فيتقدر بقدر الحل وحل الامة أنقص من حل الحرة لان الرق ينقص الحل لان الحل نعمة
لكونه وسيلة إلى النعمة و هي مقاصد النكاح و الوسيلة إلى النعمة نعمة و للرق أثر في
نقصان النعمة و لهذا أثر في نقصان المالكية حتى يملك الحر التزوج بأربع نسوة و
العبد لا يملك التزوج الا بامرأتين و لما الحديثان فقد قيل انهما غريبان ثم انهما
من الآحاد و لا يجوز تقييد مطلق الكتاب العزيز بخبر الواحد و لا معارضة الخبر
المشهور به ثم نقول لا حجة فيهما أما الاول فلان قوله الطلاق بالرجال إلصاق الاسم
بالاسم فيقتضى ملصقا محذوفا و الملصق المحذوف يحتمل ان يكون هو الايقاع و يحتمل أن
يكون هو الاعتبار فلا يكون حجة مع الاحتمال و قوله الايقاع لا يشكل ممنوع بل قد
يشكل و بيان الاشكال من وجهين أحدهما ان النكاح مشترك بين الزوجين في الانعقاد و
الاصل في كل عقد كان انعقاده بعاقدين ان يكون ارتفاعه بهما أيضا كالبيع و الاجارة و
نحوهما و الثاني انه مشترك بينهما في الاحكام و المقاصد فيشكل ان يكون الايقاع بهما
على الشركة فحل الاشكال بقوله الطلاق بالرجال و أما الثاني ففيه ان العبد يطلق
ثنتين و هذا لا ينفى الثالثة كما يقال فلان يملك درهمين و قوله صلى الله عليه و سلم
طلاق الامة ثنتان اضافة إلى الطلاق إلى الامة و الاضافة للاختصاص فيقتضى أن يكون
الطلاق المختص بالامة ثنتان و لو ملك الثالثة عليها لبطل الاختصاص و مثاله قول
القائل مال فلان درهمان انه ينفى الزيادة لما قلنا كذا هذا و قد خرج الجواب عن قوله
ان الحل في جانبها ليس بنعمة لانا بينا انه نعمة في حقها أيضا لكونه وسيلة إلى
النعمة و الملك في باب النكاح ليس بمقصود بل هو وسيلة إلى المقاصد التي هى نعم و
الوسيلة إلى النعمة نعمة و الله تعالى أعلم ( فصل )و أما بيان ركن الطلاق فركن
الطلاق هو اللفظ الذي جعل دلالة على معنى الطلاق لغة و هو التخلية و الارسال و رفع
القيد في الصريح و قطع الوصلة و نحوه في الكناية أو شرعا و هو ازالة حل المحلية في
النوعين أو ما يقوم مقام اللفظ أما اللفظ فمثل ان يقول في الكناية أنت بائن أو
ابنتك أو يقول في الصريح أنت طالق أو طلقتك و ما يجرى هذا المجرى الا ان التطليق و
الطلاق في العرف يستعملان في المرأة خاصة و الاطلاق يستعمل في غيرها يقال في المرأة
طلق يطلق تطليقا و طلاقا في البعير و الاسير و نحوهما يقال أطلق يطلق إطلاقا و ان
كان المعنى في اللفظين لا يختلف في اللغة و مثل هذا جائز كما يقال حصان و حصان و
عديل و عدل فالحصان بفتح الحاء يستعمل في المرأة بالخفض يستعمل في الفرس و ان كانا
يدلان على معنى واحد لغة و هو المنع و العديل يستعمل في الآدمى و العدل فيما سواه و
ان كانا موجودين في المعادلة في اللغة كذا هذا و لهذا قالوا ان من قال لامرأته أنت
مطلقة مخففا يرجع إلى نيته لان الاطلاق في العرف يستعمل في إثبات الانطلاق عن الحبس
و القيد الحقيقي فلا يحمل على القيد الحكمي الا بالنية و يستوى في الركن ذكر
التطليقة و بعضها حتى لو قال لها أنت طالق بعض تطليقة أو ربع تطليقة أو ثلت تطليقة
أو نصف تطليقة أو جزأ من ألف جزء من تطليقه يقع تطليقة كاملة و هذا على قول عامة
