أحدهما فيلزمه المضي فيه فيفعل جميع ما يفعله في الحجة الصحيحة و يجتنب جميع ما يجتنبه في الحجة الصحيحة و منها وجوب القضاء لقول الصحابة رضى الله عنهم يقضيانه من قابل و لانه لم يأت بالمأمور به على الوجه الذي أمر به لانه أمر بحج خال عن الجماع و لم يأت به فبقى الواجب في ذمته فيلزمه تفريغ ذمته عنه و لا يجب عليه العمرة لانه ليس بفائت الحج ألا ترى انه لم تسقط عنه أفعال الحج بخلاف المحصر إذا حل من إحرامه بذبح الهدى انه يجب عليه قضأ الحجة و العمرة أما قضأ الحجة فظاهر و أما قضأ العمرة فلفوات الحج في ذلك العام و هل يلزمهما الافتراق في القضاء قال أصحابنا الثلاثة لا يلزمهما ذلك لكنهما ان خالفا المعاودة يستحب لهما ان يفترقا و قال زفر و مالك و الشافعي يفترقان و احتجوا بما روينا من قول جماعة من الصحابة رضى الله عنهم يفترقان و لان الاجتماع فيه خوف الوقوع في الجماع ثانيا فيجب التحرز عنه بالافتراق ثم اختلفوا في مكان الافتراق قال مالك إذا خرجا من بلدهما يفترقان حسما للمادة و قال الشافعي إذا بلغا الموضع الذي جامعها فيه لانهما يتذكر ان ذلك فربما يقعان فيه و قال زفر يفترقان عند الاحرام لان الاحرام هو الذي حظر عليه الجماع فاما قبل ذلك فقد كان مباحا و لنا انهما زوجان و الزوجية علة الاجتماع لا الافتراق و أما ما ذكروا من خوف الوقوع يبطل بالابتداء فانه لم يجب الافتراق في الابتداء مع خوف الوقوع و قول الشافعي يتذكر ان ما فعلا فيه فاسد لانهما قد يتذكر ان و قد لا يتذكر ان اذ ليس كل من يفعل فعلا في مكان يتذكر ذلك الفعل إذا وصل اليه ثم ان كانا يتذكر ان ما فعلا فيه يتذكر ان ما لزمهما من وبال فعلهما فيه أيضا فيمنعهما ذلك عن الفعل ثم يبطل هذا بلبس المخيط و التطيب فانه إذا لبس المخيط أو تطيب حتى لزمه الدم يباح له إمساك الثوب المخيط و التطيب و ان كان ذلك يذكره لبس المخيط و التطيب فدل ان الافتراق ليس بلازم لكنه
مندوب اليه و مستحب عند خوف الوقوع فيما وقعا فيه و على هذا يحمل قول الصحابة رضى الله عنهم يفترقان و الله الموفق هذا إذا كان مفردا بالحج فاما إذا كان قارنا فالقارن إذا جامع فان كان قبل الوقوف و قبل الطواف للعمرة أو قبل الكثرة فسدت عمرته و حجته و عليه دمان لكل واحد منهما شاة و عليه المضي فيها و اتمامهما على الفساد و عليه قضاؤهما و يسقط عنه دم القرآن أما فساد العمرة فلوجود الجماع قبل الطواف و انه مفسد للعمرة كما في حال الانفراد و أما فساد الحجة فلحصول الجماع قبل الوقوف بعرفة و انه مفسد للحج كما في حال الانفراد و أما وجوب الدمين فلان القارن محرم بإحرامين عندنا فالجماع حصل جناية على احرامين فأوجب نقصا في العبادتين فيوجب كفارتين كالمقيم إذا جامع في رمضان و اما لزوم المضي فيهما فلما ذكرنا ان وجوب الاحرام عقد لازم و اما وجوب قضائهما فلا فسادهما فيقتضى عمرة مكان عمرة و حجة مكان حجة و اما سقوط دم القرآن عنه فلانه أفسدهما و الاصل ان القارن إذا أفسد حجه و عمرته أو أفسد أحدهما يسقط عنه دم القرآن لان وجوبه ثبت شكرا لنعمة الجمع بين القربتين و بالفساد بطل معنى القربة فسقط الشكر و لو جامع بعد ما طاف لعمرته أو طاف أكثره و هو أربعة أشواط أو بعد ما طاف لها وسعى قبل الوقوف بعرفة فسدت حجته و لا تفسد عمرته أما فساد حجته فلما ذكرنا و هو حصول الجماع قبل الوقوف بعرفة و اما عدم فساد عمرته فلحصول الجماع بعد وقوع الفراغ من ركنها فلا يوجب فسادها كما في حال الانفراد و عليه دمان أحدهما لفساد الحجة بالجماع و الآخر لوجود الجماع في إحرام العمرة لان إحرام العمرة باق عليه و عليه المضي فيهما و اتمامهما لما ذكرنا و عليه قضأ الحج دون العمرة لان الحجة هى التي فسدت دون العمرة و يسقط عنه دم القرآن لانه فسد أحدهما و هو الحج و لو جامع بعد طواف العمرة و بعد الوقوف بعرفة فلا يفسد حجه و لا عمرته أما عدم فساد الحج فلان الجماع وجد بعد الوقوف بعرفة و انه لا يفسد الحج و اما عدم فساد العمرة فلانه جامع بعد الفراغ من ركن العمرة و عليه إتمامها لانه لما وجب إتمامها على الفساد فعلى الصحة و الجواز أولى و عليه بدنة و شاة البدنة لاجل الجماع بعد الوقوف و الشاة لان الاحرام للعمرة باق و الجماع في إحرام العمرة يوجب الشاة و ههنا لا يسقط عنه دم القرآن لانه لم يوجد فساد الحج و العمرة و لا فساد أحدهما فأمكن إيجاب الدم شكرا فان جامع مرة بعد أخرى فهو على ما ذكرنا من التفصيل في المفرد بالحج انه ان كان في مجلس واحد فلا يجب عليه ذلك و ان كان في مجلس آخر فعليه دمان على الاختلاف الذي ذكرنا فان جامع أول مرة بعد الحلق قبل الطواف للزيارة فعليه بدنة و شاة لان القارن يتحلل من الاحرامين معا و لم يحل له النساء بعد إحرام الحجة فكذا في إحرام العمرة كما يقع له التحلل من النساء بالحلق فيهما جميعا و لو جامع بعد ما طاف طواف الزيارة كله أو أكثره فلا شيء عليه لانه قد حل له النساء فلم يبق له الاحرام رأسا الا إذا طاف طواف الزيارة قبل الحلق و التقصير فعليه شاتان لبقاء الاحرام لهما جميعا و روى ابن سماعة عن محمد في الرقيات فيمن طاف طواف الزيارة جنبا أو على وضوء و طاف أربعة أشواط طاهرا ثم جامع النساء قبل أن يعيده قال محمد اما في القياس فلا شيء و لكن أبا حنيفة استحسن فيما إذا طاف جنبا ثم جامع ثم أعاده طاهرا انه يوجب عليه دما و كذا قول أبى يوسف و قولنا ( وجه )
القياس انه قد صح من مذهب أصحابنا ان الطهارة ليست بشرط لجواز الطواف و إذا لم تكن شرطا فقد وقع التحلل بطوافه و الجماع بعد التحلل من الاحرام لا يوجب الكفارة ( وجه )
الاستحسان انه إذا اعاده و هو طاهر فقد انفسخ الطواف الاول على طريق بعض مشايخ العراق و صار طوافه المعتبر هو الثاني لان الجناية توجب نقصانا فاحشا فتبين ان الجماع كان حاصلا قبل الطواف فيوجب الكفارة بخلاف ما إذا طاف على وضوء لان النقصان هناك يسير فلم ينفسخ الاول فبقى جماعه بعد التحلل فلا يوجب الكفارة و ذكر ابن سماعة عن محمد في الرقيات فيمن طاف أربعة أشواط من طواف الزيارة في جوف الحجر أو فعل ذلك في طواف العمرة ثم جامع انه تفسد العمرة و عليه
فصل وأما بيان ما يفوت الحج بعد الشروع
عمرة مكانها و عليه في الحج بدنة لان الركن في الطواف أكثر الاشواط و هو أربعة فإذا طاف في جوف الحجر فلم يأت بأكثر الاشواط فحصل الجماع قبل الطواف و روى ابن سماعة عن محمد فيمن فاته الحج فجامع أنه يمضى على إحرامه و عليه دم للجماع و القضاء للفوات أما وجوب المضي فلبقاء الاحرام و أما وجوب الدم بالجماع فلوجود الجماع في الاحرام و ليس عليه قضأ العمرة لان هذا تحلل بمثل أفعال العمرة و ليس بعمرة بل هو بقية أفعال حج قد وجب قضاؤه بخلاف العمرة المبتدأة و الله أعلم و أما المتمتع إذا جامع فحكمه حكم المفرد بالحج و المفرد بالعمرة لانه يحرم بعمرة أولا ثم يحرم بحجة و قد ذكرنا حكم المفرد بالحجة و سنذكر ان شاء الله تعالى حكم المفرد بالعمرة في موضعه ( فصل )
و أما بيان ما يفوت الحج بعد الشروع فيه بفواته و بيان حكمه إذا فات بعد الشروع فيه فالحج بعد الشروع فيه لا يفوت الا بفوات الوقوف بعرفة لقول النبي صلى الله عليه و سلم الحج عرفة فمن وقف بعرفة فقد تم حجه و الاستدلال به من وجهين أحدهما انه جعل الحج الوقوف بعرفة فإذا وجد فقد وجد الحج و الشئ الواحد في زمان واحد لا يكون موجودا و فائتا و الثاني انه جعل تمام الحج الوقوف بعرفة و ليس المراد منه التمام الذي هو ضد النقصان لان ذلك لا يثبت بالوقوف وحده فيدل أن المراد منه خروجه عن احتمال الفوات و قول النبي صلى الله عليه و سلم من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج و من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج جعل مدرك الوقوف بعرفة مدركا للحج و المدرك لا يكون فائتا و أما حكم فواته بعد الشروع فيه فيتعلق بفواته بعد الشروع فيه أحكام منها انه يتحلل من إحرامه بعمل العمرة و هو الطواف بالبيت و السعي بين الصفا و المروة و الحلق أو التقصير ان كان مفردا بالحج و يجب عليه ذلك لما روى الدارقطني باسناده عن عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر رضى الله عنهم عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة من دم و عليه الحج من قابل و عن عمر و زيد بن ثابت و عبد الله بن عباس رضى الله عنهم انهم قالوا فيمن فاته الحج يحل بعمل العمرة من هدى و عليه الحج من قابل ثم اختلف أصحابنا فيما يتحلل به فائت الحج من الطواف انه يلزمه ذلك بإحرام الحج أو بإحرام العمرة قال أبو حنيفة و محمد بإحرام الحج و قال أبو يوسف بإحرام العمرة و ينقلب إحرامه إحرام عمرة و احتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث الدارقطني فليحل بعمرة سماه عمرة و لا عمرة الا بإحرام العمرة فدل ان إحرامه ينقلب إحرام عمرة و لان المؤدى أفعال العمرة فكانت عمرة و لهما قول الصحابة رضى الله عنهم يحل بعمل العمرة أضاف العمل إلى العمرة و الشئ لا يضاف إلى نفسه هو الاصل و لانه أحرم بالحج لا بالعمرة حقيقة لانه مفرد بالحج و اعتبارا لحقيقة أصل في الشرع فالقول بانقلاب إحرام الحج إحرام العمرة تغيير الحقيقة من دليل مع ان الاحرام عقد لازم لا يحتمل الانفساخ و فى الانقلاب انفساخ و هذا لا يجوز و الدليل على صحة ما ذكرنا ان فائت الحج لو كان من أهل مكة يتحلل بالطواف كما يتحلل أهل الآفاق و لا يلزمه الخروج إلى الحل و لو انقلب إحرامه إحرام عمرة و صار معتمرا للزمه الخروج إلى الحل و هو التنعيم أو غيره و كذا فائت الحج إذا جامع ليس عليه قضأ العمرة و لو كان عمرة لوجب عليه قضاؤه كالعمرة المبتدأة فيثبت بما ذكرنا من الدلائل ان إحرامه بالحج لم ينقلب إحرام عمرة و به تبين ان المؤدى ليس أفعال العمرة بل مثل أفعال العمرة تؤدى بإحرام الحجة و الحديث محمول على عمل العمرة توفيقا بين الدليلين و منها ان عليه الحج من قابل لما روينا من الحديث و قول الصحابة رضى الله عنهم و لانه إذا فاته الحج من هذه السنة بعد الشروع فيه بقي الواجب عليه على حاله فيلزمه الاتيان به و لا دم على فائت الحج عندنا و قال الحسن بن زياد عليه دم و به أخذ الشافعي ( وجه )
قول الحسن انه يتحلل قبل وقت التحلل فيلزمه دم كالمحصر و لنا ما روى عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم انهم قالوا فيمن فاته الحج يحل بعمرة من هدى و كذا في حديث الدارقطني جعل
فصل وأما بيان حكم فوات الحج
النبي صلى الله عليه و سلم التحلل و الحج من قابل كل الحكم في فائت الحج بقوله من فاته الوقوف بعرفة بليل فقد فاته الحج و ليحل بعمرة و عليه الحج من قابل فمن ادعى زيادة الدم فقد جعل الكل بعضا و هو نسخ أو تغيير فلا بد له من دليل و قوله تحلل قبل الوقوف مسلم لكن بأفعال العمرة و هو فائت الحج و التحلل بأفعال العمرة من فائت الحج كالهدى في حق المحصر و ليس على فائت الحج طواف الصدر لانه طواف عرف وجوبه في الشرع بعد الفراغ من الحج على ما قال النبي صلى الله عليه و سلم من حج هذا البيت فليكن آخر عهده به الطواف و هذا لم يحج فلا يجب عليه و ان كان فائت الحج قارنا فانه يطوف للعمرة و يسعى لها ثم يطوف طوافا آخر لفوات الحج و يسعى له و يحلق أو يقصر و قد بطلل عنه دم القرآن أما الطواف للعمرة و السعي لها فلان القارن محرم بعمرة و حجة و العمرة لا تفوت لان جميع الاوقات وقتها فيأتى بها كما يأتى المدرك للحج و أما الطواف و السعي للحج فلان الحجة قد فاتته في هذه السنة بعد الشروع فيها و فائت الحج بعد الشروع فيه لا يتحلل بأفعال العمرة فيطوف و يسعى و يحلق أو يقصر و أما سقوط دم القرآن يجب للجمع بين العمرة و الحج و لم يوجد فلا يجب و يقطع التلبية إذا أخذ في الطواف الذي يتجلل به على ما ذكرنا فيما تقدم و ان كان متمتعا ساق الهدى بطل تمتعه و يصنع كما يصنع القارن لان دم المتعة يجب للجمع بين العمرة و الحجة و لم يوجد الجمع لان الحجة فاتته ( فصل )
و أما بيان حكم فوات الحج عن العمرة فنقول من عليه الحج إذا مات قبل ادائه فلا يخلوا ما ان مات من وصية و اما ان مات عن وصية فان مات من وصية يأثم بلا خلاف أما على قول من يقول بالوجوب على الفور فلا يشكل و أما على قول من يقول بالوجوب على التراخى فلان الوجوب يضيق عليه في آخر العمر في وقت يحتمل الحج و حرم عليه التأخير فيجب عليه أن يفعل بنفسه ان كان قادرا و ان كان عاجزا عن الفعل بنفسه عجزا مقرر أو يمكنه الاداء بماله بانابة غيره مناب نفسه بالوصية فيجب عليه أن يوصى به فان لم يوص به حتى مات اثم بتفويته الفرض عن وقته مع إمكان الاداء في الجملة فيأثم لكن يسقط عنه في حق أحكام الدنيا عندنا حتى لا يلزم الوارث الحج عنه من تركته لانه عبادة و العبادات تسقط بموت من عليه سواء كانت بدنية أو مالية في حق أحكام الدنيا عندنا و عند الشافعي لا تسقط و يؤخذ من تركته قدر ما يحج به و يعتبر ذلك من جميع المال و هذا على الاختلاف في الزكاة و الصوم و العشر و النذور و الكفارات و نحو ذلك و قد ذكرنا المسألة في كتاب الزكاة و ان أحب الوارث أن يحج عنه حج و أرجو أن يجزيه ذلك ان شاء الله تعالى كذا ذكر أبو حنيفة أما الجواز فلما روى أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال يا رسول الله ان أمى ماتت و لم تحج أفاحج عنها فقال نعم فقد أجاز النبي صلى الله عليه و سلم حج الرجل عن أمه و لم يستفسر أنها ماتت عن وصية أو لا عن وصية و لو كان الحكم يختلف لاستفسر و أما قران الاستثناء بالاجزاء فلان الحج كان واجبا على الميت قطعا و الواجب على الانسان قطعا لا يسقط الا بدليل موجب للسقوط قطعا و الموجب لسقوط الحج عن الميت بفعل الوارث بغير أمره من أخبار الآحاد و خبر الواحد يوجب علم العمل لا علم الشهادة لاحتمال عدم الثبوت و ان كان احتمالا مرجوحا لكن الاحتمال المرجوح يعتبر في علم الشهادة و ان كان لا يعتبر في علم العمل فعلق الاجزاء و السقوط بمشيئة الله تعالى احترازا عن الشهادة على الله تعالى من علم قطعى و هذا من كمال الورع و الاحتياط في دين الله تعالى و لان الظاهر من حال من عليه الحج إذا عجز عن الاداء بنفسه حتى أدركه الموت و له مال انه يأمر وارثه بالحج عنه تفريغا لذمته عن عهدة الواجب فكانت الوصية موجودة دلالة و الثابت دلالة كالثابت نصا لكن الحق الاستثناء به لاحتمال العدم فان قيل لو كان الامر على ما ذكرتم هلا الحق الاستثناء بكل ما يثبت بخبر الواحد فالجواب انك أبعدت في القياس اذ لا كل خبر يرد بمثل هذا الحكم و هو سقوط الفرض و محل سقوط الاستثناء هذا فان ثبت الاطلاق منه في مثله في موضع من تصريح بالاستثناء فذلك لوجود النية منه عليه في الحج فتقع
الغنية عن الافصاح به في كل موضع و ان مات عن وصية لا يسقط الحج عنه و يجب أن يحج عنه لان الوصية بالحج قد صحت و إذا حج عنه يجوز عند استجماع شرائط الجواز و هي نية الحج عنه و ان يكون الحج بمال الموصى أو بأكثره الا تطوعا و ان يكون راكبا لا ماشيا لما ذكرنا فيما تقدم و يحج عنه من ثلث ماله سواء قيد الوصية بالثلث بأن يحج عنه بثلث ماله أو أطلق بأن أوصى أن يحج عنه اما إذا قيد فظاهر و كذا إذا أطلق لان الوصية تنفذ من الثلث و يحج عنه من بلده الذي يسكنه لان الحج مفروض عليه من بلده فمطلق الوصية ينصرف اليه و لهذا قال محمد رحمه الله روى ابن رستم عنه في خراسانى أدركه الموت بمكة فأوصى أن يحج عنه يحج عنه من خراسان و روى هشام عن أبى يوسف في مكى قدم الري فحضره الموت فأوصى أن يحج عنه يحج عنه من مكة فان أوصى أن يقرن عنه قرن عنه من الري لانه لا قران لاهل مكة فتحمل الوصية على ما يصح و هو القرآن من حيث مات هذا إذا كان ثلث المال يبلغ أن يحج عنه من بلده حج عنه فان كان لا يبلغ يحج من حيث يبلغ استحسانا و كذا إذا أوصى أن يحج عنه بمال سمى مبلغه ان كان يبلغ أن يحج عنه من بلده حج عنه و الا فيحج عنه من حيث يبلغ استحسانا و القياس أن تبطل الوصية لانه تعذر تنفيذها على ما قصده الموصى و هذا يوجب بطلان الوصية كما إذا أوصى بعتق نسمة فلم يبلغ ثلث المال ثمن النسمة ( وجه )
الاستحسان ان غرض الموصى من الوصية بالحج تفريغ ذمته عن عهدة الواجب و ذلك في التصحيح لا في الابطال و لو حمل ذلك على الوصية بالحج من بلده لبطلت و لو حمل على الوصية من حيث يبلغ لصحت فيحمل عليه تصحيحا لها و فى الوصية بعتق النسمة تعذر التصحيح أصلا و رأسا فبطلت فان خرج من بلده إلى بلد أقرب من مكة فان كان خرج لغير الحج حج عنه من بلده في قولهم جميعا و ان كان خرج للحج فمات في بعض الطريق و أوصى ان يحج عنه فكذلك في قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد يحج عنه من حيث بلغ ( وجه )
قولهما ان قدر ما قطع من المسافة في سفره بنية الحج معتد به من الحج لم يبطل بالموت لقوله تعالى و من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله و رسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله فسقط عنه ذلك القدر من فرض الحج و بقى عليه إتمامه و لابي حنيفة ان القدر الموجود من السفر يعتبر لكن في حق أحكام الآخرة و هو الثواب لا في حق أحكام الدنيا لان ذلك يتعلق بأداء الحج و لم يتصل به الاداء فبطل بالموت في حق أحكام الدنيا ان لم يبطل في حق أحكام الآخرة و كلامنا في حق أحكام الدنيا و لو خرج للحج فأقام في بعض البلاد حتى دارت السنة ثم مات و قد أوصى أن يحج عنه يحج عنه من بلده بلا خلاف أما عند أبى حنيفة فظاهر و أما عندهما فلان ذلك السفر لم يتصل به عمل الحجة التي سافر لها فلم يعتد به عن الحج و ان كان ثلث ماله لا يبلغ أن يحج به عنه الا ماشيا فقال رجل أنا أحج عنه من بلده ماشيا روى هشام عن محمد رحمه الله انه لا يجزيه و لكن يحج عنه من حيث يبلغ راكبا و روى الحسن عن أبى حنيفة ان أحجوا عنه من بلده ماشيا جاز و ان أحجوا من حيث يبلغ راكبا جاز وأصل هذه المسألة أن الموصى بالحج إذا اتسعت نفقته للركوب فاحجوا عنه ماشيا لم يجز لان المفروض هو الحج راكبا فإطلاق الوصية ينصرف إلى ذلك كانه أوصاه بذلك و قال أحجوا عني راكبا و لو كان كذلك لا يجوز ماشيا كذا هذا ( وجه )
رواية الحسن ان فرض الحج له تعلق بالركوب و له تعلق ببلده و لا يمكن مراعاتهما جميعا و فى كل واحد منهما كمال من وجه و نقصان من وجه فيجوز أيهما كان و ان كان ثلث ماله لا يبلغ أن يحج عنه من بلده فحج عنه من موضع يبلغ و فضل من الثلث و تبين انه كان ببلغ من موضع أبعد منه يضمنه الوصي و يحج عن الميت من حيث يبلغ لانه تبين أنه خالف الا إذا كان الفاضل شيأ يسيرا من زاد أو كسوة فلا يكون مخالفا و لا ضامنا و يرد الفضل إلى الورثة لان ذلك ملكهم و ان كان للموصى و طنان فأوصى أن يحج عنه من أقرب الوطنين لان الاقرب دخل في الوصية بيقين و فى دخول الابعد شك فيؤخذ باليقين و فيما ذكرنا من المسائل التي وجب الحج من بلده إذا أحج الوصي من بلده يكون ضامنا و يكون الحج له و يحج
فصل ثم الحج كما هو واجب بايجاب الله تعالى
عن الميت ثانيا لانه خالف الا إذا كان المكان الذي أحج عنه قريبا إلى وطنه بحيث يبلغ اليه و يرجع إلى الوطن قبل الليل فحينئذ لا يكون مخالفا و لا ضامنا و يكون كاختلاف المحل و لو مات في محلة فاحجوا عنه من محلة أخرى جاز كذا هذا فان قال الموصى أحجوا عني بثلث مالى و ثلث ماله يبلغ حججا حج عنه حججا كذا روى القدوري في شرحه مختصر الكرخي و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه إذا أوصى أن يحج عنه بثلث ماله و ثلث ماله يبلغ حججا يحج عنه حجة واحدة من وطنه و هي حجة الاسلام الا إذا أوصى أن يحج عنه بجميع الثلث فيحج عنه حججا بجميع الثلث و ما ذكره القاضي أثبت لان الوصية بالثلث و بجميع الثلث واحد لان الثلث اسم لجميع هذا السهم ثم الوصي بالخيار ان شاء أحج عنه الحجج في سنة واحدة و ان شاء أحج عنه في كل سنة واحدة و الافضل أن يكون في سنة واحدة لان فيه تعجيل تنفيذ الوصية و التعجيل في هذا أفضل من التأخير و ان أوصى أن يحج عنه من موضع كذا من بلده يحج عنه من ثلث ماله من ذلك الموضع الذي بين قرب من مكة أو بعد عنها لان الا حجاج لا يجوز الا بأمره فيتقدر بقدر أمره و ما فضل في يد الحاج عن الميت بعد النفقة في ذهابه و رجوعه فانه يرده على الورثة لا يسعه ان يأخذ شيأ مما فضل لان النفقة لا تصير ملكا للحاج بالاحجاج و انما ينفق قدر ما يحتاج اليه في ذهابه و ايابه على حكم ملك الميت لانه لو ملك انما يملك بالاستئجار و الاستئجار على الطاعات لا يجوز عندنا فكان الفاضل ملك الورثة فيجب عليه رده إليهم و لو قاسم الورثة و عزل قدر نفقة الحج و دفع بقية التركة إلى الورثة فهلك المعزول في يد الوصي أو في يد الحاج قبل الحج بطلت القسمة في قول أبى حنيفة و هلك ذلك القدر من الجملة و لا تبطل الوصية و يحج له من ثلث المال الباقى حتى يحصل الحج أو ينوى المال في قول أبى حنيفة و جعل أبو حنيفة الحج بمنزلة الموصى له الغائب و قسمة الوصي مع الورثة على الموصى له الغائب لا يجوز حتى لو قاسم مع الورثة و عزل نصيب الموصى له ثم هلك في يده قبل أن يصل إلى الموصى له الغائب يهلك من الجملة و يأخذ الموصى له ثلث الباقى كذلك الحج و عند أبى يوسف ان بقي من ثلث ماله شيء يحج عنه مما بقي من ثلثه من حيث يبلغ و انه لم يبق من ثلثه شيء بطلت الوصية و قال محمد قسمة الوصية جائزة و تبطل الوصية بهلاك المعزول سواء بقي من المعزول شيء أو لم يبق شيء فان لم يهلك ذلك المال و لكن مات المجهز في بعض طريق مكة فما أنفق المجاهز إلى وقت الموت نفقة مثله فلا ضمان عليه لانه لم ينفق على الخلاف بل على الوفاق و ما بقي في يد المجهز القياس أن يضم إلى مال الموصى فيعزل ثلث ماله و يحج عنه من وطنه و هو قول أبى حنيفة و فى الاستحسان يحج بالباقي من حيث تبلغ و هو قولهما ( فصل )
ثم الحج كما هو واجب بإيجاب الله تعالى ابتداء على من استجمع شرائط الوجوب و هو حجة الاسلام فقد يجب بإيجاب الله تعالى لكن بناؤه على وجود سبب الوجوب من العبد و هو النذر بأن يقول لله على حجة لان النذر من أسباب الوجوب في العبادات و القرب المقصودة قال النبي صلى الله عليه و سلم من نذر أن يطيع الله فليطعه و كذا لو قال على حجة فهذا و قوله لله على حجة سواء لان الحج لا يكون الا لله تعالى و سواء كان النذر مطلقا أو معلقا بشرط بأن قال ان فعلت كذا فلله على أن أحج حتى يلزمه الوفاء به إذا وجد الشرط و لا يخرج عنه بالكفارة في ظاهر الرواية عن أبى حنيفة و سنذكر ان شاء الله تعالى المسألة في كتاب النذر و لو قال لله على إحرام أو قال على إحرام صح و عليه حجة أو عمرة و التعيين اليه و كذا إذا كر لفظا يدل على التزام الاحرام بأن قال لله على المشي إلى بيت الله أو إلى الكعبة أو إلى مكة جاز و عليه حجة أو عمرة و لو قال إلى الحرم أو إلى المسجد الحرام لم يصح و لا يلزمه شيء في قول أبى حنيفة و عندهما يصح و يلزمه حجة أو عمرة و لو قال إلى الصفا و المروة لا يصح في قولهم جميعا و لو قال على الذهاب إلى بيت الله أو الخروج أو السفر أو الاتيان لا يصح في قولهم و دلائل هذه المسائل تذكر ان شاء الله تعالى في كتاب النذر فانه كتاب مفرد و انما نذكر ههنا بعض ما يختص بالحج فان
قال لله على هدى أو على هدى فله الخيار ان شاء ذبح شاة و ان شاء نحر جزورا و ان شاء ذبح بقرة لان اسم الهدى يقع على كل واحد من الاشياء الثلاثة لقوله فما استيسر من الهدى قيل في التفسير ان المراد منه الشاة و إذا كانت الشاة ما استيسر من الهدى فلا بد و ان يكون من الهدى ما لا يكون مستيسرا و هو الابل و البقر و قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لما سئل عن الهدى أدناه شاة و إذا كانت الشاة أدنى الهدى كان أعلاه الابل و البقر ضرورة و قد روى عن على رضى الله عنه أنه قال الهدى من ثلاثة و البدنة من اثنين و لان مأخذ الاسم دليل عليه لان الهدى اسم لما يهدى أى ينقل و يحول و هذا المعنى يوجد في الغنم كما يوجد في الابل و البقر و يجوز سبع البدنة عن الشاة لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال البدنة تجزي عن سبعة و البقرة تجزي عن سبعة و لو قال لله على بدنة فان شاء نحر جزورا و ان شاء ذبح بقرة عندنا و قال الشافعي لا يجوز الا الجزور ( وجه )
قوله ان البدنة في اللغة اسم للجمل و الدليل عليه قوله تعالى و البدن جعلناها لكم من شعائر الله ثم فسرها بالابل بقول عز و جل فاذكروا اسم الله عليها صواف أى قائمة مصطفة و الابل هى التي تنحر كذلك فاما البقر فانها تذبح مضجعة و روينا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال البدنة تجزي عن سبعة و البقرة تجزي عن سبعة حتى قال جابر نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم البدنة عن سبعة و البقرة عن سبعة ميز بين البدنة و البقرة فدل أنهما غير ان ( و لنا )
ما روينا عن على رضى الله عنه أنه قال الهدى من ثلاثة و البدنة من اثنين و هذا نص و عن ابن عباس رضى الله عنه أن رجلا سأله و قال ان رجلا صاحبا لنا أوجب على نفسه بدنة أفتجزيه البقرة فقال له ابن عباس رضى الله عنه مم صاحبكم قال من بني رباح فقال متى اقتنت بنو أرباح البقر انما البقر للازد و انما و هم صاحبكم الابل و لو لم يقع اسم البدنة على البقر لم يكن لسؤاله معنى و لما سأله فقد أوقع الاسم على الابل و البقر لكن أوجب على الناذر الابل لارادته ذلك ظاهرا و لان البدنة مأخوذة من البدانة و هي الضخامة و انها توجد فيهما و لهذا استويا في الجواز عن سبعة و لا حجة له في الآية لان فيها جواز إطلاق اسم البدنة على الابل و نحن لا ننكر ذلك و أما قوله انه وقع التمييز بين البدنة و البقرة في الحديث فممنوع لان ذكر البقرة ما خرج على التمييز بل على التأكيد كما في قوله عز و جل و اذ أخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح و إبراهيم و موسى و عيسى بن مريم و كما في قول القائل جاني أهل قرية كذا فلان و فلان على أن ظاهر العطف ان أول على التغيير و التسوية بينهما في جواز كل واحد منهما عن سبعة يدل على الاتحاد في المعنى و لا حجة مع التعارض و لو قال لله على جزور فعليه أن ينحر بعيرا لان اسم الجزور لا يقع الا على الابل و يجوز إيجاب الهدى مطلقا و معلقا بشرط بأن يقول ان فعلت كذا فلله على هدى و لو قال هذه الشاة هدى إلى بيت الله أو إلى الكعبة أو إلى مكة أو إلى الحرم أو إلى المسجد الحرام أو إلى الصفا و المروة فالجواب فيه كالجواب في قوله على المشي إلى بيت الله تعالى أو إلى كذا و كذا على الاتفاق و الاختلاف و لو أوجب على نفسه أن يهدى ما لا بعينه من الثياب و غيرها مما سوى النعم جاز و عليه أن يتصدق به أو بقيمته و الافضل أن يتصدق على فقراء مكة و لو تصدق بالكوفة جاز و اما في النعم من الابل و البقر و الغنم فلا يجوز ذبحه الا في الحرم فيذبح في الحرم و يتصدق بلحمه على فقراء مكة هو الافضل و لو تصدق على فقراء مكة جاز كذا ذكر في الاصل و انما كان كذلك لان معنى القربة في الثياب في عينها و هو التصدق بها و الصدقة لا تختص بمكان كسائر الصدقات فاما معنى القربة في الهدى من النعم في الاراقة شرعا و الاراقة لم تعرف قربة في الشرع الا في مكان مخصوص أو زمان مخصوص و الشرع أوجب الاراقة ههنا في الحرم بقوله تعالى هديا بالغ الكعبة حتى إذا ذبح الهدى جاز له أن يتصدق بلحمه على فقراء أهل مكة لانه لما صار لحما صار معنى القربة فيه في الصدقة كسائر الاموال و لو جعل شاة هديا أجزأه أن يهدى قيمتها في رواية أبى سليمان و فى رواية أبى حفص لا يجوز ( وجه )
رواية أبى سليمان اعتبار البدنة
بالامر ثم فيها أمر الله تعالى من إخراج الزكاة من الغنم يجوز إخراج القيمة فيه كذا في النذور ( وجه )
رواية أبى حفص ان القربة تعلقت بشيئين اراقة الدم و التصدق باللحم و لا يوجد في القيمة الا أحدهما و هو التصدق و يجوز ذبح الهدايا في أى موضع شاء من الحرم و لا يختص بمنى و من الناس من قال لا يجوز الا بمنى و الصحيح قولنا لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال منى كلها منحر و فجاج مكة كلها منحر و عن ابن عمر رضى الله عنه أنه قال الحرم كله منحر و قد ذكرنا أن المراد من قوله عز و جل ثم محلها إلى البيت العتيق الحرم و أما البدنة إذا أوجبها بالنذر فانه ينحرها حيث شاء الا إذا نوى أن ينحر بمكة فلا يجوز نحرها الا بمكة و هذا قول أبى حنيفة و محمد و قال أبو يوسف أرى أن ينحر البدن بمكة لقوله عز و جل ثم محلها إلى البيت العتيق أى الحرم ( و لهما )
أنه ليس في لفظ البدنة ما يدل على امتياز المكان لانه مأخوذ من البدانة و هي الضخامة يقال بدن الرجل أى ضخم و قد قيل في بعض وجوه التأويل لقوله تعالى ذلك و من يعظم شعائر الله أن تعظيمها استسمانها و لو أوجب جزأ فهو من الابل خاصة و يجوز أن ينحر في الحرم و غيره و يتصدق بلحمه و يجوز ذبح الهدايا قبل أيام النحر و الجملة فيه أن دم النذر و الكفارة و هدى التطوع يجوز قبل أيام النحر و لا يجوز دم المتعة و القران و الاضحية و يجوز دم الاحصار في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد لا يجوز و أدنى السن الذي يجوز في الهدايا ما يجوز في الضحايا و هو الثنى من الابل و البقر و المعز و الجذع من الضأن إذا كان عظيما و بيان ما يجوز في ذلك و ما لا يجوز من بيان شرائط الجواز موضعه كتاب الاضحية و لا يحل الانتفاع بظهرها و صوفها و لبنها الا في حال الاضطرار لقوله تعالى لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق قيل في بعض وجوه التأويل لكم فيها منافع من ظهورها و ألبانها و أصوافها إلى أجل مسمى أى إلى أن تقلد و تهدى ثم محلها إلى البيت العتيق أى ثم محلها إذا قلدت و اهديت إلى البيت العتيق لانها ما لم تبلغ محلها فالقربة في التصدق بها فإذا بلغت محلها فحينئذ تتعين القربة فيها بالارادة فان قيل روى أن رجلا كان يسوق بدنة فقال له النبي صلى الله عليه و سلم اركبها ويحك فقال انها بدنة يا رسول الله فقال اركبها ويحك و قيل ويحك كلمة ترحم و ويلك كلمة تهدد فقد أباح رسول الله صلى الله عليه و سلم ركوب الهدى و الجواب انه روى أن الرجل كان قد أجهده السير فرخص له النبي صلى الله عليه و سلم و عندنا يجوز الانتفاع بها في مثل تلك الحالة ببدل لانه يجوز الانتفاع بملك الغير في حالة الاضطرار ببدل و كذا في الهدايا إذا ركبها و حمل عليها للضرورة يضم ما نقصها الحمل و الركوب و ينضح ضرعها لانه إذا لم يجز له الانتفاع بلبنها فلبنها يؤذيها فينضح بالماء حتى يتقلص و يرقى لبنها و ما حلب قبل ذلك يتصدق به ان كان قائما و ان كان مستهلكا يتصدق بقيمته لان اللبن جزء من أجزائها فيجب صرفه إلى القربة كما لو ولدت ولدا انها تذبح و يذبح ولدها كذا هذا فان عطب الهدى في الطريق قبل أن يبلغ محله فان كان واجبا نحره و هو لصاحبه يصنع به ما شاء و عليه هدى مكانه و ان كان تطوعا نحره و غمس نعله بدمه ثم ضرب صفة سنامه و خلى بينه و بين الناس يأكلونه و لا يأكل هو بنفسه و لا يطعم أحدا من الاغنياء و الفرق بين الواجب و التطوع انه إذا كان واجبا فالمقصود منه إسقاط الواجب فإذا انصرف من تلك الجهة كان له ان يفعل به ما شاء و عليه هدى آخر مكانه لان الاول لما لم يقع عن الواجب التحق بالعدم فبقى الواجب في ذمته بخلاف التطوع و لان القربة قد تعينت فيه و ليس عليه ذلك و انما قلنا انه ينحره و يفعل به ما ذكرنا لما ذكرنا و لما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه بعث هديا على يد ناجية بن جندب الاسلمى فقال يا رسول الله ان أزحف منها أى قامت من الاعياء و فى رواية قال ما أفعل بما يقوم على فقال النبي صلى الله عليه و سلم أنحرها و أصبغ نعلها بدمها ثم اضرب به صفحة سنامها و خل بينها و بين الفقراء و لا تأكل منها أنت و لا أحد من رفقتك و انما لا يحل له أن يأكل كل منها و له أن يطعم الاغنياء لان القربة كانت في ذبحه إذا بلغ محله فإذا لم يبلغ كانت القربة في التصدق
فصل وأما العمرة والكلام فيها
و لا يجب عليه مكانه آخر لانه لم يكن واجبا عليه و يتصدق بجلالها و خطامها لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لعلى رضى الله عنه تصدق بجلالها و خطامها و لا تعط الجزار منها شيأ و لا يجوز له أن يأكل من دم النذر شيأ و جملة الكلام فيه ان الدماء نوعان نوع يجوز لصاحب الدم ان يأكل منه و هو دم المتعة و القران و الاضحية و هدى التطوع إذا بلغ محله و نوع لا يجوز له أن يأكل منه و هو دم النذر و الكفارات و هدى الاحصار و هدى التطوع إذا لم يبلغ محله لان الدم في النوع الاول دم شكر فكان نسكا فكان له أن يأكل منه و دم النذر دم صدقة و كذا دم الكفارة في معناه لانه وجب تكفير الذنب و كذا دم الاحصار لوجود التحلل و الخروج من الاحرام قبل أوانه و هدى التطوع إذا لم يبلغ محله بمعنى القربة في التصدق به فكان دم صدقة و كل دم يجوز له ان يأكل منه لا يجب عليه التصدق بلحمه بعد الذبح لانه لو وجب عليه التصدق به لما جاز أكله لما فيه من إبطال حق الفقراء و كل ما لا يجوز له ان يأكل منه يجب عليه التصدق به بعد الذبح لانه إذا لم يجز له أكله و لا يتصدق به يؤدى إلى اضاعة المال و كذا لو هلك المذبوح بعد الذبح لا ضمان عليه في النوعين لانه لا صنع له في الهلاك و ان استهلكه بعد الذبح فان كان مما يجب عليه التصدق به يضمن قيمته فيتصدق بها لانه تعلق به حق الفقراء فبالاستهلاك تعدى على حقهم فيضمن قيمته و يتصدق بها لانها بدل أصل مال واجب التصدق به و ان كان مما لا يجب التصدق به لا يضمن شيأ لانه لم يوجد منه التعدي بإتلاف حق الفقراء لعدم تعلق حقهم به و لو باع اللحم يجوز بيعه في النوعين جميعا لان ملكه قائم الا أن فيما لا يجوز له أكله و يجب عليه التصدق به يتصدق بثمنه لان ثمنه مبيع واجب التصدق به لتعلق حق الفقراء به فيتمكن في ثمنه حنث فكان سبيله التصدق به و الله تعالى أعلم ( فصل )
و أما العمرة فالكلام فيها يقع في مواضع في بيان صفتها أنها واجبة أم لا و فى بيان شرائط وجوبها ان كانت واجبة و فى بيان ركنها و فى بيان شرائط الركن و فى بيان واجباتها و فى بيان سننها و فى بيان ما يفسدها و فى بيان حكمها إذا فسدت ( أما )
الاول فقد اختلف فيها قال أصحابنا انها واجبة كصدقة الفطر و الاضحية و الوتر و منهم من أطلق اسم السنة و هذا الاطلاق لا ينافى الواجب و قال الشافعي انها فريضة و قال بعضهم هى تطوع و احتج هؤلاء بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال الحج مكتوب و العمرة تطوع و هذا نص و عن جابر رضى الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله العمرة أ هي واجبة قال لا و ان تعتمر خير لك و احتج الشافعي بقوله تعالى و أتموا الحج و العمرة لله و الامر للفرضية و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال العمرة هى الحجة الصغرى و قد ثبت فرضية الحج بنص الكتاب العزيز و لنا على الشافعي قوله تعالى و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و لم يذكر العمرة لان مطلق اسم الحج لا يقع على العمرة فمن قال انها فريضة فقد زاد على النص فلا يجوز الا بدليل و كذا حديث الاعرابى الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و سأله عن الايمان و الشرائع فبين له الايمان و بين له الشرائع و لم يذكر فيها العمرة فقال الاعرابى هل على شيء هذا فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا الا أن تطوع فظاهره يقتضى انتفاء فريضة العمرة و أما الآية الكريمة فلا دلالة فيها على فرضية العمرة لانها قرئت برفع العمرة و العمرة لله و انه كلام تام بنفسه معطوف على الامر بالحج أخبر الله تعالى ان العمرة لله ردا لزعم الكفرة لانهم كانوا يجعلون العمرة للاصنام على ما كانت عبادتهم من الاشراك و أما على قراءة العامة فلا حجة له فيها أيضا لان فيها أمرا بإتمام العمرة و إتمام الشيء يكون بعد الشروع فيه و به نقول انها بالشروع تصير فريضة مع ما أنه روى عن على و ابن مسعود رضى الله عنهما أنهما قالا في تأويل الآية إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك على أن هذا ان كان أمرا بإنشاء العمرة فما الدليل على أن مطلق الامر يفيد الفرضية بل الفرضية عندنا ثبتت بدليل زائد وراء نفس الامر و انما يحمل على الوجوب احتياطا و به نقول ان العمرة واجبة و لكنها ليست بفريضة و تسميتها حجة صغرى في الحديث يحتمل أن يكون في حكم الثواب لانها ليس بحجة حقيقة
ألا ترى أنها عطفت على الحجة في الآية و الشئ لا يعطف على نفسه في الاصل و يقال حج فلان و ما اعتمر على أن وصفها بالصغر دليل انحطاط رتبتها عن الحج فإذا كان الحج فرضا فيجب أن تكون هى واجبة ليظهر الانحطاط اذ الواجب دون الفرض و إطلاق اسم التطوع عليها في الحديث يصلح حجة على الشافعي لا علينا لانه يقول بفرضية العمرة و التطوع لا يحتمل أن يكون فرضا و نحن نقول بوجوب العمرة و الواجب ما يحتمل أن يكون فرضا و يحتمل أن يكون تطوعا فكان إطلاق اسم التطوع صحيحا على أحد الاحتمالين و ليس للفرض هذا الاحتمال فلا يصح الاطلاق و قول السائل في الحديث السابق أ هي واجبة محمول على الفرض اذ هو الواجب على الاطلاق عملا و اعتقادا عينا فقول النبي صلى الله عليه و سلم لا نفى له و به نقول ( و أما )
شرائط وجوبها فهي شرائط وجوب الحج لان الواجب ملحق بالفرض في حق الاحكام و قد ذكرنا ذلك في فصل الحج ( و أما )
ركنها فالطواف لقوله عز و جل و ليطوفوا بالبيت العتيق و لاجماع الامة عليه ( و أما )
شرائط الركن فما ذكرنا في الحج الا الوقت فان السنة كلها وقت العمرة و تجوز في أشهر الحج و فى أشهر الحج لكنه يكره فعلها في يوم عرفة و يوم النحر و أيام التشريق أما الجواز في الاوقات كلها فلقوله تعالى و أتموا الحج و العمرة لله مطلقا عن الوقت و قد روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرة الا شهدتها و ما اعتمر الا في ذي القعدة و عن عمران بن حصين رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم اعتمر مع طائفة من أهله في عشر ذي الحجة فدل الحديثان على أن جوازها في أشهر الحج و ما روى عن عمر رضى الله عنه انه كان ينهى عنها في أشهر الحج فهو محمول على نهى الشفقة على أهل الحرم لئلا يكون الموسم في وقت واحد من السنة بل في وقتين لتوسع المعيشة على أهل الحرم الا أنه يكره في الايام الخمسة عندنا في ظاهر الرواية و روى عن أبى يوسف أنه لا يكره يوم عرفة قبل الزوال و قال الشافعي لا يكره في هذه الايام أيضا و احتج بما تلونا من هذه الآية و بما روينا من الحديثين لانه دخل يوم عرفة و يوم النحر فيها ( وجه )
رواية أبى يوسف ان ما قبل الزوال من يوم عرفة ليس وقت الوقوف فلا يشغله عن الوقوف في وقته و لنا ما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت وقت العمرة السنة كلها الا يوم عرفة و يوم النحر و أيام التشريق و الظاهر أنها قالت سماعا من رسول الله صلى الله عليه و سلم لانه باب لا يدرك بالاجتهاد و لان هذه الايام أيام شغل الحاج بأداء الحج و العمرة فيها تشغلهم عن ذلك و ربما يقع الخلل فيه فيكره و لا حجة له فيما ذكر لان ذلك يدل على الجواز و به نقول و انما الكلام في الكراهة و الجواز لا ينفيها و قد قام دليل الكراهة و هو ما ذكرنا و كذا يختلفان في الميقات في حق أهل مكة فميقاتهم للحج من دويرة أهلهم و للعمرة من الحل التنعيم أو غيره و محظورات العمرة ما هو محظورات الحج و حكم ارتكابها في العمرة ما هو الحكم في الحج و قد مضى بيان ذلك كله في الحج ( و أما )
واجباتها فشيئان السعي بين الصفا و المروة و الحلق أو التقصير فاما طواف الصدر فلا يجب على المعتمر و قال الحسن بن زياد يجب عليه كذا ذكر الكرخي وجه قوله ان طواف الصدر طواف الوداع و المعتمر يحتاج إلى الوداع كالحاج و لنا أن الشرع علق طواف الصدر بالحج بقول النبي صلى الله عليه و سلم من حج هذا البيت فليكن آخر عهده به الطواف ( و أما )
سننها فما ذكرنا في الحج أنه إذا استلم الحجر يقطع التلبية عند أول شوط من الطواف عند عامة العلماء و قال مالك ان كان إحرامه للعمرة من المدينة يقطع التلبية إذا دخل الحرم و ان كان إحرامه لها من مكة يقطع إذا وقع بصره على البيت و الصحيح قول العامة لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يلبى في العمرة حتى يستلم الحجر و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى الله عنهم أن النبي صلى الله عليه و سلم اعتمر ثلاث عمر في ذي القعدة و كان يلبى في ذلك حتى يستلم الحجر و لان استلام الحجر نسك و دخول الحرم و وقوع البصر على البيت ليس بنسك فقطع التلبية عندما هو نسك أولى و لهذا يقطع التلبية في الحج عند الرمى لانه نسك كذا هذا و الله أعلم
( و أما )
بيان ما يفسدها و بيان حكمها إذا فسدت فالذي يفسدها الجماع لكن عند وجود شرط كونه مفسدا و ذلك شيان أحدهما الجماع في الفرج لما ذكرنا في الحج و الثاني أن يكون قبل الطواف كله أو أكثره و هو أربعة أشواط لان ركنها الطواف فالجماع حصل قبل أداء الركن فيفسدها كما لو حصل قبل الوقوف بعرفة في الحج و إذا فسدت يمضى فيها و يقضيها و عليه شاة لاجل الفساد عندنا و قال الشافعي بدنة كما في الحج فان جامع بعد ما طاف أربعة أشواط أو بعد ما طاف الطواف كله قبل السعي أو بعد الطواف و السعي قبل الحلق لا تفسد عمرته لان الجماع حصل بعد أداء الركن و عليه دم لحصول الجماع في الاحرام و ان جامع بعد الحلق لا شيء عليه لخروجه عن الاحرام بالحلق فان جامع ثم جامع فهو على التفصيل و الاتفاق و الاختلاف الذي ذكرنا في الحج و الله الموفق ( كتاب النكاح )
الكلام في هذا الكتاب في الاصل في أربعة مواضع في بيان صفة النكاح المشروع و فى بيان ركن النكاح و فى بيان شرائط الركن و فى بيان حكم النكاح أما الاول فنقول لا خلاف أن النكاح فرض حالة التوقان حتى ان من تاقت نفسه إلى النساء بحيث لا يمكنه الصبر عنهن و هو قادر على المهر و النفقة و لم يتزوج يأثم و اختلف فيما إذا لم تتق نفسه إلى النساء على التفسير الذي ذكرنا قال نفاة القياس مثل داود بن على الاصفهانى و غيره من أصحاب الظواهر انه فرض عين بمنزلة الصوم و الصلاة و غيرهما من فروض الاعيان حتى ان من تركه مع القدرة على المهر و النفقة و الوطء يأثم و قال الشافعي انه مباح كالبيع و الشراء و اختلف أصحابنا فيه قال بعضهم انه مندوب و مستحب و اليه ذهب من أصحابنا الكرخي و قال بعضهم انه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين بمنزلة الجهاد و صلاة الجنازة و قال بعضهم انه واجب ثم القائلون بالوجوب اختلفوا في كيفية الوجوب قال بعضهم انه واجب على سبيل الكفاية كرد السلام و قال بعضهم انه واجب عينا لكن عملا لا اعتقادا على طريق التعيين كصدقة الفطر و الاضحية و الوتر احتج أصحاب الظواهر بظواهر النصوص من نحو قوله عز و جل فانكحوا ما طاب لكم من النساء و قوله عز و جل و أنكحوا الايامى منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم و قول النبي صلى الله عليه و سلم تزوجوا و لا تطلقوا فان الطلاق يهتز له عرش الرحمن و قوله صلى الله عليه و سلم تناكحوا تكثروا فانى أباهي بكم الامم يوم القيامة أمر الله عز و جل بالنكاح مطلقا و الامر المطلق للفرضية و الوجوب قطعا الا أن يقوم الدليل بخلافه و لان الامتناع من الزنا واجب و لا يتوصل اليه الا بالنكاح و ما لا يتوصل إلى الواجب الا به يكون واجبا و احتج الشافعي بقوله تعالى و أحل لكم ما وراء ذلكم ان تتبغوا بأموالكم أخبر عن احلال النكاح و المحلل و المباح من الاسماء المترافة و لانه قال و أحل لكم و لفظ لكم يستعمل في المباحات و لان النكاح سبب يتوصل به إلى قضأ الشهوة فيكون مباحا كشراء الجارية للتسرى بها و هذا لان قضأ الشهوة إيصال النفع إلى نفسه و ليس يجب على الانسان إيصال النفع إلى نفسه بل هو مباح في الاصل كالاكل و الشرب و إذا كان مباحا لا يكون واجبا لما بينهما من التنافي و الدليل على أن النكاح ليس بواجب قوله تعالى و سيدا و حصورا و نبيا من الصالحين و هذا خرج مخرج المدح ليحيى عليه الصلاة و السلام بكونه حصورا و الحصور الذي لا يأتى النساء مع القدرة و لو كان واجبا لما استحق المدح بتركه لان ترك الواجب لان يذم عليه أولى من أن يمدح و احتج من قال من أصحابنا انه مندوب اليه و مستحب بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من استطاع منكم الباءة فليتزوج و من لم يستطع فليصم فان الصوم له و جاء أقام الصوم مقام النكاح و الصوم ليس بواجب فدل أن النكاح ليس بواجب أيضا لان الواجب لا يقوم مقام الواجب و لان في الصحابة رضى الله عنهم من لم تكن له زوجة و رسول الله صلى الله عليه و سلم علم منه بذلك و لم ينكر عليه فدل أنه ليس بواجب و من قال منهم انه
* كتاب النكاح * فصل وأما ركن النكاح
فرض أو واجب على سبيل الكفاية احتج بالاوامر الواردة في باب النكاح و الامر المطلق للفرضية و الوجوب قطعا و النكاح لا يحتمل ذلك على طريق التعيين لان كل واحد من آحاد الناس لو تركه لا يأثم فيحمل على الفرضية و الوجوب على طريق الكفاية فاشبه الجهاد و صلاة الجنازة ورد السلام و من قال منهم انه واجب عينا لكن عملا لا اعتقادا على طريق التعيين يقول صيغة الامر المطلقة عن القرينة تحتمل الفرضية و تحتمل الندب لان الامر دعاء و طلب و معنى الدعاء و الطلب موجود في كل واحد منهما فيؤتى بالفعل لا محالة و هو تفسير وجوب العمل و يعتقد على الابهام على أن ما أراد الله تعالى بالصيغة من الوجوب القطعي أو الندب فهو حق لانه ان كان واجبا عند الله فخرج عن العهدة بالفعل فيأمن الضرر و ان كان مندوبا يحصل له الثواب فكان القول بالوجوب على هذا الوجه أخذا بالثقة و الاحتياط و احترازا عن الضرر بالقدر الممكن و انه واجب شرعا و عقلا و على هذا الاصل بني أصحابنا من قال منهم ان النكاح فرض أو واجب لان الاشتغال به مع أداء الفرائض و السنن أولى من التخلي لنوافل العبادات مع ترك النكاح و هو قول أصحاب الظواهر لان الاشتغال بالفرض و الواجب كيف ما كان أولى من الاشتغال بالتطوع و من قال منهم انه مندوب و مستحب فانه يرجحه على النوافل من وجوه أخر أحدها انه سنة قال النبي صلى الله عليه و سلم النكاح سنتي و السنن مقدمة على النوافل بالاجماع و لانه أوعد على ترك السنة بقوله فمن رغب عن سنتي فليس منى و لا وعيد على ترك النوافل و الثاني انه فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم و واظب عليه أى دوام و ثبت عليه بحيث لم يخل عنه بل كان يزيد عليه حتى تزوج عددا مما أبيح له من النساء و لو كان التخلي للنوافل أفضل لما فعل لان الظاهر أن الانبياء عليهم الصلاة و السلام لا يتركون الافضل فيما له حد معلوم لان ترك الافضل فيما له حد معلوم عدزلة منهم و إذا ثبت أفضلية النكاح في حق النبي صلى الله عليه و سلم ثبت في حق الامة لان الاصل في الشرائع هو العموم و الخصوص بدليل و الثالث انه سبب يتوصل به إلى مقصود هو مفضل على النوافل لانه سبب لصيانة النفس عن الفاحشة و سبب لصيانة نفسها عن الهلاك بالنفقة و السكنى و اللباس لعجزها عن الكسب و سبب لحصول الولد الموحد و كل واحد من هذه المقاصد مفضل على النوافل فكذا السبب الموصل اليه كالجهاد و القضاء و عند الشافعي التخلي أولى و تخريج المسألة على أصله ظاهر لان النوافل مندوب إليها فكانت مقدمة على المباح و ما ذكره من دلائل الاباحة و الحل فنحن نقول بموجبها ان النكاح مباح و حلال في نفسه لكنه واجب لغيره أو مندوب و مستحب لغيره من حيث انه صيانة للنفس من الزنا و نحو ذلك على ما بينا و يجوز أن يكون الفعل الواحد حلالا بجهة واجبا أو مندوبا اليه بجهة اذ لا تنافي عند اختلاف الجهتين و أما قوله عز و جل و سيد أو حصور أو نبيا من الصالحين فاحتمل أن التخلي للنوافل كان أفضل من النكاح في شريعته ثم نسخ ذلك في شريعتنا بما ذكرنا من الدلائل و الله أعلم ( فصل )
و أما ركن النكاح فهو الايجاب و القبول و ذلك بألفاظ مخصوصة أو ما يقوم مقام اللفظ فيقع الكلام في هذا الفصل في أربعة مواضع أحدها في بيان اللفظ الذي ينعقد النكاح به بحروفه و الثاني في بيان صيغة ذلك اللفظ و الثالث في بيان أن النكاح هل ينعقد بعاقد واحدا و لا ينعقد الا بعاقدين و الرابع في بيان صفة الايجاب و القبول أما بيان اللفظ الذي ينعقد به النكاح بحروفه فنقول و بالله التوفيق لا خلاف أن النكاح ينعقد بلفظ الا نكاح و التزويج و هل ينعقد بلفظ البيع و الهبة و الصدقة و التمليك قال أصحابنا رحمهم الله ينعقد و قال الشافعي لا ينعقد الا بلفظ الا نكاح و التزويج و احتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال اتقوا الله في النساء فانهن عندكم عوان اتخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله و كلمته التي أحل بها الفروج في كتابه الكريم لفظ الا نكاح و التزويج فقط قال الله تعالى و أنكحوا الايامى منكم و قال سبحانه و تعالى
زوجناكها و لان الحكم الاصلى للنكاح هو الازدواج و الملك يثبت وسيلة اليه فوجب اختصاصه بلفظ يدل على الازدواج و هو لفظ التزويج و الا نكاح لا و لنا أنه انعقد نكاح رسول الله صلى الله عليه و سلم بلفظ الهبة فينعقد به نكاح أمته و دلالة الوصف قوله تعالى و إمرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك معطوفا على قوله يا أيها النبي انا أحللنا لك أزواجك أخبر الله تعالى ان المرأة المؤمنة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه و سلم عند استنكاحه إياها حلال له و ما كان مشروعا في حق النبي صلى الله عليه و سلم يكون مشروعا في حق أمته هو الاصل حتى يقوم دليل الخصوص فان قيل قد قام دليل الخصوص ههنا و هو قوله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين فالجواب أن المراد منه خالصة لك من دون المؤمنين بغير أجر فالخلوص يرجع إلى الاجر لا إلى لفظ الهبة لوجوه أحدها ذكره عقيبه و هو قوله عز و جل قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم فدل أن خلوص تلك المرأة له كان بالنكاح بلا فرض منه و الثاني أنه قال تعالى لئلا يكون عليك حرج و معلوم أنه لا حرج كان يلحقه في نفس العبارة و انما الحرج في إعطاء البدل و الثالث أن هذا خرج مخرج الامتنان عليه و على أمته في لفظ الهبة ليست تلك في لفظة التزويج فدل أن المنة فيما صارت له بلا مهر فانصرف الخلوص اليه و لان الانعقاد بلفظ النكاح و التزويج لكونه لفظا موضوعا لحكم أصل النكاح شرعا و هو الازدواج و انه لم يشرع بدون الملك فإذا أتى به يثبت الازدواج باللفظ و يثبت الملك الذي يلازمه شرعا و لفظ التمليك موضوع لحكم آخر أصلي للنكاح و هو الملك و انه مشروع في النكاح بدون الازدواج فإذا أتى به وجب أن يثبت به الملك و يثبت الازدواج الذي يلازمه شرعا استدلالا لاحد اللفظين بالآخر و هذا لانهما حكمان متلازمان شرعا و لم يشرع أحدهما بدون الآخر فإذا ثبت أحدهما ثبت الآخر ضرورة و يكون الرضا بأحدهما رضا بالآخر و أما الحديث فنقول بموجبه لكن لم قلتم ان استحلال الفروج بهذه الالفاظ استحلال بغير كلمة الله فيرجع الكلام إلى تفسير الكلمة المذكورة فنقول كلمة الله تعالى تحتمل حكم الله عز و جل كقوله تعالى و لو لا كلمة سبقت من ربك فلم قلتم بأن جواز النكاح بهذه الالفاظ ليس حكم الله تعالى و الدليل على أنه حكم الله تعالى ما ذكرنا من الدلائل مع ما أن كل لفظ جعل علما على حكم شرعي فهو حكم الله تعالى و اضافة الكلمة إلى الله تعالى باعتبار أن الشارع هو الله تعالى فهو الجاعل اللفظ سببا لثبوت الحكم شرعا فكان كلمة الله تعالى فمن هذا الوجه على الاستحلال بكلمة الله لا ينفى الاستحلال لا بكلمة الله تعالى فكان مسكوتا عنه فلا يصح الاحتجاج به و لا ينعقد النكاح بلفظ الاجارة عند عامة مشايخنا و الاصل عندهم أن النكاح لا ينعقد الا بلفظ موضوع لتمليك العين هكذا روى ابن رستم عن محمد أنه قال كل لفظ يكون في اللغة تمليكا للرقبة فهو في الحرة نكاح و حكى عن الكرخي أنه ينعقد بلفظ الاجارة لقوله تعالى فآتوهن أجورهن سمى الله تعالى المهر أجرا و لا أجر الا بالاجارة فلو لم تكن الاجارة نكاحا لم يكن المهر أجرا ( وجه )
قول العامة ان الاجارة عقد موقت بدليل أن التأبيد يبطلها و النكاح عقد مؤبد أن التوقيت يبطله و انعقاد العقد بلفظ يتضمن المنع من الانعقاد ممتنع و لان الاجارة تمليك المنفعة و منافع البضع في حكم الاجزاء و الاعيان فكيف يثبت ملك العين بتمليك المنفعة و لا ينعقد بلفظ الاعارة لان الاعارة ان كانت إباحة المنفعة فالنكاح لا ينعقد بلفظ الاباحة لانعدام معنى التمليك أصلا و ان كانت تمليك المتعة فالنكاح لا ينعقد الا بلفظ موضوع لتمليك الرقبة و لم يوجد و اختلف المشايخ في لفظ القرض قال بعضهم لا ينعقد لانه في معنى الاعارة و قال بعضهم ينعقد لانه يثبت به الملك في العين لان المستقرض يصير ملكا للمستقرض و كذا اختلفوا في لفظ السلم قال بعضهم لا ينعقد لان السلم في الحيوان لا يصح و قال بعضهم ينعقد لانه يثبت به ملك الرقبة و السلم في الحيوان ينعقد عندنا حتى لو اتصل به القبض يعد الملك ملكا فاسدا لكن ليس كل ما يفسد البيع يفسد النكاح و اختلفوا أيضا في لفظ الصرف قال بعضهم لا ينعقد به لانه وضع لاثبات الملك في
الدراهم و الدنانير التي لا تتعين بالتعيين و المعقود عليه ههنا يتعين بالتعيين و قال بعضهم ينعقد لانه يثبت به ملك العين في الجملة و أما لفظ الوصية فلا ينعقد به عند عامة مشايخنا لان الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت و النكاح المضاف إلى زمان في المستقبل لا يصح و حكى عن الطحاوي انه ينعقد لانه يثبت به ملك الرقبة في الجملة و حكى أبو عبد الله البصري عن الكرخي ان قيد الوصية بالحال بأن قال أوصيت لك يا بنتي هذه الآن ينعقد لانه إذا قيده بالحال صار مجازا عن التمليك و لا ينعقد بلفظ الاحلال و الاباحة لانه لا يدل على الملك أصلا ألا ترى أن المباح له الطعام يتناوله على حكم ملك المبيح حتى كان له حق الحجر و المنع و لا ينعقد بلفظ المتعة لانه لم يوضع للتمليك و لان المتعة عقد مفسوخ لما نبين ان شاء الله في موضعه و لو أضاف الهبة إلى الامة بأن قال رجل وهبت أمتي هذه منك فان كان الحال يدل على النكاح من إحضار الشهود و تسمية المهر مؤجلا و معجلا و نحو ذلك ينصرف إلى النكاح و ان لم يكن الحال دليلا على النكاح فان نوى النكاح فصدقه الموهوب له فكذلك و ينصرف إلى النكاح بقرينة النية و ان لم ينو ينصرف إلى ملك الرقبة و الله عز و جل أعلم ثم النكاح كما ينعقد بهذه الالفاظ بطريق الاصالة ينعقد بها بطريق النيابة بالوكالة و الرسالة لان تصرف الوكيل كتصرف الموكل و كلام الرسول كلام المرسل و الاصل في جواز الوكالة في باب النكاح ما روى أن النجاشي زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم أم حبيبة رضى الله عنها فلا يخلو ذلك اما ان فعله بأمر النبي صلى الله عليه و سلم أو لا بأمره فان فعله بأمره فهو وكيله و ان فعله بغير أمره فقد أجاز النبي صلى الله عليه و سلم عقده و الاجازة اللاحقة كالوكالة السابقة و كما ينعقد النكاح بالعبارة ينعقد بالاشارة من الاخرس إذا كانت اشارته معلومة و ينعقد بالكتابة لان الكتاب من الغائب خطابه و الله تعالى أعلم و أما بيان صيغة اللفظ الذي ينعقد به النكاح فنقول لا خلاف في أن النكاح ينعقد بلفظين يعبر بهما عن الماضي كقوله زوجت و تزوجت و ما يجرى مجراه و اما بلفظين يعبر بأحدهما عن الماضي و بالآخر عن المستقبل كما إذا قال رجل لرجل زوجني بنتك أو قال جئتك خاطبا ابنتك أو قال جئتك لتزوجنى بنتك فقال الاب قد زوجتك أو قال لامرأة أتزوجك على ألف درهم فقالت قد تزوجتك على ذلك أو قال لها زوجيني أو انكحينى نفسك فقالت زوجتك أو أنكحت ينعقد استحسانا و القياس أن لا ينعقد لان لفظ الاستقبال عدة و الامر من فروع الاستقبال فلم يوجد الاستقبال فلم يوجد الايجاب الا أنهم تركوا القياس لما روى أن بلالا رضى الله عنه خطب إلى قوم من الانصار فأبوا أن يزوجوه فقال لو لا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرني أن أخطب إليكم لما خطبت فقالوا له ملكت و لم ينقل ان بلالا أعاد القول و لو فعل لنقل و لان الظاهر انه أراد الايجاب لان المساومة لا تتحقق في النكاح عادة فكان محمولا على الايجاب بخلاف البيع فان السوم معتاد فيه فيحمل اللفظ عليه فلا بد من لفظ آخر يتأدى به الايجاب و الله الموفق و أما بيان ان النكاح هل ينعقد بعاقد واحد أو لا ينعقد الا بعاقدين فقد اختلف في هذا الفصل قال أصحابنا ينعقد بعاقد واحد إذا كانت له ولاية من الجانبين سواء كانت ولايته أصلية كالولاية الثابتة بالملك و القرابة أو دخيلة كالولاية الثابتة بالوكالة بأن كان العاقد مالكا من الجانبين كالمولى إذا زوج أمته من عبده أو كان وليا من الجانبين كالجد إذا زوج ابن ابنه الصغير من بنت ابنه الصغيرة و الاخ إذا زوج بنت أخيه الصغيرة من ابن أخيه الصغير أو كان أصيلا و وليا كابن العم إذا زوج بنت عمه من نفسه أو كان وكيلا من الجانبين أو رسولا من الجانبين أو كان وليا من جانب و وكيلا من جانب آخر أو وكلت إمرأة رجلا ليتزوجها من نفسه أو و كل رجل إمرأة لتزوج نفسها منه و هذا مذهب أصحابنا الثلاثة و قال زفر لا ينعقد النكاح بعاقد واحد أصلا و قال الشافعي لا ينعقد الا إذا كان وليا من الجانبين و لقب المسألة أن الواحد هل يجوز أن يقوم بالنكاح من الجانبين أم لا ( وجه )
قول زفر و الشافعي أن ركن النكاح اسم لشطرين مختلفين و هو الايجاب و القبول فلا يقومان الا بعاقدين كشطرى البيع الا أن الشافعي يقول في
فصل وأما شرائط الركن فأنواع
الولى ضرورة لان النكاح لا ينعقد بلا ولي فإذا كان الولى متعينا فلو لم يجز نكاح المولية لامتنع نكاحها أصلا و هذا لا يجوز و هذه الضرورة منعدمة في الوكيل و نحوه و لنا قوله تعالى و يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن و ما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهم و ترغبون أن تنكحوهن قيل نزلت هذه الآية في يتيمة في حجر وليها و هي ذات مال ( و وجه )
الاستدلال بالآية الكريمة ان قوله تعالى لا تؤتونهن ما كتب لهن و ترغبون أن تنكحوهن خرج مخرج العتاب فيدل على أن الولى يقوم بنكاح وليته وحده اذ لو لم يقم وحده به لم يكن للعتاب معنى لما فيه من إلحاق العتاب بأمر لا يتحقق و قوله تعالى و أنكحوا الايامى منكم أمر سبحانه و تعالى بالانكاح مطلقا من فصل بين الا نكاح من غيره أو من نفسه و لان الوكيل في باب النكاح ليس بعاقد بل هو سفير عن العاقد و معبر عنه بدليل أن حقوق النكاح و العقد لا ترجع إلى الوكيل و إذا كان معبرا عنه و له ولاية على الزوجين فكانت عبارته كعبارة الموكل فصار كلامه ككلام شخصين فيعتبر إيجابه كلاما للمرأة كانها قالت زوجت نفسى من فلان و قبوله كلاما للزوج كانه قال قبلت فيقوم العقد باثنين حكما و الثابت بالحكم ملحق بالثابت حقيقة و أما البيع فالواحد فيه إذا كان وليا يقوم بطرفي العقد كالأَب يشترى مال الصغير لنفسه أو يبيع مال نفسه من الصغير أو يبيع مال ابنه الصغير من ابنه الصغير أو يشترى الا أنه إذا كان وكيلا لا يقوم بهما لان حقوق العقد مقتصرة على العاقد فلا يصير كلام العاقد كلام الشخصين و لان حقوق البيع إذا كانت مقتصرة على العاقد و للبيع أحكام متضادة من التسليم و القبض و المطالبة فلو تولى طرفي العقد لصار الشخص الواحد مطالبا و مطلوبا و مسلما و متسلما و هذا ممتنع و الله عز و جل أعلم ( و أما )
صفة الايجاب و القبول فهي أن لا يكون أحدهما لازما قبل وجود الآخر حتى لو وجد الايجاب من أحد المتعاقدين كان له أن يرجع قبل قبول الآخر كما في البيع لانهما جميعا ركن واحد فكان أحدهما بعض الركن و المركب من شيئين لا وجود له بأحدهما ( فصل )
و أما شرائط الركن فأنواع بعضها شرط الانعقاد و بعضها شرط الجواز و النفاذ و بعضها شرط اللزوم ( أما )
شرط الانعقاد فنوعان نوع يرجع إلى العاقد و نوع يرجع إلى مكان العقد بالفعل فلا ينعقد نكاح المجنون و الصبي الذي لا يعقل لان العقل من شرائط أهلية التصرف فأما البلوغ فشرط النفاذ عندنا لا شرط الانعقاد على ما نذكر ان شاء الله تعالى و أما تعذر العاقد فليس بشرط لانعقاد النكاح خلافا لزفر على ما مر ( و أما )
الذي يرجع إلى مكان العقد فهو اتحاد المجلس إذا كان العاقدان حاضرين و هو أن يكون الايجاب و القبول في مجلس واحد حتى لو اختلف المجلس لا ينعقد النكاح بأن كانا حاضرين فأوجب أحدهما فقام الآخر عن المجلس قبل القبول أو اشتغل بعمل يوجب اختلاف المجلس لا ينعقد لان انعقاده عبارة عن ارتباط أحد الشطرين بالآخر فكان القياس وجودهما في مكان واحد الا ان اعتبار ذلك يؤدى إلى سد باب العقود فجعل المجلس جامعا للشطرين حكما مع تفرقهما حقيقة للضرورة و الضرورة تندفع عند اتحاد المجلس فإذا اختلف تفرق الشطر ان حقيقة و حكما فلا ينتظم الركن ( و أما )
الفور فليس من شرائط الانعقاد عندنا و عند الشافعي هو شرط و المسألة ستأتي في كتاب البيوع و نذكر الفرق هناك و على هذا يخرج ما إذا تناكحا و هما يمشيان أو يسيران على الدابة و هو على التفصيل الذي نذكر ان شاء الله تعالى في كتاب البيوع و نذكر الفرق هناك بين المشي و السير على الدابة و بين جريان السفينة هذا إذا كان العاقدان حاضرين فأما إذا كان أحدهما غائبا لم ينعقد حتى لو قالت إمرأة بحضرة شاهدين زوجت نفسى من فلان و هو غائب فبلغه الخبر فقال قبلت أو قال رجل بحضرة شاهدين تزوجت فلانة و هي غائبة فبلغها الخبر فقالت زوجت نفسى منه لم يجز و ان كان القبول بحضرة ذينك الشاهدين و هذا قول أبى حنيفة و محمد و قال أبو يوسف ينعقد و يتوقف على اجازة الغائب ( وجه )
قول أبى يوسف ان كلام الواحد يصلح أن يكون عقدا في
فصل وأما بيان شرائط الجواز
باب النكاح لان الواحد في هذا الباب يقوم بالعقد من الجانبين و كما لو كان مالكا من الجانبين أو وليا أو وكيلا فكان كلامه عقدا لا شطرا فكان محتملا للتوقف كما في الخلع و الطلاق و الاعتاق على مال ( وجه )
قولهما ان هذا شطر العقد حقيقة لا كله لانه لا يملك كله لانعدام الولاية و شطر العقد لا يقف على غائب عن المجلس كالبيع و هذا لان الشطر لا يحتمل التوقف حقيقة لان التوقف في الاصل على خلاف الحقيقة لصدوره عن الولاء على الجانبين فيصير كلامه بمنزلة كلامين و شخصه كشخصين حكما فإذا انعدمت الولاية و لا ضرورة إلى تعيين الحقيقة فلا يقف بخلاف الخلع لانه من جانب الزوج يمين لانه تعليق الطلاق بقبول المرأة و انه يمين فكان عقدا تاما و من جانب المرأة معاوضة فلا يحتمل التوقف كالبيع و كذلك الطلاق و الاعتاق على مال و لو أرسل إليها رسولا و كتب إليها بذلك كتابا فقبلت بحضرة شاهدين سمعا كلام الرسول و قراءة الكتاب جاز ذلك لا تحاد المجلس من حيث المعنى لان كلام الرسول كلام المرسل لانه ينقل عبارة المرسل و كذا الكتاب بمنزلة الخطاب من الكاتب فكان سماع قول الرسول و قراءة الكتاب سماع قول المرسل و كلام الكاتب معنى و ان لم يسمعا كلام الرسول و قراءة الكتاب لا يجوز عندهما و عند أبى يوسف إذا قالت زوجت نفسى يجوز و ان لم يسمعا كلام الرسول و قراءة الكتاب بناء على ان قولها زوجت نفسى شطر العقد عندهما و الشهادة في شطري العقد شرط لانه يصير عقدا بالشطرين فإذا لم يسمعا كلام الرسول و قراءة الكتاب فلم توجد الشهادة على العقد و قول الزوج بانفراده عقد عنده و قد حضر الشاهدان و على هذا الخلاف الفضولي الواحد من الجانبين بأن قال الرجل زوجت فلانة من فلان و هما غائبان لم ينعقد عندهما حتى لو بلغهما الخبر فأجازا لم يجز و عنده ينعقد و يجوز بالاجازة و لو قال فضولي زوجت فلانة من فلان و هما غائبان فقبل فضولي آخر عن الزوج ينعقد بلا خلاف بين أصحابنا حتى إذا بلغهما الخبر و أجازا جاز و لو فسخ الفضولي العقد قبل اجازة من وقف العقد على اجازته صح الفسخ في قول أبى يوسف و عند محمد لا يصح ( وجه )
قوله انه بالفسخ متصرف في حق غيره فلا يصح و دلالة ذلك ان العقد قد انعقد في حق المتعاقدين و تعلق به حق توقف على اجازته لان الحكم عند الاجازة ثبت بالعقد السابق فكان هو بالفسخ متصرفا في محل تعلق به حق الغير فلا يصح فسخه بخلاف الفضولي إذا باع ثم فسخ قبل اتصال الاجازة به انه يجوز لان الفسخ هناك تصرف دفع الحقوق عن نفسه لانه عند الاجازة تتعلق حقوق العقد بالوكيل فكان هو بالفسخ دافعا الحقوق عن نفسه فيصح كالمالك إذا أوجب النكاح أو البيع أنه يملك الرجوع قبل قبول الآخر لما قلنا كذا هذا ( وجه )
قول أبى يوسف ان العقد قبل الاجازة منعقد في حق الحكم و انما انعقد في حق المتعاقدين فقط فكان الفسخ منه قبل الاجازة تصرفا في كلام نفسه بالنقض فجاز كما في البيع ( فصل )
و أما بيان شرائط الجواز و النفاذ فأنواع منها أن يكون العاقد بالغا فان نكاح الصبي العاقل و ان كان منعقدا على أصل أصحابنا فهو نافذ بل نفاذه يتوقف على اجازة وليه لان نفاذ التصرف لاشتماله على وجه المصلحة و الصبي لقلة تأمله لاشتغاله باللهو و اللعب لا يقف على ذلك فلا ينفذ تصرفه بل يتوقف على اجازة وليه فلا يتوقف على بلوغه حتى لو بلغ قبل أن يجيزه الولى لا ينفذ بالبلوغ لان العقد انعقد موقوفا على اجازة الولى و رضاه لسقوط اعتبار رضا الصبي شرعا و بالبلوغ زالت ولاية الولى فلا ينفذ ما لم يجزه بنفسه و عند الشافعي لا تنعقد تصرفات الصبي أصلا بل هى باطلة و قد ذكرنا المسألة في كتاب المأذون و منها أن يكون حرا فلا يجوز نكاح مملوك بالغ عاقل الا باذن سيده و الاصل فيه قوله صلى الله عليه و سلم ايما عبد تزوج بغير اذن مولاه فهو عاهر و الكلام في هذا الشرط يقع في مواضع في بيان ان اذن المولى شرط جواز نكاح المملوك لا يجوز من اذنه أو اجازته و فى بيان ما يكون اجازة له و فى بيان ما يملكه من النكاح بعد الاذن و فى بيان حكم المهر في نكاح المملوك
