الحنطة عن الشعير يراعى قيمة الواجب بالاجماع حتى لو أدى أنقص منها لا يسقط عنه كل الواجب بل يجب عليه التكميل لان الجودة في أموال الربا متقومة عند مقابلتها بخلاف جنسها و ان كان المؤدى من جنس النصاب فقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال قال أبو حنيفة و أبو يوسف ان المعتبر هو القدر لا القيمة و قال زفر المعتبر هو القيمة لا القدر و قال محمد المعتبر ما هو انفع للفقراء فان كان اعتبار القدر أنفع فالمعتبر هو القدر كما قال أبو حنيفة و أبو يوسف و ان كان اعتبار القيمة أنفع فالمعتبر هو القيمة كما قال زفر و بيان هذا في مسائل إذا كان له مائتا قفيز حنطة جيدة للتجارة قيمتها مائتا درهم فحال عليها الحول فلم يؤد منها وادي خمسة أقفزة رديئة يجوز و تسقط عنه الزكاة في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و يعتبر القدر لا قيمة الجودة و عند محمد و زفر عليه أن يؤدى الفضل إلى تمام قيمة الواجب اعتبارا في حق الفقراء للقيمة عند زفر و اعتبارا للانفع عند محمد و الصحيح اعتبار أبى حنيفة و أبى يوسف لان الجودة في الاموال الربوية لا قيمة لها عند مقابلتها بجنسها لقول النبي صلى الله عليه و سلم جيدها و رديئها سواء الا ان محمدا يقول ان الجودة متقومة حقيقة و انما سقط اعتبار تقومها شرعا لجريان الربا و الربا اسم لمال يستحق بالبيع و لم يوجد و الجواب ان المسقط لاعتبار الجودة و هو النص مطلق فيقتضى سقوط تقومها مطلقا الا فيما قيد بدليل و لو كان النصاب حنطة رديئة للتجارة قيمتها مائتا درهم فادى أربعة أقفزة جيدة عن خمسة أقفزة رديئة لا يجوز الا عن أربعة أقفزة منها و عليه أن يؤدى قفيزا آخر عند أبى حنيفة و أبى يوسف و محمد اعتبارا للقدر دون القيمة عندهما و اعتبارا للانفع للفقراء عند محمد و عند زفر لا يجب عليه شيء آخر اعتبارا للقيمة عنده و على هذا إذا كان له مائتا درهم جيدة حال عليها الحول فادى خمسة زيوفا جاز عند أبى حنيفة و أبى يوسف لوجود القدر و لا يجوز عند محمد و زفر لعدم القيمة و الانفع و لو أدى أربعة دراهم جيدة عن خمسة رديئة لا يجوز الا عن أربعة دراهم و عليه درهم آخر عند ابى حنيفة و أبى يوسف و محمد و أما عند أبى حنيفة و أبى يوسف فلاعتبار القدر و القدر ناقص و أما عند محمد فلا عتبار الانفع للفقراء و القدر ههنا أنفع لهم و على أصل زفر يجوز لاعتبار القيمة و لو كان له قلب فضة أو إناء مصوغ من فضة جيدة وزنه مائتا درهم و قيمته لجودته و صياغته ثلاثمائة فان أدى من النصاب أدى ربع عشره و ان أدى من الجنس من النصاب يؤدى خمسة دراهم زكاة المائتين عند أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد و زفر يؤدى زكاة ثلاثمائة درهم بناء على الاصل الذي ذكرنا و ان أدى من جنسه يؤدى زكاة ثلاثمائة و ذلك سبعة دراهم و نصف بالاجماع لان قيمة الجودة تظهر عند المقابلة بخلاف الجنس و لو أدى عنها خمسة زيوفا قيمتها أربعة دراهم جيدة جاز و سقطت عنه الزكاة عند أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد و زفر عليه أن يؤدى الفضل إلى تمام قيمة الواجب و على هذا النذر إذا أوجب على نفسه صدقة قفيز حنطة جيدة فادى قفيزا رد يأ يخرج عن النذر في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و عند محمد و زفر عليه أداء الفضل و لو أوجب على نفسه صدقة قفيز حنطة رديئة فتصدق بنصف قفيز حنطة جيدة تبلغ قيمته قيمة قفيز حنطة رديئة لا يجوز الا عن النصف و عليه أن يتصدق بنصف آخر في قول أصحابنا الثلاثة و فى قول زفر لا شيء عليه غيره و هذا و الزكاة سواء و الاصل ما ذكرنا و لو أوجب على نفسه صدقة بشاتين فتصدق مكانهما بشاة واحدة تبلغ قيمتها شاتين جاز و يخرج عن النذر كما في الزكاة و هذا بخلاف ما إذا أوجب على نفسه أن يهدى شاتين فاهدى مكانهما شاة تبلغ قيمتها قيمة شاتين انه لا يجوز الا عن واحدة منهما و عليه شاة أخرى لان القربة هناك في نفس الاراقة لا في التمليك و إراقة دم واحد لا يقوم مقام اراقة دمين و