العلماء و قال ربيعة الرأي لا يقع عليها شيء لان نصف تطليقة لا يكون تطليقة حقيقة
بل هو بعض تطليقة و بعض الشيء ليس عين ذلك الشيء ان لم يكن له غيره ( و لنا )أن
الطلاق لا يتبعض و ذكر البعض فيما لا يتبعض ذكر لكله كالعفو عن بعض القصاص انه يكون
عفوا عن الكل و لو قال أنت طالق طلقة واحدة و نصف أو واحدة و ثلث طلقت اثنتين لان
البعض من تطليقة تطليقة كاملة فصار كانه قال أنت طالق اثنتين بخلاف ما إذا قال أنت
طالق واحدة و نصفها أو ثلثها انه لا يقع الا واحدة لان هناك أضاف النصف إلى الواحدة
الواقعة و الواقع لا يتصور وقوعه ثانيا وهنا ذكر نصفا منكرا مضاف إلى واقع فيكون
إيقاع تطليقة أخرى و لو قال أنت طالق سدس تطليقة أو ثلث تطليقة أو نصف تطلقة أو
ثلثي تطليقة فهو ثلاث لما ذكرنا ان كل جزء من التطليقة تطليقة كاملة هذا إذا كانت
مدخولا بها فان كانت مدخول بها فلا تقع الا واحدة لانها بانت بالاولى كما إذا قال
أنت طالق و طالق و طالق و لو قال أنت طالق سدس تطليقة و ثلثها و نصفها بعد أن لا
يتجاوز العدد عن واحد فلو جمع ذلك فهو تطليقة واحدة و لو تجاوز بان قال أنت طالق
سدس تطليقة و ربعها
فصل وأما شرائط الركن فأنواع
و ثلثها و نصفها لم يذكر هذا في ظاهر الرواية و اختلفالمشايخ فيه قال بعضهم يقع تطليقتان و قال بعضهم يقع تطليقة واحدة و لو قال أنت
طالق ثلاثة إنصاف تطليقتين فهي ثلاث لان نصف التطليقتين تطليقة فثلاثة إنصاف
تطليقتين ثلاثة أمثال تطليقة فصار كانه قال أنت طالق ثلاث تطليقات و لو كان أربع
نسوة فقال بينكن تطليقة طلقت كل واحدة واحدة لان الطلقة الواحدة إذا قسمت على أربع
أصاب كل واحدة ربعها و ربع تطليقة تطليقة كاملة و كذلك إذا قال بينكن تطليقتان أو
ثلاث أو أن أن بع لان التطليقتين إذا انقسمتا بين الاربع يصيب كل واحدة نصف تطليقة
و نصف التطليقة تطليقة فان قيل لم لا يقسم كل تطليقة بحيالها على الاربع فيلزم
تطليقتان فالجواب انه ما فعل هكذا بل جعل التطليقتين جميعا بين الاربع لان الجنس
واحد لا يتفاوت و القسمة في الجنس الواحد الذي لا يتفاوت يقع على جملته و انما يقسم
الا آحاد إذا كان الشيء متفاوتا فان نوى الزوج ان يكون كل تطليقة على حيالها بينهن
يكون على ما نوى و يقع على كل واحدة منهن تطليقتان لانه نوى ما يحتمله كلامه و هو
متهم فيه لانه شدد على نفسه فيصدق و لو قال بينكن خمس تطليقات فكل واحدة طالق
اثنتين لان الخمس إذا قسمت على الاربع أصاب كل واحدة تطليقة و ربع تطليقة و ربع
تطليقة تطليقة كاملة فيكون تطليقتين و على هذا ما زاد على خمسة إلى ثمانية فان قال
بينكن تسع تطليقات وقعت عل كل واحدة ثلاث تطليقات لان التسع إذا قسمت على أربع أصاب
كل واحدة منهن تطليقتان و ربع تطليقة و ربع تطليقة تطليقة كاملة فيقع على كل واحدة
ثلاثة و على هذا قالوا لو قال اشركت بينكن في تطليقتين أو في ثلاث أو أربع أو خمس
أو ست أو سبع أو ثمان أو تسع ان هذا و قوله بينكن سواء لان لفظة البين تنبئ عن
الشركة فقوله بينكن كذا معناه أشركت بينكن كذا بخلاف ما إذا طلق إمرأة له تطليقتين
ثم قال لاخرى قد اشتركتك في طلاقها انه يقع عليها تطليقتان لان قوله أشركتك في
طلاقها إثبات الشركة في الواقع و لا تثبت الشركة في الواقع الا بثبوت الشركة في كل