أما الاول فلا يجوز نكاح مملوك بغير اذن مولاه و ان كان عاقلا بالغا سواء كان قنا أو مدبرا أو مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة أو مكاتبا اما القن فان كان أمة فلا يجوز نكاحها بغير اذن سيدها بلا خلاف لان منافع البضع مملوكة لسيدها و لا يجوز التصرف في ملك الغير بغير اذنه و كذلك المدبرة وأم الولد لما قلنا و كذا المكاتبة لانها ملك المولى رقبة و ملك المتعة يتبع ملك الرقبة الا أنه منع من الاستمتاع بها لزوال ملك اليد و فى الاستمتاع إثبات ملك اليد و لان من الجائز انها تعجز فترد إلى الرق فتعود قنة كما كانت فتبين ان نكاحها صادف المولى فلا يصح و ان كان عبدا فلا يجوز نكاحه أيضا عند عامة العلماء و قال مالك يجوز ( وجه )
قوله ان منافع بضع العبد لا تدخل تحت ملك المولى فكان المولى فيها على أصل الحرية و المولى أجنبي عنها فيملك النكاح كالحر بخلاف الامة لان منافع بضعها ملك المولى فمنعت من التصرف بغير اذنه و لنا أن العبد بجميع أجزائه ملك المولى لقوله تعالى ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء أخبر سبحانه و تعالى ان العبيد ليسوا شركاء فيما رزق السادات و لا هم بسواء في ذلك و معلوم أنه ما أراد به نفى الشركة في المنافع لاشتراكهم فيها دل أنه أراد به حقيقة الملك و لقوله تعالى ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء و العبد اسم لجميع أجزائه و لان سبب الملك أضيف إلى كله فيثبت الملك في كله الا أنه منع من الانتفاع ببعض أجزائه بنفسه و هذا لا يمنع ثبوت الملك له كالأَمة المجوسية و غير ذلك و كذلك المأذون في التجارة لانه عبد مملوك و لانه كان محجورا قبل الاذن بالتجارة و النكاح ليس من التجارة لان التجارة معاوضة المال بالمال و النكاح معاوضة البضع بالمال و الدليل عليه أن المرأة إذا زوجت نفسها على عبد تنوى أن يكون العبد للتجارة لم يكن للتجارة و لو كان النكاح من التجارة لكان بدل البضع للتجارة كالبيع فكان هو بالنكاح متصرفا في ملك مولاه فلا يجوز كما لا يجوز نكاح الامة و الدليل عليه قوله تعالى لا يقدر على شيء وصف العبد المملوك بأنه لا يقدر على شيء و معلوم انه انما أراد به القدرة الحقيقية لانها ثابتة له فتعين القدرة الشرعية و هي اذن الشرع و إطلاقه فكان نفى القدرة الشرعية نفيا للاذن و الاطلاق و لا يجوز إثبات التصرف الشرعي بغير اذن الشرع و كذلك المدبر لانه عبد مملوك و كذلك المكاتب لان المكاتب عبد ما بقي عليه درهم على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم و لانه كان محجورا عن التزوج قبل الكتابة و عند الكتابة ما أفاد له الا الاذن بالتجارة و النكاح ليس من التجارة لان التجارة معاوضة المال بالمال و النكاح معاوضة البضع بالمال و الدليل عليه ان المرأة إذا زوجت نفسها على عبد تنوى ان العبد يكون للتجارة لم يكن للتجارة و لو كان النكاح من التجارة لكان بدل البضع للتجارة كالبيع و أما معتق البعض فلا يجوز نكاحه عند أبى حنيفة لانه بمنزلة المكاتب عنده و عند أبى يوسف و محمد يجوز لانه بمنزلة حر عليه دين عندهما و لو تزوج بغير اذن المولى واحد ممن ذكرنا أنه لا يجوز تزويجه الا باذن المولى ثم ان أجاز المولى النكاح جاز لان العقد صدر من الاهل في المحل الا أنه امتنع النفاذ لحق المولى فإذا أجاز فقد زال المانع و لا يجوز للعبد أن يتسرى و ان أذن له مولاه لان حل الوطء لا يثبت الا بأحد الملكين قال الله تعالى و الذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم ملومين و لم يوجد أحدهما و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يتسرى العبد و لا يسريه مولاه و لا يملك العبد و لا المكاتب شيأ الا الطلاق و هذا نص و أما بيان ما يكون اجازة فالإِجازة قد ثبتت بالنص و قد ثبتت بالدلالة و قد ثبتت بالضرورة أما النص فهو الصريح بالاجازة و ما يجرى مجراها نحو أن يقول أجزت أو رضيت أو أذنت و نحو ذلك و أما الدلالة فهي قول أو فعل يدل على الاجازة مثل أن يقول المولى إذا أخبر بالنكاح حسن أو صواب أو لا بأس به و نحو ذلك أو يسوق إلى المرأة المهر أو شيأ منه في نكاح العبد و نحو ذلك مما يدل على الرضا و لو قال له المولى طلقها أو فارقها لم يكن اجازة لان قوله طلقها أو فارقها يحتمل حقيقة الطلاق و المفارقة و يحتمل المتاركة لان النكاح الفاسد و النكاح الموقوف يسمى طلاقا و مفارقة
فوقع الشك و الاحتمال في ثبوت الاجازة فلا يثبت بالشك و الاحتمال و لو قال له طلقها تطليقة تملك الرجعة فهو اجازة لارتفاع الترداد اذ لا رجعة في المتاركة للنكاح الموقوف و فسخه و أما الضرورة فنحو ان يعتق المولى العبد أو الامة فيكون الاعتاق اجازة و لو أذن بالنكاح لم يكن الاذن بالنكاح اجازة و وجه الفرق بينهما من وجهين أحدهما انه لو لم يجعل الاعتاق اجازة لكان لا يخلو اما أن يبطل بالنكاح الموقوف و اما أن يبقى موقوفا على الاجازة و لا سبيل إلى الاول لان النكاح صدر من الاهل في المحل فلا يبطل الا بإبطال من له ولاية الابطال و لا سبيل إلى الثاني لانه لو بقي موقوفا على الاجازة فاما ان بقي موقوفا على اجازة المولى أو على اجازة العبد لا وجه للاول لان ولاية الاجازة لا تثبت الا بالملك و قد زال بالاعتاق و لا وجه للثاني لان العقد وجد من العبد فكيف يقف عقد الانسان على اجازته و إذا بطلت هذه الاقسام و ليس ههنا قسم آخر لزم أن يجعل الاعتاق اجازة ضرورة و هذه الضرورة لم توجد في الاذن بالنكاح و للثاني ان امتناع النفاذ مع صدور التصرف من الاهل في المحل لقيام حق المولى و هو الملك نظرا له دفعا للضرر عنه و قد زال ملكه بالاعتاق فزال المانع من النفوذ و الاذن بالتزوج لا يوجب زوال المانع و هو الملك لكنه بالاذن أقامه مقام نفسه في النكاح كانه هو ثم ثبوت ولاية الاجازة له لم تكن اجازة ما لم يجز فكذا العبد ثم إذا لم يكن نفس الاذن من المولى بالنكاح اجازة لذلك العقد فان أجازه العبد جاز استحسانا و القياس أن لا يجوز و ان أجازه وجه القياس انه مأذون بالعقد و الاجازة مع العقد متغايران اسما و صورة و شرطا أما الاسم و الصورة فلا شك في تغايرهما و أما الشرط فان محل العقد عليه و محل الاجازة نفس العقد و كذا الشهادة شرط العقد لا شرط الاجازة و الاذن بأحد المتغايرين لا يكون اذنا بالآخر وجه الاستحسان ان العبد أتى ببعض ما هو مأذون فيه فكان متصرفا عن اذن فيجوز تصرفه و دلالة ذلك ان المولى اذن له بعقد نافذ فكان مأذونا بتحصيل أصل العقد و وصفه و هو النفاذ و قد حصل النفاذ فيحصل و لهذا لو زوج فضولي هذا العبد إمرأة بغير اذن المولى فأجاز العبد نفذ العقد دل ان تنفيذ العقد بالاجازة مأذون فيه من قبل المولى فينفذ بإجازته ثم إذا نفذ النكاح بالاعتاق و هي أمة فلا خيار لها لان النكاح نفذ بعد العتق فالإِعتاق لم يصادفها و هي منكوحة و المهر لها ان لم يكن الزوج دخل بها قبل الاعتاق و ان كان قد دخل بها قبل الاعتاق فالمهر للمولى هذا إذا أعتقها و هي كبيرة فأما إذا كانت صغيرة فأعتقها فان الاعتاق لا يكون اجازة و يبطل العقد عند زفر و عندنا يبقى موقوفا على اجازة المولى إذا لم يكن لها عصبة فان كان لها عصبة يتوقف على اجازة العصبة و يجوز بإجازة العصبة ثم ان كان المجيز الاب أو الجد فلها خيار الادراك لان العقد نفذ عليها في حالة الصغر و هي حرة و ان كان المجيز أبوها أو جدها فلا خيار لها و لو مات المولى قبل الاجازة فان ورثها من يحل له وطؤها بطل النكاح الموقوف لان الحل النافذ قد طرأ على الموقوف لوجود سبب الحل و هو الملك قال الله تعالى و الذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم ملومين و من ضرورة ثبوت الحل له ارتفاع الموقوف و ان ورثها من لا يحل له وطؤها بأن كان الوارث ابن الميت و قد وطئها أبوه أو كانت الامة أخته من الرضاع أو ورثها جماعة فللوارث الاجازة لانه لم يوجد طريان الحل فبقى الموقوف على حاله و كذلك إذا باعها المولى قبل الاجازة فهو على التفصيل الذي ذكرنا في الوارث و على هذا قالوا فيمن تزوج جارية غيره بغير اذنه و وطأها ثم باعها المولى من رجل ان للمشتري الاجازة لان وطء الزوج يمنع حل الوطء للمشتري و أما العبد إذا تزوج بغير اذن المولى فمات الولى أو باعه قبل الاجازة فللوارث و المشترى الاجازة لانه لا يتصور حل الوطء ههنا فلم يوجد طريان حل الوطء فبقى الموقوف بحاله و هذا الذي ذكرنا قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر لا يجوز بإجازة الوارث و المشترى بل يبطل و الاصل فيه ان العقد الموقوف على اجازة إنسان يحتمل الاجازة من قبل غيره عندنا و عنده لا يحتمل وجه قوله ان الاجازة انما تلحق الموقوف لانها تنفيذ الموقوف فانما تلحقه على الوجه الذي وقف و انما وقف على الاول لا على الثاني فلا يملك الثاني تنفيذه
( و لنا )
أنه انما وقف على اجازة الاول لان الملك له و قد صار الملك للثاني فتنتقل الاجازة إلى الثاني و هذا لان المالك يملك انشاء النكاح بأصله و وصفه و هو النفاذ فلان يملك تنفيذ النكاح الموقوف و انه إثبات الوصف دون الاصل أولى و لو زوجت المكاتبة نفسها بغير اذن المولى حتى وقف على اجازته فأعتقها نفذ العقد و الاخبار فيه كما ذكرنا في الامة القنة و كذلك إذا أدت فعتقت و ان عجزت فان كان بضعها يحل للمولى يبطل العقد و ان كان لا يحل بأن كانت أخته من الرضاع أو كانت مجوسية توقف على اجازته و لو كان المولى هو الذي عقد عليها بغير رضاها حتى وقف على اجازتها فأجازت جاز العقد و ان أدت فعتقت أو أعتقها المولى توقف العقد على اجازتها ان كانت كبيرة و ان كانت صغيرة فهو على ما ذكرنا من الاختلاف في الامة و تتوقف على اجازة المولى عندنا إذا لم يكن لها عصبة المولى فان كان فأجازوا جاز و إذا أدركت فلها خيار الادراك إذا كان المجبر الاب و الجد على ما ذكرنا و ان لم يعتقها حتى عجزت بطل العقد و ان كان بضعها يحل للمولى و ان كان لا يحل له فلا يجوز الا بإجازته و أما بيان ما يملكه من النكاح بعد الاذن فنقول إذا أذن المولى للعبد بالتزويج فلا يخلو اما ان خص الاذن بالتزويج أو عمه فان خص بأن قال له تزوج لم يجز له ان يتزوج الا إمرأة واحدة لان الامر المطلق بالفعل لا يقتضى التكرار و كذا إذا قال له تزوج إمرأة لان قوله إمرأة اسم لواحدة من هذا الجنس و ان عم بأن قال تزوج ما شئت من النساء جاز له ان يتزوج ثنتين و لا يجوز له أن يتزوج أكثر من ذلك لانه اذن له بنكاح ما شاء من النساء بلفظ الجمع فينصرف إلى جميع ما يملكه العبيد من النساء و هو التزوج باثنتين قال النبي صلى الله عليه و سلم لا يتزوج العبد أكثر من اثنتين و عليه إجماع الصحابة رضى الله عنهم و روى عن الحكم أنه قال اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين و لان مالكية النكاح تشعر بكمال الحال لانها من باب الولاية و العبد أنقص حالا من الحر فيظهر أثر النقصان في عدد المملوك له في النكاح كما ظهر أثره في القسم و الطلاق و العدة و الحدود و غير ذلك و هل يدخل تحت الاذن بالتزوج النكاح الفاسد قال أبو حنيفة يدخل حتى لو تزوج العبد إمرأة نكاحا فاسدا أو دخل بها لزمه المهر في الحال و قال أبو يوسف و محمد لا يدخل و يتبع بالمهر بعد العتق ( وجه )
قولهما ان غرض المولى من الاذن بالنكاح و هو حل الاستمتاع ليحصل به عفة العبد عن الزنا و هذا لا يحصل بالنكاح الفاسد لانه لا يفيد الحل فلا يكون مرادا من الاذن بالتزوج و لهذا لو حلف لا يتزوج ينصرف إلى النكاح الصحيح حتى لو نكح نكاحا فاسدا لا يحنث كذا هذا و لابي حنيفة ان الاذن بالتزوج مطلق فينصرف لي الصحيح و الفاسد كالاذن بالبيع مطلقا و فى مسألة اليمين انما لم ينصرف لفظ النكاح إلى الفاسد لقرينة عرفية الا أن الايمان محمولة على العرف و العادة و المتعارف و المعتاد مما يقصد باليمين الامتناع عن الصحيح لا الفاسد لان فساد المحلوف عليه يكفى مانعا من الاقدام عليه فلا حاجة إلى الامتناع باليمين و الدليل على صحة هذا التخريج أن يمين الحالف لو كانت على الفعل الماضي ينصرف إلى الصحيح و الفاسد جميعا و يتفرع على هذا أنه إذا تزوج إمرأة نكاحا فاسدا ثم أراد أن يتزوج أخرى نكاحا صحيحا ليس له ذلك عند أبى حنيفة لان الاذن انتهى بالنكاح و عندهما له ذلك لان الاذن قد بقي و لو أذن له بنكاح فاسد نصا و دخل بها يلزمه المهر في الحال في قولهم جميعا اما على أصل أبى حنيفة فظاهر و اما على أصلهما فلان الصرف إلى الصحيح لضرب دلالة أوجبت اليه فإذا جاء النص بخلافه بطلت الدلالة و الله عز وجل الموفق و أما بيان حكم المهر في نكاح المملوك فنقول إذا كانت الاجازة قبل الدخول بالامة لم يكن على الزوج الا مهر واحد و ان كان بعد الدخول بها فالقياس ان يلزمه مهران مهر بالدخول قبل الاجازة و مهر بالاجازة ( وجه )
القياس انه وجد سبب وجوب مهرين أحدهما الدخول لان الدخول في النكاح الموقوف دخول في نكاح فاسد و هو بمنزلة الدخول في نكاح فاسد و ذا يوجب المهر كذا هذا و الثاني النكاح الصحيح لان النكاح قد صح بالاجازة و للاستحسان وجهان
أحدهما أن النكاح كان موقوفا على اذن المالك كنكاح الفضولي و العقد الموقوف إذا اتصلت به الاجازة تستند الاجازة إلى وقت العقد و إذا استندت الاجازة اليه صار كانه عقده باذنه اذ الاجازة اللاحقة كالاذن السابق فلا يجب الا مهر واحد و الثاني ان مهر المثل لو وجب لكان لوجوده تعلقا بالعقد لانه لولاه لكان الفعل زنا و لكان الواجب هو الحد لا المهر و قد وجب المسمى بالعقد فلو وجب به مهر المثل أيضا لوجب بعقد واحد مهران و انه ممتنع ثم كل ما وجب من مهر الامة فهو للمولى سواء وجب بالعقد أو بالدخول و سواء كان المهر مسمى أو مهر المثل و سواء كانت الامة قنة أو مدبرة أو أم ولد الا المكاتبة و المعتق بعضها فان المهر لهما لان المهر وجب عوضا عن المتعة و هي منافع البضع ثم ان كانت منافع البضع ملحقة بالاجزاء و الاعيان فعوضها يكون للمولى كالارش و ان كانت مبقاة على حقيقة المنفعة فبدلها يكون للمولى أيضا كالاجرة بخلاف المكاتبة لان هناك الارش و الاجرة لها فكان المهر لها أيضا و كل مهر لزم العبد فان كان قنا و النكاح باذن المولى يتعلق بكسبه ورقته تباع فيه ان لم يكن له كسب عندنا لانه دين ثابت في حق العبد ظاهر في حق المولى و مثل هذا الدين يتعلق برقبة العبد على أصل أصحابنا و المسألة ستأتي في كتاب المأذون و ان كان مدبرا أو مكاتبا فانهما يسعيان في المهر فيستوفى من كسبهما لتعذر الاستيفاء من رقبتهما بخروجهما عن احتمال البيع بالتدبير و الكتابة و ما لزم العبيد من ذلك بغير اذن المولى اتبعوا به بعد العتق لانه دين تعلق بسبب لم يظهر في حق المولى فأشبه الدين الثابت بإقرار العبد المحجور انه لا يلزمه للحال و يتبع به بعد العتاق لما قلنا كذا هذا و الله أعلم و منها الولاية في النكاح فلا ينعقد إنكاح من لا ولاية له و الكلام في هذا الشرط يقع في مواضع في بيان أنواع الولاية و فى بيانه سبب ثبوت كل نوع و فى بيان شرط ثبوت كل نوع و ما يتصل به أما الاول فالولاية في باب النكاح أنواع أربعة ولاية الملك و ولاية القرابة و ولاية الولاء و ولاية الامامة أما ولاية الملك فسبب ثبوتها الملك لان ولاية الا نكاح ولاية نظر و الملك داعي إلى الشفقة و النظر في حق المملوك فكان سببا لثبوت الولاية و لا ولاية للمملوك لعدم الملك له اذ هو مملوك في نفسه فلا يكون مالكا و أما شرائط ثبوت هذه الولاية فمنها عقل المالك و منها بلوغه فلا يجوز الا نكاح من المجنون و الصبي الذي لا يعقل و لا من الصبي العاقل لان هؤلاء ليسوا من أهل الولاية لان أهلية الولاية بالقدرة على تحصيل النظر في حق المولى عليه و ذلك بكمال الرأي و العقل و لم يوجد ألا ترى انه لا ولاية لهم على أنفسهم فكيف يكون على غيرهم و منها الملك المطلق و هو أن يكون المولى عليه مملوكا للمالك رقبة و يدا و على هذا يخرج إنكاح الرجل أمته أو مدبرته أو أم ولده أو عبده أو مدبره انه جائز سواء رضى به المملوك أو لا و لا يجوز إنكاح المكاتب و المكاتبة الا برضاهما أما إنكاح الامة و المدبرة وأم الولد فلا خلاف في جوازه صغيرة كانت أو كبيرة و أما إنكاح العبد فان كان صغيرا يجوز و ان كان كبيرا فقد ذكر في ظاهر الرواية انه يجوز من رضاه و روى عن أبى حنيفة أنه لا يجوز الا برضاه و به أخذ الشافعي ( وجه )
هذه الرواية ان منافع بضع العبد لم تدخل تحت ملك المولى بل هو أجنبي عنها و الانسان لا يملك التصرف في ملك غيره من رضاه و لهذا لا يملك إنكاح المكاتب و المكاتبة بخلاف الامة لان منافع بضعها مملوكة للمولى و لان نكاح المكره لا ينفذ ما وضع له من المقاصد المطلوبة منه لان حصولها بالدوام على النكاح و القرار عليه و نكاح المكره لا يدوم بل يزيله العبد بالطلاق فلا ؟ ؟ يد فائدة ( وجه )
ظاهر الرواية قوله تعالى و أنكحوا الايامى منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم أمر الله سبحانه و تعالى الموالي بإنكاح العبيد و الاماء مطلقا عن شرط الرضا فمن شرطه يحتاج إلى الدليل و لان إنكاح المملوك من المولى تصرف لنفسه لان مقاصد النكاح ترجع اليه فان الولد في إنكاح الامة له و كذا في إنكاح أمته من عبده و منفعة العقد عن الزنا الذي يوجب نقصان مالية مملوكه حصل له أيضا فكان هذا الا نكاح تصرفا لنفسه و من تصرف في ملك نفسه لنفسه ينفذ
و لا يشترط فيه رضا المتصرف فيه كما في البيع و الاجارة و سائر التصرفات و لان العبد ملكه بجميع أجزائه مطلقا لما ذكرنا من الدلائل فيما تقدم و لكل مالك ولاية التصرف في ملكه إذا كان التصرف مصلحة و إنكاح العبد مصلحة في حقه لما فيه من صيانة ملكه عن النقصان بواسطة الصيانة عن الزنا و قوله منافع البضع مملوكة لسيده ممنوع بل هى مملوكة الا أن مولاها إذا كانت أمة منعت من استيفائها لما فيه من الفساد و هذا لا يمنع ثبوت الملك كالجارية المجوسية و الاخت من الرضاعة انه يمنع المولى من الاستمتاع بهما مع قيام الملك كذا هذا و الملك المطلق لم يوجد في المكاتب لزوال ملك اليد بالكتابة حتى كان أحق بالكتابة و لهذا لم يدخل تحت مطلق اسم المملوك في قوله كل مملوك لي فهو حر الا بالنية فقيام ملك الرقبة ان اقتضى ثبوت الولاية فانعدام ملك اليد يمنع من الثبوت فلا تثبت الولاية بالشك و لان في التزويج من رضا المكاتب ضررا لان المولى بعقد الكتابة جعله أحق بمكاسبه ليتوصل بها إلى شرف الحرية فالتزويج من رضاه يوجب تعلق المهر و النفقة بكسبه فلا يصل إلى الحرية فيتضرر به بشرط رضاه دفعا للضرر عنه و قوله لا فائدة في هذا النكاح ممنوع فان في طبع كل فحل التوقان إلى النساء فالظاهر هو قضأ الشهوة خصوصا عند عدم المانع و هو الحرمة و كذا الظاهر من حال العبد الامتناع من بعض تصرف المولى احتراما له فيبقى النكاح فيفيد فائدة تامة و الله الموفق و أما ولاية القرابة فسبب ثبوتها هو أصل القرابة و ذاتها لا كمال القربة و انما الكمال شرط التقدم على ما نذكر و هذا عند أصحابنا و عند الشافعي السبب هو القرابة القريبة و هي قرابة الولاد و على هذا يبنى أن لغير الاب و الجد كالاخ و العم ولاية الا نكاح عندنا خلافا له و احتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر و حقيقة اسم اليتيمة للصغيرة لغة قال النبي صلى الله عليه و سلم لا يتم بعد الحلم نهى صلى الله عليه و سلم عن إنكاح اليتيمة و مده إلى غاية الاستئمار و لا تصير أهلا للاستئمار الا بعد البلوغ فيتضمن البلوغ كانه قال صلى الله عليه و سلم حتى تبلغ و تستأمر و لان النكاح عقد اضرارا في جانب النساء لما ذكر ان شاء الله تعالى في مثله إنكاح البنت البالغة و مثل هذا التصرف لا يدخل تحت ولاية المولى كالطلاق و العتاق و الهبة و غيرهما الا انه تثبت الولاية للاب و الجد بالنص و الاجماع لكمال شفقتهما و شفقة الاب و الجد قاصرة و قد ظهر أثر القصور في سلب ولاية التصرف في الحال بالاجماع و سلب ولاية اللزوم عندكم فتعذر الالحاق و لنا قوله تعالى و أنكحوا الايامى منكم هذا خطاب لعامة المؤمنين لانه بني على قوله تعالى و توبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ثم خص منه الاجانب فبقيت الاقارب تحته الا من خص بدليل و لان سبب ولاية التنفيذ في الاب و الجد هو مطلق القرابة لا القرابة القريبة و انما قرب القرابة سبب زيادة الولاية و هي ولاية الالزام لان مطلق القرابة حاصل على أصل الشفقة أعنى به شفقة زائدة على شفقة الجنس و شفقة الاسلام و هي داعية إلى تحصيل النظر في حق المولى عليه و شرطها عجز المولى عليه عن تحصيل النظر بنفسه مع حاجته إلى التحصيل لان مصالح النكاح مضمنة تحت الكفاءة و الكلفء عزيز الوجود فيحتاج إلى إحرازه للحال لاستيفاء مصالح النكاح بعد البلوغ و فائدتها وقوعها وسيلة إلى ما وضع النكاح له و كل ذلك موجود في إنكاح الاخ و العم فينفذ الا أنه لم يلزم تصرفه لانعدام شرط اللزوم و هو قرب القرابة و لم تثبت له ولاية التصرف في المال لعدم الفائدة لانه لا سبيل إلى القول باللزوم لان قرابة الاب و الجد ليست بملزمة و لا سبيل إلى التولى بالنفاذ بدون اللزوم لانه لا يفيد اذ المقصود من التصرف في المال و هو الربح لا يحصل الا بتكرار التجارة و لا يحصل ذلك مع عدم اللزوم لانه إذا اشترى شيأ يحتاج إلى أن يمسكه إلى وقت البلوغ فلا يحصل المقصود فسقطت ولاية التصرف في المال بطريق الضرورة و هذه الضرورة منعدمة في ولاية الا نكاح فثبتت ولاية الا نكاح و أما الحديث فالمراد منه اليتيمة البالغة بدلالة الاستئمار و هذا و ان كان مجازا لكن فيما ذكره
أيضا إضمار فوقعت المعارضة فسقط الاحتجاج به أو نحمله على ما قلنا توفيقا بين الدليلين صيانة لهما عن التناقض ثم إذا زوج الصغير أو الصغيرة فلهما الخيار إذا بلغا عند أبى حنيفة و محمد و عند أبى يوسف لا خيار لهما و نذكر المسألة ان شاء الله تعالى في شرائط اللزوم و اما شرائط ثبوت هذه الولاية فنوعان في الاصل نوع هو شرط ثبوت أصل الولاية و نوع هو شرط التقدم أما شرط ثبوت أصل الولاية فأنواع بعضها يرجع إلى الولى و بعضها يرجع إلى المولى عليه و بعضها يرجع إلى نفس التصرف أما الذي يرجع إلى الولى فأنواع منها عقل الولى و منها بلوغه فلا تثبت الولاية للمجنون و الصبي لانهما ليسا من أهل الولاية لما ذكرنا في ولاية لملك و لهذا لم تثبت لهما الولاية على أنفسهما مع أنهما أقرب إليهما فلان تثبت على غيرهما أولى و منها أن يكون ممن يرث الخزوج لان سبب ثبوت الولاية و الوارثة واحد و هو القرابة و كل من يرثه يلى عليه و من لا يرثه لا يلى عليه و هذا يطرد على أصل أبى حنيفة خاصة و ينعكس عند الكل فيخرج عليه مسائل فنقول لا ولاية للمملوك على أحد لانه لا يرث أحدا و لان المملوك ليس من أهل الولاية ألا ترى أنه لا ولاية له على نفسه و لان الولاية تنبئ عن المالكية و الشخص الواحد كيف يكون مالكا و مملوكا في زمان واحد لان هذه ولاية نظر و مصلحة و مصالح النكاح لا يتوقف عليها الا بالتأمل و التدبر و المملوك لاشتغاله بخدمة مولاه لا يتفرغ للتأمل و التدبر فلا يعرف كون إنكاحه مصلحة و الله عز و جل الموفق و لا ولاية للمرتد على أحد لا على مسلم و لا على كافر و لا على مرتد مثله لانه لا يرث أحدا و لانه لا ولاية له على نفسه حتى لا يجوز نكاحه أحد الا مسلما و لا كافرا و لا مرتدا مثله فلا يكون له ولاية على غيره و لا ولاية للكافر على المسلم لانه لا مراث بينهما قال النبي صلى الله عليه و سلم لا يتوارث أهل ملتين شيأ و لان الكافر ليس من أهل الولاية على المسلم لان الشرع قطع ولاية الكافر على المسلمين قال الله تعالى و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا و قال صلى الله عليه و سلم الاسلام يعلو و لا يعلى و لان إثبات الولاية للكافر على المسلم تشعر باذلال المسلم من جهة الكافر و هذا لا يجوز و لهذا صينت المسلمة عن نكاح الكافر و كذلك ان كان الولى مسلما و المولى عليه كافرا فلا ولاية له عليه لان المسلم لا يرث الكافر كما أن الكافر لا يرث المسلم قال النبي صلى الله عليه و سلم لا يرث المؤمن الكافر و لا الكافر المؤمن الا أن ولد المرتد إذا كان مؤمنا صار مخصوصا عن النص و أما اسلام الولى فليس بشرط لثبوت الولاية في الجملة فيلى الكافر على الكافر لان الكفر لا يقدح في الشفقة الباعثة عن تحصيل النظر في حق المولى عليه و لا في الوراثة فان الكافر يرث الكافر و لهذا كان من أهل الولاية على نفسه فكذا على غيره و قال عز و جل الذين كفروا بعضهم أوليآء بعض و كذا العدالة ليست بشرط لثبوت الولاية عند أصحابنا و للفاسق أن يزوج ابنه و ابنته الصغيرين و عند الشافعي شرط و ليس للفاسق ولاية التزويج و احتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا نكاح الا بولي مرشد و المرشد بمعنى الرشيد كالمصلح بمعنى الصالح و الفاسق ليس برشيد و لان الولاية من باب لكرامة و الفسق سبب الاهانة و لهذا لم أقبل شهادته و لنا عموم قوله تعالى و أنكحوا الايامى منكم و قوله صلى الله عليه و سلم زوجوا بناتكم الاكفاء من فصل و لنا إجماع الامة أيضا فان الناس عن آخرهم عامهم و خاصهم من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا يزوجون بناتهم من نكير من أحد خصوصا الاعراب و الاكراد و الاتراك و لان هذه ولاية نظر و الفسق لا يقدح في القدرة على تحصيل النظر و لا في الداعي اليه و هو الشفقة و كذا لا يقدح في الوراثة فلا يقدح في الولاية كالعدل و لان الفاسق من أهل الولاية على نفسه فيكون من أهل الولاية على غيره كالعدل و لهذا قبلنا شهادته و لانه من أهل أحد نوعى الولاية و هو ولاية الملك حتى يزوج أمته فيكون من أهل النوع الآخر و أما الحديث فقد قيل انه لم يثبت بدون هذه الزيادة فكيف يثبت مع الزيادة و لو ثبت فنقول بموجبه و الفاسق مرشد لانه يرشد غيره لوجود آلة الارشاد و هو العقل فكان هذا نفى
الولاية للمجنون و به نقول ان المجنون لا يصلح وليا و المحدود في القدف إذا تاب فله ولاية الا نكاح بلا خلاف لانه إذا تاب فقد صار عدلا و ان لم يثبت فهو على الاختلاف لانه فاسق و الله الموفق و اما كون المولى من العصبات فهل هو شرط ثبوت الولاية أم لا فنقول و بالله التوفيق جملة الكلام فيه انه لا خلاف في أن للاب و الجد ولاية الا نكاح الا شيء يحكى عن عثمان البنى و ابن شبرمة انهما قالا ليس لهما و لاية التزويج ( وجه )
قولهما ان حكم النكاح إذا ثبت لا يقتصر على حال الصغر بل يدوم و يبقى إلى ما بعد البلوغ إلى أن يوجد ما يبطله و فى هذا ثبوت الولاية على البالغة و لانه استبد أو كانه انشأ الا نكاح بعد البلوغ و هذا لا يجوز و لنا قوله تعالى و أنكحوا الايامى منكم و الايم اسم لانثى من بنات آدم عليه الصلاة و السلام كبيرة كانت أو صغيرة لا زوج لها و كلمة من ان كانت للتبعيض يكون هذا خطابا للآباء و ان كانت للتجنيس يكون خطابا لجنس المؤمنين و عموم الخطاب يتناول الاب و الجد و أنكح الصديق رضى الله عنه عائشة رضى الله عنها و هي بنت ست سنين من رسول الله صلى الله عليه و سلم و تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم و زوج على ابنته أم كلثوم و هي صغيرة من عمر بن الخطاب رضى الله عنه و زوج عبد الله بن عمر ابنته و هي صغيرة عروة بن الزبير رضى الله عنهم و به تبين أن قولهما خرج مخالفا لاجماع الصحابة و كان مردودا و أما قولهما ان حكم النكاح بقي بعد البلوغ فنعم و لكن بالانكاح السابق لا بإنكاح مبتدأ بعد البلوغ و هذا جائز كما في البيع فان لهما ولاية بيع مال الصغير و ان كان حكم البيع و هو الملك يبقى بعد البلوغ لما قلنا كذا هذا و للاب قبض صداق ابنته البكر صغيرة كانت أو بالغة و يبرأ الزوج بقبضه أما الصغيرة فلا شك فيه لان له ولاية التصرف في مالها و أما البالغة فلانها تستحي من المطالبة به بنفسها كما تستحي عن التكلم بالنكاح فجعل سكوتها رضا بقبض الاب كما جعل رضا بالنكاح و لان الظاهر أنها ترضى بقبض الاب لانه يقبض مهرها فيضم اليه أمثاله فيجهزها به هذا هو الظاهر فكان مأذونا بالقبض من جهتها دلالة حتى لو نهته عن القبض لا يتملك القبض و لا يبرأ الزوج و كذا الجد يقوم مقامه عند عدمه و ان كانت ابنته عاقلة و هي ثيب فالقبض إليها لا إلى الاب و يبرأ الزوج بدفعه إليها و لا يبرأ بالدفع إلى الاب و ما سوى الاب و الجد من الاولياء ليس لهم ولاية القبض سواء كانت صغيرة أو كبيرة الا إذا كان الولى و هو الوصي فله حق القبض إذا كانت صغيرة كما يقبض سائر ديونها و ليس للوصي حق القبض الا إذا كانت صغيرة و إذا ضمن الولى المهر صح ضمانه لان حقوق العقد لا تتعلق به فصار كالأَجنبي بخلاف الوكيل بالبيع إذا ضمن عن المشترى الثمن و للمرأة الخيار في مطالبة زوجها أو وليها لوجود ثبوت سبب حق المطالبة من كل واحد منهما و هو العقد من الزوج و الضمان من الولى و لا خلاف بين أصحابنا في أن لغير الاب و الجد من العصبات ولاية الا نكاح و الاقرب فالأَقرب على ترتيب العصبات في الميراث و اختلفوا في العصبات قال أبو يوسف و محمد لا يجوز إنكاحه حتى لم يتوارثا بذلك النكاح و يقف على اجازة العصبة و عن أبى حنيفة فيه روايتان و هذا يرجع إلى ما ذكرنا ان عصوبة الولى هل هى شرط لثبوت الولاية مع اتفاقهم على أنها شرط التقديم فعندهما هى شرط ثبوت أصل الولاية و هي رواية الحسن عن أبى حنيفة فانه روى عنه انه قال لا يزوج الصغيرة الا العصبة و روى أبو يوسف و محمد عن أبى حنيفة أنها ليست بشرط لثبوت أصل الولاية و انما هى شرط التقدم على قرابة الرحم حتى انه إذا كان هناك عصبة لا تثبت لغير العصبة ولاية الا نكاح و ان لم يكن ثمة عصبة فلغير العصبة من القرابات من الرجال و النساء نحو الام و الاخت و الخالة ولاية التزويج الاقرب فالأَقرب إذا كان المزوج ممن يرث المزوج و هو الرواية المشهورة عن أبى حنيفة ( وجه )
قولهما ما روى عن على رضى الله عنه أنه قال النكاح إلى العصبات فوض كل نكاح إلى كل عصبة لانه قابل الجنس بالجنس أو بالجمع فيقتضى مقابلة الفرد بالفرد و لان الاصل في
فصل وأما الذى يرجع إلى المولى عليه
الولاية هم العصبات فان كان الرأي و تدبير القبيلة و صيانتها عما يوجب العار و الشين إليهم فكانوا هم الذين يحرزون عن ذلك بالنظر و التأمل في أمر النكاح فكانوا هم المحقين بالولاية و لهذا كانت قرابة التعصيب مقدمة على قرابة الرحم بالاجماع و لابي حنيفة عموم قوله تعالى و أنكحوا الايامى منكم و الصالحين من فصل بين العصبات و غيرهم فتثبت ولاية الا نكاح على العموم الا من خص بدليل و لان سبب ثبوت الولاية هو مطلق القرابة و ذاتها لما بينا أن القرابة حاملة على الشفقة في حق القريب داعية إليها و قد وجد ههنا فوجد السبب و وجد شرط الثبوت أيضا و هو عجز المولى عليه عن المباشرة بنفسه و انما العصوبة و قرب القرابة شرط التقدم لا شرط ثبوت أصل الولاية فلا جرم العصبة تتقدم على ذي الرحم و الاقرب من العصبة يتقدم على الابعد و لان ولاية الا نكاح مرتبة على استحقاق الميراث لا تحاد سبب ثبوتها و هو القرابة فكل من استحق من الميراث استحق الولاية ألا ترى أن الاب إذا كان عبدا لا ولاية له لان العبد لا يرث أحدا و كذا إذا كان كافرا و المولى عليه مسلم لا ولاية له لانه لا يرثه و كذا إذا كان مسلما و المولى عليه كافر لا ولاية له لانه لا ميراث له منه فثبت أن الولاية تدور مع استحقاق الميراث فثبت لكل قريب يرث يزوج و لا يلزم على هذه القاعدة المولى انه يزوج و لا يرث و كذا الامام يزوج و لا يرث لان هذا عكس العلة لان طرد ما قلنا ان كل من يرث يزوج و هذا مطرد على أصل أبى حنيفة و عكسه ان كل من لا يرث لا يزوج و الشرط في العلل الشرعية الاطراد دون الانعكاس لجواز إثبات الحكم الشرعي بعلل ثم نقول ما قلناه منعكس أيضا ألا ترى أن للمولى الولاء في مملوكه و هو نوع ارث و أما الامام فهو نائب عن جماعة المسلمين و هم يرثون من لا ولي له من جهة الملك و القرابة و الولاء ألا ترى أن ميراثه لبيت المال و بيت المال ما لهم فكانت الولاية في الحقيقة لهم و انما الامام نائب عنهم فيتزوجون و يرثون أيضا فاطرد هذا الاصل و انعكس بحمد الله تعالى و أما قول على رضى الله عنه النكاح إلى العصبات فالمراد منه حال وجود العصبة لاستحالة تفويض النكاح إلى العصبة و لا عصبة و نحن به نقول ان النكاح إلى العصبات حال وجود العصبه و لا كلام فيه و الله أعلم ( فصل )
و أما الذي يرجع إلى المولى عليه فنقول الولاية بالنسبة إلى المولى عليه نوعان ولاية حتم و إيجاب و ولاية ندب و استحباب و هذا على أصل أبى حنيفة و أبى يوسف الاول و أما على أصل محمد فهي نوعان أيضا ولاية استبداد و ولاية شركة و هي قول أبى يوسف الآخر و كذا نقول الشافعي الا أن بينهما اختلاف في كيفية الشركة على ما نذكر ان شاء الله و أما ولاية الحتم و الايجاب و الاستبداد فشرط ثبوتها على أصل أصحابنا كون المولى عليه صغيرا أو صغيرة أو مجنونا كبيرا أو مجنونة كبيرة سواء كانت الصغيرة بكرا أو ثيبا فلا تثبت هذه الولاية على البالغ العاقل و لا على العاقلة البالغة و على أصل الشافعي شرط ثبوت ولاية الاستبداد في الغلام هو الصغر و فى الجارية البكارة سواء كانت صغيرة أو بالغة فلا تثبت هذه الولاية عنده على الثيب سواء كانت بالغة أو صغيرة و الاصل ان هذه الولاية على أصل أصحابنا تدور مع الصغر وجودا وعد ما في الصغير و الصغيرة و عنده في الصغير كذلك اما في الصغيرة فانها تدور مع البكارة وجودا وعد ما و فى الكبير و الكبيرة تدور مع الجنون وجودا وعد ما سواء كان الجنون أصليا بأن بلغ مجنونا أو عارضا بأن طرأ بعد البلوغ عندنا و قال زفر إذا طرأ الجنون لم يجز للمولى التزويج و على هذا يبتنى أن الاب و الجد لا يملكان إنكاح البكر البالغة بغير رضاها عندنا و قال الشافعي يملكانه و لا خلاف في انهما لا يملكان إنكاح الثيب البالغة بغير رضاها ( وجه )
قوله ان البكر و ان كانت عاقلة بالغة فلا تعلم بمصالح النكاح لان العلم بها يقف على التجربة
و الممارسة و ذلك بالثيابة و لم توجد فألتحقت بالبكر الصغيرة فبقيت ولاية الاستبداد عليها و لهذا ملك الاب قبض صداقها من رضاها بخلاف الثيب البالغة لانها علمت بمصالح النكاح و بالممارسة و مصاحبة الرجال فانقطعت ولاية الاستبداد عنها و لنا أن الثيب البالغة لا تزوج الا برضاها فكذا البكر البالغة و الجامع بينهما وجهان أحدهما طريق أبى حنيفة و أبى يوسف الاول و الثاني طريق محمد و أبى يوسف الآخر أما طريق أبى حنيفة فهو ان ولاية الحتم و الايجاب في حالة الصغر انما تثبت بطريق النيابة عن الصغيرة لعجزها عن التصرف على وجه النظر و المصلحة بنفسها و بالبلوغ و العقل زال العجز و ثبتت القدرة حقيقة و لهذا صارت من أهل الخطاب في أحكام الشرع الا انها مع قدرتها حقيقة عاجزة عن مباشرة النكاح عجز ندب و استحباب لانها تحتاج إلى الخروج إلى محافل الرجال و المرأة مخدرة مستورة و الخروج إلى محفل الرجال من النساء عيب في العادة فكان عجزها عجز ندب و استحباب لا حقيقة فثبتت الولاية عليها على حسب العجز و هي ولاية ندب و استحباب لا ولاية حتم و إيجاب إثباتا للحكم على قدر العلة و أما طريق محمد فهو أن الثابت بعد البلوغ ولاية الشركة لا ولاية الاستبداد فلا بد من الرضا كما في الثيب البالغة على ما نذكره ان شاء الله تعالى في مسألة النكاح بغير ولي و انما ملك الاب قبض صداقها لوجود الرضا بذلك منها دلالة لان العادة أن الاب يضم إلى الصداق من خالص ماله و يجهز بنته البكر حتى لو نهته عن القبض لا يملك بخلاف الثيب فان العادة ما جرت بتكرار الجهاز و إذا كان الرضا في نكاح البالغة شرط الجواز فإذا زوجت بغير اذنها توقف التزويج على رضاها فان رضيت جاز و ان ردت بطل ثم ان كانت ثيبا فرضاها يعرف بالقول تارة و بالفعل أخرى أما القول فهو التنصيص على الرضا و ما يجرى مجراه نحو أن تقول رضيت أو أجزت و نحو ذلك و الاصل فيه قوله صلى الله عليه و سلم الثيب تشاور و قوله صلى الله عليه و سلم الثيب يعرب عنها لسانها و قوله صلى الله عليه و سلم تستأمر النساء في ابضاعهن و قوله صلى الله عليه و سلم لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر و المراد منه البالغة و أما الفعل فنحو التمكين من نفسها و المطالبة بالمهر و النفقة و نحو ذلك لان ذلك دليل الرضا و الرضا يثبت بالنص مرة و بالدليل أخرى و الاصل فيه ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لبريرة ان وطئك زوجك فلا خيار لك و ان كانت بكرا فان رضاها يعرف بهذين الطريقين و بثالث و هو السكوت و هذا استحسان و القياس أن لا يكون سكوتها رضا ( وجه )
القياس أن السكوت يحتمل الرضا و يحتمل السخط فلا يصلح دليل الرضا مع الشك و الاحتمال و لهذا لم يجعل دليلا إذا كان المزوج أجنبيا أو وليا غيره أولى منه ( و لنا )
ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال تستأمر النساء في ابضاعهن فقالت عائشة رضى الله عنها ان البكر تستحي يا رسول الله فقال صلى الله عليه و سلم اذنها صماتها و روى سكوتها رضاها و روى سكوتها إقرارها و كل ذلك نص في الباب و روى البكر تستأمر في نفسها فان سكتت فقد رضيت و هذا أيضا نص و لان البكر تستحي عن النطق بالاذن في النكاح لما فيه من اظهار رغبتها في الرجال فتنسب إلى الوقاحة فلو لم يجعل سكوتها اذنا و رضا بالنكاح دلالة و شرط استنطاقها و انها لا تنطق عادة لفاتت عليها مصالح النكاح مع حاجتها إلى ذلك و هذا لا يجوز و قوله السكوت يحتمل مسلم لكن ترجح جانب الرضا على جانب السخط لانها لو لم تكن راضية لردت لانها ان كانت تستحي عن الاذن فلا تستحي عن الرد فلما سكتت و لم ترد دل انها راضية بخلاف ما إذا زوجها أجنبي أو ولي غيره أولى منه لان هناك ازداد احتمال السخط لانها يحتمل انها سكتت عن جوابه مع انها قادرة على الرد تحقيرا له و عدم المبالاة بكلامه و هذا أمر معلوم بالعادة فبطل رجحان دليل الرضا و لانها انما تستحي من الاولياء لا من الاجانب و الابعد عند قيام الاقرب و حضوره أجنبي فكانت في حق الاجانب كالثيب فلا بد من فعل أو قول يدل عليه و لان المزوج إذا كان أجنبيا و إذا كان
الولى الابعد كان جواز النكاح من طريق الوكالة لا من طريق الولاية لانعدامها و الوكالة لا تثبت الا بالقول و إذا كان وليا فالجواز بطريق الولاية فلا يفتقر إلى القول و لو بلغها النكاح فضحكت كان اجازة لان الانسان انما يضحك مما يسره فكان دليل الرضا و لو بكت روى عن أبى يوسف انه يكون اجازة و روى عنه رواية أخرى انه لا يكون اجازة بل يكون ردا و هو قول محمد ( وجه )
الرواية الاولى ان البكاء قد يكون للحزن و قد يكون لشدة الفرح فلا يجعل ردا و لا اجازة للتعارض فصار كانها سكتت فكان رضا ( وجه )
الرواية الاخرى و هو قول محمد ان البكاء لا يكون الا من حزن عادة فكان دليل السخط و الكراهة لا دليل الاذن و الاجازة و لو زوجها وليان كل منهما رجلا فبلغها ذلك فان أجازت أحد العقدين جاز الذي أجازته و بطل الآخر و ان أجازتهما بطلا لان الاجازة منها بمنزلة الانشاء كانها تزوجت بزوجين و ذلك باطل كذا هذا و ان سكتت روى عن محمد ان ذلك لا يكون ردا و لا اجازة حتى تجيز أحدهما بالقول أو بفعل يدل على الاجازة و روى عنه رواية أخرى انها إذا سكتت بطل العقد ان جميعا ( وجه )
هذه الرواية ان السكوت من البكر كالاجازة فكأنها أجازت العقدين جميعا ( وجه )
الرواية الاخرى ان هذا السكوت لا يمكن أن يجعل اجازة لانه لو جعل اجازة فاما أن يجعل اجازة للعقدين جميعا و اما أن يجعل اجازة لاحدهما لا سبيل إلى الاول لان انشاء العقدين جميعا ممتنع فامتنعت اجازتهما و لا سبيل إلى الثاني لانه ليس أحد العقدين بأولى بالاجازة من الآخر فالتحق السكوت بالعدم و وقف الامر على الاجازة بقول أو بفعل يدل على الاجازة لاحدهما و كذلك إذا استؤمرت البكر فسكتت في الابتداء فهو اذن إذا كان المستأذن وليا لما ذكرنا و لما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه كان إذا خطب احدى بناته دنا من خدرها و قال ان فلانا يذكر فلانة ثم يزوجها فدل ان السكوت عند استئمار الولى اذن دلالة و قالوا في الولى إذا قال للبكر انى أريد أن أزوجك فلانا فقالت غيره أولى منه لم يكن ذلك اذنا و لو زوجها ثم أخبرها فقالت قد كان غيره أولى منه كان اجازة لان قولها في الفصل الاول اظهار عدم الرضا بالتزويج من فلان و قولها في الفصل الثاني قبول أو سكوت عن الرد و سكوت البكر عن الرد يكون رضا و لو قال الولى أريد أن أزوجك من رجل و لم يسمه فسكتت لم يكن رضا كذا روى عن محمد لان الرضا بالشيء بدون العلم به لا يتحقق و لو قال أزوجك فلانا أو فلانا حتى عد جماعة فسكتت فمن أيهم زوجها جاز و لو سمى لها الجماعة مجملا بأن قال أريد أن أزوجك من جيراني أو من بني عمي فسكتت فان كانوا يحصون فهو رضا و ان كانوا لا يحصون لم يكن رضا لانهم إذا كانوا يحصون يعلمون فيتعلق الرضا بهم و إذا لم يحصوا لم يعلموا فلا يتصور الرضا لان الرضا بغير المعلوم محال و الله تعالى الموفق و ذكر في الفتاوى أن الولى إذا سمى الزوج و لم يسم المهر انه كم هو فسكتت فسكوتها لا يكون رضا لان تمام الرضا لا يثبت الا بذكر الزوج و المهر ثم الاجازة من طريق الدلالة لا تثبت الا بعد العلم بالنكاح لان الرضا بالنكاح قبل العلم به لا يتصور و إذا زوج الثيب البالغة ولي فقالت لم أرض و لم آذن و قال الزوج قد أذنت فالقول قول المرأة لان الزوج يدعى عليها حدوث أمر لم يكن و هو الاذن و الرضا و هي تنكر فكان القول قولها ( و أما )
البكر إذا تزوجت فقال الزوج بلغك العقد فسكت فقالت رددت فالقول قولها عند أصحابنا الثلاثة و قال زفر القول قول الزوج ( وجه )
قوله ان المرأة تدعى أمرا حادثا و هو الرد و الزوج ينكر القول فكان القول قول المنكر ( و لنا )
ان المرأة و ان كانت مدعية ظاهرا فهي منكرة في الحقيقة لان الزوج يدعى عليها جواز العقد بالسكوت و هي تنكر فكان القول قولها كالمودع إذا قال رددت الوديعة كان القول قوله و ان كان مدعيا لرد ظاهر لكونه منكرا للضمان حقيقة كذا هذا ثم في هذين الفصلين لا يمين عليها في قول أبى حنيفة و فى قولهما عليها اليمين و هو الخلاف المعروف ان الاستحسان المعروف لا يجرى في الاشياء
الستة عنده و عندهما يجرى و المسألة تذكر ان شاء الله تعالى في كتاب الدعوي ثم إذا اختلف الحكم في البكر البالغة و الثيب البالغة في الجملة حتى جعل السكوت رضا من البكر دون العيب و للاب ولاية قبض صداق البكر بغير اذنها الا إذا نهته نصا و ليس له ولاية قبض مهر الثيب الا باذنها فلا بد من معرفة البكارة و الثيابة في الحكم لا في الحقيقة لان حقيقة البكارة بقاء العذرة و حقيقة الثيابة زوال العذرة و أما الحكم مبنى على ذلك بالاجماع فنقول لا خلاف في أن كل من زالت عذرتها بوثبة أو طفرة أو حيضة أو طول التعنيس أنها في حكم الابكار تزوج كما تزوج الابكار و لا خلاف أيضا ان من زالت عذرتها بوطء يتعلق به ثبوت النسب و هو الوطء بعقد جائز أو فاسد أو شبهة عقد وجب لها مهر بذلك الوطء انها تزوج كما تزوج الثيب ( و أما )
إذا زالت عذرتها بالزنا فانها تزوج كما تزوج الابكار في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد و الشافعي تزوج كما تزوج الثيب احتجوا بما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال البكر تستأمر في نفسها و الثيب تشاور و قال صلى الله عليه و سلم و الثيب يعرب عنها لسانها و هذه ثيب حقيقة لان الثيب حقيقة من زالت عذرتها و هذه كذلك فيجرى عليها أحكام الثيب و من أحكامها أنه لا يجوز نكاحها بغير اذنها نصا فلا يكتفى بسكوتها و لابي حنيفة ان علة وضع النطق شرعا و اقامة السكوت مقامه في البكر هو الحياء و قد وجد و دلالة ان العلة ما قلنا اشارة النص و المعقول أما الاول فلما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال تستأمر النساء في أبضاعهن فقالت عائشة رضى الله عنها لان البكر تستحيي يا رسول الله فقال صلى الله عليه و سلم اذنها صماتها فالاستدلال به أن قوله صلى الله عليه و سلم اذنها صماتها خرج جوابا لقول عائشة رضى الله عنها ان البكر تستحيي أى عن الاذن بالنكاح نطقا و الجواب بمقتضى اعادة السوأل لان الجواب لا يتم بدون السوأل كانه قال صلى الله عليه و سلم إذا كانت البكر تستحيي عن الاذن بالنكاح نطقا فاذنها صماتها فهذا اشارة إلى أن الحياء علة وضع النطق و قيام الصمات مقام الاذن علة منصوصة و علة النص لا تتقيد بمحل النص كالطواف في الهرة و نحو ذلك و أما المعقول فهو أن الحياء في البكر مانع من النطق بصريح الاذن بالنكاح لما فيه من اظهار رغبتها في الرجال لان النكاح سبب الوطء و الناس يستقبحون ذلك منها و يذمونها و ينسبونها إلى الوقاحة و ذلك مانع لها من النطق بالاذن الصريح و هي محتاجة إلى النكاح فلو شرط استنطاقها و هي لا تنطق عادة لفات عليها النكاح مع حاجتها اليه و هذا لا يجوز و الحياء موجود في حق هذه و ان كانت ثيبا حقيقة لان زوال بكارتها لم تظهر للناس فيستقبحون منها الاذن بالنكاح صريحا و يعدونه من باب الوقاحة و لا يزول ذلك ما لم يوجد النكاح و يشتهر الزنا فحينئذ لا يستقبح الاظهار بالاذن و لا يعد عيبا بل الامتناع عن الاذن عند استئمار الولى يعد رعونة منها لحصول العلم للناس بظهور رغبتها في الرجال ( و أما الحديث )
فالمراد منه الثيب التي تعارفها الناس ثيبا لان مطلق الكلام ينصرف إلى المتعارف بين الناس و لهذا لم تدخل البكر التي زالت عذرتها بالطفرة و الوثبة و الحيضة و نحو ذلك في هذا الحديث و ان كانت ثيبا حقيقة و الله أعلم و على هذا يخرج إنكاح الاب و الجد و الثيب الصغيرة انه جائز عند أصحابنا و عند الشافعي أنه لا يجوز إنكاحها للحال و يتأخر إلى ما بعد البلوغ فيزوجها الولى بعد البلوغ باذنها صريحا لا بالسكوت و احتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر و اليتيمة اسم للصغيرة في اللغة و لان الثيابة دليل العلم بمصالح النكاح و لان حدوثها يكون بعد العقل و التمييز عادة و قد حصل لها بالتجربة و الممارسة و هذا ان لم يصلح لاثبات الولاية لها يصلح دافعا ولاية الولى عنها للحال و التاخير إلى ما بعد البلوغ بخلاف البكر البالغة لان البكارة دليل الجهل بمنافع النكاح و مضاره فالتحق عقلها بالعدم على ما مر و لان النكاح في جانب النساء ضرر قطعا لما نذكر ان شاء الله تعالى فلا مصلحة الا عند الحاجة إلى قضأ الشهوة لان مصالح النكاح
يقف عليه و لم يوجد في الثيب الصغيرة و الجواز في البكر ثبت بفعل النبي صلى الله عليه و سلم و إجماع الصحابة رضى الله عنهم على ما ذكرنا فيما تقدم ( و لنا )
قوله تعالى و أنكحوا الايامى منكم و الايم اسم لانثى لا زوج لها كبيرة أو صغيرة فيقتضى ثبوت الولاية عاما الا من خص بدليل و لان الولاية كانت ثابتة قبل زوال البكارة لوجود سبب ثبوت الولاية و هو القرابة الكاملة و الشفقة الوافرة و وجود شرط الثبوت و هي حاجة الصغيرة إلى النكاح لاستيفاء المصالح بعد البلوغ و عجزها عن ذلك بنفسها و قدرة الولى عليه و العارض ليس الا الثيابة و أثرها في زيادة الحاجة إلى الا نكاح لانها مارست الرجال و صحبتهم و للصحبة أثر في الميل إلى من تعاشره معاشرة جميلة فلما ثبتت الولاية على البكر الصغيرة فلان تبقي على الثيب الصغيرة أولى و المراد من الحديث البالغة لما مر و المجنون الكبير و المجنونة الكبيرة تزوج كما يزوج الصغير و الصغيرة عند أصحابنا الثلاثة أصليا كان الجنون أو طارئا بعد البلوغ و قال زفر ليس للولي ان يزوج المجنون جنونا طارئا ( وجه )
قوله ان ولاية الولى قد زالت بالبلوغ عن عقل فلا تعود بعد ذلك بطريان الجنون كما لو بلغ مغمى عليه ثم زال الاغماء ( و لنا )
انه وجد سبب ثبوت الولاية و هو القرابة و شرطه و هو عجز المولى عليه و هو حاجته و فى ثبوت الولاء فائدة فتثبت و لهذا تثبت في الجنون الاصلى كذا في الطاري و تثبت ولاية التصرف في ماله كذا في نفسه و الله أعلم ( فصل )
و أما الذي يرجع إلى نفس التصرف فهو أن يكون التصرف نافعا في حق المولى عليه لا ضارا في حقه فليس للاب و الوصي و الجد أن يزوج عبد الصغير و الصغيرة حرة و لا أمة لغيرهما لان هذا التصرف ضار في حق المولى عليه لان المهر و النفقة يتعلقان برقبة العبد من أن يحصل للصغير مال في مقابلته و الاضرار لا يدخل تحت ولاية الولى كالطلاق و العتاق و التبرعات و كذا كل من يتصرف على غيره بالاذن لا يملك إنكاح العبد كالمكاتب و الشريك و المضارب و المأذون لان إطلاق التصرف لهؤلاء مقيد بالنظر و أما تزويج الامة حرا أو عبدا لغيرها فيملكه الاب و الجد و الوصي و المكاتب و المفاوض و القاضي و أمين القاضي لانه نفع محض لكونه تحصيل مال من أن يقابله مال فيملكه هؤلاء ألا ترى انهم يملكون البيع مع أنه مقابلة المال بالمال فهذا أولى فاما شريك العنان و المضارب و المأذون فلا يملكون تزويج الامة في قول أبى حنيفة و محمد و عند أبى يوسف يملكون ( وجه )
قول أبى يوسف أن هذا تصرف نافع لانه تحصيل مال لا يقابله مال فيملكونه كشريك المفاوضة ( وجه )
قولهما ان تصرف هؤلاء يختص بالتجارة و النكاح ليس من التجارة بدليل ان المأذونة لا تزوج نفسها و لو كان النكاح تجارة لملكت لان التجارة معاوضة المال بالمال و النكاح معاوضة البضع بالمال فلم يكن تجارة فلا يدخل تحت ولايتهم بخلاف المفاوض لان تصرفه مختص بالنفع لا بالتجارة و هذا نافع و لو زوج أمته من عبد ابنه قال أبو يوسف يجوز و قال زفر لا يجوز ( وجه )
قول زفر ان تزويج عبده الصغير لم يدخل تحت ولاية الاب فكان الاب فيه كالأَجنبي و احتمال الضرر ثابت لجواز أن يبيع الامة فيتعلق المهر و النفقة برقبة العبد فيتضرر به الصغير فيصير كانه زوجه أمة الغير ( و لنا )
ان ثبوت الولاية موجود فلا يمتنع الثبوت الا لمكان الضرر و هذا نفع لا مضرة فيه لان الاولاد له و لا يتعلق المهر و النفقة برقبة العبد فكان نفعا محضا فيملكه قوله يحتمل ان يبيعه قلنا و يحتمل أن لا يبيعه فلا يجوز تعطيل الولاية المخففة للحال لا حر يحتمل الوجود و العدم و على هذا يخرج ما إذا زوج الاب أو الجد الصغيرة من كفء بدون مهر المثل أو زوج ابنه الصغير إمرأة بأكثر من مهر مثلها انه ان كان ذلك مما يتغابن الناس في مثله لا يجوز بالاجماع و ان كان مما لا يتغابن الناس في مثله يجوز في قول أبى حنيفة و فى قول أبى يوسف و محمد لا يجوز و ذكر هشام عنهما ان النكاح باطل و لو زوج ابنته الصغيرة بمهر مثلها من كفء فهو على هذا الخلاف و لو فعل الاب و الجد شيأ مما ذكرنا لا يجوز في قولهم جميعا ( وجه )
قولهما ان ولاية الا نكاح تثبت نظرا في حق المولى عليه
و لا نظر في الحط على مهر المثل في إنكاح الصغيرة و لا في الزيادة على مهر المثل في إنكاح الصغير بل فيه ضرر بهما و الاضرار لا يدخل تحت ولاية الولى و لهذا لا يملك الاب و الجد كذا هذا و لابي حنيفة ما روى أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه زوج عائشة رضى الله عنها و هي صغيرة من رسول الله صلى الله عليه و سلم على خمسمأة درهم و تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم على ذلك و معلوم ان مهر مثلها كان أضعاف ذلك و لان الاب وافر الشفقة على ولده ينظر له ما لا ينظر لنفسه و الظاهر أنه لا يفعل ذلك الا لتوفير مقصود من مقاصد النكاح هو أنفع و أجدى من كثير المال من موافقة الاخلاق و حسن الصحبة و المعاشرة بالمعروف و نحو ذلك من المعاني المقصودة بالنكاح فكان تصرفه و الحالة هذه نظرا للصغير و الصغيرة لا ضررا بهما بخلاف الاب و الجد لان وجه الضرر في تصرفهما ظاهر و ليس ثمة دليل يدل على اشتماله على المصلحة الباطنة الخفية التي تزيد على الضرر الظاهر لان ذلك انما يعرف بوفور الشفقة و لم يوجد بخلاف ما إذا باع الاب أمة لهما بأقل من قيمتها بما لا يتغابن الناس فيه أنه لا يجوز لان البيع معاوضة المال بالمال و المقصود من المعاوضات المالية هو الوصول إلى العوض المالي و لم يوجد و بخلاف ما إذا زوج أمتهما بأقل من مهر مثلها أنه لا يجوز لانه أنفع لهما فيما يحصل للامة من حظ الزوج و انما منفعتهما في حصول عوض بضع الامة لهما و هو مهر المثل و لم يحصل و على هذا الخلاف التوكيل بأن و كل رجل رجلا بأن يزوجه إمرأة فزوجه إمرأة بأكثر من مهر مثلها مقدار ما لا يتغابن الناس فيمثله أو وكلت إمرأة رجلا بأن يزوجها من رجل فزوجها من رجل بدون صداق مثلها أو من كفء فهو على اختلاف الوكيل بالبيع المطلق و نذكر المسألة ان شاء الله تعالى في كتاب الوكالة و على هذا الوكيل بالتزويج من جانب الرجل أو المرأة إذا زوج الموكل من لا تقبل شهادة الوكيل له فهو على الاختلاف في البيع و نذكر ذلك كله ان شاء الله تعالى في كتاب الوكالة و على هذا الخلاف الوكيل من جانب الرجل بالتزويج إذا زوجه أمة لغيره أنه يجوز عند أبى حنيفة لاطلاق اللفظ و لسقوط اعتبار الكفاءة من جانب النساء و عندهما لا يجوز لان المطلق ينصرف إلى المتعارف و تعتبر الكفاءة من جانبين عندهما في مثل هذا الموضع لمكان العرف استحسانا على ما نذكر ان شاء الله تعالى في موضعه و لو أقر الاب على ابنته الصغيرة بالنكاح أو على ابنه الصغير لا يصدق في إقراره حتى يشهد شاهدان على نفس النكاح في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد يصدق من شهود و صورة المسألة في موضعين أحدهما ان تدعى إمرأة نكاح الصغير أو يدعى رجل نكاح الصغيرة و الاب ينكر ذلك فيقيم المدعى بينة على اقرار الاب بالنكاح فعند أبى حنيفة لا تقبل هذه الشهادة حتى يشهد شاهدان على نفس العقد و عندهما تقبل و يظهر النكاح و الثاني أن يدعى رجل نكاح الصغيرة أو إمرأة نكاح الصغير بعد بلوغهما و هما منكران ذلك فأقام المدعى البينة على اقرار الاب بالنكاح في حال الصغر و على هذا الخلاف الوكيل بالنكاح إذا أقر على موكله أو على موكلته بالنكاح و المولى إذا أقر على عبده بالنكاح أنه لا يقبل عند أبى حنيفة و عندهما يقبل و أجمعوا على أن المولى إذا أقر على أمته بالنكاح أنه يصدق من شهادة ( وجه )
قولهما أنه ان أقر بعقد يملك انشاءه فيصدق فيه من شهود كما لو أقر بتزويج أمته و لا شك أنه أقر بعقد يملك انشاءه لانه يملك انشاء النكاح على الصغير و الصغيرة و العبد و نحو ذلك و إذا ملك انشاءه لم يكن متهما في الاقرار فيصدق كالمولى إذا أقر بالفئ في مدة الايلاء و زوج المعتدة إذا قال في العدة راجعتك لما قلنا كذا هذا و لابي حنيفة قول النبي صلى الله عليه و سلم لا نكاح الا بشهود نفى النكاح بغير شهود من فصل بين الانعقاد و الظهور بل الحمل على الظهور أولى لان فيه عملا بحقيقة اسم الشاهد اذ هو اسم لفاعل الشهادة و هو المؤدى لها و الحاجة إلى الاداء عند الظهور لا عند الانعقاد و لانه أقر على الغير فيما لا يملكه بعقد لا يتم به وحده و انما يتم به و بشهادة الآخرين فلا يصدق الا بمساعدة آخرين قياسا على الوكلاء الثلاثة في النكاح و البيع
فصل وأما ولاية الندب
و دلالة الوصف أنه أقر بالنكاح و الاقرار بالنكاح اقرار بمنافع البضع و انها مملوكة ألا ترى أنها لو وطئت بشبهة كان المهر لها لا للاب بخلاف الامة فان منافع بضعها مملوكة فكان ذلك اقرارا بما ملك فابو حنيفة اعتبر ولاية العقد و ملك المعقود عليه و هما اعتبرا ولاية العقد فقط و الله عز و جل أعلم ( فصل )
و أما ولاية الندب و الاستحباب فهي الولاية على الحرة البالغة العاقلة بكرا كانت أو ثيبا في قول أبى حنيفة و زفر و قول أبى يوسف الاول و فى قول محمد و أبى يوسف الآخر الولاية عليها ولاية مشتركة و عند الشافعي هى ولاية مشتركة أيضا لا في العبادة فانها للمولى خاصة و شرط ثبوت هذه الولاية على أصل أصحابنا هو رضا المولى عليه لا و عند الشافعي هذا و عبارة الولى أيضا و على هذا يبنى الحرة البالغة العاقلة إذا زوجت نفسها من رجل أو وكلت رجلا بالتزويج فتزوجها أو زوجها فضولي فأجازت جاز في قول أبى حنيفة و زفر و أبى يوسف الاول سواء زوجت نفسها من كفء أو كفء بمهر وافر أو قاصر أنها إذا زوجت نفسها من كفء فللاولياء حق الاعتراض و كذا إذا زوجت بمهر قاصر عند أبى حنيفة خلافا لهما و ستأتي المسألة ان شاء الله في موضعها و فى قول محمد لا يجوز حتى يجيزه الولى و الحاكم فلا يحل للزوج وطؤها قبل الاجازة و لو وطئها يكون وطأ حراما و لا يقع عليها طلاقه و ظهاره و إيلاؤه و لو مات أحدهما لم يرثه الآخر سواء زوجت نفسها من كفء أو كفء و هو قول أبى يوسف الآخر روى الحسن بن زياد عنه و روى عن أبى يوسف رواية أخرى انها إذا زوجت نفسها من كفء ينفذ و تثبت سائر الاحكام و روى عن محمد انه إذا كان للمرأة ولي لا يجوز نكاحها الا باذنه و ان لم يكن لها ولي جاز إنكاحها على نفسها و روى عن محمد انه رجع إلى قول أبى حنيفة و قول الشافعي مثل قول محمد في ظاهر الرواية انه لا يجوز نكاحها بدون الولى الا انهما اختلفا فقال محمد ينعقد لنكاح بعبارتها و ينفذ باذن الولى و اجازته و ينعقد بعبارة الولى و ينفذ باذنها و اجازتها فعند الشافعي لا عبارة للنساء في باب النكاح أصلا حتى لو توكلت إمرأة بنكاح إمرأة من وليها فتزوجت لم يجز عنده و كذا إذا زوجت ابنتها باذن القاضي لم يجز احتج الشافعي بقوله تعالى و أنكحوا الايامى منكم هذا خطاب للاولياء و الايم اسم لامرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا و متى ثبتت الولاية عليها كانت هى موليا عليها ضرورة فلا تكون والية و قوله صلى الله عليه و سلم لا يزوج النساء الا الاولياء و قوله صلى الله عليه و سلم لا نكاح الا بولي لان النكاح من جانب النساء عقد اضرار بنفسه و حكمه و ثمرته أما نفسه فانه رق و أسر قال النبي صلى الله عليه و سلم النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته و قال عليه الصلاة و السلام اتقوا الله في النساء فانهن عندكم عوان أى أسيرات و الا رقاق اضرار و أما حكمه فانه ملك فالزوج يملك التصرف في منافع بضعها استيفاء بالوطء و إسقاطا بالطلاق و يملك حجرها عن الخروج و البروز و عن التزوج بزوج و أما ثمرته فالاستفراش كرها و جبرا و لا شك ان هذا اضرار الا أنه قد ينقلب مصلحة و ينجبر ما فيه من الضرر إذا وقع وسيلة إلى المصالح الظاهرة و الباطنة و لا يستدرك ذلك الا بالرأي الكامل و رأيها ناقص لنقصان عقلها فبقى النكاح مضرة فلا تملكه و احتج محمد رحمه الله بما روى عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال أيما إمرأة تزوجت بغير اذن وليها فنكاحها باطل و الباطل من التصرفات الشرعية ما لا حكم له شرعا كالبيع الباطل و نحوه و لان للاولياء حقا في النكاح بدليل أن لهم حق الاعتراض و الفسخ و من لا حق له في عقد كيف يملك فسخه و التصرف في حق الانسان يقف جوازه على جواز صاحب الحق كالأَمة إذا زوجت نفسها بغير اذن وليها ( وجه )
ما روى عن أبى يوسف انها إذا زوجت نفسها من كفء ينفذ لان حق الاولياء في النكاح من حيث صيانتهم عما يوجب لحوق العار و الشين بهم بنسبة من لا يكافئهم بالصهرية إليهم و قد بطل هذا المعنى بالتزويج من كفء يحققه انها لو وجدت كفأ و طلبت من المولى الا نكاح منه لا يحل له الامتناع و لو امتنع يصير عاضلا
فصار عقدها و الحالة هذه بمنزلة عقده بنفسه ( وجه )
ما روى عن محمد من الفرق بين ما إذا كان لها ولي و بين ما إذا لم يكن لها ولي أن وقوف العقد على اذن الولى كان لحق الولى لا لحقها فإذا لم يكن لها ولي فلا حق للولي فكان الحق لها خاصة فإذا عقدت فقد تصرفت في خالص حقها فنفذ و أما إذا زوجت نفسها من كفء و بلغ الولى فامتنع من الاجازة فرفعت أمرها إلى الحاكم فانه يجيزه في قول أبى يوسف و قال محمد يستأنف العقد ( وجه )
قوله ان العقد كان موقوفا على اجازة الولى فإذا امتنع من الاجازة فقد رده فيرتد و يبطل من الاصل فلا بد من الاستئناف ( وجه )
قول أبى يوسف انه بالامتناع صار عاضلا اذ لا يحل له الامتناع من الاجازة إذا زوجت نفسها من كفء فإذا امتنع فقد عضلها فخرج من أن يكون وليا و انقلبت الولاية إلى الحاكم و لابي حنيفة الكتاب العزيز و السنة و الاستدلال أما الكتاب فقوله تعالى و إمرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان أراد النبي أن يستنكحها فالآية الشريفة نص على انعقاد النكاح بعبارتها و انعقادها بلفظ الهبة فكانت حجة على المخالف في المسئلتين و قوله تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره و الاستدلال به من وجهين أحدهما انه أضاف النكاح إليها فيقتضى تصور النكاح منها و الثاني انه جعل نكاح المرأة غاية الحرمة فيقتضى انتهاء الحرمة عند نكاحها نفسها و عنده لا تنتهى و قوله عز و جل فلا جناح عليهما أن يتراجعا أى يتناكحا أضاف النكاح إليهما من ذكر الولى و قوله عز و جل و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن الآية و الاستدلال به من وجهين أحدهما انه أضاف النكاح إليهن فيدل على جواز النكاح بعبارتهن من شرط الولى و الثاني أنه نهى الاولياء عن المنع عن نكاحهن أنفسهن من أزواجهن إذا تراضي الزوجان و النهى يقتضى تصوير المنهي عنه و أما السنة فما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال ليس للولي مع الثيب أمر و هذا قطع ولاية الولى عنها و روى عنه أيضا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال الايم أحق بنفسها من وليها و الايم اسم لامرأة لا زوج لها و أما الاستدلال فهو انها لما بلغت عن عقل و حرية فقد صارت وليه نفسها في النكاح فلا تبقي موليا عليها كالصبى العاقل إذا بلغ و الجامع ان ولاية الا نكاح انما ثبتت للاب على الصغيرة بطريق النيابة عنها شرعا لكون النكاح تصرفا نافعا متضمنا مصلحة الدين و الدنيا و حاجتها اليه حالا و مآلا و كونها عاجزة عن إحراز ذلك بنفسها و كون الاب قادرا عليه بالبلوغ عن عقل زال العجز حقيقة و قدرت على التصرف في نفسها حقيقة فتزول ولاية الغير عنها و تثبت الولاية لها لان النيابة الشرعية انما تثبت بطريق الضرورة نظرا فتزول بزوال الضرورة مع ان الحرية منافية لثبوت الولاية للحر على الحر و ثبوت الشيء مع المنافى لا يكون الا بطريق الضرورة و لهذا المعنى زالت الولاية عن إنكاح الصغير العاقل إذا بلغ و تثبت الولاية له و هذا المعنى موجود في الفرع و لهذا زالت ولاية الاب عن التصرف في مالها و تثبت الولاية لها كذا هذا و إذا صارت ولي نفسها في النكاح لا تبقي موليا عليها بالضرورة لما فيه من الاستحالة و أما الآية فالخطاب للاولياء بالانكاح ليس يدل على أن الولى شرط جواز الا نكاح بل على وفاق العرف و العادة بين الناس فان النساء لا يتولين النكاح بأنفسهن عادة لما فيه من الحاجة إلى الخروج إلى محافل الرجال و فيه نسبتهن إلى الوقاحة بل الاولياء هم الذين يتولون ذلك عليهن برضاهن فخرج الخطاب بالامر بالانكاح مخرج العرف و العادة على الندب و الاستحباب دون الحتم و الايجاب و الدليل عليه ما ذكر سبحانه و تعالى عقيبه و هو قوله تعالى و الصالحين من عبادكم و إمائكم ثم لم يكن الصلاح شرط الجواز و نظيره قوله تعالى فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا أو تحمل الآية الكريمة على إنكاح الصغار عملا بالدلائل كلها و على هذا يحمل قوله صلى الله عليه و سلم لا يزوج النساء الا الاولياء ان ذلك على الندب و الاستحباب و كذا قوله صلى الله عليه و سلم لا نكاح الا بولي مع ما حكى عن
فصل وأما شرط التقدم فشيآن
بعض النقلة ان ثلاثة أحاديث لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وعد من جملتها هذا و لهذا لم يخرج في الصحيحين على انا نقول بموجب الاحاديث لكن لما قلتم ان هذا إنكاح بغير ولي بل المرأة وليه نفسها لما ذكرنا من الدلائل و الله أعلم و أما قوله صلى الله عليه و سلم النكاح عقد ضرر فممنوع بل هو عقد منفعة لاشتماله على مصالح الدين و الدنيا من السكن و الالف nو المودة و التناسل و العفة عن الزنا و استيفاء المرأة بالنفقة الا أن هذه المصالح لا تحصل الا بضرب ملك عليها اذ لو لم تكن لا تصير ممنوعة عن الخروج و البروز و التزوج بزوج آخر و فى الخروج و البروز فساد السكن لان قلب الرجل لا يطمئن إليها و فى التزوج بزوج آخر فساد الفراش لانها إذا جاءت بولد يشتبه النسب و يضيع الولد فالشرع ضرب عليها نوع ملك ضرورة حصول المصالح فكان الملك وسيلة إلى المصالح و الوسيلة إلى المصلحة مصلحة و تسمية النكاح رقا بطريق التمثيل لا بطريق التحقيق لانعدام حقيقة الرق و قوله عقلها ناقص قلنا هذا النوع من النقصان لا يمنع العلم بمصالح النكاح فلا يسلب أهلية النكاح و لهذا لا يسلب أهلية سائر التصرفات من المعاملات و الديانات حتى يصح منها التصرف في المال على طريق الاستبداد و ان كانت تجري في التصرفات المالية خيانات خفية لا تدرك الا بالتأمل و يصح منها الاقرار بالحدود و القصاص و يؤخذ عليها الخطاب بالايمان و سائر الشرائع فدل ان مالها من العقل كاف و الدليل عليه انه اعتبر عقلها في اختيار الازواج حتى لو طلبت من الولى أن يزوجها من كفء يفترض عليه التزويج حتى لو امتنع يصير عاضلا و ينوب القاضي منابه في التزويج و أما حديث عائشة رضى الله عنها فقد قيل ان مداره على الزهرى فعرض عليه فأنكره و هذا يوجب ضعفا في الثبوت يحقق الضعف ان راوي الحديث عائشة رضى الله عنها و من مذهبها جواز النكاح بغير ولي و الدليل عليه ما روى انها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير و إذا كان مذهبها في هذا الباب هذا فكيف تروي حديثا لا تعمل به و لئن ثبت فنحمله على الامة لانه روى في بعض الروايات أيما إمرأة نكحت بغير اذن مواليها دل ذكر الموالي على ان المراد من المرأة الامة فيكون عملا بالدلائل أجمع و أما قول محمد ان للولي حقا في النكاح فنقول الحق في النكاح لها على الولى لا للولي عليها بدليل انها تزوج على الولى إذا غاب غيبة منقطعة و إذا كان حاضرا يجبر على التزويج إذا أبى و عضل تزوج عليه و المرأة لا تجبر على النكاح إذا أبت و أراد الولى فدل أن الحق لها عليه و من ترك حق نفسه في عقد له قبل غيره لم يوجب ذلك فساده على انه ان كان للولي فيه ضرب حق لكن أثره في المنع من اللزوم إذا زوجت نفسها من كفء لا في المنع من النفاذ و الجواز لان في حق الاولياء في النكاح من حيث صيانتهم عما يلحقهم من الشين و العار بنسبة عدا الكفء إليهم بالصهرية فان زوجت نفسها من كفء فقد حصلت الصيانة فزال المانع من اللزوم فيلزم و ان تزوجت من كفء ففى النفاذ ان كان ضرر بالاولياء و فى عدم النفاذ ضرر بها بإبطال أهليتها و الاصل في الضررين إذا اجتمعا أن يدفعا ما أمكن و ههنا أمكن دفعهما بأن نقول بنفاذ النكاح دفعا للضرر عنها و بعدم اللزوم و ثبوت ولاية الاعتراض للاولياء دفعا للضرر عنهم و لهذا نظير في الشريعة فان العبد المشترك بين اثنين إذا كاتب أحدهما نصيبه فقد دفع الضرر عنه حتى لو ادى بدل الكتابة يعتق و لكنه لم يلزمه حتى كان للشريك الآخر حق فسخ الكتابة قبل أداء البدل دفعا للضرر و كذا العبد إذا أحرم بحجة أو بعمرة صح إحرامه حتى لو أعتق يمضى في إحرامه لكنه لم يلزمه حتى ان للمولى أن يحلله دفعا للضرر عنه و كذا للشفيع حق تملك الدار بالشفعة دفعا للضرر عن نفسه ثم لو وهب المشترى الدار نفذت هبته دفعا للضرر عنه لكنها لا تلزم حتى للشفيع حق قبض الهبة و الاخذ بالشفعة دفعا للضرر عن نفسه كذا هذا ( فصل )