كذا لو أوجب على نفسه عتق رقبتين فاعتق رقبة تبلغ قيمتها قيمة رقبتين لم يجز لان القربة ثمة ليس في التمليك بل في ازالة الرق و ازالة رق واحدة لا يقوم مقام ازالة رقين و لهذا لم يجز إعتاق رقبة واحدة و ان كانت سمينة الا عن كفارة واحدة و الله أعلم و ان كان مال الزكاة دينا فجملة الكلام فيه ان أداء العين عن العين جائز بأن كان له مائتا درهم عين فحال عليها الحول فادى خمسة منها لانه أداء الكامل عن الكامل فقد أدى ما وجب عليه فيخرج عن الواجب و كذا إذا أدى العين عن الدين بان كان له مائتا درهم دين فحال عليها الحول و وجبت فيها الزكاة
(43)
فادى خمسة عينا عن الدين لانه أداء الكامل عن الناقص لان العين مال بنفسه و مالية الدين لاعتبار تعينه في العاقبتة و كذا العين قابل للتمليك من جميع الناس و الدين لا يقبل التمليك لغير من عليه الدين و أداء الدين عن العين لا يجوز بأن كان له على فقير خمسة دراهم و له مائتا درهم عين حال عليها الحول فتصدق بالخمسة على الفقير ناويا عن زكاة المائتين لانه أداء الناقص عن الكامل فلا يخرج عما عليه و الحيلة في الجواز أن يتصدق عليه بخمسة دراهم عين ينوى عن زكاة المائتين ثم بأخذها منه قضأ عن دينه فيجوز و يحل له ذلك و أما أداء الدين عن الدين فان كان عن دين يصير عينا لا يجوز بأن كان له على فقير خمسة دراهم دين و له على رجل آخر مائتا درهم فحال عليها الحول فتصدق بهذه الخمسة على من عليه ناويا عن زكاة المائتين لان المائتين تصير عينا بالاستيفاء فتبين في الآخرة ان هذا أداء الدين عن العين و انه لا يجوز لما بينا و ان كان عن دين لا يصير عينا يجوز بأن كان له على فقير مائتا درهم دين فحال عليها الحول فوهب منه المائتين ينوى عن الزكاة لان هذا دين لا ينقلب عينا فلا يظهر في الآخرة ان هذا أداء الدين عن العين فلا يظهر انه أداء الناقص عن الكامل فيجوز هذا إذا كان من عليه الدين فقيرا فوهب المائتين له أو تصدق بها عليه فاما إذا كان غنيا فوهب أو تصدق فلا شك أنه سقط عنه الدين لكن هل يجوز و تسقط عنه الزكاة أم لا يجوز و تكون زكاتها دينا عليه و ذكر في الجامع انه لا يجوز و يكون قدر الزكاة مضمونا عليه و ذكر في نوادر الزكاة انه يجوز وجه رواية الجامع ظاهر لانه دفع الزكاة إلى الغنى مع العلم بحاله أو من تحر و هذا لا يجوز بالاجماع وجه رواية النوادر ان الجواز ليس على معنى سقوط الواجب بل على امتناع الوجوب لان الوجوب باعتبار ماليته و ما ليته باعتبار صيرورته عينا في العاقبة فإذا لم يصر تبين انه لم يكن ما لا و الزكاة لا تجب فيما ليس بمال و الله أعلم ( فصل )و أما الذي يرجع إلى المؤدى اليه فانواع منها أن يكون فقيرا فلا يجوز صرف الزكاة إلى الغنى الا أن يكون عاملا عليها لقوله تعالى انما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و فى الرقاب و الغارمين و فى سبيل الله و ابن السبيل جعل الله تعالى الصدقات للاصناف المذكورين بحرف اللام و انه للاختصاص فيقتضى اختصاصهم باستحقاقها فلو جاز صرفها الي غيرهم لبطل الاختصاص و هذا لا يجوز و الآية خرجت لبيان مواضع الصدقات و مصارفها و مستحقيها و هم و ان اختلفت أساميهم فسبب الاستحقاق في الكل واحد و هو الحاجة الا العاملين عليها فانهم مع غناهم يستحقون العمالة لان السبب في حقهم العمالة لما نذكر ثم لابد من بيان معاني هذه الاسماء اما الفقراء و المساكين فلا خلاف في ان كل واحد منهما جنس على حدة و هو الصحيح لما نذكر و اختلف أهل التأويل و اللغة في معنى الفقير و المسكين و فى ان أيهما أشد حاجة و أسوأ حالا قال الحسن الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي يسأل و هكذا ذكره الزهرى و كذا روى أبو يوسف عن أبى حنيفة و هو المروي عن ابن عباس رضى الله عنهما و هذا يدل على ان المسكين أحوج و قال قتادة الفقير الذي به زمانة و له حاجة و المسكين المحتاج الذي لا زمانة به و هذا يدل على ان الفقير أحوج و قيل الفقير الذي يملك شيأ يقوته و المسكين الذي لا شيء