واحد منهما لانه لا يمكن رفع التطليقة الواقعة عنها و إيقاعها على الاخرى فلزمت
الشركة في كل واحدة من التطليقتين على الانفراد و هذا يوجب وقوع تطليقتين على
الاخرى و سواء كان مباشرة الركن من الزوج بطريق الاصالة أو من غيره بطريق النيابة
عنه بالوكالة و الرسالة لان الطلاق مما تجري فيه النيابة فكان فعل النائب كفعل
المنوب عنه و أما الذي يقوم مقام اللفظ فالكتابة و الاشارة على ما نذكر ان شاء الله
تعالى ( فصل )و أما شرائط الركن فانواع بعضها يرجع إلى الزوج و بعضها يرجع إلى
المرأة و بعضها يرجع إلى نفس الركن و بعضها يرجع إلى الوقت أما الذي يرجع إلى الزوج
فمنها أن يكون عاقلا حقيقة أو تقديرا فلا يقع طلاق المجنون و الصبي الذي لا يعقل
لان العقل شرط أهلية التصرف لان به يعرف كون التصرف مصلحة و هذه التصرفات ما شرعت
الا لمصالح العباد و اما السكران إذا طلق إمرأته فان كان سكره بسبب محظور بان شرب
الخمر أو النبيذ طوعا حتى سكر و زال عقله فطلاقه واقع عند عامة العلماء و عامة
الصحابة رضى الله عنهم و عن عثمان رضى الله عنه انه لا يقع طلاقه و به أخذ الطحاوي
و الكرخي و هو أحد قول الشافعي وجه قولهم ان عقله زائل و العقل من شرائط أهلية
التصرف لما ذكرنا و لهذا لا يقع طلاق المجنون و الصبي الذي لا يعقل و الذى زال عقله
بالبنج و الدواء كذا هذا و الدليل عليه انه لا تصح ردته فلان لا يصح طلاقه أولى ( و
لنا )عموم قوله عز و جل الطلاق مرتان إلى قوله سبحانه و تعالى فان طلقها فلا تحل
له من بعد حتى تنكح زوجا غيره من فصل بين السكران و غيره الا من خص بدليل و قوله
عليه الصلاة و السلام كل طلاق جائز الا طلاق الصبي و المعتوه و لان عقله زال بسبب
هو معصية فينزل قائما عقوبة عليه و زجرا له عن ارتكاب المعصية و لهذا لو قذف إنسانا
أو قتل يجب عليه الحد و القصاص و انهما لا يجبان على العاقل دل ان عقله جعل قائما و
قد يعطى للزائل حقيقة حكم القائم تقديرا إذا زال بسبب هو معصية للزجر و الردع كمن
قتل مورثه انه يحرم الميراث و يجعل المورث حيا زجرا للقاتل و عقوبة عليه بخلاف ما
إذا زال بالبنج و الدواء لانه ما زال بسبب هو معصية الا انه لا تصح ردة السكران
استحسانا نظرا له لان بقاء العقل تقديرا بعد زواله حقيقة للزجر و انما تقع الحاجة
إلى
وجودها لانعدام الداعي إليها فلا حاجة إلى استبقاء عقله فيها للزجر و لان جهة زوال
العقل حقيقة يقتضى بقاء الاسلام وجهة بقائه تقديرا يقتضى زوال الاسلام فيرجح جانب
البقاء لان الاسلام يعلو و لا يعلى عليه و لهذا يحكم بإسلام الكافر إذا أكره على
الاسلام و لا يحكم بكفر المسلم إذا أكره على اجراء كلمة الكفر فاجرى و أخبر ان قلبه
كان مطمئنا بالايمان كذا هذا و ان كان سكره بسبب مباح لكن حصل له به لذة بان شرب
الخمر مكرها حتى سكر أو شربها عند ضرورة العطش فسكر قالوا ان طلاقه واقع أيضا لانه
و ان زال عقله فانما حصل زوال عقله بلذة فيجعل قائما و يلحق الاكراه و الاضطرار
بالعدم كانه شرب طائعا حتى سكر و ذكر محمد رحمه الله تعالى فيمن شرب النبيذ و لم
يزل عقله و لكن صدع فزال عقله بالصداع انه لا يقع طلاقه لانه ما زال عقله بمعصية و