و أما شرط التقدم فشيئان أحدهما العصوبة عند أبى حنيفة فتقدم العصبة على ذوى الرحم
سواء كانت العصبة أقرب أو أبعد و عندهما هى شرط ثبوت أصل الولاية على ما مر و الثاني قرب القرابة يتقدم الاقرب على الابعد سواء كان في العصبات أو في غيرها على أصل أبى حنيفة و على أصلهما هذا شرط التقدم لكن في العصبات خاصة بناء على أن العصبات شرط ثبوت أصل الولاية عندهما و عنده هى شرط التقدم على غيرهم من القرابات فما دام ثمة عصبة فالولاية لهم يتقدم الاقرب منهم على الابعد و عند عدم العصبات تثبت الولاية لذوى الرحم الاقرب منهم يتقدم على الابعد و انما اعتبر الاقرب فالأَقرب في الولاية لان هذه ولاية نظر و تصرف الاقرب أنظر في حق المولى عليه لانه أشفق فكان هو أولى من الابعد و لان القرابة ان كانت استحقاقها بالتعصيب كما قالا فالأَبعد لا يكون عصبة مع الاقرب فلا يلى معه و لئن كان استحقاقها بالوراثة كما قال أبو حنيفة فالأَبعد لا يرث مع الاقرب فلا يكون وليا معه و إذا عرف هذا فنقول إذا اجتمع الاب و الجد في الصغير و الصغيرة و المجنون الكبير و المجنونة الكبيرة فالأَب أولى من الجد أب الاب لوجود العصوبة و القرب و الجد أب الاب و ان علا أولى من الاخ لاب وأم و الاخ أولى من العم هكذا و عند أبى يوسف و محمد الجد و الاخ سواء كما في الميراث فان الاخ لا يرث مع الجد عنده فكان بمنزلة الاجنبي و عندهما يشتركان في الميراث فكانا كالاخوين و ان اجتمع الاب و الا بن في المجنونة فالإِبن أولى عند أبى يوسف و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي قول أبى حنيفة مع قول أبى يوسف و روى المعلى عن أبى يوسف أنه قال أيهما زوج جاز و ان اجتمعا قلت للاب زوج و قال محمد الاب أولى به ( وجه )
قوله ان هذه الولاية تثبت نظرا للمولى عليه و تصرف الاب أنظر لها لانه أشفق عليها من الابن و لهذا كان هو أولى بالتصرف في مالها و لان الاب من قومها و الا بن ليس منهم ألا ترى أنه ينسب إلى أبيه فكان إثبات الولاية عليها لقرابتها أولى ( وجه )
قول أبى يوسف ان ولاية التزويج مبنية على العصوبة و الاب مع الابن إذا اجتمعا فالإِبن هو العصبة و الاب صاحب فرض فكان كالاخ لام مع الاخ لاب وأم ( وجه )
رواية المعلى انه وجد في كل واحد منهما ما هو سبب التقدم أما الاب فلانه من قومها و هو أشفق عليها و أما الابن فلانة يرثها بالتعصيب و كل واحد من هذين سبب التقدم فايهما زوج جاز و عند الاجتماع يقدم الاب تعظيما و احتراما له و كذلك إذا اجتمع الاب و ابن الابن و ان سفل فهو على هذا الخلاف و الافضل في المسئلتين ان يفوض الابن الا نكاح إلى الاب احتراما للاب و احترازا عن موضع الخلاف و على هذا الخلاف إذا اجتمع الجد و الا بن قال أبو يوسف الابن أولى و قال محمد الجد أولى و الوجه من الجانبين على نحو ما ذكرنا فاما الاخ و الجد فهو على الخلاف الذي ذكرنا بين أبى حنيفة و صاحبيه و أما من العصبات فكل من يرث يزوج عند أبى حنيفة و من لا فلا و بيان من يرث منهم و من لا يرث يعرف في كتاب الفرائض ثم انما يتقدم الاقرب على الابعد إذا كان الاقرب حاضرا أو غائبا غيبة منقطعة فاما إذا كان غائبا غيبة منقطعة فللابعد أن يزوج في قول أصحابنا الثلاثة و عند زفر لا ولاية للابعد مع قيام الاقرب بحال و قال الشافعي يزوجها السلطان و اختلف مشايخنا في ولاية الاقرب أنها تزول بالغيبة أو تبقي قال بعضهم انها باقية الا أن حدثت للابعد ولاية لغيبة الاقرب فيصير كان لها وليين مستويين في الدرجة كالاخوين والعمين و قال بعضهم تزول ولايته و تنتقل إلى الابعد و هو الاصح ( وجه )
قول زفر ان ولاية الاقرب قائمة لقيام سبب ثبوت الولاية و هو القرابة القريبة و لهذا لو زوجها حيث هو يجوز فقيام ولايته تمنع الانتقال إلى غيره و الشافعي يقول ان ولاية الاقرب باقية كما قال زفر الا أنه امتنع دفع حاجتها من قبل الاقرب مع قيام ولايته عليها بسبب الغيبة فتثبت الولاية للسلطان كما إذا خطبها كفء و امتنع الولى من تزويجها منه ان للقاضي ان يزوجها و الجامع بينهما دفع الضرر عن الصغيرة ( و لنا )
ان ثبوت الولاية للابعد زيادة نظر في حق العاجز فتثبت له الولاية كما في الاب مع الجد إذا كانا حاضرين و دلالة ما قلنا ان الابعد أقدر على تحصيل النظر للعاجز
لان مصالح النكاح مضمنة تحت الكفاءة و المهر و لا شك ان الابعد متمكن من إحراز الكفء الحاضر بحيث لا يفوته غالبا و الاقرب الغائب غيبة منقطعة لا يقدر على إحرازه غالبا لان الكفء الحاضر لا ينتظر حضوره و استطلاع رأيه غالبا و كذا الكفء المطلق لان المرأة تخطب حيث هى عادة فكان الابعد أقدر على إحراز الكفء من الاقرب فكان أقدر على إحراز النظر فكان أولى بثبوت الولاية له اذ المرجوح في مقابلة الراجح ملحق بالعدم في الاحكام كما في الاب مع الجد و أما قوله ان ولاية الاقرب قائمة فممنوع و لا نسلم أنه يجوز إنكاحه بل لا يجوز فولايته منقطعة بواحدة و قد روى عن أصحابنا ما يدل على هذا فانهم قالوا ان الاقرب إذا كتب كتابا إلى الابعد ليقدم رجلا في الصلاة على جنازة الصغير فان للابعد ان يمتنع عن ذلك و لو كانت ولاية الاقرب قائمة لما كان له الامتناع كما إذا كان الاقرب حاضرا فقدم رجلا ليس للابعد ولاية المنع و المعقول يدل عليه و هو أن ثبوت الولاية لحاجة المولى عليه و لا مدفع لحاجته برأى الاقرب لخروجه من أن يكون منتفعا به بالغيبة فكان ملحقا بالعدم فصار كانه جن أو مات اذ الموجود الذي لا ينتفع به و العدم الاصلى سواء و لان القول بثبوت الولاية للابعد مع ولاية الاقرب يؤدى إلى الفساد لان الاقرب ربما يزوجها من إنسان حيث هو و لا يعلم الابعد بذلك فيزوجها من غيره فيطؤها الزوج الثاني و يجئ بالاولاد ثم يظهر أنها زوجة الاول و فيه من الفساد ما لا يخفى ثم ان سلمنا على قول بعض المشايخ فلا تنافي بين الولايتين فايهما زوج جاز كما إذا كان لها اخوان أو عمان في درجة واحدة و فيه كمال النظر في حق العاجز لان الكفء ان اتفق حيث الابعد زوجها منه و ان اتفق حيث الاقرب زوجها منه فيكمل النظر الا أن في حال الحضرة يرجح الاقرب باعتبار زيادة الشفقة لزيادة القرابة و به تبين ان نقل الولاية إلى السلطان باطل لان السلطان ولي من لا ولي له و ههنا لها ولي أو وليان فلا تثبت الولاية للسلطان الا عند العضل من الولى و لم يوجد و الله الموفق و اختلفت الاقاويل في تحديد الغيبة المنقطعة و عن أبى يوسف روايتان في رواية قال ما بين بغداد و الري و فى رواية مسيرة شهر فصاعدا و ما دونه ليس بغيبة منقطعة و عن محمد روايتان أيضا روى عنه ما بين الكوفة إلى الري و روى عنه من الرقة إلى البصرة و ذكر ابن شجاع إذا كان غائبا في موضع لا تصل اليه القوافل و الرسل في السنة الا مرة واحدة فهو غيبة منقطعة و إذا كانت القوافل تصل اليه في السنة مرة فليست بمنقطعة و عن الشيخ الامام أبى بكر محمد بن الفضل البخارى انه قال ان كان الاقرب في موضع يفوت الكفء الخاطب باستطلاع رأيه فهو غيبة منقطعة و ان كان لا يفوت فليست بمنقطعة و هذا أقرب إلى الفقة لان التعويل في الولاية على تحصيل النظر للمولى عليه و دفع الضرر عنه و ذلك فيما قاله هذا إذا اجتمع في الصغير و الصغيرة و المجنون الكبير و المجنونة الكبيرة وليان أحدهما أقرب و الآخر أبعد فاما إذا كانا في الدرجة سواء كالاخوين والعمين و نحو ذلك فلكل واحد منهما على حياله ان يزوج رضى الآخر أو سخط بعد ان كان التزويج من كفء بمهر وافر و هذا قول عامة العلماء و قال مالك ليس لاحد الاولياء ولاية الا نكاح ما لم يجتمعوا بناء على أن هذه الولاية ولاية شركة عنده و عندنا و عند العامة ولاية استبداد ( وجه )
قوله ان سبب هذه الولاية هو القرابة و انها مشتركة بينهم فكانت الولاية مشتركة لان الحكم يثبت على وفق العلة و صار كولاية الملك فان الجارية بين اثنين إذا زوجها أحدهما لا يجوز من رضا الآخر لما قلنا كذا هذا ( و لنا )
ان الولاية لا تتجزأ لانها ثبتت بسبب لا يتجزأ و هو القرابة و ما لا يتجزأ إذا ثبت بجماعة سبب لا يتجزأ يثبت لكل واحد منهم على الكمال كانه ليس معه غيره كولاية الامان بخلاف ولاية الملك لان سببها الملك و أنه متجزئ فيتقدر بقدر الملك فان زوجها كل واحد من الوليين رجلا على حدة فان وقع العقد ان معا بطلا جميعا لانه لا سبيل إلى الجمع بينهما و ليس أحدهما أولى من الآخر و ان وقعا مرتبا فان كان لا يدرى السابق فكذلك لما قلنا و لانه لو جاز لجاز بالتجزئ و لا يجوز العمل بالتجزئ في الفروج
و ان علم السابق منهما من اللاحق جاز الاول و لم يجز الآخر و قد روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا نكح الوليان فالأَول أحق و أما إذا زوج أحد الاولياء الحرة البالغة العاقلة برضاها من كفء بغير رضا الباقين فحكمه يذكر ان شاء الله تعالى في شرائط اللزوم ( فصل )
و أما ولاية الولاء فسبب ثبوتها الولاء قال النبي صلى الله عليه و سلم الولاء لحمة كلحمة النسب ثم النسب سبب لثبوت الولاية كذا الولاء و الولاء نوعان ولاء عتاقة و ولاء موالاة أما ولاء العتاقة فولاية ولاء العتاقة نوعان ولاية حتم و إيجاب و ولاية ندب و استحباب عند أبى حنيفة و عند محمد ولاية استبداد و ولاية شركة على ما بينا في ولاية القرابة و شرط ثبوت هذه الولاية ما هو شرط ثبوت تلك الولاية الا أن هذه الولاية اختصت بشرط و هو أن لا يكون للمعتق عصبة من جهة القرابة فان كان فلا ولاية للمعتق لانه لا ولاء له لان مولى العتاقة آخر العصبات و ان لم يكن ثمة عصبة من جهة القرابة فله أن يزوج سواء كان المعتق ذكرا أو أنثى و اما مولى الموالاة فله ولاية التزويج في قول أبى حنيفة عند استجماع سائر الشرائط و انعدام سائر الورثة لانه آخر الورثة و عند أبى يوسف و محمد ليس له ولاية التزويج أصلا و رأسا لان العصوبة شرط عندهما و لم توجد ( فصل )
و أما ولاية الامامة فسببها الامامة و ولاية الامامة نوعان أيضا كولاية القرابة و شرطها ما هو شرط تلك الولاية في النوعين جميعا و لها شرطان آخران أحدهما يعم النوعين جميعا و هو أن لا يكون هناك ولي أصلا لقوله صلى الله عليه و سلم السلطان ولي من لا ولي له و الثاني يخص أحدهما و هو ولاية الندب و الاستحباب أو ولاية الشركة على اختلاف الاصل و هو العضل من الولى لان الحرة البالغة العاقلة إذا طلبت الا نكاح من كفء وجب عليه التزويج منه لانه منهى عن العضل و النهى عن الشيء أمر بضده فإذا امتنع فقد أضر بها و الامام نصب لدفع الضرر فتنتقل الولاية اليه و ليس للوصي ولاية الا نكاح لانه يتصرف بالامر فلا يعد و موضع الامر كالوكيل و ان كان الميت أوصى اليه لا يملك أيضا لانه أراد بالوصاية اليه نقل ولاية الا نكاح و أنها لا تحتمل النقل حال الحياة كذا بعد الموت و كذا الفضولي لانعدام سبب ثبوت الولاية في حقه أصلا و لو أنكح ينعقد موقوفا على الاجازة عندنا و عند الشافعي لا ينعقد أصلا و المسألة ستأتي في كتاب البيوع ( فصل )
و منها الشهادة و هي حضور الشهود و الكلام في هذا الشرط في ثلاث مواضع أحدها في بيان أن أصل الشهادة شرط جواز النكاح أم لا و الثاني في بيان صفات الشاهد الذي ينعقد النكاح بحضوره و الثالث في بيان وقت الشهادة أما الاول فقد اختلف أهل العلم فيه قال عامة العلماء ان الشهادة شرط جواز النكاح و قال مالك ليست بشرط و انما الشرط هو الاعلان حتى لو عقد النكاح و شرط الاعلان جاز و ان لم يحضره شهود و لو حضرته شهود و شرط عليهم الكتمان لم يجز و لا خلاف في أن الاشهاد في سائر العقود ليس بشرط و لكنه مندوب اليه و مستحب قال الله تعالى في باب المداينة يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه و الكتابة لا تكون لنفسها بل للاشهاد و نص عليه في قوله و استشهدوا شهيدين من رجالكم و قال عز و جل في باب الرجعة و أشهدوا ذوى عدل منكم ( وجه )
قول مالك ان النكاح انما يمتاز عن السفاح بالاعلان فان الزنا يكون سرا فيجب أن يكون النكاح علانية و قد روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه نهى عن نكاح السر و النهى عن السر يكون أمر ابا بالاعلان لان النهى عن الشيء أمر بضده و روى عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال أعلنوا النكاح و لو بالدف ( و لنا )
ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا نكاح الا بشهود و روى لا نكاح الا بشاهدين و عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال الزانية التي تنكح نفسها بغير بينة و لو لم تكن الشهادة شرطا لم
فصل ومنها الاسلام
فصل وأما صفات الشاهد
تكن زانية بدونها و لان الحاجة مست إلى دفع تهمة الرنا عنها و لا تندفع الا بالشهود لانها لا ؟ ندفع الا بظهور النكاح و شتهاره و لا يشتهر الا بقول الشهود و به تبين ان الشهادة في النكاح ما شرطت الا في النكاح للحاجة إلى دفع الجحود و الانكار لان ذلك يندفع بالظهور و الا ؟ تهار لكثرة الشهود على النكاح بالسماع من العاقدين و بالتسامع و بهذا فارق سائر العقود فان الحاجة إلى الشهادة هناك لدفع احتمال الشهود النسيان أو الجحود و الانكار في الثاني اذ ليس بعدها ما يشهرها ليندفع به الجحود فتقع الحاجة إلى الدفع بالشهادة فندب ليها و ما روى أنه نهى عن نكاح السر فنقول بموجبه لكن نكاح السر ما لم يحضره شاهدان فاما ما حضره شاهدان فهو نكاح علانية لا نكاح سر اذ السر إذا جاوز اثنين خرج من أن يكون سرا قال الشاعر و سرك ما كان عند امرئ و سر الثلاثة الخفى و كذلك قوله صلى الله عليه و سلم أعلنوا النكاح لانهما إذا أحضراه شاهدين فقد أعلناه و قوله صلى الله عليه و سلم و لو بالدف ندب إلى زيادة علانه و هو مندوب اليه و الله عز و جل الموفق ( فصل )
و أما صفات الشاهد الذي ينعقد به النكاح و هي شرائط تحمل الشهادة للنكاح فمنها العقل و منها البلوغ و منها الحرية فلا ينعقد النكاح بحضرة المجانين و الصبيان و المماليك قنا كان المملوك أو مدبرا أو مكاتبا من مشايخنا من أصل في هذا أصلا فقال كل من صلح أن يكون وليا في النكاح بولاية نفسه يصلح شاهدا فيه و الا فلا و هذا الاعتبار صحيح لان الشهادة من باب الولاية لانها تنفيذ القول على الغير و الولاية هى نفاذ المشيئة و هؤلاء ليس لهم ولاية الا نكاح لانه لا ولاية لهم على أنفسهم فكيف يكون لهم ولاية على غيرهم الا المكاتب فانه يزوج أمته لكن لا بولاية نفسه بل بولاية مولاه بتسليطه على ذلك بعقد الكتابة و كان التزويج من المولى من حيث المعنى فلا يصلح شاهدا و منهم من قال كل من يملك قبول عقد بنفسه ينعقد ذلك العقد بحضوره و من لا فلا و هذا الاعتبار صحيح أيضا لان الشهادة من شرائط ركن العقد و ركنه و هو الايجاب و القبول و لا وجود للركن بدون القبول فكما لا وجود للركن بدون القبول حقيقة لا وجود له شرعا بدون الشهادة و هؤلاء لا يملكون قبول العقد بأنفسهم فلا ينعقد النكاح بحضورهم و الدليل على أنهم ليسوا من أهل الشهادة ان قاضيا لو قضى بشهادتهم ينفسخ قضاؤه عليه و عن أبى يوسف رحمه الله أنه أصل فيه أصلا و قال كل من جاز الحكم بشهادته في قول بعض الفقهاء ينعقد النكاح بحضوره و من لا يجوز الحكم بشهادته عند أحد لا يجوز بحضوره و هذا الاعتبار صحيح أيضا لان الحضور لفائدة الحكم بها عند الاداء فإذا جاز الحكم بها في الجملة كان الحضور مفيدا و لا يجوز الحكم بشهادة هؤلاء عند البعض من الفقهاء ألا ترى ان قاضيا لو قضى بشهادتهم ينفسخ عليه قضاؤه ( فصل )
و منها الاسلام في نكاح المسلم المسلمة فلا ينعقد نكاح المسلم المسلمة بشهادة الكفار لان الكافر ليس من أهل الولاية على المسلم قال الله تعالى و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا و كذا لا يملك الكافر قبول نكاح المسلم و لو قضى قاض بشهادته على المسلم ينقض قضاؤه و أما المسلم إذا تزوج ذمية بشهادة ذميين فانه يجوز في قول أبى حنيفة و أبى يوسف سواء كانا موافقين لها في الملة أو مخالفين و قال محمد و زفر و الشافعي لا يجوز نكاح المسلم الذمية بشهادة الذميين أما الكلام مع الشافعي فهو مبنى على أن شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض مقبولة على أصلنا و على أصله مقبولة و أما الكلام مع محمد و زفر فانهما احتجا بما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال لا نكاح الا بولي و شاهدي عدل و المراد منه عدالة الدين لا عدالة التعاطى لاجماعنا على أن فسق التعاطى لا يمنع انعقاد النكاح و لان الاشهاد شرط جواز العقد و العقد يتعلق وجوده بالطرفين طرف الزوج و طرف المرأة و لم يوجد الاشهاد على الطرفين لان شهادة الكافر حجة في حق
الكافر ليست بحجة في حق المسلم فكانت شهادته في حق ملحقة بالعدم فلم يوجد الاشهاد في جانب الزوج فصار كانهما سمعا كلام المرأة دون كلام الرجل و لو كان كذلك لم يكن النكاح كذا هذا و لهما عمومات النكاح من الكتاب و السنة نحو قوله تعالى فانحكوا ما طاب لكم من النساء و قوله و أحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم و قول النبي صلى الله عليه و سلم تزوجوا و لا تطلقوا و قوله صلى الله عليه و سلم تناكحوا و غير ذلك مطلقا عن شرط الا أن أهل الشهادة و إسلام الشاهد صار شرطا في نكاح الزوجين المسلمين بالاجماع فمن ادعى كونه شرطا في نكاح المسلم الذمية فعليه الدليل و روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال لا نكاح الا بشهود و روى لا نكاح الا بشاهدين و الاستثناء من النفي إثبات ظاهر و هذا نكاح بشهود لان الشهادة في اللغة عبارة عن الاعلام و البيان و الكافر من أهل الاعلام و البيان لان ذلك يقف على العقل و اللسان و العلم بالمشهود به و قد وجد الا أن شهادته على المسلم خصت من عموم الحديث فبقيت شهادته للمسلم داخلة تحته و لان الشهادة من باب الولاية لما بينا و الكافر الشاهد يصلح وليا في هذا العقد بولاية نفسه و يصلح قابلا لهذا العقد بنفسه فيه صلح شاهدا و كذا يجوز للقاضي الحكم بشهادته هذه للمسلم لانه محل الاجتهاد على ما نذكر و لو قضى لا ينفذ قضاؤه فينفذ النكاح بحضوره و أما الحديث فقد قيل انه ضعيف و لئن ثبت فنحمله على نفى الندب و الاستحباب توفيقا بين الدلائل و أما قوله العقد خلا عن الاشهاد في جانب الزوج لان شهادة الكافر ليست بحجة في حق المسلم فنقول شهادة الكافر ان لم تصلح حجة للكافر على المسلم فتصلح حجة للمسلم على الكافر لانها انما لا تصلح حجة على المسلم لانها من باب الولاية و فى جعلها حجة على المسلم إثبات الولاية للكافر على المسلم و هذا لا يجوز و هذا المعنى لم يوجد ههنا لانا إذا جعلناها حجة للمسلم ما كان فيه إثبات الولاية للكافر و هذا جائز على انا ان سلمنا قوله ليس بحجة في حق المسلم لكن حضوره على ان قوله حجة ليس بشرط لانعقاد النكاح فانه ينعقد بحضور من لا تقبل شهادته عليه على ما نذكر ان شاء الله تعالى و هل يظهر نكاح المسلم الذمية بشهادة ذميين عند الدعوي ينظر في ذلك ان كانت المرأة هى المدعية للنكاح على المسلم و المسلم منكر لا يظهر بالاجماع لان هذه شهادة الكافر على المسلم و انها مقبولة و ان كان الزوج هو المدعى و المرأة منكرة فعلى أصل أبى حنيفة و أبى يوسف يظهر سواء قال الشاهدان كان معنا عند العقد رجلان مسلمان أو لم يقولا ذلك و اختلف المشايخ على أصل محمد قال بعضهم يظهر كما قالا و قال بعضهم لا يظهر سواء قالا كان معنا رجلان مسلمان أو لم يقولا ذلك و هو الصحيح من مذهبه و وجهه ان هذه شهادة قامت على نكاح فاسد و على إثبات فعل المسلم لانهما ان شهدا على نكاح حضراه فقط لا تقبل شهادتهما لان هذه شهادة على نكاح فاسد عنده و ان شهدا على انهما حضراه و معهما رجلان مسلمان لا تقبل أيضا لان هذه ان كانت شهادة الكافر على الكافر لكن فيها إثبات فعل المسلم فيكون شهادة على مسلم فلا تقبل كمسلم ادعى عبدا في يد ذمى فجحد الذمي دعوى المسلم و زعم أن العبد عبده فأقام المسلم شاهدين ذميين على ان العبد عبده و قضى له به على هذا الذمي قاض فلا تقبل شهادتهما و ان كان هذا شهادة الكافر على الكافر لكن لما كان فيها إثبات فعل المسلم بشهادة الكافر و هو قضأ القاضي لم تقبل كذا هذا ( وجه )
الكلام لابى حنيفة و أبى يوسف على نحو ما ذكرنا في حانب الاعتقاد أن الشهادة من باب الولاية و للكافر ولاية على الكافر و لو كان الشاهدان وقت التحمل كافرين و وقت الاداء مسلمين فشهدا للزوج فعلى أصلهما لا يشكل انه تقبل شهادتهما لانهما لو كانا في الوقتين جميعا كافرين تقبل فههنا أولى و اختلف المشايخ على أصل محمد قال بعضهم تقبل و قال بعضهم لا تقبل فمن قال تقبل نظر إلى وقت الاداء و من قال لا تقبل نظر إلى وقت التحمل
فصل ومنها العدد
فصل ومنها سماع الشاهدين
( فصل )
و منها سماع الشاهدين كلام المتعاقدين جميعا حتى لو سمعا كلام أحدهما دون الآخر أو سمع أحدهما كلام أحدهما و الآخر كلام الآخر لا يجوز النكاح لان الشهادة أعنى حضور الشهود شرط ركن العقد و ركن العقد هو الايجاب و القبول فيما لم يسمعا كلامهما لا تتحقق الشهادة عند الركن فلا يوجد شرط الركن و الله أعلم ( فصل )
و منها العدد فلا ينعقد النكاح بشاهد واحد لقوله صلى الله عليه و سلم لا نكاح الا بشهود و قوله لا نكاح الا بشاهدين و أما عدالة الشاهد فليست بشرط لانعقاد النكاح عندنا فينعقد بحضور الفاسقين و عند الشافعي شرط و لا ينعقد الا بحضور من ظاهره العدالة و احتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال لا نكاح الا بولي و شاهدي عدل و لان الشهادة خبر يرجح فيه جانب الصدق على جانب الكذب و الرجحان انما يثبت بالعدالة و لنا أن عمومات النكاح مطلقة عن شرط ثم اشتراط أصل الشهادة بصفاتها المجمع عليها ثبتت بالدليل فمن ادعى شرط العدالة فعليه البيان و لان الفسق لا يقدح في ولاية الا نكاح بنفسه لما ذكرنا في شرائط الولاية و كذا يجوز للحاكم الحكم بشهادته في الجملة و لو حكم لا ينقض حكمه لانه محل الاجتهاد فكان من أهل تحمل الشهادة و الفسق لا يقدح في أهلية التحمل و انما يقدح في الاداء فيظهر أثره في الاداء لا في الانعقاد و قد ظهر حتى لا يجب على القاضي القضاء بشهادته و لا يجوز أيضا الا إذا تحرى القاضي الصدق في شهادته و كذا كون الشاهد محدود في القذف ليس بشرط لانعقاد النكاح فينعقد بحضور المحدود في القذف انه ان كان قد تاب بعد ما حد ينعقد النكاح بالاجماع و ان كان لم يتب لا تقبل شهادته عندنا على التأبيد خلافا للشافعي لان كونه مردود الشهادة على التأبيد يقدح في الاداء لا في التحمل و لانه يصلح وليا في النكاح بولاية نفسه و يصح القبول منه بنفسه و يجوز القضاء بشهادته في الجملة فينعقد النكاح بحضوره و ان حد و لم يتب أو لم يتب و لم يحد ينعقد عندنا خلافا للشافعي و هي مسألة شهادة الفاسق و كذا بصر الشاهد ليس بشرط فينعقد النكاح بحضور الاعمى لما ذكرنا و لان العمي لا يقدح الا في الاداء لتعذر التمييز بين المشهود عليه و بين المشهود له ألا ترى انه لا يقدح في ولاية الا نكاح و لا في قبول النكاح بنفسه و لا في المنع من جواز القضاء بشهادته في الجملة فكان من أهل أن ينعقد النكاح بحضوره و كذا ذكورة الشاهدين ليست بشرط عندنا و ينعقد النكاح بحضور رجل و إمرأتين عندنا و عند الشافعي شرط و لا ينعقد الا بحضور رجلين و نذكر المسألة في كتاب الشهادات و كذا اسلام الشاهدين ليس بشرط في نكاح الكافرين فينعقد نكاح الزوجين الكافرين بشهادة كافرين و كذا تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض سواء اتفقت مللهم أو اختلفت و هذا عندنا و عند الشافعي اسلام الشاهد شرط لانه ينعقد نكاح الكافر بشهادة الكافر و لا تقبل شهادتهم أيضا و الكلام في القبول نذكره في كتاب الشهادات و نتكلم ههنا في انعقاد النكاح بشهادته و احتج الشافعي بالمروي عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا نكاح الا بولي و شاهدي عدل و لا عدالة مع الكفر لان الكفر أعظم الظلم و أفحشه فلا يكون الكافر عدلا فلا ينعقد النكاح بحضوره و لنا قوله عليه الصلاة و السلام لا نكاح الا بشهود و قوله لا نكاح الا بشاهدين و الاستثناء من النفي إثبات من حيث الظاهر و الكفر لا يمنع كونه شاهدا لما ذكرنا و كذا لا يمنع أن يكون وليا في النكاح بولاية نفسه و لا قابلا للعقد بنفسه و لا جواز للقضاء بشهادته في الجملة و كذا كون شاهد النكاح مقبول الشهادة عليه ليس بشرط لانعقاد النكاح بحضوره و ينعقد النكاح بحضور من لا تقبل شهادته عليه أصلا كما إذا تزوج إمرأة بشهادة ابنيه منها و هذا عندنا و عند الشافعي لا ينعقد ( وجه )
قوله ان الشهادة في باب النكاح للحاجة إلى صيانته عن الجحود و الانكار و الصيانة لا تحصل الا بالقبول فإذا لم يكن مقبول الشهادة لا تحصل الصيانة و لنا أن
فصل ومنها أن تكون المرأة محللة
فصل وأما بيان وقت هذه الشهادة
الاشتهار في النكاح لدفع تهمة الزنا لا لصيانة العقد عن الجحود و لانكار و التهمة تندفع بالحضور من قبول على ان معنى الصيانة يحصل بسبب حضورهما و ان كان لا تقبل شهادتهما لان النكاح يظهر و يشتهر بحضورهما فإذا ظهر و اشتهر تقبل الشهادة فيه بالتسامع فتحصل الصيانة و كذا إذا تزوج إمرأة بشهادة ابنيه لا منها أو ابنيها لا منه يجوز لما قلنا ثم عند وقوع الحجر و الانكار ينظر ان وقعت شهادتهما لواحد من الابوين لا تقبل و ان وقعت عليه تقبل لان شهادة الابن لابويه مقبولة و شهادتهما عليه مقبولة و لو زوج الاب ابنته من رجل بشهادة ابنيه و هما أخوا المرأة فلا يشك انه يجوز النكاح و إذا وقع الجحود بين الزوجين فان كان الاب مع الجاحد منهما أيهما كان تقبل شهادتهما لان هذه شهادة على الاب فتقبل و ان كان الاب مع المدعى منهما أيهما كان لا تقبل شهادتهما عند أبى يوسف و عند محمد تقبل فأبو يوسف نظر إلى الدعوي و الانكار فقال إذا كان الاب مع المنكر فشهادتهما تقع على الاب فتقبل و إذا كان مع المدعى فشهادتهما تقع للاب لان التزويج كان من الاب فلا تقبل و محمد نظر إلى المنفعة و عدم المنفعة فقال ان كان للاب منفعة لا تقبل سواء كان مدعيا أو منكرا و ان لم يكن له منفعة تقبل و ههنا لا منفعة للاب فتقبل و الصحيح نظر محمد لان المانع من القبول هو التهمة و انها تنشأ عن النفع و كذلك هذا الاختلاف فيما إذا قال رجل لعبده ان كلمك زيد فأنت حر ثم قال العبد كلمني زيد و أنكر المولى فشهد للعبد ابنا زيد أباهما قد كلمه و المولى ينكر تقبل شهادتهما في قول محمد سواء كان زيد يدعى الكلام أو لا يدعى لانه لا منفعة لزيد في الكلام و عند أبى يوسف ان كان زيد يدعى الكلام لا تقبل و ان كان لا يدعى تقبل و كذلك هذا الاختلاف فيمن توكل عن غيره في عقد ثم شهد ابنا الوكيل على العقد فان كان حقوق العقد لا ترجع إلى العاقد تقبل شهادتهما عند محمد سواء ادعى الوكيل أو لم يدع لانه ليس فيه منفعة و عند أبى يوسف ان كان يدعى لا تقبل و ان كان منكرا تقبل ( فصل )
و أما بيان وقت هذه الشهادة و هي حضور الشهود فوقتها وقت وجود ركن العقد و هو الايجاب و القبول لا وقت وجود الاجازة حتى لو كان العقد موقوفا على الاجازة فحضروا عقد الاجازة و لم يحضروا عند العقد لم تجز لان الشهادة شرط ركن العقد فيشترط وجودها عند الركن و الاجازة ليست بركن بل هى شرط النفاذ في العقد الموقوف و عند وجود الاجازة يثبت الحكم بالعقد من حين وجوده فتعتبر الشهادة في ذلك الوقت و الله تعالى الموفق ( فصل )
و منها أن تكون المرأة محللة و هي أن لا تكون محرمة على التأبيد فان كانت محرمة على التأبيد فلا يجوز نكاحها لان الا نكاح احلال و إحلال المحرم على التأبيد محال و المحرمات على التأبيد ثلاثة أنواع محرمات بالقرابة و محرمات بالمصاهرة و محرمات بالرضاع أما النوع الاول فالمحرمات بالقرابة سبع فرق الامهات و البنات و الاخوات و العمات و الخالات و بنات الاخ و بنات الاخت قال الله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم و أخواتكم و عماتكم و خالاتكم و بنات الاخ و بنات الاخت و أمهاتكم اللاتي أرضعنكم الآية أخبر الله تعالى عن تحريم هذه المذكورات فاما أن يعمل بحقيقة هذا الكلام حقيقة و يقال بحرمة الاعيان كما هو مذهب أهل السنة و الجماعة و هي منع الله تعالى الاعيان عن تصرفنا فيها بإخراجها من أن تكون محلا لذلك شرعا و هو التصرف الذي يعتاد إيقاعه في جنسها و هو الاستمتاع و النكاح و اما أن يضمر فيه الفعل و هو الاستمتاع و النكاح في تحريم كل واحد منهما تحريم الآخر لانه إذا حرم الاستمتاع و هو المقصود بالنكاح لم يكن النكاح مفيدا لخلوه عن العاقبة الحميدة فكان تحريم الاستمتاع تحريما للنكاح و إذا حرم النكاح و انه شرع وسيلة إلى الاستمتاع و الاستمتاع هو المقصود فكان تحريم الوسيلة تحريما للمقصود بالطريق الاولى و إذا عرف هذا فنقول يحرم على الرجل أمه بنص الكتاب و هو قوله تعالى حرمت عليكم
أمهاتكم و تحرم عليه جداته من قبل أبيه و أمه و ان علون بدلالة النص لان الله تعالى حرم العمات و الخالات وهن أولاد الاجداد و الجدات فكانت الجدات أقرب منهن فكان تحريمهن تحريما للجدات من طريق الاولى كتحريم التأفيف نصا يكون تحريما للشتم و الضرب دلالة و عليه إجماع الامة أيضا و تحرم عليه بناته بالنص و هو قوله تعالى و بناتكم سواء كانت بنته من النكاح أو من السفاح لعموم النص و قال الشافعي لا تحرم عليه البنت من السفاح لان نسبها لم يثبت منه فلا تكون مضافة اليه شرعا فلا تدخل تحت نص الارث و النفقة في قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم و فى قوله تعالى و على المولود له رزقهن كذا ههنا و لأَنا نقول بنت الانسان اسم لانثى مخلوقة من مائه حقيقة و الكلام فيه فكانت بنته حقيقة الا أنه لا تجوز الاضافة شرعا اليه لما فيه من إشاعة الفاحشة و هذا لا ينفى النسبة الحقيقية لان الحقائق لا مرد لها و هكذا نقول في الارث و النفقة ان النسبة الحقيقية ثابتة الا أن الشرع اعتبر هناك ثبوت النسب شرعا لجريان الارث و النفقة لمعنى و من ادعى ذلك ههنا فعليه البيان و تحرم بنات بناته و بنات أبنائه و ان سفلن بدلالة النص لانهن أقرب من بنات الاخ و بنات الاخت و من الاخوات أيضا لان الاخوات أولاد ابيه وهن أولاد أولاده فكان ذكر الحرمة هناك ذكرا للحرمة ههنا دلالة و عليه إجماع الامة أيضا و تحرم عليه أخواته و عماته و خالاته بالنص و هو قوله عز و جل و أخواتكم و عماتكم و خالاتكم سواء كن لاب وأم أو لاب أو لام لاطلاق اسم الاخت و العمة و الخالة و يحرم عليه عمة أبيه و خالته لاب وأم أو لاب أو لام و عمة أمه و خالته لاب وأم أو لاب أو لام بالاجماع و كذا عمة جده و خالته و عمة خالته و خالتها لاب وأم أو لاب أو لام تحرم بالاجماع و تحرم عليه بنات الاخ و بنات الاخت بالنص و هو قوله تعالى و بنات الاخ و بنات الاخت و بنات بنات الاخ و الاخت و ان سفلن بالاجماع و منهم من قال ان حرمة الجدات و بنات البنات و نحو هن ممن ذكرنا يثبت بالنص أيضا لانطلاق الاسم عليهن فان جدة الانسان تسمى اما له و بنت بنته تسمى بنتا له فكانت حرمتهن ثابتة بعين النص لكن هذا لا يصح الا على قول من يقول يجوز أن يراد الحقيقة و المجاز من لفظ واحد إذا لم يكن بين حكميهما منافاة لان إطلاق اسم الام على الجدة و إطلاق اسم البنت على بنت البنت بطريق المجاز ألا ترى أن من نفى اسم الام و البنت عنهما كان صادقا في النفي و هذا من العلامات التي يفرق بها بين الحقيقة و المجاز و قد ظهر أمر هذه التفرقة في الشرع أيضا حتى ان من قال لرجل لست أنت بإبن فلان لجده لا يصير قاذفا له حتى لا يؤخذ بالحد و لان نكاح هؤلاء يفضى إلى قطع الرحم لان النكاح لا يخلو عن مباسطات تجري بين الزوجين عادة و بسببها تجري الخشونة بينهما و ذلك يفضى إلى قطع الرحم فكان النكاح سببا لقطع الرحم مفضيا اليه و قطع الرحم حرام و المفضى إلى الحرام حرام و هذا المعنى يعم الفرق السبع لان قرابتهن محرمة القطع واجبة الوصل و يختص الامهات بمعنى آخر و هو ان احترام الام و تعظيمها واجب و لهذا أمر الولد بمصاحبة الوالدين بالمعروف و خفض الجناح لهما و القول الكريم و نهى عن التأفيف لهما فلو جاز النكاح و المرأة تكون تحت أمر الزوج و طاعته و خدمته مستحقة عليها للزمها ذلك و انه ينفى الاحترام فيؤدى إلى التناقض و تحل له بنت العمة و الخالة و بنت العم و الخال لان الله تعالى ذكر المحرمات في آية التحريم ثم أخبر سبحانه و تعالى أنه أحل ما وراء ذلك بقوله و أحل لكم ما وراء ذلكم و بنات الاعمام و العمات و الاخوال و الخالات لم يذكرن في المحرمات فكن مما وراء ذلك فكن محللات و كذا عمومات النكاح لا توجب الفصل ثم خص عنها المحرمات المذكورات في آية التحريم فبقى غيرهن تحت العموم و قد ورد نص خاص في الباب و هو قوله تعالى يا أيها النبي انا أحللنا لك أزواجك إلى قوله عز و جل و بنات عمك و بنات عماتك و بنات خالك و بنات خالاتك اللاتي هاجرن معك الآية و الاصل فيما يثبت للنبي صلى الله عليه و سلم ان يثبت لامته و الخصوص بدليل و الله الموفق
فصل واما الفرقة الثانية
فصل وأما النوع الثانى
( فصل )
و أما النوع الثاني فالمحرمات بالمصاهرة أربع فرق الفرقة الاولى أم الزوجة و جداتها من قبل أبيها و أمها و ان علون فيحرم على الرجل أم زوجته بنص الكتاب العزيز و هو قوله عز و جل و أمهات نسائكم معطوفا على قوله عز و جل حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم سواء كان دخل بزوجته أو كان لم يدخل بها عند عامة العلماء و قال مالك و داود الاصفهانى و محمد بن شجاع البلخى و بشر المريسي أن أم الزوجة لا تحرم على الزوج بنفس العقد ما لم يدخل ببنتها حتى ان من تزوج إمرأة ثم طلقها قبل الدخول بها أو ماتت لا يجوز له ان يتزوج أمها عند عامة العلماء و عندهم يجوز و المسألة مختلفة بين الصحابة رضى الله عنهم روى عن عمر و على و ابن عباس و زيد بن ثابت و عمران بن حصين رضى الله عنهم مثل قول العامة و روى عن عبد الله بن مسعود و جابر رضى الله عنهما مثل قولهم و هو احدى الروايتين عن على و زيد بن ثابت و عن زيد بن ثابت انه فصل بين الطلاق و الموت قال في الطلاق مثل قولهما و فى الموت مثل قول العامة و جعل الموت كالدخول لانه بمنزلة الدخول في حق المهر و كذا في حق التحريم احتجوا بقوله تعالى و أمهات نسائكم و ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ذكر أمهات النساء و عطف ربائب النساء عليهن في التحريم بحرف العطف ثم عقب الجملتين بشرط الدخول و الاصل ان الشرط المذكور و الاستثناء بمشيئة الله تعالى عقيب جمل معطوف بعضها على بعض بحرف العطف كل جملة مبتدأ و خبره ينصرف إلى الكل لا إلى ما يليه خاصة كمن قال عبده حر و إمرأته طالق و عليه حج بيت الله تعالى ان فعل كذا أو قال ان شاء الله تعالى فهذا كذلك فينصرف شرط الدخول إلى الجملتين جميعا فلا تثبت الحرمة بدونه و لنا قوله تعالى و أمهات نسائكم كلام تام بنفسه منفصل عن المذكور بعده لانه مبتدأ و خبر اذ هو معطوف على ما تقدم ذكره من قوله حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم إلى قوله عز و جل و أمهات نسائكم و المعطوف يشارك المعطوف عليه في خبره و يكون خبر الاول خبرا للثاني كقوله جاءني زيد و عمرو معناه جاءني عمرو فكان معنى قوله تعالى و أمهات نسائكم أى و حرمت عليكم أمهات نسائكم و انه مطلق عن شرط الدخول فمن ادعى أن الدخول المذكور في آخر الكلمات منصرف إلى الكل فعليه الدليل و روى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا نكح الرجل إمرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها فله أن يتزوج ابنتها و ليس له أن يتزوج الام و هذا نص في المسئلتين و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أيما رجل تزوج إمرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أو ماتت عنده فلا بأس أن يتزوج بنتها و أيما رجل تزوج إمرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أو ماتت عنده فلا يحل له أن يتزوج أمها و هذا نص في المسئلتين و عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أنه قال في هذه الآية الكريمة أبهموا ما أبهم الله تعالى أى أطلقوا ما أطلق الله تعالى و كذا روى عن عمران ابن حصين أنه قال الآية مبهمة أى مطلقة لا يفصل بين الدخول و عدمه و ما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه فقد روى الرجوع عنه فانه روى انه أفتى بذلك في الكوفة فلما أتى المدينة و لقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فذاكرهم رجع إلى القول بالحرمة حتى روى أنه لما أتى الكوفة نهى من كان أفتاه بذلك فقيل انها ولدت أولادا فقال انها و ان ولدت و لان هذا النكاح يفضى إلى قطع الرحم لانه إذا طلق بنتها و تزوج بأمها حملها ذلك على الضغينة التي هى سبب القطيعة فيما بينهما و قطع الرحم حرام فما أفضي اليه يكون حراما لهذا المعنى حرم الجمع بين المرأة و بنتها و بين المرأة و أمها و بين عمتها و خالتها على ما نذكر ان شاء الله تعالى بخلاف جانب الام حيث لا تحرم بنتها بنفس العقد على الام لان إباحة النكاح هناك لا تؤدى إلى القطع لان الام في ظاهر العادات تؤثر بنتها على نفسها في الحظوظ و الحقوق و البنت لا تؤثر أمها على نفسها معلوم ذلك بالعادة و إذا جاء الدخول تثبت الحرمة لانه تأكدت مودتها لاستيفائها حظها فتلحقها الغضاضة فيؤدى إلى القطع و لان الحرمة
تثبت بالدخول بالاجماع و العقد على البنت سبب الدخول بها و السبب يقوم مقام المسبب في موضع الاحتياط و لهذا تثبت الحرمة بنفس العقد في منكوحة الاب و حليلة الابن كان ينبغى ان تحرم الربيبة بنفس العقد على الام الا أن شرط الدخول هناك عرفناه بالنص فبقى الحكم في الآية على أصل القياس ( و أما )
قولهم ان الشرط المذكور في آخر كلمات معطوف بعضها على بعض و الاستثناء بمشيئة الله تعالى ملحق بالكل فنقول هذا الاصل مسلم في الاستثناء بمشيئة الله تعالى و الشرط المصرح به فاما في الصفة الداخلة على المذكور في آخر الكلام فممنوع بل يقتصر على ما يليه فانك تقول جاني زيد و محمد العالم فتقتصر صفة العلم على الذي يليه دون زيد و قوله عز و جل اللاتي دخلتم بهن وصف إياهن بالدخول بهن لا شرط من ادعى إلحاق الوصف بالشرط فعليه الدليل على أنه يحتمل أن يكون بمعنى الشرط فيلحق الكل و يحتمل أن لا يكون فيقتصر على ما يليه فلا يلحق بالشك و الاحتمال و إذا وقع الشك و الشبهة فيه فالقول لما فيه الحرمة أولى احتياطا على أن هذه الصفة ان كانت في معنى الشرط لكن اللفظ متى قرن به شرط أو صفة لاثبات حكم يقتضى وجوده عند وجوده اما لا يقتضى عدمه عند عدمه بل عدمه و وجوده عند عدم الشرط و الصفة يكون موقوفا على قيام الدليل و فى نفس هذه الآية الكريمة ما يدل عليه فانه قال عز و جل و ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم و لو كان التقييد بالوصف نافيا الحكم في الموصوف لكان ذلك القدر كافيا و نحن نقول بحرمة الام عند الدخول بالربيبة و بحرمة الربيبة عند الدخول بالام بظاهر الآية الكريمة و ليس فيها نفى الحرمة عند عدم الدخول و لا إثباتها فيقف على قيام الدليل و قد قام الدليل على حرمة الام بدون الدخول ببنتها و هو ما ذكرنا فتثبت الحرمة و لم يقم الدليل على حرمة الربيبة قبل الدخول بالام فلا تثبت الحرمة و الله عز و جل أعلم و أما جدات الزوجة من قبل أبيها و أمها فانها عرفت حرمتهن بالاجماع و لما ذكرنا من المعنى في الامهات لا بعين النص الا على قول من يجيز اشتمال اللفظ الواحد على الحقيقة و المجاز عند عدم التنافي بين حكميهما على ما ذكرنا ثم انما تحرم الزوجة و جداتها بنفس العقد إذا كان صحيحا فاما إذا كان فاسدا فلا تثبت الحرمة بالعقد بل بالوطء أو ما يقوم مقامه من المس عن شهوة و النظر إلى الفرج عن شهوة على ما نذكر لان الله تعالى حرم على الزوج أم زوجته مضافا اليه و الاضافة لا تنعقد الا بالعقد الصحيح فلا تثبت الحرمة الا به و الله الموفق ( فصل )
و أما الفرقة الثانية فبنت الزوجة و بناتها و بنات بناتها و بنيها و ان سفلن اما بنت زوجته فتحرم عليه بنص الكتاب العزيز إذا كان دخل بزوجته فان لم يكن دخل بها فلا تحرم لقوله و ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم و سواء كانت بنت زوجته في حجره أو لا عند عامة العلماء و قال بعض الناس لا تحرم عليه الا أن تكون في حجره و يروى ذلك عن على بن أبى طالب رضى الله عنه نصا لظاهر الآية قوله تعالى و ربائبكم اللاتي في حجوركم حرم الله عز و جل بنت الزوجة و بوصف كونها في حجر زوج فيتقيد التحريم بهذا الوصف ألا ترى أنه لما أضافها إلى الزوجة يقيد التحريم به حتى لا يحرم على ربيبته الزوجة كذا هذا و لنا أن التنصيص على حكم الموصوف لا يدل على أن الحكم في الموصوف بخلافه اذ التنصيص لا يدل على التخصيص فتثبت حرمة بنت زوجة الرجل التي دخل بأمها و هي في حجره بهذه الآية و إذا لم تكن في حجره تثبت حرمتها بدليل آخر و هو كون نكاحها مفضيا إلى قطيعة الرحم سواء كانت في حجره أو لم تكن على ما بينا فيما تقدم الا أن الله تعالى ذكر الحجر بناء على أن عرف الناس و عادتهم ان الربيبة تكون في حجر زوج أمها عادة فاخرج الكلام مخرج العادة كما في قوله عز و جل و لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق و قوله عز و جل فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة و نحو ذلك و أما بنات بنات الربيبة
فصل وأما الفرقة الرابعة
فصل وأما الفرقة الثالثة
و بنات أبنائها و ان سفلن فتثبت حرمتهن بالاجماع و بما ذكرنا من المعنى المعقول لا بعين النص الا على قول من يرى الجمع بين الحقيقة و المجاز في لفظ واحد عند إمكان العمل بهما ( فصل )
و أما الفرقة الثالثة فحليلة الابن من الصلب و ابن الابن و ابن البنت و ان سفل فتحرم على الرجل حليلة ابنه من صلبه بالنص و هو قوله عز و جل و حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم و ذكر الصلب جاز أن يكون لبيان الخاصية و ان لم يكن الابن الا من الصلب لقوله تعالى و لا طائر يطير بجناحيه و ان كان الطائر لا يطير الا بجناحيه و جاز أن يكون لبيان القسمة و التنويع لان الابن قد يكون من الصلب و قد يكون من الرضاع و قد يكون بالتبنى أيضا على ما ذكر في سبب نزول الاية لان النبي صلى الله عليه و سلم لما تزوج إمرأة زيد ابن حارثة بعد ما طلقها زيد و كان ابنا لرسول الله صلى الله عليه و سلم بالتبنى فعابه المنافقون على ذلك و قالوا له تزوج بحليلة ابنه فنزل قوله تعالى و حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم و كذلك قوله تعالى فلما قضى زيد منها وطرأ زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرأ و لان حليلة الابن لو لم تحرم على الاب فإذا طلقها الابن ربما يندم على ذلك و يريد العود إليها فإذا تزوجها أبوه أورث ذلك الضغينة بينما و الضغينة تورث القطيعة و قطع الرحم حرام فيجب أن يحرم حتى لا يؤدى إلى الحرام و لهذا حرمت منكوحة الاب على الابن كذا هذا سواء كان دخل بها الابن أو لم يدخل بها لان النص مطلق عن شرط الدخول و المعنى لا يوجب الفصل أيضا على ما ذكرنا و لان العقد سبب إلى الدخول و السبب يقام مقام المسبب في موضع الاحتياط على ما مر و حليلة ابن الابن و ابن البنت و ان سفل تحرم بالاجماع أو بما ذكرنا من المعنى لا بعين النص لان ابن الابن يسمى ابنا مجازا لا حقيقة فإذا صارت الحقيقة مرادة لم يبق المجاز مرادا لنا الا على قول من يقول انه يجوز أن يرادا من لفظ واحد و الله الموفق ( فصل )
و أما الفرقة الرابعة فمنكوحة الاب و أجداده من قبل أبيه و ان علوا أما منكوحة الاب فتحرم بالنص و هو قوله و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء و النكاح يذكر و يراد به العقد و سواء كان الاب دخل بها أو لا لان اسم النكاح يقع على العقد و الوطء فتحرم بكل واحد منهما على ما نذكر و لان نكاح منكوحة الاب يفضى إلى قطيعة الرحم لانه إذا فارقها أبوه لعله يندم فيريد أن يعيدها فإذا نكحها الابن أوحشه ذلك و أورث الضغينة و ذلك سبب التباعد بينهما و هو تفسير قطيعة الرحم و قطع الرحم حرام فكان النكاح سر سبب الحرام و انه تناقض فيحرم دفعا للتناقض الذي هو أثر السفه و الجهل جل الله تعالى عنهما و أما منكوحة أجداده فتحرم بالاجماع و بما ذكرنا من المعنى لا بعين النص الا على قول من يرى الجمع بين الحقيقة و المجاز في لفظ واحد عند عدم النافي ثم حرمة المصاهرة تثبت بالعقد الصحيح و تثبت بالوطء الحلال بملك اليمين حتى ان من وطي جاريته تحرم عليها أمها و ابنتها و جداتها و ان علون و بنات بناتها و ان سفلن و تحرم هى على أب الواطي و ابنه و على أجداد أجداد الواطي و ان علوا و على أبناء أبنائه و ان سفلوا و كذا تثبت بالوطء في النكاح الفاسد و كذا بالوطء عن شبهة بالاجماع و تثبت باللمس فيهما عن شهوة و بالنظر إلى فرجها عن شهوة عندنا و لا تثبت بالنظر إلى سائر الاعضاء بشهوة و لا بمس سائر الاعضاء الا عن شهوة بلا خلاف و تفسير الشهوة هى أن يشتهى بقلبه و يعرف ذلك بإقراره لانه باطن لا وقوف عليه لغيره و تحرك الا آلة و انتشارها هل هو شرط تحقيق الشهوة اختلف المشايخ فيه قال بعضهم شرط و قال بعضهم ليس بشرط هو الصحيح لان المس و النظر عن شهوة يتحقق بدون ذلك كالعنين و المجبوب و نحو ذلك و قال الشافعي لا تثبت حرمة المصاهرة بالنظر و له في المس قولان و تثبت حرمة المصاهرة بالزنا و المس و النظر بدون النكاح و الملك و شبهته و عند الشافعي لا تثبت الحرمة بالزنا فأولى أن لا تثبت بالمس و النظر بدون الملك احتج الشافعي بقوله تعالى و ربائبكم
اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن حرم لربائب المضافة إلى نسائنا المدخولات و انما تكون المرأة مضافة إلينا بالنكاح فكان الدخول بالنكاح شرط ثبوت الحرمة و هذا دخول بلا نكاح فلا تثبت به الحرمة و لا تثبت بالنظر أيضا لانه ليس بمعنى الدخول ألا ترى أنه لا يفسد به الصوم و لا يجب به شيء في الاحرام و كذلك اللمس في قول و فى قول يثبت لانه استمتاع بها من وجه فكان بمعنى الوطء و لهذا حرم بسبب الاحرام كما حرم الوطء و روى عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن الرجل يتبع المرأة حراما أ ينكح ابنتها أو يتبع البنت حراما أ ينكح أمها فقال لا يحرم الحرام الحلال انما يحرم ما كان نكاحا حلالا و التحريم بالزنا تحريم الحرام لحلال و لنا قوله تعالى و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء و النكاح يستعمل في العقد و الوطء فلا يخلو اما أن يكون حقيقة لهما على الاشتراك و اما أن يكون حقيقة لاحدهما مجازا للاخر و كيف ما كان يجب القول بتحريمهما جميعا اذ لا تنافي بينهما كانه قال عز و جل و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء عقدا و وطأ و روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال من نظر إلى فرج إمرأة لم تحل له أمها و لا ابنتها و روى حرمت عليه أمها و ابنتها و هذا نص في الباب لانه ليس فيه ذكر النكاح و روى عنه صلى الله عليه و سلم انه قال ملعون من نظر إلى فرج إمرأة و ابنتها و لو لم يكن النظر الاول محرما للثاني و هو النظر إلى فرج ابنتها لم يلحقه اللعن لان النظر إلى فرج المرأة المنكوحة نكاحا صحيحا مباحا فكيف يستحق اللعن فإذا ثبتت الحرمة بالنظر فبالدخول أولى و كذا باللمس لان النظر دون اللمس في تعلق الاحكام بهما ألا ترى انه يفسد الصوم بالانزال عن المس و لا يفسد بالانزال عن النظر إلى الفرج و فى الحج يلزمه بالمس عن شهوة الدم أنزل أو لم ينزل و لا يلزمه شيء بالنظر إلى الفرج عن شهوة أنزل أو لم ينزل فلما ثبتت الحرمة بالنظر فبالمس أولى و لان الحرمة انما تثبت بالنكاح لكونه سببا داعيا إلى الجماع اقامة للسبب مقام المسبب في موضع الاحتياط كما أقيم النوم المفضي إلى الحدث مقام الحدث في انتقاض الطهارة احتياطا لامر الصلاة و القبلة و المباشرة في التسبب و الدعوة أبلغ من النكاح فكان أولى بإثبات الحرمة و لان الوطء الحلال انما كان محرما للبنت بمعنى هو موجود هنا و هو انه يصير جامعا بين المرأة و بنتها في الوطء من حيث المعنى لان وطء احداهما يذكره وطء الاخرى فيصير كانه قاض وطره منهما جميعا و يجوز أن يكون هذا معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم ملعون من نظر إلى فرج إمرأة و ابنتها و هذا المعنى موجود في الوطء الحرام و أما الآية الكريمة فلا حجة له فيها بل هى حجة عليه لانها تقتضي حرمة ربيبته التي هى بنت إمرأته التي دخل بها مطلقا سواء دخل بها بعد النكاح أو قبله بالزنا و اسم الدخول يقع على الحلال و الحرام أو يحتمل أن يكون المراد الدخول بعد النكاح و يحتمل أن يكون قبله فكان الاحتياط هو القول بالحرمة و إذا احتمل هذا و احتمل هذا فلا يصح الاحتجاج به مع الاحتمال على أن في هذه الآية إثبات الحرمة بالدخول في النكاح و هذا ينفى الحرمة بالدخول بلا نكاح فكان هذا احتجاجا بالمسكوت عنه و انه لا يصح على أن في هذه الآية حجتنا على إثبات الحرمة بالمس لانه ذكر الدخول بهن و حقيقة الدخول بالشيء عبارة عن إدخاله في العورة إلى الحصن فكان الدخول بها هو إدخالها في الحصن و ذلك بأخذ يدها أو شيء منها ليكون هو الداخل بها فأما بدون ذلك فالمرأة هى الداخلة بنفسها فدل أن المس موجب للحرمة أو يحتمل الوطء و يحتمل المس فيجب القول بالحرمة احتياطا و أما الحديث فقد قيل انه ضعيف ثم هو خبر واحد مخالف للكتاب و لئن ثبت فنقول بموجبه لان المذكور فيه هو الاتباع لا الوطء و اتباعها أن يراودها عن نفسها و ذا لا يحرم عندنا اذ المحرم هو الوطء و لا ذكر له في الحديث و الله عز و جل الموفق ( و أما )
النوع الثالث و هو المحرمات بالرضاعة فموضع بيانها كتاب الرضاع فكل من حرم لقرابة من الفرق السبع الذين وصفهم الله تعالى يحرم بالرضاعة الا أن الله تعالى بين
فصل ومنها أن لا يقع نكاح المرأة
المحرمات بالقرابة بيان ابلاغ و بين المحرمات بالرضاعة بيان كفاية حيث لم يذكر على التصريح و التنصيص الا الامهات و الاخوات بقوله تعالى و أمهاتكم اللاتي أرضعنكم و أخواتكم من الرضاعة ليعلم حكم المذكور بطريق الاجتهاد بالاستدلال و وجه الاستدلال نذكره في كتاب الرضاع ان شاء الله تعالى و الاصل فيه قوله صلى الله عليه و سلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب و عليه الاجماع أيضا و كذا كل من يحرم ممن ذكرنا من الفرق الاربع بالمصاهرة يحرم بالرضاع فيحرم على الرجل أم زوجته و بنتها من الرضاع الا أن الام تحرم بنفس العقد إذا كان صحيحا و البنت لا تحرم الا بالدخول بالاحرام و كذا جدات الزوجة لابيها و أمها و ان علون و بنات بناتها و بنات أبنائها و ان سفلن من الرضاع و كذا يحرم حليلة ابن الرضاع و ابن ابن الرضاع و ان سفل على أبى الرضاع و أبى أبيه و تحرم منكوحة ابى الرضاع و أبى أبيه و ان علا على ابن الرضاع و ابن ابنه و ان سفل و كذا يحرم بالوطء أم الموطؤة و بنتها من الرضاع على الواطي و كذا جداتها و بنات بناتها و تحرم الموطوءة على أبى الواطي و ابنه من الرضاع و كذا على أجداده و ان علوا على أبنائه أبنائه و ان سفلوا سواء كان الوطء حلالا بأن كان بملك اليمين أو كان الوطء بنكاح فاسد أو شبهة النكاح أو كان زنا و الاصل انه يحرم بسبب الرضاع ما يحرم بسبب النسب و سبب المصاهرة الا في مسئلتين يختلف فيهما حكم المصاهرة و الرضاع نذكرهما في كتاب الرضاع ان شاء الله تعالى ( فصل )
و منها أن لا يقع نكاح المرأة التي يتزوجها جمعا بين ذوات الارحام و لا بين أكثر من أربع نسوة في الأَجنبيات و جملة الكلام في الجمع ان الجمع في الاصل نوعان جمع بين ذوات الارحام و جمع بين الأَجنبيات أما الجمع بين ذوات الارحام فنوعان أيضا جمع في النكاح و جمع في الوطء و دواعيه بملك اليمين أما الجمع بين ذوات الارحام في النكاح فنقول لا خلاف في أن الجمع بين الاختين في النكاح حرام لقوله تعالى و أن تجمعوا بين الاختين معطوفا على قوله عز و جل حرمت عليكم أمهاتكم و لان الجمع بينهما يفضى إلى قطيعة الرحم لان العداوة بين الضرتين ظاهرة و أنها تفضى إلى قطيعة الرحم و قطيعة الرحم حرام فكذا المفضي و كذا الجمع بين المرأة و بنتها لما قلنا بل أولى لان قرابة الولاد مفترضة الوصل بلا خلاف و اختلف في الجمع بين ذواتي رحم محرم سوى هذين الجمعين بين إمرأتين لو كانت احداهما رجلا لا يجوز له نكاح الاخرى من الجانبين جميعا أيتهما كانت عين كالجمع بين إمرأة و عمتها و الجمع بين إمرأة و خالتها و نحو ذلك قال عامة العلماء لا يجوز و قال عثمان البتى الجمع فيما سوى الاختين و سوى المرأة و بنتها ليس بحرام و احتج بقوله تعالى و أحل لكم ما وراء ذلكم ذكر المحرمات و ذكر فيما حرم الجمع بين الاختين و أحل ما وراء ذلك و الجمع فيما سوى الاختين لم يدخل في التحريم فكان داخلا في الاحلال الا أن الجمع بين المرأة و بنتها حرم بدلالة النص لان قرابة الولاد أقوى فالنص الوارد ثمة يكون واردا ههنا من طريق الاولى و لنا الحديث المشهور و هو ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تنكح المرأة على عمتها و لا على خالتها و لا على ابنة أخيها و لا على ابنة أختها و زاد في بعض الروايات لا الصغرى على الكبرى و لا الكبرى على الصغرى الحديث أخبر أن من تزوج عمة ثم بنت أخيها أو خالة ثم بنت أختها لا يجوز ثم أخبر أنه إذا تزوج بنت الاخ أولا ثم العمة أو بنت الاخت أولا ثم الخالة لا يجوز أيضا لئلا يشكل ان حرمة الجمع يجوز أن تكون مختصة بأحد الطرفين دون الآخر كنكاح الامة على الحرة أنه لا يجوز و يجوز نكاح الحرة على الامة و لان الجمع بين ذواتي محرم في النكاح سبب لقطيعة الرحم لان الضرتين يتنازعان و يختلفان و لا يأتلفان هذا أمر معلوم بالعرف و العادة و ذلك يقضى إلى قطع الرحم و انه حرام و النكاح سبب فيحرم حتى لا يؤدى اليه و إلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه و سلم في آخر الحديث فيما روى أنه قال انكم لو فعلتم ذلك لقطعتم أرحامهن و روى في بعض الروايات
فانهن يتقاطعن و فى بعضها أنه يوجب القطيعة و روى عن أنس رضى الله عنه أنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يكرهون الجمع بين القرابة في النكاح و قالوا انه يورث الضغائن و روى عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه أنه كره الجمع بين بنتي عمين و قال لا أحرم ذلك لكن أكرهه أما الكراهة فلمكان القطيعة و أما عدم الحرمة فلان القرابة بينهما ليست بمفترضة الوصل أما الآية فيحتمل أن يكون معنى قوله تعالى و أحل لكم ما وراء ذلكم أى ما وراء ما حرمه الله تعالى و الجمع بين المرأة و عمتها و بنتها و بين خالتها مما قد حرمه الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي هو وحي متلو على أن حرمة الجمع بين الاختين معلولة بقطع الرحم و الجمع ههنا يفضى إلى قطع الرحم فكانت حرمة ثابتة بدلالة النص فلم يكن ما وراء ما حرم في آية التحريم و يجوز الجمع بين إمرأة و بنت زوج كان لها من قبل أو بين إمرأة و زوجة كانت لابيها و هما واحد لانه لا رحم بينهما فلم يوجد الجمع بين ذواتي رحم و قال زفر و ابن أبى ليلي لا يجوز لان البنت لو كانت رجلا لكان لا يجوز له أن يتزوج الاخرى لانها منكوحة أبيه فلا يجوز الجمع بينهما كما لا يجوز الجمع بين الاختين و انا نقول الشرط أن تكون الحرمة ثابتة من الجانبين جميعا و هو أن يكون كل واحدة منهما ايتهما كانت بحيث لو قدرت رجلا لكان لا يجوز له نكاح الاخرى و لم يوجد هذا الشرط لان الزوجة منهما لو كانت رجلا لكان يجوز له أن يتزوج الاخرى لان الاخرى لا تكون بنت الزوج فلم تكن الحرمة ثابتة من الجانبين فجاز الجمع بينهما كالجمع بين الاختين و لو تزوج الاختين معا فسد نكاحهما لان نكاحهما حصل جمعا بينهما في النكاح و ليست احداهما بفساد النكاح بأولى من الاخرى فيفرق بينه و بينهما ثم ان كان قبل الدخول فلا مهر لهما و لا عدة عليهما لان النكاح الفاسد لا حكم له قبل الدخول و ان كان قد دخل بهما فلكل واحدة منهما العقر و عليهما العدة لان هذا حكم الدخول في النكاح الفاسد على ما نذكره ان شاء الله تعالى في موضعه و ان تزوج احداهما بعد الاخرى جاز نكاح الاولى و فسد نكاح الثانية و لا يفسد نكاح الاولى لفساد نكاح الثانية لان الجمع حصل بنكاح الثانية فاقتصر الفساد عليه و يفرق بينه و بين الثانية فان كان لم يدخل بها فلا مهر و لا عدة و ان كان دخل بها فلها المهر و عليها العدة لما بينا و لا يجوز له أن يطأ الاولى ما لم تنقض عدة الثانية لما نذكر ان شاء الله تعالى و ان تزوج أختين في عقدتين لا يدرى أيتهما أولى لا يجوز له التحري بل يفرق بينه و بينهما لان نكاح احداهما فاسد بيقين و هي مجهولة و لا يتصور حصول مقاصد النكاح من المجهولة فلا بد من التفريق ثم ان ادعت كل واحدة منهما أنها هى الاولى و لا بينة لها يقضى لها بنصف المهر لان النكاح الصحيح أحدهما و قد حصلت الفرقة قبل الدخول لا بصنع المرأة فكان الواجب نصف المهر و يكون بينهما لعدم الترجيح اذ ليست احداهما بأولى من الاخرى و روى عن أبى يوسف أنه لا يلزم الزوج شيء و روى عن محمد أنه يجب عليه المهر كاملا و ان قالتا لا ندرى أيتنا الاولى لا يقضى لهما بشيء لكون المدعية منهما مجهولة الا إذا اصطلحت على شيء فحينئذ يقضى لها و كذلك المرأة و عمتها و خالتها في جميع ما وصفنا و كما لا يجوز للرجل ان يتزوج إمرأة في نكاح أختها لا يجوز له ان يتزوجها في عدة أختها و كذلك التزوج بإمرأة هى ذات رحم محرم من إمرأة بعقد منه و الاصل ان ما يمنع صلب النكاح من الجمع بين ذواتي المحارم فالعدة تمنع منه و كذا لا يجوز له ان يتزوج أربعا من الأَجنبيات و الخامسة تعتد منه سواء كانت العدة من طلاق رجعي أو بائن أو ثلاث أو بالمحرمية الطارئة بعد الدخول أو بالدخول في نكاح فاسد أو بالوطء في شبهة و هذا عندنا و قال الشافعي رحمه الله يجوز الا في عدة من طلاق رجعي و روى عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم مثل قولنا نحو
فصل وأما الجمع في الوطء بملك اليمين
على و عبد الله بن عباس و زيد بن ثابت رضى الله عنهم ( وجه )
قوله ان المحرم هو الجمع بين الاختين في النكاح و النكاح قد زال من كل وجه لوجود المزيل له و هو الطلاق الثلاث أو البائن و لهذا لو وطئها بعد الطلاق الثلاث مع العلم بالحرمة لزمه الحد فلم يتحقق الجمع في النكاح فلا تثبت الحرمة و لنا ان ملك الحبس و العبد قائم فان الزوج يملك منعها من الخروج و البروز و حرمة التزوج بزوج آخر ثابتة و الفراش قائم حتى لو جاءت بولد إلى سنتين من وقت الطلاق و قد كان قد دخل بها يثبت النسب فلو جاز النكاح لكان النكاح جمعا بين الاختين في هذه الاحكام فيدخل تحت النص و لان هذه أحكام النكاح لانها شرعت وسيلة إلى أحكام النكاح فكان النكاح قائما من وجه ببقاء بعض أحكامه و الثابت من وجه ملحق بالثابت من وجه في باب الحرمة احتياطا الا ترى انه ألحقت الام و البنت من وجه بالرضاعة بالام و البنت من كل وجه بالقرابة و ألحقت المنكوحة من وجه و هي المعتدة بالمنكوحة من كل وجه في حرمة النكاح كذا هذا و لان الجمع قبل الطلاق انما حرم لكونه مفضيا إلى قطيعة الرحم لانه يورث الضغينة و انها تفضى إلى القطيعة و الضغينة ههنا أشد لان معظم النعمة و هو ملك الحل الذي هو سبب اقتضاء الشهوة قد زال في حق المعتدة و بنكاح الثانية يصير جميع ذلك لها و تقوم مقامها و تبقى هى محرومة الحظ للحال من الازواج فكانت الضغينة أشد فكانت أدعى إلى القطيعة بخلاف ما بعد انقضاء العدة لان هناك لم يبق شيء من علائق الزوج الاول فكان لها سبيل الوصول إلى زوج آخر فتستو في حظها من الثاني فتسلى به فلا تلحقها الضغينة أو كانت أقل منه في حال قيام العدة فلا يستقيم الاستدلال و لو خلا بإمرأته ثم طلقها لم يتزوج أختها حتى تنقضى عدتها لانه وجبت عليها العدة بالخلوة فيمنع نكاح الاخت كما لو وجبت بالدخول حقيقة ( فصل )
و أما الجمع في الوطء بملك اليمين فلا يجوز عند عامة الصحابة مثل عمر و على و عبد الله بن مسعود و عبد الله بن عمر رضى الله عنهم و روى عن عثمان رضى الله عنه انه قال كل شيء حرمه الله تعالى من الحرائر حرمه الله تعالى من الاماء الا الجمع أى الجمع في الوطء بملك اليمين و روى ان رجلا سأل عثمان رضى الله عنه عن ذلك فقال ما أحسان أحله و لكن أحلتهما آية و حرمتهما آية و أما أنا فلا أفعله فخرج الرجل من عنده فلقى عليا فذكر له ذلك فقال لو أن لي من الامر شيء لجعلت من فعل ذلك نكالا و قول عثمان رضى الله عنه أحلتهما آية و حرمتهما آية عني بآية التحليل قوله عز و جل الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم ملومين و بآية التحريم قوله عز و جل و ان تجمعوا بين الاختين الا ما قد سلف و ذلك منه اشارة إلى تعارض دليلي الحل و الحرمة فلا تثبت الحرمة مع التعارض و لعامة الصحابة رضى الله عنهم الكتاب العزيز و السنة اما الكتاب فقوله عز وجل و ان تجمعوا بين الاختين و الجمع بينهما في الوطء جمع فيكون حراما و أما السنة فما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين و اما قول عثمان رضى الله عنه أحلتهما آية و حرمتهما آية فالأَخذ بالمحرم أولى عند التعارض احتياطا للحرمة لانه يلحقه المأثم بارتكاب المحرم و لا مأثم في ترك المباح و لان الاصل في الايضاع هو الحرمة و الاباحة بدليل فإذا تعارض دليل الحل و الحرمة تدافعا فيجب العمل بالاصل و كما لا يجوز الجمع بينهما في الوطء لا يجوز في الدواعي من اللمس و التقبيل و النظر إلى الفرج عن شهوة لان الدواعي إلى الحرام حرام إذا عرف هذا فنقول إذا ملك أختين فله أن يطأ احداهما لان الامة لا تصير فراشا بالملك و إذا وطي احداهما ليس له ان يطأ الاخرى بعد ذلك لانه لو وطي لصار جامعا بينهما في الوطء حقيقة و كذا إذا ملك جارية فوطئها ثم ملك أختها كان له ان يطأ الاولى لما قلنا و ليس له أن يطأ الاخرى بعد ذلك ما لم يحرم فرج الاولى على نفسه اما بالتزويج أو بالاخراج عن ملكه بالاعتاق أو بالبيع أو بالهبة أو بالصدقة لانه لو وطي الاخرى لصار جامعا بينهما
فصل وأما الجمع بين الاجنبيات فنوعان
في الوطء حقيقة و هذا لا يجوز و لو كاتبها يحل له وطء الاخرى في ظاهر الرواية و روى عن أبى يوسف انه قال لا يحل لانه بالكتابة لم يملك وطأها غيره و قال في هذه الرواية أيضا انه لو ملك فرج الاولى غيره لم يكن له ان يطأ الاخرى حتى تحيض الاولى حيضة بعد وطئها لجواز أن تكون حاملا فيكون جامعا ماءه في رحم أختين فيستبرئها بحيضة حتى يعلم انها ليست بحامل ( وجه )
ظاهر الرواية انه حرم فرجها على المولى بالكتابة الا ترى انه لو وطئها لزمه العقر و لو وطئت بشبهة أو نكاح كان المهر لها لا للمولى فلا يصير بوطء الاخرى جامعا بينهما في الوطء و لو نزوج جارية و لم يطأها حتى ملك أختها فليس له أن يطأ المشتراة لانه الفراش يثبت بنفس النكاح و لان ملك النكاح يقصد به الوطء و الولد فصارت المنكوحة موطوءة حكما فلو وطي المشتراة لصار جامعا بينهما في الوطء و لو كانت في ملكه جارية قد وطئها ثم تزوج أختها و تزوج أخت أم ولده جاز النكاح عند عامة العلما و لكن لا يطأ الزوجة ما لم يحرم فرج الامة التي في ملكه أو أم ولده و قال مالك لا يجوز النكاح ( وجه )