له سمى مسكينا لما أسكنته حاجته عن التحرك فلا يقدر يبرح عن مكانه و هذا أشبه الاقاويل قال الله تعالى أو مسكينا ذا متربة قيل في التفسير أى استتر بالتراب و حفر الارض إلى عانته و قال الشاعر أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد سماه فقيرا مع ان له حلوبة هى وفق العيال و الاصل ان الفقير و المسكين كل واحد منهما اسم ينبئ عن الحاجة الا حاجة المسكين أشد و على هذا يخرج قول من يقول الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي يسأل لان من شأن الفقير المسلم انه يتحمل ما كانت له حيلة و يتعفف و لا يخرج فيسأل و له حيلة فسؤاله يدل على شدة حاله و ما روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ليس المسكين الطواف الذي يطوف على الناس ترده اللقمة و اللقمتان و التمرة و التمرتان قيل فما المسكين يا رسول الله قال الذي لا يجد ما يغنيه و لا يفطن به فيتصدق عليه
(44)
و لا يقوم فيسأل الناس فهو محمول على ان الذي يسأل و ان كان عندكم مسكينا فان الذي لا يسأل و لا يفطن به أشد مسكنة من هذا و على هذا يحمل ما روى عن عمر رضى الله عنه انه قال ليس المسكين الذي لا مال له و لكن المسكين الذي لا مكسب له أى الذي لا مال و ان كان مسكينا فالذي لا مال له و لا مكسب له أشد مسكنة منه و كأنه قال الذي لا مال له و لا مكسب فهو فقير و المسكين الذي لا مال له و لا مكسب و ما قاله بعض مشايخنا ان الفقراء و المساكين جنس واحد في الزكاة بلا خلاف بين أصحابنا بدليل جواز صرفها إلى جنس واحد و انما الخلاف بعد في كونهما جنسا واحدا أو جنسين في الوصايا اختلاف بين أصحابنا سديد بل لا خلاف بين أصحابنا في انهما جنسان مختلفان فيهما جميعا لما ذكرنا و الدليل عليه ان الله تعالى عطف البعض على البعض و العطف دليل المغايرة في الاصل و انما جاز صرف الزكاة إلى صنف واحد لمعنى آخر و ذلك المعنى لا يوجد في الوصية و هو دفع الحاجة و ذا يحصل بالصرف الي صنف واحد و الوصية ما شرعت لدفع حاجة الموصى له فانها تجوز للفقير و الغني و قد يكون للموصى اغراض كثيرة لا يوقف عليها فلا يمكن تعليل نص كلامه فتجرى على ظاهر لفظه من اعتبار المعنى بخلاف الزكاة فانا عقلنا المعنى فيها و هو دفع الحاجة و ازالة المسكنة و جميع الاصناف في هذا المعنى جنس واحد لذلك افترقا لا لما قالوه و الله أعلم و أما العاملون عليها فهم الذين نصبهم الامام لجباية الصدقات و اختلف فيما يعطون قال أصحابنا يعطيهم الامام كفايتهم منها و قال الشافعي يعطيهم الثمن وجه قوله ان الله تعالى قسم الصدقات على الاصناف الثمانية منهم العاملون عليها فكان لهم منها الثمن و لنا ان ما يستحقه العامل انما يستحقه بطريق العمالة لا بطريق الزكاة بدليل انه يعطى و ان كان غنيا بالاجماع و لو كان ذلك صدقة لما حلت للغنى و بدليل انه لو حمل زكاته بنفسه إلى الامام لا يستحق العامل منها شيأ و لهذا قال أصحابنا ان حق العامل فيما في يده من الصدقات حتى لو هلك ما في يده سقط حقه كنفقة المضارب انها تكون في مال المضاربة حتى لو هلك مال المضاربة سقطت نفقته كذا هذا دل انه انما يستحق بعمله لكن على سبيل الكفاية له و لاعوانه لا على سبيل الاجرة لان الاجرة مجهولة اما عندنا فظاهر لان قدر الكفاية له و لا عوانه معلوم و كذا عنده لان قدر ما يجتمع من الصدقات بجبايته مجهول فكان ثمنه مجهولا لا محالة و جهالة أحد البدلين يمنع جواز الاجارة فجهالة البدلين جميعا أولى فدل أن الاستحقاق ليس على سبيل الاجرة بل على طريق الكفاية له و لا عوانه لاشتغاله بالعمل لاصحاب المواشي فكانت كفايته في مالهم و اما قوله ان الله تعالى قسم الصدقات على الاصناف المذكورين في الآية فممنوع انه قسم بل بين فيها مواضع الصدقات و مصارفها لما نذكر و لو كان العامل هاشميا لا يحل له عندنا و عند الشافعي يحل و احتج بما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث عليا رضى الله عنه إلى اليمن مصدقا و فرض له و لو لم يحل للهاشمي لما فرض له