لا بلذة فكان زائلا حقيقة و تقديرا و كذلك إذا شرب البنج أو الدواء الذي يسكر و زال
عقله لا يقع طلاقه لما قلنا و منها ان لا يكون معتوها و لا مدهوشا و لا مبرسما و لا
مغمى عليه و لا نائما فلا يقع طلاق هؤلاء لما قلنا في المجنون و قد روى عن النبي
صلى الله عليه و سلم انه قال كل طلاق جائز الا طلاق الصبي و المعتوه و منها أن يكون
بالغا فلا يقع طلاق الصبي و ان كان عاقلا لان الطلاق لم يشرع الا عند خروج النكاح
من أن يكون مصلحة و انما يعرف ذلك بالتأمل و الصبي لاشتغاله باللهو و اللعب لا
يتأمل فلا يعرف و أما كون الزوج طائعا فليس بشرط عند أصحابنا و عند الشافعي شرط حتى
يقع طلاق المكره عندنا و عنده لا يقع و نذكر المسألة في كتاب الاكراه ان شاء الله
تعالى و ذكر محمد باسناده ان إمرأة اعتقلت زوجها و جلست على صدره و معها شفرة
فوضعتها على حلقه و قالت لتطلقنى ثلاثا أو لانفذنها فناشدها الله ان لا تفعل فابت
فطلقها ثلاثا ذكر لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لا قيلولة في الطلاق و كذا
كونه جادا ليس بشرط فيقع طلاق الهازل بالطلاق و اللاعب لما روى عن رسول الله صلى
الله عليه و سلم انه قال ثلاث جدهن جد و هزلهن جد النكاح و الطلاق و العتاق و روى
النكاح و الطلاق و الرجعة و عن أبى الدرداء رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله
عليه و سلم انه قال من لعب بطلاق أو عتاق لزمه و قيل فيه نزل قوله سبحانه و تعالى و
لا تتخذوا آيات الله هزوا و كان الرجل في الجاهلية يطلق إمرأته ثم يراجع فيقول كنت
لاعبا و يعتق عبده ثم يرجع فيقول كنت لاعبا فنزلت الآية فقال صلى الله عليه و سلم
من طلق أو حرر أو نكح فقال انى كنت لاعبا فهو جائز منه و كذا التكلم بالطلاق ليس
بشرط فيقع الطلاق بالكتابة المستبينة بالاشارة المفهومة من الاخرس لان الكتابة
المستبينة تقوم مقام اللفظ و الاشارة المفهومة تقوم مقام العبارة و كذا الخلو عن
شرط الخيار ليس بشرط فيقع طلاق شارط الخيار في باب الطلاق بغير عوض لان شرط الخيار
للتمكن من الفسخ عند الحاجة و الذى من جانب الزوج و هو الطلاق لا يحتمل الفسخ لقوله
صلى الله عليه و سلم لا قيلولة في الطلاق و أما الخلو عن شرط الخيار للمرأة في
الطلاق بعوض فشرط لان الذي من جانبها المال فكان من جانبها معاوضة المال و انها
محتملة للفسخ فصح شرط الخيار فيها فيمنع انعقاد السبب كالبيع حتى انها لو ردت بحكم
الخيار بطل العقد و لا يقع الطلاق و كذا صحة الزوج ليس بشرط و كذا اسلامه فيقع طلاق
المريض و الكافر لان المرض و الكفر لا ينافيان أهلية الطلاق و كذا كونها عامدا ليس
بشرط حتى يقع طلاق الخاطئ و هو الذي يريد أن يريد أن يتكلم بغير الطلاق فسبق لسانه
بالطلاق لان الفائت بالخطأ ليس الا القصد و انه ليس بشرط لوقوع الطلاق كالهازل و
اللاعب بالطلاق و كذلك العتاق لما قلنا في الطلاق و ذكر الكرخي ان في العتاق
روايتين فان هشاما روى عن محمد عن أبى حنيفة ان من أراد أن يقول لامرأته اسقينى ماء
فقال لها أنت طالق وقع و لو أراد ذلك في العبد فقال أنت حر لم يقع و روى بشر بن
الوليد الكندي عن ابي يوسف عن أبي حنيفة انهما يتساويان و هو الصحيح لما ذكرنا (