قوله ان النكاح بمنزلة الوطء بدليل انه به النسب كالوطء و بدليل أنه لا يجوز له أن يطأ المملوكة ههنا بعد نكاح أختها فلو لم يكن بمنزلة الوطء لجاز و إذا كان النكاح بمنزلة الوطء يصير بالنكاح جامعا لما بينا في الوطء و انه لا يجوز و لنا أن النكاح ليس بوطء حقيقة و ليس بمنزلة الوطء أيضا لان النكاح يلاقى الاجنبية و لا يجوز وطء الاجنبية فلا يكون نكاحها جامعا بينهما في الوطء الا ان النكاح إذا انعقد يجعل الوطء موجودا حكما بعد الانعقاد لما أن الحكم المختص بالنكاح هو الوطء و ثمرته المطلوبة منه الولد و لا حصول له عادة بدون الوطء فجعله الشارع حكما واطئا بعد انعقاد النكاح و الحق الولد بالفراش فلو وطي المملوكة لصار جامعا بينهما وطأ و لان الامة لا تصير فراشا بنفس الوطء عندنا حتى لا يثبت النسب بدون الدعوة فلا يكون نكاح أختها جمعا بينهما في الفراش فلا يمنع منه وأم الولد فراشها ضعيف حتى ينتفى نسب ولده بمجرد قوله و هو مجرد النفي من لعان و كذا يحتمل النقل إلى غيره فلا يتحقق النكاح جمعا بينهما في الفراش مطلقا فلا يمنع نسب ولده بمجرد قوله و هو مجرد النفي من لعان و الله عز و جل أعلم و لا يجوز أن يتزوج أخت أم ولده التي تعتد منه بأنه أعتقها و وجبت عليها العدة في قول أبى حنيفة رحمه الله و يجوز أن تتزوج أربعا في عدتها و قال أبو يوسف و محمد يجوز كلاهما و قال زفر لا يجوز كلاهما ( وجه )
قوله ان هذه معتدة فلا يجوز التزوج بأختها و أربع سواها كالحرة المعتدة ( وجه )
قولهما ان الحرمة في الحرة لمكان الجمع بينهما في النكاح من وجه و لم يوجد في أم الولد لانعدام النكاح أصلا و لان العدة في أم الولد أثر فراش الملك و حقيقة الفراش فيها لا يمنع النكاح حتى لو تزوج أخت ام ولده و أربع نسوة قبل أن يعتقها جاز فإذا لم يكن فراش الملك حقيقة مانعا فاثره أولى ان لا يمنع و لابي حنيفة انه انما جاز نكاح أخت أم الولد قبل الاعتاق لضعف فراشها على ما بينا فإذا أعتقها قوى فراشها فكان نكاح أختها جمعا بينهما في الفراش و هو استلحاق نسب ولديها و لا يجوز استلحاق نسب ولد أختين في زمان واحد و لهذا لو تزوج أخت أم ولده لا يحل له وطء المنكوحة حتى يزيل فراش أم الولد و نكاح الاربع و ان كان جمعا بينهن و بينها في الفراش لكن الجمع ههنا في الفراش جائز الا ترى انه جاز قبل الاعتاق فانه إذا تزوج أربعا قبل الاعتاق يحل له وطؤهن و وطأ أم الولد فكذا بعد الاعتاق و الله عز و جل أعلم ( فصل )
و اما الجمع بين الأَجنبيات فنوعان أيضا جمع في النكاح و جمع في الوطء و دواعيه بملك اليمين اما الجمع في النكاح فنقول لا يجوز للحر ان يتزوج أكثر من أربع زوجات من الحرائر و الاماء عند عامة العلماء و قال بعضهم يباح له الجمع بين التسع و قال بعضهم يباح له الجمع بين ثمانية عشر و احتجوا بظاهر قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع فالأَولون قالوا ان الله تعالى ذكر هذه الاعداد بحرف الواو و انه للجمع و جملتها تسعة فيقتضى إباحة نكاح تسع و استدلوا أيضا بفعل رسول الله صلى الله عليه و سلم انه تزوج
تسع نسوة و هو قدوة الامة و الآخرون قالوا المثنى ضعف الاثنين و الثلاث ضعف الثلاثة و الرباع ضعف الاربعة فجملتها ثمانية عشر و لنا ما روى ان رجلا أسلم و تحته ثمان نسوة فأسلمن فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم اختر منهن أربعا و فارق البواقى أمره صلى الله عليه و سلم بمفارقة البواقى و لو كانت الزيادة على الاربع حلالا لما أمره فدل انه منتهى العدد المشروع و هو الاربع و لان في الزيادة على الاربع خوف الجور عليهن بالعجز عن القيام بحقوقهن لان الظاهر انه لا يقدر على الوفاء بحقوقهن و اليه وقعت الاشارة بقوله عز و جل فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أى لا تعدلوا في القسم و الجماع و النفقة في نكاح المثنى و الثلاث و الرباع فواحدة بخلاف نكاح رسول الله صلى الله عليه و سلم لان خوف الجور منه موهوم لكونه مؤيدا على القيام بحقوقهن بالتأييد الالهى فكان ذلك من الآيات الدالة على نبوته لانه آثر الفقر على الغنى و الضيق على السعة و تحمل الشدائد و المشاق على الهوينا من العبادات و الامور الثقيلة و هذه الاشياء أسباب قطع الشهوات و الحاجة إلى النساء و مع ذلك كان يقوم بحقوقهن دل انه صلى الله عليه و سلم انما قدر على ذلك بالله تعالى و اما الآية فلا يمكن العمل بظاهرها لان المثنى ليس عبارة عن الاثنين و لا الثلاث عن الثلاث و الرباع عن الاربع بل أدنى ما يراد بالمثنى مرتان من هذا العدد و أدنى ما يراد بالثلاث ثلاث مرات من العدد و كذا الرباع و ذلك يزيد على التسعة و ثمانيه عشر و لا قائل به دل ان العمل بظاهر الآية متعذر فلا بد لها من تأويل و لها تأويلان أحدهما أن يكون على التخيير بين نكاح الاثنين و الثلاث و الاربع كانه قال عز و جل مثنى أو ثلاث أو رباع و استعمال الواو مكان أو جائز و الثاني أن يكون ذكر هذه الاعداد على التداخل و هو أن قوله و ثلاث تدخل فيه المثنى و قوله عز و جل و رباع يدخل فيه الثلاث كما في قوله أ إنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين ثم قال عز و جل و جعل فيها رواسي من فوقها و بارك فيها و قدر فيها أقواتها في أربعة أيام و اليومان الاولان داخلان في الاربع لانه لو لم يكن كذلك لكان خلق هذه الجملة في ستة أيام ثم أخبر عز و جل أنه خلق السموات في يومين بقوله عز و جل فقضاهن سبع سموات في يومين فيكون خلق الجميع في ثمانية أيام و قد أخبر الله تعالى انه خلق السموات و الارض في ستة أيام فيؤدى إلى الخلف في خبر من يستحيل عليه الخلف فكان على التداخل فكذا ههنا جاز أن يكون العدد الاول داخلا في الثاني و الثاني في الثالث فكان في الآية إباحة نكاح الاربع و لا يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من اثنين لما روينا من الحديث و ذكرنا من المعنى فيما تقدم ( فصل )
و أما الجمع في الوطء و دواعيه بملك اليمين فجائز و ان كثرت الجواري لقوله تعالى فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم أى ان خفتم أن لا تعدلوا في نكاح المثنى و الثلاث و الرباع بإيفاء حقوقهن فانكحوا واحدة و ان خفتم أن لا تعدلوا في واحدة فمما ملكت أيمانكم كانه قال سبحانه و تعالى هذا أو هذا أى الزيادة على الواحدة إلى الاربع عند القدرة على المعادلة و عند خوف الجور في ذلك الواحدة من الحرائر و عند خوف الجور في نكاح الواحدة هو شراء الجواري و التسرى بهن و ذلك قوله عز و جل أو ما ملكت أيمانكم ذكره مطلقا عن شرط العدد و قال تعالى الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانكم مطلقا و لان حرمة الزيادة على الاربع في الزوجات لخوف الجور عليهن في القسم و الجماع و لم يوجد هذا المعنى في الاماء لانه لا حق لهن قبل المولى في القسم و الجماع ( فصل )
و منها أن لا يكون تحته حرة هو شرط جواز نكاح الامة فلا يجوز نكاح الامة على الحرة و الاصل فيه ما روى عن على رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تنكح الامة على الحرة و قال على رضى الله عنه و تنكح الحرة على الامة و للحرة الثلثان من القسم و للامة الثلث و لان الحرية
تنبئ عن الشرف و العزة و كمال الحال فنكاح الامة على الحرة إدخال على الحرة من لا يساويها في القسم و ذلك يشعر بالاستهانة و إلحاق الشين و نقصان الحال و هذا لا يجوز و سواء كان المتزوج حرا أو عبدا عندنا لان ما روينا من الحديث و ذكرنا من المعنى لا يوجب الفصل و عند الشافعي يجوز للعبد أن يتزوج أمة على حرة بناء على أن عدم الجواز للحر عنده لعدم شرط الجواز و هو عدم طول الحرة و هذا شرط جواز نكاح الامة عنده في حق الحر لا في حق العبد لما نذكر ان شاء الله تعالى و كذا خلو الحرة عن العدة شرط جواز نكاح الامة عند أبي حنيفة و قال أبو يوسف و محمد يجوز ان يتزوج أمة على حرة تعتد من طلاق بائن أو ثلاث ( وجه )
قولهما ان المحرم ليس هو الجمع بين الحرة و الامة بدليل أنه لو تزوج أمة ثم تزوج حرة جاز و قد حصل الجمع و انما المحرم هو نكاح الامة على الحرة و قال صلى الله عليه و سلم لا تنكح الامة على الحرة و لا يتحقق النكاح عليها بعد البينونة ألا ترى أنه لو حلف لا يتزوج على إمرأته فتزوج بعد ما أبانها في عدتها لا يحنث و لابي حنيفة ان نكاح الامة في عدة الحرة نكاح عليها من وجه لان بعض آثار النكاح قائم فكان النكاح قائما من وجه فكان نكاحها عليها من وجه و الثابت من وجه ملحق بالثابت من كل وجه في باب الحرمات احتياطا فيحرم كنكاح الاخت في عدة الاخت و نحو ذلك مما بينا فيما تقدم و أما عدم طول الحرة و هو القدرة على مهر الحرة و خشية العنت فليس من شرط جواز نكاح الامة عند أصحابنا و الحاصل ان من شرائط جواز نكاح الامة عند أبى حنيفة أن لا يكون في نكاح المتزوج حرة و لا في عدة حرة و عندهما خلو الحرة عن عدة البينونة ليس بشرط لجواز نكاح الامة و عند الشافعي من شرائط جواز نكاح الامة أن لا يكون في نكاحه حرة و أن لا يكون قادرا على مهر الحرة و أن يخشى العنت حتى إذا كان في ملكه أمة يطؤها بملك اليمين جاز له أن يتزوج أمة عندنا و عنده لا يجوز لعدم خشية العنت و كذلك الحر يجوز له أن يتزوج أكثر من أمة واحدة عندنا و عنده إذا تزوج أمة واحدة لا يجوز له أن يتزوج أمة أخرى لزوال خشية العنت بالواحدة و لا خلاف في أن طول الحرة لا يمنع العبد من نكاح الامة احتج الشافعي بقوله تعالى و من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات و من كلمة شرط فقد جعل الله عز و جل العجز عن طول الحرة شرطا لجواز نكاح الامة فيتعلق الجواز به كما في قوله تعالى فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا و نحو ذلك و قال تعالى ذلك لمن خشى العنت منكم و هو الزنا شرط سبحانه و تعالى خشية العنت لجواز نكاح الامة فيتقيد الجواز بهذا الشرط أيضا و لان جواز نكاح الاماء في الاصل ثبت بطريق الضرورة لما يتضمن نكاحهن من ارقاق الحر لان ماء الحر حر تبعا له و كان في نكاح الحر الامة ارقاق حر جزأ و إلى هذا أشار عمر رضى الله عنه فيما روى عنه أنه قال أيما حر تزوج أمة فقد أرق نصفه و أيما عبد تزوج حرة فقد أعتق نصفه و لا يجوز ارقاق الجزء من ضرورة و لهذا إذا كان تحته حرة لا يجوز نكاح الامة و هذا لان الارقاق إهلاك لانه يخرج به من أن يكون منتفعا به في حق نفسه و يصير ملحقا بالبهائم و هلاك الجزء من ضرورة لا يجوز كقطع اليد و نحو ذلك و لا ضرورة حالة القدرة على طول الحرة فبقى الحكم فيها على هذا الاصل و لهذا لم يجز إذا كانت حرة لارتفاع الضرورة بالحرة بخلاف ما إذا كان المتزوج عبدا لان نكاحه ليس ارقاق الحر لان ماءه رقيق تبعا له وارقاق الرقيق لا يتصور و لنا عمومات النكاح نحو قوله تعالى و أنكحوا الايامى منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم و قوله عز و جل فانكحوهن باذن أهلهن و قوله عز و جل و أحل لكم ما وراء ذلكم من فضل بين حال القدرة على مهر الحرة و عدمها و لان النكاح عقد مصلحة في الاصل لاشتماله على المصالح الدينية و الدنيوية فكان الاصل فيه هو الجواز إذا صدر من الاهل في المحل و قد وجدوا الآية ففيها إباحة نكاح الامة عند عدم طول الحرة و هذا لا ينفى الاباحة عند وجود
فصل ومنها أن لا تكون معتدة الغير
فصل ومنها أن تكون منكوحة الغير
لطول فالتعليق بالشرط عندنا يقتضى الوجود عند وجود الشرط اما لا يقتضى العدم عند عدمه قال الله تعالى فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة ثم إذا تزوج واحدة جاز و ان كان لا يخاف الجور في نكاح المثنى و الثلاث و الرباع و قال تعالى في الاماء فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب و هذا لا يدل على نفى الحد عنهن عند عدم الاحصان و هو التزوج و هو الجواب عن قوله عز و جل ذلك لمن خشى العنت منكم على أن العنت يذكر و يراد به الضيق كقوله عز و جل و لو شاء الله لاعنتكم أى لضيق عليكم أى من يضيق عليه النفقة و الاسكان لترك الحرة بالطلاق و تزوج الامة فالطول المذكور يحتمل أن يراد به القدرة على المهر و يحتمل أن يراد به القدرة على الوطء لان النكاح يذكر و يراد به الوطء بل حقيقة الوطء على ما عرف فكان معناه فمن لم يقدر منكم على وطء المحصنات و هي الحرائر و القدرة على وطء الحرة انما يكون في النكاح و نحن نقول به ان من لم يقدر على وطء الحرة بأن لم يكن في نكاحه حرة يجوز له نكاح الامة و من قدر على ذلك بأن كان في نكاحه حرة لا يجوز له نكاح الامة و نقل هذا التأويل عن على رضى الله عنه فلا يكون حجة مع الاحتمال على أن فيها إباحة نكاح الامة عند عدم طول الحرة و هذا تقديم و تأخير في الجواب عن التعليق بالاية و أما قوله نكاح الامة يتضمن ارقاق الحر لان ماء الحر حر فنقول ان عني به إثبات حقيقة الرق فهذا لا يتصور لان الماء جماد لا يوصف بالرق و الحرية و ان عني به التسبب إلى حدوث رق الولد فهذا مسلم لكن أثر هذا في الكراهة لا في الحرية فان نكاح الامة في حال طول الحرة في حق العبد جائز بالاجماع و ان كان نكاحها مباشرة سبب حدوث الرق عندنا فكره نكاح الامة مع طول الحرة و لو تزوج أمة و حرة في عقدة واحدة جاز نكاح الحرة و بطل نكاح الامة لان كل واحدة منهما على صاحبتها مدخولة عليها فيعتبر حالة الاجتماع بحال الانفراد فيجوز نكاح الحرة لان نكاحها على الامة حالة الانفراد جائز فكذا حالة الاجتماع و يبطل نكاح الامة لان نكاحها على الحرة و إدخالها عليها لا يجوز حالة الانفراد فكذا عند الاجتماع بخلاف ما إذا تزوج أختين في عقدة واحدة لان المحرم هناك هو الجمع بين الاختين و الجمع حصل بهما فبطل نكاحهما و ههنا المحرم هو إدخال الامة على الحرة لا الجمع ألا ترى أنه لو كان نكاح الامة متقدما على نكاح الحرة جاز نكاح الحرة و ان وجد الجمع فكذلك إذا اقترن الامران و الله عز و جل أعلم و كذلك إذا جمع بين أجنبية و ذات محارمه جاز نكاح الاجنبية و بطل نكاح المحرم و يعتبر حالة الاجتماع بحالة الانفراد و هل ينقسم المهر عليهما في قول أبى حنيفة لا ينقسم و يكون كله للاجنبية و عندهما ينقسم المسمى على قدر مهر مثلها ( فصل )
و منها أن لا تكون منكوحة الغير لقوله تعالى و المحصنات من النساء معطوفا على قوله عز و جل حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله و المحصنات من النساء وهن ذوات الازواج و سواء كان زوجها مسلما أو كافرا الا المسبية التي هى ذات زوج سبيت وحدها لان قوله عز و جل و المحصنات من النساء عام في جميع ذوات الازواج ثم استثنى تعالى منها المملوكات بقوله تعالى الا ما ملكت أيمانكم و المراد منها المسبيات اللاتي سبين وهن ذوات الازواج ليكون المستثنى من جنس المستثنى منه فيقتضى حرمة نكاح كل ذات زوج الا التي سبيت كذا روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال في هذه الآية كل ذات زوج ابيانها زنا الا ما سبيت و المراد منه التي سبيت وحدها و أخرجت إلى دار الاسلام لان الفرقة ثبتت بتباين الدارين عندنا لا بنفس السبي على ما نذكر ان شاء الله تعالى و صارت هى في حكم الذمية و لان اجتماع رجلين على إمرأة واحدة يفسد الفراش لانه يوجب اشتباه النسب و تضييع الولد و فوات السكن و الالفة و المودة فيفوت ما وضع النكاح له ( فصل )
و منها أن لا تكون معتدة الغير لقوله تعالى و لا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله أى ما كتب عليها من التربص و لان بعض أحكام النكاح حالة العدم قائم فكان النكاح قائما من وجه و الثابت
فصل ومنها أن لا يكون بها حمل
من وجه كالثابت من كل وجه في باب الحرمات و لانه لا يجوز التصريح بالخطبة في حال قيام العدة و معلوم ان خطبتها بالنكاح دون حقيقة النكاح فما لم تجز الخطبة فلان لا يجوز العقد أولى و سواء كانت العدة عن طلاق أو عن وفاة أو دخول في نكاح فاسد أو شبهة نكاح لما ذكرنا من الدلائل و يجوز لصاحب العدة أن يتزوجها إذا لم يكن هناك مانع آخر العدة لان العدة حقه قال الله سبحانه و تعالى فما لكم عليهن من عدة تعتدونها أضاف العدة إلى الازواج فدل أنها حق الزوج و حق الانسان لا يجوز أن يمنعه من التصرف و انما يظهر أثره في حق الغير و يجوز نكاح المسبية بغير السابي إذا سبيت وحدها دون زوجها و أخرجت إلى دار الاسلام بالاجماع لانه وقعت الفرقة بينهما و لا عدة عليها لقوله عز و جل و المحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم و المراد منه المسبيات اللاتي هن ذوات الازواج فقد أحل الله تعالى المسبية للمولى السابي اذ الاستثناء من التحريم إباحة من حيث الظاهر و قد أحلها عز و جل مطلقا من شرط انقضاء العدة فدل أنه لا عدة عليها و كذلك المهاجرة و هي المرأة خرجت إلينا من دار الحرب مسلمة مراغمة لزوجها يجوز نكاحها و لا عدة عليها في قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد عليها العدة و لا يجوز نكاحها ( وجه )
قولهما ان الفرقة وقعت بتباين الدار فتقع بعد دخولها دار الاسلام و هي بعد الدخول مسلمة و فى دار الاسلام فتجب عليها العدة كسائر المسلمات و لابي حنيفة قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات إلى قوله عز و جل و لا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن أباح تعالى نكاح المهاجرة مطلقا من ذكر العدة و قوله تعالى و لا تمسكوا بعصم الكوافر نهى الله تعالى المسلمين عن الامساك و الامتناع عن نكاح المهاجرة لاجل عصمة الزوج الكافر و حرمته فالامتناع عن نكاحها للعدة و العدة في حق الزوج يكون إمساكا و تمسكا بعصمة زوجها الكافر و هذا منهى عنه و لان العدة حق من حقوق الزوج و لا يجوز أن يبقى للحربى على المسلمة الخارجة إلى دار الاسلام حق و الدليل عليه أن لا عدة على المسبية و ان كانت كافرة على الحقيقة لكنها ليست في حكم الذمية تجري عليها أحكام الاسلام و مع ذلك ينقطع عنها حق الزوج الكافر فالمهاجرة المسلمة حقيقة لان ينقطع عنها حق الزوج الكافر أولى هذا إذا هاجرت إلينا و هي حائل فاما إذا كانت حاملا ففيه اختلاف الرواية عن أبى حنيفة و سنذكرها ان شاء الله تعالى ( فصل )
و منها أن لا يكون بها حمل ثابت النسب من الغير فان كان لا يجوز نكاحها و ان لم تكن معتدة كمن تزوج أم ولد إنسان و هي حامل من مولاها لا يجوز و ان لم تكن معتدة لوجود حمل ثابت النسب و هذا لان الحمل إذا كان ثابت النسب من الغير و ماؤه محرم لزم حفظ حرمة مائه بالمنع من النكاح و على هذا يخرج ما إذا تزوج إمرأة حاملا من الزنا انه يجوز في قول أبى حنيفة و محمد و لكن لا يطؤها حتى تضع و قال أبو يوسف لا يجوز و هو قول زفر ( وجه )
قول أبى يوسف ان هذا الحمل يمنع الوطء فيمنع العقد أيضا كالحمل الثابت النسب و هذا لان المقصود من النكاح هو حمل الوطء فإذا لم يحل له وطؤها لم يكن النكاح مفيدا فلا يجوز و لهذا لم يجز إذا كان الحمل ثابت النسب كذا هذا ( و لهما )
أن المنع من نكاح الحامل حملا ثابت النسب لحرمة ماء الوطء و لا حرمة لماء الزنا بدليل أنه لا يثبت به النسب قال النبي صلى الله عليه و سلم الولد للفراش و للعاهر الحجر فإذا لم يكن له حرمة لا يمنع جواز النكاح الا أنها لا توطأ حتى تضع لما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع و روى عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يحل لرجلين يؤمنا بالله و اليوم الآخر ان يجتمعا على إمرأة في طهر واحد و حرمة الوطء بعارض طاري على المجبل لا ينافى النكاح لا بقاء و لا ابتداء كالحيض و النفاس و أما المهاجرة إذا كانت حاملا فعن أبى حنيفة روايتان روى محمد عنه أنه لا يجوز نكاحها و هو احدى روايتي أبى يوسف عنه و عن أبى يوسف
فصل ومنها أن لا تكون المرأة مشركة اذا كان الرجل مسلما
فصل ومنها أن يكون للزوجين ملة يقران عليها
رواية أخرى عن أبى حنيفة أنه يجوز نكاحها و لكنها لا توطأ حتى تضع ( وجه )
هذه الرواية ان ماء الحربي لا حرمة له فكان بمنزلة ماء الزاني و ذا لا يمنع جواز النكاح كذا هذا الا أنها لا توطأ حتى تضع لما روينا ( وجه )
الرواية الاخرى ان هذا حمل ثابت النسب لان أنساب أهل الحرب ثابتة فيمنع جواز النكاح كسائر الاحمال الثابتة النسب و الطحاوي اعتمد رواية أبى يوسف و الكرخي رواية محمد و هي المعتمد عليها لان حرمة نكاح الحامل ليست لمكان العدة لا محالة فانها قد تثبت عند عدم العدة كام الولد إذا كانت حاملا من مولاها بل لثبوت نسب الحمل كما في أم الولد و الحمل ههنا ثابت النسب فيمنع النكاح و على هذا نكاح المسبية دون الزوج إذا كانت حاملا و أخرجت إلى دار الاسلام يجب أن يكون على اختلاف الرواية و لا خلاف في أنه لا يحل وطؤها قبل الوضع و لا قبل الاستبراء بحيضة إذا كانت حاملا و الاصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال في سبايا أو طاس الا لا توطأ الحبالي حتى يضعن و لا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة ( فصل )
و منها أن يكون للزوجين ملة يقران عليها فان لم يكن بأن كان أحدهما مرتدا لا يجوز نكاحه أصلا لا بمسلم و لا بكافر مرتد و المرتد مثله لانه ترك ملة الاسلام و لا يقر على الردة بل يجبر على الاسلام اما بالقتل ان كان رجلا بالاجماع و اما بالحبس و الضرب ان كانت إمرأة عندنا إلى أن تموت أو تسلم فكانت الردة في معنى الموت لكونها سببا مفضيا اليه و الميت لا يكون محلا للنكاح و لان ملك النكاح ملك معصوم و لا عصمة مع المرتدة و لان نكاح المرتد لا يقع وسيلة إلى المقاصد المطلوبة منه لانه يجبر على الاسلام على ما بينا فلا يفيد فائدته فلا يجوز و الدليل عليه أن الردة لو اعترضت على النكاح رفعته فإذا قارنته تمنعه من الوجود من طريق الاولى كالرضاع لان المنع أسهل من الرفع ( فصل )
و منها أن لا تكون المرأة مشركة إذا كان الرجل مسلما فلا يجوز للمسلم أن ينكح المشركة لقوله تعالى و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن و يجوز أن ينكح الكتابية لقوله عز و جل و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و الفرق ان الاصل أن لا يجوز للمسلم أن ينكح الكافرة لان ازدواج الكافرة و المخالطة معها مع قيام العداوة الدينية لا يحصل السكن و المودة الذي هو قوام مقاصد النكاح الا أنه جوز نكاح الكتابية لرجاء اسلامها لانها آمنت بكتب الانبياء و الرسل في الجملة و انما نفضت الجملة بالتفصيل بناء على أنها أخبرت عن الامر على خلاف حقيقته فالظاهر أنها متى نبهت على حقيقة الامر تنبهت و تأتي بالايمان على التفصيل على حسب ما كانت أتت به على الجملة هذا هو الظاهر من حال التي بني أمرها على الدليل دون الهوى و الطبع و الزوج يدعوها إلى الاسلام و ينبهها على حقيقة الامر فكان في نكاح المسلم إياها رجاء اسلامها فجوز نكاحها لهذه العاقبة الحميدة بخلاف المشركة فانها في اختيارها الشرك ما ثبت أمرها على الحجة بل على التقليد بوجود الاباء عن ذلك من أن ينتهى ذلك الخبر ممن يجب قبول قوله و اتباعه و هو الرسول فالظاهر أنها لا تنظر في الحجة و لا تلتفت إليها عند الدعوة فيبقى ازدواج الكافر مع قيام العداوة الدينية المانعة عن السكن و الازدواج و المودة خاليا عن العاقبة الحميدة فلم يجز ا نكاحها و سواء كانت الكتابية حرة أو أمة عندنا و قال الشافعي لا يجوز نكاح الامة الكتابية و يحل وطؤها بملك اليمين و احتج بقوله تعالى و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن و الكتابية مشركة على الحقيقة لان المشرك من يشرك بالله تعالى في الالوهية و أهل الكتاب كذلك قال الله تعالى و قالت اليهود عزير ابن الله و قالت النصارى المسيح ابن الله و قالت النصارى ان الله ثالث ثلاثة سبحانه و تعالى عما يقولون فعموم النص يقتضى حرمة نكاح جميع المشركات الا أنه خص منه الحرائر من الكتابيات بقوله تعالى و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهن الحرائر فبقيت الاماء منهن على ظاهر العموم و لان جواز نكاح الاماء في الاصل ثبت بطريق الضرورة لما ذكرنا فيما تقدم و الضرورة تندفع بنكاح الامة المؤمنة
فصل ومنها اسلام الرجل
و لنا عمومات النكاح نحو قوله عز و جل و أحل لكم ما وراء ذلكم و قوله عز و جل فانكحوهن باذن أهلهن و قوله عز و جل فانكحوا ما طاب لكم من النساء و غير ذلك من فصل بين الامة المؤمنة و الامة الكافرة الكتابية الا ما خص بدليل و أما الاية فهي في الكتابيات من المشركات لان أهل الكتاب و ان كانوا مشركين على الحقيقة لكن هذا الاسم في متعارف الناس يطلق على المشركين من أهل الكتاب قال الله تعالى ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب و لا المشركين و قال تعالى ان الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين في نار جهنم فصل بين الفرقين في الاسم على أن الكتابيات و ان دخلن تحت عموم اسم المشركات بحكم ظاهر اللفظ لكنهن خصصن عن العموم بقوله تعالى و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و أما الكتابيات إذا كن عفائف يستحقن هذا الاسم لان الاحصان في كلام العرب عبارة عن المنع و معنى المنع يحصل بالعفة و الصلاح كما يحصل بالحرية و الاسلام و النكاح لان ذلك مانع المرأة عن ارتكاب الفاحشة فيتناولهن عموم اسم المحصنات و قوله الاصل في نكاح الاماء الفساد ممنوع بل الاصل في النكاح هو الجواز حرة كانت المنكوحة أو أمة مسلمة أو كتابية لما مر أن النكاح عقد مصلحة و الاصل في المصالح إطلاق الاستيفاء و المنع عنه لمعنى في غيره على ما عرف و لا يجوز للمسلم نكاح المجوسية لان المجوس ليسوا من أهل الكتاب قال الله تبارك و تعالى و هذا كتاب أنزلنا مبارك إلى قوله أن يقولوا انما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا معناه و الله أعلم أى أنزلت عليكم لئلا تقولوا انما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا و لو كان المجوس من أهل الكتاب لكان أهل الكتاب ثلاث طوائف فيؤدى إلى الخلف في خبره عز و جل و ذلك محال على أن هذا لو كان حكاية عن قول المشركين لكان دليلا على ما قلنا لانه حكى عنهم القول و لم يعقبه و الاستمناء عليهم و التكذيب إياهم و الحكيم إذا حكى عن منكر غيره و الاصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب أنكم ليسوا ناكحى نسائهم و لا آكلي ذبائحهم ودل قوله سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب على انهم ليسوا من أهل الكتاب و لا يحل وطؤها بملك اليمين أيضا و الاصل أن لا يحل وطء كافرة بنكاح و لا بملك يمين الا الكتابية خاصة لقوله تعالى و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن و اسم النكاح يقع على العقد و الوطء جميعا فيحرمان جميعا و من كان أحد أبويه كتابيا و الآخر مجوسيا كان حكمه حكم أهل الكتاب لانه لو كان أحد أبويه مسلما يعطى له حكم الاسلام لان الاسلام يعلو و لا يعلى فكذا إذا كان كتابيا يعطى له حكم أهل الكتاب و لان الكتابي له بعض أحكام أهل الاسلام و هو المناكحة و جواز الذبيحة و الاسلام يعلو بنفسه و بأحكامه و لان رجاءه الاسلام من الكتابي أكثر فكان أولى بالاستتباع و أما الصابئات فقد قال أبو حنيفة انه يجوز للمسلم نكاحهن و قال أبو يوسف و محمد لا يجوز و قيل ليس هذا باختلاف في الحقيقة و انما الاختلاف لاشتباه مذهبهم فعند أبى حنيفة هم قوم يؤمنون بكتاب فانهم يقرؤن الزبور و لا يعبدون الكواكب و لكن يعظمونها كتعظيم المسلمين الكعبة في الاستقبال إليها الا انهم يخالفون غيرهم من أهل الكتاب في بعض دياناتهم و ذا لا يمنع المناكحة كاليهود مع النصارى و عند أبى يوسف و محمد انهم قوم يعبدون الكواكب و عابد الكواكب كعابد الوثن فلا يجوز للمسلمين مناكحاتهم ( فصل )
و منها اسلام الرجل إذا كانت المرأة مسلمة فلا يجوز إنكاح المؤمنة الكافر لقوله تعالى و لا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا و لان في إنكاح المؤمنة الكافر خوف وقوع المؤمنة في الكفر لان الزوج يدعوها إلى دينه و النساء في العادات يتبعن الرجال فيما يؤثروا من الافعال و يقلدونهم في الدين اليه وقعت الاشارة في آخر الآية بقوله عز و جل أولئك يدعون إلى النار لانهم يدعون المؤمنات إلى الكفر و الدعاء إلى الكفر دعاء إلى النار لان الكفر يوجب النار فكان نكاح الكافر المسلمة سببا داعيا إلى الحرام فكان حراما و النص و ان ورد
فصل ومنها التأييد
ومنها أن لا يكون أحد الزوجين ملك صاحبه
في المشركين لكن العلة و هي الدعاء إلى النار يعم الكفرة أجمع فيتعمم الحكم بعموم العلة فلا يجوز إنكاح المسلمة الكتابي كما لا يجوز إنكاحها الوثني و المجوسي لان الشرع قطع ولاية الكافرين عن المؤمنين بقوله تعالى و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا فلو جاز إنكاح الكافر المؤمنة لثبت له عليها سبيل و هذا لا يجوز و أما أنكحة الكفار المرتدين بعضهم لبعض فجائز في الجملة عند عامة العلماء و قال مالك أنكحتهم فاسدة لان للنكاح في الاسلام شرائط لا يراعونها فلا يحكم بصحة أنكحتهم و هذا سديد لقوله عز و جل و إمرأته حمالة الحطب سماها الله تعالى إمرأته و لو كانت أنكحتهم فاسدة لم تكن إمرأته حقيقة و لان النكاح سنة آدم عليه الصلاة و السلام فهم على شريعته في ذلك و قال النبي صلى الله عليه و سلم ولدت من نكاح و لم أولد من سفاح و ان كان أبواه كافرين و لان القول بفساد أنكحتهم يؤدى إلى أمر قبيح و هو الطعن في نسب كثير من الانبياء عليهم الصلاة و السلام لان كثيرا منهم ولدوا من أبوين كافرين و المذاهب تمتحن بعبادها فلما أفضي إلى قبيح عرف فسادها و يجوز نكاح أهل الذمة بعضهم لبعض و ان اختلفت شرائعهم لان الكفر كله كاملة واحدة اذ هو تكذيب الرب سبحانه و تعالى عما يقولون علوا كبير فيما أنزل على رسله صلوات الله و سلامه عليهم و قال الله عز و جل لكم دينكم ولي دين و اختلافهم في شرائعهم بمنزلة اختلاف كل فريق منهم فيما بينهم في بعض شرائعهم و ذا لا يمنع جواز نكاح بعضهم لبعض كذا هذا ( فصل )
و منها أن لا يكون أحد الزوجين ملك صاحبه و لا ينتقص منه ملكه فلا يجوز للرجل أن يتزوج بجاريته و لا بجارية مشتركة بينه و بين غيره و كذلك لا يجوز للمرأة أن تتزوج عبدها و لا العبد المشترك بينها و بين غيرها لقوله تعالى و الذين هم لفرجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم الا آية ثم أباح الله عز و جل الوطء الا بأحد أمرين لان كلمة تتناول أحد المذكورين فلا تجوز الاستباحة بهما جميعا و لان للنكاح حقوقا تثبت على الشركة بين الزوجين منها مطالبة المرأة الزوج بالوطء و مطالبة الزوج الزوجة بالتمكين و قيام ملك الرقبة يمنع من الشركة و إذا لم تثبت الشركة في ثمرات النكاح لا يفيد النكاح فلا يجوز و لان الحقوق الثابتة بالنكاح لا يجوز ان تثبت على المولى لامته و لا على الحرة لعبدها لان ملك الرقبة يقتضى أن تكون الولاية للمالك و كون المملوك يولى عليه و ملك النكاح يقتضى ثبوت الولاية للمملوك على المالك فيؤدى إلى أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد واليا و موليا عليه في شيء واحد و هذا محال و لان النكاح لا يجوز من مهر عندنا و لا يجب للمولى على عبده دين و لا للعبد على مولاه و كذا لا يجوز أن يتزوج مدبرته و مكاتبته لان كل واحد منهما ملكه فكذا إذا اعترض ملك اليمين على نكاح يبطل النكاح بأن ملك أحد الزوجين صاحبه أو شقصا منه لما نذكر ان شاء الله تعالى في موضعه ( فصل )
و منها التأبيد فلا يجوز النكاح المؤقت و هو نكاح المتعة و انه نوعان أحدهما أن يكون بلفظ التمتع و الثاني أن يكون بلفظ النكاح و التزويج و ما يقوم مقامهما أما الاول فهو أن يقول أعطيك كذا على أن أتمتع منك يوما أو شهرا أو سنة و نحو ذلك و انه باطل عند عامة العلماء و قال بعض الناس هو جائز و احتجوا بظاهر قوله تعالى فما استمعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة و الاستدلال بها من ثلاثة أوجه أحدها انه ذكر الاستمتاع و لم يذكر النكاح و الاستمتاع و التمتع واحد و الثاني انه تعالى أمر بإيتاء الاجر و حقيقة الاجارة و المتعة عقد الاجارة على منفعة البضع و الثالث انه تعالى أمر بإيتاء الاجر بعد الاستمتاع و ذلك يكون في عقد الاجارة و المتعة فأما المهر فانما يجب في النكاح بنفس العقد و يؤخذ الزوج بالمهر أولا ثم يمكن من الاستمتاع فدلت الآية الكريمة على جواز عقد المتعة و لنا الكتاب و السنة و الاجماع و المعقول أما الكتاب الكريم فقوله عز و جل و الذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم حرم تعالى الجماع الا بأحد شيئين و المتعة
ليست بنكاح و لا بملك يمين فيبقى التحريم و الدليل على انها ليست بنكاح انها ترتفع من طلاق و لا فرقة و لا يجرى التوارث بينهما فدل انها ليست بنكاح فلم تكن هى زوجة له و قوله تعالى في آخر الآية فمن ابتغي وراء ذلك فاولئك هم العادون سمى مبتغي ما وراء ذلك عاديا فدل على حرمة الوطء بدون هذين الشيئين و قوله عز وجل و لا تكرهوا فتياتكم على البغاء و كان ذلك منهم اجازة الاماء نهى الله عز و جل عن ذلك و سماه بغاء فدل على الحرمة و أما السنة فما روى عن على رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر و عن أكل لحوم الحمر الانسية و عن سمرة الجهنى رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن متعة النساء يوم فتح مكة و عن عبد الله بن عمر انه قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم خيبر عن متعة النساء و عن لحوم الحمر الاهلية و روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان قائما بين الركن و المقام و هو يقول انى كنت أذنت لكم في المتعة فمن كان عنده شيء فليفارقه و لا تأخذوا مما آتيتموهن شيأ فان الله قد حرمها إلى يوم القيامة و أما الاجماع فان الامة بأسرهم امتنعوا عن العمل بالمتعة مع ظهور الحاجة لهم إلى ذلك و أما المعقول فهو أن النكاح ما شرع لاقتضاء الشهوة بل لاغراض و مقاصد يتوسل به إليها و اقتضاء الشهوة بالمتعة لا يقع وسيلة إلى المقاصد فلا يشرع و أما الآية الكريمة فمعني قوله فما استمتعتم به منهن أى في النكاح لان المذكور في أول الآية و آخرها هو النكاح فان الله تعالى ذكر أجناسا من المحرمات في أول الآية في النكاح و أباح ما وراءها بالنكاح بقوله عز و جل و أحل لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا بأموالكم أى بالنكاح و قوله تعالى محصنين مسافحين أى متناكحين زانين و قال تعالى في سياق الآية الكريمة و من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات ذكر النكاح لا الاجارة و المتعة فيصرف قوله تعالى فما استمتعتم به إلى الاستمتاع بالنكاح و أما قوله سمى الواجب أجرا فنعم المهر في النكاح يسمى أجرا قال الله عز و جل فانكحوهن باذن أهلهن و آتوهن أجورهن أى مهورهن و قال سبحانه و تعالى يا أيها النبي انا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن و قوله أمر تعالى بإيتاء الاجر بعد الاستمتاع بهن و المهر يجب بنفس النكاح و يؤخذ قبل الاستمتاع قلنا قد قيل في الآية الكريمة تقديم و تأخير كانه تعالى قال فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم به منهن أى إذا أردتم الاستمتاع بهن كقوله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن أى إذا أردتم تطليق النساء على أنه ان كان المراد من الآية الاجارة و المتعة فقد صارت منسوخة بما تلونا من الآيات و روينا من الاحاديث و عن ابن عباس رضى الله عنهما أن قوله فما استمتعتم به منهن نسخة قوله عز و جل يا أيها النبي إذا طلقتم النساء و عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال المتعة بالنساء منسوخة نسختها آية الطلاق و الصداق و العدة و المواريث و الحقوق التي يجب فيها النكاح أى النكاح هو الذي تثبت به هذه الاشياء و لا يثبت شيء منها بالمتعة و الله أعلم و أما الثاني فهو أن يقول أتزوجك عشرة أيام و نحو ذلك و انه فاسد عند أصحابنا الثلاثة و قال زفر النكاح جائز و هو مؤبد و الشرط باطل و روى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة أنه قال إذا ذكرا من المدة مقدار ما يعيشان إلى تلك المدة فالنكاح باطل و ان ذكرا من المدة مقدار ما لا يعيشان إلى تلك المدة في الغالب يجوز النكاح كانهما ذكرا الابد ( وجه )
قوله انه ذكر النكاح و شرط فيه شرطا فاسدا و النكاح لا تبطله الشروط الفاسدة فبطل الشرط و بقى النكاح صحيحا كما إذا قال تزوجتك إلى أن أطلقك إلى عشرة أيام ( و لنا )
أنه لو جاز هذا العقد لكان لا يخلو اما ان يجوز مؤقتا بالمدة المذكورة و اما ان يجوز مؤبدا لا سبيل إلى الاول لان هذا معنى المتعة الا أنه عبر عنها بلفظ النكاح و التزوج و المعتبر في العقود معانيها لا الالفاظ كالكفالة بشرط براءة الاصيل انها حوالة معنى لوجود الحوالة و ان لم يوجد لفظها و المتعة منسوخة و لا وجه للثاني لان فيه استحقاق البضع عليها من رضاها و هذا لا يجوز و أما قوله أتى بالنكاح ثم أدخل عليه شرطا فاسدا
فصل ومنها المهر
فممنوع بل أتى بنكاح مؤقت و النكاح المؤقت نكاح متعة و المتعة منسوخة و صار هذا كالنكاح المضاف أنه لا يصح و لا يقال يصح النكاح و تبطل الاضافة لان المأتي به نكاح مضاف و أنه لا يصح كذا هذا بخلاف ما إذا قال تزوجتك على أن أطلقك إلى عشرة أيام لان هناك أبد النكاح ثم شرط قطع التأبيد بذكر الطلاق في النكاح المؤبد لانه على ان ان كلمة شرط و النكاح المؤبد لا تبطله الشروط و الله عز و جل أعلم ( فصل )
و منها المهر فلا جواز للنكاح بدون المهر عندنا و الكلام في هذا الشرط في مواضع في بيان أن المهر هل هو شرط جواز النكاح أم لا و فى بيان أدنى المقدار الذي يصلح مهر أو في بيان ما يصح تسميته مهرا و ما لا يصح و بيان حكم صحة التسمية و فسادها و فى بيان ما يجب به المهر و بيان وقت وجوبه و كيفية وجوبه و ما يتعلق بذلك من الاحكام و فى بيان ما يتأكد به كل المهر و فى بيان ما يسقط به الكل و فى بيان ما يسقط به النصف و فى بيان حكم اختلاف الزوجين في المهر أما الاول فقد اختلف فيه قال أصحابنا ان المهر شرط جواز نكاح المسلم و قال الشافعي ليس بشرط و يجوز النكاح بدون المهر حتى ان من تزوج إمرأة و لم يسم لها مهرا بأن سكت عن ذكر المهر أو تزوجها على أن لا مهر لها و رضيت المرأة بذلك يجب مهر المثل بنفس العقد عندنا حتى يثبت لها ولاية المطالبة بالتسليم و لو ماتت المرأة قبل الدخول يؤخذ مهر المثل من الزوج و لو مات الزوج قبل الدخول تستحق مهر المثل من تركته و عنده لا يجب مهر المثل بنفس العقد و انما يجب بالفرض على الزوج أو بالدخول حتى لو دخل بها قبل الفرض يجب مهر المثل و لو طلقها قبل الدخول بها و قبل الفرض لا يجب مهر المثل بلا خلاف و انما تجب المتعة و لو مات الزوجان لا يقضى بشيء في قول أبى حنيفة و فى قول أبى يوسف و محمد يقضى لورثتها بمهر مثلها و يستوفى من تركة الزوج و لا خلاف في أن النكاح يصح من ذكر المهر و مع نفيه لقوله تعالى لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة رفع سبحانه الجناح عمن طلق في نكاح لا تسمية فيه و الطلاق لا يكون الا بعد النكاح فدل على جواز النكاح بلا تسمية و قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن و المراد منه الطلاق في نكاح لا تسمية فيه بدليل أنه أوجب المتعة بقوله فمتعوهن و المتعة انما تجب في نكاح لا تسمية فيه فدل على جواز النكاح من تسمية و لانه متى قام الدليل على أنه لا جواز للنكاح بدون المهر كان ذكره ذكرا للمهر ضرورة احتج الشافعي بقوله تعالى و آتوا النساء صدقاتهن نحلة سمى الصداق نحلة و النحلة هى العطية و العطية هى الصلة فدل أن المهر صلة زائدة في باب النكاح فلا يجب بنفس العقد و لان النكاح عقد ازدواج لان اللفظ لا ينبئ الا عنه فيقتضى ثبوت الزوجية بينهما وحل الاستمتاع لكل واحد منهما بصاحبه تحقيقا لمقاصد النكاح الا أنه ثبت عليها نوع ملك في منافع البضع ضرورة تحقق المقاصد و لا ضرورة في إثبات ملك المهر لها عليه فكان المهر عهدة زائدة في حق الزوج صلة لها فلا يصير عوضا الا بالتسمية و الدليل على جواز النكاح من مهر ان المولى إذا زوج أمته من عبده يصح النكاح و لا يجب المهر لانه لو وجب عليه لوجب للمولى و لا يجب للمولى على عبده دين و كذا الذمي إذا تزوج ذمية بغير مهر جاز النكاح و لا يجب المهر و كذا إذا مأتا في هذه المسألة قبل الفرض لا يجب شيء عند أبى حنيفة ( و لنا )
قوله تعالى و أحل لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا بأموالكم أخبر سبحانه و تعالى انه أحل ما وراء ذلك بشرط الابتغاء بالمال دل انه لا جواز للنكاح بدون المال فان قيل الاحلال بشرط ابتغاء المال لا ينفى الاحلال بدون هذا الشرط خصوصا على أصلكم ان تعليق الحكم بشرط لا ينفى وجوده عند عدم الشرط فالجواب أن الاصل في الابضاع و النفوس هو الحرمة و الاباحة تثبت بهذا الشرط فعند عدم الشرط تبقي الحرمة على الاصل لا حكما للتعليق بالشرط فلم يتناقض أصلنا بحمد الله تعالى و روى عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن رجلا كان يختلف اليه شهرا يسأله عن
فصل وأما بيان أدنى المقدار
إمرأة مات عنها زوجها و لم يكن فرض لها شيأ و كان يتردد في الجواب فلما تم الشهر قال للسائل لم أجد ذلك في كتاب الله و لا فيما سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم و لكن اجتهد برأيي فان أصبت فمن الله و ان أخطأت فمن أم عبد و فى رواية فان كان صوابا فمن الله و ان كان خطأ فمنى و من الشيطان و الله و رسوله منه بريئان أرى لها مثل نسائها لا وكس و لا شطط فقام رجل يقال له معقل بن سنان و قال انى أشهد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى في بروع بنت و أشق الاشجعية مثل قضائك هذا ثم قام أناس من أشجع و قالوا انا نشهد بمثل شهادته ففرح عبد الله رضى الله عنه فرحا لم يفرح مثله في الاسلام لموافقة قضائه قضأ رسول الله صلى الله عليه و سلم و لان ملك النكاح لم يشرع لعينه بل لمقاصد لا حصول لها الا بالدوام على النكاح و القرار عليه و لا يدوم الا بوجوب المهر بنفس العقد لما يجرى بين الزوجين من الاسباب التي تحمل الزوج على الطلاق من الوحشة و الخشونة فلو لم يجب المهر بنفس العقد لا يبالى الزوج عن ازالة هذا الملك بأدنى خشونة تحدث بينهما لانه لا يشق عليه ازالته لما لم يخف لزوم المهر فلا تحصل المقاصد المطلوبة من النكاح و لان مصالح النكاح و مقاصده لا تحصل الا بالموافقة و لا تحصل الموافقة الا إذا كانت المرأة عزيزة مكرمة عند الزوج و لا عزة الا بانسداد طريق الوصول إليها الا بمال له خطر عنده لان ما ضاق طريق اصابته يعز في الاعين فيعز به إمساكه و ما يتيسر طريق اصابته يهون في الاعين فيهون إمساكه و متى هانت في أعين الزوج تلحقها الوحشة فلا تقع الموافقة فلا تحصل مقاصد النكاح و لان الملك ثابت في جانبها اما في نفسها و اما في المتعة و أحكام الملك في الحرة تشعر بالذل و الهوان فلا بد و ان يقابله مال له خطر لينجبر الذل من حيث المعنى و الدليل على صحة ما قلنا و فساد ما قال انها إذا طلبت الفرض من الزوج يجب عليه الفرض حتى لو امتنع فالقاضي يجبره على ذلك و لو لم يفعل ناب القاضي منابه في الفرض و هذا دليل الوجوب قبل الفرض لان الفرض تقدير و من المحال وجوب تقدير ما ليس بواجب و كذا لها ان تحبس نفسها حتى يفرض لها المهر و يسلم إليها بعد الفرض و ذلك كله دليل الوجوب بنفس العقد و أما الآية فالنحلة كما تذكر بمعنى العطية تذكر بمعنى الدين يقال ما نحلتك أى ما دينك فكان معنى قوله تعالى و آتوا النساء صدقاتهن نحلة أى دينا أى انتحلوا ذلك و على هذا كانت الآية حجة عليه لانها تقتضي أن يكون وجوب المهر في النكاح دينا فيقع الاحتمال في المراد بالآية فلا تكون حجة مع الاحتمال و أما قوله النكاح ينبئ عن الازدواج فقط فنعم لكنه شرع لمصالح لا تصلح الا بالمهر فيجب المهر ألا ترى أنه لا ينبئ عن الملك أيضا لكن لما كان مصالح النكاح لا تحصل بدونه ثبت تحصيلا للمصالح كذا المهر و أما المولى إذا زوج أمته من عبده فقد قيل ان المهر يجب ثم يسقط و فائدة الوجوب هو جواز النكاح و أما الذمي إذا تزوج ذمية من مهر فعلى قولهما يجب المهر و أما على قول أبى حنيفة فيجب أيضا الا انا لا نتعرض لهم لانهم يدينون ذلك و قد أمرنا بتركهم و ما يدينون حتى انهما لو ترافعا إلى القاضي فرض القاضي لها المهر و كذا إذا مات الزوجان يقضى بمهر المثل لورثة المرأة عندهما و عند أبى حنيفة انما لا يقضى لوجود الاستيفاء دلالة لان موتهما معا في زمان واحد نادر و انما الغالب موتهما على التعاقب فإذا لم تجز المطالبة بالمهر دل ذلك على الاستيفاء أو على استيفاء البعض و الابراء عن البعض مع ما أنه قد قيل ان قول أبى حنيفة محمول على ما إذا تقادم العهد حتى لم يبق من نسائها من يعتبر به مهر مثلها كذا ذكره أبو الحسن الكرخي و أبو بكر الرازي و عند ذلك يتعذر القضاء بمهر المثل و إلى هذا أشار محمد لابى حنيفة أ رأيت لو أن ورثة على ادعوا على ورثة عمر مهر أم كلثوم رضى الله عنهم أ كنت أقضي به و هذا المعنى لم يوجد في موت أحدهما فيجب مهر المثل ( فصل )
و أما بيان أدنى المقدار الذي يصلح مهرا فأدناه عشرة دراهم أو ما قيمته عشرة دراهم و هذا
عندنا و عند الشافعي المهر مقدر يستوى فيه القليل و الكثير و تصلح الدانق و الحبة مهرا و احتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من أعطى في نكاح ملء كفيه طعاما أو دقيقا أو سويقا فقد استحل و روى عن أنس رضى الله عنه أنه قال تزوج عبد الرحمن بن عوف إمرأة على وزن نواة من ذهب و كان ذلك بمحضر من الصحابة رضى الله عنهم فدل أن التقدير في المهر ليس بلازم و لان المهر ثبت حقا للعبد و هو حق المرأة بدليل أنها تملك التصرف فيه استيفاء و إسقاطا فكان التقدير فيه إلى العاقدين ( و لنا )
قوله تعالى و أحل لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا بأموالكم شرط سبحانه و تعالى أن يكون المهر ما لا و الحبة و الدانق و نحوهما لا يعدان ما لا فلا يصلح مهرا و روى عن جابر رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا مهر دون عشرة دراهم و عن عمر و على و عبد الله بن عمر رضى الله عنهم انهم قالوا لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم و الظاهر أنهم قالوا ذلك توقيفا لانه باب لا يوصل اليه بالاجتهاد و القياس و لانه لما وقع الاختلاف في المقدار يجب الاخذ بالمتيقن و هو العشرة و أما الحديث ففيه إثبات الاستحلال إذا ذكر فيه مال قليل لا تبلغ قيمته عشرة و عندنا الاستحلال صحيح ثابت لان النكاح صحيح ثابت ألا ترى أنه يصح من تسمية شيء أصلا فعند تسمية مال قليل أولى الا أن المسمى إذا كان دون العشرة تكمل عشرة و ليس في الحديث نفى الزيادة على القدر و عندنا قام دليل الزيادة إلى العشرة لما نذكر فيكمل عشرة و لا حجة له فيما روى من الاثر لان فيه وزن نواة من ذهب و قد تكون مثل وزن دينار بل تكون أكثر في العادة فان قيل روى ان قيمة النواة كانت ثلاثة دراهم فالجواب أن المقوم معلوم انه من كان فلا يصلح أن يجعل قول ذلك حجة على الغير حتى يعلم أنه من هو مع ما أنه قد قال قوم ان النواة كان بلغ وزنها قيمة عشرة دراهم و به قال إبراهيم النخعي على أن القدر المذكور في الخبر و الاثر كان يحتمل أن يكون معجلا في المهر لا أصل المهر على ما جرت العادة بتعجيل شيء من المهر قبل الدخول و يحتمل أن يكون ذلك كله في حال جواز النكاح بغير مهر على ما قيل ان النكاح كان جائزا بغير مهر إلى أن نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الشغار و أما قوله ان المهر حق العبد فكان التقدير فيه إلى العبد فنقول نعم هو في حالة البقاء حقها على الخلوص فاما في حالة الثبوت فحق الشرع متعلق به ابانة لخطر البضع صيانة له عن شبهة الابتذال بإيجاب مال له خطر في الشرع كما في نصاب السرقة فان كان المسمى أقل من عشرة يكمل عشرة عند أصحابنا الثلاثة و قال زفر لها مهر المثل ( وجه )
قوله ان ما دون العشرة لا يصلح مهرا ففسدت التسمية كما لو سمى خمرا أو خنزيرا فيجب مهر المثل ( و لنا )
أنه لما كان أدنى المقدار الذي يصلح مهرا في الشرع هو العشرة كان ذكر بعض العشرة ذكرا للكل لان العشرة في كونها مهرا لا يتجزأ و ذكر البعض فيما لا يتبعض يكون ذكرا لكله كما في الطلاق و العفو عن القصاص و أما قوله ان ما دون العشرة لا يصلح مهرا فتفسد التسمية فنقول التسمية انما تفسد إذا لم يكن المسمى ما لا أو كان مجهولا و ههنا المسمى مال و ان قل فهو معلوم الا أنه لا يصلح مهرا بنفسه الا بغيره فكان ذكره ذكرا لما هو الادنى من المصلح بنفسه و فيه تصحيح تصرفه بالقدر الممكن فكان أولى من الحاقه بالعدم و فيه أخذ باليقين أيضا فكان أحق بخلاف ما إذا ذكر خمرا أو خنزيرا لان المسمى ليس بمال فلم يصلح مهرا بنفسه و لا بغيره ففسدت التسمية فوجب الموجب الاصلى و هو مهر المثل و لو تزوجها على ثوب معين أو على موصوف أو على مكيل أو موزون معين فذلك مهرها إذا بلغت قيمته عشرة و تعتبر قيمته يوم العقد لا يوم التسليم حتى لو كانت قيمته يوم العقد عشرة فلم يسلمه إليها حتى صارت قيمته ثمانية فليس لها الا ذلك و لو كانت قيمته يوم العقد ثمانية فلم يسلمه إليها حتى صارت قيمته عشرة فلها ذلك و درهمان و ذكر الحسين عن أبى حنيفة أنه فرق بين الثوب و بين المكيل و الموزون فقال في الثوب تعتبر قيمته يوم التسليم و فى المكيل و الموزون يوم العقد و هذا الفرق لا يعقل له وجه في المعين لان الزوج يجبر على تسليم
فصل وأما بيان ما يصح تسميته مهرا
المعين فيهما جميعا و وجه الفرق بينهما في الموصوف أن المكيل و الموزون إذا كان موصوفا في الذمة فالزوج مجبور على دفعه و لا يجوز دفع غيره من رضاها فكان مستقرا مهرا بنفسه في ذمته فتعتبر قيمته يوم الاستقرار و هو يوم العقد فاما الثوب و ان وصف فلم يتقرر مهرا في الذمة بنفسه بل الزوج مخير في تسليمه و تسليم قيمته في احدى الروايتين على ما نذكر ان شاء الله تعالى و انما يتقرر مهرا بالتسليم فتعتبر قيمته يوم التسليم ( وجه )
ظاهر الرواية ان ما جعل مهرا لم يتغير في نفسه و انما التغير في رغبات الناس بحدوث فتور فيها و لهذا لو غصب شيأ قيمته عشرة فيعتبر سعره و صار يساوى خمسة فرده على المالك لا يضمن شيأ و لانه لما سمى ما هو أدنى مالية من العشرة كان ذلك تسمية للعشرة لان ذكر البعض فيما لا يتجزأ ذكر لكله فصار كانه سمى ذلك درهمين ثم ازدادت قيمته و الله عز و جل أعلم ( فصل )
و أما بيان ما يصح تسميته مهرا و ما لا يصح و بيانه حكم صحة التسمية و فسادها فنقول لصحة التسمية شرائط منها أن يكون المسمى ما لا متقوما و هذا عندنا و عند الشافعي هذا ليس بشرط و يصح التسمية سواء كان المسمى ما لا أو لم يكن بعد أن يكون مما يجوز أخذ العوض عنه و احتج بما روى أن إمرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قالت يا رسول الله انى وهبت نفسى لك فقال عليه الصلاة و السلام ما بي في النساء من حاجة فقام رجل و قال زوجنيها يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما عندك فقال ما عندي شيء أعطيها فقال أعطها و لو خاتما من حديد فقال ما عندي فقال هل معك شيء من القرآن قال نعم سورة كذا فقال زوجتكها بما معك من القرآن و معلوم أن المسمى و هو السورة من القرآن لا يوصف بالمالية فدل أن كون التسمية ما لا ليس بشرط لصحة التسمية و لنا قوله تعالى و أحل لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا بأموالكم شرط أن يكون المهر ما لا فما لا يكون ما لا لا يكون مهرا فلا تصح تسميته و قوله تعالى فنصف ما فرضتم أمر بتنصيف المفروض في الطلاق قبل الدخول فيقتضى كون المفروض محتملا للتنصيف و هو المال و أما الحديث فهو في حد الآحاد و لا يترك نص الكتاب بخبر الواحد مع ما ان ظاهره متروك لان السورة من القرآن لا تكون مهرا بالاجماع و ليس فيه ذكر تعليم القرآن و لا ما يدل عليه ثم تأويلها زوجتكها بسبب ما معك من القرآن و بحرمته و بركته لا انه كان ذلك النكاح بغير تسمية مال و على هذا الاصل مسائل إذا تزوج على تعليم القرآن أو على تعليم الحلال و الحرام من الاحكام أو على الحج و العمرة و نحوها من الطاعات لا تصح التسمية عندنا لان المسمى ليس بمال فلا يصبر شيء من ذلك مهرا ثم الاصل في التسمية انها إذا صحت و تقررت يجب المسمى ثم ينظران كان المسمى عشرة فصاعدا فليس لها الا ذلك و ان كان دون العشرة تكمل العشرة عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر و المسألة قد مرت و إذا فسدت التسمية أو تزلزلت يجب مهر المثل لان العوض الاصلى في هذا الباب هو مهر المثل لانه قيمة البضع و انما يعدل عنه إلى المسمى إذا صحت التسمية و كانت التسمية تقديرا لتلك القيمة فإذا لم تصح التسمية أو تزلزلت لم يصح التقدير فإذا لم يصح التقدير فوجب المصير إلى الفرض الاصلى و لهذا كان المبيع بيعا فاسدا مضمونا بالقيمة في ذوات القيم لا بالثمن كذا هذا و النكاح جائز لان جوازه لا يقف على التسمية أصلا فانه جائز عند عدم التسمية رأسا فعدم التسمية إذا لم يمنع جواز النكاح ففسادها أولى أن لا يمنع و لان التسمية إذا فسدت التحقت بالعدم فصار كانه تزوجها و لم يسم شيأ و هناك النكاح صحيح كذا هذا و لان تسمية ما ليس بمال بشرط فاسد و النكاح لا تبطله الشروط الفاسدة بخلاف البيع و الفرق أن الفساد في باب البيع لمكان الربا و الربا لا يتحقق في النكاح فيبطل الشرط و يبقى النكاح صحيحا و عنده تصح التسمية و يصير المذكور مهرا لانه يجوز أخذ العوض عنه بالاستئجار عليه عنده فتصح تسميته مهرا و كذلك إذا تزوج إمرأة على طلاق إمرأة أخرى أو على العفو عن القصاص عندنا لان الطلاق ليس بمال
و كذا القصاص و عنده تصح التسمية لانه يجوز أخذ العوض عن الطلاق و القصاص و كذلك إذا تزوجها على أن لا يخرجها من بلدها أو على أن لا يتزوج عليها فان المذكور ليس بمال و كذا لو تزوج المسلم المسلمة على ميتة أو دم أو خمر أو خنزير لم تصح التسمية لان الميتة و الدم ليسا بمال في حق أحد و الخمر و الخنزير ليسا بمال متقوم في حق المسلم فلا تصح تسمية شيء من ذلك مهرا و على هذا يخرج نكاح الشغار و هو أن يزوج الرجل أخته لآخر على أن يزوجه الآخر أخته أو يزوجه ابنته أو يزوجه أمته و هذه التسمية فاسدة لان كل واحد منهما جعل بضع كل واحدة منهما مهر الاخرى و البضع ليس بمال ففسدت التسمية و لكل واحدة منهما مهر المثل لما قلنا و النكاح صحيح عندنا و عند الشافعي فاسد و احتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه نهى عن نكاح الشغار و النهى يوجب فساد المنهي عنه و لان كل واحد منهما جعل بضع كل واحدة من المرأتين نكاحا و صداقا و هذا لا يصح و لنا أن هذا النكاح مؤبد أدخل فيه شرطا فاسدا حيث شرط فيه أن يكون بضع كل واحدة منهما مهر الاخرى و البضع لا يصلح مهرا و النكاح لا تبطله الشروط الفاسدة كما إذا تزوجها على أن يطلقها و على أن ينقلها من منزلها و نحو ذلك و به تبين أنه لم يجتمع النكاح و الصداق في بضع واحد لان جعل البضع صداقا لم يصح فأما النهى عن نكاح الشغار فنكاح الشغار هو النكاح الخالي عن العوض مأخوذ من قولهم شغر البلد إذا خلا عن السلطان و شغر الكلب إذا رفع احدى رجليه و عندنا هو نكاح بعوض و هو مهر المثل فلا يكون شغارا على أن النهى ليس عن عين النكاح لانه تصرف مشروع مشتمل على مصالح الدين و الدنيا فلا يحتمل النهى عن اخلاء النكاح عن تسمية المهر و الدليل عليه ما روى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما انه قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تنكح المرأة بالمرأة ليس لواحدة منهما مهر و هو اشارة إلى أن النهى لمكان تسمية المهر لا لعين النكاح فبقى النكاح صحيحا و لو تزوج حرا مرأة على أن يخدمها سنة فالتسمية فاسدة و لها مهر مثلها في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد التسمية صحيحة و لها قيمة خدمة سنة و عند الشافعي التسمية صحيحة و لها خدمة سنة و ذكر ابن سماعة في نوادره انه إذا تزوجها على أن يرعى غنمها سنة أن التسمية صحيحة و لها رعى غنمها سنة و لفظ رواية الاصل يدل على انها لا تصح في رعى الغنم كما لا تصح في الخدمة لان رعى غنمها خدمتها من مشايخنا من جعل في رعى غنمها روايتين و منهم من قال يصح في رعى الغنم بالاجماع و انما الخلاف في خدمته لها و لا خلاف في أن العبد إذا تزوج باذن المولى إمرأة على أن يخدمها سنة أن تصح التسمية و لها المسمى أما الشافعي فقد مر على أصله أن كل ما يجوز أخذ العوض عنه يصح تسميته مهرا و منافع الحر يجوز أخذ العوض عنها لان اجارة الحر جائزة بلا خلاف فتصح تسميتها كما تصح تسمية منافع العبد و أما الكلام مع أصحابنا فوجه قول محمد أن منافع الحر مال لانها مال في سائر العقود حتى يجوز أخذ العوض عنها فكذا في النكاح و إذا كانت ما لا صحت التسمية الا انه تعذر التسليم لما في التسليم من استخدام الحرة زوجها و انه حرام لما نذكر فيجب الرجوع إلى قيمة الخدمة كما لو تزوجها على عبد فاستحق العبد انه يجب عليه قيمة العبد لان تسمية العبد قد صحت لكونه ما لا لكن تعذر تسليمه بالاستحقاق فوجبت عليه قيمته لا مهر المثل لما قلنا كذا هذا وجه قولهما أن المنافع ليست بأموال متقومة على أصل أصحابنا و لهذا لم تكن مضمونة بالغصب و الاتلاف و انما يثبت لها حكم التقوم في سائر العقود شرعا ضرورة دفعا للحاجة بها و لا يمكن دفع الحاجة بها ههنا لان الحاجة لا تندفع الا بالتسليم و انه ممنوع عنه شرعا لان استخدام الحرة زوجها الحر حرام لكونه استهانة و اذلالا و هذا لا يجوز و لهذا لا يجوز للابن أن يستأجر أباه للخدمة فلا تسلم خدمته لها شرعا فلا يمكن دفع الحاجة بها فلم يثبت لها التقوم فبقيت على الاصل فصار كما لو سمى ما لا قيمة له كالخمر و الخنزير و هناك لا تصح التسمية و يجب مهر المثل كذا ههنا حتى لو كان المسمى فعلا لا استهانة فيه
و لا مذلة على الرجل كرعى دوابها و زراعة أرضها و الاعمال التي خارج البيت تصح بالتسمية لان ذلك من باب القيام بأمرها لا من باب الخدمة بخلاف العبد لان استخدام زوجته إياه ليس بحرام لانه عرضة للاستخدام و الابتذال لكونه مملوكا ملحقا بالبهائم و لان مبنى النكاح على الاشتراك في القيام بمصالح المعاش فكان لها في خدمته حق فإذا جعل خدمته لها مهرها فكانه جعل ما هو لها مهرها فلم يجز كالأَب إذا استأجر ابنه بخدمته أنه لا يجوز لان خدمة الاب مستحقة عليه كذا هذا بخلاف العبد لان خدمته خالص ملك المولى فصحت التسمية و لو تزوجها على منافع سائر الاعيان من سكنى داره و خدمة عبيده و ركوب دابته و الحمل عليها و زراعة أرضه و نحو ذلك من منافع الاعيان مدة معلومة صحت التسمية لان هذه المنافع أموال أو التحقت بالاموال شرعا في سائر العقود لمكان الحاجة و الحاجة في النكاح متحققة و إمكان الدفع بالتسليم ثابت بتسليم محالها اذ ليس فيه استخدام المرأة زوجها فجعلت أموالا و التحقت بالاعيان فصحت تسميتها و على هذا يخرج ما إذا قال تزوجتك على هذا العبد فإذا هو حر و جملة الكلام فيه أن الامر لا يخلو اما ان سمى ما يصلح مهرا و أشار إلى ما لا يصلح مهرا و اما ان سمى ما لا يصلح مهرا فأشار إلى ما يصلح مهرا فان سمى ما يصلح مهرا و أشار إلى ما لا يصلح مهرا بأن قال تزوجتك على هذا العبد فإذا هو حر أو على هذه الشاة الذكية فإذا هى ميتة أو على هذا الزق الخل فإذا هو خمر فالتسمية فاسدة في جميع ذلك و لها مهر المثل في قول أبى حنيفة و فى قول أبى يوسف تصح التسمية في الكل و عليه في الحر قيمة الحر لو كان عبدا و فى الشاة قيمة الشاة لو كانت ذكية و فى الخمر مثل ذلك الدن من خل وسط و محمد فرق فقال مثل قول أبى حنيفة في الحر و الميتة و مثل قول أبى يوسف في الخمر ( وجه )
قول أبى يوسف أن المسمى مال لان المسمى هو العبد و الشاة الذكية و الخل و كل ذلك مال فصحت التسمية الا انه إذا ظهر أن المشار اليه خلاف جنس المسمى في صلاحية المهر تعذر التسليم فتجب القيمة في الحر و الشاة لانهما ليسا من المثليات و فى الخمر يجب مثله خلا لانه مثلي كما لو هلك المسمى أو استحق ( وجه )
قول محمد في الفرق أن الاشارة مع التسمية إذا اجتمعتا في العقود فان كان المشار اليه من جنس المسمى يتعلق العقد بالمشار اليه و ان كان من خلاف جنسه يتعلق العقد بالمسمى هذا أصل مجمع عليه في البيع على ما نذكر في البيوع و الحر من جنس العبد لا تحاد جنس المنفعة و كذا الشاة الميتة من جنس الشاة الذكية فكانت العبرة للاشارة و التحقت التسمية بالعدم و المشار اليه لا يصلح مهرا فصار كانه اقتصر على الاشارة و لم يسم بأن قال تزوجتك على هذا و سكت فأما الخل مع الخمر فجنسان مختلفان لاختلاف جنس المنفعة فتعلق العقد بالمسمى لكن تعذر تسليمه و هو مثلي فيجب مثله خلا و لابي حنيفة أن الاشارة و التسمية كل واحد منهما وضعت للتعريف الا أن الاشارة أبلغ في التعريف لانها تحضر العين و تقطع الشركة و التسمية لا توجب إحضار العين و لا تقطع الشركة فسقط اعتبار التسمية عند الاشارة و بقيت الاشارة و المشار اليه لا يصلح مهرا لانه ليس بمال فيجب مهر المثل كما لو أشار إلى الميتة و الدم و الخمر و الخنزير و لم يسم و حقيقة الفقة لابى حنيفة ان هذا حر سمى عبدا و تسمية الحر عبدا باطل لانه كذب فالتحقت التسمية بالعدم و بقيت الاشارة و المشار اليه لا يصلح مهرا لانه ليس بمال فالتحقت الاشارة بالعدم أيضا فصار كانه تزوجها و لم يسم لها مهرا و هذا فقه واضح بحمد الله تعالى هذا اذ سمى ما يصلح مهرا و أشار إلى ما لا يصلح مهرا فأما إذا سمى ما لا يصلح مهرا و أشار إلى ما يصلح مهرا بأن قال تزوجتك على هذا الحر فإذا هو عبدا و على هذه الميتة فإذا هى ذكية أو على هذا الدن الخمر فإذا هو خل فقد روى أبو يوسف عن أبى حنيفة أن التسمية فاسدة و لها المشار ليه و روى محمد عنه أن لها مهر المثل و رواية أبى يوسف أصح الروايتين لان الاصل عند أبى حنيفة أن التسمية لا حكم لها مع الاشارة في باب النكاح فكانت العبرة للاشارة و المشار اليه يصلح مهرا لانه مال فكان لها المشار اليه ( و وجه )
ما روى محمد
عنه انه لما سمى ما لا يصلح مهرا و أشار إلى ما يصلح مهرا فقد هزل بالتسمية و الهازل لا يتعلق بتسميته حكم فبطل كلامه رأسا و لو تزوجها على هذا الدن الخمر و قيمة الظرف عشرة دراهم فصاعدا روى ابن سماعة عن محمد في هذه المسألة روايتين روى عنه أن لها الدن لا و روى عنه أيضا ان لها مهر المثل ( وجه )
الرواية الاولى انه سمى ما يصلح مهرا و هو الظرف و ما لا يصلح مهرا و هو الخمر فيلغو ما لا يصلح مهرا كما لو تزوجها على الخل و الخمر و قيمة الخل عشرة أنه يكون لها الخل لا لما قلنا كذا هذا ( وجه )
الرواية الاخرى أن الظرف لا يقصد بالعقد عادة بل هو تابع و انما المقصود هو المظروف فإذا بطلت التسمية في المقصود تبطل فيما هو تبع له و الله أعلم و لو تزوجها على هذين العبدين فإذا أحدهما حر فليس لها الا العبد الباقى إذا كانت قيمته عشرة دراهم في قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف لها العبد و قيمة الحر لو كان عبدا و قال محمد ينظر إلى العبد ان بلغت قيمته مهر مثلها فليس لها الا العبد و ان كانت قيمته أقل من مهر مثلها تبلغ إلى ثمن مهر مثلها و هو قول زفر و هذا بناء على الاصول التي ذكرناها لهم فمن أصل أبى يوسف ان جعل الحر مهرا صحيح إذا سمى عبدا و يتعلق بقيمته أن لو كان عبدا فيتعلق العقد بالمسميين جميعا بقدر ما يحتمل كل واحد منهما التعليق به فيتعلق بالعبد بعينه لانه ممكن و يتعلق بالحر بقيمته لو كان عبدا لانه لا يحتمل التعليق بعينه و من أصل محمد أن المشار اليه إذا كان من جنس المسمى فالعقد يتعلق بالمشار اليه و الحر من جنس العبد لا تحاد جنس المنفعة فيتعلق العقد بهما الا أنه لا سبيل إلى الجمع بين المسمى و بين مهر المثل فيجب مهر المثل ألا ترى انه لو كانا حرين يجب مهر المثل عنده و متى وجب مهر المثل امتنع وجوب المسمى و لابي حنيفة أصلان أحدهما ما ذكرنا ان الحر إذا جعل مهرا و سمى عبدا لا يتعلق بتسميته شيء و جعل ذكره و العدم بمنزلة واحدة و الثاني أن العقد إذا أضيف إلى ما لا يصلح يلغو ما لا يصلح و يستقر ما يصلح كمن جمع بين إمرأة تحل له و إمرأة لا تحل له و تزوجهما في عقدة واحدة بمسمى يجب كل المسمى بمقابلة الحلال و انعقاد نكاحها صحيحا للعقد و التسمية بقدر الامكان و تقريرا للعقد فيما أمكن تقريره و الغاؤه فيما لا يمكن تصحيحه فيه و العبد هو الصالح لكونه مهرا فصحت تسميته و يصير مهرا لها إذا بلغت قيمته عشرة فصاعدا و على هذا الخلاف إذا تزوجها على بيت و خادم و الخادم حر و لو تزوجها على هذين الدنين من الخل فإذا أحدهما خمر لها الباقى لا في قول أبى حنيفة إذا كان يساوى عشرة دراهم كما في العبدين و عندهما لها الباقى و مثل هذا الدن من الخل و قد ذكرنا الاصل و لو سمى ما لا و ضم اليه ما ليس بمال لكن لها فيه منفعة مثل طلاق إمرأة أخرى و إمساكها في بلدها أو العفو عن القصاص فان و فى بالمنفعة فليس لها الا ما سمى إذا كان يساوى عشرة فصاعدا لانه سمى ما يصلح مهرا بنفسه و شرط لها منفعة و قد و فى بما شرط لها فصحت التسمية و صارت العشرة مهرا و ان لم يف بالمنفعة فلها مهر مثلها ثم ينظر ان كان ما سمى لها من المال مثل مهر مثلها أو أكثر فلا شيء لها الا ذلك و ان كان ما سمى لها أقل من مهر مثلها تمم لها مهر مثلها عندنا و قال زفر ان كان المضموم ما لا كما إذا شرط أن يهدى لها هدية فلم يف لها تمم لها مهر المثل و ان كان مال كطلاق إمرأة أخرى و أن لا يخرجها من بلدها فليس لها الا ما سمى ( وجه )