و لان العمالة أجرة العمل بدليل انها تحل للغنى فيستوى فيها الهاشمي و غيره و لنا ما روى ان نوفل بن الحارث بعث ابنيه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليستعملهما على الصدقة فقال صلى الله عليه و سلم لا تحل لكما الصدقة و لا غسالة الناس و لان المال المجبى صدقة و لما حصل في يد الامام حصلت الصدقة مؤداة حتى لو هلك المال في يده تسقط الزكاة عن صاحبها و إذا حصلت صدقة و الصدقة مطهرة لصاحبها فتمكن الخبث في المال فلا يباح للهاشمي لشرفه صيانة له عن تناول الخبث تعظيما لرسول الله صلى الله عليه مسلم أو نقول للعمالة شبهة الصدقة و انها من أوساخ الناس فيجب صيانة الهاشمي عن ذلك كرامة له و تعظيما للرسول صلى الله عليه و سلم و هذا المعنى لا يوجد في الغنى و قد فرغ نفسه لهذا العمل فيحتاج إلى الكفاية و الغني لا يمنع من تناولها عند الحاجة كابن السبيل انه يباح له و ان كان غنيا ملكا فكذا هذا و قوله ان الذي يعطى للعامل أجرة عمله ممنوع و قد بينا فساده و أما حديث على رضى الله عنه فلا حجة فيه لان فيه أنه فرض له و ليس فيه بيان المفروض انه من الصدقات أو من غيرها فيحتمل انه فرض له من بيت المال لانه كان قاضيا و الله أعلم و أما المؤلفة قلوبهم فقد قيل انهم كانوا قوما من رؤساء قريش و صناديد العرب مثل أبى سفيان بن حرب و صفوان بن أمية و الاقرع بن حابس و عينية بن حصن الغزارى و العباس بن مرادس السلمى و مالك بن عوف
(45)
النضري و حكيم بن حزام و غيرهم و لهم شوكة و قوة و اتباع كثيرة بعضهم أسلم حقيقة و بعضهم أسلم ظاهرا لا حقيقة و كان من المنافقين و بعضهم كان من المسالمين فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعطيهم من الصدقات تطييبا لقلوب المسلمين منهم و تقريرا لهم على الاسلام و تحريضا لاتباعهم على اتباعهم و تأليفا لمن لم يحسن اسلامه و قد حسن اسلام عامتهم الا من شاء الله تعالي لحسن معاملة النبي صلى الله عليه و سلم معهم و جميل سيرته حتى روى عن صفوان بن مية قال أعطانى رسول الله صلى الله عليه و سلم و انه لابغض الناس إلى فما زال يعطينى حتى انه لاحب الخلق إلى و اختلف في سهامهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عامة العلماء انه انتسخ سهمهم و ذهب و لم يعطوا شيأ بعد النبي صلى الله عليه و سلم و لا يعطى الآن لمثل حالهم و هو أحد قولى الشافعي و قال بعضهم و هو أحد قولى الشافعي رضى الله عنه ان حقهم بقي و قد أعطى من بقي من أولئك الذين أخذوا في عهد النبي صلى الله عليه و سلم و الآن يعطى لمن حدث اسلامه من الكفرة تطييبا لقلبه و تقريرا له على الاسلام و تعطى الرؤساء من أهل الحرب إذا كانت لهم غلبة يخاف على المسلين من شرهم لان المعنى الذي له كان يعطى النبي صلى الله عليه و سلم أولئك موجود في هؤلاء و الصحيح قول العامة لاجماع الصحابة على ذلك فان أبا بكر و عمر رضى الله عنهما ما أعطيا المؤلفة قلوبهم شيأ من الصدقات و لم ينكر عليهما أحد من الصحابة رضى الله عنهم فانه روى أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم جاؤا إلى أبى بكر و استبدلوا الخط منه لسهامهم فبدل لهم الخط ثم جاؤا إلى عمر رضى الله عنه و أخبروه بذلك فاخذ الخط من أيديهم و مزقه و قال ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعطيكم ليؤلفكم على الاسلام فاما اليوم فقد أعز الله دينه فان ثبتم على الاسلام و الا فليس بيننا و بينكم الا السيف فانصرفوا إلى أبى بكر فاخبروه بما صنع عمر رضى الله عنهما و قالوا أنت الخليفة أم هو فقال ان شاء الله هو و لم ينكر أبو بكر قوله و فعله و بلغ ذلك الصحابة فلم ينكروا فيكون إجماعا منهم على ذلك و لانه ثبت باتفاق الامة أن النبي صلى الله عليه و سلم انما كان يعطيهم ليتألفهم على الاسلام و لهذا سماهم الله المؤلفة قلوبهم و الاسلام يومئذ في ضعف و أهله في قلة و أولئك كثير ذو قوة و عدد و اليوم بحمد الله عز الاسلام و كثر أهله و اشتدت دعائمه و رسخ بنيانه و صار أهل