قول زفر أن ما ليس بمال لا يتقوم فلا يكون فواته مضمونا بعوض و ما هو مال يتقوم فإذا لم يسلم لها جاز لها الرجوع إلى تمام العوض و لنا أن الموجب الاصلى في هذا الباب هو مهر المثل فلا يعدل عنه الا عند استحكام التسمية فإذا و فى بالمنفعة فقد تقررت التسمية فوجب المسمى و إذا لم يف بها لم تتقرر لانها ما رضيت بالمسمى من المال عوضا بنفسه بل بمنفعة أخرى مضمومة اليه و هي منفعة أخرى مرغوب فيها خلال الاستيفاء شرعا فإذا لم يسلم لها تتقرر التسمية فبقى حقها في العوض الاصلى و هو مهر المثل فان كان أقل من مهر مثلها أو أكثر فليس لها الا ذلك لانه وصل إليها قدر حقها و ان كان أقل من مهر مثلها يكمل لها مهر مثلها أيضا لا إلى الحق المستحق فرق
بين هذا و بين ما إذا تزوجها على مهر صحيح و أرطال من خمر أن المهر ما يسمى لها إذا كان عشرة فصاعدا و يبطل الحرام و ليس لها تمام مهر مثلها أو أكثر فليس لها الا ذلك لانه وصل إليها قدر حقها و ان كان أقل من مهر مثلها يكمل لها مهر مثلها أيضا لان تسمية الخمر لم تصح في حق الانتفاع بها في حق المسلم اذ لا منفعة للمسلم فيها لحرمة الانتفاع بها في حق المسلم فلا يجوز أن يجب بفواتها عوض فالتحقت تسميتها بالعدم و صار كانه لم يسم الا المهر الصحيح فلا يجب لها الا المهر الصحيح بخلاف المسألة الاولى و على هذا يخرج ما إذا أعتق أمته على أن تزوج نفسها منه فقبلت عتقت لانه أعتقها بعوض فيزول ملكه بقبول العوض كما لو باعها و كما إذا قال لها أنت حرة على ألف درهم بخلاف ما إذا قال لعبده ان أديت إلى ألفا فأنت حر انه لا يعتق بالقبول ما لم يؤد لان ذلك ليس بمعاوضة بل هو تعليق و هو تعليق و هو تعليق الحرية بشرط الاداء اليه و لم يوجد الشرط ثم إذا أعتقت بالقبول فبعد ذلك لا يخلو اما ان زوجت نفسها منه و اما ان أبت التزويج فان زوجت نفسها منه ينظر ان كان قد سمى لها مهرا آخر و هو مال سوى الاعتاق فلها المسمى إذا كان عشرة دراهم فصاعدا و ان كان دون العشرة تكمل عشرة و ان لم يسم لها سوى الاعتاق فلها مهر مثلها في قول أبى حنيفة و محمد و قال أبو يوسف صداقها إعتاقها ليس لها ذلك ( وجه )
قوله ان العتق بمعنى المال و بدليل أنه يجوز أخذ العوض عنه بأن أعتق عبده على مال فجاز أن يكون مهرا و لهما أن العتق ليس بمال حقيقة لان الاعتاق إبطال المالكية فكيف يكون العتق ما لا الا أنه يجوز أخذ عوض هو مال عنه و هذا لا يدل على كونه ما لا بنفسه ألا ترى أن الطلاق ليس بمال و لا يجوز أخذ العوض عنه و كذا القصاص و أخذ البدل عنه جائز و نفس الحر ليست بمال و ان أبت ان تزوج نفسها منه لا تجبر على ذلك لانها حرة ملكت نفسها فلا تجبر على النكاح لكنها تسعى في قيمتها للمولى عند أصحابنا الثلاثة و قال زفر لا سعاية عليها ( وجه )
قوله ان السعاية انما تجب لتخليص الرقبة و هذه حرة خالصة فلا تلزمها السعاية ( و لنا )
أن المولى ما رضى بزوال ملكه عن رقبتها لا بنفع يقابله و هو تزويج نفسها منه و هذه منفعة مرغوب فيها و قد تعذر عليه استيفاء هذه المنفعة بمعنى من جهتها و هو اباؤها فيقام بدل قيمتها مقامها دفعا للضرر عنه و أما قوله السعاية انما تجب لفكاك الرقبة و تخليصها و هي حرة خالصة فنقول السعاية قد تكون لتخليص الرقبة و هذا المستسعى يكون في حكم المكاتب على أصل أبى حنيفة و قد تكون لحق في الرقبة لا لفكاك الرقبة كالعبد المرهون إذا أعتقه الراهن و هو معسر كما إذا قال لعبده أنت حر على قيمة رقبتك فقبل حتى عتق كذا هذا و لو تزوج إمرأة على عتق أبيها أو ذي رحم محرم منها أو على عتق عبد أجنبي عنها فهذا لا يخلو اما ان ذكر فيه كلمة عنها بأن قال أتزوجك على عتق أبيك عنك أو على عتق هذا العبد عنك و أشار إلى عبد أجنبي عنها و اما ان لم يذكر فان لم يذكر و قبلت عتق العبد و الولاء للزوج لا لها لان المعتق هو الزوج و الولاء لمن أعتق على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم و لها مهر مثلها ان لم يكن سمى لها مهرا آخر هو مال و ان كان قد سمى فلها المسمى لانه علق العتق بقبولها النكاح فإذا قبلت عتق و العبد لا يصلح مهرا لانه ليس بمال فان كان هناك مال مسمى وجب ذلك لانه صحت تسميته مهرا فوجب المسمى و ان لم يكن فتسميته العتق مهرا لم يصح لانه ليس بمال فيجب مهر المثل هذا إذا لم يذكر عنها فاما إذا ذكرت فقبلت عتق العبد عنها و ثبت الولاء لها و صار ذلك مهرا لانه لما ذكر العتق عنها و لا يكون العتق عنها الا بعد سبق الملك لها فملكته أولا ثم عتق عنها كمن قال لآخر أعتق عبدك عني عن كفارة يمينى على ألف درهم يجوز و يقع العتق عن الآمر و حال ما ملكته كان ما لا فصلح أن يكون مهرا و هذا إذا تزوجها على العتق فاما إذا تزوجها على الاعتاق بأن تزوجها على أن يعتق هذا العبد فهذا أيضا لا يخلو من أحد وجهين اما أن ذكر فيه عنها و اما ان لم يذكر فان لم يذكر فقبلت صح النكاح و لا يعتق العبد ههنا بقبولها لانه وعد ان يعتق و العتق لا يثبت بوعد
فصل ومنها أن لا يكون مجهولا
الاعتاق و انما يثبت بالاعتاق فما لم يعتق لا يعتق بخلاف الفصل الاول لان الزواج هناك كان على العتق لا على الاعتاق ثم إذا أعتقه فعتق فلا يخلو اما ان ذكر كلمة عنها أو لم يذكر فان كان لم يذكر ثبت الولاء منه لا منها لان الاعتاق منه لا منها و الولاء للمعتق و لها مهر مثلها ان لم يكن هناك مهر آخر مسمى و هو مال و ان كان فلها ذلك المسمى لان الاعتاق ليس بمال بل هو إبطال المالية سواء كان العبد أجنبيا أو ذا رحم محرم منها و ان ذكر كلمة عنها ثبت الولاء منها لان الاعتاق منها لانه أعتق عنها و يصير العبد ملكا لها بمقتضى الاعتاق ثم ان كان ذا رحم محرم منها عتق عليها كما ملكته فتملكه فيعتق عليها و ان كان أجنبيا يصير الزوج وكيلا عنها في الاعتاق و منها إذا أعتق كما وعد فان أبى لا يجبر على ذلك لانه حر مالك الا أنه ينظر ان لم يكن ثمة مسمى هو مال فلها مهر مثلها لما ذكرنا ان تسمية الاعتاق مهرا لم يصح و لم يوجد تسمية شيء آخر هو مال فتعين مهر المثل موجبا و ان كان قد سمى لها شيأ آخر هو مال فان كان المسمى مثل مهر المثل أو أكثر فلها ذلك المسمى لان الزوج رضى بالزيادة و ان كان أقل من مهر مثلها فان كان العبد أجنبيا فلها ذلك المسمى لا لانه شرط لها شرطا لا منفعة لها فيه فلا يكون غارا لها بترك الوفاء بما شرط لها و ان كان ذا رحم محرم منها يبلغ به تمام مهر مثلها لانها انما رضيت بدون مهر مثلها بما شرط و لم تكن راضية فصار غارا لها و هذا إذا لم يقل عنها فاما إذا قال ذلك بأن تزوجها على ان يعتق هذا العبد عنها فقبلت صح النكاح و صار العبد ملكا ثم ان كان ذا رحم محرم منها عتق عليها لانها ملكت ذا رحم محرم منها و كان ذلك مهرا لها لانها تملكه ثم يعتق عليها و ان كان أجنبيا يكون الزوج وكيلا عنها بالاعتاق فان أعتق قبل العزل فقد وقع العتق عنها و ان عزلته في ذلك صح العزل و الله أعلم ( فصل )
و منها أن لا يكون مجهولا جهالة تزيد على جهالة مهر المثل و جملة الكلام فيه أن المهر في الاصل لا يخلو اما أن يكون معينا مشارا اليه و اما أن يكون مسمى معين مشارا اليه فان كان معينا مشارا اليه صحت تسميته سواء كان مما يتعين بالتعيين في عقود المعاوضات من العروض و العقار و الحيوان و سائر المكيلات و الموزونات سوى الدراهم و الدنانير أو كان مما لا يتعين بالتعيين في عقود المعاوضات كالدراهم لانه مال لا جهالة فيه الا أنه ان كان مما يتعين بالتعيين ليس للزوج ان يحبس العين و يدفع غيرها من رضا المرأة لان المشار اليه قد تعين للعقد فتعلق حقها بالعين فوجب عليه تسليم عينه و ان كان مما لا يتعين له ان يحبسه و يدفع مثله جنسا و نوعا و قدرا وصفة لان التعيين إذا لم يصح صار مجازا عوضا من الجنس و النوع و القدر و الصفة و ان كان تبرأ مجهولا أو نقرة ذهبا و فضة يجبر على تسليم عينه في رواية لانه يتعين بالتعيين كالعروض و لا يجبر في رواية لانه لا يتعين بالتعيين كالمضروب و ان كان المسمى عين فالمسمى لا يخلو اما أن يكون مجهول الجنس و النوع و القدر و الصفة و اما أن يكون معلوم الجنس و النوع و القدر و الصفة فان كان مجهولا كالحيوان و الدابة و الثوب و الدار بأن تزوج إمرأة على حيوان أو دابة أو ثوب أو دار و لم يعين لم تصح التسمية و للمرأة مهر مثلها بالغا ما بلغ لان جهالة الجنس متفاحشة لان الحيوان اسم جنس تحته أنواع مختلفة و تحت كل نوع أشخاص مختلفة و كذا الدابة و كذا الثوب لان اسم الثوب يقع على ثوب القطن و الكتان و الحرير و الخز و البز و تحت كل واحد من ذلك أنواع كثيرة مختلفة و كذا الدار لانها تختلف في الصغر و الكبر و الهيئة و التقطيع و تختلف قيمتها باختلاف البلاد و المحال و السكك اختلافا فاحشا فتفاحشت الجهالة فالتحقت بجهالة الجنس و الاصل أن جهالة العوض تمنع صحة تسميته كما في البيع و الاجارة لكونها مفضية إلى المنازعة الا أنه يتحمل ضرب من الجهالة في المهر بالاجماع فان مهر المثل قد يجب في النكاح الصحيح و معلوم أن مهر المثل مجهول ضربا من الجهالة فكل جهالة في المسمى مهرا مثل جهالة مهر المثل أو أقل من ذلك يتحمل و لا يمنع صحة التسمية
استدلالا بمهر المثل و كل جهالة تزيد على جهالة مهر المثل يبقى الامر فيها على الاصل فيمنع صحة التسمية كما في سائر الاعواض إذا ثبت هذا فنقول لا شك ان جهالة الحيوان و الدابة و الثواب و الدار أكثر من جهالة مهر المثل لان بعد اعتبار تساوي المرأتين في المال و الجمال و ألسن و العقل و الدين و البلد و العفة يقل التفاوت بينهما فتقل الجهالة فاما جهالة الجنس و النوع فجهالة متفاحشة فكانت أكثر جهالة من مهر المثل فتمنع صحة التسمية و ان كان المسمى معلوم الجنس و النوع مجهول الصفة و القدر كما إذا تزوجها على عبد أو أمة أو فرس أو جمل أو حمار أو ثوب مروى أو هر وى صحت التسمية و لها الوسط من ذلك و للزوج الخيار ان شاء أعطاها الوسط و ان شاء أعطاها قيمته و هذا عندنا و قال الشافعي لا تصح التسمية ( وجه )
قوله ان المسمى مجهول الوصف فلا تصح تسميته كما في البيع و هذا لان جهالة الوصف تفضى إلى المنازعة كجهالة الجنس ثم جهالة الجنس تمنع صحة التسمية فكذا جهالة الوصف ( و لنا )
أن النكاح معاوضة المال بما ليس بمال و الحيوان الذي هو معلوم الجنس و النوع مجهول الصفة يجوز ان يثبت دينا في الذمة بدلا عما ليس بمال كما في الذمة قال النبي صلى الله عليه و سلم في النفس المؤمنة مائة من الابل و البضع ليس بمال فجاز أن يثبت الحيوان دينا في الذمة بدلا عنه و لان جهالة الوسط من هذه الاصناف مثل جهالة مهر المثل أو أقل فتلك الجهالة لما لم تمنع صحة تسمية البدل فكذا هذه الا أنه لا تصح تسميته ثمنا في البيع لان البيع لا يحتمل جهالة البدل أصلا قلت أو كثرت و النكاح يحتمل الجهالة اليسيرة مثل جهالة مهر المثل و انما كان كذلك لان مبنى البيع على المضايقة و المماكسة فالجهالة فيه و ان قلت تفضى إلى المنازعة و مبنى النكاح على المسامحة و المروءة فجهالة مهر المثل فيه لا تفضى إلى المنازعة فهو الفرق و أما وجوب الوسط فلان الوسط هو العدل لما فيه من مراعاة الجانبين لان الزوج يتضرر بإيجاب الجيد و المرأة تتضرر بإيجاب الردي فكان العدل في إيجاب الوسط و هذا معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم خير الامور أوساطها و الاصل في اعتبار الوسط في هذا الباب ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال أيما إمرأة أنكحت نفسها بغير اذن مواليها فنكاحها باطل فان دخل بها فلها مهر مثل نسائها لا وكس و لا شطط و كذلك قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه في المفوضة أرى لها مهر مثل نسائها لا وكس و لا شطط و المعنى ما ذكرنا و أما ثبوت الخيار بين الوسط و بين قيمته فلان الحيوان لا يثبت في الذمة ثبوتا مطلقا ألا ترى أنه لا يثبت دينا في الذمة في معاوضة المال بالمال و لا يثبت في الذمة في ضمان الاتلاف حتى لا يكون مضمونا بالمثل في الاستهلاك بل بالقيمة فمن حيث انه يثبت في الذمة في الجملة قلنا بوجوب الوسط منه و من حيث انه لا يثبت ثبوتا مطلقا قلنا يثبت الخيار بين تسليمه و بين تسليم قيمته عملا بالشبهين جميعا و لان الوسط لا يعرف الا بواسطة إلقيمة فكانت القيمة أصلا في الاستحقاق فكانت أصلا في التسليم و أما ثبوت الخيار للزوج لا للمرأة فلانه المستحق عليه فكان الخيار له و كذلك ان تزوجها على بيت و خادم فلها بيت وسط مما يجهز به النساء و هو بيت الثوب لا المبني فينصرف إلى فرش البيت في أهل الامصار و فى أهل البادية إلى بيت الشعر و لها خادم وسط لان المطلق من هذه الاصناف ينصرف إلى الوسط لان الوسط منها معلوم بالعادة و جهالته مثل جهالة مهر المثل أو أقل فلا تمنع صحة التسمية كما لو نص على الوسط و لو وصف شيأ من ذلك بأن قال جيد أو وسط أو ردئ فلها الموصوف و لو جاء بالقيمة تجبر على القبول لان القيمة هى الاصل ألا ترى أنه لا يعرف الجيد و الوسط و الردئ الا باعتبار القيمة فكانت القيمة هى المعرفة بهذه الصفات فكانت أصلا في الوجوب فكانت أصلا في التسليم فإذا جاء بها تجبر على قبولها و لو تزوجها على وصيف صحت التسمية و لها الوسط من ذلك و لو تزوجها على وصيف أبيض لا شك أنه تصح التسمية لانها تصح بدون الوصف فإذا وصف أولى و لها الوصيف الجيد لان الابيض عندهم اسم للجيد ثم الجيد عندهم هو الرومي و الوسط السندي و الردئ الهندي و أما عندنا فالجيد هو التركي و الوسط
لرومى و الردئ الهندي و قد قال أبو حنيفة قيمة الخادم الجيد خمسون دينارا و قيمة الوسط أربعون و قيمة الردي ثلاثون و قيمة البيت الوسط أربعون دينارا و قال أبو يوسف و محمد ان زاد السعر أو نقص فبحسب الغلاء و الرخص و هذا ليس باختلاف في الحقيقة ففى زمن أبى حنيفة كانت القيم مسعرة و فى زمانهما تغيرت القيمة فأجاب كل على عرف زمانه و المعتبر في ذكر القيمة بلا خلاف و لو تزوجها على بيت و خادم حتى وجب الوسط من كل واحد منهما ثم صالحت من ذلك زوجها على أقل من قيمة الوسط ستين دينارا أو سبعين دينارا جاز الصلح لانها بهذا الصلح أسقطت بعض حقها لان الواجب فيهما ثمانون فإذا صالحت على أقل من ذلك فقد أسقطت البعض و من له الحق إذا أسقط بعض حقه و استوفى الباقى جاز و يجوز ذلك بالنقد و النسيئة لما ذكرنا أن الصلح وقع على عين الحق باسقاط البعض فكان الباقى عين الواجب فجاز فيه التأجيل فان صالحت على مائة دينار فالفضل باطل لان المسمى إذا لم يكن مسعرا فالقيمة واجبة بالعقد و من وجب له حق فصالح على أكثر من حقه لم يجز و ان كان المسمى معلوم الجنس و النوع و القدر و الصفة كما إذا تزوجها على مكيل موصوف أو موزون موصوف سوى الدراهم و الدنانير صحت التسمية لان المسمى مال معلوم لا جهالة فيه بوجه ألا ترى أنه ثبت دينا في الذمة ثبوتا مطلقا فانه يجوز البيع به و السلم فيه و يضمن بالمثل فيجبر الزوج على دفعه و لا يجوز دفع عوضه الا برضا المرأة و لو تزوجها على مكيل أو موزون و لم يصف صحت التسمية لانه مال معلوم الجنس و النوع فتصح تسميته فان شاء الزوج أعطاها الوسط من ذلك و ان شاء أعطاها قيمته كذا ذكر الكرخي في جامعه و ذكر الحسن عن أبى حنيفة أنه يجبر على تسليم الوسط ( وجه )
ما ذكره الكرخي أن القيمة أصل في إيجاب الوسط لان بها يعرف كونه وسطا فكان أصلا في التسليم كما في العبد ( وجه )
رواية الحسن أن الشرع لما أوجب الوسط فقد تعين الوسط بتعيين الشرع فصار كما لو عينه بالتسمية و لو سمى الوسط يجبر على تسليمه كذا هذا بخلاف العبد فان هناك لو سمى الوسط و نص عليه لا يجبر على تسليمه فكذا إذا أوجبه الشرع و الله أعلم و أما الثياب فقد ذكر في الاصل انه إذا تزوجها على ثياب موصوفة انه بالخيار ان شاء سلمها و ان شاء سلم قيمتها و لم يفصل بين ما إذا سمى لها أجلا أو لم يسم و قال أبو يوسف ان أجلها يجبر على دفعها و ان لم يؤجلها فلها القيمة و روى عن أبى حنيفة أنه يجبر على تسليمها من هذا التفصيل و هو قول زفر ( وجه )
ما ذكر في الاصل أن الثياب لا تثبت في الذمة ثبوتا مطلقا لانها ليست من ذوات الامثال ألا ترى أنها مضمونة بالقيمة لا بالمثل في ضمان العدوان و لا تثبت في الذمة بنفسها في عقود المعاوضات بل بواسطة الاجل فكانت كالعبيد و هناك لا يجبر على دفع العبد و له أن يسلم القيمة كذا ههنا و أبو يوسف يقول إذا أجلها فقد صارت بحيث تثبت في الذمة ثبوتا مطلقا ألا ترى أنها تثبت في الذمة في السلم فيجبر على الدفع بل أولى لان البدل في البيع لا يحتمل الجهالة رأسا و المهر في النكاح يحتمل ضربا من الجهالة فلما ثبتت في الذمة في البيع فلان تثبت في النكاح أولى ( وجه )
الرواية الاخرى لابى حنيفة ان امتناع ثبوتها في الذمة لمكان الجهالة فإذا وصفت فقد زالت الجهالة فيصح ثبوتها في الذمة مهرا في النكاح و انما لا يصح السلم فيها الا مؤجلا لان العلم بها يقف على التأجيل بل لان السلم لم يشرع الا مؤجلا و الاجل ليس بشرط في المهر فكان ثبوتها في المهر مؤجلة كثبوتها في السلم مؤجلة فيجبر على تسليمها و لو قال تزوجتك على هذا العبد أو على ألف أو على الفين فالتسمية فاسدة في قول أبى حنيفة ويحكم مهر مثلها فان كان مهر مثلها مثل الادون أو أقل فلها الادون الا ان يرضى الزوج بالارفع و ان كان مهر مثلها مثل الارفع فلها الارفع الا أن ترضى المرأة بالادون و ان كان مهر مثلها فوق الادون أو أقل من الارفع فلها مهر مثلها و قال أبو يوسف و محمد التسمية صحيحة و لها الادون على كل حال ( وجه )
قولهما ان المصير إلى مهر المثل عند تعذر إيجاب المسمى و لا تعذر ههنا لانه يمكن إيجاب الاقل لكونه متيقنا و فى الزيادة شك فيجب
المتيقن به و صار كما إذا أعتق عبده على ألف أو الفين أو خالع إمرأته على ألف أو ألفين أنه تصح التسمية و تجب الالف كذا هذا و لابي حنيفة انه جعل المهر أحد المذكورين عين لان كلمة أو تتناول أحد المذكورين عين وأحدهما عين مجهول فكان المسمى مجهولا و هذه الجهالة أكثر من جهالة مهر المثل ألا ترى أن كلمة أو تدخل بين أقل الاشياء و أكثرها فتمنع صحة التسمية فيحكم مهر المثل لانه الموجب الاصلى في هذا الباب فلا يعدل عنه الا عند صحة التسمية و لا صحة الا بتعيين المسمى و لم يوجد فيجب مهر المثل لانه لا ينقص عن الادون لان الزوج رضى بذلك القدر و لا يزاد على الارفع لرضا المرأة بذلك القدر و لا يلزم على هذا ما إذا تزوجها على هذا العبد أو على هذا العبد ان الزوج بالخيار في أن يدفع أيهما شاء أو على أن المرأة بالخيار في ذلك تأخذ أيهما شاءت انه تصح التسمية و ان كان المسمى مجهولا لان تلك الجهالة يمكن رفعها ألا ترى أنها ترتفع باختيار من له الخيار فقلت الجهالة فكانت كجهالة مهر المثل أو أقل من ذلك فلا تمنع صحة التسمية ههنا لا سبيل إلى ازالة هذه الجهالة لانه إذا لم يكن فيه خيار كان لكل واحد منهما ان يختار ما يختاره صاحبه ففحشت الجهالة فمنعت صحة التسمية بخلاف الاعتاق و الخلع لانه ليس لهما موجب أصلي يصار اليه عند وقوع الشك في المسمى فوجب المتيقن من المسمى لان إيجابه أولى من الايقاع مجانا بلا عوض أصلا لعدم رضا المولى و الزوج بذلك و فيما نحن فيه له موجب أصلي فلا يعدل عنه الا عند تعين المسمى و لا تعين مع الشك بإدخال كلمة الشك فالتحقت التسمية بالعدم فبقى الموجب الاصلى واجب المصير اليه و لو تزوج إمرأة على ألف ان لم يكن له إمرأة و على ألفين ان كانت له إمرأة أو تزوجها على ألف ان لم يخرجها من بلدها و على ألفين ان أخرجها من بلدها أو تزوجها على ألف ان كانت مولاة و على ألفين ان كانت عربية و ما أشبه ذلك فلا شك أن النكاح جائز لان النكاح المؤبد الذي لا توقيت فيه لا تبطله الشروط الفاسدة لما قلنا ان الشروط لو أثرت لاثرت في المهر بفساد التسمية و فساد التسمية لا يكون فوق العدم ثم عدم التسمية رأسا لا يوجب فساد النكاح ففسادها أولى و أما المهر فالشرط الاول جائز بلا خلاف فان وقع الوفاء به فلها ما سمى على ذلك الشرط و ان لم يقع الوفاء به فان كان على خلاف ذلك أو فعل خلاف ما شرط لها فلها مهر مثلها لا ينقص من الاصل و لا يزاد على الاكثر و هذا قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد الشرطان جائزان و قال زفر الشرطان فاسدان و هذه فريعة مسألة مشهورة في الاجارات و هو أن يدفع رجل ثوبا إلى الخياط فيقول ان خيطته اليوم فلك درهم و ان خيطته غدا فلك نصف درهم ( وجه )
قول زفر ان كل واحد من الشرطين يخالف الآخر فأوجب ذلك جهالة التسمية فتصح التسميتان كما إذا قال للخياط ان خيطته روميا فبدرهم و ان خيطته فارسيا فبنصف درهم و لابي حنيفة أن الشرط الاول وقع صحيحا بالاجماع و موجبه رد مهر المثل ان لم يقع الوفاء به فكانت التسمية الاولى صحيحة فلو صح الشرط الثاني لكان نافيا موجب الشرط الاول و التسمية الاولى و التسمية بعد ما صحت لا يجوز نفى موجبها فبطل الشرط الثاني ضرورة و قال ان ما شرط الزوج من طلاق المرأة و ترك الخروج من البلد لا يلزمه في الحكم لان ذلك وعد وعد لها فلا يكلف به و على هذا يخرج ما إذا تزوجها على حكمه أو حكم أجنبي أن التسمية فاسدة لان المحكوم به مجهول و جهالته أكثر من جهالة مهر المثل فيمنع صحة التسليم ثم ان كان التزوج على حكم الزوج ينظر ان حكم بمهر مثلها أو أكثر فلها ذلك لانه رضى ببذل الزيادة و ان حكم بأقل من مهر مثلها فلها مهر مثلها الا أن ترضى بالاقل و ان كان التزوج على حكمها فان حكمت بمهر مثلها أو أقل فلها ذلك لانها رضيت باسقاط حقها و ان حكمت بأكثر من مهر مثلها لم تجز الزيادة لان المستحق هو مهر المثل الا إذا رضى الزوج بالزيادة و ان كان التزوج على حكم أجنبي فان حكم بمهر المثل جاز و ان حكم بأكثر من مهر المثل يتوقف على رضا الزوج و ان حكم بأقل من مهر المثل يتوقف على رضا المرأة لان المستحق هو مهر المثل و الزوج لا يرضى
بالزيادة و المرأة لا ترضى بالنقصان فلذلك توقف الامر في الزيادة و النقصان على رضاهما فان تزوجها على ما يكسب العام أو يرث فهذه تسمية فاسدة لان جهالة هذا أكثر من جهالة مهر المثل و قد انضم إلى الجهالة الخطر لانه قد يكسب و قد لا يكسب ثم الجهالة بنفسها تمنع صحة التسمية فمع الخطر أولى و لو تزوج إمرأتين على صداق واحد يجوز الا أن يقول تزوجتكما على ألف درهم فقبلتا فالنكاح جائز لا شك فيه و يقسم الالف بينهما على قدر مهر مثليهما لانه جعل الالف بدلا عن بضعيهما و البدل يقسم على قدر قيمة المبدل و المبدل هو البضع فيقسم البدل على قدر قيمته و قيمته مهر المثل كما لو اشترى عبدين بألف درهم انه يقسم الثمن على قدر قيمتهما كذا هذا فان قبلت أحدهما دون الاخرى جاز النكاح في التي قبلت بخلاف البيع فانه إذا قال بعت هذا العبد منكما فقبل أحدهما و لم يقبل الآخر لم يجز البيع أصلا و الفرق انه لما قال تزوجتكما فقد جعل قبول كل واحدة منهما شرطا لقبول الاخرى و النكاح لا يحتمل التعليق بالشرط فكان إدخال الشرط فيه فاسدا و النكاح لا يفسد بالشرط الفاسد و البيع يفسد به و إذا جاز النكاح تقسم الالف على قدر مهر مثلهما لما قلنا فما أصاب حصة التي قبلت فلها ذلك القدر و الباقى يعود إلى الزوج و ان كانت احداهما ذات زوج أو في عدة من زوج أو كانت ممن لا يحل له نكاحها فان جميع الالف التي يصح نكاحها في قول أبى حنيفة و عندهما تقسم الالف على قدر مهر مثليهما فما أصاب حصة التي صح نكاحها فلها ذلك و الباقى يعود إلى الزوج ( وجه )
قولهما انه جعل الالف مهرا لهما جميعا و كل واحدة منهما صالح للنكاح حقيقة لكونها قابلة للمقاصد المطلوبة منه حقيقة الا أن المحرمة منهما لا تزاحم صاحبتها في الاستحقاق لخروجها من أن تكون محلا لذلك شرعا مع قيام المحلية حقيقة فيجب اظهار أثر المحلية الحقيقية في الانقسام و لابي حنيفة أن المهر يقابل ما يستوفى بالوطء و هو منافع البضع و هذا العقد في حق المحرمة لا يمكن من استيفاء المنافع لخروجها من أن تكون محلا للعقد شرعا و الموجود الذي لا ينتفع به و العدم الاصلى سواء فيجعل ذلك المهر بمقابلة الاجنبية كما إذا جمع بين المرأة و الاتان و قال تزوجتكما على ألف درهم فان دخل الزوج بالتي فسد نكاحها ففى قياس قول أبى حنيفة لها مهر مثلها بالغا ما بلغ لانه لا تعتبر التسمية في حقها فالتحقت التسمية بالعدم و فى قياس قول أبى يوسف و محمد لها مهر مثلها لا يجاوز حصتها من الالف لانهما لا يعتبران التسمية في حقهما في حق الانقسام و الله عز و جل أعلم و على هذا تخرج تسمية المهر على السمعة و الرياء انها تصح أو لا تصح و جملة الكلام فيه أن السمعة في المهر اما أن تكون في قدر المهر و اما أن تكون في جنسه فان كانت في قدر المهر بأن تواضعا في السر و الباطن و اتفقا على أن يكون المهر ألف درهم لكنهما يظهر ان في العقد ألفين لامر حملهما على ذلك فان لم يقولا ألف منهما سمعة فالمهر ما ذكراه في العلانية و ذلك الفان لان المهر ما يكون مذكورا في العقد والالفان مذكورتان في العقد فإذا لم يجعلا الالف منهما سمعة صحت تسمية الالفين و ان قالا الالف منهما سمعة فالمهر ما ذكراه في السر و هو الالف في ظاهر الرواية عن أبى حنيفة و هو قول أبى يوسف و محمد و روى عن أبى حنيفة أن المهر ما أظهراه و هو الالفان ( وجه )
هذه الرواية أن المهر هو المذكور في العقد لانه اسم لما يملك به البضع و الذى يملك به البضع هو المذكور في العقد و انه يصلح أن يكون مهرا لانه مال معلوم فتصح تسميته و يصير مهرا و لا تعتبر المواضعة السابقة ( وجه )
ظاهر الرواية انهما لما قالا الالف منهما سمعة فقد هزلا بذلك قدر الالف حيث لم يقصدا به مهرا و المهر مما يدخله الجد و الهزل ففسدت تسميته قدر الالف و التحقت بالعدم فبقى العقد على ألف و ان كانت السمعة من جنس المهريات تواضعا و اتفقا في السر و الباطن على أن يكون المهر ألف درهم و لكنهما يظهران في العقد مائة دينار فان لم يقولا رياء و سمعة فالمهر ما تعاقدا عليه لما قلنا و ان قالا رياء و سمعة فتعاقدا على ذلك فلها مهر مثلها في ظاهر الرواية عن أبى حنيفة و رواية عنه أن لها مهر العلانية مائة دينار ( وجه )
هذه الرواية على نحو ما ذكرنا أن المائة
دينار هى المذكورة في العقد و المهر اسم للمذكور في العقد لما بينا فيعتبر المذكور و لا تعتبر المواضعة السابقة ( وجه )
ظاهر الرواية ان ما تواضعا عليه و هو الالف لم يذكراه في العقد و ما ذكراه و هو المائة دينار ما تواضعا عليه فلم توجد التسمية فيجب مهر المثل كما لو تزوجها و لم يسم لها مهر هذا الذي ذكرنا إذا لم يتعاقدا في السر و الباطن على أن يكون للمهر قدرا و جنس ثم يتعاقدا على ما تواضعا و اتفقا عليه فأما إذا تعاقدا في السر على قدر من المهر أو جنس منه ثم اتفقا و تواضعا في السر على أن يظهرا في عقد العلانية أكثر من ذلك أو جنسا آخر فان لم يذكر ا في المواضعة السابقة ان ذلك سمعة فالمهر ما ذكراه في العلانية في قول أبى حنيفة و محمد و يكون ذلك زيادة على المهر الاول سواء كان من جنسه أو من خلاف جنسه فان كان من خلاف جنسه فجميعه يكون زيادة على المهر الاول و ان كان من جنسه فقدر الزيادة على المهر الاول يكون زيادة و روى عن أبى يوسف أنه قال المهر مهر السر ( وجه )
قوله أن المهر ما يكون مذكورا في العقد و العقد هو الاول لان النكاح لا يحتمل الفسخ و الاقالة فالثاني لا يرفع الاول فلم يكن الثاني عقدا في الحقيقة فلا يعتبر المذكور عنده فكان المهر هو المذكور في العقد الاول ( وجه )
قولهما انهما قصدا شيئين استئناف العقد و زيادة في المهر و استئناف العقد لا يصح لان النكاح لا يحتمل الفسخ و الزيادة صحيحة فصار كانه زاد ألفا أخرى أو مائة دينار و ان ذكرا في المواضعة السابقة أن الزيادة أو الجنس الآخر سمعة فالمهر هو المذكور في العقد الاول و المذكور في العقد الثاني لغو لانهما هزلا به حيث جعلاه سمعة و الهزل يعمل في المهر فيبطله و الله أعلم ( فصل )
و منها أن يكون النكاح صحيحا فلا تصح التسمية في النكاح الفاسد حتى لا يلزم المسمى لان ذلك ليس بنكاح لما نذكر ان شاء الله تعالى الا أنه إذا وجد الدخول يجب مهر المثل لكن بالوطء لا بالعقد على ما نبينه في موضعه ان شاء الله تعالى و لو تزوج إمرأة على جارية بعينها و استثنى ما في بطنها فلها الجارية و ما في بطنها ذكره الكرخي و الطحاوي من خلاف لان تسمية الجارية مهرا قد صحت لانها مال معلوم و استثناء ما في بطنها لم يصح لان الجنين في حكم جزء من أجزائها فإطلاق العقد على الام يتناوله فاستثناؤه يكون بمنزلة شرط فاسد و النكاح لا يحتمل شرطا فاسدا فيلغو الاستثناء و يلتحق بالعدم كانه لم يستثن رأسا و كذلك إذا وهب جارية و استثنى ما في بطنها أو خالع أو صالح من دم العمد لان هذه التصرفات لا تبطلها الشروط الفاسدة و لو تزوج إمرأة على جارية فاستحقت و هلكت قبل التسليم فلها قيمتها لان التسمية قد صحت لكون المسمى ما لا متقوما معلوما فالعقد انعقد موجب التسليم بالاستحقاق و الهلاك لانه عجز عن تسليمها فتجب قيمتها بخلاف البيع إذا هلك المبيع قبل التسليم إلى المشترى أنه لا يغرم البائع قيمته و انما يسقط الثمن لا لان هلاك المبيع يوجب بطلان البيع و إذا بطل البيع لم يبق وجوب التسليم فلا تجب القيمة ثم تفسير مهر المثل هو أن يعتبر مهرها بمهر مثل نسائها من أخواتها لابيها و أمها أو لابيها و عماتها و بنات أعمامها في بلدها و عصرها على مالها و جمالها وسنها و عقلها و دينها لان الصداق يختلف باختلاف البلدان و كذا يختلف باختلاف المال و الجمال و ألسن و العقل و الدين فيزداد مهر المرأة لزيادة مالها و جمالها و عقلها و دينها و حداثة سنها فلا بد من المماثلة بين المرأتين في هذه الاشياء ليكون الواجب لها مهر مثل نسائها اذ لا يكون مهر المثل بدون المماثلة بينهما و لا يعتبر مهرها بمهر أمها و لا بمهر خالتها الا أن تكون من قبيلتها من بنات أعمامها لان المهر يختلف بشرف النسب و النسب من الآباء لا من الامهات فائما يحصل لها شرف النسب من قبيل أبيها أو قبيلته لا من قبل أمها و عشيرتها و الله أعلم ( فصل )
و أما بيان ما يجب به المهر و بيان وقت وجوبه و كيفية وجوبه و ما يتعلق بذلك من الاحكام فنقول و بالله التوفيق المهر في النكاح الصحيح يجب بالعقد لانه احداث الملك و المهر يجب بمقابلة احداث الملك و لانه عقد معاوضة و هو معاوضة البضع بالمهر فيقتضى وجوب العوض كالبيع سواء كان المهر مفروضا
في العقد أو لم يكن عندنا و عند الشافعي ان كان مفروضا لا يجب بنفس العقد و انما يجب بالفرض أو بالدخول على ما ذكرنا فيما تقدم و فى النكاح الفاسد يجب المهر لكن لا بنفس العقد بل بواسطة الدخول لعدم حدوث الملك قبل الدخول أصلا و عدم حدوثه بعد الدخول مطلقا و لانعدام المعاوضة قبل الدخول رأسا و انعدامها بعد الدخول مطلقا لما نذكره ان شاء الله تعالى في موضعه و يجب عقيب العقد بلا فصل لما ذكرنا انه يجب باحداث الملك و الملك يحدث عقيب العقد بلا فصل و لان المعاوضة المطلقة تقتضي ثبوت الملك في العوضين في وقت واحد و قد ثبت الملك في أحد العوضين و هو البضع عقيب العقد فيثبت في العوض الآخر عقيبه تحقيقا للمعاوضة المطلقة الا أنه يجب بنفس العقد وجوبا موسعا و انما يتضيق عند المطالبة كالثمن في باب البيع انه يجب بنفس البيع وجوبا موسعا و انما يتضيق عند مطالبة البائع و إذا طالبت المرأة بالمهر يجب على الزوج تسليمه أولا لان حق الزوج في المرأة متعين و حق المرأة في المهر لم يتعين بالعقد و انما يتعين بالقبض فوجب على الزوج التسليم عند المطالبة ليتعين كما في البيع أن المشترى يسلم الثمن أولا ثم يسلم البائع المبيع الا أن الثمن في باب البيع إذا كان دينا يقدم تسليمه على تسليم المبيع ليتعين و ان كان عينا يسلمان معا و ههنا يقدم تسليم المهر على كل حال سواء كان دينا أو عينا لان القبض و التسلم ههنا معا متعذر و لا تعذر في البيع و إذا ثبت هذا فنقول للمرأة قبل دخول الزوج بها ان تمنع الزوج عن الدخول حتى يعطيها جميع المهر ثم تسلم نفسها إلى زوجها و ان كانت قد انتقلت إلى بيت زوجها لما ذكرنا ان بذلك يتعين حقها فيكون تسليما بتسليم و لان المهر عوض عن بضعها كالثمن عوض عن المبيع و للبائع حق حبس المبيع لاستيفاء الثمن فكان للمرأة حق حبس نفسها لاستيفاء المهر و ليس للزوج منعها عن السفر و الخروج من منزله و زيارة أهلها قبل إيفاء المهر لان حق الحبس انما يثبت لاستيفاء المستحق فإذا لم يجب عليها تسليم النفس قبل إيفاء المهر لم يثبت للزوج حق الاستيفاء فلا يثبت له حق الحبس و إذا أوفاها المهر فله أن يمنعها من ذلك كله الا من سفر الحج إذا كان عليها حجة الاسلام و وجدت محرما و له أن يدخل بها لانه إذا أوفاها حقها يثبت له حق الحبس لاستيفاء المعقود عليه فان أعطاها المهر الا درهما واحدا فلها أن تمنع نفسها و ان تخرج من مصرها حتى تقبضه لان حق الحبس لا يتجزأ فلا يبطل الا بتسليم كل البدل كما في لبيع و لو خرجت لم يكن للزوج ان يسترد منها ما قبضت لانها قبضته بحق لكون المقبوض حقا لها و المقبوض بحق لا يحتمل النقض هذا إذا كان المهر معجلا بأن تزوجها على صداق عاجل أو كان مسكوتا عن التعجيل و التأجيل لان حكم المسكوت حكم المعجل لان هذا عقد معاوضة فيقتضى المساواة من الجانبين و المرأة عينت حق الزوج فيجب أن يعين الزوج حقها و انما يتعين بالتسليم فأما إذا كان مؤجلا بأن تزوجها على مهر آجل فان لم يذكر الوقت لشيء من المهر أصلا بأن قال تزوجتك على ألف مؤجلة أو ذكر وقتا مجهولا جهالة متفاحشة بأن قال تزوجتك على ألف إلى وقت الميسرة أو هبوب الرياح أو إلى أن تمطر السماء فكذلك لان التأجيل لم يصح لتفاحش الجهالة فلم يثبت الاجل و لو قال نصفه معجل و نصفه مؤجل كما جرت العادة في ديارنا و لم يذكر الوقت للمؤجل اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يجوز الاجل و يجب حالا كما إذا قال تزوجتك على ألف مؤجلة و قال بعضهم يجوز و يقع ذلك على وقت وقوع الفرقة بالطلاق أو الموت و روى عن أبى يوسف ما يؤيد هذا القول و هو أن رجلا كفل لامرأة عن زوجها نفقة كل شهر ذكر في كتاب النكاح انه يلزمه نفقة شهر واحد في الاستحسان و ذكر عن أبى يوسف انه يلزمه نفقة كل شهر ما دام النكاح قائما بينهما فكذلك ههنا و ان ذكر وقتا معلوما للمهر فليس لها أن تمنع نفسها في قول أبى حنيفة و محمد و قال أبو يوسف أخيرا لها أن تمنع نفسها سواء كانت المدة قصيرة أو طويلة بعد ان كانت معلومة أو مجهولة جهالة متقاربة كجهالة الحصاد و الدياس ( وجه )
قول أبى يوسف ان من حكم المهر أن يتقدم تسليمه على تسليم النفس بكل حال ألا ترى
انه لو كان معينا أو معين وجب تقديمه فلما قبل الزوج التأجيل كان ذلك رضا بتأخير حقه في القبض بخلاف البائع إذا أجل الثمن انه ليس له ان يحبس المبيع و يبطل حقه في الحبس بتأجيل الثمن لانه ليس من حكم الثمن تقديم تسليمه على تسليم المبيع لا محالة ألا ترى أن الثمن إذا كان عينا يسلمان معا فلم يكن قبول المشترى التأجيل رضا منه باسقاط حقه في القبض وجه قولهما أن المرأة بالتأجيل رضيت باسقاط حق نفسها فلا يسقط حق الزوج كالبائع إذا أجل الثمن انه يسقط حق حبس المبيع بخلاف ما إذا كان التأجيل إلى مدة مجهولة جهالة متفاحشة لان التأجيل ثمة لم يصح فلم يثبت الاجل فبقى المهر حالا و أما قوله من شأن المهر أن يتقدم تسليمه على تسليم النفس فنقول نعم إذا كان معجلا أو مسكوتا عن الوقت فاما إذا كان مؤجلا تأجيلا صحيحا فمن حكمه ان يتأخر تسليمه عن تسليم النفس لان تقديم تسليمه ثبت حقا لها لانه ثبت تحقيقها للمعاوضة المقتضية للمساواة حقا لها فإذا أجلته فقد أسقطت حق نفسها فلا يسقط حق زوجها لانعدام الاسقاط منه و الرضا بالسقوط لهذا المعنى سقط حق البائع في الحبس بتأجيل الثمن كذا هذا و لو كان بعضه حالا و بعضه مؤجلا أجلا معلوما فله أن يدخل بها إذا اعطاها الحال بالاجماع أما عندهما فلان الكل لو كان مؤجلا لكان له أن يدخل بها فإذا كان البعض معجلا و أعطاها ذلك أولى و الفقه ما ذكرنا أن الزوج ما رضى باسقاط حقه فلا يسقط حقه و أما عند أبى يوسف فلانه لما عجل البعض فلم يرض بتأخير حقه عن القبض لانه لو رضى بذلك لم يكن لشرط التعجيل فائدة بخلاف ما إذا كان الكل مؤجلا لانه لما قبل التأجيل فقد رضى بتأخير حقه و لو لم يدخل بها حتى حل أجل الباقى فله ان يدخل بها إذا أعطاها الحال لما قلنا و لو كان الكل مؤجلا أجلا معلوما و شرط أن يدخل بها قبل أن يعطيها كله فله ذلك عند أبى يوسف أيضا لانه لما شرط الدخول لم يرض بتأخير حقه في الاستمتاع و لو كان المهر مؤجلا أجلا معلوما فحل الاجل ليس لها أن تمنع نفسها لتستوفى المهر على أصل أبى حنيفة و محمد لان حق الحبس قد سقط بالتأجيل و الساقط لا يحتمل العود كالثمن في المبيع و على أصل أبى يوسف لها أن تمنع نفسها لان لها أن تمنع قبل حلول الاجل فبعده أولى و لو كان المهر حالا فاخرته شهرا ليس لها أن تمنع عندهما و عنده لها ذلك لان هذا تأجيل طاري فكان حكمه حكم التأجيل المقارن و قد مر الكلام فيه و لو دخل الزوج بها برضاها و هي مكلفة فلها أن تمنع نفسها حتى تأخذ المهر و لها أن تمنعه أن يخرجها من بلدها في قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد ليس لها ذلك و على هذا الخلاف إذا خلا بها وجه قولهما انها بالوطء مرة واحدة أو بالخلوة الصحيحة سلمت جميع المعقود عليه برضاها و هي من أهل التسليم فبطل حقها في المنع كالبائع إذا سلم المبيع و لا شك في الرضا و أهلية التسليم و الدليل على انها سلمت جميع المعقود عليه أن المعقود عليه في هذا الباب في حكم العين و لهذا يتأكد جميع المهر بالوطء مرة واحدة و معلوم أن جميع البدل لا يتأكد بتسليم بعض المعقود عليه و ما يتكرر من الوطآت ملتحق بالاستخدام فلا يقابله شيء من المهر و لابي حنيفة أن المهر مقابل بجميع ما يستوفى من منافع البضع في جميع الوطآت التي توجد في هذا الملك لا بالمستوفى بالوطأة الاولى خاصة لانه لا يجوز اخلاء شيء من منافع البضع عن بدل يقابله احتراما للبضع و إبانة لخطره فكانت هى بالمنع ممتنعة عن تسليم ما يقابله بدل فكان لها ذلك بالوطء في المرة الاولى فكان لها أن تمنعه عن الاول حتى تأخذ مهرها فكذا عن الثاني و الثالث الا أن المهر يتأكد بالوطء مرة واحدة لانه موجود معلوم و ما وراءه معدوم مجهول فلا يزاحمه في الانقسام ثم عند الوجود يتعين قطعا فيصير مزاحما فيأخذ قسطا من البدل كالعبد إذا جنى جناية يجب دفعه بها فان جنى جناية أخرى فالثانية تزاحم الاولى عند وجودها في وجوب الدفع بها و كذا الثالثة و الرابعة إلى ما لا يتناهى بخلاف البائع إذا سلم المبيع قبل قبض الثمن أو بعد ما قبض شيأ منه ثم أراد أن يسترد أنه ليس له ذلك لانه سلم كل المبيع فلا يملك الرجوع فيما سلم و ههنا ما سلمت كل المعقود عليه بل البعض دون البعض لان المعقود عليه منافع البضع و ما سلمت كل المنافع بل بعضها دون البعض فهي بالمنع تمتنع عن تسليم ما لم يحصل مسلما بعد فكان لها ذلك كالبائع إذا
سلم بعض المبيع قبل استيفاء الثمن كان له حق حبس الباقى ليستوفى الثمن كذا هذا و كان أبو القاسم الصفار يفتى في منعها نفسها بقول أبى يوسف و محمد و فى السفر بقول أبى حنيفة و بعد إيفاء المهر كان له أن ينقلها حيث شاء و حكى الفقية أبو جعفر الهندواني عن محمد بن سلمة أنه كان يفتى أن بعد تسليم المهر ليس لزوجها أن يسافر بها قال أبو يوسف و لو وجدت المرأة المهر زيوفا أو ستوقا فردت أو كان المقبوض عرضا اشترته من الزوج بالمهر فاستحق بعد القبض و قد كان دخل بها فليس لها أن تمنع نفسها في جميع ذلك و هذا على أصلهما مستقيم لان من أصلهما أن التسليم من قبض المهر يبطل حق المنع و هذا تسليم من قبض لان ذلك القبض بالرد و الاستحقاق انتقض و التحق بالعدم فصار كانها لم تقبضه و قبل القبض الجواب هكذا عندهما و أما عند أبى حنيفة فينبغي أن يكون لها أن تمنع نفسها ثم فرق أبو يوسف بين هذا و بين المنع أنه إذا استحق الثمن من يد البائع أو وجده زيوفا أو ستوقا فرده له أن يسترد المبيع فيحبسه لان البائع بعد لاسترداد يمكنه الحبس على الوجه الذي كان قبل ذلك و أما ههنا لا يمكنه لانه استوفى بعض منافع البضع فلا يكون هذا الحبس مثل الاول فلا يعود حقها في الحبس و مما يلتحق بهذا الفصل أن للمرأة أن تهب مهرها للزوج دخل بها أو لم يدخل لقوله عز و جل فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا و ليس لاحد من أوليائها الاعتراض عليها سواء كان أبا أو غيره لانها وهبت خالص ملكها و ليس لاحد في عين المهر حق فيجوز و يلزم بخلاف ما إذا زوجت نفسها و قصرت عن مهر مثلها أن للاولياء حق الاعتراض في قول أبى حنيفة لان الامهار حق الاولياء فقد تصرفت في خالص حقهم و لانها ألحقت الضرر بالاولياء بالحاق العار و الشنار بهم فلهم دفع هذا الضرر بالاعتراض و الفسخ و ليس للاب ان يهب مهر ابنته عند عامة العلماء و قال بعضهم له ذلك و تمسكوا بقوله تعالى أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح و الاب بيده عقدة النكاح و لنا أن المهر ملك المرأة و حقها لانه بدل بضعها و بضعها حقها و ملكها و الدليل عليه قوله عز و جل و آتوا النساء صدقاتهن نحلة أضاف المهر إليها فدل أن المهر حقها و ملكها و قوله عز و جل فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا و قوله تعالى منه أى من الصداق لانه هو المكنى السابق أباح للازواج التناول من مهور النساء إذا طابت أنفسهن بذلك و لذا علق سبحانه و تعالى الاباحة بطيب أنفسهن فدل ذلك كله على أن مهرها ملكها و حقها و ليس لاحد أن يهب ملك الانسان بغير اذنه و لهذا لا يملك الولى هبة غيره من أموالها فكذا المهر و أما الآية الشريفة فقد قيل أن المراد من الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج كذا روى عن على رضى الله عنه و هو احدى الروايتين عن ابن عباس رضى الله عنهما و يجوز أن يحمل قول من صرف التأويل إلى الولى على بيان نزول الآية على ما قيل أن حين النزول كان المهور للاولياء و دليله قول شعيب لموسى عليهما الصلاة و السلام انى أريد أن أنكحك احدى إبنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج شرط المهر لنفسه لا لابنته ثم نسخ بما تلونا من الآيات و للمولى أن يهب صداق أمته و مدبرته وأم ولده من زوجها لان المهر ملكه و ليس له أن يهب مهر مكاتبته و لو وهب لا يبرأ الزوج و لا يدفعه إلى المولى لان مهر المكاتبة لها لا للمولى لانه من اكسابها و كسب المكاتب له لا لمولاه و تجوز الزيادة في المهر إذا تراضيا بها و الحط عنه إذا رضيت به لقوله تعالى و لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة رفع الجناح فيما تراضيا به الزوجان بعد الفريضة و هو التسمية و ذلك هو الزيادة في المهر و الحط عنه و أحق ما تصرف اليه الاية الزيادة لانه ذكر لفظة التراضى و انه يكون بين اثنين و رضا المرأة كان في الحط و لان الزيادة تلحق العقد و يصير كأن العقد ورد على الاصل و الزيادة جميعا كالخيار في باب البيع و الاجل فيه فان من اشترى من آخر عبدا بيعا باتا ثم ان أحدهما جعل لصاحبه الخيار يوما جاز ذلك حتى لو نقض البيع جاز نقضه و يصير ذلك كالخيار المشروط في أصل البيع و كذا إذا اشترى عبدا بألف درهم حالة ثم ان البائع أجل المشترى في الثمن شهرا جاز التأجيل و يصير كأنه كان مسمى في العقد كذا ههنا و لا يثبت خيار الرؤية في المهر حتى لو تزوج إمرأة على عبد بعينه أو جارية بعينها و لم تره ثم رأته ليس لها أن ترده بخيار الرؤية لان النكاح لا ينفسخ برده فلو ردت لرجعت عليه بعبد آخر و ثبت لها فيه خيار الرؤية فترده ثم ترجع عليه بآخر
فصل وأما بيان ما يتأكد به المهر
إلى ما لا يتناهى فلم يكن الرد مفيد الخلوة عن العاقبة الحميدة فكان سفها فلا يثبت لها حق الرد و كذلك الخلع و الاعتاق على مال و الصلح عن دم العمد لما قلنا بخلاف البيع انه يثبت فيه خيار الرؤية لان البيع ينفسخ برد المبيع و يرجع بالثمن فكان الرد مفيدا لذلك افترقا و هل يثبت خيار العيب في المهر ينظر في ذلك ان كان العيب يسيرا لا يثبت و ان كان فاحشا يثبت و كذلك هذا في بدل الخلع و الاعتاق على مال و الصلح عن دم العمد بخلاف البيع و الاجارة و بدل الصلح على مال انه يرد بالعيب اليسير و الفاحش لان هناك ينفسخ العقد برده و ههنا لا ينفسخ و إذا لم ينفسخ فيقبض مثله فربما يجد فيه عيبا يسيرا أيضا لان الاعيان لا تخلو عن قليل عيب عادة فيرده ثم يقبض مثله فيؤدى إلى ما لا يتناهى فلا يفيد الرد و هذا المعنى لا يوجد في البيع و الاجارة لانه ينفسخ العقد بالرد فكان الرد مفيدا و لان حق الرد بالعيب انما يثبت استدراكا للفائت و هو صفة السلامة المستحقة بالعقد و العيب إذا كان يسيرا لا يعرف الفوات بيقين لان العيب اليسير يدخل تحت تقويم المقومين لا يخلو عنه فمن مقوم يقومه بدون العيب بألف و من مقوم يقومه مع العيب بألف أيضا فلا يعلم فوات صفة السلامة بيقين فلا حاجة إلى الاستدراك بالرد بخلاف العيب الفاحش لانه لا يختلف فيه المقومون فكان الفوات حاصلا بيقين فتقع الحاجة إلى استدراك الفائت بالرد الا أن هذا المعنى الاخير يشكل بالبيع و أخواته فان العيب اليسير فيها يوجب حق الرد و ان كان هذا المعنى موجودا فيها فالأَصح هو الوجه الاول و لا شفعة في المهر لان من شرائط ثبوت حق الشفعة معاوضة المال بالمال لما نذكره في كتاب الشفعة ان شاء الله تعالى و النكاح معاوضة البضع بالمال فلا يثبت فيه حق الشفعة ( فصل )
( و أما )
بيان ما يتأكد به المهر فالمهر يتأكد بأحد معان ثلاثة الدخول و الخلوة الصحيحة و موت أحد الزوجين سواء كان مسمى أو مهر المثل حتى لا يسقط شيء منه بعد ذلك الا بالابراء من صاحب الحق أما التأكد بالدخول فمتفق عليه و الوجه فيه أن المهر قد وجب بالعقد و صار دينا في ذمته و الدخول لا يسقطه لانه استيفاء المعقود عليه و استيفاء المعقود عليه يقرر البدل لا أن يسقطه كما في الاجارة و لان المهر يتأكد بتسليم المبدل من استيفائه لما نذكر فلان يتأكد بالتسليم مع الاستيفاء أولى ( و أما )
التأكد بالخلوة فمذهبنا و قال الشافعي لا يتأكد المهر بالخلوة حتى لو خلا بها خلوة صحيحة ثم طلقها قبل الدخول بها في نكاح فيه تسمية يجب عليه كمال المسمى عندنا و عنده نصف المسمى و ان لم يكن في النكاح تسمية يجب عليه كمال مهر المثل عندنا و عنده يجب عليه المتعة و على هذا الاختلاف وجوب العدة بعد الخلوة قبل الدخول عندنا تجب و عنده لا تجب و احتج بقوله تعالى و ان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن و قد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم أوجب الله تعالى نصف المفروض في الطلاق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية لان المراد من المس هو الجماع و لم يفصل بين حال وجود الخلوة و عدمها فمن أوجب كل المفروض فقد خالف النص و قوله تعالى لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن أى و لم تفرضوا لهن فريضة فمتعوهن أوجب تعالى لهن المتعة في الطلاق في نكاح لا تسمية فيه مطلقا من فصل بين حال وجود الخلوة و عدمها و قوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن فدلت الآية الشريفة على نفى وجوب العدة و وجوب المتعة قبل الدخول من فصل و لان تأكد المهر يتوقف على استيفاء المستحق بالعقد و هو منافع البضع و استيفاؤها بالوطء و لم يوجد و لا ضرورة لها في التوقف لان الزوج لا يخلو إما أن يستوفى أو يطلق فان استوفى تأكد حقها و ان طلق يفوت عليها نصف المهر لكن بعوض هو خير لها لان المعقود عليه يعود عليها سليما مع سلامة نصف المهر لها بخلاف الاجارة انه تتأكد الاجرة فيها بنفس التخلية و لا يتوقف التأكد على استيفاء المنافع لان في التوقف هناك ضرر بالآجر لان الاجارة مدة معلومة فمن الجائز أن يمنع المستأجر من استيفاء المنافع مدة الاجارة بعد التخلية فلو توقف تأكد الاجرة على حقيقة الاستيفاء و ربما لا يستوفى لفائت المنافع عليه مجانا
بلا عوض فيتضرر به الاجر فأقيم التمكن من الانتفاع مقام استيفاء المنفعة دفعا للضرر عن الآجر و ههنا لا ضرر في التوقف على ما بينا فتوقف التأكد على حقيقة الاستيفاء و لم يوجد فلا يتأكد و لنا قوله عز و جل و ان أردتم استبدال زوج مكان زوج و آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيأ أ تاخذونه بهتانا و اثما مبينا و كيف تأخذونه و قد أفضي بعضكم إلى بعض نهى سبحانه و تعالى الزوج عن أخذ شيء مما ساق إليها من المهر عند الطلاق و أبان عن معنى النهى لوجود الخلوة كذا قال القراء ان الافضاء هو الخلوة دخل بها أو لم يدخل و مأخذ اللفظ دليل على أن المراد منه الخلوة الصحيحة لان الافضاء مأخوذ من الفضاء من الارض و هو الموضع الذي لا نبات فيه و لا بناء فيه و لا حاجز يمنع عن إدراك ما فيه فكان المراد منه الخلوة على هذا الوجه و هي التي لا حائل فيها و لا مانع من الاستمتاع عملا بمقتضى اللفظ فظاهر النص يقتضى أن لا يسقط شيء منه بالطلاق الا أن سقوط النصف بالطلاق قبل الدخول و قبل الخلوة في نكاح فيه تسمية و اقامة المتعة مقام نصف مهر المثل في نكاح لا تسمية فيه ثبت بدليل آخر فبقى حال ما بعد الخلوة على ظاهر النص و روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من كشف خمار إمرأته و نظر إليها وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل و هذا نص في الباب و روى عن زرارة بن أبى أوفى أنه قال قضى الخلفاء الراشدون المهديون انه إذا أرخى الستور و أغلق الباب فلها الصداق كاملا و عليها العدة دخل بها أو لم يدخل بها و حكى الطحاوي في هذه المسألة إجماع الصحابة من الخلفاء الراشدين و غيرهم و لان المهر قد وجب بنفس العقد أما في نكاح فيه تسمية فلا شك فيه و اما في نكاح لا تسمية فيه فلما ذكرنا في مسألة المفوضة الا أن الوجوب بنفس العقد ثبت موسعا و يتضيق عند المطالبة و الدين المضيق واجب القضاء قال النبي صلى الله عليه و سلم الدين مضيق و لان المهر متى صار ملكا لها بنفس العقد فالملك الثابت لانسان لا يجوز أن يزول الا بإزالة المالك أو بعجزه عن الانتفاع بالمملوك حقيقة اما لمعنى يرجع إلى المالك أو لمعنى يرجع إلى المحل و لم يوجد شيء من ذلك فلا يزول الا عند الطلاق قبل الدخول و قبل الخلوة سقط النصف باسقاط الشرع معقول المعنى الا بالطلاق لان الطلاق فعل الزوج و المهر ملكها و الانسان لا يملك إسقاط حق الغير عن نفسه و لانها سلمت المبدل إلى زوجها فيجب على زوجها تسليم البدل إليها كما في البيع و الاجارة و الدليل على انها سلمت المبدل ان المبدل هو ما يستوفى بالوطء و هو المنافع الا أن المنافع قبل الاستيفاء معدومة فلا يتصور تسليمها لكن لها محل موجود و هو العين و انها متصور التسليم حقيقة فيقام تسليم العين مقام تسليم المنفعة كما في الاجارة و قد وجد تسليم المحل لان التسليم هو جعل الشيء سالما للمسلم اليه و ذلك برفع الموانع و قد وجد لان الكلام في الخلوة الصحيحة و هي عبارة عن التمكن من الانتفاع و لا يتحقق التمكن الا بعد ارتفاع الموانع كلها فثبت انه وجد منها تسليم المبدل فيجب على الزوج تسليم البدل لان هذا عقد معاوضة و انه يقتضى تسليما بازاء التسليم كما يقتضى ملكا بازاء ملك تحقيقا بحكم المعاوضة كما في البيع و الاجارة و أما الآية فقال بعض أهل التأويل ان المراد من المسيس هو الخلوة فلا تكون حجة على ان فيها إيجاب نصف المفروض لا إسقاط النصف الباقى ألا ترى ان من كان في يده عبد فقال نصف هذا العبد لفلان لا يكون ذلك نفيا للنصف الباقى فكان حكم النصف الباقى مسكوتا عنه فبقيت على قيام الدليل و قد قام الدليل على البقاء و هو ما ذكرنا فيبقى و أما قوله التأكد انما يثبت باستيفاء المستحق فممنوع بل كما يثبت باستيفاء المستحق يثبت بتسليم المستحق كما في الاجارة و تسليمه بتسليم محله و قد حصل ذلك بالخلوة الصحيحة على ما بينا ثم تفسير الخلوة الصحيحة هو أن لا يكون هناك مانع من الوطء لا حقيقى و لا شرعي و لا طبعي اما المانع الحقيقي فهو أن يكون أحدهما مريضا مرضا يمنع الجماع أو صغيرا لا يجامع مثله أو صغيرا لا يجامع مثلها أو كانت المرأة رتقاء أو قرناء لان الرتق و القرن يمنعان من الوطء و تصح خلوة الزوج ان كان الزوج عنينا أو خصيا لان العنة و الخصاء لا يمنعان من الوطء فكانت خلوتهما كخلوة غيرهما و تصح خلوة المجبوب في قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد لا تصح ( وجه )
قولهما ان الجب يمنع من الوطء فيمنع صحة الخلوة كالقرن و الرتق و لابي حنيفة انه
يتصور منه السحق و الايلاد بهذا الطريق ألا ترى لو جاءت إمرأته بولد يثبت النسب منه بالاجماع و استحقت كمال المهر ان طلقها و ان لم يوجد منه الوطء المطلق فيتصور في حقه ارتفاع المانع من وطء مثله فتصح خلوته و عليها العدة اما عنده فلا يشكل لان الخلوة إذا صحت أقيمت مقام الوطء في حق تأكد المهر ففى حق العدة أولى لانه يحتاط في إيجابها و أما عندهما فقد ذكر الكرخي ان عليها العدة عندهما أيضا و قال أبو يوسف ان كان المجبوب ينزل فعليها العدة لان المجبوب قد يقذف بالماء فيصل إلى الرحم و يثبت نسب ولده فتجب العدة احتياطا فان جاءت بولد ما بينها و بين سنتين لزمه و وجب لها جميع الصداق لان الحكم بثبات النسب يكون حكما بالدخول فيتاكد المهر على قولهما أيضا و ان كان لا ينزل فلا عدة عليها فان جاءت بولد لاقل ستة أشهر ثبت نسبه و الا فلا يثبت كالمطلقة قبل الدخول و كالمعتدة إذا أقرت بانقضاء العدة و أما المانع الشرعي فهو ان يكون أحدهما صائما صوم رمضان أو محرما بحجة فيضة أو نفل أو بعمرة أو تكون المرأة حائضا أو نفساء لان كل ذلك محرم للوطء فكان مانعا من الوطء شرعا و الحيض و النفاس يمنعان منه طبعا أيضا لانهما اذى و الطبع السليم ينفر عن استعمال الاذى و أما في صوم رمضان فقد روى بشر عن أبى يوسف ان صوم التطوع و قضاء رمضان و الكفارات و النذور لا يمنع صحة الخلوة و ذكر الحاكم الجليل في مختصره ان نفل الصوم كفرضه فصار في المسألة روايتان ( وجه )
رواية المختصر ان صوم التطوع يحرم الفطر من عذر فصار كحج التطوع و ذا يمنع صحة الخلوة كذا هذا ( وجه )
رواية بشر ان صوم رمضان مضمون بالقضاء لا فلم يكن قويا في معنى المنع بخلاف صوم رمضان فانه يجب فيه القضاء و الكفارة و كذا حج التطوع فقوى المانع ( و وجه )
آخر من الفرق بين صوم التطوع و بين صوم رمضان ان تحريم الفطر في صوم التطوع من عذر مقطوع به لكونه محل الاجتهاد و كذا لزوم القضاء بالافطار فلم يكن مانعا بيقين و حرمة الافطار في صوم رمضان من عذر مقطوع بها و كذا لزوم القضاء فكان مانعا بيقين ( و أما )
المانع الطبعي فهو أن يكون معهما ثالث لان الانسان يكره أن يجامع إمرأته بحضرة ثالث و يستحي فينقبض عن الوطء بمشهد منه و سواء كان الثالث بصيرا أو أعمى يقظانا أو نائما بالغا أو صبيا بعد أن كان عاقلا رجلا أو إمرأة أجنبية أو منكوحته لان الاعمى ان كان لا يبصر فيحس و النائم يحتمل أن يستيقظ ساعة فساعة فينقبض الانسان عن الوطء مع حضوره و الصبي العاقل بمنزلة الرجل يحتشم الانسان منه كما يحتشم من الرجل و إذا لم يكن عاقلا فهو ملحق بالبهائم لا يمتنع الانسان عن الوطء لمكانه و لا يلتفت اليه و الانسان يحتشم من المرأة الاجنبية و يستحي و كذا لا يحل لها النظر إليهما فينقبضان لمكانها و إذا كان هناك منكوحة له أخرى أو تزوج إمرأتين فخلا بهما فلا يحل لها النظر إليهما فينقبض عنها و قد قالوا انه لا يحل لرجل أن يجامع إمرأته بمشهد إمرأة اخرى و لو كان الثالث جارية له فقد روى ان محمدا كان يقول أولا تصح خلوته ثم رجع و قال لا تصح ( وجه )
قوله الاول ان الامة ليست لها حرمة الحرة فلا يحتشم المولى منها و لذا يجوز لها النظر اليه فلا تمنعه عن الوطء ( وجه )
قوله الاخير ان الامة ان كان يجوز لها النظر اليه لا يجوز لها النطر إليها فتنقبض المرأة لذلك و كذا قالوا لا يحل له الوطء بمشهد منها كما لا يحل بمشهد إمرأته الاخرى و لا خلوة في المسجد و الطريق و الصحراء و على سطح لا حجاب عليه لان المسجد يجمع الناس للصلاة و لا يؤمن من الدخول عليه ساعة فساعة و كذا الوطء في المسجد حرام قال الله عز و جل و لا تباشروهن و أنتم عاكفون في المساجد و الطريق ممر الناس لا تخلو عنهم عادة و ذلك يوجب الانقباض فيمنع الوطء و كذا الصحراء و السطح من حجاب لان الانسان ينقبض عن الوطء في مثله لاحتمال ان يحصل هناك ثالث أو ينظر اليه أحد معلوم ذلك بالعادة و لو خلا بها في حجلة أو قبة فارخى الستر عليه فهو خلوة صحيحة لان ذلك في معنى البيت و لا خلوة في النكاح الفاسد لان الوطء فيه حرام فكان المانع الشرعي قائما و لان الخلوة مما يتأكد به المهر و تاكده بعد وجوبه يكون و لا يجب بالنكاح الفاسد شيء فلا يتصور التأكد و الله عز و جل أعلم ثم في كل موضع صحت الخلوة و تأكد المهر وجبت العدة
لان الخلوة الصحيحة لما أوجبت كمال المهر فلان توجب العدة أولى لان المهر خالص حق العبد و فى العدة حق الله تعالى فيحتاط فيها و فى كل موضع فسدت فيه الخلوة لا يجب كمال المهر و هل تجب العدة ينظر في ذلك ان كان الفساد لمانع حقيقى لا تجب لانه لا يتصور الوطء مع وجود المانع الحقيقي منه و ان كان المانع شرعيا أو طبعيا تجب لان الوطء مع وجود هذا النوع من المانع ممكن فيتهمان في الوطء فتجب العدة عند الطلاق احتياطا و الله عز و جل الموفق و أما التأكد بموت أحد الزوجين فنقول لا خلاف في ان أحد الزوجين إذا مات حتف أنفه قبل الدخول في نكاح فيه تسمية انه يتأكد المسمى سواء كانت المرأة حرة أو أمة لان المهر كان واجبا بالعقد و العقد لم ينفسخ بالموت بل انتهى نهايته لانه عقد للعمر فتنتهى نهايته عند انتهاء العمر و إذا انتهى يتأكد فيما مضى و يتقرر بمنزلة الصوم يتقرر بمجئ الليل فيتقرر الواجب و لان كل المهر لما وجب بنفس العقد صار دينا عليه و الموت لم يعرف مسقطا للدين في أصول الشرع فلا يسقط شيء منه بالموت كسائر الديون و كذا إذا قتل أحدهما سواء كان قتله أجنبي أو قتل أحدهما صاحبه أو قتل الزوج نفسه فاما إذا قتلت المرأة نفسها فان كانت حرة لا يسقط عن الزوج شيء من المهر بل يتأكد المهر عندنا و عند زفر و الشافعي يسقط المهر ( وجه )
قولهما انها بالقتل فوتت على الزوج حقه في المبدل فيسقط حقها في البدل كما إذا ارتدت قبل الدخول أو قبلت ابن زوجها أو أباه ( و لنا )
ان القتل انما يصير تفويتا للحق عند زهوق الروح لانه انما يصير قتلا في حق المحل عند ذلك و المهر في تلك الحالة ملك الورثة فلا يحتمل السقوط بفعلها كما إذا قتلها زوجها أو أجنبي بخلاف الردة و التقبيل لان المهر وقت التقبيل و الردة كان ملكها فاحتمل السقوط بفعلها كما إذا قتلها زوجها أو قتل المولى أمته سقط مهرها في قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد لا يسقط بل يتأكد ( وجه )
قولهما ان الموت مؤكد للمهر و قد وجد الموت لان المقتول ميت باجله فيتأكد بالموت كما إذا قتلها أجنبي أو قتلها زوجها و كالحرة إذا قتلت نفسها و لان الموت انما أكد المهر لانه ينتهى به النكاح و الشئ إذا انتهى نهايته يتقرر و هذا المعنى موجود في القتل لانه ينتهى به النكاح فيتقرر به المبدل و تقرر المبدل يوجب تقرر البدل و لابي حنيفة ان من له البدل فوت المبدل على صاحبه و تفويت المبدل على صاحبه يوجب سقوط البدل كالبائع إذا أتلف المبيع قبل القبض انه يسقط الثمن لما قلنا كذا هذا و لا شك انه وجد تفويت المبدل ممن يستحق البدل لان المستحق للمبدل هو المولى و قد أخرج المبدل عن كونه مملوكا للزوج و الدليل على ان هذا يوجب سقوط البدل ان الزوج لا يرضى بملك البدل عليه بعد فوات المبدل عن ملكه فكان إيفاء البدل عليه بعد زوال المبدل عن ملكه اضرارا به و الاصل في الضرر ان لا يكون فكان اقدام المولى على تفويت المبدل عن ملك الزوج و الحالة هذه إسقاطا للبدل دلالة فصار كما لو أسقطه نصا بالابراء بخلاف الحرة إذا قتلت نفسها لانها وقت فوات المبدل لم تكن مستحقة للبدل لانتقاله إلى الورثة على ما بينا و الانسان لا يملك إسقاط حق غيره و ههنا بخلافه و لان المهر وقت فوات المبدل على الزوج ملك المولى و حقه و الانسان يملك التصرف في ملك نفسه استيفاء و إسقاطا فكان محتملا للسقوط بتفويت المبدل دلالة كما كان محتملا للسقوط بالاسقاط نصا بالابراء و هو الجواب عما إذا قتلها زوجها أو أجنبي لانه لا حق للاجنبي و لا للزوج في مهرها فلا يحتمل السقوط باسقاطهما و لهذا لا يحتمل السقوط باسقاطهما نصا فكيف يحتمل السقوط من طريق الدلالة و الدليل على التفرقة بين هذه الفصول ان قتل الحرة نفسها لا يتعلق به حكم من أحكام الدنيا فصار كموتها حتف أنفها حتى قال أبو حنيفة و محمد انها تغسل و يصلى عليها كما لو ماتت حتف انفها و قتل المولى أمته يتعلق به وجوب الكفارة و قتل الاجنبي إياها يتعلق به وجوب القصاص ان كان عمدا والدية و الكفارة ان كان خطأ فلم يكن قتلها بمنزلة الموت هذا إذا قتلها المولى فاما إذا قتلت نفسها فعن أبى حنيفة فيه روايتان روى أبو يوسف عنه انه لا مهر لها و روى محمد عنه ان لها المهر و هو قولهما ( وجه )
الرواية الاولى ان قتلها نفسها بمنزلة قتل المولى إياها بدليل ان جنايتها كجنايته في باب الضمان لانها مضمونة بمال المولى و لو قتلها المولى يسقط المهر
فصل وأما بيان ما يسقط به كل المهر
عنده فكذا إذا قتلت نفسها ( وجه )
الرواية الاخرى ان البدل حق المولى و ملكه فتفويت المبدل منها لا يوجب بطلان حق المولى بخلاف جناية المولى و الدليل على التفرقة بين الجنايتين ان جنايتها على نفسها هدر بدليل انه لا يتعلق بها حكم من أحكام الدنيا فالتحقت بالعدم و صارت كانها ماتت حتف أنفها بخلاف جناية المولى عليها فانها مضمونة بالكفارة و هي من أحكام الدنيا فكانت جنايته عليها معتبر فلا تجعل بمنزلة الموت و الله عز و جل الموفق و إذا تأكد المهر بأحد المعاني التي ذكرناها لا يسقط بعد ذلك و ان كانت الفرقة من قبلها لان البدل بعد تأكده لا يحتمل السقوط الا بالابراء كالثمن إذا تأكد بقبض المبيع و اما إذا مات أحد الزوجين في نكاح لا تسمية فيه فانه يتأكد مهر المثل عند أصحابنا و هو مذهب عبد الله بن مسعود رضى الله عنهما و عن على رضى الله عنه ان لها المتعة و به أخذ الشافعي الا انه قال متعتها ما استحقت من الميراث لا احتج من قال بوجوب المتعة بقوله تعالى لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة و متعوهن و قوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات إلى قوله عز و جل فمتعوهن أمر سبحانه و تعالى بالمتعة من فصل بين حال الموت و غيرها و النص و ان ورد في الطلاق لكنه يكون واردا في الموت ألا ترى ان النص ورد في صريح الطلاق ثم ثبت حكمه في الكنايات من الابانة و التسريح و التحريم و نحو ذلك كذا ههنا ( و لنا )
ما روينا عن معقل بن سنان ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى في بروع بنت و أشق و قد مات عنها زوجها قبل ان يدخل بها بمهر المثل و لان المعنى الذي له وجب كل المسمى بعد موت أحد الزوجين في نكاح فيه تسمية موجود في نكاح لا تسمية فيه و هو ما ذكرنا فيما تقدم و لا حجة له في الآية لان فيها إيجاب المتعة في الطلاق لا في الموت فمن ادعى إلحاق الموت بالطلاق فلا بد له من دليل آخر ( فصل )
و اما بيان ما يسقط به كل المهر فالمهر كله يسقط بأسباب أربعة منها الفرقة بغير طلاق قبل الدخول بالمرأة و قبل الخلوة بها فكل فرقة حصلت بغير طلاق قبل الدخول و قبل الخلوة تسقط جميع المهر سواء كانت من قبل المرأة أو من قبل الزوج و انما كان كذلك لان الفرقة بغير طلاق تكون فسخا للعقد و فسخ العقد قبل الدخول يوجب سقوط كل المهر لان فسخ العقد رفعه من الاصل و جعله كان لم يكن و سنبين الفرقة التي تكون بغير طلاق و التى تكون بطلاق ان شاء الله تعالى في موضعها و منها الابراء عن كل المهر قبل الدخول و بعده إذا كان المهر دينا لان الابراء إسقاط و الاسقاط ممن هو من أهل الاسقاط في محل قابل للسقوط يوجب السقوط و منها الخلع على المهر قبل الدخول و بعده ثم ان كان المهر مقبوض سقط عن الزوج و ان كان مقبوضا ردته على الزوج و ان كان خالعها على مال سوى المهريلزمها ذلك المال و يبرأ الزوج عن كل حق وجب لها عليه بالنكاح كالمهر و النفقة الماضية في قول أبى حنيفة لان الخلع و ان كان طلاقا بعوض عندنا لكن فيه معنى البراءة لما نذكره ان شاء الله تعالى في مسألة المخالعة و المبارأة في كتاب الطلاق في بيان حكم الخلع و عمله ان شاء الله تعالى و منها هبة كل المهر قبل القبض عينا كان أو دينا و بعده إذا كان عينا و جملة الكلام في هبة المهر ان المهر لا يخلو اما ان يكون عينا و هو ان يكون معينا مشارا اليه مما يصح تعيينه و اما ان يكون دينا و هو ان يكون في الذمة كالدراهم و الدنانير معينة كانت أو معينة و المكيلات و الموزونات في الذمة و الحيوان في الذمة كالعبد و الفرس و العرض في الذمة كالثوب الهروي و الحال لا يخلو اما ان يكون قبل القبض و اما ان يكون بعد القبض وهبت كل المهر أو بعضه فان وهبته كل المهر قبل القبض ثم طلقها قبل الدخول بها فلا شيء له عليها سواء كان المهر عينا أو دينا في قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر يرجع عليها بنصف المهر ان كان دينا و به أخذ الشافعي ( وجه )
قول زفر انها بالهبة تصرفت في المهر بالاسقاط و إسقاط الدين استهلاكه و الاستهلاك يتضمن القبض فصار كانها قبضت ثم وهبت و لنا ان الذي يستحقه الزوج بالطلاق قبل القبض عاد اليه من جهتها بسبب لا يوجب الضمان لانه يستحق نصف المهر فقد عاد اليه بالهبة
فصل وأما بيان ما يسقط به نصف المهر
و الهبة لا توجب الضمان فلا يكون له حق الرجوع عليها بالنصف كالنصف الآخر و ان وهبت بعد القبض فان كان الموهوب عينا فقبضه ثم وهبه منها لم يرجع عليها بشيء لان ما تستحقه بالطلاق قبل الدخول هو نصف الموهوب بعينه و قد رجع اليه بعقد لا يوجب الضمان فلم يكن له الرجوع عليها و ان كانت دينا في الذمة فان كان حيوانا أو عرضا فكذلك لا يرجع عليها شيء لان الذي تستحقه بالطلاق قبل الدخول نصف ذلك الشيء بعينه من العبد و الثوب فصار كانه تعين بالعقد و ان كان دراهم أو دنانير معينة أو معينة أو مكيلا أو موزونا سوى الدراهم و الدنانير فقبضته ثم وهبته منه ثم طلقها يرجع عليها بمثل نصفه لان المستحق بالطلاق ليس هو الذي وهبته بعينه بل مثله بدليل انها كانت مخيرة في الدفع ان شاءت دفعت ذلك بعينه و ان شاءت دفعت مثله كما كان الزوج مخيرا في الدفع إليها بالعقد فلم يكن العائد اليه عين ما يستحقه بالطلاق قبل الدخول فصار كانها وهبت ما لا آخر و لو كان كذلك لرجع عليها بمثل نصف الصداق كذا هذا و قال زفر في الدراهم و الدنانير إذا كانت معينة فقبضتها ثم وهبتها ثم طلقها انه لا رجوع للزوج عليها بشيء بناء على ان الدراهم و الدنانير عنده تتعين بالعقد فتتعين بالفسخ أيضا كالعروض و عندنا لا تتعين بالعقد فلا تتعين بالفسخ و المسألة ستأتي في كتاب البيوع و كذلك إذا كان المهر دينا فقبضت الكل ثم وهبت البعض فللزوج ان يرجع عليها بنصف المقبوض لان له ان يرجع عليها إذا وهبت الكل فإذا وهبت البعض أولى و إذا قبضت النصف ثم وهبت النصف الباقى أو وهبت الكل ثم طلقها قبل الدخول بها قال أبو حنيفة لا يرجع الزوج عليها بشيء و قال أبو يوسف و محمد يرجع عليها بربع المهر ( وجه )
قولهما ان المستحق للزوج بالطلاق قبل الدخول نصف المهر فإذا قبضت النصف دون النصف فقد استحق النصف مشاعا فيما في ذمته و فيما قبضت فكان نصف النصف و هو ربع الكل في ذمته و نصف النصف فيما قبضت الا انها إذا لم تكن وهبته حتى طلقها لم يرجع عليها بشيء لانه صار ما في ذمته قصاصا بما له عليها فإذا وهبت بقي حقه في نصف ما في يدها و هو الربع فيرجع عليها بذلك و لابي حنيفة ان الذي يستحقه الزوج بالطلاق قبل الدخول ما في ذمته بدليل انها لو لم تكن وهبت و طلقها لم يرجع عليها بشيء و قد عاد اليه ما كان في ذمته بسبب لا يوجب الضمان و هو الهبة فلا يكون له الرجوع بشيء و لو كان المهر جارية فولدت بعد القبض أو جنى عليها فوجب الاطرش أو كان شجرا فاثمرا و دخله عيب ثم وهبته منه ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بنصف القيمة لان حق الزوج ينقطع عن العين بهذه العوارض بدليل انه لا يجوز له أخذها مع الزيادة و إذا كان حقه منقطعا عنها لم يعد اليه بالهبة ما استحقه بالطلاق فكان له قيمتها و إذا حدث به عيب فألحق و ان لم ينقطع عن العين به لكن يجوز له تركه مع العيب فلم يكن الحق متعلقا بالعين على سبيل اللزوم و لم يكن الواصل إلى الزوج عين ما يستحقه بالطلاق و لو كانت الزيادة في بدنها فوهبتها له ثم طلقها كان له ان يضمنها في قول أبى يوسف و أبى حنيفة خلافا لمحمد بناء على ان الزيادة المتصلة لا تمنع التنصيف عندهما و عنده تمنع و إذا باعته المهر أو و هيته على عوض ثم طلقها رجع عليها بمثل نصفه فيما له مثل و بنصف القيمة فيما لا مثل له لان المهر عاد إلى الزوج بسبب يتعلق به الضمان فوجب له الرجوع و إذا ثبت له الرجوع ضمنها كما لو باعته من أجنبي ثم اشتراه الزوج من الاجنبي ثم ان كانت باعت قبل القبض فعليها نصف القيمة يوم البيع لانه دخل في ضمانها بالبيع و ان كانت قبضت ثم باعت فعليها نصف القيمة يوم القبض لانه دخل في ضمانها بالقبض و الله عز و جل أعلم ( فصل )
و أما بيان ما يسقط به نصف المهر فما يسقط به نصف المهر نوعان نوع يسقط نصف المهر صورة و معنى و نوع يسقط به نصف المهر معنى و الكل صورة اما النوع الاول فهو الطلاق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية المهر و المهر دين لم يقبض بعد و جملة الكلام فيه ان الطلاق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية قد يسقط به عن الزوج نصف المهر و قد يعود به اليه النصف و قد يكون له به مثل النصف صورة و معنى أو معنى لا صورة و بيان هذه الجملة ان المهر المسمى اما ان يكون دينا و اما ان يكون عينا و كل ذلك لا يخلو اما ان يكون مقبوضا و اما ان يكون
مقبوض فان كان دينا فلم يقبضه حتى طلقها قبل الدخول بها سقط نصف المسمى بالطلاق و بقى النصف هذا طريق عامة المشايخ و قال بعضهم ان الطلاق قبل الدخول يسقط جميع المسمى و انما يجب نصف آخر ابتداء على طريقة المتعة لا بالعقد الا ان هذه المتعة مقدرة بنصف المسمى و المتعة في الطلاق قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه مقدرة بنصف مهر المثل و إلى هذا الطريق ذهب الكرخي و الرازى و كذا روى عن إبراهيم النخعي انه قال في الذي طلق قبل الدخول و قد سمى لها ان لها نصف المهر و ذلك متعتها و احتجوا بقوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن و سرحوهن أوجب الله تعالى المتعة في الطلاق قبل الدخول من فصل بين ما إذا كان في النكاح تسمية أو لم يكن إلا ان هذه المتعة قدرت بنصف المسمى بدليل آخر و هو قوله عز وجل فنصف ما فرضتم و لان النكاح انفسخ بالطلاق قبل الدخول لان المعقود عليه عاد سليما إلى المرأة و سلامة المبدل لاحد المتعاقدين يقتضى سلامة البدل للآخر كما في الاقالة في باب البيع قبل القبض و هذا لان المبدل إذا عاد سليما إلى المرأة فلو لم تسلم البدل إلى الزوج لاجتمع البدل و المبدل في ملك واحد في عقد المعاوضة و هذا لا يجوز و لهذا المعنى سقط الثمن عن المشترى بالاقالة قبل القبض كذا المهر و لعامة المشايخ قوله عز و جل و ان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن و قد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم أوجب سبحانه و تعالى نصف المفروض فإيجاب نصف آخر على طريق المتعة إيجاب ما ليس بمفروض و هذا خلاف النص و لان الطلاق تصرف في الملك بالابطال وضعا لانه موضوع لرفع القيد و هو الملك فكان تصرفا في الملك ثم إذا بطل الملك لا يبقى النكاح في المستقبل و ينتهى لعدم فائدة البقاء و يتقرر فيما مضى بمنزلة الاعتاق لانه إسقاط الملك فيكون تصرفا في الملك ثم السبب ينتهى في المستقبل لعدم فائدة البقاء و يتقرر فيما مضى كذا الطلاق و كان ينبغى ان لا يسقط شيء من المهر كما لا يسقط بالموت الا ان سقوط النصف ثبت بدليل و لان المهر يجب بأحداث ملك المتعة جبرا للذل بالقدر الممكن و بالطلاق لا يتبين ان الملك لم يكن الا انه سقط بالنص و أما النص فقد قيل انه منسوخ بالنص الذي في سورة البقرة و هو قوله عز و جل و ان طلقتموهن الآية أو يحمل الامر بالتمتع على الندب و الاستحباب أو يحمل على الطلاق في نكاح لا تسمية فيه عملا بالدلائل و قولهم الطلاق فسخ النكاح ممنوع بل هو تصرف في الملك بالقطع و الابطال فيظهر أثره في المستقبل كالاعتاق و به تبين ان المعقود عليه ما عاد إلى المرأة لان المعقود عليه هو ملك المتعة و انه لا يعود إلى المرأة بل يبطل ملك الزوج عن المتعة بالطلاق و يصير لها في المستقبل الا ان يعود أو يقال ان الطلاق قبل الدخول يشبه الفسخ لما قالوا و يشبه الابطال لما قلنا و شبه الفسخ يقتضى سقوط كل البدل كما في الاقالة قبل القبض و شبه الابطال يقتضى ان لا يسقط شيء من البدل كما في الاعتاق قبل القبض فيتنصف توفير الحكم على الشبهين عملا بهما بقدر الامكان و الدليل على صحة هذا الطريق ما ظهر من القول عن أصحابنا فيمن تزوج إمرأة على خمس من الابل السائمة و سلمها إلى المرأة فحال عليها الحول ثم طلقها قبل الدخول بها انه يسقط عنها نصف الزكاة و لو سقط المسمى كله ثم وجب نصفه بسبب آخر لسقط كل الزكاة و لان القول بسقوط كل المهر ثم يوجب نصفه مفيد و الشرع لا يرد بما لا فائدة فيه و الله عز و جل أعلم و لو شرط مع المسمى الذي هو مال ما ليس بمال بان تزوجها على ألف درهم و على ان يطلق إمرأته الاخرى أو على ان لا يخرجها من بلدها ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف المسمى و سقط الشرط لان هذا شرط إذا لم يقع الوفاء به يجب تمام مهر المثل و مهر المثل لا يثبت في الطلاق قبل الدخول فسقط اعتباره فلم يبق الا المسمى فيتنصف و كذلك ان شرط مع المسمى شيئا مجهولا كما إذا تزوجها على ألف درهم و كرامتها أو على ألف درهم و ان يهدى إليها هدية ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف المسمى لانه إذا لم يف بالكرامة و الهدية يجب تمام مهر المثل و مهر المثل لا مدخل له في الطلاق قبل الدخول فسقط اعتبار هذا الشرط و كذلك لو تزوجها على ألف أو على الفين حتى وجب مهر المثل في قول أبى حنيفة و فى قولهما الاقل ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الالف بالاجماع
أما عند أبى حنيفة فلان الواجب هو مهر المثل و انه لا يثبت في الطلاق قبل الدخول و أما عندهما فلان الواجب هو الاقل فيتنصف و كذلك لو تزوجها على ألف ان لم يكن له إمرأة و على الفين ان كانت له إمرأة حتى فسد الشرط التالي عند أبى حنيفة فطلقها قبل الدخول فلها نصف الاقل لما قلنا و عندهما الشرطان جائزان فايهما وجد فلها نصف ذلك بالطلاق قبل الدخول و لو تزوجها على أقل من عشرة ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف ما سمى و تمام خمسة دراهم لان تسمية ما دون العشرة تسمية للعشرة عندنا فكأنه تزوجها على ذلك الشيء و تمام عشرة دراهم و ان كان قد قبضته فان كان دراهم أو دنانير معينة أو معينة أو كان مكيلا أو موزونا في الذمة فقبضته و هو قائم في يدها فطلقها فعليها رد نصف المقبوض و ليس عليها رد عين ما قبضت لان عين المقبوض لم يكن واجبا بالعقد فلا يكن واجبا بالفسخ و أما على أصل زفر فالدراهم و الدنانير تتعين بالعقد فتتعين بالفسخ فعليها رد نصف عين المقبوض ان كان قائما و ان كان عبدا وسطا أو ثوبا وسطا فسلمه إليها ثم طلقها قبل الدخول بها فعليها رد نصف المقبوض لان العبد لا مثل له و الاصل فيما لا مثل له انه لا يجب في الذمة الا انه وجب الوسط منه في الذمة و تحملت الجهالة فيه لما ذكرنا فيما تقدم فإذا تعين بالقبض كان إيجاب نصف العين أعدل من إيجاب المثل أو القيمة فوجب عليها رد نصف عين المقبوض كما لو كان معينا فقبضته و لا يملكه الزوج بنفس الطلاق لما نذكر و هذا إذا كان المهر دينا فقبضته أو لم تقبضه حتى ورد الطلاق قبل الدخول فاما إذا كان عينا بان كان معينا مشارا اليه مما يحتمل التعيين كالعبد و الجارية و سائر الاعيان فلا يخلو اما ان كان بحاله لم يزد و لم ينقص و اما ان زاد أو نقص فان كان بحاله لم يزد و لم ينقص فان كان مقبوض فطلقها قبل الدخول بها عاد الملك في النصف اليه بنفس الطلاق و لا يحتاج للعود اليه إلى الفسخ و التسليم منها حتى لو كان المهر امة فاعتقها الزوج قبل الفسخ و التسليم ينفذ إعتاقه في نصفها بلا خلاف و ان كان مقبوضا لا يعود الملك في النصف اليه بنفس الطلاق و لا ينفسخ ملكها في النصف حتى يفسخه الحاكم أو تسلمه المرأة و ذكر ذلك في الزيادات و زاد عليه الفسخ من الزوج و هو ان يقول قد فسخت هذا جواب ظاهر الرواية و روى عن أبى يوسف انه ينفسخ ملكها في النصف بنفس الطلاق و هو قول زفر حتى لو كان المهر امة فاعتقها قبل الفسخ و التسليم جاز إعتاقها في جميعها و لا يجوز إعتاق الزوج فيها و على قول أبى يوسف لا يجوز إعتاقها الا في النصف و يجوز إعتاق الزوج في نصفها ( وجه )
قول أبى يوسف ان الموجب للعود هو الطلاق و قد وجد فيعود ملك الزوج كالبيع إذا فسخ قبل القبض انه يعود ملك البائع بنفس الفسخ كذا هذا وجه قولهما ان العقد و ان انفسخ بالطلاق فقد بقي القبض بالتسليط الحاصل بالعقد و انه من أسباب الملك عندنا فكان سبب الملك قائما فكان الملك قائما فلا يزول الا بالفسخ من القاضي لانه فسخ سبب الملك أو بتسليمها لان تسليمها نقض للقبض حقيقة أو بفسخ الزوج على رواية الزيادات لانه بمنزلة المقبوض بحكم عقد فاسد و كل واحد من العاقدين بسبيل من فسخ عقد البيع الفاسد و صار كما لو اشترى عبدا بجارية فقبض العبد و لم يسلم الجارية حتى هلكت الجارية في يده انه ينفسخ العقد في الجارية و يبقى الملك في العبد المقبوض إلى ان يسترده كانه مقبوض بحكم عقد فاسد كذا هذا و لان المهر بدل يملك بالعقد ملكا مطلقا فلا ينفسخ الملك فيه بفعل احد العاقدين كالثمن في باب البيع بخلاف ما قبل القبض لان المقبوض ليس بمملوك ملكا مطلقا هذا إذا كان المهر بحاله لم يزد و لم ينقص فاما إذا زاد فالزيادة لا تخلو اما ان كانت في المهر أو على المهر فان كانت على المهر بان سمى الزوج لها الفا ثم زادها بعد العقد مائة ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الالف و بطلت الزيادة في ظاهر الرواية و روى عن أبى يوسف ان لها نصف الالف و نصف الزيادة أيضا ( وجه )
رواية أبى يوسف قوله عز و جل و ان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن و قد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم و الزيادة مفروضة فيجب تنصيفها في الطلاق قبل الدخول و لان الزيادة تلتحق بأصل العقد على أصل أصحابنا كالزيادة في الثمن في باب البيع و يجعل كان العقد ورد على الاصل و الزيادة جميعا فيتنصف بالطلاق قبل الدخول كالاصل وجه ظاهر الرواية ان هذه الزيادة لم تكن مسماة في العقد حقيقة و ما لم يكن مسمى في العقد فورود
الطلاق قبل الدخول يبطله كمهر المثل و أما قوله الزيادة تلتحق بأصل العقد قلنا الزيادة على المهر لا تلتحق بأصل العقد لانها وجدت متأخرة عن العقد حقيقة و إلحاق المتأخر عن العقد بالعقد خلاف الحقيقة فلا يصار اليه الا لحاجة و الحاجة إلى ذلك في باب البيع لكونه عقد معاينه و مبادلة المال بالمال فتقع الحاجة إلى الزيادة دفعا للخسران و ليس النكاح عقد معاينة و لا مبادلة المال بالمال و لا يحترز به عن الخسران فلا ضرورة إلى تغيير الحقيقة و أما النص فالمراد منه الفرض في العقد لانه هو المتعارف فينصرف المطلق اليه و الدليل عليه قوله تعالى و لا جناح عليكم فيما تراضيتم فدل ان الزيادة ليست بفريضة و ان كانت في المهر فالمهر لا يخلو اما ان يكون في يد الزوج و اما ان يكون في يد المرأة فان كان في يد الزوج فالزيادة لا تخلو اما ان كانت متصلة بالاصل و اما ان كانت منفصلة عنه و المتصلة لا تخلو من ان تكون متولدة من الاصل كالسمن و الكبر و الجمال و البصر و السمع و النطق كانجلاء بياض العين و زوال الخرس و الصمم و الشجر إذا أثمر و الارض إذا زرعت أو متولدة منه كالثوب إذا صبغ و الارض إذا بني فيها بناء و كذا المنفصلة لا تخلو اما ان كانت متولدة من الاصل كالولد و الوبر و الصوف إذا جزوا الشعر إذا أزيل و الثمر إذا جد و الزرع إذا حصد أو كانت في حكم المتولد منه كالارش و العقر و اما ان كانت متولدة منه و لا في حكم المتولد كالهبة و الكسب فان كانت الزيادة متولدة من الاصل أو في حكم المتولد فهي مهر سواء كانت متصلة بالاصل أو منفصلة عنه حتى لو طلقها قبل الدخول بها يتنصف الاصل و الزيادة جميعا بالاجماع لان الزيادة تابعة للاصل لكونها نماء الاصل و الارش بدل جزء هو مهر فليقوم مقامه و العقر بدل ما هو في حكم الجزء فكان بمنزلة المتولد من المهر فإذا حدثت قبل القبض و للقبض شبه بالعقد فكان وجودها عند القبض كوجودها عند العقد فكانت محلا للفسخ و ان كانت متولدة من الاصل فان كانت متصلة بالاصل فانها تمنع التنصيف و عليها نصف قيمة الاصل لان هذه الزيادة ليست بمهر لا مقصودا و لا تبعا لانها لم تتولد من المهر فلا تكون مهرا فلا تتنصف و لا يمكن تنصيف الاصل بدون تنصيف الزيادة فامتنع التنصيف فيجب عليها نصف قيمة الاصل يوم الزيادة لانها بالزيادة صارت قابضة للاصل فتعتبر قيمته يوم حكم بالقبض و ان كانت منفصلة عن الاصل فالزيادة ليست بمهر و هي كلها للمرأة في قول أبى حنيفة و لا تتنصف و يتنصف الاصل و عند أبى يوسف و محمد هى مهر فتتنصف مع الاصل ( و وجه )
قولهما أن هذه الزيادة تملك بملك الاصل فكانت تابعة للاصل فتتنصف مع الاصل كالزيادة المتصلة و المنفصلة المتولدة من الاصل كالسمن و الولد و لابي حنيفة أن هذه الزيادة ليست بمهر لا مقصودا و لا تبعا اما مقصودا فظاهر لان العقد ما ورد عليها مقصودا و كذا هى مقصودة بملك الجارية لانه لا يقصد بتملك الجارية الهبة لها و أما تبعا فلانها ليست بمتولدة من الاصل فدل انها ليست بمهر لا قصدا و لا تبعا و انما هى مال المرأة فاشبهت سائر أموالها بخلاف الزيادة المتصلة المتولدة و المنفصلة المتولدة لانها نماء المهر فكانت جزأ من أجزائه فتتنصف كما يتنصف الاصل و لو آجر الزوج المهر بغير اذن المرأة فالأَجرة له لان المنافع ليست بأموال متقومة بأنفسها عندنا و انما تأخذ حكم المالية و التقوم بالعقد و العقد صدر من الزوج فكانت الاجرة له كالغاصب إذا آجر المغصوب و يتصدق بالاجرة لانها مال حصل بسبب محظور و هو التصرف في ملك الغير بغير اذنه فيتمكن فيه الخبث فكان سبيله التصدق به هذا إذا كان المهر في يد الزوج فحدثت فيه الزيادة فاما إذا كان في يد المرأة أى قبل الفرقة فان كانت الزيادة متصلة متولدة من الاصل فانها تمنع التنصيف في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و للزوج عليها نصف القيمة يوم سلمه إليها و قال محمد لا تمنع و يتنصف الاصل مع الزيادة و احتج بقوله تعالى و ان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن و قد فرضتم لهن فريضه فنصف ما فرضتم جعل سبحانه و تعالى في الطلاق قبل الدخول في نكاح فيه فرض نصف المفروض فمن جعل فيه نصف قيمة المفروض فقد خالف النص و إذا وجب تنصيف أصل المفروض و لا يمكن تنصيفه الا بتنصيف الزيادة فيجب تنصيف الزيادة ضرورة و لان هذه الزيادة
تابعة للاصل من كل وجه لانها قائمة به و الاصل مهر فكذا الزيادة بخلاف الزيادة المنفصلة المتولدة من الاصل لانها ليست بتابعة محضة لان الولد بالانفصال صار أصلا بنفسه فلم يكن مهرا و بخلاف الزيادة المتصلة في الهبة انها تمنع من الرجوع و الاسترداد لان حق الرجوع في الهبة ليس بثابت بيقين لكونه محل الاجتهاد فلا يمكن إلحاق الزيادة بحالة العقد فتعذر إيراد الفسخ عليها فيمنع الرجوع وجه قولهما أن هذه الزيادة لم تكن موجودة عند العقد و لا عند ما له شبه بالعقد و هو القبض فلا يكون لها حكم المهر فلا يمكن فسخ العقد فيها بالطلاق قبل الدخول لان الفسخ انما يزد على ما ورد عليه العقد و العقد لم يرد عليه أصلا فلا يرد عليه الفسخ كالزيادة المنفصلة المتولدة من الاصل و لانه لو نقض العقد فاما ان يرد نصف الاصل مع نصف الزيادة أو بدون الزيادة لا سبيل إلى الثاني لانه لا يتصور رد الاصل بدون رد الزيادة المتصلة و لا سبيل إلى الاول لانه يؤدى إلى الربا لانها إذا لم تكن محلا للفسخ لعدم ورود العقد عليها كان أخذ الزيادة منها أخذ مال بلا عوض في عقد المعاوضة و هذا تفسير الربا و يجب نصف قيمة المفروض لا نصف المفروض لان المفروض صار بمنزلة الهالك و أما الآية الكريمة فلا حجة له فيها لان مطلق المفروض ينصرف إلى المفروض المتعارف و هو الاثمان دون السلع و الاثمان لا تحتمل الزيادة و النقصان و على هذا الاختلاف الزيادة المتصلة في البيع إذا اختلفا انها تمنع التحالف عند أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد لا تمنع و لو هلكت هذه الزيادة في يد الزوج ثم طلقها فلها نصف الاصل لان المانع من التنصيف قد ارتفع و ان كانت متصلة متولدة من الاصل فانها تمنع التنصيف و عليها نصف قيمة الاصل لما بينا فيما تقدم و ان كانت الزيادة منفصلة متولدة من الاصل فانها تمنع التنصيف في قول أصحابنا الثلاثة و عليها رد نصف قيمة الاصل إلى الزوج و قال زفر لا تمنع و يتنصف الاصل مع الزيادة و ان كانت منفصلة متولدة من الاصل فهي لها خاصة و الاصل بينهما نصفان بالاجماع ( وجه )
قول زفر ان الزيادة تابعة للاصل لانها متولدة منه فتتنصف مع الاصل كالزيادة الحادثة قبل القبض ( و لنا )
أن هذه الزيادة لم تكن عند العقد و لا عند القبض فلم تكن مهرا و الفسخ انما يرد على ماله حكم المهر فلا تتنصف و تبقى على ملك المرأة كما كانت قبل الطلاق و لا يمكن تنصيف الاصل بدون الزيادة و هو رد نصف الجارية بدون الولد لانها لا يصير لها فضل أصل فسخ العقد فيه ما لم يكن لها ذلك و الاصل أن لا تبدل من بدل و ذلك وصف الربا و انه حرام فإذا تعذر تنصيف المفروض لمكان الربا يجعل المفروض كالهالك لانه في حق كونه معجوز التسليم إلى الزوج بمنزلة الهالك فيجب نصف القيمة ليزول معنى الربا و الله عز و جل أعلم و كذلك لو ارتدت أو قبلت ابن زوجها قبل الدخول بها بعد ما حدثت الزيادة في يد المرأة فذلك كله لها و عليها رد قيمة الاصل يوم قبضت كذا ذكر أبو يوسف في الاصل و هو قول محمد و روى عن أبى يوسف انها ترد الاصل و الزيادة ففرق بين الردة و التقبيل و بين الطلاق فقال في الطلاق ترد نصف قيمة الاصل و فى الردة و التقبيل ترد الاصل و الزيادة جميعا ( و وجه )
الفرق أن الردة و التقبيل فسخ العقد من الاصل و جعل إياه كان لم يكن فصار كمن باع عبدا بجارية و قبض الجارية و لم يدفع العبد حتى ولدت ثم مات العبد قبل أن يدفعه أنه يأخذ الجارية و ولدها لانفساخ العقد من الاصل بموت العبد في يد بائعه كذا هذا بخلاف الطلاق فانه إطلاق وحل العقد و ليس بفسخ فينحل العقد و تطلق أو يرتفع من حين الطلاق لا من الاصل ( وجه )
ظاهر الرواية أن المعقود عليه في الفصلين جميعا أعنى الطلاق و الردة يعود سليما إلى المرأة كما كان الا ان الطلاق قبل الدخول طلاق من وجه و فسخ من وجه فأوجب عود نصف البدل عملا بالشبهين و الردة و التقبيل كل واحد منهما فسخ من كل وجه فيوجب عود الكل إلى الزوج هذا كله إذا حدثت الزيادة قبل الطلاق فاما إذا حدثت بعد الطلاق بأن طلقها ثم حدثت الزيادة فلا يخلو اما ان حدثت بعد القضاء بالنصف للزوج و اما ان حدثت قبل القضاء و كل ذلك قبل القبض أو بعده فان حدثت قبل القبض فالأَصل و الزيادة بينهما نصفان سواء وجد القضاء أو لم يوجد لانه كما وجد الطلاق عاد نصف المهر إلى الزوج بنفس الطلاق و صار بينهما نصفين فالزيادة حدثت على
ملكيهما فتكون بينهما و ان حدثت بعد القبض فان كانت بعد القضاء بالنصف للزوج فكذلك الجواب لانه لما قضى به فقد عاد نصف المهر إلى الزوج فحصلت الزيادة على الملكين فكانت بينهما و ان كان قبل القضاء بالنصف للزوج فالمهر في يدها كالمقبوض بعقد فاسد لان الملك كان لها و قد فسخ ملكها في النصف بالطلاق حتى لو كان المهر عبدا فاعتقه بعد الطلاق قبل القضاء بالنصف للزوج جاز إعتاقها و لو أعتقه الزوج لا ينفذ و ان قضى القاضي له بعد ذلك كالبائع إذا أعتق العبد المبيع بيعا فاسدا انه لا ينفذ عتقه و ان رد عليه بعد ذلك كذا ههنا هذا الذي ذكرنا حكم الزيادة ( و أما )
حكم النقصان فحدوث النقصان في المهر لا يخلو اما ان يكون في يد الزوج و اما ان يكون في يد المرأة فان كان في يد الزوج فلا يخلو من خمسة أوجه اما ان يكون بفعل أجنبي و اما ان يكون بآفة سماوية و اما ان يكون بفعل الزوج و اما ان يكون بفعل المهر و اما ان يكون بفعل المرأة و كل ذلك لا يخلو اما ان يكون قبل قبض المهر أو بعده و النقصان فاحش أو فاحش فان كان النقصان بفعل أجنبي و هو فاحش قبل القبض فالمرأة بالخيار ان شاءت أخذت العبد الناقص و اتبعت الجاني بالارش و ان شاءت تركت و أخذت من الزوج قيمة العبد يوم العقد ثم يرجع الزوج على الاجنبي بضمان النقصان و هو الارش أما ثبوت الخيار فلان المعقود عليه و هو المهر قد تغير قبل القبض لانه صار بعضه قيمة و يعتبر المعقود عليه قبل القبض فوجب الخيار كتغير المبيع قبل القبض فان اختارت أخذ العبد اتبعت الجاني بالارش لان الجناية حصلت على ملكها و ان اختارت أخذ القيمة اتبع الزوج الجاني بالارش لانه يملك العين باداء الضمان فقام مقام المرأة فكان الارش له و ليس لها ان تأخذ العبد ناقصا و تضمن الزوج الارش لانها لما اختارت أخذه فقد أبرأت الزوج من ضمانه و ان كان النقصان بآفة سماوية فالمرأة بالخيار ان شاءت أخذته ناقصا و لا شيء لها ذلك و ان شاءت تركته و أخذت قيمته يوم العقد لان المهر مضمون على الزوج بالعقد و الاوصاف لا تضمن بالعقد لعدم ورود العقد عليها موصوفا فلا يظهر الضمان في حقها و انما يظهر في حق الاصل لورود العقد عليه و انما ثبت لها الخيار لتغير المعقود عليه و هو المهر عما كان عليه و هذا يثبت الخيار كالمبيع إذا انتقص في يد البائع انه يتخير المشترى فيه كذا هذا و ان كان النقصان بفعل الزوج ذكر في ظاهر الرواية ان المرأة بالخيار ان شاءت أخذته ناقصا و أخذت معه أرش النقصان و ان شاءت أخذت قيمته يوم العقد كذا ذكر في ظاهر الرواية و فرق بين هذا و بين البائع إذا جنى على المبيع قبل القبض و روى عن أبى حنيفة ان الزوج إذا جنى على المهر فهي بالخيار ان شاءت أخذته ناقصا و لا شيء لها ذلك و ان شاءت أخذت القيمة و سوى بينه و بين المبيع ( و وجه )
التسوية بينهما ان المهر مضمون على الزوج بالنكاح لم يستقر ملكها فيه كالمبيع في يد البائع ثم الحكم في البيع هذا كذا في النكاح ( و وجه )
الفرق في ظاهر الرواية ان الاوصاف و هي الاتباع ان كانت لا تضمن بالعقد فانها تضمن بالاتلاف لانها تصير مقصودة بالاتلاف فتصير مضمونة الا ان المبيع لا يمكن جعله مضمونا بالقيمة لانه مضمون بضمان آخر و هو الثمن و المحل الواحد لا يكون مضمونا بضمانين و المهر مضمون على الزوج بملك النكاح بل بالقيمة ألا ترى انه لو أتلف المهر لا يبطل ملك النكاح و لكن تجب عليه القيمة فكذا إذا أتلف الجزء و ان كان النقصان بفعل المهر بأن جنى المهر على نفسه ففيه روايتان في رواية حكم هذا النقصان ما هو حكم النقصان بآفة سماوية لان جناية الانسان على نفسه هدر فالتحقت بالعدم فكانت كالآفة السماوية و فى رواية حكمه حكم جناية الزوج لان المهر مضمون في يد الضامن و هو الزوج و جناية المضمون في يد الضامن كجناية الضامن كالعبد المغصوب إذا جنى على نفسه في يد الغاصب و ان كان النقصان بفعل المرأة فقد صارت قابضة بالجناية فجعل كان النقصان حصل في يدها كالمشترى إذا جنى على المبيع في يد البائع انه يصير قابضا له كذا ههنا هذا إذا كان النقصان فاحشا فاما إذا كان يسيرا فلا خيار لها كما إذا كان هذا العيب به يوم العقد ثم ان كان هذا النقصان بآفة سماوية أو بفعل المرأة أو بفعل المهر فلا شيء لها و ان كان بفعل الاجنبي تتبعه بنصف النقصان و كذا ان كان بفعل الزوج هذا إذا حدث النقصان
في يد الزوج فاما إذا حدث في يد المرأة فهذا أيضا لا يخلو من الاقسام التي وصفناها فان حدث بفعل أجنبي و هو فاحش قبل الطلاق الارش لها فان طلقها الزوج فله نصف القيمة يوم قبضت و لا سبيل له على العين لان الارش بمنزلة الولد فيمنع التنصيف كالولد و ان كانت جناية الاجنبي عليه بعد الطلاق فللزوجة نصف العبد و هو بالخيار في الارش ان شاء أخذ نصفه من المرأة و اعتبرت القيمة يوم القبض و ان شاء اتبع الجاني و أخذ منه نصفه لان حق الفسخ و عود النصف اليه استقر بالطلاق و توقف على قضأ القاضي أو التراضى فصار في يدها كالمقبوض ببيع فاسد فصار مضمونا عليها و كذلك ان حدث بفعل الزوج فجنايته كجناية الاجنبي لانه جنى على ملك غيره و لا يد له فيه فصار كالأَجنبي و الحكم في الاجنبي ما وصفنا و ان حدث بآفة سماوية قبل الطلاق فالزوج بالخيار ان شاء أخذ نصفه ناقصا و لا شيء له ذلك و ان شاء أخذ نصف القيمة يوم القبض لان حقه معها عند الفسخ كحقه معها عند العقد و لو حدث نقصان في يده بآفة سماوية كان لها الخيار بين ان تأخذه ناقصا أو قيمته فكذا حق الزوج معها عند الفسخ و ان كان ذلك بعد الطلاق فللزوج أن يأخذ نصفه و نصف الارش لما ذكرنا انه بعد الطلاق يبقى في يدها كالمقبوض بحكم بيع فاسد لان الملك لها و حق الغير في الفسخ مستقر فصار بمنزلة المقبوض ببيع فاسد و ان شاء أخذ قيمته يوم قبضت و كذلك ان حدث بفعل المرأة فالزوج بالخيار ان شاء أخذ نصفه و لا شيء له من الارش و ان شاء أخذ نصف قيمته عبدا عند أصحابنا الثلاثة و قال زفر للزوج أن يضمنها الارش ( وجه )
قوله ان المهر مضمون عليها بالقبض و الاوصاف و هي الاتباع فتضمن بالقبض و لا تضمن بالعقد و كذلك يقول زفر في النقصان الحادث بغير فعلها لهذا المعنى ( و لنا )
ان المرأة جنت على ملك نفسها و جناية الانسان على ملك نفسه مضمونة عليه بخلاف ما إذا حدث بفعل الزوج على الرواية المشهورة لان الزوج جنى على ملك غيره و جناية الانسان على ملك غيره مضمونة عليه و قد خرج الجواب عما قال زفر لان قبضها صادف ملك نفسها و قبض الانسان ملك نفسه لا يوجب الضمان عليه و ان كان ذلك بعد الطلاق فعليها نصف الارش لما ذكرنا ان حق الفسخ قد استقر و كذلك ان حدث بفعل المهر فالزوج بالخيار على الروايتين جميعا ان شاء أخذ نصفه ناقصا و ان شاء أخذ نصف القيمة لانا ان جعلنا جناية المهر كالآفة السماوية لم تكن مضمونة و ان جعلناها كجناية المرأة لم تكن مضمونة أيضا فلم تكن مضمونة أيضا على الروايتين هذا إذا كان النقصان فاحشا فاما ان كان فاحش فان كان بفعل الاجنبي أو بفعل الزوج لا يتنصف لان الارش يمنع التنصيف و ان كان بآفة سماوية أو بفعلها أو بفعل المهر أخذ النصف و لا خيار له و الله تعالى الموفق ( و أما )
النوع الثاني و هو ما يسقط به نصف المهر معنى و الكل صورة فهو كل طلاق تجب فيه المتعة فيقع الكلام في مواضع في بيان الطلاق الذي تجب فيه المتعة و الذى تستحب فيه و فى تفسير المتعة و فى بيان من تعتبر المتعة بحاله اما الاول فالطلاق الذي تجب فيه المتعة نوعان أحدهما ان يكون قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه و لا فرض بعده أو كانت التسمية فيه فاسدة و هذا قول عامة العلماء و قال مالك لا تجب المتعة و لكن تستحب فمالك لا يرى وجوب المتعة أصلا و احتج بان الله سبحانه و تعالى قيد المتعة بالمتقي و المحسن بقوله حقا على المحسنين حقا على المتقين و الواجب لا يختلف فيه المحسن و المتقي و غيرهما فدل انها ليست بواجبة ( و لنا )
قوله تعالى لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة و متعوهن و مطلق الامر لوجوب العمل و المراد من قوله عز وجل أو تفرضوا أى و لم تفرضوا ألا ترى انه عطف عليه قوله تعالى و ان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن و قد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم و لو كان الاول بمعنى ما لم تمسوهن و قد فرضوا لهن أو لم يفرضوا لما عطف عليه المفروض و قد تكون أو بمعنى الواو قال الله عز و جل و لا تطع منهما آثما أو كفورا أى و لا كفورا و قوله تعالى على الموسع قدره و على المقتر قدره و على كلمة إيجاب و قوله تعالى حقا على المحسنين و ليس في ألفاظ الايجاب كلمة أوكد من قولنا حق عليه لان الحقية تقتضي الثبوت و على كلمة إلزام و إثبات فالجمع بينهما يقتضى التأكيد و ما ذكره مالك كما يلزمنا
يلزمه لان المندوب اليه أيضا لا يختلف فيه المتقي و المحسن و غيرهما ثم نقول الايجاب على المحسن و المتقي لا ينفى الايجاب على غيرهما الا ترى انه سبحانه و تعالى أخبر ان القرآن هدى للمتقين ثم لم ينف ان يكون هدى للناس كلهم كذا هذا و الدليل على ان المتعة ههنا واجبة انها بدل الواجب و هو نصف مهر المثل و بدل الواجب واجب لانه يقوم مقام الواجب و يحكى حكايته الا ترى ان التيمم لما كان بدلا عن الوضوء و الوضوء واجب كان التيمم واجبا و الدليل على ان المتعة تجب بدلا عن نصف المهر ان بدل الشيء ما يجب بسبب الاصل عند عدمه كالتيمم مع الوضوء و غير ذلك و المتعة بالسبب الذي يجب به مهر المثل و هو النكاح لا الطلاق لان الطلاق مسقط للحقوق لا موجب لها لكن عند الطلاق يسقط نصف مهر المثل فتجب المتعة بدلا عن نصفه و هذا طريق محمد فان الرهن بمهر المثل يكون رهنا بالمتعة عنده حتى إذا هلك تهلك المتعة و اما أبو يوسف فانه لا يجعله رهنا بها حتى إذا هلك الرهن يهلك بغير شيء و المتعة باقية عليه فلا يكون وجوبها بطريق البدل عنده بل يوجبها ابتداء بظواهر النصوص التي ذكرنا أو يوجبها بدلا عن البضع بالاستدلال بنصف المسمى في نكاح فيه تسمية و الثاني ان يكون قبل الدخول في نكاح لم يسم فيه المهر و انما فرض بعده و هذا قول أبى حنيفة و محمد و هو قول أبى يوسف الاخير و كان يقول أو لا يجب نصف المفروض كما إذا كان المهر مفروضا في العقد و هو قول مالك و الشافعي و احتجوا بقوله عز و جل و ان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن و قد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم أوجب تعالى نصف المفروض في الطلاق قبل الدخول مطلقا من فصل بين ما إذا كان الفرض في العقد أو بعده و لان الفرض بعد العقد كالفرض في العقد ثم المفروض في العقد يتنصف فكذا المفروض بعده و لهما قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن أوجب المتعة في المطلقات قبل الدخول عاما ثم خصت منه المطلقة قبل الدخول في نكاح فيه تسمية عند وجوده فبقيت المطلقة قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه عند وجوده على أصل العموم و قوله تعالى لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة و متعوهن أى و لم تفرضوا لهن فريضة لما ذكرنا فيما تقدم و هو منصرف إلى الفرض في العقد لان الخطاب ينصرف إلى المتعارف و المتعارف هو الفرض في العقد لا متأخرا عنه و به تبين ان الفرض المذكور في قوله تعالى و ان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن و قد فرضتم لهن فريضة منصرف إلى المفروض في العقد لانه هو المتعارف و به نقول ان المفروض في العقد يتنصف بالطلاق قبل الدخول و لان مهر المثل قد وجب بنفس العقد لما ذكرنا فيما تقدم فكان الفرض بعده تقديرا لما وجب بالعقد و هو مهر المثل و مهر المثل يسقط بالطلاق قبل الدخول و تجب المتعة فكذا ما هو بيان و تقدير له اذ هو تقدير لذلك الواجب و كذا الفرقة بالايلاء و اللعان و الجب و العنة فكل فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه فتوجب المتعة لانها توجب نصف المسمى في نكاح فيه تسمية و المتعة عوض عنه كردة الزوج واباية الاسلام و كل فرقة جاءت من قبل المرأة فلا متعة لها لانه لا يجب بها المهر أصلا فلا تجب بها المتعة و المخيرة إذا اختارت نفسها قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه فلها المتعة لان الفرقة جاءت من قبل الزوج لان البينونة مضافة إلى الابانة السابقة و هي فعل الزوج ( و اما )
الذي تستحب فيه المتعة فهو الطلاق بعد الدخول و الطلاق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية و هذا عندنا و قال الشافعي المتعة في الطلاق بعد الدخول واجبة و احتج بقوله تعالى و لمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين جعل سبحانه و تعالى للمطلقات متاعا بلام الملك عاما الا انه خصصت منه المطلقة قبل الدخول في نكاح فيه تسمية فبقيت المطلقة قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه و المطلقة بعد الدخول على ظاهر العموم و لنا ما ذكرنا ان المتعة وجبت بالنكاح بدلا عن البضع اما بدلا عن نصف المهر أو ابتداء فإذا استحقت المسمى أو مهر المثل بعد الدخول فلو وجبت المتعة لادى إلى ان يكون لملك واحد بد لان و إلى الجمع بين البدل و الاصل في حالة واحدة و هذا ممتنع و لان المطلقة قبل الدخول في نكاح فيه تسمية لا تجب لها المتعة بالاجماع فالمطلقة بعد الدخول أولى لان الاولى تستحق بعض المهر
فصل وأما حكم اختلاف الزوجين في المهر
و الثانية تستحق الكل فاستحقاق بعض المهر لما منع عن استحقاق المتعة فاستحقاق الكل أولى و اما الآية الكريمة فيحمل ذكر المتاع فيها على الندب و الاستحباب و نحن به نقول انه يندب الزوج إلى ذلك كما يندب إلى اداء المهر على الكمال في المدخول بها أو يحمل على النفقة و الكسوة في حال قيام العدة و لان كل ذلك متاع اذ المتاع اسم لما ينتفع به عملا بالدلائل كلها بقدر الامكان و كل فرقة جاءت من قبل الزوج بعد الدخول تستحب فيها المتعة الا ان يرتد أو يأبى الاسلام لان الاستحباب طلب الفضيلة و الكافر ليس من أهل الفضيلة ( و اما )
تفسير المتعة الواجبة فقد قال أصحابنا انها ثلاثة أثواب درع و خمار و ملحفة و هكذا روى عن الحسن و سعيد بن المسيب و عطاء و الشعبى و عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما انه قال أرفع المتعة الخادم ثم دون ذلك الكسوة ثم دون ذلك النفقة و قال الشافعي ثلاثون درهما له ما روى عن أبى مجلز انه قال قلت لا بن عمر رضى الله عنهما أخبرني عن المتعة و أخبرنى عن قدرها فانى موسر فقال اكس كذا اكس كذا اكس كذا قال فحسبت ذلك فوجدته قدر ثلاثين درهما فدل انها مقدرة بثلاثين درهما ( و لنا )
قوله تعالى في آية المتعة متاعا بالمعروف حقا على المحسنين و المتاع اسم للعروض في العرف و لان لايجاب الاثواب نظيرا في أصول الشرع و هو الكسوة التي تجب لها حال قيام النكاح و العدة و أدنى ما تكتسي به المرأة و تستتر به عند الخروج ثلاثة أثواب و لا نظير لايجاب الثلاثين فكان إيجاب ماله نظير أولى و قول عبد الله ابن عمر دليلنا لانه أمره بالكسوة لا بدراهم مقدرة الا انه اتفق ان قيمة الكسوة بلغت ثلاثين درهما و هذا لا يدل على ان التقدير فيها بالثلاثين و لو أعطاها قيمة الاثواب دراهم أو دنانير تجبر على القبول لان الاثواب ما وجبت لعينها بل من حيث انها مال كالشاة في خمس من الابل في باب الزكاة و اما بيان من تعتبر المتعة بحاله فقد اختلف العلماء فيه قال بعضهم قدر المتعة يعتبر بحال الرجل في يساره و إعساره و هو قول أبى يوسف و قال بعضهم تعتبر بحال المرأة في يسارها و اعسارها و قال بعضهم تعتبر بحالهما جميعا و قال بعضهم المتعة الواجبة تعتبر بحالها و المستحبة تعتبر بحاله ( وجه )
قول من اعتبر حال الرجل قوله تعالى و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره جعل المتعة على قدر حال الرجل في يساره و إعساره ( وجه )
قول من قال باعتبار حالها أن المتعة بدل بضعها فيعتبر حالها و هذا ايضا وجه من يقول المتعة الواجبة تعتبر بحالها و قوله المتعة المستحبة تعتبر بحاله لا معنى له لان التقدير في الواجب لا في المستحب ( وجه )
من اعتبر حالهما أن الله تعالى اعتبر في المتعة شيئين أحدهما حال الرجل في يساره و إعساره بقوله عز و جل على الموسع قدره و على المقتر قدره و الثاني أن يكون مع ذلك بالمعروف بقوله متاعا بالمعروف فلو اعتبرنا فيها حال الرجل دون حالها عسى أن لا يكون بالمعروف لانه يقتضى أنه لو تزوج رجل إمرأتين أحدهما شريفة و الاخرى مولاة دنيئة ثم طلقهما قبل الدخول بهما و لم يسم لهما أن يستويا في المتعة باعتبار حال الرجل و هذا منكر في عادات الناس لا معروف فيكون خلاف النص ثم المتعة الواجبة لا تزاد على نصف مهر المثل بل هو نهاية المتعة لا مزيد عليه لان الحق عند التسمية آكد و أثبت منه عند عدم التسمية لان الله تعالى أوجب المتعة على قدر احتمال ملك الزوج بقوله عز و جل على الموسع قدره و على المقتر قدره فاوجب نصف المسمى مطلقا احتمله وسع الزوج و ملكه أو لا و كذا في وجوب كمال مهر المثل و سقوطه و وجوب المتعة في نكاح لا تسمية فيه و عدم أحد الزوجين اختلاف بين العلماء و لا خلاف في وجوب كمال المسمى من ذلك في نكاح فيه تسمية دل أن الحق أوكد و أثبت عند التسمية ثم لا يزاد هناك على نصف المسمى فلان لا يزاد ههنا على نصف مهر المثل أولى و لان المتعة بدل عن نصف مهر المثل و لا يزاد البدل على الاصل و لا ينقص من خمسة دراهم لانها تجب على طريق العوض و أقل عوض يثبت في النكاح نصف العشرة و الله أعلم ( فصل )
و أما حكم اختلاف الزوجين في المهر فجملة الكلام فيه أن الاختلاف في المهر اما أن يكون في حال حياة الزوجين و اما أن يكون بعد موت أحدهما بين الحى منهما و ورثة الميت و اما أن يكون بعد موتهما بين ورثتهما فان كان
في حال حياة الزوجين فاما ان كان قبل الطلاق و اما ان كان بعده فان كان قبل الطلاق فان كان الاختلاف في أصل التسمية يجب مهر المثل لان الواجب الاصلى في باب النكاح هو مهر المثل لانه قيمة البضع و قيمة الشيء مثله من كل وجه فكان هو العدل و انما التسمية تقدير لمهر المثل فإذا لم تثبت التسمية لوقوع الاختلاف فيها وجب المصير إلى الموجب الاصلى و ان كان الاختلاف في قدر المسمى أو جنسه أو نوعه أو صفته فالمهر لا يخلو اما أن يكون دينا و اما أن يكون عينا فان كان دينا فاما أن يكون من الاثمان المطلقة و هي الدراهم و الدنانير و اما ان كان من المكيلات و الموزونات و المذروعات الموصوفة في الذمة فان كان من الاثمان المطلقة فاختلفا في قدره بان قال الزوج تزوجتك على ألف درهم و قالت المرأة تزوجتني على الفين أو قال الزوج تزوجتك على مائة دينار و قالت المرأة على مائتي دينار تحالفا و يبدأ بيمين الزوج فان نكل اعطاها الفين و ان حلف تحلف المرأة فان نكلت أخذت ألفا و ان حلفت يحكم لها بمهر المثل ان كان مهر مثلها مثل ما قالت أو أكثر فلها ما قالت و ان كان مهر مثلها مثل ما قال الزوج أو أقل فلها ما قال و ان كان مهر مثلها أقل مما قالت و أكثر مما قال فلها مهر مثلها و هذا قول أبى حنيفة و محمد و قال أبو يوسف لا يتحالفان و القول قول الزوج في هذا كله الا أن يأتى بمستنكر جدا و الحاصل أن أبا حنيفة و محمدا يحكمان مهر المثل و ينهيان الامر اليه و أبو يوسف لا يحكمه بل يجعل القول قول الزوج مع يمينه الا أن يأتى بشيء مستنكر و قد اختلف في تفسير المستنكر قيل هو أن يدعى انه تزوجها على أقل من عشرة دراهم و هذا التفسير يروى عن أبى يوسف رحمه الله لان هذا القدر مستنكر شرعا اذ لا مهر في الشرع أقل من عشرة و قيل هو ان يدعى انه تزوجها على ما لا يزوج مثلها به عادة و هذا يحكى عن أبى الحسن لان ذلك مستنكر عرفا و هو الصحيح من التفسير لانهما اختلفا في مقدار المهر المسمى و ذلك اتفاق منهما على أصل المهر المسمى و ما دون العشرة لم يعرف مهرا في الشرع بلا خلاف بين أصحابنا و قد روى عن أبى يوسف في المتبايعين إذا اختلفا في مقدار الثمن و السلعة هالكة ان القول قول المشترى ما لم يأت بشيء مستنكر وجه قول أبى يوسف أن القول قول المنكر في الشرع و المنكر هو الزوج لان المرأة تدعى عليه زيادة مهر و هو ينكر ذلك فكان القول قوله مع يمينه كما في سائر المواضع و الدليل عليه أن المتعاقدين في باب الاجارة إذا اختلفا في مقدار المسمى لا يحكم أجر المثل بل يكون القول قول المستأجر مع يمينه لما قلنا كذا هذا و لهما أن القول في الشرع و العقل قول من يشهد له الظاهر و الظاهر يشهد لمن يوافق قوله مهر المثل لان الناس في العادات الجارية يقدرون المسمى بمهر المثل و يبنونه عليه لا برضا الزوج بالزيادة عليه و المرأة و أولياؤها لا يرضون بالنقصان عنه فكانت التسمية تقدير المهر المثل و بناء عليه فكان الظاهر شاهدا لمن يشهد له مهر المثل فيحكم مهر المثل فان كان الفين فلها ذلك لان الظاهر شاهد لها و ان كان أكثر من الفين لا يزاد عليه لانها رضيت بالنقصان و ان كان مهر مثلها الفا فلها ألف لان الظاهر شاهد للزوج و ان كان أقل من ذلك لا ينقص عن ألف لان الزوج رضى بالزيادة و ان كان مهر مثلها أكثر مما قال و أقل مما قالت فلها مهر المثل لانه هو الواجب الاصلى و انما التسمية تقدير له لما قلنا فلا يعدل عنه الا عند ثبوت التسمية و صحتها فإذا لم يثبت لوقوع الاختلاف وجب الرجوع إلى الموجب الاصلى و تحكيمه و انما يتحالفان لان كل واحد منهما مدعى من وجه و منكر من وجه أما الزوج فلان المرأة تدعى عليه زيادة ألف و هو منكر و أما المرأة فلان الزوج يدعى عليها تسليم النفس عند تسليم الالف إليها و هي تنكر فكان كل واحد منهما مدعيا من وجه و منكرا من وجه فيتحالفان لقوله صلى الله عليه و سلم و اليمين على من أنكر و يبدأ بيمين الزوج لانه أشد إنكارا أو أسبق إنكارا من المرأة لانه منكر قبل تسليم النفس و بعده و لا إنكار من المرأة بعد تسليم النفس و قبل التسليم هو أسبق إنكارا لان المرأة تقبض المهر أو لا ثم تسلم نفسها فتطالبه باداء المهر إليها و هو ينكر فكان هو أسبق إنكارا فكانت البداية بالتحليف منه أولى لما قلنا في اختلاف المتبايعين ذكر الكرخي التحالف في هذه الفصول الثلاثة و أنكر الجصاص التحالف الا في فصل واحد و هو ما إذا لم يشهد مهر المثل لدعواهما بأن كان مهر مثلها أكثر مما قال الزوج و أقل مما قالت المرأة و كذا في الجامع الصغير
لم يذكر التحالف الا في هذا الفصل وجهه ان الحاجة إلى التحالف فيما لا شهادة للظاهر فإذا كان مهر المثل مثل ما يدعيه أحدهما كان الظاهر شاهدا له فلا حاجة إلى التحالف و الظاهر لا يشهد لاحدهما في الثالث فتقع الحاجة إلى التحالف وجه ما ذكره الكرخي ان مهر المثل لا يثبت الا بعد سقوط اعتبار التسمية و التسمية لا يسقط اعتبارها الا بالتحالف لان الظاهر لا يكون حجة على الغير فتقع الحاجة إلى التحالف ثم إذا وجب التحالف و بدئ بيمين الزوج فان نكل يقضى عليه بالفين لان النكول حجة يقضى بها في باب الاموال بلا خلاف بين أصحابنا و لا خيار للزوج و هو ان يعطيها مكان الدراهم دنانير لان تسمية الالفين قد تثبت بالنكول لانه بمنزلة الاقرار و من شأن المسمى أن لا يكون للزوج العدول عنه إلى غيره الا برضا المرأة و ان حلف تحلف المرأة فان نكلت لم يقض على الزوج الا بالالف و لا خيار له لما قلنا في نكول الزوج و ان حلفت يحكم مهر المثل فان كان مهر مثلها الفا قضى لها على الزوج بألف و لا خيار له لان تسمية الالف قد تثبت بتصادقهما فيمنع الخيار و ان كان مهر مثلها الفين قضى لها بالفين و له الخيار في اخذ الالفين دون الآخر لثبوت تسمية أحد الالفين بتصادقهما دون الاخر و ان كان مهر مثلها الفا و خمسمأة قضى لها بألف و خمسمأة و لا خيار له في قدر الالف بتصادقهما و له الخيار في قدر الخمسمائة لانه لم تثبت تسمية هذا القدر فكان سبيلها سبيل مهر المثل فكان له الخيار فيها و لا يفسخ العقد بعد التحالف في قول عامة العلماء و قال ابن أبى ليلي يفسخ كما في البيع لان كل واحد منهما عقد لا يجوز بغير بدل و لنا الفرق بين البيع و النكاح و هو انه لما سقط اعتبار التسمية في باب البيع يبقى البيع بلا ثمن و البيع بلا ثمن بيع فاسد واجب الرفع رفعا للفساد و ذلك بالفسخ بخلاف النكاح فان ترك التسمية أصلا في النكاح لا يوجب فساده فسقوط اعتباره بجهالة المسمى بالتعارض أولى فلا حاجة إلى الفسخ فهو الفرق هذا إذا لم يقم لاحدهما بينة فاما إذا قامت لاحدهما بينة فانه يقضى ببينته لانها قامت على أمر جائز الوجود و لا معارض لها فتقبل و لا يحكم مهر المثل لان تحكيمه ضروري و لا ضرورة عند قيام البينة و لا خيار للزوج لان التسمية تثبت بالبينة و انها تمنع الخيار و ان أقاما جميعا البينة فان كان مهر مثلها ألف درهم يقضى ببينتها لانها تظهر زيادة ألف فكانت مظهرة و بينة الزوج لم تظهر شيئا لانها قامت على ألف و الالف كان ظاهرا بتصادقهما أو نقول بينة المرأة أكثر إظهارا فكان القضاء بها أولى و لا خيار للزوج في الالفين لان تسمية أحد الالفين تثبت بتصادقهما و تسمية الاخر تثبت بالبينة و التسمية تمنع الخيار و ان كان مهر مثلها ألفين فقد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يقضى ببينتها أيضا لانها تظهر زيادة ألف لم تكن ظاهرة بتصادقهما و ان كانت ظاهرة بشهادة مهر المثل لكن هذا الظاهر لا يكون حجة على الغير ألا ترى انه لا يقضى به بدون اليمين أو البينة و تصادقهما حجة بنفسه فكانت بينتها هى المظهرة أو كانت أكثر إظهارا أو بينة الزوج ليست بمظهرة لان الالف كان ظاهرا بتصادقهما أو هى أقل إظهارا فكان القضاء ببينتها أولى و قال بعضهم يقضى ببينة الزوج لان بينة الزوج تظهر حط الالف عن مهر المثل و ذلك الفان لثبوت الالفين بشهادة مهر المثل فيظهر حط عن مهر المثل بشهادته و بينها لا تظهر شيئا لان أحد الالفين كان ظاهرا بتصادقهما و الآخر كان ظاهرا بشهادة مهر المثل أو يظهر صفة التعيين للالفين لان الثابت بشهادة مهر المثل أو يظهر صفة التعيين لهما و بينته مظهرة للاصل فكان القضاء ببينته أولى و ان كان مهر مثلها ألفا و خمسمأة بطلت البينتان للتعارض لان مهر المثل لا يشهد لاحدهما فكانت كل واحدة منهما مظهرة و ليس القضاء بإحداهما أولى من الاخرى فبطلت فبقى الحكم بمهر المثل و لا خيار له في قدر الالف لان البينتين التحقتا بالعدم للتعارض فبقى هذا القدر مسمى بتصادقهما و له خيار في قدر الخمسمائة لثبوته على وجه مهر المثل و كذلك ان كان دينا موصوفا في الذمة بأن تزوجها على مكيل موصوف أو موزون موصوف أو مذروع موصوف فاختلفا في قدر الكيل أو الوزن أو الذرع فالاختلاف فيه كالاختلاف في قدر الدراهم و الدنانير و لهذا يتحالفان ويحكم مهر المثل في قول أبى حنيفة و محمد لان القدر في المكيل و الموزون معقود عليه و كذا في المذروع إذا كان في الذمة و ان لم يكن معقودا عليه بل كان جاريا مجرى الصفة إذا كان عينا لان ما في الذمة غائب مذكور يختلف أصله باختلاف
وصفه فجرى الوصف فيما في الذمة مجرى الاصل و لهذا كان الاختلاف في صفة المسلم فيه موجبا للتحالف فكان اختلافهما في الوصف بمنزلة اختلافهما في الاصل و ذلك يوجب التحالف كذا هذا و عند أبى يوسف لا يتحالفان و القول قول الزوج مع يمينه و ان كان الاختلاف في جنس المسمى بان قال الزوج تزوجتك على عبد فقالت على جارية أو قال الزوج تزوجتك على كر شعير فقالت على كر حنطة أو على ثياب هروية أو قال على ألف درهم و قالت على مائة دينار أو في نوعه كالتركى مع الرومي و الدنانير المصرية مع الصورية أو في صفته من الجودة و الرداءة فالاختلاف فيه كالاختلاف في العينين الا الدراهم و الدنانير فان الاختلاف فيهما كالاختلاف في الالف و الالفين و انما كان كذلك لان كل واحد من الجنسين و النوعين و الموصوفين لا يملك الا بالتراضي بخلاف الدراهم و الدنانير فانهما و ان كانا جنسين مختلفين لكنهما في باب مهر المثل يقضى من جنس الدراهم و الدنانير فجاز أن يستحق المائة دينار من تراض بخلاف العبد لان مهر المثل لا يقضى من جنسه فلم يجز أن يملك من تراض فيقضى بقدر قيمته هذا إذا كان المهر دينا فاما إذا كان عينا فان اختلفا في قدره فان كان مما يتعلق العقد بقدره بان تزوجها على طعام بعينه فاختلفا في قدره فقال الزوج تزوجتك على هذا الطعام بشرط أنه كر و قالت المرأة تزوجتني عليه بشرط انه كران فهي مثل الاختلاف في الالف و الالفين و ان كان مما لا يتعلق العقد بقدره بان تزوجها على ثوب بعينه كل ذراع منه يساوى عشرة دراهم فاختلفا فقال الزوج تزوجتك على هذا الثوب بشرط أنه ثمانية أذرع فقات بشرط أنه عشرة أذرع لا يتحالفان و لا يحكم مهر المثل و القول قول الزوج بالاجماع و وجه الفرق بين الطعام و الثوب أن القدر في باب الطعام معقود عليه حقيقة و شرعا أما الحقيقة فلان المعقود عليه عين و ذات حقيقة و أما الشرع فانه إذا اشترى طعاما على انه عشرة أقفزة فوجده احد عشر لا يطيب له الفضل و الاختلاف في المعقود عليه يوجب التحالف فاما القدر في باب الثوب و ان كان من اجزاء الثوب حقيقة لكنه جار مجرى الوصف و هو صفة الجودة شرعا لانه يوجب صفة الجودة لغيره من الاجزاء ألا ترى ان من اشترى ثوبا على انه عشرة أذرع فوجده احد عشر طاب له الفضل و الاختلاف في صفة المعقود عليه إذا كان عينا لا يوجب التحالف كما إذا اختلفا في صفة الجودة في العين و الاصل ان ما يوجب فوات بعضه نقصانا في البقية فهو جار مجرى الصفة و ما لا يوجب فوات بعضه نقصانا في الباقى لا يكون جاريا مجرى الصفة و ان اختلفا في جنسه و عينه كالعبد و الجارية بان قال الزوج تزوجتك على هذا العبد و قالت المرأة على هذه الجارية فهو مثل الاختلاف في الالف و الالفين الا في فصل واحد و هو ما إذا كان مهر مثلها مثل قيمة الجارية أو أكثر فلها قيمة الجارية لا عينها لان تمليك الجارية لا يكون الا بالتراضي و لم يتفقا على تمليكها فلم يوجد الرضا من صاحب الجارية بتمليكها فتعذر التسليم فيقضى بقيمتها بخلاف ما إذا اختلفا في الدراهم أو الدنانير فقال الزوج تزوجتك على ألف درهم و قالت المرأة على مائة دينار ان الاختلاف فيه كالاختلاف في الالف و الالفين على معنى أن مهر مثلها ان كان مثل مائة دينار أو أكثر فلها المائة دينار لما مر أن مهر المثل يقضى من جنس الدراهم و الدنانير فلا يشترط فيه التراضى بخلاف العبد فان مهر المثل لا يقضى من جنسه فلا يجوز ان يملك من مراضاة و لا يكون لها أكثر من قيمتها و ان كان مهر مثلها أكثر من قيمتها لانها رضيت بهذا القدر و ما كان القول فيه أى من العين قول الزوج فهلك فاختلفا في قدر قيمته فالقول فيه قول الزوج أيضا لان المسمى مجمع عليه فكانت القيمة دينا عليه و الاختلاف إذا وقع في قدر الدين فالقول قول المديون كما في سائر الديون هذا كله إذا اختلفا قبل الطلاق و لو اختلفا بعد الطلاق فان كان بعد الدخول أو قبل الدخول بعد الخلوة فالجواب في الفصول كلها كالجواب فيما لو اختلفا حال قيام النكاح لان الطلاق بعد الدخول أو قبل الدخول بعد الخلوة مما لا يوجب سقوط مهر المثل و ان كان قبل الدخول بها و قبل الخلوة فان كان المهر دينا فاختلفا في الالف و الالفين فالقول قول الزوج و يتنصف ما يقول الزوج كذا ذكر في كتاب النكاح و الطلاق و لم يذكر الاختلاف كذا ذكر الطحاوي انه يتنصف ما يقول الزوج و لم يذكر الخلاف و ذكر الكرخي و حكى الاجماع فقال
لها نصف الالف في قولهم و ذكر محمد في الجامع الصغير و قال ينبغى أن يكون القول قول المرأة إلى متعة مثلها و القول قول الزوج في الزيادة على قياس قول أبى حنيفة و وجهه ان المسمى لم يثبت لوقوع الاختلاف فيه و الطلاق قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه يوجب المتعة ويحكم متعة مثلها لان المرأة ترضى بذلك و الزوج لا يرضى بالزيادة فكان القول قوله في الزيادة و الصحيح هو الاول لانه لا سبيل إلى تحكيم مهر المثل ههنا لان مهر المثل لا يثبب في الطلاق قبل الدخول فتعذر تحكيمه فوجب إثبات المتيقن و هو نصف الالف و متعة مثلها لا تبلغ ذلك عادة فلا معنى لتحكيم المتعة على اقرار الزوج بالزيادة و قيل لا خلاف بين الروايتين في الحقيقة و انما اختلف الجواب لاختلاف وضع المسألة فوضع المسألة في كتاب النكاح في الالف و الالفين و لا وجه لتحكيم المتعة لان الزوج أقر لها بخمسمائة و هي تزيد على متعة مثلها عادة فقد أقر الزوج لها بمتعة مثلها و زيادة فكان لها ذلك و وضعها في الجامع الكبير في العشرة و المائة بان قال الزوج تزوجتك على عشرة دراهم و قالت المرأة تزوجتني على مائة درهم و متعة مثلها عشرون ففى هذه الصورة يكون الزوج مقرا لها بخمسة دراهم و ذلك أقل من متعة مثلها عادة فكان لها متعة مثلها و ان كان المهر عينا كما في مسألة العبد و الجارية فلها المتعة الا أن يرضى الزوج ان يأخذ نصف الجارية بخلاف ما إذا اختلفا في الالف و الالفين لان نصف الالف هناك ثابتة بيقين لاتفاقهما على تسمية الالف فكان القضاء بنصفها حكما بالمتيقن و الملك في نصف الجارية ليس بثابت بيقين لانهما لم يتفقا على تسمية أحدهما فلم يمكن القضاء بنصف الجارية الا باختيارهما فإذا لم يوجد سقط البد لان فوجب الرجوع إلى المتعة هذا إذا كان الاختلاف في حياة الزوجين فان كان في حياة أحدهما بعد موت الآخر بينه و بين ورثة الميت فكذلك الجواب ان القول قول المرأة إلى تمام مهر مثلها ان كانت حية و قول ورثتها ان كانت ميتة و القول قول الزوج و ورثته في الزيادة عندهما و عند أبى يوسف القول قول ورثة الزوج الا أن يأتوابشئ مستنكر و ان كان الاختلاف بين ورثة الزوجين فان اختلفوا في أصل التسمية و كونها فقد قال أبو حنيفة لا أقضي بشيء حتى تقوم البينة على أصل التسمية و عندهما يقضى بمهر المثل كما في حال الحياة وجه قولهما ان التسمية إذا لم تثبت لاختلافهما وجب مهر المثل بالعقد فيبقى بعد موتهما كالمسمى و صار كأنه تزوجها و لم يسم لها مهرا ثم مأتا و جواب أبى حنيفة هناك أنه لا يقضى بشيء حتى تقوم البينة على التسمية أما قولهما ان مهر المثل يجب بالعقد عند عدم التسمية فالجواب عنه من وجهين أحدهما أنه وجب لكنه لم يبق اذ المهر لا يبقى بعد موت الزوجين عادة و هذا قول أبى حنيفة في المسألة بل الظاهر هو الاستيفاء و الابراء هذا هو العادة بين الناس فلا يثبت البقاء الا بالبينة و الثاني لئن سلمنا انه بقي لكنه تعذر القضاء به لان موضوع المسألة عند التقادم و عند التقادم لا يدرى ما حالها و مهر المثل يقدر بحالها فيتعذر التقدير على ان اعتبار مهرها بمهر مثل نساء عشيرتها فإذا مأتا فالظاهر موت نساء عشيرتها فلا يمكن التقدير ( وجه )
قول أبى حنيفة في هذه المسألة مشكل و لو اختلفت الورثة في قدر المهر فالقول قول ورثة الزوج عند أبى حنيفة و عند أبى يوسف القول قول ورثة الزوج الا أن يأتوا بشيء مستنكر جدا و عند محمد القول قول ورثة المرأة إلى قدر مهر مثلها كما في حال الحياة و لو بعث الزوج إلى إمرأته شيأ فاختلفا فقالت المرأة هو هدية و قال الزوج هو من المهر فالقول قول الزوج الا في الطعام الذي يؤكل لان الزوج هو المملك فكان أعرف بجهة تمليكه فكان القول قوله الا فيما يكذبه الظاهر و هو الطعام الذي يؤكل لانه لا يبعث مهرا عادة ( فصل )
و مما يتصل بهذا اختلاف الزوجين في متاع البيت و لا بينة لاحدهما و جملة الكلام فيه أن الاختلاف في متاع البيت اما ان يكون بين الزوجين في حال حياتهما و اما ان يكون بين ورثتهما بعد و فاتهما و اما ان يكون في حال حياة أحدهما و موت الآخر فان كان في حال حياتهما فاما ان يكون في حال قيام النكاح و اما ان يكون بعد زواله بالطلاق فان كان في حال قيام النكاح فما كان يصلح للرجال كالعمامة و القلنسوة و السلاح و غيرها فالقول فيه قول الزوج لان الظاهر شاهد له و ما يصلح للنساء مثل الخمار و الملحفة و المغزل و نحوها فالقول فيه قول الزوجة لان الظاهر شاهد لها
و ما يصلح لهما جميعا كالدراهم و الدنانير و العروض و البسط و الحبوب و نحوها فالقول فيه قول الزوج و هذا قول أبى حنيفة و محمد و قال أبو يوسف القول قول المرأة إلى قدر جهاز مثلها في الكل و القول قول الزوج في الباقى و قال زفر في قول المشكل بينهما نصفان و فى قول آخر و هو قول مالك و الشافعي الكل بينهما نصفان و قال ابن أبى ليلي القول قول الزوج في الكل الا في ثياب بدن المرأة و قال الحسن القول قول المرأة في الكل الا في ثياب بدن الرجل ( وجه )
قول الحسن أن يد المرأة على ما في داخل البيت أظهر منه في يد الرجل فكان الظاهر لها شاهدا الا في ثياب بدن الرجل لان الظاهر يكذبها في ذلك و يصدق الزوج ( وجه )
قول ابن أبى ليلي أن الزوج أخص بالتصرف فيما في البيت فكان الظاهر شاهدا له الا في ثياب بدنها فان الظاهر يصدقها فيه و يكذب الرجل ( وجه )
قول زفر أن يد كل واحد من الزوجين إذا كانا حرين ثابتة على ما في البيت فكان الكل بينهما نصفين و هو قياس قوله الا أنه خص المشكل بذلك في قول لان الظاهر يشهد لاحدهما في المشكل ( وجه )
قول أبى يوسف أن الظاهر يشهد للمرأة إلى قدر جهاز مثلها لان المرأة لا تخلو عن الجهاز عادة فكان الظاهر شاهدا لها في ذلك القدر فكان القول في هذا القدر قولها و الظاهر يشهد للرجل في الباقى فكان القول قوله في الباقى ( وجه )
قولهما أن يد الزوج على ما في البيت أقوى من يد المرأة لان يده يد متصرفة و يدها يد حافظة و يد التصرف أقوى من يد الحفظ كاثنين يتنازعان في دابة وأحدهما راكبها و الآخر متعلق بلجامها أن الراكب أولى الا أن فيما يصلح لها عارض هذا الظاهر ما هو أظهر منه فسقط اعتباره و ان اختلفا بعد ما طلقها ثلاثا أو بائنا فالقول قول الزوج لانها صارت أجنبية بالطلاق فزالت يدها و التحقت بسائر الاجانب هذا إذا اختلف الزوجان قبل الطلاق أو بعده ( فاما )
إذا مأتا فاختلف ورثتهما فالقول قول ورثة الزوج في قول أبى حنيفة و محمد و عند أبى يوسف القول قول ورثة المرأة إلى قدر جهاز مثلها و قول ورثة الزوج في الباقى لان الوارث يقوم مقام المورث فصار كان المورثين اختلفا بأنفسهما و هما حيان و ان مات أحدهما و اختلف الحى و ورثة الميت فان كان الميت هو المرأة فالقول قول الزوج عند أبى حنيفة و محمد لانها لو كانت حية لكان القول قوله فبعد الموت أولى و عند أبى يوسف القول قول ورثتها إلى قدر جهاز مثلها و ان كان الميت هو الزوج فالقول قولها عند أبى حنيفة في المشكل و عند أبى يوسف في قدر جهاز مثلها و عند محمد القول قول ورثة الزوج ( وجه )
قولهما ظاهر لان الوارث قائم مقام المورث و لابي حنيفة أن المتاع كان في يد هما في حياتهما لان الحرة من أهل الملك و اليد فينبغي أن يكون بينهما نصفين كما قال زفر لان يد الزوج كانت أقوى فسقطت يدها بيد الزوج فإذا مات الزوج فقد زال المانع فظهرت يدها على المتاع و لو طلقها في مرضه ثلاثا أو بائنا فمات ثم اختلفت هى و ورثة الزوج فان مات بعد انقضاء العدة فالقول قول ورثة الزوج لان القول قول الزوج في المشكل بعد الطلاق فكان القول قول ورثته بعده أيضا و ان مات قبل انقضاء العدة فالقول قولها عند أبى حنيفة في المشكل و عند أبى يوسف في قدر جهاز مثلها و عند محمد القول قول ورثة الزوج لان العدة إذا كانت قائمة كان النكاح قائما من وجه فصار كما لو مات الزوج قبل الطلاق و بقيت المرأة و هناك القول قولها عند أبى حنيفة في المشكل و عند أبى يوسف في قدر جهاز مثلها و عند محمد القول قول ورثة الزوج كذا ههنا هذا كله إذا كان الزوجان حرين أو مملوكين أو مكاتبين فاما إذا كان أحدهما حرا و الآخر مملوكا أو مكاتبا فعند أبى حنيفة القول قول الحر و عندهما ان كان المملوك محجورا فكذلك و أما إذا كان مأذونا أو مكاتبا فالجواب فيه و فيما إذا كانا حرين سواء ( وجه )
قولهما ان المكاتب في ملك اليد بمنزلة الحر بل هو حر يدا و لهذا كان أحق بمكاسبه و كذا المأذون المديون فصار كما لو اختلفا و هما حران و لابي حنيفة ان كل واحد منهما مملوك أما المأذون فلا شك فيه و كذا المكاتب لانه عبد ما بقي عليه درهم على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم و العبد اسم للمملوك و المملوك لا يكون من أهل الملك فلا تصلح يده دليلا على الملك فلا تصلح معارضة ليد الحر فبقيت يده دليل الملك من معارض بخلاف الحرين و لو كان الزوج حرا و المرأة أمة أو مكاتبة أو أم ولد فأعتقت ثم اختلفا في متاع البيت فما أحدثا من الملك قبل العتق فهو
فصل ثم كل نكاح جاز بين المسلمين
فصل ومنها الكفاءة
للزوج لانه حدث في وقت لم تكن المرأة فيه من أهل الملك و ما أحدثا من الملك بعد العتق فالجواب فيه و فى الحرين سواء و لو كان الزوج مسلما و المرأة ذمية فالجواب فيه كالجواب في الزوجين المسلمين لان الكفر لا ينافى أهلية الملك بخلاف الرق و كذا لو كان البيت ملكا لاحدهما لا يختلف الجواب لان العبرة لليد لا للملك هذا كله إذا لم تقر المرأة أن هذا المتاع اشتراه لي زوجي فان أقرت بذلك سقط قولها لانها أقرت بالملك لزوجها ثم ادعت الانتقال فلا يثبت الانتقال الا بدليل و قد مرت المسألة ( فصل )
و منها الكفاءة في إنكاح الاب و الجد من الاخ و العم و نحوهما الصغير و الصغيرة و فى إنكاح الاب و الجد اختلاف أبى حنيفة مع صاحبيه و أما الطوع فليس بشرط لجواز النكاح عندنا خلافا للشافعي فيجوز نكاح المكره عندنا و عنده لا يجوز و هذه من مسائل كتاب الاكراه و كذلك الجد ليس من شرائط جواز النكاح حتى يجوز نكاح الهازل لان الشرع جعل الجد و الهزل في باب النكاح سواء قال النبي صلى الله عليه و سلم ثلاث جدهن جد وهز لهن جد الطلاق و العتاق و النكاح و كذلك العمد عندنا حتى يجوز نكاح الخاطئ و هو الذي يسبق على لسانه كلمة النكاح من قصده و عند الشافعي شرط و الصحيح قولنا لان الثابت بالخطأ ليس الا القصد و انه ليس بشرط لجواز النكاح بدليل نكاح الهازل و كذلك الحل أعنى كونه حلالا محرم أو كونها حلالا محرمة ليس بشرط لجواز النكاح عندنا و عند الشافعي شرط حتى يجوز نكاح المحرم و المحرمة عندنا لكن لا يحل وطؤها في حال الاحرام و عنده لا يجوز ( وجه )
قوله أن الجماع من محظورات الاحرام فكذا النكاح لانه سبب داع إلى الجماع و لهذا حرمت الدواعي على المحرم كما حرم عليه الجماع و لنا ما روى عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة رضى الله عنها و هو حرام و أدنى ما يستدل بفعل النبي صلى الله عليه و سلم هو الجواز و لا يعارض هذا ما روى زيد بن الاصم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة و هو حلال بسرف و اجمعوا على أنه ما تزوجها الا مرة واحدة فيقع التعارض لان الاخذ برواية ابن عباس رضى الله عنهما أولى لوجهين أحدهما أنه يثبت أمرا عارضا و هو الاحرام اذ الحل أصل و الاحرام عارض فتحمل رواية زيد على أنه بني الامر على الاصل و هو الحل تحسينا للظن بالروايتين فكان راوي الاحرام معتمدا على حقيقة الحال و روى الحل بانيا الامر على الظاهر فكانت رواية من اعتمد حقيقة الحال أولى و لهذا رجحنا قول الجارح على المزكى كذا هذا و الثاني أن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أفقه و اتقن من زيد و الترجيح بفقه الراوي و إتقانه ترجيح صحيح على ما عرف في أصول الفقة و لان المعاني التي لها حسن النكاح في حال الاحرام موجودة في حال الاحرام فكان الفرق بين الحالين في الحكم مع وجود المعنى الجامع بينهما مناقضة و ما ذكره من المعنى يبطل بنكاح الحائض و النفساء فانه جائز بالاجماع و ان كان النكاح سببا داعيا إلى الجماع و الله عز و جل أعلم ( فصل )