الشرك اذلاء و الحكم متى ثبت معقولا بمعنى خاص ينتهى بذهاب ذلك المعنى و نظيره ما كان عاهد رسول الله صلى الله عليه و سلم كثيرا من المشركين لحاجته الي معاهدتهم و مداراتهم لقلة أهل الاسلام و ضعفهم فلما أعز الله الاسلام و كثر أهله امر رسوله صلى الله عليه و سلم ان يرد إلى أهل العهود عهودهم و ان يحارب المشركين جميعا بقوله عز و جل براءة من الله و رسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين إلى قوله فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجد توهم و أما قوله تعالى و فى الرقاب فقد قال بعض أهل التأويل معناه و فى عتق الرقاب و يجوز إعتاق الرقبة بنية الزكاة و هو قول مالك و قال عامة أهل التأويل الرقاب المكاتبون قوله تعالى و فى الرقاب أى و فى فك الرقاب و هو ان يعطى المكاتب شيأ من الصدقة يستعين به على كتابته لما روى أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال علمني عملا يدخلني الجنة فقال صلى الله عليه و سلم أعتق النسمة و فك الرقبة فقال الرجل أو ليسا سواء قال لا عتق النسمة ان تنفرد بعتقها و فك الرقبة ان تعين في عتقها و انما جاز دفع الزكاة الي المكاتب ليؤدى بدل كتابته فيعتق و لا يجوز ابتداء الاعتاق بنية الزكاة لوجهين أحدهما ما ذكرنا ان الواجب إيتاء الزكاة و الايتاء هو التمليك و الدفع إلى المكاتب تمليك فاما الاعتاق فليس بتمليك و الثاني ما أشار اليه سعيد بن جبير فقال لا يعتق من الزكاة مخافة جر الولاء و معنى هذا الكلام ان الاعتاق يوجب الولاء للمعتق فكان حقه فيه باقيا و لم ينقطع من كل وجه فلا يتحقق الاخلاص فلا يكون عبادة و الزكاة عبادة فلا تتأدى بما ليس بعبادة فاما الذي يدفع إلى المكاتب فينقطع عنه حق المؤدى من كل وجه و لا يرجع اليه بذلك نفع فيتحقق الاخلاص و اما قوله تعالى و الغارمين قيل الغارم الذي عليه الدين أكثر من المال الذي في يده أو مثله أو أقل منه لكن ما وراءه ليس بنصاب و أما قوله تعالى و فى سبيل الله عبارة عن جميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله و سبيل الخيرات إذا كان محتاجا و قال
(46)
أبو يوسف المراد منه فقراء الغزاة لان سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع يراد به ذلك و قال محمد المراد منه الحاج المنقطع لما روى أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل الله فامره النبي صلى الله عليه و سلم ان يحمل عليه الحاج و قال الشافعي يجوز دفع الزكاة إلى الغازي و ان كان غنيا و أما عندنا فلا يجوز الا عند اعتبار حدوث الحاجة و احتج بما روى عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا تحل الصدقة لغنى الا في سبيل الله أو ابن السبيل أو رجل له جار مسكين تصدق عليه فأعطاها له و عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا تحل الصدقة الا لخمس العامل عليها و رجل اشتراها و غارم و غاز في سبيل الله و فقير تصدق عليه فاهداها إلى غنى نفى حل الصدقة للاغنياء و استثنى الغازي منهم و الاستثناء من النفي إثبات فيقتضى حل الصدقة للغازي الغنى و لنا قول النبي صلى الله عليه و سلم لا تحل الصدقة لغنى و قوله صلى الله عليه و سلم أمرت ان آخذ الصدقة من اغنيائكم واردها في فقرائكم جعل الناس قسمين قسما يؤخذ منهم و قسما يصرف إليهم فلو جاز صرف الصدقة الي الغنى لبطلت القسمة و هذا لا يجوز و أما استثناء الغازي فمحمول على حال حدوث الحاجة و سماه غنيا على اعتبار ما كان قبل حدوث الحاجة و هو ان يكون غنيا ثم تحدث له الحاجة بان كان له دار يسكنها و متاع يمتهنه و ثياب يلبسها و له مع ذلك فضل مائتي درهم حتى لا تحل له الصدقة ثم يعزم على الخروج في سفر غزو فيحتاج إلى آلات سفره و سلاح يستعمله في غزوه و مركب بغزو عليه و خادم يستعين بخدمته على ما لم يكن محتاجا اليه في حال أقامته فيجوز ان يعطى من الصدقات ما يستعين به في حاجته التي تحدث له في سفره و هو في مقامه غنى بما يملكه لانه محتاج في حال أقامته فيحتاج في حال سفره فيحمل قوله لا تحل الصدقة لغنى الا لغاز في سبيل الله على من كان غنيا في حال مقامه فيعطى بعض ما يحتاج اليه لسفره لما أحدث السفر له من الحاجة الا انه يعطى حين يعطى و هو غنى و كذا تسمية الغارم غنيا في الحديث على اعتبار ما كان قبل حلول الغرم به و قد حدثت له الحاجة بسبب الغرم و هذا ألان الغنى اسم لمن يستغنى عما يملكه و انما كان كذلك قبل حدوث الحاجة فاما بعده فلا و أما قوله تعالى و ابن السبيل فهو الغريب المنقطع عن ماله و ان كان غنيا في وطنه لانه فقير في الحال و قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال لا تحل الصدقة لغنى الا في سبيل الله أو ابن السبيل الحديث و لو صرف إلى واحد من هؤلاء الاصناف يجوز عند أصحابنا و عند الشافعي لا يجوز الا ان يصرف إلى ثلاثة من كل صنف و احتج بقوله تعالى انما الصدقات للفقراء و المساكين إلى آخر الاصناف أخبر الله تعالى ان الصدقات للاصناف المذكورين في الآية على الشركة فيجب إيصال كل صدقة إلى كل صنف الا ان الاستيعاب ممكن فيصرف إلى ثلاثة من كل صنف اذ الثلاثة أدنى الجمع الصحيح و لنا السنة المشهورة و إجماع الصحابة و عمل الائمة إلى يومنا هذا و الاستدلال أما السنة فقول النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن فان أجابوك لذلك فاعلمهم ان الله تعالى فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم و ترد في فقرائهم و لم يذكر الاصناف الاخر و عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه انه قال بعث على رضى الله عنه و هو باليمن إلى النبي صلى الله عليه و سلم مذهبة في ترابها فقسمها النبي صلى الله عليه و سلم بين الاقرع بن حابس و بين زيد الخليل و بين عيينة بن حصن و علقمة بن علاثة فغضبت قريش و الانصار و قالوا تعطى صناديد أهل نجد فقال النبي صلى الله عليه و سلم انما أتألفهم و لو كان كل صدقة مقسومة على الثمانية بطريق الاستحقاق لما دفع النبي صلى الله عليه و سلم المذهبة إلى المؤلفة قلوبهم دون غيرهم و أما إجماع الصحابة فانه روى عن عمر رضى الله عنه انه كان إذا جمع صدقات المواشي من البقر و الغنم نظر منها ما كان منيحة اللبن فيعطيها لاهل بيت واحد على قدر ما يكفيهم و كان يعطى العشرة للبيت الواحد ثم يقول عطية تكفى خير من عطية لا تكفى أو كلام نحو هذا و روى عن على رضى الله عنه انه أتى بصدقة فبعثها إلى أهل بيت واحد و عن حذيفة رضى الله عنه انه قال هؤلاء أهلها ففى أى صنف وضعتها أجزأك و كذا روى عن ابن عباس رضى الله عنه انه قال كذلك و أما عمل الائمة فانه لم يذكر عن أحد من الائمة انه تكلف طلب هؤلاء الاصناف فقسمها بينهم مع ما انه لو تكلف الامام أن يظفر بهؤلاء الثمانية ما قدر على
(47)
ذلك و كذلك لم يذكر عن أحذ من أرباب الاموال انه فرق صدقة واحدة على هؤلاء و لو كان الواجب هو القسمة على السوية بينهم لا يحتمل أن يقسموها كذلك و يضيعوا حقوقهم و أما الاستدلال فهو ان الله تعالى أمر بصرف الصدقات إلى هؤلاء بأسامي منبئة عن الحاجة فعلم انه انما أمر بالصرف إليهم لدفع حاجتهم و الحاجة في الكل واحدة و ان اختلفت الاسامى و أما الآية ففيها بيان مواضع الصدقات و مصارفها و مستحقيها لان اللام للاختصاص و هو انهم المختصون بهذا الحق دون غيرهم لا للتسوية لغة و انما الصيغة للشركة و التسوية لغة حرف بين ألا ترى انه إذا قيل الخلافة لبني العباس و السدانة لبني عبد الدار و السقاية لبني هاشم يراد به انهم المختصون بذلك لا حق فيها لغيرهم لانها بينهم بالحصص بالسوية و لو قيل الخلافة بين بني العباس و السدانة بين بني عبد الدار و السقاية بين بني هاشم كان خطأ و لهذا قال أصحابنا فيمن قال مالى لفلان و للموتى انه كله لفلان و لو قال مالى بين فلان و بين الموتى كان لفلان نصفه و لو كان الامر على ما قاله الشافعي ان الصدقة تقسم بين الاصناف الثمانية على السوية لقال انما الصدقات بين الفقراء الآية فان قيل أ ليس أن من قال ثلث مالى لفلان و فلان انه