ثم كل نكاح جاز بين المسلمين و هو الذي استجمع شرائط الجواز التي وصفناها فهو جائز بين أهل الذمة و أما ما فسد بين المسلمين من الانكحة فانها منقسمة في حقهم منها ما يصح و منها ما يفسد و هذا قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر كل نكاح فسد في حق المسلمين فسد في حق أهل الذمة حتى لو أظهروا النكاح بغير شهود يعترض عليهم و يحملون على أحكامنا و ان لم يرفعوا إلينا و كذا إذا أسلموا يفرق بينهما عنده و عندنا لا يفرق بينهما و ان تحاكما إلينا أو أسلما بل يقران عليه ( وجه )
قولهم انهم لما قبلوا عقد الذمة فقد التزموا أحكامنا و رضوا بها و من أحكامنا أنه لا يجوز النكاح بغير شهود و لهذا لم يجز نكاحهم المحارم في حكم الاسلام و لان تحريم النكاح بغير شهود في شريعتنا ثبت بخطاب الشرع على سبيل العموم بقوله صلى الله عليه و سلم لا نكاح الا بشهود و الكفار مخاطبون بشرائع هى حرمات في الصحيح من الاقوال فكانت حرمة النكاح بغير شهود ثابتة في حقهم ( و لنا )
انهم كانوا يتدينون النكاح بغير شهود و الكلام فيه و نحن أمرنا بتركهم و ما يدينون الا ما استثنى من عقودهم كالزنا و هذا مستثنى منها
فيصح في حقهم كما يصح منهم تملك الخمر و الخنزير و تمليكهما فلا يعترض عليهم كما لا يعترض في الخمر و الخنزير و لان الشهادة ليست بشرط بقاء النكاح على الصحة بدليل انه لا يبطل بموت الشهود فلا يجوز أن يكون شرط ابتداء العقد في حق الكافر لان في الشهادة معنى العبادة قال الله تعالى و أقيموا الشهادة لله فلا يؤاخذ الكافر بمراعاة هذا الشرط في العقد و لان نصوص الكتاب العزيز مطلقة عن شرط الشهادة و التقييد بالشهادة في نكاح المسلم ثبت بدليل فمن ادعى التقييد بها في حق الكافر يحتاج إلى الدليل ( و أما )
قوله انهم بالذمة التزموا أحكام الاسلام فنعم لكن جواز أنكحتهم بغير شهود من أحكام الاسلام و قوله تحريم النكاح بغير شهود عام ممنوع بل هو خاص في حق المسلمين لوجود المخصص لاهل الذمة و هو عمومات الكتاب و لو تزوج ذمى ذمية في عدة من ذمى جاز النكاح في قول أبى حنيفة و هذا و النكاح بغير شهود سواء عندنا حتى لا يعترض عليهما بالتفريق و ان ترافعا إلينا و لو أسلما يقران على ذلك و قال أبو يوسف و محمد و زفر و الشافعي النكاح فاسد يفرق بينهما ( وجه )
قولهم على نحو ما ذكرنا لزفر في النكاح بغير شهود و هو أنهم بقبول الذمة التزموا أحكامنا و من أحكامنا المجمع عليها فساد نكاح المعتدة و لان الخطاب بتحريم نكاح المعتدة عام قال تعالى و لا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله و الكفار مخاطبون بالحرمات و كلام أبى حنيفة على نحو ما تقدم أيضا لان في ديانتهم عدم وجوب العدة و الكلام فيه فلم يكن هذا نكاح المعتدة في اعتقادهم و نحن أمرنا بان نتركهم و ما يدينون و كذا عمومات النكاح من الكتاب العزيز و السنة مطلقة عن هذه الشريطة أعنى الخلو عن العدة و انما عرف شرطا في نكاح المسلمين بالاجماع و قوله عز و جل و لا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله خطاب للمسلمين أو يحمل عليه عملا بالدلائل كلها صيانة لها عن التناقض و لان العدة فيها معنى العبادة و هي حق الزوج أيضا من وجه قال الله تعالى فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمن حيث هى عبادة لا يمكن إيجابها على الكافرة لان الكفار لا يخاطبون بشرائع هى عبادات أو قربات و كذا من حيث هى حق الزوج لان الكافر لا يعتقده حقا لنفسه بخلاف المسلم إذا تزوج كتابية في عدة من مسلم أنه لا يجوز لان المسلم يعتقد العدة حقا واجبا فيمكن الايجاب لحقه ان كان لا يمكن لحق الله تعالى من حيث هى عبادة و لهذا قلنا انه ليس للزوج المسلم أن يجبر إمرأته الكافرة على الغسل من الجنابة و الحيض و النفاس لان الغسل من باب القربة و هي ليست مخاطبة بالقربات و له أن يمنعها من الخروج من البيت لان الاسكان حقه و أما نكاح المحارم و الجمع بين خمس نسوة و الجمع بين الاختين فقد ذكر الكرخي ان ذلك كله فاسد في حكم الاسلام بالاجماع لان فساد هذه الانكحة في حق المسلمين ثبت لفساد قطيعة الرحم و خوف الجور في قضأ الحقوق من النفقة و السكنى و الكسوة و غير ذلك و هذا المعنى لا يوجب الفصل بين المسلم و الكافر الا أنه مع الحرمة و الفساد لا يتعرض لهم قبل المرافعة و قبل الاسلام و لانهم دانوا ذلك و نحن أمرنا ان نتركهم و ما يدينون كما لا يتعرض لهم في عبادة الله تعالى و ان كانت محرمة و إذا ترافعا إلى القاضي فالقاضي يفرق بينهما كما يفرق بينهما بعد الاسلام لانهما إذا ترافعا فقد تركا ما داناه و رضيا بحكم الاسلام و لقوله تعالى فان جاؤك فاحكم بينهم و أما إذا لم يترافعا و لم يوجد الاسلام أيضا فقد قال أبو حنيفة و محمد انهما يقران على نكاحهما و لا يعترض عليهما بالتفريق و قال أبو يوسف يفرق بينهما الحاكم إذا علم ذلك سواء ترافعا إلينا أو لم يترافعا و لو رفع أحدهما دون الآخر قال أبو حنيفة لا يعترض عليهما ما لم يترافعا جميعا و قال محمد إذا رفع أحدهما يفرق بينهما أما الكلام في المسألة الاولى فوجه قول أبى يوسف ظاهر قوله تعالى و أن احكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهواءهم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحكم بينهم بما أنزله مطلقا عن شرط المرافعة و قد أنزل سبحانه و تعالى حرمة هذه الانكحة فيلزم الحكم بها مطلقا و لان الاصل في الشرائع هو العموم في حق الناس كافة الا أنه تعذر تنفيذها في دار الحرب لعدم الولاية و أمكن في دار الاسلام فلزم التنفيذ فيها و كان النكاح فاسدا و النكاح الفاسد زنا من وجه فلا يمكنون منه كما لا يمكنون من الزنا في دار الاسلام و لابي حنيفة و محمد قوله تعالى فان جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم و الآية حجة له في المسئلتين جميعا أما في المسألة الاولى فلانه شرط المجئ للحكم عليهم و أثبت
سبحانه و تعالى التخيير بين الحكم و الاعراض الا انه قام الدليل على نسخ التخيير و لا دليل على نسخ شرط المجئ فكان حكم الشرط باقيا و يحمل المطلق على المقيد لتعزر العمل بهما و إمكان جعل المقيد بيانا للمطلق و أما في المسألة الثانية فلانه سبحانه و تعالى شرط مجيئهم للحكم عليهم فإذا جاء أحدهما دون الآخر فلم يوجد الشرط و هو مجيئهم فلا يحكم بينهم و روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب إلى مجوس هجر اما أن تذروا الربا أو تأذنوا بحرب من الله و رسوله و لم يكتب إليهم في أنكحتهم شيا و لو كان التفريق مستحقا قبل المرافعة لكتب به كما كتب بترك الربا و روى أن المسلمين لما فتحوا بلاد فارس لم يتعرضوا لانكحتهم و ما روى ان عمر رضى الله عنه كتب أن يفرق بينهم و بين أمهاتهم لا يكاد يثبت لانه لو ثبت لنقل على طريق الاستفاضة لتوفر الدواعي إلى نقلها فلما لم ينقل دل أنه لم يثبت أو يحمل على أنه كتب ثم رجع عنه و لم يعمل به و لان ترك التعرض و الاعراض ثبت حقا لهما فإذا رفع أحدهما فقد أسقط حق نفسه فبقى حق الآخر ( وجه )
قول محمد أنه لما رفع أحدهما فقد رضى بحكم الاسلام فيلزم اجراء حكم الاسلام في حقه فيتعدى إلى الآخر كما إذا أسلم أحدهما الا أن أبا حنيفة يقول الرضا بالحكم ليس نظير الاسلام بدليل أنه لو رضى ثم رجع عنه قبل الحكم عليه لم يلزمه بحكم الاسلام و بعد ما أسلم لا يمكنه أن يأبى الرضا بأحكام الاسلام و إذا لم يكن ذلك أمرا لازما ضروريا فلا يتعدى إلى غيره و جعل رضاه في حق الغير كالعدم بخلاف الاسلام و ذكر القاضي الامام أبو زيد ان نكاح المحارم صحيح فيما بينهم في قول أبى حنيفة بدليل ان الذمي إذا تزوج بمحارمه و دخل بها لم يسقط إحصانه عنده حتى لو قذفه إنسان بالزنا بعد ما أسلم يحد قاذفه عنده و لو كان النكاح سدا لسقط إحصانه لان الدخول في النكاح الفاسد يسقط الاحصان كما في سائر الانكحة الفاسدة و كذلك لو ترافعا إلينا فطلبت المرأة النفقة فان القاضي يقضى بالنفقة في قول أبى حنيفة فدل ان نكاح المحارم وقع صحيحا فيما بينهم في حكم الاسلام و اتفقوا على انه لو تزوج حر بي أختين في عقدة واحدة أو على التعاقب ثم فارق احداهما قبل الاسلام ثم أسلم ان نكاح الباقية صحيح و معلوم ان الباقى الثابت و لو وقع نكاحها فاسدا حال وقوعه لما أقر عليه بعد الاسلام و كذلك لو تزوج خمسا في عقد متفرقة ثم فارق الاولى منهن ثم أسلم بقي نكاح الاربع على الصحة و لو وقع فاسدا من الاصل لما انقلب صحيحا بالاسلام بل كان يتأكد الفساد فثبت ان هذه الانكحة وقعت صحيحة في حقهم في حكم الاسلام ثم يفرق بينهما بعد الاسلام لانه لا صحة لها في حق المسلمين و لو طلق الذمي إمرأته ثلاثا أو خالعها ثم قام عليها كقيامه عليها قبل الطلاق يفرق بينهما و ان لم يترافعا لان العقد قد بطل بالطلقات الثلاث و بالخلع لانه يدين بذلك فكان إقراره على قيامه عليها اقرارا على الزنا و هذا لا يجوز و لو تزوج ذمى ذمية على أن لا مهر لها و ذلك في دينهم جائز صح ذلك و لا شيء لها في قول أبى حنيفة سواء دخل بها أو لم يدخل بها طلقها أو مات عنها أسلما أو أسلم أحدهما و عند أبى يوسف و محمد لها مهر مثلها ثم ان طلقها بعد الدخول أو بعد الخلوة بها أو مات عنها تأكد ذلك و ان طلقها قبل الدخول بها أو قبل الخلوة سقط مهر المثل و لها المتعة كالمسلمة و لو تزوج حربى حربية في دار الحرب على أن لا مهر لها جاز ذلك و لا شيء لها في قولهم جميعا و الكلام في الجانبين على نحو ما ذكرنا في المسائل المتقدمة هما يقولان ان حكم الاسلام قد لزم الزوجين الذميين لا لتزامهما أحكامنا و من أحكامنا انه لا يجوز النكاح من مال بخلاف الحربيين لانهما ما التزما أحكامنا و أبو حنيفة يقول ان في ديانتهم جواز النكاح بلا مهر و نحن أمرنا بأن نتركهم و ما يدينون الا فيما وقع الاستثناء في عقودهم كالربا و هذا لم يقع الاستثناء عنه فلا نتعرض لهم و يكون جائزا في حقهم في حكم الاسلام كما يجوز لهم في حكم الاسلام تملك الخمور و الخنازير و تمليكها هذا إذا تزوجها و بقى المهر فأما إذا تزوجها و سكت عن تسميته بأن تزوجها و لم يسم لها مهرا فلها مهر المثل في ظاهر رواية الاصل فانه ذكر في الاصل ان الذمي إذا تزوج ذمية بميته أو دم أو بغير شيء ان النكاح جائز و لها مهر مثلها فظاهر قوله أو بغير شيء يشعر بالسكوت عن التسمية لا بالنفي فيدل على وجوب مهر المثل حال السكوت عن التسمية ففرق أبو حنيفة بين السكوت و بين النفي و حكى عن الكرخي انه قال قياس قول أبى حنيفة انه
لا فرق بين حالة السكوت و بين النفي وجهه انه لما جاز النكاح في ديانتهم بمهر و بغير مهر لم يكن في نفس العقد ما يدل على التزام المهر فلا بد لوجوبه من دليل و هو التسمية و لم توجد فلا يجب بخلاف نكاح المسلمين لانه لا جواز له بدون المهر فكان ذلك العقد التزاما للمهر ( و وجه )
الفرق بين السكوت و بين النفي على ظاهر الرواية انه لما سكت عن تسمية المهر لم تعرف ديانته النكاح بلا مهر فيجعل اقدامه على النكاح التزاما للمهر كما في حق المسلمين و إذا نفى المهر نصا دل انه يدين النكاح و يعتقده جائزا بلا مهر فلا يلزمه حكم نكاح أهل الاسلام بل يترك و ما يدينه فهو الفرق ثم ما صلح مهرا في نكاح المسلمين فانه يصلح مهرا في نكاح أهل الذمة لا شك فيه لانه لما جاز نكاحنا عليه كان نكاحهم عليه أجوز و ما لا يصلح مهرا في نكاح المسلمين لا يصلح مهرا في نكاحهم أيضا الا الخمر و الخنزير لان ذلك مال متقوم في حقهم بمنزلة الشاة و الخل في حق المسلمين فيجوز أن يكون مهرا في حقهم في حكم الاسلام فان تزوج ذمى ذمية على خمر أو خنزير ثم أسلما أو أسلم أحدهما فان كان الخمر و الخنزير بعينه و لم يقبض فليس لها الا العين و ان كان بغير عينه بأن كان في الذمة فلها في الخمر القيمة و فى الخنزير مهر مثلها و هو قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف لها مهر مثلها سوا كان بعينه أو بغير عينه و قال محمد لها القيمة سواء كان بعينه أو بغير عينه و لا خلاف في أن الخمر و الخنزير إذا كان دينا في الذمة ليس لها ذلك ( وجه )
قولهما في أنه لا يجوز أن يكون لها العين ان الملك في العين و ان ثبت لها قبل الاسلام لكن في القبض معنى التمليك لانه مؤكد للملك لان ملكها قبل القبض واه مؤكد ألا ترى انه لو هلك عند التزوج كان الهلاك عليه و كذا لو تعيب و بعد القبض كان ذلك كله عليها فثبت ان الملك قبل القبض متأكد فكان القبض مؤكد للملك و التأكيد إثبات من وجه فكان القبض تمليكا من وجه و المسلم منهى عن ذلك و لهذا لو اشترى ذمى من ذمى خمرا ثم أسلما أو أسلم أحدهما قبل القبض ينتقض البيع و لابي حنيفة ان المرأة تملك المهر قبل القبض ملكا تاما اذ الملك نوعان ملك رقبة و ملك يد و هو ملك التصرف و لا شك ان ملك الرقبة ثابت لها قبل القبض و كذلك ملك التصرف لانها تملك التصرف في المهر قبل القبض من كل وجه فلم يبق الا صورة القبض و المسلم منهى عن صورة قبض الخمر و الخنزير و اقباضهما كما إذا غصب مسلم من مسلم خمرا ان الغاصب يكون مأمورا بالتسليم و المغصوب منه يكون مأذونا له في القبض و كذا الذمي إذا غصب منه الخمر ثم أسلم و كمسلم أودعه الذمي خمرا ثم أسلم الذمي ان له أن يأخذ الخمر من المودع يبقى هذا القدر و هو انه دخل المهر في ضمانها بالقبض لكن هذا لا يوجب ثبوت ملك لها لما ذكرنا ان ملكها تام قبل القبض مع ما ان دخوله في ضمانها أمر عليها فكيف يكون ملكا لها بخلاف المبيع فان ملك الرقبة و ان كان ثابتا قبل القبض فملك التصرف لم يثبت و انما يثبت بالقبض و فيه معنى التمليك و التملك و الاسلام يمنع من ذلك هذا إذا كانا عينين فان كانا دينين فليس لها الا العين بالاجماع لان الملك في هذه العين التي تأخذها ما كان ثابتا لها بالعقد بل كان ثابتا في الدين في الذمة و انما يثبت الملك في هذا المعين بالقبض و القبض تملك من وجه و المسلم ممنوع من ذلك ( وجه )
قول أبى يوسف ان الاسلام لما منع القبض و القبض حكم العقد جعل كأن المنع كان ثابتا وقت العقد فيصار إلى مهر المثل كما لو كانا عند العقد مسلمين وجه قول محمد ان العقد وقع صحيحا و التسمية في العقد قد صحت الا أنه تعذر التسليم بسبب الاسلام لما في التسليم من التمليك من وجه على ما بينا و المسلم ممنوع من ذلك فيوجب القيمة كما لو هلك المسمى قبل القبض و أبو حنيفة يوجب القيمة في الخمر لما قاله محمد و هو القياس في الخنزير أيضا الا أنه استحسن في الخنزير أيضا و أوجب مهر المثل لان الخنزير حيوان و من تزوج إمرأة على حيوان في الذمة يخير بين تسليمه و بين تسليم قيمة الوسط منه بل القيمة هى الاصل في التسليم لان الوسط يعرف بها على ما ذكرنا فيما تقدم فكان إيفاء قيمة الخنزير بعد الاسلام حكم إيفاء الخنزير من وجه و لا سبيل إلى إيفاء العين بعد الاسلام فلا سبيل إلى إيفاء القيمة بخلاف الخمر لان قيمتها لم تكن واجبة قبل الاسلام ألا ترى انه لو جاء الزوج بالقيمة لا تجبر المرأة على القبول فلم يكن لبقائها حكم بقاء الخمر من وجه لذلك افترقا هذا كله إذا لم يكن المهر مقبوضا قبل الاسلام فان كان مقبوضا فلا شيء
فصل ثم كل عقد اذا عقده الذمى كان فاسدا
للمرأة لان الاسلام متى ورد و الحرام مقبوض يلاقيه بالعفو لان الملك قد ثبت على سبيل الكمان بالعقد و القبض في حال الكفر فلا يثبت بعد الاسلام ملك و انما يوجد دوام الملك و الاسلام لا ينافيه كمسلم تخمر عصيره أنه لا يؤمر بإبطال ملكه فيها و كما في نزول تحريم الربا و روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما دخل مكة أبطل من الربا ما لم يقبض و لم يتعرض صلى الله عليه و سلم لما قبض بالفسخ و هو أحد تأويلات قوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين أمر سبحانه بترك ما بقي من الربا و الامر بترك ما بقي من الربا هو النهى عن قبضه و الله عز و جل الموفق و لو تزوجها على ميتة أو دم ذكر في الاصل ان لها مهر مثلها و ذكر في الجامع الصغير انه لا شيء لها منهم ووفق بين الروايتين فحمل ما ذكره في الاصل على الذميين و ما ذكره في الجامع على الحربيين و منهم من جعل في المسألة روايتين ( وجه )
رواية الاصل انه لما تزوجها على الميتة و الدم فلم يرض باستحقاق بضعها الا ببدل و قد تعذر استحقاق المسمى لانه ليس بمال في حق أحد فكان لها مهر المثل كالمسلمة ( وجه )
رواية الجامع الصغير انها لما رضيت بالميتة مع انها ليست بمال كان ذلك منها دلالة الرضا باستحقاق بضعها بغير عوض أصلا كما إذا تزوجها على أن لا مهر لها و الله عز وجل أعلم ( فصل )
ثم كل عقد إذا عقده الذمي كان فاسدا فإذا عقده الحربي كان فاسدا أيضا لان المعنى المفسد لا يوجب الفصل بينهما و هو ما ذكرنا فيما تقدم و لو تزوج كافر بخمس نسوة أو بأختين ثم أسلم فان كان تزوجهن في عقدة واحدة فرق بينه و بينهن و ان كان تزوجهن في عقد متفرقة صح نكاح الاربع و بطل نكاح الخامسة و كذا في الاختين يصح نكاح الاولى و بطل نكاح الثانية و هذا قول أبى حنيفة و أبى يوسف و قال محمد يختار من الخمس أربعا و من الاختين واحدة سواء تزوجهن في عقدة واحدة أو في عقد استحسانا و به أخذ الشافعي احتج محمد بما روى ان غيلان أسلم و تحته عشر نسوة فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يختار أربعا منهن و روى ان قيس ابن الحارث أسلم و تحته ثمان نسوة فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يختار منهن أربعا و روى ان فيروز الديلمي أسلم و تحته أختان فخيره رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يستفسر ان نكاحهن كان دفعة واحدة أو على الترتيب و لو كان الحكم يختلف لاستفسر فدل ان حكم الشرع فيه هو التخيير مطلقا و لابي حنيفة و أبى يوسف ان الجمع محرم على المسلم و الكافر جميعا لان حرمته ثبتت لمعنى معقول و هو خوف الجور في إيفاء حقوقهن و الافضاء إلى قطع الرحم على ما ذكرنا فيما تقدم و هذا المعنى لا يوجب الفصل بين المسلم و الكافر الا أنه لا يتعرض لاهل الذمة مع قيام الحرمة لان ذلك ديانتهم و هو مستثنى من عهودهم و قد نهينا عن التعرض لهم عن مثله بعد إعطاء الذمة و ليس لنا ولاية التعرض لاهل الحرب فإذا أسلم فقد زال المانع فلا يمكن من استيفاء الجمع بعد الاسلام فإذا كان تزوج الخمس في عقدة واحدة فقد حصل نكاح كل واحدة منهن جميعا اذ ليست إحداهن بأولى من الاخرى و الجمع محرم و قد زال المانع من التعرض فلا بد من الاعتراض بالتفريق و كذلك إذا تزوج الاختين في عقدة واحدة لان نكاح واحدة منهما جعل جمعا اذ ليست احداهما بأولى من الاخرى و الاسلام يمنع من ذلك و لا مانع من التفريق فيفرق فأما إذا كان تزوجهن على الترتيب في عقد متفرقة فنكاح الاربع منهن وقع صحيحا لان الحر يملك التزوج بأربع نسوة مسلما كان أو كافرا و لم يصح نكاح الخامسة لحصوله جمعا فيفرق بينهما بعد الاسلام و كذلك إذا كان تزوج الاختين في عقدتين فنكاح الاولى وقع صحيحا اذ لا مانع من الصحة و بطل نكاح الثانية لحصوله جمعا فلا بد من التفريق بعد الاسلام و أما الاحاديث ففيها إثبات الاختيار للزوج المسلم لكن ليس فيها ان له أن يختار ذلك بالنكاح الاول أو بنكاح جديد فاحتمل انه أثبت له الاختيار لتجدد العقد عليهن و يحتمل انه أثبت له الاختيار ليمسكهن بالعقد الاول فلا يكون حجة مع الاحتمال مع ما أنه قد روى أن ذلك قبل تحريم الجمع فانه روى في الخبر أن غيلان أسلم و قد كان تزوج في الجاهلية و روى عن مكحول انه قال كان ذلك قبل نزول الفرائض و تحريم الجمع ثبت بسورة النساء الكبرى و هي
مدنية و روى أن فيروز لما هاجر إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال له ان تحتي أختين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ارجع فطلق احداهما و معلوم أن الطلاق انما يكون في النكاح الصحيح فدل ان ذلك العقد وقع صحيحا في الاصل فدل انه كان قبل تحريم الجمع و لا كلام فيه و على هذا الخلاف إذا تزوج الحربي بأربع نسوة ثم سبى هو و سبين معه أن عند أبى حنيفة و أبى يوسف يفرق بينه و بين الكل سواء تزوجهن في عقدة واحدة أو في عقد متفرقة لان نكاح الاربع وقع صحيحا لانه كان حرا وقت النكاح و الحر يملك التزوج بأربع نسوة مسلما كان أو كافرا الا أنه تعذر الاستيفاء بعد الاسترقاق لحصول الجمع من العبد في حال البقاء بين أكثر من اثنتين و العبد لا يملك الاستيفاء فيقع جمعا بين الكل ففرق بينه و بين الكل و لا يخير فيه كما إذا تزوج رضيعتين فارضعتهما إمرأة بطل نكاحهما و لا يخير كذا هذا و عند محمد يخير فيه فيختار اثنتين منهن كما يخير الحر في أربع نسوة من نسائه و لو كان الحربي تزوج أما و بنتا ثم أسلم فان كان تزوجهما في عقدة واحدة فنكاحهما باطل و ان كان تزوجهما متفرقا فنكاح الاولى جائز و نكاح الاخرى باطل في قول أبى حنيفة و أبى يوسف كما قالا في الجمع بين الخمس و الجمع بين الاختين و قال محمد نكاح البنت هو الجائز سواء تزوجهما في عقدة واحدة أو في عقدتين و نكاح الام باطل لان مجرد عقد الام لا يحرم البنت و هذا إذا لم يكن دخل بواحدة منهما و لو أنه كان دخل بهما جميعا فنكاحهما جميعا باطل بالاجماع لان مجرد الدخول يوجب التحريم سواء دخل بالام أو بالبنت و لو لم يدخل بالاولى و لكن دخل بالثانية فان كانت الاولى بنتا و الثانية أما فنكاحهما جميعا باطل بالاجماع لان نكاح البنت يحرم الام و الدخول بالام يحرم البنت و لو كان دخل بإحداهما فان كان دخل بالاولى ثم تزوج الثانية فنكاح الاولى جائز و نكاح الثانية باطل بالاجماع و لو تزوج الام أولا و لم يدخل بها ثم تزوج البنت و دخل بها فنكاحهما جميعا باطل في قول أبى حنيفة و أبى يوسف الا أنه يحل له أن يتزوج بالبنت و لا يحل له ان يتزوج بالام و عند محمد نكاح البنت هو الجائز و قد دخل بها و هي إمرأته و نكاح الام باطل ( فصل )
و أما شرائط اللزوم فنوعان في الاصل نوع هو شرط وقوع النكاح لازما و نوع هو شرط بقائه على اللزوم ( أما )
الاول فأنواع منها أن يكون الولى في إنكاح الصغير و الصغيرة هو الاب أو الجد فان كان الاب و الجد من الاولياء كالاخ و العم لا يلزم النكاح حتى يثبت لهما الخيار بعد البلوغ و هذا قول أبى حنيفة و محمد و عند أبى يوسف هذا ليس بشرط و يلزم نكاح الاب و الجد من الاولياء حتى لا يثبت لهما الخيار ( وجه )
قول أبى يوسف أن هذا النكاح صدر من ولي فيلزم كما إذا صدر عن الاب و الجد و هذا لان ولاية الا نكاح ولاية نظر في حق المولى عليه فيدل ثبوتها على حصول النظر و هذا يمنع ثبوت الخيار لان الخيار لو ثبت انما يثبت لنفي الضرر و لا ضرر فلا يثبت الخيار و لهذا لم يثبت في نكاح الاب و الجد كذا هذا و لهما ما روى أن قدامة بن مظعون زوج بنت أخيه عثمان بن مظعون من عبد الله بن عمر رضى الله عنه فخيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد البلوغ فاختارت نفسها حتى روى أن ابن عمر قال انها انتزعت منى بعد ما ملكتها و هذا نص في الباب و لان أصل القرابة ان كان يدل على أصل النظر لكونه دليلا على أصل الشفقة فقصورها يدل على قصور النظر لقصور الشفقة بسبب بعد القرابة فيجب اعتبار أصل القرابة بإثبات أصل الولاية و اعتبار القصور بإثبات الخيار تكميلا للنظر و توفيرا في حق الصغير بتلافي التقصير لو وقع و لا يتوهم التقصير في إنكاح الاب و الجد لوفور شفقتهما لذلك لزم انكاحهما و لم يلزم إنكاح الاخ و العم على أن القياس في إنكاح الاب و الجد أن لا يلزم الا انهم استحسنوا في ذلك لما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما تزوج عائشة رضى الله عنها و بلغت لم يعلمها بالخيار بعد البلوغ و لو كان الخيار ثابتا لها و ذلك حقها لا علمها به و هل يلزم إذا زوجها الحاكم ذكر في الاصل ما يدل على أنه لا يلزم فانه قال إذا زوجها الاب و الجد فلها الخيار و الحاكم الاب و الجد هكذا قول محمد أن لها الخيار و روى خالد بن صبيح المروزي عن أبى حنيفة أنه لا خيار لها ( وجه )
هذه الرواية أن ولاية الحاكم أعم من ولاية الاخ و العم لانه يملك التصرف في النفس و المال جميعا فكانت ولايته شبيهة بولاية
الاب و الجد و ولايتهما ملزمة كذلك ولاية الحاكم ( وجه )
رواية الاصل أن ولاية الاخ و العم أقوى من ولاية الحاكم بدليل انهما يتقدمان عليه حتى لا يزوج الحاكم مع وجودهما ثم ولايتهما ملزمة فولاية الحاكم أولى و إذا ثبت الخيار لكل واحد منهما و هو اختيار النكاح أو الفرقة فيقع الكلام بعد هذا في موضعين أحدهما في بيان وقت ثبوت الخيار و الثاني في بيان ما يبطل به الخيار أما الاول فالخيار يثبت بعد البلوغ لا قبله حتى لو رضيت بالنكاح قبل البلوغ لا يعتبر و يثبت الخيار بعد البلوغ لان أهلية الرضا تثبت بعد البلوغ لا قبله فيثبت الخيار بعد البلوغ لا قبله و أما الثاني فما يبطل به الخيار نوعان نص و دلالة أما النص فهو صريح الرضا بالنكاح نحو أن تقول رضيت بالنكاح و اخترت النكاح أو أجزته و ما يجرى هذا المجرى فيبطل خيار الفرقة و يلزم النكاح و أما الدلالة فنحو السكوت من البكر عقيب البلوغ لان سكوت البكر دليل الرضا بالنكاح لما ذكرنا فيما تقدم أن البكر لغلبة حيائها تستحي عن اظهار الرضا بالنكاح فاما سكوت الثيب فان كان وطئها قبل البلوغ فبلغت و هي ثيب فسكتت عقيب البلوغ فلا يبطل به الخيار لانها لا تستحي عن اظهار الرضا بالنكاح عادة لان بالثيابة قل حياؤها فلا يصح سكوتها دليلا على الرضا بالنكاح فلا يبطل خيارها الا بصريح الرضا بالنكاح أو بفعل أو بقول يدل على الرضا نحو التمكين من الوطء و طلب المهر و النفقة و غير ذلك و كذا سكوت الغلام بعد البلوغ لان الغلام لا يستحى عن اظهار الرضا بالنكاح اذ ذاك دليل الرجولية فلا يسقط خياره الا بنص كلامه أو بما يدل على الرضا بالنكاح من الدخول بها و طلب التمكن منها و ادرار النفقة عليها و نحو ذلك ثم العلم بالنكاح شرط بطلان الخيار من طريق الد لة حتى لو لم تكن عالمة بالنكاح لا يبطل الخيار لان بطلان الخيار لوجود الرضا منها دلالة و الرضا بالشيء قبل العلم به لا يتصور اذ هو استحسان الشيء و من لم يعلم بشيء كيف يستحسنه فإذا كانت عالمة بالنكاح و وجد منها دليل الرضا بالنكاح بطل خيارها و لا يمتد هذا الخيار إلى آخر المجلس بل يبطل بالسكوت من البكر بخلاف خيار العتق و خيار المخيرة لان التخيير هناك وجد من العبد و هو الزوج أو المولى أما في الزوج فظاهر و كذا في المولى لان الخيار يثبت بالعتق و العتق حصل بإعتاقه و التخيير من العبد تمليك فيقتضى جوابا في المجلس فيمتد إلى آخر المجلس كخيار القبول في البيع بخلاف خيار البلوغ لانه ما ثبت بصنع العبد بل بإثبات الشرع فلم يكن تمليكا فلا يمتد إلى آخر المجلس و ان لم تكن عالمة بالنكاح فلها الخيار حين تعلم بالنكاح ثم خيار البلوغ يثبت للذكر و الانثى و خيار العتق لا يثبت الا للمعتقة لان خيار البلوغ يثبت لقصور الولاية و ذا لا يختلف بالذكورة و الانوثة و خيار العتق ثبت لزيادة الملك عليها بالعتق و ذا يختص بها و كذا خيار البلوغ للذكر و الانثى إذا كانت الانثى ثيبا لا يبطل بالقيام عن المجلس و خيار العتق و المخيرة يبطل و الفرق على نحو ما ذكرنا من خيار البكر و خيار العتق و خيار المخيرة أن الاول يبطل بالسكوت و الثاني لا يبطل و أما العلم بالخيار فليس بشرط و الجهل به ليس بعذر لان دار الاسلام دار العلم بالشرائع فيمكن الوصول إليها بالتعلم فكان الجهل بالخيار في موضعه فلا يعتبر و لهذا لا يعذر العوام في دار الاسلام بجهلهم بالشرائع بخلاف خيار العتق فان العلم بالخيار هناك شرط و الجهل به عذر و ان كان دار الاسلام دار العلم بالشرائع و الاحكام لان الوصول إليها ليس من طريق الضرورة بل بواسطة التعلم و الامة لا تتمكن من التعلم لانها لا تتفرغ لذلك لاشتغالها بخدمة مولاها بخلاف الحرة ثم إذا اختار أحدهما الفرقة فهذه الفرقة لا تثبت الا بقضاء القاضي بخلاف خيار العتق فان المعتقة إذا اختارت نفسها تثبت الفرقة بغير قضأ القاضي ( وجه )
الفرق ان أصل النكاح ههنا ثابت و حكمه نافذ و انما الغائب وصف الكمال و هو صفة اللزوم فكان الفسخ من أحد الزوجين رفع الاصل بفوات الوصف و فوات الوصف لا يوجب رفع الاصل لما فيه من جعل الاصل تبعا للوصف و ليس له هذه الولاية و به حاجة إلى ذلك فلا بد من رفعه إلى من له الولاية العامة و هو القاضي ليرفع النكاح دفعا لحاجة الصغير الذي بلغ و نظرا له بخلاف خيار العتق لان الملك ازداد عليها بالعتق و لها أن لا ترضى بالزيادة فكان لها أن تدفع الزيادة و لا يمكن دفعها الا
فصل وأما الثانى فالنكاح لذى الكفاءة فيه شرط لزومه
فصل ومنها كفاءة الزوج في نكاح المرأة
باندفاع ما كان ثابتا فيندفع الثابت ضرورة دفع الزيادة و هذا يمكن اذ ليس بعض الملك تابعا لبعض فلا تقع الحاجة إلى قضأ القاضي و نظير الفصلين الرد بالعيب قبل القبض و بعده ان الاول يثبت بدون قضأ القاضي و الثاني لا يثبت عند عدم التراضى منهما الا بقضاء القاضي و الله عز و جل أعلم و لو زوج ابنته ابن أخيه فلا خيار لها بالاجماع لان النكاح صدر عن الاب و أما ابن الاخ فله الخيار في قول أبى حنيفة و محمد لصدور النكاح عن العم و عند أبى يوسف لا خيار له و المسألة قد مرت و لو أعتق أمته ثم زوجها و هي صغيرة فلها خيار البلوغ لان ولاية الولاء دون ولاية القرابة فلما ثبت الخيار ثمة فلان يثبت ههنا أولى و لو زوجها ثم أعتقها و هي صغيرة فلها إذا بلغت خيار العتق لا خيار البلوغ لان النكاح صادفها و هي رقيقة ( فصل )
و منها كفاءة الزوج في إنكاح المرأة الحرة البالغة العاقلة نفسها من رضا الاولياء بمهر مثلها فيقع الكلام في هذا الشرط في أربعة مواضع أحدها في بيان ان الكفاءة في باب النكاح هل هى شرط لزوم النكاح في الجملة أم لا و الثاني في بيان النكاح الذي الكفاءة من شرط لزومه و الثالث في بيان ما تعتبر فيه الكفاءة و الرابع في بيان من يعتبر له الكفاءة أما الاول فقد قال عامة العلماء انها شرط و قال الكرخي ليست بشرط أصلا و هو قول مالك و سفيان الثورى و الحسن البصري و احتجوا بما روى ان أبا طيبة خطب إلى بني بياضة فأبوا ان يزوجوه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنكحوا أبا طيبة ان لا تفعلوا تكن فتنة في الارض و فساد كبير و روى أن بلالا رضى الله عنه خطب إلى قوم من الانصار فابوا ان يزوجوه فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم قل لهم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمركم أن تزوجونى أمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالتزويج عند عدم الكفاءة و لو كانت معتبرة لما أمر لان التزويج من كفء مأمور به و قال صلى الله عليه و سلم ليس لعربي على عجمي فضل الا بالتقوى و هذا نص و لان الكفاءة لو كانت معتبرة في الشرع لكان أولى الابواب بالاعتبار بها باب الدماء لانه يحتاط فيه ما لا يحتاط في سائر الابواب و مع هذا لم يعتبر حتى يقتل الشريف بالوضيع فههنا أولى و الدليل عليه انها لم تعتبر في جانب المرأة فكذا في جانب الزوج ( و لنا )
ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يزوج النساء الا الاولياء و لا يزوجن الا من الاكفاء و لا مهر اقل من عشرة دراهم و لان مصالح النكاح تختل عند عدم الكفاءة لانها لا تحصل الا بالاستفراش و المرأة تستنكف عن استفراش الكفء و تعير بذلك فتختل المصالح و لان الزوجين يجرى بينهما مباسطات في النكاح لا يبقى النكاح بدون تحملها عادة و التحمل من الكفء أمر صعب يثقل على الطباع السليمة فلا يدوم النكاح مع عدم الكفاءة فلزم اعتبارها و لا حجة لهم في الحديثين لان الامر بالتزويج يحتمل أنه كان ندبا لهم إلى الافضل و هو اختيار الدين و ترك الكفاءة فيما سواه و الاقتصار عليه و هذا لا يمنع جواز الامتناع و عندنا الافضل اعتبار الدين و الاقتصار عليه و يحتمل أنه كان أمر إيجاب أمرهم بالتزويج منهما مع عدم الكفاءة تخصيصا لهم بذلك كما خص أبا طيبة بالتمكين من شرب دمه صلى الله عليه و سلم و خص خزيمة بقبول شهادته وحده و نحو ذلك و لا شركة في موضع الخصوصية حملنا الحديثين على ما قلنا توفيقا بين الدلائل و أما الحديث الثالث فالمراد به أحكام الآخرة اذ لا يمكن حمله على أحكام الدنيا لظهور فضل العربى على العجمى في كثير من أحكام الدنيا فيحمل على أحكام الآخرة و به نقول و القياس على القصاص سديد لان القصاص شرع لمصلحة الحياة و اعتبار الكفاءة فيه يؤدى إلى تفويت هذه المصلحة لان كل أحد يقصد قتل عدوه الذي لا يكافئه فتفوت المصلحة المطلوبة من القصاص و فى اعتبار الكفاءة في باب النكاح تحقيق المصلحة المطلوبة من النكاح من الوجه الذي بينا فبطل الاعتبار و كذا الاعتبار بجانب المرأة لا يصح أيضا لان الرجل لا يستنكف عن استفراش المرأة الدنيئة لان الاستنكاف عن المستفرش لا عن المستفرش و الزوج مستفرش فيستفرش الوطي و الخشن ( فصل )
و أما الثاني فالنكاح الذي الكفاءة فيه شرط لزومه هو إنكاح المرأة نفسها من رضا الاولياء لا يلزم
فصل وأما الثالث في بيان ما تعتبر فيه الكفاءة
حتى لو زوجت نفسها من كفء من رضا الاولياء لا يلزم و للاولياء حق الاعتراض لان في الكفاءة حقا للاولياء لانهم ينتفعون بذلك ألا ترى أنهم يتفاخرون بعلو نسب الختن و يتعيرون بدناءة نسبه فيتضررون بذلك فكان لهم أن يدفعوا الضرر عن أنفسهم بالاعتراض كالمشترى إذا باع الشقص المشفوع ثم جاء الشفيع كان له أن يفسخ البيع و يأخذ المبيع بالشفعة دفعا للضرر عن نفسه كذا هذا و لو كان التزويج برضاهم يلزم حتى لا يكون لهم حق الاعتراض لان التزويج من المرأة تصرف من الاهل في محل هو خالص حقها و هو نفسها و امتناع اللزوم كان لحقهم المتعلق بالكفاءة فإذا رضوا فقد أسقطوا حق أنفسهم و هم من أهل الاسقاط و المحل قابل للسقوط فيسقط و لو رضى به بعض الاولياء سقط حق الباقين في قول أبى حنيفة و محمد و عند أبى يوسف لا يسقط وجه قوله أن حقهم في الكفاءة ثبت مشتركا بين الكل فإذا رضى به أحدهم فقد أسقط حق نفسه فلا يسقط حق الباقين كالدين إذا وجب لجماعة فابرأ بعضهم لا يسقط حق الباقين لما قلنا كذا هذا و لان رضا أحدهم لا يكون أكثر من رضاها فان زوجت نفسها من كفء بغير رضاهم لا يسقط حق الاولياء برضاها فلان لا يسقط برضا أحدهم أولى و لهما أن هذا حق واحد لا يتجزأ ثبت بسبب لا يتجزأ و هو القرابة و إسقاط بعض ما لا يتجزأ إسقاط لكله لانه لا بعض له فإذا أسقط واحد منهم لا يتصور بقاؤه في حق الباقين كالقصاص إذا وجب لجماعة فعفا أحدهم عنه أنه يسقط حق الباقين كذا هذا و لان حقهم في الكفاءة ما ثبت لعينه بل لدفع الضرر و التزويج من كفء وقع اضرارا بالاولياء من حيث الظاهر و هو ضرر عدم الكفاءة فالظاهر انه لا يرضى به أحدهم الا بعد علمه بمصلحة حقيقية هى أعظم من مصلحة الكفاءة وقف هو عليها و غفل عنها الباقون لولاها لما رضى و هي دفع ضرر الوقوع في الزنا على تقدير الفسخ و أما قوله الحق ثبت مشتركا بينهم فنقول على الوجه الاول ممنوع بل ثبت لكل واحد منهم على الكمال كان ليس معه غيره لان ما لا يتجزأ لا يتصور فيه الشركة كحق القصاص و الامان بخلاف الدين فانه يتجزأ فتتصور فيه الشركة و بخلاف ما إذا زوجت نفسها من كفء بغير رضا الاولياء لان هناك الحق متعدد فحقها خلاف جنس حقهم لان حقها في نفسها و فى نفس العقد و لا حق لهم في نفسها و لا في نفس العقد و انما حقهم في دفع الشين عن أنفسهم و إذا اختلف جنس الحق فسقوط أحدهما لا يوجب سقوط الآخر و أما على الوجه الثاني فمسلم لكن هذا الحق ما ثبت لعينه بل لدفع الضرر و فى بقائه لزوم أعلى الضررين فسقط ضرورة و كذلك الاولياء لو زوجوها من كفء برضاها يلزم النكاح لما قلنا و لو زوجها أحد الاولياء من كفء برضاها من رضا الباقين يجوز عند عامة العلماء خلافا لمالك بناء على أن ولاية الا نكاح ولاية مستقلة لكل واحد منهم عندنا و عند ولاية مشتركة و قد ذكرنا المسألة في شرائط الجواز و هل يلزم قال أبو حنيفة و محمد يلزم و قال أبو يوسف و زفر و الشافعي لا يلزم وجه قولهم على نحو ما ذكرنا فيما تقدم ان الكفاءة حق ثبت للكل على الشركة واحد الشريكين إذا أسقط حق نفسه لا يسقط حق صاحبه كالدين المشترك وجه قولهما ان هذا حق واحد لا يتجزأ ثبت بسبب لا يتجزأ و مثل هذا الحق إذا ثبت لجماعة يثبت لكل واحد منهم على الكمال كان ليس معه غيره كالقصاص و الامان و لان اقدامه على النكاح مع كمال الرأي برضاها مع التزام ضرر ظاهر بالقبيلة و بنفسه و هو ضرر عدم الكفاءة بلحوق العار و الشين دليل كونه مصلحة في الباطن و هو اشتماله على دفع ضرر أعظم من ضرر عدم الكفاءة و هو ضرر عار الزنا أو غيره لولاه لما فعل و أما إنكاح الاب و الجد الصغير الصغيرة فالكفاءة فيه ليست بشرط للزومه عند أبى حنيفة كما انها ليست بشرط الجواز عنده فيجوز ذلك و يلزم لصدوره ممن له كمال نظر لكمال الشفقة بخلاف إنكاح الاخ و العم من الكفء انه لا يجوز بالاجماع لانه ضرر محض على ما بينا في شرائط الجواز و اما انكاحهما من الكفء فجائز عندنا خلافا للشافعي لكنه لازم في قول أبى حنيفة و محمد و عند أبى يوسف لازم و المسألة قد مرت ( فصل )
و أما الثالث في بيان ما تعتبر فيه الكفاءة فما تعتبر فيه الكفاءة أشياء منها النسب و الاصل فيه قول النبي
فصل ومنها المال
فصل ومنها الحرية
صلى الله عليه و سلم قريش بعضهم أكفاء لبعض و العرب بعضهم أكفاء لبعض حى بحي و قبيلة بقبيلة و الموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل برجل لان التفاخر و التعيير يقعان بالانساب فتلحق النقيصة بدناءة النسب فتعتبر فيه الكفاءة فقريش بعضهم أكفاء لبعض على اختلاف قبائلهم حتى يكون القرشي الذي ليس بهاشمي كالتيمى و الاموى و العدوى و نحو ذلك كفأ للهاشمي لقوله صلى الله عليه و سلم قريش بعضهم أكفاء لبعض و قريش تشتمل على بني هاشم و العرب بعضهم أكفاء لبعض بالنص و لا تكون العرب كفأ لقريش لفضيلة قريش على سائر العرب و لذلك اختصت الامامة بهم قال النبي صلى الله عليه و سلم الائمة من قريش بخلاف القرشي انه يصلح كفأ للهاشمي و ان كان للهاشمي من الفضيلة ما ليس للقرشي لكن الشرع أسقط اعتبار تلك الفضيلة في باب النكاح عرفنا ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه و سلم و إجماع الصحابة رضى الله عنهم فانه روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم زوج ابنته من عثمان رضى الله عنه و كان أمويا لا هاشميا و زوج على رضى الله عنه ابنته من عمر رضى الله عنه و لم يكن هاشميا بل عدويا فدل ان الكفاءة في قريش لا تختص ببطن دون بطن و استثنى محمد رضى الله عنه بيت الخلافة فلم يجعل القرشي الذي ليس بهاشمي كفأ له و لا تكون الموالي أكفاء للعرب لفضل العرب على العجم و الموالي بعضهم أكفاء لبعض بالنص و موالي العرب أكفاء لموالي قريش لعموم قوله و الموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل برجل ثم مفاخرة العجم بالاسلام لا بالنسب و من له أب واحد في الاسلام لا يكون كفأ لمن له آباء كثيرة في الاسلام لان تمام التعريف بالجد و الزيادة على ذلك لا نهاية لها و قيل هذا إذا كان في موضع قد طال عهد الاسلام و امتد فاما إذا كان في موضع كان عهد الاسلام قريبا بحيث لا يعير بذلك و لا يعد عيبا يكون بعضهم كفأ لبعضهم لان التعيير إذا لم يجبر بذلك و لم يعد عيبا لم يلحق الشين و النقيصة فلا يتحقق الضرر ( فصل )
و منها الحرية لان النقص و الشين بالرق فوق النقص و الشين بدناءة النسب فلا يكون القن و المدبر و المكاتب كفأ للحرة بحال و لا يكون مولى العتاقة كفأ لحرة الاصل و يكون كفأ لمثله لان التفاخر يقع بالحرة الاصلية و التعيير يجرى في الحرية العارضة المستفادة بالاعتاق و كذا من له أب واحد في الحرية لا يكون كفأ لمن له أبوان فصاعدا في الحرية و من له أبوان في الحرية لا يكون كفأ لمن له آباء كثيرة في الحرية كما في اسلام الآباء لان أصل التعريف بالاب و تمامه بالجد و ليس وراء التمام شيء و كذا مولى الوضيع لا يكون كفأ لمولاة الشريف حتى لا يكون مولى العرب كفأ لمولاة بني هاشم حتى لو زوجت مولاة بني هاشم نفسها من مولى العرب كان لمعتقها حق الاعتراض لان الولاء بمنزلة النسب قال النبي صلى الله عليه و سلم الولاء لحمة كلحمة النسب ( فصل )
و منها المال فلا يكون الفقير كفأ للغنية لان التفاخر بالمال أكثر من التفاخر بغيره عادة و خصوصا في زماننا هذا و لان للنكاح تعلقا بالمهر و النفقة تعلقا لازما فانه لا يجوز بدون المهر و النفقة لازمة و لا تعلق له بالنسب و الحرية فلما اعتبرت الكفاءة ثمة فلان تعتبر ههنا أولى و المعتبر فيه القدرة على مهر مثلها و النفقة و لا تعتبر الزيادة على ذلك حتى ان الزوج إذا كان قادرا على مهر مثلها و نفقتها يكون كفأ لها و ان كان لا يساويها في المال هكذا روى عن أبى حنيفة و أبى يوسف و محمد في ظاهر الروايات و ذكر في رواية الاصول ان تساويهما في الغنا شرط تحقق الكفاءة في قول أبى حنيفة و محمد خلافا لابى يوسف لان التفاخر يقع في الغنا عادة و الصحيح هو الاول لان الغنا لا ثبات له لان المال غاد و رائح فلا تعتبر المساواة في الغنا و من لا يملك مهرا و لا نفقة لا يكون كفأ لان المهر عوض ما يملك بهذا العقد فلا بد من القدرة عليه و قيام الازدواج بالنفقة فلا بد من القدرة عليها و لان من لا قدرة له على المهر و النفقة يستحقر و يستهان في العادة كمن له نسب دنئ فتختل به المصالح كما تختل عند دناءة النسب و قيل المراد من المهر قدر المعجل عرفا و عادة دون ما في الذمة لان ما في الذمة يسامح فيه بالتأخير إلى وقت اليسار فلا يطلب به للحال عادة و المال غاد و رائح و روى عن أبى يوسف انه إذا ملك النفقة يكون كفأ أو ان ام يملك المهر هكذا روى الحسن بن أبى
فصل وأما بيان من تعتبر له الكفاءة
فصل وأما الحرفة
فصل ومنها الدين
مالك عنه فانه روى عنه انه قال سألت أبا يوسف عن الكفء فقال الذي يملك المهر و النفقة فقلت و ان كان يملك المهر دون النفقة فقال لا يكون كفأ فقلت فان ملك النفقة دون المهر فقال يكون كفأ و انما كان كذلك لان المرء يعد قادرا على المهر بقدرة أبيه عادة و لهذا لم يجز دفع الزكاة إلى ولد الغنى إذا كان صغيرا و ان كان فقيرا في نفسه لانه يعد غنيا بمال أبيه و لا يعد قادرا على النفقة بغنا أبيه لان الاب يتحمل المهر الذى على ابنه و لا يتحمل نفقة زوجته عادة و قال بعضهم إذا كان الرجل ذا جاه كالسلطان و العالم فانه يكون كفأ و ان كان لا يملك من المال الا قدر النفقة لما ذكرنا ان المهر تجري فيه المسامحة بالتأخير إلى وقت اليسار و المال يغدو و يروح و حاجة المعيشة تندفع بالنفقة ( فصل )
و منها الدين في قول أبى حنيفة و أبى يوسف حتى لو ان إمرأة من بنات الصالحين إذا زوجت نفسها من فاسق كان للاولياء حق الاعتراض عندهما لان التفاخر بالدين أحق من التفاخر بالنسب و الحرية و المال و التعيير بالفسق اشد وجوه التعيير و قال محمد لا تعتبر الكفاءة في الدين لان هذا من أمور الآخرة و الكفاءة من أحكام الدنيا فلا يقدح فيها الفسق الا إذا كان شيئا فاحشا بأن كان الفاسق ممن يسخر منه و يضحك عليه و يصفع فان كان ممن يهاب منه بان كان أميرا قتالا يكون كفأ لان هذا الفسق لا يعد شينا في العادة فلا يقدح في الكفاءة و عن أبى يوسف ان الفاسق إذا كان معلنا لا يكون كفأ و ان كان مستترا يكون كفأ ( فصل )
و أما الحرفة فقد ذكر الكرخي ان الكفاءة في الحرف و الصناعات معتبرة عند أبى يوسف فلا يكون الحائك كفأ اللجوهرى و الصيرفى و ذكر ان أبا حنيفة بني الامر فيها على عادة العرب ان مواليهم يعملون هذه الاعمال لا يقصدون بها الحرف فلا يعيرون بها و أجاب أبو يوسف على عادة أهل البلاد انهم يتخذون ذلك حرفة فيعيرون بالدنئ من الصنائع فلا يكون بينهم خلاف في الحقيقة و كذا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي اعتبار الكفاءة في الحرفة و لم يذكر الخلاف فتثبت الكفاءة بين الحرفتين في جنس واحد كالبزاز مع البزاز و الحائك مع الحائك و تثبت عند اختلاف جنس الحرف إذا كان يقارب بعضها بعضا كالبزاز مع الصائغ و الصائغ مع العطار و الحائك مع الحجام و الحجام مع الدباغ و لا تثبت فيما لا مقاربة بينهما كالعطار مع البيطار و البزاز مع الخراز و ذكر في بعض نسخ الجامع الصغير ان الكفاءة في الحرف معتبرة في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف معتبره الا أن تكون فاحشة كالحياكة و الحجامة و الدباغة و نحو ذلك لانها ليست بأمر لازم واجب الوجود ألا ترى انه يقدر على تركها و هذا يشكل بالحياكة و أخواتها فانه قادر على تركها و مع هذا يقدح في الكفاءة و الله تعالى الموفق و أهل الكفر بعضهم أكفاء لبعض لان اعتبار الكفاءة لدفع النقيصة و لا نقيصة أعظم من الكفر ( فصل )
و أما بيان من تعتبر له الكفاءة فالكفاءة تعتبر للنساء لا للرجال على معنى انه تعتبر الكفاءة في جانب الرجال للنساء و لا تعتبر في جانب النساء للرجال لان النصوص وردت بالاعتبار في جانب الرجال خاصة و كذا المعنى الذي شرعت له الكفاءة يوجب اختصاص اعتبارها بجانبهم لان المرأة هى التي تستنكف لا الرجل لانه هى المستفرشة فاما الزوج فهو المستفرش فلا تلحقه الانفة من قبلها و من مشايخنا من قال ان الكفاءة في جانب النساء معتبرة أيضا عند أبى يوسف و محمد استدلالا بمسألة ذكرها في الجامع الصغير في باب الوكالة و هي أن أميرا أمر رجلا ان يزوجه إمرأة فزوجه أمة لغيره قال جاز عند أبى جنيفة و عندهما لا يجوز و لا دلالة في هذه المسألة على ما زعموا لان عدم الجواز عندهما يحتمل أن يكون لمعنى آخر و هو ان من أصلهما أن التوكيل المطلق يتقيد بالعرف و العادة فينصرف إلى المتعارف كما في الوكيل بالبيع المطلق و من أصل أبى حنيفة انه يجرى على إطلاقه في موضع الضرورة و التهمة و يحتمل أن يكون عدم الجواز عندهما لاعتبار الكفاءة في تلك المسألة خاصة حملا للمطلق على المتعارف كما هو أصلهما اذ المتعارف هو التزويج بالكفء فاستحسنا اعتبار الكفاءة في جانبهن في مثل تلك الصورة لمكان العرف و العادة و قد نص محمد رحمه الله على القياس و الاستحسان في تلك المسألة في وكالة الاصل فلم تكن هذه المسألة دليلا
على اعتبار الكفاءة في جانبهن أصلا عندهما و لا تكون دليلا على ذلك على الاطلاق بل في تلك الصورة خاصة استحسانا للعرف و لو أظهر رجل نسبه لامرأة فزوجت نفسها منه ثم ظهر نسبه على على خلاف ما أظهره فالأَمر لا يخلو اما ان يكون المكتوم مثل المظهر و اما ان يكون أعلى منه و اما ان يكون أدون فان كان مثله بان أظهر انه تيمي ثم ظهر أنه عدوي فلا خيار لها لان الرضا بالشيء يكون رضا بمثله و ان كان أعلى منه بان أظهر انه عربي فظهر انه قرشى فلا خيار لها أيضا لان الرضا بالادنى يكون رضا بالاعلى من طريق الاولى و عن الحسن بن زياد ان لها الخيار لان الاعلى لا يحتمل منها ما يحتمل الادنى فلا يكون الرضا منها بالمظهر رضا بالاعلى منه و هذا سديد لان الظاهر انها ترضى بالكفء و ان كان الكفء لا يحتمل منها ما يحتمل الكفء لان الكفء ضرره أكثر من نفعه فكان الرضا بالمظهر رضا بالاعلى منه من طريق الاولى و ان كان أدون منه بان أظهر انه قرشى ثم ظهر انه عربي فلها الخيار و ان كان كفأ لها بان كانت المرأة عربية لانها انما رضيت بشرط الزيادة و هي زيادة مرغوب فيها و لم تحصل فلا تكون راضيه بدونها فكان لها الخيار و روى انه لا خيار لها لان الخيار لدفع النقص و لا نقيصه لانه كفء لها هذا إذا فعل الرجل ذلك فاما إذا فعلت المرأة بان أظهرت إمرأة نسبها لرجل فتزوجها ثم ظهر بخلاف ما أظهرت فلا خيار للزوج سواء تبين انها حرة أو امة لان الكفاءة في جانب النساء معتبرة و يتصل بهذا ما إذا تزوج رجل إمرأة على انها حرة فولدت منه ثم أقام رجل البينة على انها أمته فان المولى بالخيار ان شاء أجاز النكاح و ان شاء أبطله لان النكاح حصل بغير اذن المولى فوقف على اجازته و يغرم العقر لانه وطي جارية مملوكة له حقيقه فلا يخلو عن عقوبة أو غرامة و لا سبيل إلى إيجاب العقوبة للشبهة فتجب الغرامة و أما الولد فان كان المغرور حرا فالولد حر بالقيمة لاجماع الصحابة رضى الله عنهم على ذلك فانه روى عن عمر رضى الله عنه انه قصى بذلك بمحضر من الصحابة رضى الله عنهم و لم ينقل انه أنكر عليه أحد فيكون إجماعا و لان الاستيلاد حصل بناء على ظاهر النكاح اذ لا علم للمستولد بحقيقة الحال فكان المستولد مستحقا للنظر و المستحق مستحق للنظر أيضا لانه ظهر كون الجارية ملكا له فتجب مراعاة الحقين بقدر الامكان فراعينا حق المستولد في صورة الاولاد و حق المستحق في معنى الاولاد رعاية للجانبين بقدر الامكان و تعتبر قيمته يوم الخصومة لانه وقت سبب وجوب الضمان و هو منع الولد عن المستحق له لانه علق عبدا في حقه و منع عنه يوم الخصومة و لو مات الولد قبل الخصومة لا يغرم قيمته لان الضمان يجب بالمنع و لم يوجد المنع من المغرور و لانه لا صنع له في موته و ان كان الابن ترك ما لا فهو ميراث لابيه لانه ابنه و قد مات حرا فيرثه و لا يغرم للمستحق شيأ لان الميراث ليس ببدل عن الميت و ان كان الابن قتله رجل و أخذ الاب الدية فانه يغرم قيمته للمستحق لان الدية بدل عن المقتول فتقوم مقامه كانه حى و ان كان رجل ضرب بطن الجارية فألقت جنينا ميتا يغرم الضارب الغرة خمسمأة ثم يغرم المستولد للمستحق فان كان الولد ذكرا فنصف عشر قيمته و ان كان أنثى فعشر قيمتها و ان كان المغرور عبدا فالأَولاد يكونون أرقاء للمستحق في قول أبى حنيفه و أبى يوسف و عند محمد يكونون أحرارا و يكونون أولاد المغرور ( وجه )
قول محمد ان هذا ولد المغرور حقيقة لا نخلافه من مائه و ولد المغرور حر بالقيمة بإجماع الصحابة رضى الله عنهم و لهما ان القياس ان يكون الولد ملك المستحق لان الجارية تبين لنها ملكه فيتبين ان الولد حدث على ملكه لان الولد يتبع الام في الحرية و الرق الا أنا تركنا القياس بإجماع الصحابة رضى الله عنهم و هم انما قضوا بحرية الولد في المغرور الحر فبقى الامر في غيره مردود إلى أصل القياس ثم المغرور هل يرجع بما غرم على الغار و الغار لا يخلو اما ان يكون أجنبيا و اما ان يكون مولى الجارية و اما ان يكون هى الجارية فان كان أجنبيا فان كان حرا فغره بأن قال تزوج بها فانها حرة أو لم يأمره بالتزويج لكنه زوجها على انها حرة أو قال هى حرة و زوجها منه فانه يرجع على الغار بقيمة الاولاد لانه صار ضامنا له ما يلحقه من الغرامة في ذلك النكاح فيرجع عليه بحكم الضمان و لا يرجع عليه بالعقر لانه ضمنه بفعل نفسه فلا يرجع على أحد و لو قال هى حرة و لم يأمره بالتزويج و لم يزوجها منه لا يرجع على المخبر شيء لان
معنى الضمان و الالتزام لا يتحقق بهذا القدر و ان كان الغار عبد الرجل فان كان مولاه لم يأمره بذلك يرجع عليه بعد العتاق و ان كان أمره بذلك رجع عليه للحال الا إذا كان مكاتبا أو مكاتبة فانه يرجع عليه بعد العتاق لان أمر المولى بذلك لا يصح و ان كان المولى هو الذي غره فلا يضمن المغرور من قيمة الاولاد شيا لانه لو ضمن للمولى لكان له ان يرجع على المولى بما ضمن فلا يفيد وجوب الضمان و ان كانت الامة هى التي غرته فان كان المولى لم يأمرها بذلك فان المغرور يرجع على الامة بعد العتاق لا للحال لانه دين لم يظهر في حق المولى و ان كان أمرها بذلك يرجع على الامة للحال لانه ظهر وجوبه في حق المولى هذا إذا غره أحد اما إذا لم يغره أحد و لكنه ظن انها حرة فتزوجها فإذا هى أمة فانه لا يرجع بالعقر على أحد لما قلنا و الاولاد أرقاء لمولى الامة لان الجارية ملكه و الله أعلم ( فصل )
و منها كمال مهر المثل في إنكاح الحرة العاقلة البالغة نفسها من كفء بغير رضا الاولياء في قول أبى حنيفة حتى لو زوجت نفسها من كفء بأقل من مهر مثلها مقدار ما لا يتغابن فيه الناس بغير رضا الاولياء فللاولياء حق الاعتراض عنده فاما ان يبلغ الزوج إلى مهر مثلها أو يفرق بينهما و عند أبى يوسف و محمد هذا ليس بشرط و يلزم النكاح بدونه حتى يثبت للاولياء حق الاعتراض و هاتان المسئلتان أعنى هذه المسألة و المسألة المتقدمة عليها و هي ما إذا زوجت نفسها من كفء و بغير رضا الاولياء لا شك انهما يتفرعان على أصل أبى حنيفة و زفر واحدى الروايتين عن أبى يوسف و رواية الرجوع عن محمد لان النكاح جائز و اما على أصل محمد في ظاهر الرواية عنه واحدى الروايتين عن أبى يوسف فلا يجوز هذا النكاح فيشكل التفريع فتصور المسألة فيما إذا أذن الولى لها بالتزويج فزوجت نفسها من كفء أو من كفء بأقل من مهر مثلها و ذكر في الاصل صورة أخرى و هي ما إذا أكره الولى و المرأة على النكاح من كفء أو من كفء بأقل من مهر مثلها ثم زال الاكراه ففى المسألة الاولى لكل واحد منهما أعنى الولى و المرأة حق الاعتراض و ان رضى أحدهما لا يبطل حق الآخر و فى المسألة الثانية لها حق الاعتراض فان رضيت بالنكاح و المهر فللولى ان يفسخ في قول أبى حنيفة و فى قول محمد و أبى يوسف الاخير ليس له ان يفسخ و تصور المسألة على أصل الشافعي فيما إذا أمر الولى رجلا بالتزويج فزوجها من كفء برضاها أو من كفء بمهر قاصر برضاها ( وجه )
قول أبى يوسف و محمد ان المهر حقها على الخلوص كالثمن في البيع و الاجرة في الاجارة فكانت هى بالنقص متصرفة في خالص حقها فيصح و يلزم كما إذا أبرأت زوجها عن المهر و لهذا جاز الابراء عن الثمن في باب البيع و البيع بثمن بخس كذا هذا و لابي حنيفة ان للاولياء حقا في المهر لانهم يفتخرون بغلاء المهر و يتعيرون ببخسه فيلحقهم الضرر بالبخس و هو ضرر التعيير فكان لهم دفع الضرر عن أنفسهم بالاعتراض و لهذا يثبت لهم حق الاعتراض بسبب عدم الكفاءة كذا هذا و لانها بالبخس عن مهر مثلها أضرت بنساء قبيلتها لان مهور مثلها عند تقادم العهد تعتبر بها فكانت بالنقص ملحقة الضرر بالقبيلة فكان لهم دفع هذا الضرر عن أنفسهم بالفسخ و الله أعلم ( فصل )
و منها خلو الزوج عن عيب الجب و العنة عند عدم الرضا من الزوجة بهما عند عامة العلماء و قال بعضهم عيب العنة لا يمنع لزوم النكاح و احتجوا بما روى ان إمرأة رفاعة أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم و قالت يا رسول الله انى كنت تحت رفاعة فطلقنى آخر التطليقات الثلاث و تزوجت عبد الرحمن بن الزبير فو الله ما وجدت معه الا مثل الهدية فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال لعلك تريدين ان ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته و يذوق عسيلتك فوجه الاستدلال ان تلك المرأة ادعت العنة على زوجها و رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يثبت لها الخيار و لو لم يقع النكاح لازما لا ثبت و لان هذا العيب لا يوجب فوات المستحق بالعقد بيقين فلا يوجب الخيار كسائر أنواع العيوب بخلاف الجب فانه يفوت المستحق بالعقد بيقين ( و لنا )
إجماع الصحابة رضى الله عنهم فانه روى عن عمر رضى الله عنه انه قضى في العنين انه يؤجل سنة فان قدر عليها و الا أخذت منه الصداق كاملا و فرق بينهما و عليها العدة و روى عن ابن مسعود رضى الله عنه مثله و روى عن على رضى الله عنه انه قال يؤجل سنة فان وصل إليها و الا فرق
بينهما و كان قضاؤهم بمحضر من الصحابة رضى الله عنهم و لم ينقل انه أنكر عليهم أحد منهم فيكون إجماعا و لان الوطء مرة واحدة مستحق على الزوج للمرأة بالعقد و فى إلزام العقد عند تقرر العجز عن الوصول تفويت المستحق بالعقد عليها و هذا ضرر بها و ظلم في حقها و قد قال الله تعالى و لا يظلم ربك أحدا و قال النبي صلى الله عليه و سلم لا ضرر و لا اضرار في الاسلام فيؤدى إلى التناقض و ذلك محال لان الله تعالى أوجب على الزوج الامساك بالمعروف أو التسريح بالاحسان بقوله تعالى عز و جل فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان و معلوم ان استيفاء النكاح عليها مع كونها محرومة الحظ من الزوج ليس من الامساك بالمعروف في شيء فتعين عليه التسريح بالاحسان فان سرح بنفسه و الا ناب القاضي منابه في التسريح و لان المهر عوض في عقد النكاح و العجز عن الوصول يوجب عيبا في العوض لانه يمنع من تأكده بيقين لجواز ان يختصما إلى قاض لا يرى تأكد المهر بالخلوة فيطلقها و يعطيها نصف المهر فيتمكن في المهر عيب و هو عدم التأكد بيقين و العيب في العوض يوجب الخيار كما في البيع و لا حجة لهم في الحديث لان تلك المقالة منها لم تكن دعوى العنة بل كانت كناية عن معنى اخر و هو دقة القضيب و الاعتبار بسائر العيوب لا يصح لانها لا توجب فوات المستحق بالعقد لما نذكر في تلك المسألة ان شاء الله تعالى و هذا يوجب ظاهرا و غالبا لان العجز يتقرر بعدم الوصول في مدة السنة ظاهرا فيفوت المستحق بالعقد ظاهرا فبطل الاعتبار و إذا عرف هذا فإذا رفعت المرأة زوجها و ادعت انه عنين و طلبت الفرقة فان القاضي يسأله هل وصل إليها أو لم يصل فان أقر انه لم يصل أجله سنة سواء كانت المرأة بكرا أو ثيبا و ان أنكر و ادعى الوصول إليها فان كانت المرأة ثيبا فالقول قوله مع يمينه انه وصل إليها لان الثيابة دليل الوصول في الجملة و المانع من الوصول من جهته عارض اذ الاصل هو السلامة عن العيب فكان الظاهر شاهدا له الا انه يستحلف دفعا للتهمة و ان قالت أنا بكر نظر إليها النساء و إمرأة واحدة تجزي لان البكارة باب لا يطلع عليه الرجال و شهادة النساء بانفرادهن في هذا الباب مقبولة للضرورة و تقبل فيه شهادة الواحدة كشهادة القابلة على الولادة و لان الاصل حرمة النظر إلى العورة و هو العزيمة لقوله تعالى و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و حق الرخصة يصير مقضيا بالواحدة و لان الاصل ان ما قبل قول النساء فيه بانفرادهن لا يشترط فيه العدد كرواية الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و الثنتان أوثق لان غلبة الظن بخبر العدد أقوى فان قلن هى ثيب فالقول قول الزوج مع يمينه لما قلنا و ان قلن هى بكر فالقول قولها و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان القول قولها من يمين لان البكارة فيها أصل و قد تفوت شهادتهن بشهادة الاصل و إذا ثبت انه لم يضل إليها اما بإقراره أو بظهور البكارة أجله القاضي حولا لانه ثبت عنته و العنين يؤجل سنة لاجماع الصحابة على ذلك و لان عدم الوصول قبل التأجيل يحتمل ان يكون للعجز عن الوصول و يحتمل ان يكون لبغضه إياها مع القدرة على الوصول فيؤجل حتى لو كان عدم الوصول للبغض يطؤها في المدة ظاهرا و غالبا دفعا للعار و الشين عن نفسه و ان لم يطأها حتى مضت المدة يعلم ان عدم الوصول كان للعجز و اما التأجيل سنة فلان العجز عن الوصول يحتمل ان يكون خلقة و يحتمل ان يكون من داء أو طبيعة غالبة من الحرارة أو البرودة أو الرطوبة أو اليبوسة و السنة مشتملة على الفصول الاربعة و الفصول الاربعة مشتملة على الطبائع الاربع فيؤجل سنة لما عسى ان يوافقه بعض فصول السنة فيزول المانع و يقدر على الوصول و روى عن عبد الله بن نوفل انه قال يؤجل عشرة أشهر و هذا القول مخالف لاجماع الصحابة رضى الله عنهم فانهم أجلوا العنين سنة و قد اختلف الناس في عبد الله بن نوفل انه صحابي أو تابعي فلا يقدح خلافه في الاجماع مع الاحتمال و لان التأجيل سنة لرجاء الوصول في الفصول الاربعة و لا تكمل الفصول الا في سنة تامة ثم يؤجل سنة شمسية بالايام أو قمرية بالاهلة ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان في ظاهر الرواية يؤجل سنة قمرية بالاهلة قال و روى الحسن عن أبى حنيفة انه يؤجل سنة شمسية و حكى الكرخي عن أصحابنا انهم قالوا يؤجل سنة شمسية و لم يذكر الخلاف ( وجه )
هذا القول و هو رواية الحسن عن أبى حنيفة ان الفصول الاربعة لا تكمل الا بالسنة الشمسية لانها تزيد على القمرية
بأيام فيحتمل زوال العارض في المدة التي بين الشمسية و القمرية فكان التأجيل بالسنة الشمسية أولى و لظاهر الرواية الكتاب و السنة اما الكتاب فقوله تعالى يسئلونك عن الاهلة قل هى مواقيت للناس و الحج جعل الله عز و جل بفضله و رحمته الهلال معرفا للخلق الاجل و الاوقات و المدد و معرفا وقت الحج لانه لو جعل معرفة ذلك بالايام لاشتد حساب ذلك عليهم و لتعذر عليهم معرفة السنين و الشهور و الايام و اما السنة فما روى ان النبي صلى الله عليه و سلم خطب في الموسم و قال صلى الله عليه و سلم في خطبته الا ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات و الارض السنة اثنا عشر شهرا أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب مصر الذي بين جمادى و شعبان ثلاثة سرد و واحد فرد و الشهر في اللغة اسم للهلال يقال رايت الشهر أى رأيت الهلال و قيل سمى الشهر شهرا لشهرته و الشهرة للهلال فكان تأجيل الصحابة رضى الله عنهم العنين سنة و السنة اثنا عشر شهرا و الشهر اسم للهلال تأجيلا للهلالية و هي السنة القمرية ضرورة و أول السنة حين بترافعان و لا يحسب على الزوج ما قبل ذلك لما روى ان عمر رضى الله عنه كتب إلى شريح ان يؤجل العنين سنة من يوم يرتفع اليه لما ذكرنا ان عدم الوصول قبل التأجيل يحتمل ان يكون للعجز و يحتمل ان يكون لكراهته إياها مع القدرة على الوصول فإذا أجله الحاكم فالظاهر انه لا يمتنع عن وطئها الا لعجزه خشية العار و الشين فإذا أجل سنة فشهر رمضان و أيام الحيض تحسب عليه و لا يجعل له مكانها لان الصحابة رضى الله عنهم أجلوا العنين سنة واحدة مع علمهم بان السنة لا تخلو عن شهر رمضان و من زمان الحيض فلو لم يكن ذلك محسوبا من المدة لا جلوا زيادة على السنة و لو مرض الزوج في المدة مرضا لا يستطيع معه الجماع أو مرضت هى فان استوعب المرض السنة كلها يستأنف له سنة أخرى و ان لم يستوعب فقد روى ابن سماعة عن أبى يوسف ان المرض ان كان نصف شهر أو أقل احتسب عليه و ان كان أكثر من نصف شهر لم يحتسب عليه بهذه الايام و جعل له مكانها و كذلك الغيبة و روى ابن سماعة عنه رواية أخرى انه إذا صح في السنة يوما أو يومين أو صحت هى احتسب عليه بالسنة و روى ابن سماعة عن محمد ان المرض إذا كان أقل من شهر يحتسب عليه و ان كان شهرا فصاعدا لا يحتسب عليه بأيام المرض و يجعل له مكانها و الاصل في هذا ان قليل المرض مما لا يمكن اعتباره لان الانسان لا يخلو عن ذلك عادة و يمكن اعتبار الكثير فجعل أبو يوسف على احدى الروايتين و هي الرواية الصحيحة عنه نصف الشهر و ما دونه قليلا و الاكثر من النصف كثيرا استدلالا بشهر رمضان فانه محسوب عليه و معلوم انه انما يقدر على الوطء في الليالي دون النهار و الليالي دون النهار تكون نصف شهر و كان ذلك دليلا على أن المانع إذا كان نصف شهر فما دونه يعتد به و هذا الاستدلال يوجب الاعتداد بالنصف فما دونه اما لا ينفى الاعتداد بما فوقه و اما على الرواية الاخرى فنقول انه لما صح زمانا يمكن الوطء فيه فإذا لم يطأها فالتقصير جاء من قبله فيجعل كانه صح جميع السنة بخلاف ما إذا مرض جميع السنة لانه لم يجد زمانا يتمكن من الوطء فيه فتعذر الاعتداد بالسنة في حقه و محمد جعل ما دون الشهر قليلا و الشهر فصاعدا كثيرا لان الشهر أدنى الاجل و أقصى العاجل فكان في حكم الكثير و ما دونه في حكم القليل و قال أبو يوسف ان حجت المرأة حجة الاسلام بعد التأجيل لم يحتسب على الزوج مدة الحج لانه لا يقدر على منعها من حجة الاسلام شرعا فلم يتمكن من الوطء فيها شرعا و ان حج الزوج احتسبت المدة عليه لانه يقدر على ان يخرجها مع نفسه أو يؤخر الحج لان جميع العمر وقته و قال محمد ان خاصمته و هو محرم يؤجل سنة بعد الاحلال لانه لا يتمكن من الوطء شرعا مع الاحرام فتبتدأ المدة من وقت يمكنه الوطء فيه شرعا و هو ما بعد الاحلال و ان خاصمته و هو مظاهر فان كان يقدر على الاعتاق أجل سنة من حين الخصومة الا انه إذا كان قادرا على الاعتاق كان قادرا على الوطء بتقديم الاعتاق كالمحدث قادر على الصلاة بتقديم الطهارة و ان كان لا يقدر على ذلك أجل أربعة عشر شهرا لانه يحتاج إلى تقديم صوم شهرين و لا يمكنه الوطء فيهما فلا يعتد بهما من الاجل ثم يمكنه الوطء بعدهما فان أجل سنة و ليس بمظاهر ثم ظاهر في السنة لم يزد على المدة بشيء لانه كان يقدر على ترك الظهار فلما ظاهر فقد منع نفسه عن
فصل وأما حكم الخيار
فصل وأما شرائط الخيار
الوطء باختياره فلا يجوز إسقاط حق المرأة و ان كانت إمرأة العنين رتقاء أو قرناء لا يؤجل لانه لا حق للمرأة في الوطء لوجود المانع من الوطء فلا معنى للتأجيل و ان كان الزوج صغيرا لا يجامع مثله و المرأة كبيرة و لم تعلم المرأة فطالبت بالتأجيل لا يؤجل بل ينتظر إلى ان يدرك فإذا أدرك يؤجل سنة لانه إذا كان لا يجامع لا يفيد التأجيل و لان حكم التأجيل إذا لم يصل إليها في المدة هو ثبوت خيار الفرقة و فرقة العنين طلاق و الصبي لا يملك الطلاق و لان للصبي زمانا يوجد منه الوطء فيه ظاهرا و غالبا و هو ما بعد البلوغ فلا يؤجل للحال و ان كان الزوج كبيرا مجنونا فوجدته عنينا قالوا انه لا يؤجل كذا ذكر الكرخي لان التأجيل للتفريق عند عدم الدخول و فرقة العنين طلاق و المجنون لا يملك الطلاق و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه ينتظر حولا و لا ينتظر إلى افاقته بخلاف الصبي لان الصغر مانع من الوصول فيستأنى إلى ان يزول الصغر ثم يؤجل سنة فاما المجنون فلا يمنع الوصول لان المجنون يجامع فيؤجل للحال و الصحيح ما ذكره الكرخي انه لا يؤجل أصلا لما ذكرنا و إذا مضى أجل العنين فسأل القاضي ان يؤجله سنة أخرى لم يفعل الا برضا المرأة لانه قد ثبت لها حق التفريق و فى التأجيل تأخير حقها فلا يجوز زمن رضاها ثم إذا أجل العنين سنة و تمت المدة فان اتفقا على انه قد وصل إليها فهي زوجته و لا خيار لها و ان اختلفا و ادعت المرأة انه لم يصل إليها و ادعى الزوج الوصول فان كانت المرأة ثيبا فالقول قوله مع يمينه لما قلنا و ان كانت بكرا نظر إليها النساء فان قلن هى بكر فالقول قولها و ان قلن هى ثيب فالقول قوله لما ذكرنا و ان وقع للنساء شك في أمرها فانها تمتحن و اختلف المشايخ في طريق الامتحان قال بعضهم تؤمر بان تبول على الجدار فان أمكنها بان ترمى ببولها على الجدار فهي بكر و الا فهي ثيب و قال بعضهم تمتحن ببيضة الديك فان وسعت فيها فهي ثيب و ان لم تسع فيها فهي بكر و إذا ثبت انه لم يطأها اما باعترافه و اما بظهور البكارة فان القاضي يخيرها فان الصحابة رضى الله عنهم خيروا إمرأة العنين و لنا فيهم قدوة فان شاءت اختارت الفرقة و ان شاءت اختارت الزوج إذا استجمعت شرائط ثبوت الخيار فيقع الكلام في الخيار في مواضع في بيان شرائط ثبوت الخيار و فى بيان حكم الخيار و فى بيان ما يبطله ( فصل )