يقسم بينهما بالسوية كما إذا قال ثلث مالى بين فلان و فلان و الجواب ان الاشتراك هنا ليس موجب الصيغة اذ الصيغة لا توجب الاشتراك و التسوية بينهما بل موجب الصيغة ما قلنا الا ان في باب الوصية لما جعل الثلث حقا لهما دون غيرهما و هو شيء معلوم لا يزيد بعد الموت و لا يتوهم له عدد و ليس أحدهما بأولى من الآخر فقسم بينهما على السوآء نظرا لهما جميعا فاما الصدقات فليست بأموال متعينة لا تحتمل الزيادة و المدد حتى يحرم البعض بصرفها إلى البعض بل يردف بعضها بعضا و إذا فنى مال يجئ مال آخر و إذا مضت سنة تجئ سنة أخرى بمال جديد و لا انقطاع للصدقات إلى يوم القيامة فإذا صرف الامام صدقة يأخذها من قوم إلى صنف منهم لم يثبت الحرمان للباقين بل يحمل اليه صدقة اخرى فيصرف إلى فريق آخر فلا ضرورة إلى الشركة و التسوية في كل مال يحمل إلى الامام من الصدقات و الله أعلم و كما لا يجوز صرف الزكاة إلى الغنى لا يجوز صرف جميع الصدقات المفروضة و الواجبة اليه كالعشور و الكفارات و النذور و صدقة الفطر لعموم قوله تعالى انما الصدقات للفقراء و قول النبي صلى الله عليه و سلم لا تحل الصدقة لغنى و لان الصدقة مال تمكن فيه الخبث لكونه غسالة الناس لحصول الطهارة لهم به من الذنوب و لا يجوز الانتفاع بالخبيث الا عند الحاجة و الحاجة للفقير لا للغنى و أما صدقة التطوع فيجوز صرفها إلى الغنى لانها تجري مجرى الهبة و لا يجوز الصرف إلى عبد الغنى و مدبره وأم ولده لان الملك في المدفوع نفع لمولاه و هو غنى فكان دفعا إلى الغنى هذا إذا كان العبد محجورا أو كان مأذونا لكنه لم يكن عليه دين مستغرق لرقبته لان كسبه ملك الولى فالدفع يقع الي المولى و هو غنى فلا يجوز ذلك و ان كان عليه دين مستغرق لكنه ظاهر في حق المولى لانه يتأخر إلى ما بعد العتاق فكان كسبه ملك المولى و هو غنى و أما إذا كان ظاهرا في حق المولي كدين الاستهلاك و دين التجارة فينبغي أن يجوز على قول أبى حنيفة لان المولى لا يملك كسب عبده المأذون و المديون دينا مستغرقا ظاهرا في حقه و عندهما لا يجوز لانه يملك كسبه عندهما و يجوز الدفع إلى مكاتب الغنى لان كسب المالك المكاتب ملكه من حيث الظاهر و انما يملكه المولى بالعجز و لم يوجد و أما ولد الغنى فان كان صغيرا لم يجز الدفع اليه و ان كان فقيرا لا مال له لان الولد الصغير يعد غنيا بغنا أبيه و ان كان كبيرا فقيرا يجوز لانه لا يعد غنيا بمال أبيه فكان كالأَجنبي و لو دفع إلى إمرأة فقيرة و زوجها غنى جاز في قول أبى حنيفة و محمد و هو احدى الروايتين عن أبى يوسف و روى عنه انها لا تعطى إذا قضى لها بالنفقة وجه هذه الرواية ان نفقة المرأة تجب على زوجها فتصير غنية بغنا الزوج كالولد الصغير و انما شرط القضاء لها بالنفقة لان النفقة لا تصير دينا بدون القضاء وجه ظاهر الرواية ان المرأة الفقيرة لا تعد غنية بغنا زوجها لانها لا تستحق على زوجها الا مقدار النفقة فلا تعد بذلك القدر غنية و كذا يجوز الدفع إلى فقير له ابن غنى و ان كان يجب عليه نفقته لما قلنا ان تقدر النفقة لا يصير غنيا فيجوز الدفع اليه و أما صدقة الوقف فيجوز صرفها إلى الاغنياء ان سماهم الواقف في الوقف ذكره الكرخي في مختصره و ان لم يسمهم لا يجوز لانها صدقة واجبة ثم لابد من معرفة حد الغنا فنقول الغنا أنواع
(48)
ثلاثة غنى تجب به الزكاة و غنى يحرم به أخذ الصدقة و قبولها و لا تجب به الزكاة و غنى يحرم به السوأل و لا يحرم به الاخذ أما الغنا الذي تجب به الزكاة فهو ان يملك نصابا من المال النامي الفاضل عن الحاجة الاصلية و أما الغنا الذي يحرم به أخذ الصدقة و قبولها فهو الذي تجب به صدقة الفطر و الاضحية و هو ان يملك من الاموال التي لا تجب فيها الزكاة ما يفضل عن حاجته و تبلغ قيمة الفاضل مائتي درهم من الثياب و الفرش و الدور و الحوانيت و الدواب و الخدم زيادة على ما يحتاج اليه كل ذلك للابتذال و الاستعمال لا للتجارة و الاسامة فإذا فضل من ذلك ما يبلغ قيمته مائتي درهم وجب عليه صدقة الفطر و الاضحية و