اما شرائط الخيار فمنها عدم الوصول إلى هذه المرأة أصلا و رأسا في هذا النكاح حتى لو وصل إليها مرة واحدة فلا خيار لها لانه وصل إليها حقها بالوطء مرة واحدة و الخيار لتفويت الحق المستحق و لم يوجد فان وصل إلى إمرأته التي أجل لها و كان وصل إلى غيرها قبل ان ترافعه فوصوله إلى غيرها لا يبطل حقها في التأجيل و الخيار لانه لم يصل إليها حقها فكان لها التأجيل و الخيار و منها ان لا تكون عالمة بالعيب وقت النكاح حتى لو تزوجت و هي تعلم انه عنين فلا خيار لها لانها إذا كانت عالمة بالعيب لدى التزويج فقد رضيت بالعيب كالمشترى إذا كان عالما بالعيب عند البيع و الرضا بالعيب يمنع الرد كما في البيع و غيره فان تزوجت و هي لا تعلم فوصل إليها مرة ثم عن ففارقته ثم تزوجته بعد ذلك فلم يصل إليها فلها الخيار لان العجز لم يتحقق فلم تكن راضية بالعيب و الوصول في أحد العقدين لا يبطل حقها في العقد الثاني فان أجله القاضي فلم يصل ففرق بينهما ثم تزوجها فلا خيار لها لان العيب قد تقرر بعدم الوصول في المدة فتقرر العجز فكان التزوج بعد استقرار العيب و العلم به دليل الرضا بالعيب ( فصل )
و اما حكم الخيار فهو تخيير المرأة بين الفرقة و بين النكاح فان شاءت اختارت الفرقة و ان شاءت اختارت الزوج فان اختارت المقام مع الزوج بطل حقها و لم يكن لها خصومة في هذا النكاح أبدا لما ذكرنا انها رضيت بالعيب فسقط خيارها و ان اختارت الفرقة فرق القاضي بينهما كذا ذكره الكرخي و لم يذكر الخلاف و ظاهر هذا الكلام يقتضى انه لا تقع الفرقة بنفس الاختيار و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه تقع الفرقة بنفس الاختيار في ظاهر الرواية و لا يحتاج إلى القضاء كخيار المعتقة و خيار المخيرة و روى الحسن عن أبى حنيفة انه لا تقع الفرقة ما لم يقل القاضي فرقت بينكما و جعله بمنزلة خيار البلوغ هكذا ذكر و ذكر في بعض المواضع ان في قول أبى حنيفة ما روى الحسن عنه و ما ذكره الحسن عنه و ما ذكر في ظاهر الرواية قولهما ( وجه )
رواية الحسن ان هذه الفرقة فرقة
فصل وأما بيان مايبطل به الخيار
بطلان بلا خلاف بين أصحابنا و انما المخالف فيه الشافعي فانها فسخ عنده و المسألة ان شاء الله تعالى تأتي في موضعها من هذا الكتاب و المرأة لا تملك الطلاق و انما يملكه الزوج الا ان القاضي يقوم مقام الزوج و لان هذه الفرقة يختص بسببها القاضي و هو التأجيل لان التأجيل لا يكون الا من القاضي فكذا الفرقة المتعلقة به كفرقة اللعان ( وجه )
المذكور في ظاهر الرواية ان تخيير المرأة من القاضي تفويض الطلاق إليها فكان اختيارها الفرقة تفريقا من القاضي من حيث المعنى لا منها و القاضي يملك ذلك لقيامه مقام الزوج و هذه الفرقة تطليقة بائنة لان الغرض من هذا التفريق تخليصها من زوج لا يتوقع منه إيفاء حقها دفعا للظلم و الضرر عنها و ذا لا يحصل الا بالبائن لانه لو كان رجعيا يراجعها الزوج من رضاها فيحتاج إلى التفريق ثانيا و ثالثا فلا يفيد التفريق فائدته و لها المهر كاملا و عليها العدة بالاجماع ان كان الزوج قد خلا بها و ان كان لم يخل بها فلا عدة عليها و لها نصف المهر ان كان مسمى و المتعة ان لم يكن مسمى و إذا فرق القاضي بالعنة و وجبت العدة فجاءت بولد ما بينها و بين سنتين لزمه الولد لان المعتدة إذا جاءت بولد من وقت الطلاق إلى سنتين ثبت النسب لان الحكم بوجوب العدة حكم بشغل الرحم و شغل الرحم يمتد إلى سنتين عندنا فيثبت النسب إلى سنتين فان قال الزوج كنت قد وصلت إليها فان أبا يوسف قال يبطل الحاكم الفرقة و كفى بالولد شاهدا و معنى هذا الكلام انه لما ثبت النسب فقد ثبت الدخول و انه يوجب إبطال الفرقة و لانه لو شهد شاهدان بالدخول بعد تفريق القاضي لا يبطل الفرقة و كذا هذا و كذا إذا ثبت النسب لان شهادة النسب على الدخول أقوى من شهادة شاهدين عليه و كذلك لو فرق القاضي بينها و بين المجبوب فجاءت بولد بينها و بين سنتين ثبت نسبه لان خلوة المجبوب توجب العدة و النسب يثبت من المجبوب الا انه لا تبطل الفرقة ههنا لان ثبوت النسب من المجبوب لا يدل على الدخول لانه لا يتصور منه حقيقة و انما يقذف بالماء فكان العلوق بقذف الماء فإذا لم يثبت الدخول لم تثبت الفرقة فان فرق بالعنة فان أقام الزوج البينة على اقرار المرأة قبل الفرقة انه قد وصل إليها أبطل الفرقة لان الشهادة على إقرارها بمنزلة إقرارها عند القاضي و لو كانت أقرت قبل التفريق لم يثبت حكم الفرقة و كذا إذا شهد على إقرارها بان أقرت بعد الفرقة انه كان وصل إليها قبل الفرقة لم تبطل الفرقة لان إقرارها تضمن إبطال قضأ القاضي فلا تصدق على القاضي في إبطال قضائه فلا تقبل و ان كان زوج الامة عنينا فالخيار في ذلك إلى المولى عند أبى حنيفة و أبى يوسف و قال محمد الخيار إلى الامة ( وجه )
قوله ان الخيار انما يثبت لفوات الوطء و ذلك حق الامة فكان الخيار إليها كالحرة و لها ان المقصود من الوطء هو الولد و الولد ملك المولى وحده و لان اختيار الفرقة و المقام مع الزوج تصرف منها على نفسها و نفسها بجميع أجزائها ملك المولى فكان ولاية التصرف له ( فصل )
و اما بيان ما يبطل به الخيار فما يبطل به الخيار نوعان نص و دلالة فالنص هو التصريح باسقاط الخيار و ما يجرى مجراه نحو ان يقول أسقطت الخيار أو رضيت بالنكاح أو اخترت الزوج و نحو ذلك سواء كان ذلك بعد تخيير القاضي أو قبله و الدلالة هى ان تفعل ما يدل على الرضا بالمقام مع الزوج بان خيرها القاضي فأقامت مع الزوج مطاوعة له في المضجع و غير ذلك لان ذلك دليل الرضا بالنكاح و المقام مع الزوج و لو فعلت ذلك بعد مضى الاجل قبل تخيير القاضي لم يكن ذلك رضا لان اقامتها معه بعد المدة قد تكون لاختياره و قد تكون للاختيار بحاله فلا تكون دليل الرضا مع الاحتمال و هل يبطل خيارها بالقيام عن المجلس ذكر الكرخي ان ابن سماعة و بشرا قالا عن أبى يوسف إذا خيرها الحاكم فأقامت معه أو قامت من مجلسها قبل ان تختار أو قام الحاكم أو أقامها عن مجلسها بعض أعوان القاضي و لم تقل شيأ فلا خيار لها و هذا يدل على ان خيارها يتقيد بالمجلس و هو مجلس التخيير و لم يذكر الخلاف و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه لا يقتصر على المجلس في ظاهر الرواية و روى عن أبى يوسف و محمد انهما قالا يقتصر على المجلس كخيار المخيرة ( وجه )
ما روى عن أبى يوسف و محمد ان تخيير القاضي ههنا قائم مقام تخيير الزوج ثم خيار المخيرة بتخيير الزوج يبطل بقيامها عن المجلس فكذا خيار هذه و كذا إذا قام الحاكم عن المجلس قبل ان تختار لان مجلس التخيير قد بطل بقيام
فصل وأما خلو الزوج عما سوى هذه العيوب الخمسة
الحاكم كذا إذا أقامها عن مجلسها بعض أعوان القاضي قبل الاختيار لانها كانت قادرة على الاختيار قبل الاقامة فدل امتناعها مع القدرة على الرضا بالنكاح وجه ظاهر الرواية و هو الفرق بين هذا الخيار و بين خيار المخيرة ان خيار المخيرة انما اقتصر على المجلس لان الزوج بالتخيير ملكها بالطلاق اذ المالك للشيء هو الذي يتصرف فيه باختياره و مشيئته فكان التخيير من الزوج تمليكا للطلاق و جواب التمليك يقتصر على المجلس لان المملك يطلب جواب التمليك في المجلس عادة و لهذا يقتصر القبول على المجلس في البيع كذا ههنا و التخيير من القاضي تفويض الطلاق و ليس بتمليك لانه لا يملك الطلاق بنفسه لان الزوج ما ملكه الطلاق و انما فوض اليه التطليق و ولاه ذلك فيلى التفويض لا التمليك و إذا لم يملك بنفسه فكيف يملكه من غيره فهو الفرق بين التخييرين و الله أعلم والمؤخذ و الخصى في جميع ما وصفنا مثل العنين لوجود الآلة في حقهما فكانا كالعنين و كذلك الخنثى و أما المجبوب فانه إذا عرف انه مجبوب اما بإقراره أو بالمس فوق الازار فان كانت المرأة عالمة بذلك وقت النكاح فلا خيار لها لرضاها بذلك و ان لم تكن عالمة به فانها تخير للحال و لا يؤجل حولا لان التأجيل لرجاء الوصول و لا يرجئ منه الوصول فلم يكن التأجيل مفيدا فلا يؤجل و ان اختارت الفرقة و فرق القاضي بينهما أو لم يفرق على الاختلاف الذي ذكرنا فلها كمال المهر و عليها كمال العدة ان كان قد خلى بها في قول أبى حنيفة و عندهما لها نصف المهر و عليها كمال العدة و ان كان لم يخل بها فلها نصف المهر و لا عدة عليها بالاجماع و قد ذكرنا ذلك فيما تقدم ( فصل )
و أما خلو الزوج عما سوى هذه العيوب الخمسة من الجب و العنة والتأخذ و الخصاء و الخنوثة فهل هو شرط لزوم النكاح قال أبو حنيفة و أبو يوسف ليس بشرط و لا يفسخ النكاح به و قال محمد خلوه من كل عيب لا يمكنها المقام معه الا بضرر كالجنون و الجذام و البرص شرط لزوم النكاح حتى يفسخ به النكاح و خلوه عما سوى ذلك ليس بشرط و هو مذهب الشافعي ( وجه )
قول محمد ان الخيار في العيوب الخمسة انما ثبت لدفع الضرر عن المرأة و هذه العيوب في إلحاق الضرر بها فوق تلك لانها من الادواء المتعدية عادة فلما ثبت الخيار بتلك فلان يثبت بهذه أولى بخلاف ما إذا كانت هذه العيوب في جانب المرأة لان الزوج و ان كان يتضرر بها لكن يمكنه دفع الضرر عن نفسه بالطلاق فان الطلاق بيده و المرأة لا يمكنها ذلك لانها لا تملك الطلاق فتعين الفسخ طريقا لدفع الضرر و لهما ان الخيار في تلك العيوب ثبت لدفع ضرر فوات حقها المستحق بالعقد و هو الوطء مرة واحدة و هذا الحق لم يفت بهذه العيوب لان الوطء يتحقق من الزوج مع هذه العيوب فلا يثبت الخيار هذا في جانب الزوج ( و أما )
في جانب المرأة فخلوها عن العيب ليس بشرط للزوم النكاح بلا خلاف بين أصحابنا حتى لا يفسخ النكاح بشيء من العيوب الموجودة فيها و قال الشافعي خلو المرأة عن خمسة عيوب بها شرط اللزوم و يفسخ النكاح بها و هي الجنون و الجذام و البرص و الرتق و القرن و احتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال فر من المجذوم فرارك من الاسد و الفسخ طريق الفرار و لو لزم النكاح لما أمر بالفرار و روى أنه صلى الله عليه و سلم تزوج إمرأة فوجد بياضا في كشحها فردها و قال لها الحقى بأهلك و لو وقع النكاح لازما لما رد و لان مصالح النكاح لا تقوم مع هذه العيوب أو تختل بها لان بعضها مما ينفر عنها الطباع السليمة و هو الجذام و الجنون و البرص فلا تحصل الموافقة فلا تقوم المصالح أو تختل و بعضها مما يمنع من الوطء و هو الرتق و القرن و عامة مصالح النكاح يقف حصولها على الوطء فان العفة عن الزنا و السكن و الولد لا يحصل الا بالوطء و لهذا يثبت الخيار في العيوب الاربعة كذا ههنا ( و لنا )
ان النكاح لا يفسخ بسائر العيوب فلا يفسخ بهذه العيوب أيضا لان المعنى يجمعها و هو ان العيب لا يفوت ما هو حكم هذا العقد من جانب المرأة و هو الازدواج الحكمي و ملك الاستمتاع و انما يختل و يفوت به بعض ثمرات العقد و فوات جميع ثمرات هذا العقد لا يوجب حق الفسخ بان مات أحد الزوجين عقيب العقد حتى يجب عليه كمال المهر ففوات بعضها أولى و هذا لان الحكم الاصلى للنكاح هو الازدواج الحكمي و ملك الاستمتاع شرع مؤكدا له و المهر يقابل
فصل وأما الثانى فشرط بقاء النكاح لازما
احداث هذا الملك و بالفسخ لا يظهر أن احداث الملك لم يكن فلا يرتفع ما يقابل و هو المهر فلا يجوز الفسخ و لا شك ان هذه العيوب لا تمنع من الاستمتاع اما الجنون و الجذام و البرص فلا يشكل و كذلك الرتق و القرن لان اللحم يقطع و القرن يكسر فيمكن الاستمتاع بواسطة لهذا المعنى لم يفسخ سائر العيوب كذا هذا و اما الحديث الاول فنقول بموجبه انه يجب الاجتناب عنه و الفرار يمكن بالطلاق لا بالفسخ و ليس فيه تعيين طريق الاجتناب و الفرار و أما الثاني فالصحيح من الرواية انه قال لها الحقى بأهلك و هذا من كنايات الطلاق عندنا و الكلام في الفسخ و الرد المذكور فيه قول الراوي فلا يكون حجة أو نحمله على الرد بالطلاق عملا بالدلائل صيانة لها عن التناقض و الله تعالى الموفق و خلو النكاح من خيار الرؤية ليس بشرط للزوم النكاح حتى لو تزوج إمرأة و لم يرها لا خيار له إذا رآها بخلاف البيع و كذا خلوه عن خيار الشرط سواء جعل الخيار للزوج أو للمرأة أو لهما ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر حتى لو تزوج بشرط الخيار بطل الشرط و جاز النكاح ( فصل )
و أما الثاني فشرط بقاء النكاح لازما نوعان نوع يتعلق بالزوج في نكاح زوجته و نوع يتعلق بالمولى في نكاح أمته أما الذي يتعلق بالزوج في نكاح زوجته فعدم تمليكه الطلاق منها أو من غيرها بان يقول لامرأته اختارى أو امرك بيدك ينوى الطلاق أو طلقي نفسك أو أنت طالق ان شئت أو يقول لرجل طلق إمرأتي ان شئت كذا عدم التطليق بشرط و الاضافة إلى وقت لانه بالتمليك جعل النكاح بحال لا يتوقف زواله على اختياره بعد الجعل و كذا بالتعليق و الاضافة و هذا معنى عدم بقاء النكاح لازما ( و أما )
الذي يتعلق بالمولى في نكاح أمته فهو ان لا يعتق أمته المنكوحة حتى لو أعتقها لا يبقى العقد لازما و كان لها الخيار و هو المسمى بخيار العتاقة و الكلام فيه في مواضع في بيان شرط ثبوت هذا الخيار و فى بيان وقت ثبوته و فى بيان ما يبطل به أما الاول فلثبوت هذا الخيار شرائط منها وجود النكاح وقت الاعتاق حتى لو أعتقها ثم زوجها من إنسان فلا خيار لها لانعدام النكاح وقت الاعتاق و لو أعتقها ثم زوجها و هي صغيرة فلها خيار البلوغ لا خيار العتق لما قلنا و منها ان يكون التزويج نافذا حتى لو زوجت الامة نفسها من إنسان بغير اذن مولاها ثم أعتقها المولى فلا خيار لها و اما كون الزوج رقيقا وقت الاعتاق فهل هو شرط ثبوت الخيار لها قال أصحابنا ليس بشرط و يثبت الخيار لها سواء كان زوجها حرا أو عبدا و قال الشافعي شرط و لا خيار لها إذا كان زوجها حرا و احتج بما روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت زوج بريرة كان عبدا فخيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم و لو كان حرا ما خيرها و هذا نص في الباب و الظاهر انها انما قالت ذلك سماعا من رسول الله صلى الله عليه و سلم و لان الخيار في العبد انما ثبت لدفع الضرر و هو ضرر عدم الكفاءة و ضرر لزوم نفقة الاولاد و ضرر نقصان المعاشرة لكون العبد مشغولا بخدمة المولى وشئ من ذلك لم يوجد في الحر فلا يثبت الخيار ( و لنا )
ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لبريرة حين أعتقت ملكت بضعك فاختاري و روى ملكت أمرك و روى ملك نفسك و الاستدلال به من وجهين أحدهما بنصه و الآخر بعلة النص أما الاول فهو انه خيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أعتقت و قد روى أن زوجها كان حرا فان قيل روينا عن عائشة رضى الله عنها ان زوجها كان عبدا فتعارضت الروايتان فسقط الاحتجاج بهما فالجواب ان ما روينا مثبت للحرية و ما رويتم مبق للرق و المثبت أولى لان البقاء قد يكون باستصحاب الحال و الثبوت يكون بناء على الدليل لا محالة فمن قال كان عبدا احتمل انه اعتمد استصحاب الحال و من قال كان حرا بني الامر على الدليل لا محالة فصار كالمزكيين جرح أحدهما شاهدا و الآخر زكاه أنه يؤخذ بقول الجارح لما قلنا كذا هذا و لان ما روينا موافق للقياس و ما رويتم مخالف له لما نذكره ان شاء الله تعالى فالموافق للقياس أولى ( و أما )
الثاني فهو أن النبي صلى الله عليه و سلم جعل ملكها بضعها أو أمرها أو نفسها علة لثبوت الخيار لها لانه أخبر انها ملكت بضعها ثم أعقبه بإثبات الخيار لها بحرف التعقيب و ملكها نفسها مؤثر في رفع الولاية في الجملة لان الملك اختصاص و لا اختصاص مع ولاية الغير و الحكم إذا ذكر عقيب وصف له أثر
في الجملة في جنس ذلك الحكم في الشرع كان ذلك تعليقا لذلك الحكم بذلك الوصف في أصول الشرع كما في قوله تعالى و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما و قوله عز و جل الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة و كما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سها فسجد و روى ان ماعزا زنا فرجم و نحو ذلك و الحكم يتعمم بعموم العلة و لا يتخصص بخصوص المحل كما في سائر العلل الشرعية و العقلية و زوج بريرة و ان كان عبدا لكن النبي صلى الله عليه و سلم لما بني الخيار فيه على معنى عام و هو ملك البضع يعتبر عموم المعنى لا خصوص المحل و الله الموفق و لان بالاعتاق يزداد ملك النكاح عليها لانه يملك عليها عقدة زائدة لم يكن يملكها قبل الاعتاق بناء على ان الطلاق بالبناء على أصل أصحابنا و المسألة فريعة ذلك الاصل و لها ان لا ترضى بالزيادة لانها تتضرر بها و لها ولاية رفع الضرر عن نفسها و لا يمكنها رفع الزيادة الا برفع أصل النكاح فبقيت لها ولاية رفع النكاح و فسخه ضرورة رفع الزيادة و قد خرج الجواب عن قوله انه لا ضرر فيه لما بينا من وجه الضرر و لانه لو لم يثبت لها الخيار و بقى النكاح لازما لادى ذلك إلى ان يستوفى الزوج منافع بضع حرة جبرا ببدل استحقه غيرها بالعقد و هذا لا يجوز كما لو كان الزوج عبدا و لان القول ببقاء هذا النكاح لازما يوءدى إلى استيفاء منافع بضع الحرة من بدل تستحقه الحرة و هذا لا يجوز لانها لا ترضى باستيفاء منافع بضعها الا ببدل تستحقه هى فلو لم يثبت الخيار لها لصار الزوج مستوفيا منافع بضعها و هي حرة جبرا عليها من رضاها ببدل استحقه مولاها و هذا لا يجوز لهذا المعنى ثبت لها الخيار إذا كان زوجها عبدا كذا إذا كان حرا و كذا اختلف في ان كونها رقيقة وقت النكاح هل هو شرط أم لا قال أبو يوسف ليس بشرط و يثبت لها الخيار سواء كانت رقيقة وقت النكاح أعتقها المولى أو كانت حرة وقت النكاح ثم طرأ عليها الرق فاعتقها حتى ان الحربية إذا تزوجت في دار الحرب ثم سبيا معا ثم أعتقت فلها الخيار عنده و قال محمد هو شرط و لا خيار لها و كذا المسلمة إذا تزوجت مسلما ثم ارتدا و لحقا بدار الحرب ثم سبيت و زوجها معها فاسلما ثم أعتقت الامة فهو على هذا الاختلاف فمحمد فرق بين الرق الطاري على النكاح و بين المقارن إياه و أبو يوسف سوى بينهما وجه الفرق لمحمد انها إذا كانت رقيقة وقت النكاح فالنكاح ينعقد موجبا للخيار عند الاعتاق و إذا كانت حرة فنكاح الحرة لا ينعقد موجبا للخيار فلا يثبت الخيار بطريان الرق بعد ذلك لانه لا يوجب خللا في الرضا و لابي يوسف ان الخيار يثبت بالاعتاق لان زيادة الملك تثبت به لانها توجب العتق و العتق موجب الاعتاق و لا يثبت بالنكاح لان النكاح السابق ما انعقد للزيادة لانه صادف الامة و نكاح الامة لا يوجب زيادة الملك فالحاصل أن أبا يوسف يجعل زيادة الملك حكم الاعتاق و محمد يجعلها حكم العقد السابق عند وجود الاعتاق و على هذا الاصل يخرج قول أبى يوسف ان خيار العتق يثبت مرة بعد أخرى و قول محمد انه لا يثبت الا مرة واحدة حتى لو أعتقت الامة فاختارت زوجها ثم ارتد الزوجان معا ثم سبيت و زوجها معها فأعتقت فلها ان تختار نفسها عند أبى يوسف و عند محمد ليس لها ذلك لان عند أبى يوسف الخيار ثبت بالاعتاق و قد تكرر الاعتاق فيتكرر الخيار و عند محمد يثبت بالعقد و انه لم يتكرر فلا يثبت الا خيار واحد ( فصل )
و أما وقت ثبوته فوقت علمها بالعتق و بالخيار و أهلية الاختيار فيثبت لها الخيار في المجلس الذي تعلم فيه بالعتق و بان لها الخيار و هي من أهل الاختيار حتى لو أعتقها و لم تعلم بالعتق أو علمت بالعتق و لم تعلم بان لها الخيار فلم تختر لم يبطل خيارها و لها بمجلس العلم إذا علمت بهما بخلاف خيار البلوغ فان العلم بالخيار فيه ليس بشرط و قد بينا الفرق بينهما فيما تقدم و كذلك إذا أعتقها و هي صغيرة فلها خيار العتق إذا بلغت لانها وقت الاعتاق لم تكن من أهل الاختيار و ليس لها خيار البلوغ لان النكاح وجد في حالة الرق و الله عز و جل أعلم و لو تزوجت مكاتبة باذن المولى فأعتقت فلها الخيار فعند أصحابنا الثلاثة و عند زفر لا خيار لها ( وجه )
قوله انه لا ضرر عليها لان النكاح وقع لها و المهر مسلم لها ( و لنا )
ما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم خير بريرة و كانت مكاتبة و لان علة النص عامة على ما بينا و كذا الملك يزداد عليها كما يزداد على القنة
فصل وأماما يبطل به
( فصل )
و أما ما يبطل به فهذا الخيار يبطل بالابطال نصا و دلالة من قول أو فعل يدل على الرضا بالنكاح على ما بينا في خيار الادراك و يبطل بالقيام عن المجلس لانه دليل الاعراض كخيار المخيرة و لا يبطل بالسكوت بل يمتد إلى آخر المجلس إذا لم يوجد منها دليل الاعراض كخيار المخيرة لان السكوت يحتمل ان يكون لرضاها بالمقام معه و يحتمل أن يكون للتأمل لان بالعتق ازداد الملك عليها فتحتاج إلى التأمل و لا بد للتأمل من زمان فقدر ذلك بالمجلس كما في خيار المخيرة و خيار القبول في البيع بخلاف خيار البلوغ انه يبطل بالسكوت من البكر لان بالبلوغ ما ازداد الملك فلا حاجة إلى التأمل فلم يكن سكوتها للتأمل فكان دليل الرضا و فى خيار المخيرة ثبت المجلس بإجماع الصحابة رضى الله عنهم معقول و لانه لما ازداد الملك عليها جعلها العقد السابق في حق الزيادة بمنزلة انشاء النكاح فيتقيد بالمجلس و إذا اختارت نفسها حتى وقعت الفرقة كانت فرقة بغير طلاق لما نذكر ان شاء الله تعالى فلا تفتقر هذه الفرقة إلى قضأ القاضي بخلاف الفرقة بخيار البلوغ و وجه الفرق بينهما قد ذكرناه فيما تقدم و الله عز و جل أعلم و أما بقاء الزوج قادرا على النفقة فليس بشرط لبقاء النكاح لازما حتى لو عجز عن النفقة لا يثبت لها حق المطالبة بالتفريق و هذا عندنا و عند الشافعي شرط و يثبت لها حق المطالبة بالتفريق احتج بقوله عز و جل فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أمر عز و جل بالامساك بالمعروف و قد عجز عن الامساك بالمعروف لان ذلك بإيفاء حقها في الوطء و النفقة فتعين عليه التسريح بالاحسان فان فعل و الا ناب القاضي منابه في التسريح و هو التفريق و لان النفقة عوض عن ملك النكاح و قد فات العوض بالعجز فلا يبقى النكاح لازما كالمشترى إذا وجد المبيع معيبا و الدليل عليه أن فوات العوض بالجب و العنة يمنع بقاءه لازما فكذا فوات المعوض لان النكاح عقد معاوضة ( و لنا )
أن التفريق إبطال ملك النكاح على الزوج من رضاه و هذا في الضرر فوق ضرر المرأة بعجز الزوج عن النفقة لان القاضي يفرض النفقة على الزوج إذا طلبت المرأة الفرض و يأمرها بالانفاق من مال نفسها ان كان لها مال و بالاستدانة ان لم يكن إلى وقت اليسار فتصير النفقة دينا في ذمته بقضاء القاضي فترجع المرأة عليه بما أنفقت إذا أيسر الزوج فيتأخر حقها إلى يسار الزوج و لا يبطل و ضرر الابطال فوق ضرر التأخير بخلاف التفريق بالجب و العنة و لان هناك الضرر من الجانبين جميعا ضرر إبطال الحق لان حق المرأة يفوت عن الوطء و ضررها أقوى لان الزوج لا يتضرر بالتفريق كثير ضرر لعجزه عن الوطء فاما المرأة فانها محل صالح للوطء فلا يمكنها استيفاء حظها من هذا الزوج و لا من زوج آخر لمكان هذا الزوج فكان الرجحان لضررها فكان أولى بالدفع و أما الآية الكريمة فقد قيل في التفسير ان الامساك بالمعروف هو الرجعة و هو ان يراجعها على قصد الامساك و التسريح بالاحسان هو ان يتركها حتى تنقضى عدتها مع ما ان الامساك بالمعروف يختلف باختلاف حال الزوج الا ترى إلى قوله عز و جل على الموسع قدره و على المقتر قدره فالإِمساك بالمعروف في حق العاجز عن النفقة بالتزام النفقة على انه ان كان عاجزا عن الامساك بالمعروف فانما يجب عليه التسريح بالاحسان إذا كان قادرا و لا قدرة له على ذلك لان ذلك بالتطليق مع إيفاء حقها في نفقة العدة و هو عاجز عن نفقة الحال فكيف يقدر على نفقة العدة على ان لفظ التسريح محتمل يحتمل أن يكون المراد منه التفريق بإبطال النكاح و يحتمل أن يكون المراد منه التفريق و التبعيد من حيث المكان و هو تخلية السبيل و ازالة اليد اذ حقيقة التسريح هى التخلية و ذلك قد يكون بإزالة اليد و الحبس و عندنا لا يبقى له ولاية الحبس فلا يكون حجة مع الاحتمال و أما قوله النفقة عوض عن ملك النكاح فممنوع فان العوض ما يكون مذكورا في العقد نصا و النفقة منصوص عليها فلا تكون عوضا بل هى بمقابلة الاحتباس و عندنا ولاية الاحتباس تزول عند العجز ثم ان سلمنا أنه عوض لكن بقاء المعوض مستحقا يقف على استحقاق العوض في الجملة لا على وصول العوض للحال و النفقة ههنا مستحقة في الجملة و ان كانت لا تصل إليها للحال فيبقى العوض حقا للزوج و الله عز و جل أعلم ( فصل )
و أما بيان حكم النكاح فنقول و بالله التوفيق الكلام في هذا الفصل في موضعين في الاصل أحدهما
فصل ومنها ثبوت النسب
فصل ومنها وجوب المهر على الزوج
فصل ومنها ملك الحبس والقيد
فصل ومنها ملك المتعة
فصل ومنها حل النظر
فصل وأما بيان حكم النكاح
في بيان حكم النكاح و الثاني في بيان ما يرفع حكمه أما الاول فالنكاح لا يخلو ( اما )
ان يكون صحيحا ( و اما )
ان يكون فاسدا و يتعلق بكل واحد منهما أحكام ( أما )
النكاح الصحيح فله أحكام بعضها أصلي و بعضها من التوابع أما الاصلية منها فحل الوطء الا في حالة الحيض و النفاس و الاحرام و فى الظهار قبل التكفير لقوله سبحانه و تعالى و الذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم ملومين نفى اللوم عمن لا يحفظ فرجه على زوجته فدل على حل الوطء الا أن الوطء في حالة الحيض خص بقوله عز و جل و يسألونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهن حتى يطهرن و النفاس أخو الحيض و قوله عز و جل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم انى شئتم و الانسان بسبيل من التصرف في حرثه مع ما انه قد أباح اتيان الحرث بقوله عز و جل فأتوا حرثكم انى شئتم و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال اتقوا الله في النساء فانهن عندكم عوان لا يملكن شيئا اتخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله و كلمة الله المذكورة في كتابه العزيز لفظة الا نكاح و التزويج فدل الحديث على حل الاستمتاع بالنساء بلفظه الا نكاح و التزويج و غيرهما في معناهما فكان الحل ثابتا و لان النكاح ضم و تزويج لغة فيقتضى الانضمام و الازدواج و لا يتحقق ذلك الا بحل الوطء و الاستمتاع لان الحرية تمنع من ذلك و هذا الحكم و هو حل الاستمتاع مشترك بين الزوجين فان المرأة كما تحل لزوجها فزوجها يحل لها قال عز و جل لا هن حل لهم و لا هم يخلون لهن و للزوج أن يطالبها بالوطء متى شاء الا عند اعتراض أسباب مانعة من الوطء كالحيض و النفاس و الظهار و الاحرام و غير ذلك و للزوجة أن تطالب زوجها بالوطء لان حله لها حقها كما ان حلها له حقه و إذا طالبته يجب على الزوج و يجبر عليه في الحكم مرة واحدة و الزيادة على ذلك تجب فيما بينه و بين الله تعالى من باب حسن المعاشرة و استدامة النكاح فلا يجب عليه في الحكم عند بعض أصحابنا و عند بعضهم يجب عليه في الحكم ( فصل )
و منها حل النظر و المس من رأسها إلى قدميها في حالة الحياة لان الوطء فوق النظر و المس فكان إحلاله ا حلالا للمس و النظر من طريق الاولى و هل يحل الاستمتاع بها بما دون الفرج في حالة الحيض و النفاس فيه خلاف ذكرناه في كتاب الاستحسان و أما بعد الموت فلا يحل له المس و النظر عندنا خلافا للشافعي و المسألة ذكرناها في كتاب الصلاة ( فصل )
و منها ملك المتعة و هو اختصاص الزوج بمنافع بضعها و سائر أعضائها استمتاعا أو ملك الذات و النفس في حق التمتع على اختلاف مشايخنا في ذلك لان مقاصد النكاح لا تحصل بدونه الا ترى أنه لو لا الاختصاص الحاجز عن التزويج بزوج آخر لا يحصل السكن لان قلب الزوج لا يطمئن إليها و نفسه لا تسكن معها و يفسد الفراش لاشتباه النسب و لان المهر لازم في النكاح و أنه عوض عن الملك لما ذكرنا فيما تقدم فيدل على لزوم الملك في النكاح أيضا تحقيقا للمعاوضة و هذا الحكم على الزوجة للزوج خاصة لانه عوض عن المهر و المهر على الرجل و قيل في تأويل قوله عز و جل و للرجال عليهن درجة ان الدرجة هى الملك ( فصل )
و منها ملك الحبس و القيد و هو صيرورتها ممنوعة عن الخروج و البروز لقوله تعالى أسكتوهن و الامر بالاسكان نهى عن الخروج و البروز و الاخراج اذ الامر بالفعل نهى عن ضده و قوله عز و جل و قرن في بيوتكن و قوله عز و جل و لا تخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن و لانها لو لم تكن ممنوعة عن الخروج و البروز لاختل السكن و النسب لان ذلك مما يريب الزوج و يحمله على نفى النسب ( فصل )
و منها وجوب المهر على الزوج و انه حكم أصلي للنكاح عندنا لا وجود له بدونه شرعا و قد ذكرنا المسألة فيما تقدم و لان المهر عوض عن الملك لانه يجب بمقابلة احداث الملك على ما مر و ثبوت العوض يدل على ثبوت المعوض ( فصل )
و منها ثبوت النسب و ان كان ذلك حكم الدخول حقيقة لكن سببه الظاهر هو النكاح لكون
فصل ومنها وجوب العدل بين النساء في حقوقهن
فصل ومنها الارث من الجانبين جميعا
فصل ومنها حرمة المصاهرة
فصل ومنها وجوب النفقة و السكنى
الدخول أمرا باطنا فيقام النكاح مقامه في إثبات النسب و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم الولد للفراش و للعاهر الحجر و كذا لو تزوج المشرقي بمغربية فجاءت بولد يثبت النسب و ان لم يوجد الدخول حقيقة لوجود سببه و هو النكاح ( فصل )
و منها وجوب النفقة و السكنى لقوله تعالى و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف و قوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته و من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله و قوله أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم و الامر بالاسكان أمر بالانفاق لانها لا تمكن من الخروج للكسب لكونها عاجزة بأصل الخلقة لضعف بنيتها و الكلام في سبب وجوب هذه النفقة و شرط وجوبها و مقدار الواجب منها نذكره ان شاء الله تعالى في كتاب النفقة ( فصل )
و منها حرمة المصاحرة و هي حرمة أنكحة فرق معلومة ذكرناهم فيما تقدم و ذكرنا دليل الحرمة الا أن في بعضها تثبت الحرمة بنفس النكاح و فى بعضها يشترط الدخول و قد بينا جملة في مواضعها ( فصل )
و منها الارث من الجانبين جميعا لقوله عز و جل و لكم نصف ما ترك أزواجكم إلى قوله عز و جل و لهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ( فصل )
و منها وجوب العدل بين النساء في حقوقهن و جملة الكلام فيه ان الرجل لا يخلو اما ان يكون له أكثر من إمرأة واحدة و اما ان كانت له إمرأة واحدة فان كان له أكثر من إمرأة فعليه العدل بينهن في حقوقهن من القسم و النفقة و الكسوة و هو التسوية بينهن في ذلك حتى لو كانت تحته إمرأتان حرتان أو أمتان يجب عليه أن يعدل بينهما في المأكول و المشروب و الملبوس و السكنى و البيتوتة و الاصل فيه قوله عز و جل فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة عقيب قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع أى ان خفتم أن لا تعدلوا في القسم و النفقة في نكاح المثنى و الثلاث و الرباع فواحدة ندب سبحانه و تعالى إلى نكاح الواحدة عند خوف ترك العدل في الزيادة و انما يخاف على ترك الواجب فدل ان العدل بينهن في القسم و النفقة واجب و اليه أشار في آخر الآية بقوله دلك أدنى أن لا تعولوا أى تجوروا و الجور حرام فكان العدل واجب ضرورة و لان العدل مأمور به لقوله عز و جل ان الله يأمر بالعدل و الاحسان على العموم و الاطلاق الا ما خص أو قيد بدليل و روى عن أبى قلابة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يعدل بين نسائه في القسمة و يقول أللهم هذه قسمتى فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك أنت و لا أملك و عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من كان له إمرأتان فمال إلى احداهما دون الاخرى جاء يوم القيامة و شقه مائل و يستوى في القسم البكر و الثيب و الشابة و العجوز و القديمة و الحديثة و المسلمة و الكتابية لما ذكرنا من الدلائل من فصل و لانهما يستويان في سبب وجوب القسم و هو النكاح فيستويان في وجوب القسم و لا قسم للمملوكات بملك اليمين أى لا ليلة لهن و ان كثرن لقوله عز و جل فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت ايمانكم قصر الاباحة في النكاح على عدد لتحقق الجور في الزيادة ثم ندب سبحانه و تعالى إلى النكاح الواحدة عند خوف الجور في الزيادة و أباح من ملك اليمين من عدد فدل أنه ليس فيه خوف الجور و انما لا يكون إذا لم يكن لهن قسم اذ لو كان لكان فيه خوف الجور كما في المنكوحة و لان سبب الوجوب هو النكاح و لم يوجد و لو كانت احداهما حرة و الاخرى أمة فللحرة يومان و للامة يوم لما روى عن على رضى الله عنه موقوفا عليه و مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال للحرة الثلثان من القسم و للامة الثلث و لانهما ما استويا في سبب الوجوب و هو النكاح فانه لا يجوز نكاح الامة بعد نكاح الحرة و لا مع نكاحها و كذا لا يجوز للعبد أن يتزوج بأكثر من اثنتين و للحر ان يتزوج بأربع نسوة فلم يتساويا في السبب فلا يتساويان في الحكم بخلاف المسلمة مع الكتابية لان الكتابية يجوز نكاحها قبل المسلمة و بعدها و معها و كذا للذمي أن يجمع بين أربع نسوة كالحر المسلم فتساويا في سبب الوجوب فيتساويان في الحكم و لان الحرية تنبئ عن الكمال و الرق يشعر بنقصان الحال و قد ظهر أثر النقصان في الشرع في المالكية وحل المحلية و العدة و الحد و غير ذلك فكذا في القسم و هذا التفاوت في السكنى و البيتوتة يسكن عند الحرة ليلتين و عند الامة ليلة فاما في المأكول
و المشروب و الملبوس فانه يسوى بينهما لان ذلك من الحاجات اللازمة فيستوى فيه الحرة و الامة و المريض في وجوب القسم عليه كالصحيح لما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استأذن نساءه في مرض موته أن يكون في بيت عائشة رضى الله عنها فلو سقط القسم بالمرض لم يكن للاستئذان معنى و لا قسم على الزوج إذا سافر حتى لو سافر بإحداهما و قدم من السفر و طلبت الاخرى أن يسكن عندها مدة السفر فليس لها ذلك لان مدة السفر ضائعة بدليل أن له أن يسافر وحده دونهن لكن الافضل أن يقرع بينهن فيخرج بمن خرجت قرعتها تطيبا لقلوبهن دفعا لتهمة الميل عن نفسه هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه و قال الشافعي ان سافر بها بقرعة فكذلك فاما إذا سافر بها بغير قرعة فانه يقسم للباقيات و هذا سديد لان بالقرعة لا يعرف أن لها حقا في حالة السفر أو لا فانها لا تصلح لاظهار الحق أبدا لاختلاف عملها في نفسها فانها لا تخرج على وجه واحد بل مرة هكذا و مرة هكذا و المختلف فيه لا يصلح دليلا على شيء و لو وهبت احداهما قسمها لصاحبتها أو رضيت بترك قسمها جاز لانه حق ثبت لها فلها أن تستوفى و لها ان تترك و قد روى أن سودة بنت زمعة رضى الله عنها لما كبرت و خشيت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه و سلم جعلت يومها لعائشة رضى الله عنها و قيل فيها نزل قوله تعالى و ان إمرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا و الصلح خير و المراد من الصلح هو الذي جرى بينهما كذا قاله ابن عباس رضى الله عنهما فان رجعت عن ذلك و طلبت قسمها فلها ذلك لان ذلك كله كان إباحة منها و الاباحة لا تكون لازمة كالمباح له الطعام أنه يملك المبيح منعه و الرجوع عن ذلك و لو بذلت واحدة منهن ما لا للزوج ليجعل لها في القسم أكثر مما تستحقه لا يحل للزوج أن يفعل و يرد ما أخذه منها لانه رشوة لانه أخذ المال لمنع الحق عن المستحق و كذلك لو بذل الزوج لواحدة منهن ما لا لتجعل نوبتها لصاحبتها أو بذلت هى لصاحبتها ما لا لتترك نوبتها لها لا يجوز شيء من ذلك و يسترد المال لان هذا معاوضة القسم بالمال فيكون في معنى البيع و انه لا يجوز كذا هذا هذا إذا كان له إمرأتان أو أكثر من ذلك فاما إذا كانت له إمرأة واحدة فطالبته بالواجب لها ذكر القدوري رواية الحسن عن أبى حنيفة أنه قال إذا تشاغل الرجل عن زوجته بالصيام أو بالصلاة أو بأمة اشتراها قسم لامرأته من كل أربعة أيام يوما و من كل أربع ليال ليلة و قيل له تشاغل ثلاثة أيام و ثلاث ليالي بالصوم أو بالامة و هكذا كان الطحاوي يقول انه يجعل لها يوما واحدا يسكن عندها و ثلاثة أيام و لياليها يتفرغ للعبادة و أشغاله ( وجه )
هذا القول ما ذكره محمد في كتاب النكاح أن إمرأة رفعت زوجها إلى عمر رضى الله عنه و ذكرت أنه يصوم النهار و يقوم الليل فقال عمر رضى الله عنه ما أحسنك ثناء على بعلك فقال كعب يا أمير المؤمنين انها تشكو إليك زوجها فقال عمر رضى الله عنه و كيف ذلك فقال كعب انه إذا صام النهار و قام الليل فكيف يتفرغ لها فقال عمر رضى الله عنه لكعب احكم بينهما فقال أراها احدى نسائه الاربع يفطر لها يوما و يصوم ثلاثة أيام فاستحسن ذلك منه عمر رضى الله عنه و ولاه قضأ البصرة ذكر محمد هذا في كتاب النكاح و لم يذكر أنه يأخذ بهذا القول و ذكر الجصاص أن هذا ليس مذهبنا لان المزاحمة في القسم انما تحصل بمشاركات الزوجات فإذا لم يكن له زوجة غيرها لم تتحقق المشاركة فلا يقسم لها و انما يقال له لا تداوم على الصوم و وف المرأة حقها كذا قاله الجصاص و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان أبا حنيفة كان يقول أولا كما روى الحسن عنه لما أشار اليه كعب و هو أن للزوج أن يسقط حقها عن ثلاثة أيام بأن يتزوج ثلاثا أخر سواها فلما لم يتزوج فقد جعل ذلك لنفسه فكان الخيار له في ذلك فان شاء صرف ذلك إلى الزوجات و ان شاء صرفه إلى صيامه و صلاته و أشغاله ثم رجع عن ذلك و قال هذا ليس بشيء لانه لو تزوج أربعا فطالبن بالواجب منه يكون لكل واحدة منهن ليلة من الاربع فلو جعلنا هذا حقا لكل واحدة منهن لا يتفرغ لاعماله فلم يوقت في هذا وقتا و ان كانت المرأة أمة فعلى قول أبى حنيفة أخيرا ان صح الرجوع لا شك أنه لا يقسم لها كما لا يقسم للحرة من طريق الاولى و على قوله الاول و هو قول الطحاوي يجعل لها ليلة من كل سبع ليال لان للزوج حق إسقاط حقها عن ستة أيام و الاقتصار على يوم
فصل ومنها المعاشرة بالمعروف وانه مندوب اليه
فصل ومنها ولاية التاديب للزوج اذا لم تطعه
فصل ومنها وجوب طاعة الزوج على الزوجة اذا دعاها إلى الفراش
واحد بأن يتزوج عليها ثلاث حرائر لان للحرة ليلتين و للامة ليلة واحدة فلما لم يتزوج فقد جعل ذلك لنفسه فكان بالخيار ان شاء صرف ذلك إلى الزوجات و ان شاء صرفه إلى الصوم و الصلاة و إلى أشغال نفسه و الاشكال عليه ما نقل عن أبى حنيفة و ما ذكره الجصاص أيضا و الله عز و جل الموفق ( فصل )
و منها وجوب طاعة الزوج على الزوجة إذا دعاها إلى الفراش لقوله تعالى و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف قيل لها المهر و النفقة و عليها أن تطيعه في نفسها و تحفظ غيبته و لان الله عز و جل أمر بتأديبهن بالهجر و الضرب عند عدم طاعتهن و نهى عن طاعتهن بقوله عز و جل فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا فدل ان التأديب كان لترك الطاعة فيدل على لزوم طاعتهن الازواج ( فصل )
و منها ولاية التأديب للزوج إذا لم تطعه فيما يلزم طاعته بان كانت ناشزة فله أن يؤدبها لكن على الترتيب فيعظها أولا على الرفق و اللين بان يقول لها كوني من الصالحات القانتات الحافظات للغيب و لا تكوني من كذا و كذا فلعل تقبل الموعظة فتترك النشوز فان نجعت فيها الموعظة و رجعت إلى الفراش و الا هجرها و قيل يخوفها بالهجر أولا و الاعتزال عنها و ترك الجماع و المضاجعة فان تركت و الا هجرها لعل نفسها لا تحتمل الهجر ثم اختلف في كيفية الهجر قيل يهجرها بأن لا يجامعها و لا يضاجعها على فراشه و قيل يهجرها بان لا يكلمها في حال مضاجعته إياها لا ان يترك جماعها و مضاجعتها لان ذلك حق مشترك بينهما فيكون في ذلك عليه من الضرر ما عليها فلا يؤدبها بما يضر بنفسه و يبطل حقه و قيل يهجرها بأن يفارقها في المضجع و يضاجع أخرى في حقها و قسمها لان حقها عليه في القسم في حال الموافقة و حفظ حدود الله تعالى لا في حال التضييع و خوف النشوز و التنازع و قيل يهجرها بترك مضاجعتها و جماعها لوقت غلبة شهوتها و حاجتها لا في وقت حاجته إليها لان هذا للتأديب و الزجر فينبغي أن يؤدبها لا ان يؤدب نفسه بامتناعه عن المضاجعة في حال حاجته إليها فإذا هجرها فان تركت النشوز و الا ضربها عند ذلك ضربا مبرح و لا شائن و الاصل فيه قوله عز و جل و اللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و اضربوهن فظاهر الآية و ان كان بحرف الواو الموضوعة للجمع المطلق لكن المراد منه الجمع على سبيل الترتيب و الواو تحتمل ذلك فان نفع الضرب و الا رفع الامر إلى القاضي ليوجه إليهما حكمين حكما من أهله و حكما من أهلها كما قال الله تعالى و ان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها أن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما و سبيل هذا سبيل الامر بالمعروف و النهى عن المنكر في حق سائر الناس ان الآمر يبدأ بالموعظة على الرفق و اللين دون التغليظ في القول فان قبلت و الا غلظ القول به فان قبلت و الا بسط يده فيه و كذلك إذا ارتكبت محظورا سوى النشوز ليس فيه حد مقدر فللزوج أن يؤدبها تعزيزا لها لان للزوج ان يعزر زوجته كما للمولى أن يعزر مملوكه ( فصل )
و منها المعاشرة بالمعروف و انه مندوب اليه و مستحب قال الله تعالى و عاشروهن بالمعروف قيل هى المعاشرة بالفضل و الاحسان قولا و فعلا و خلقا قال النبي صلى الله عليه و سلم خيركم خيركم لاهله و أنا خيركم لاهلى و قيل المعاشرة بالمعروف هى ان يعاملها بما لو فعل بك مثل ذلك لم تنكره بل تعرفه و تقبله و ترضى به و كذلك من جانبها هى مندوبة إلى المعاشرة الجميلة مع زوجها بالاحسان باللسان و اللطف في الكلام و القول المعروف الذي يطيب به نفس الزوج و قيل في قوله تعالى و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف ان الذي عليهن من حيث الفضل و الاحسان هو ان يحسن إلى أزواجهن بالبر باللسان و القول بالمعروف و الله عز و جل أعلم و يكره للزوج أن يعزل عن إمرأته الحرة بغير رضاها لان الوطء عن إنزال سبب لحصول الولد و لها في الولد حق و بالعزل يفوت الولد فكانه سببا لفوات حقها و ان كان العزل برضاها لا يكره لانها رضيت بفوات حقها و لما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال اعزلوهن أو لا تعزلوهن ان الله تعالى إذا أراد خلق نسمة فهو خالقها الا ان العزل حال عدم الرضا صار مخصوصا و كذلك إذا كانت المرأة أمة الغير أنه يكره العزل عنها من رضا لكن يحتاج إلى رضاها أو رضا مولاها قال أبو حنيفة الاذن في
فصل وأما النكاح الفاسد
ذلك إلى المولى و قال أبو يوسف و محمد إليها ( وجه )
قولهما أن قضأ الشهوة حقها و العزل يوجب نقصانا في ذلك و لابي حنيفة ان كراهة العزل لصيانة الولد و الولد له لا لها و الله عز و جل أعلم ( فصل )
و أما النكاح الفاسد فلا حكم له قبل الدخول و أما بعد الدخول فيتعلق به أحكام منها ثبوت النسب و منها وجوب العدة و هو حكم الدخول في الحقيقة و منها وجوب المهر و الاصل فيه ان النكاح الفاسد ليس بنكاح حقيقة لانعدام محله أعنى محل حكمه و هو الملك لان الملك يثبت في المنافع و منافع البضع ملحقة بالاجزاء و الحر بجميع أجزائه ليس محلا للملك لان الحرية خلوص و الملك ينافى الخلوص و لان الملك في الآدمى لا يثبت الا بالرق و الحرية تنافي الرق الا ان الشرع أسقط اعتبار المنافى في النكاح الصحيح لحاجة الناس إلى ذلك و فى النكاح الفاسد بعد الدخول لحاجة الناكح إلى درء الحد و صيانة مائه عن الضياع بثبات النسب و وجوب العدة و صيانة البضع المحترم عن الاستعمال من غرامة و لا عقوبة توجب المهر فجعل منعقدا في حق المنافع المستوفاة لهذه الضرورة و لا ضرورة قبل استيفاء المنافع و هو ما قبل الدخول فلا يجعل منعقدا قبله ثم الدليل على وجوب مهر المثل بعد الدخول ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال أيما إمرأة أنكحت نفسها بغير اذن مواليها فنكاحها باطل فان دخل بها فلها مهر مثلها جعل صلى الله عليه و سلم لها مهر المثل فيما له حكم النكاح الفاسد و علقه بالدخول فدل ان وجوبه متعلق به ثم اختلف في تقدير هذا المهر و هو المسمى بالعقر قال أصحابنا الثلاثة يجب الاقل من مهر مثلها و من المسمى و قال زفر يجب مهر المثل بالغا ما بلغ و كذا هذا الخلاف في الاجارة الفاسدة ( وجه )
قول زفر ان المنافع تتقوم بالعقد الصحيح و الفاسد جميعا كالاعيان فيلزم اظهار أثر التقوم و ذلك بإيجاب مهر المثل بالغا ما بلغ لانه قيمة منافع البضع و انما العدول إلى المسمى عند صحة التسمية و لم تصح لهذا المعنى أو جنبا كمال القيمة في العقد الفاسد كذا ههنا ( و لنا )
ان العاقدين ما قوما المنافع بأكثر من المسمى فلا تتقوم بأكثر من المسمى فحصلت الزيادة مستوفاة من عقد فلم تكن لها قيمة الا ان مهر المثل إذا كان أقل من المسمى لا يبلغ به المسمى لانها رضيت بذلك القدر لرضاها بمهر مثلها و اختلف أيضا في وقت وجوب العدة أنها من أى وقت تعتبر قال أصحابنا الثلاثة انها تجب من حين يفرق بينهما و قال زفر من آخر وطء وطئها حتى لو كانت قد حاضت ثلاث حيض بعد آخر وطء وطئها قبل التفريق فقد انقضت عدتها عنده ( وجه )
قوله ان العدة تجب بالوطء لانها تجب لاستبراء الرحم و ذلك حكم الوطء ألا ترى انها لا تجب قبل الوطء و إذا كان وجوبها بالوطء تجب عقيب الوطء بلا فصل كاحكام سائر العلل ( و لنا )
أن النكاح الفاسد بعد الوطء منعقد في حق الفراش لما بينا و الفراش لا يزول قبل التفريق بدليل انه لو وطئها قبل التفريق لا حد عليه و لا يجب عليه بتكرار الوطء الا مهر واحد و لو وطئها بعد التفريق يلزمه الحد و لو دخلته شبهة حتى امتنع وجوب الحد يلزمه مهر آخر فكان التفريق في النكاح الفاسد بمنزلة الطلاق في النكاح الصحيح فيعتبر ابتداء العدة منه كما تعتبر من وقت الطلاق في النكاح الصحيح و الخلوة في النكاح الفاسد لا توجب العدة لانه ليس بنكاح حقيقة الا أنه الحق بالنكاح في حق المنافع المستوفاة حقيقة مع قيام المنافع لحاجة الناكح إلى ذلك فيبقى في حق المستوفي على أصل العدم و لم يوجد استيفاء المنافع حقيقة بالخلوة و لان الموجب للعدة في الحقيقة هو الوطء لانها تجب لتعرف براءة الرحم و لم يوجد حقيقة الا انا أقمنا التمكين من الوطء في النكاح الصحيح مقامه في حق حكم يحتاط فيه لوجود دليل التمكن و هو الملك المطلق و لم يوجد ههنا بخلاف الخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح انها توجب العدة إذا كان متمكنا من الوطء حقيقة و ان كان ممنوعا عنه شرعا بسبب الحيض أو الاحرام أو الصوم أو نحو ذلك لان هناك دليل الاطلاق شرعا موجود و هو الملك المطلق الا أنه منع منه لغيره فكان التمكن ثابتا و دليله موجود فيقام مقام المدلول في موضع الاحتياط و ههنا بخلافه و لا يوجب المهر أيضا لانه لما لم يجب بها العدة فالمهر أولى لان العدة يحتاط في وجوبها و لا يحتاط في وجوب المهر
( فصل )
( و أما )
بيان ما يرفع حكم النكاح فبيانه بيان ما تقع به الفرقة بين الزوجين و لوقوع الفرقة بين الزوجين أسباب لكن الواقع ببعضها فرقة بطلاق و بعضها فرقة بغير طلاق و فى بعضها يقع فرقة بغير قضأ القاضي و فى بعضها لا يقع الا بقضاء القاضي فنذكر جملة ذلك بتوفيق الله عز و جل منها الطلاق بصريحه و كناياته و له كتاب مفرد و منها اللعان و لا تقع الفرقة الا بتفريق القاضي عند أصحابنا و كذا في كيفية هذه الفرقة خلاف بين أصحابنا نذكره ان شاء الله تعالى في كتاب اللعان و منها اختيار الصغير أو الصغيرة بعد البلوغ في خيار البلوغ و هذه الفرقة لا تقع الا بتفريق القاضي بخلاف الفرقة باختيار المرأة نفسها في خيار العتق انها تثبت بنفس الاختيار و قد بينا وجه الفرق فيما تقدم و الفرقة في الخيارين جميعا تكون فرقة بغير طلاق بل تكون فسخا حتى لو كان الزوج لم يدخل بها فلا مهر لها اما في خيار العتق فلا شك فيه لان الفرقة وقعت بسبب وجد منها و هو اختيارها نفسها و اختيارها نفسها لا يجوز أن يكون طلاقا لانها لا تملك الطلاق الا إذا ملكت كالمخيرة فكان فسخا و فسخ العقد رفعه من الاصل و جعله كان لم يكن و لو لم يكن حقيقة لم يكن لها مهر فكذا إذا التحق بالعدم من الاصل و كذا في خيار البلوغ إذا كان من له الخيار هو المرأة فاختارت نفسها قبل الدخول بها لما قلنا و اما إذا كان من له الخيار هو الغلام فاختار نفسه قبل الدخول بها فلا مهر لها أيضا و هذا فيه نوع اشكال لان الفرقة جاءت من قبل الزوج فيجب ان تكون فرقة بطلاق و يتعلق بها نصف المهر و الانفصال ان الشرع أثبت له الخيار فلا بد أن يكون مفيدا و لو كان ذلك طلاقا و وجب عليه المهر لم يكن لاثبات الخيار معنى لانه يملك الطلاق فإذا لا فائدة في الخيار الا سقوط المهر و ان كان قد دخل بها لا يسقط المهر لان المهر قد تأكد بالدخول فلا يحتمل السقوط بالفرقة كمالا يحتمل السقوط بالموت و لان الدخول استيفاء منافع البضع و انه أمر خفى فلا يحتمل الارتفاع من الاصل بالفسخ بخلاف العقد فانه أمر شرعي فكان محتملا للفسخ و لانه لو فسخ النكاح بعد الدخول لوجب عليه رد المنافع المستوفاة لانه عاد البدل اليه فوجب ان يعود المبدل إليها و هو لا يقدر على ردها فلا يفسخ و إذا لم يقدر على ردها يغرم قيمتها و قيمتها هو المهر المسمى فلا يفيد و لانه لما استوفى المنافع فقد استوفى المعقود عليه و هو المبدل فلا يسقط البدل و منها اختيار المرأة نفسها لعيب الجب و العنة و الخصاء و الخنوثة والتأخذ بتفريق القاضي أو بنفس الاختيار على ما بينا و انه فرقة بطلان لان سبب ثبوتها حصل من الزوج و هو المنع من إيفاء حقها المستحق بالنكاح و انه ظلم و ضرر في حقها الا أن القاضي قام مقامه في دفع الظلم و الاصل أن الفرقة إذا حصلت بسبب من جهة الزوج مختص بالنكاح ان تكون فرقة بطلان حتى لو كان ذلك قبل الدخول بها و فبل الخلوة فلها نصف المسمى ان كان في النكاح تسمية و ان لم يكن فيه تسمية فلها المتعة و منها التفريق لعدم الكفاءة أو لنقصان المهر و الفرقة به فرقة بغير طلاق لانها فرقة حصلت لا من جهة الزوج فلا يمكن ان يجعل ذلك طلاقا لانه ليس لغير الزوج ولاية الطلاق فيجعل فسخا و لا تكون هذه الفرقة الا عند القاضي لما ذكرنا في الفرقة بخيار البلوغ و منها اباء الزوج الاسلام بعد ما أسلمت زوجته في دار الاسلام و منها اباء الزوجة الاسلام بعد ما أسلم زوجها المشرك أو المجوسي في دار الاسلام و جملة الكلام فيه أن الزوجين الكافرين إذا أسلم أحدهما في دار الاسلام فان كانا كتابيين فأسلم الزوج فالنكاح بحاله لان الكتابية محل لنكاح المسلم ابتداء فكذا بقاء و ان أسلمت المرأة لا تقع الفرقة بنفس الاسلام عندنا و لكن يعرض الاسلام على زوجها فان أسلم بقيا على النكاح و ان أبى الاسلام فرق القاضي بينهما لانه لا يجوز أن تكون المسلمة تحت نكاح الكافر و لهذا لم يجز نكاح الكافر المسلمة ابتداء فكذا في البقاء عليه و ان كانا مشركين أو مجوسيين فأسلم أحدهما أيهما كان يعرض الاسلام على الآخر و لا تقع الفرقة بنفس الاسلام عندنا فان أسلم فهما على النكاح و ان أبى الاسلام فرق القاضي بينهما لان المشركة لا تصلح لنكاح المسلم ان الاباء ان كان من المرأة يكون فرقة بغير طلاق لان الفرقة جاءت من قبلها و هو الاباء من الاسلام و الفرقة من قبل المرأة لا تصلح طلاقا لانها لا تلى الطلاق فيجعل فسخا و ان كان الاباء من الزوج يكون فرقة بطلاق
في قول أبى حنيفة و محمد و عند أبى يوسف يكون فرقة بغير طلاق و هذا كله مذهب أصحابنا و قال الشافعي إذا أسلم أحد الزوجين وقعت الفرقة بنفس الاسلام انه ان كان ذلك قبل الدخول تقع الفرقة للحال فاما بعد الدخول فلا تقع الفرقة حتى تمضى ثلاث حيض فان أسلم الآخر قبل مضيها فالنكاح بحاله و ان لم يسلم بانت بمضيها أما الكلام مع الشافعي فوجه قوله ان كفر الزوج يمنع من نكاح المسلمة ابتداء حتى لا يجوز للكافر ان ينكح المسلمة و كذلك شرك المرأة و تمجسها مانع من نكاح المسلم ابتداء بدليل أنه لا يجوز للمسلم نكاح المشركة و المجوسيه فإذا طرأ على النكاح يبطله فاشبه الطلاق ( و لنا )
إجماع الصحابة رضى الله عنهم فانه روى ان رجلا من بني تغلب أسلمت إمرأته فعرض عمر رضى الله عنه عليه الاسلام فامتنع ففرق بينهما و كان ذلك بمحضر من الصحابة رضى الله عنهم فيكون إجماعا و لو وقعت الفرقة بنفس الاسلام لما وقعت الحاجة إلى التفريق و لان الاسلام لا يجوز ان يكون مبطلا للنكاح لانه عرف عاصما للاملاك فكيف يكون مبطلا لها و لا يجوز ان يبطل بالكفر أيضا لان الكفر كان موجودا منهما و لم يمنع ابتداء النكاح فلان لا يمنع البقاء و انه أسهل أولى الا انا لو بقينا النكاح بينهما لا تحصل المقاصد لان مقاصد النكاح لا تحصل الا بالاستفراش و الكافر لا يمكن من استفراش المسلمة و المسلم لا يحل له استفراش المشركة و المجوسية لخبثهما فلم يكن في بقاء هذا النكاح فائدة فيفرق القاضي بينهما عند اباء الاسلام لان اليأس عن حصول المقاصد يحصل عنده و أما الكلام مع أصحابنا في كيفية الفرقة عند اباء الزوج الاسلام بعد ما أسلمت إمرأته المشركة أو المجوسية أو الكتابية فوجه قول ابى يوسف ان هذه فرقة يشترك في سببها الزوجان و يستويان فيه فان الاباء من كل واحد منهما سبب الفرقة ثم الفرقة الحاصلة بآبائها فرقة بغير طلاق فكذا بابائه لاستوائهما في السببية كما إذا ملك أحدهما صاحبه و لهما ان الحاجة إلى التفريق عند الاباء لفوات مقاصد النكاح و لان مقاصد النكاح إذا لم تحصل لم يكن في بقاء النكاح فائدة فتقع الحاجة إلى التفريق و الاصل في التفريق هو الزوج لان الملك له و القاضي ينوب منابه كما في الفرقة بالجب و العنة فكان الاصل في الفرقة هو فرقة الطلاق فيجعل طلاقا ما أمكن و فى اباء المرأة لا يمكن لانها لا تملك الطلاق فيجعل فسخا و منها ردة أحد الزوجين لان الردة بمنزلة الموت لانها سبب مفض اليه و الميت لا يكون محلا للنكاح و لهذا لم يجز نكاح المرتد لاحد في الابتداء فكذا في حال البقاء و لانه لا عصمة مع الردة و ملك النكاح لا يبقى مع زوال العصمة ان ردة المرأة تكون فرقة بغير طلاق بلا خلاف و أما ردة الرجل فهي فرقة بغير طلاق في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد فرقة بطلاق ( وجه )
قوله ظاهر لان الاصل ان الفرقة إذا حصلت بمعنى من قبل الزوج و أمكن ان تجعل طلاقا تجعل طلاقا لان الاصل في الفرقة هو فرقة الطلاق وأصل أبى يوسف ما ذكرنا انه فرقة حصلت بسبب يشترك فيه الزوجان لان الردة من كل واحد منهما سبب لثبوت الفرقة ثم الثابت بردتها فرقة بغير طلاق كذا بردته و لابي حنيفة ان هذه الفرقة و ان كانت بسبب وجد من الرجل و هو ردته الا انه لا يمكن ان تجعل الردة طلاقا لانها بمنزلة الموت و فرقة الموت لا تكون طلاقا لان الطلاق تصرف يختص بما يستفاد بالنكاح و الفرقة الحاصلة بالردة فرقة واقعة بطريق التنافي لان الردة تنافي عصمة الملك و ما كان طريقه التنافي لا يستفاد بملك النكاح فلا يكون طلاقا بخلاف الفرقة الحاصلة باباء الزوج لانها تثبت بفوات مقاصد النكاح و ثمراته و ذلك مضاف إلى الزوج فيلزمه الامساك بالمعروف و الا التسريح بالاحسان فإذا امتنع عنه ألزمه القاضي الطلاق الذي يحصل به التسريح بالاحسان كانه طلق بنفسه و الدليل على التفرقة بينهما ان فرقة الاباء لا تحصل الا بالقضاء و فرقة الردة تثبت بنفس الردة ليعلم ان ثبوتها بطريق التنافي ثم الفرقة بردة أحد الزوجين تثبت بنفس الردة فتثبت في الحال عندنا و عند الشافعي ان كان قبل الدخول فكذلك و ان كان بعد الدخول تتأجل الفرقة إلى مضى ثلاث حيض و هو على الاختلاف في اسلام أحد الزوجين هذا إذا ارتد أحد الزوجين فاما إذا ارتدا معا لا تقع الفرقة بينهما استحسانا حتى لو أسلما معا فهما على نكاحهما و القياس ان تقع الفرقة و هو قول زفر وجه القياس انه لو ارتد أحدهما لوقعت الفرقة
فكذا إذا ارتدا لان في ردتهما ردة أحدهما و زيادة و للاستحسان إجماع الصحابة رضى الله عنهم فان العرب لما ارتدت في زمن أبى بكر الصديق رضى الله عنه ثم أسلموا لم يفرق بينهم و بين نسائهم و كان ذلك بمحضر من الصحابة رضى الله عنهم فان قيل بم يعلم هناك انهم ارتدوا و أسلموا معا فالجواب انه لما لم يفرق بينهم و بين نسائهم فيما لم يعلم القرآن بل احتمل التقدم و التأخر في الردة و الاسلام ففيما علم أولى ان لا يفرق ثم نقول الاصل في كل أمرين حادثين إذا لم يعلم تأريخ ما بينهما ان يحكم بوقوعهما معا كالغرقى و الحرقى و الهدمى و لو تزوج مسلم كتابية يهودية أو نصرانية فتمجست تثبت الفرقة لان المجوسية لا تصلح لنكاح المسلم ألا ترى انه لا يجوز له نكاحها ابتداء ثم ان كان ذلك قبل الدخول بها فلا مهر لها و لا نفقة لانها فرقة بغير طلاق فكانت فسخا و ان كان بعد الدخول بها فلها المهر لما بينا فيما تقدم و لا نفقة لها لان الفرقة جاءت من قبلها و الاصل ان الفرقة إذا جاءت من قبلها فان كان قبل الدخول بها فلا نفقة لها و لا مهر و ان جاءت من قبله قبل الدخول يجب نصف المسمى ان كان المهر سمى و ان لم يكن تجب المتعة و بعد الدخول يجب كل المهر و النفقة و لو كانت يهودية فتنصرت أو نصرانية فتهودت لم تثبت الفرقة و لم يعترض عليه عندنا و قال الشافعي لا يمكن من القرار عليه و لكن تجبر على ان تسلم أو تعود إلى دينها الاول فان لم تفعل حتى مضت ثلاث حيض وقعت الفرقة كما في المرتد وجه قوله انها كانت مقرة بان الدين الذي انتقلت اليه باطل فكان ترك الاعتراض تقريرا على الباطل و انه لا يجوز ( و لنا )
انها انتقلت من باطل إلى باطل و الجبر على العود إلى الباطل باطل و لو كانت يهودية أو نصرانية فصبأت لم تثبت الفرقة في قول أبى حنيفة و فى قول أبى يوسف و محمد تثبت الفرقة بناء على انه يجوز للمسلم نكاح الصابئية عنده و عندهما لا يجوز و المسألة مرت في موضعها و منها اسلام أحد الزوجين في دار الحرب لكن لا تقع الفرقة في الحال بل تقف على مضى ثلاث حيض ان كانت ممن تحيض و ان كانت ممن لا تحيض ثلاثة أشهر فان أسلم الباقى منهما في هذه المدة فهما على النكاح و ان لم يسلم حتى مضت المدة وقعت الفرقة لان الاسلام لا يصلح سببا لثبوت الفرقة بينهما و نفس الكفر أيضا لا يصلح سببا لما ذكرنا من المعنى فيما تقدم و لكن يعرض الاسلام على الآخر فإذا أبى حينئذ يفرق و كانت الفرقة حاصلة بالاباء و لا يعرف الاباء الا بالعرض و قد امتنع العرض لانعدام الولاية و قد مست الحاجة إلى التفريق اذ المشرك لا يصلح لنكاح المسلم فيقام شرط البينونة و هو مضى ثلاث حيض اذ هو شرط البينونة في الطلاق الرجعي مقام العلة و اقامة الشرط مقام العلة عند تعذر اعتبار العلة جائز في أصول الشرع فإذا مضت مدة العدة و هي ثلاث حيض صار مضى هذه المدة بمنزلة تفريق القاضي و تكون فرقة بطلاق على قياس قول أبى حنيفة و محمد و على قياس قول أبى يوسف بغير طلاق لانه فرقة بسبب الاباء حكما و تقديرا و إذا وقعت الفرقة بعد مضى هذه المدة هل تجب العدة بعد مضيها بأن كانت المرأة هى المسلمة فخرجت إلى دار الاسلام فتمت الحيض في دار الاسلام لا عدة عليها عند أبى حنيفة و عندهما عليها العدة و المسألة مذكورة فيما تقدم و ان كان المسلم هو الزوج فلا عدة عليها بالاجماع لانها حربية و منها اختلاف الدارين عندنا بان خرج أحد الزوجين إلى دار الاسلام مسلما أو ذميا و ترك الآخر كافرا في دار الحرب و لو خرج أحدهما مستأمنا و بقى الآخر كافرا في دار الحرب لا تقع الفرقة بالاجماع و قال الشافعي لا تقع الفرقة باختلاف الدارين و هذا بناء على أصل و هو ان اختلاف الدارين علة لثبوت الفرقة عندنا و عنده ليس بعلة و انما العلة هى السبي و احتج بما روى أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم هاجرت من مكة إلى المدينة و خلفت زوجها أبا العاص كافرا بمكة فردها عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بالنكاح الاول و لو ثبتت الفرقة باختلاف الدارين لما رد بل جدد النكاح و لان تأثير اختلاف الدارين في انقطاع الولاية و انقطاع الولاية لا يوجب انقطاع النكاح فان النكاح يبقى بين أهل العدل و البغى و الولاية منقطعة ( و لنا )
ان عند اختلاف الدارين يخرج الملك من أن يكون منتفعا به لعدم التمكن من الانتفاع عادة فلم يكن في بقائه فائدة فيزول كالمسلم إذا ارتد عن الاسلام و لحق بدار الحرب انه يزول ملكه عن أمواله و تعتق أمهات أولاده و مدبروه لما قلنا كذا هذا بخلاف
أهل البغى مع أهل العدل لان أهل البغى من أهل الاسلام و لانهم مسلمون فيخالطون أهل العدل فكان إمكان الانتفاع ثابتا فيبقى النكاح و ههنا بخلافه و أما الحديث فقد روى أنه ردها عليه بنكاح جديد فتعارضت الروايتان فسقط الاحتجاج به مع أن العمل بهذه الرواية أولى لانها تثبت أمرا لم يكن فكان رواى الرد بالنكاح الاول استصحب الحال فظن أنه ردها عليه بذلك النكاح الذي كان و راوي النكاح الجديد اعتمد حقيقة الحال و صار كاحتمال الجرح و التعديل ثم ان كان الزوج هو الذي خرج فلا عدة على المرأة بلا خلاف لما ذكرنا انه حربية و ان كانت المرأة هى التي خرجت فلا عدة عليها في قول أبى حنيفة خلافا لهما و كذلك إذا خرج أحدهما ذميا وقعت الفرقة لانه صار من أهل دار الاسلام فصار كما لو خرج مسلما بخلاف ما إذا خرج أحدهما بأمان لان الحربي المستأمن من أهل دار الحرب و انما دخل دار الاسلام على سبيل العارية لقضاء بعض حاجاته لا للتوطن فلا يبطل حكم دار الحرب في حقه كالمسلم إذا دخل دار الحرب بأمان لانه لا يصير بالدخول من أهل دار الحرب لما قلنا كذا هذا و لو أسلما معا في دار الحرب أو صارا ذميين معا أو خرجا مستأمنين فالنكاح على حاله لانعدام اختلاف الدارين عندنا و انعدام السبي عنده و على هذا يخرج ما إذا سبى أحدهما و أحرز بدار الاسلام انه تقع الفرقة بالاجماع لكن على اختلاف الاصلين عندنا باختلاف الدارين و عنده بالسبي و عندنا لا تثبت الفرقة قبل الاحراز بدار الاسلام و لو سببا معا لا تقع الفرقة عندنا لعدم اختلاف الدارين و عنده تقع لوجود السبي و احتج بقوله تعالى و المحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم حرم المحصنات وهن ذوات الازواج اذ هو معطوف على قوله عز و جل حرمت عليكم أمهاتكم و استثنى المملوكات و الاستثناء من الحظر إباحة و لم يفصل بين ما إذا سبيت وحدها أو مع زوجها و لان السبي سبب لثبوت ملك المتعة للسابي لانه استيلاء ورد على محل معصوم و انه سبب لثبوت الملك في الرقبة و لهذا يثبت الملك في المسبية بالاجماع و ملك الرقبة يوجب ملك المتعة و متى ثبت ملك المتعة للسابي يزول ملك الزوج ضرورة بخلاف ما إذا اشترى أمة هى منكوحة الغير انه لا يثبت للمشتري ملك المتعة و ان ثبت له ملك الرقبة بالشراء لان ملك الزوج في الامة ملك معصوم و إثبات اليد على محل معصوم لا يكون سببا لثبوت الملك ( و لنا )
ان ملك النكاح للزوج كان ثابتا بدليله مطلقا و ملك النكاح لا يجوز ان يزول الا بإزالته أو لعدم فائدة البقاء اما لفوات المحل حقيقة بالهلاك أو تقديرا لخروجه من أن يكون منتفعا به في حق المالك و اما لفوات حاجة المالك بالموت لان الحكم بالزوال حينئذ يكون تناقضا و الشرع منزه عن التناقض و لم توجد الازالة من الزوج و المحل صالح و المالك صالح حى محتاج إلى الملك و إمكان الاستمتاع ثابت ظاهرا و غالبا إذا سبيا معا و لا يكون نادرا و كذا إذا سبى أحدهما و المسبى في دار الحرب لان احتمال الاسترداد من الكفرة أو استنقاذ الاسراء من الغزاة ليس بنادر و ان لم يكن غالبا بخلاف ما إذا سبى أحدهما و أخرج إلى دار الاسلام لان هناك لا فائدة في بقاء الملك لعدم التمكن من اقامة المصالح بالملك ظاهرا و غالبا لاختلاف الدارين و أما قوله السبي ورد على محل معصوم فنعم لكن الاستيلاء الوارد على محل معصوم انما يكون سببا لثبوت الملك إذا لم يكن مملوكا لغيره و ملك الزوج ههنا قائم لما بينا فلم يكن السبي سببا لثبوت الملك للسابي فلا يوجب زوال ملك الزوج و الآية محمولة على ما إذا سبيت وحدها لما ذكرنا من الدلائل و منها الملك الطاري لاحد الزوجين على صاحبه بان ملك أحدهما صاحبه بعد النكاح أو ملك شقصا منه لان الملك المقارن يمنع من انعقاد النكاح فالطارئ عليه يبطله و الفرقة الواقعة به فرقة بغير طلاق لانها فرقة حصلت بسبب لا من قبل الزوج فلا يمكن ان تجعل طلاقا فتجعل فسخا و لا يحتاج إلى تفريق القاضي لانها فرقة حصلت بطريق التنافي لما بينا في المسائل المتقدمة ان الحقوق الثابتة بالنكاح لا يصح إثباتها بين المالك و المملوك فلا تفتقر إلى القضاء كالفرقة الحاصلة بردة أحد الزوجين و على هذا قالوا في القن و المدبر و المأذون إذا اشتريا زوجتهما لم يبطل النكاح لان الشراء لا يفيد لهما ملك المتعة فلا يوجب بطلان النكاح و قالوا أيضا في المكاتب إذا اشترى زوجته لا يبطل نكاحها لانه لا يملكها و انما يثبت له فيها حق الملك و حق الملك يمنع ابتداء