حرم عليه أخذ الصدقة ثم قدر الحاجة ما ذكره الكرخي في مختصره فقال لا بأس بأن يعطى من الزكاة من له مسكن و ما يتأثث به في منزله و خادم و فرس و سلاح و ثياب البدن و كتب العلم ان كان من أهله فان كان له فضل عن ذلك ما يبلغ قيمته مائتي درهم حرم عليه أخذ الصدقة لما روى عن الحسن البصري انه قال كانوا يعطون الزكاة لمن يملك عشرة آلاف درهم من الفرس و السلاح و الخادم و الدار و قوله كانوا كناية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و هذا لان هذه الاشياء من الحوائج اللازمة التي لابد للانسان منها فكان وجودها و عدمها سواء و ذكر في الفتاوى فيمن له حوانيت و دور الغلة لكن غلتها لا تكفيه و لعياله انه فقير و يحل له أخذ الصدقة عند محمد و زفر و عند أبى يوسف لا يحل و على هذا إذا كان له أرض و كرم لكن غلته لا تكفيه و لعياله و لو كان عنده طعام للقوت يساوى مائتي درهم فان كان كفاية شهر تحل له الصدقة و ان كان كفاية سنة قال بعضهم لا تحل و قال بعضهم تحل لان ذلك مستحق الصرف إلى الكفاية و المستحق ملحق بالعدم و قد روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم ادخر لنسائه قوت سنة و لو كان له كسوة شتاء و هو لا يحتاج إليها في الصيف يحل له أخذ الصدقة ذكر هذه الجملة في الفتاوى و هذا قول أصحابنا و قال مالك من ملك خمسين درهما لا يحل له أخذ الصدقة و لا يباح أن يعطى و احتج بما روى عن على و عبد الله بن مسعود و سعد بن أبى وقاص رضى الله عنهم انهم قالوا لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما أو عوضها من الذهب و هذا نص في الباب و لنا حديث معاذ حيث قال له النبي صلى الله عليه و سلم خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم قسم الناس قسمين الاغنياء و الفقراء فجعل الاغنياء يؤخذ منهم و الفقراء يرد فيهم فكل من لم يؤخذ منه يكون مردودا فيه و ما رواه مالك محمول على حرمة السوأل معناه لا يحل سؤال الصدقة لمن له خمسون درهما أو عوضها من الذهب أو يحمل ذلك على كراهة الاخذ لان من له سداد من العيش فالتعفف أولى لقول النبي صلى الله عليه و سلم من استغنى أغناه الله و من استعف أعفه الله و قال الشافعي يجوز دفع الزكاة إلى رجل له مال كثير و لا كسب له و هو يخاف الحاجة و يجوز له الاخذ و هذا فاسد لان هذا دفع الزكاة إلى الغنى و لا سبيل اليه لما بينا و خوف حدوث الحاجة في الثاني لا يجعله فقيرا في الحال ألا تر انه لا يعتبر ذلك في سقوط الوجوب حتى تجب عليه الزكاة فكذا في جواز الاخذ و لو كان الفقير قويا مكتسبا يحل له أخذ الصدقة عندنا و عند الشافعي لا يحل و احتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم لا تحل الصدقة لغنى و لا لذى مرة سوى و فى بعض الروايات و لا لقوى مكتسب و لنا ما روى عن سلمان الفارسي انه قال حمل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقة فقال لاصحابه كلوا و لم يأكل و معلوم انه لا يتوهم ان أصحابه رضى الله عنهم كانوا كلهم زمنى بل كان بعضهم قويا مكتسبا و ما رواه الشافعي محمول على حرمة الطلب و السؤال فان ذلك للزجر عن المسألة و الحمل على الكسب و الدليل عليه ما روى ان النبي صلى الله عليه و سلم قال للرجلين اللذين سألاه ان شئتما أعطيتكما منه و لا حق فيها لغنى و لا لقوى مكتسب و لو كان حراما لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم ليعطيهما الحرام و لكن قال ذلك للزجر عن السوأل و الحمل على الكسب كذا هذا و يكره لمن عليه الزكاة ان يعطى فقيرا مائتي درهم أو أكثر و لو أعطى جاز و سقط عنه الزكاة في قول أصحابنا الثلاثة و عند زفر لا يجوز و لا يسقط وجه قوله ان هذا نصاب كامل فيصير غنيا بهذا المال و لا يجوز الصرف إلى الغنى و لنا انه انما يصير غنيا بعد ثبوت الملك له فاما قبله فقد كان فقيرا فالصدقة لاقت كف الفقير فجازت و هذا لان الغنا يثبت بالملك و القبض شرط ثبوت الملك فيقبض ثم يملك المقبوض ثم يصير غنيا الا ترى انه يكره لان المنتفع به