وجه )رواية هشام ان ملك البضع ثبت بسبب يتساوى فيه القصد و عدم القصد و هو النكاح
فعلى ذلك زواله بخلاف ملك العبد فانه يثبت بسبب مختلف فيه القصد و عدم القصد و هو
البيع و نحو ذلك فكذلك زواله و هذا ليس بسديد لانه
(101)
فصل في النية في أحد نوعى الطلاق
قد يشرط لثبوت الحكم من الشرائط ما لا يشرط لزواله فكانالاستدلال بالثبوت على الزوال استدلالا فاسدا ( فصل )و منها النية في أحد نوعى
الطلاق و هو الكناية و جملة الكلام في هذا الشرط في موضعين أحدهما في بيان الالفاظ
التي يقع بها الطلاق في الشرع و الثاني في بيان صفة الواقع بها اما الاول فالأَلفاظ
التي يقع بها الطلاق في الشرع نوعان صريح و كناية اما الصريح فهو اللفظ الذي لا
يستعمل الا في حل قيد النكاح و هو لفظ الطلاق أو التطليق مثل قوله أنت طالق أو أنت
الطلاق أو طلقتك أو أنت مطلقة مشددا سمى هذا النوع صريحا لان الصريح في اللغة اسم
لما هو ظاهر المراد مكشوف المعنى عند السامع من قولهم صرح فلان بالامر أي كشفه و
أوضحه و سمى البناء المشرف صرحا لظهوره على سائر الابنية و هذه الالفاظ ظاهرة
المراد لانها لا تستعمل الا في الطلاق عن قيد النكاح فلا يحتاج فيها إلى النية
لوقوع الطلاق اذ النية عملها في تعيين المبهم و لا ابهام فيها و قال الله تعالى
قطلقوهن لعدتهن شرع الطلاق من شرط النية و قال سبحانه و تعالى الطلاق مرتان مطلقا و
قال سبحانه و تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره حكم سبحانه و
تعالى بزوال الحل مطلقا عن شرط النية و روينا ان عبد الله بن عمر رضى الله عنهما
لما طلق إمرأته في حال الحيض أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم ان يراجعها و لم
يسأله هل نوى الطلاق أو لم ينو و لو كانت النية شرطا لسأله و لا مراجعة الا بعد
وقوع الطلاق فدل على وقوع الطلاق من نية و لو قال لها أنت طالق ثم قال أردت انها
طالق من وثاق لم يصدق في انقضاء لما ذكرنا ان ظاهر هذا الكلام الطلاق عن قيد النكاح
فلا يصدقه القاضي في صرف الكلام عن ظاهره و كذا لا يسع للمرأة ان تصدقه لانه خلاف
الظاهر و يصدق فيما بينه و بين الله تعالى لانه نوى ما يحتمله كلامه في الجملة و
الله تعالى مطلع على قلبه و لو قال أنت طالق و قال أردت انها طالق من العمل لم يصدق
في القضاء و لا فيما بينه و بين الله تعالى لان هذا اللفظ لا يستعمل في الطلاق عن
العمل فقد نوى ما لا يحتمله لفظه أصلا فلا يصدق أصلا و روى الحسن عن أبي حنيفة فيمن
قال أنت طالق و قال نويت الطلاق من عمل أو قيد يدين فيما بينه و بين الله تعالى
لانها مطلقة من هذين الامرين حقيقة فقد نوى ما يحتمله حقيقة كلامه فجاز أن يصدق فيه
و لو صرح فقال أنت طالق من وثاق لم يقع في القضاء لان المرأة قد توصف بأنها طالق من
وثاق و ان لم يكن مستعملا فإذا صرح به يحمل عليه و ان صرح فقال أنت طالق من هذا
العمل وقع الطلاق في القضاء لان هذا اللفظ لا يستعمل في الطلاق عن العمل لا حقيقة و
لا مجازا و لا يقع فيما بينه و بين الله تعالى لانه يحتمله في الجملة و ان كان خلاف
الظاهر و على قياس رواية الحسن ينبغي أن لا يقع أيضا في القضاء و لو قال أنت أطلق
من إمرأة فلان و هي مطلقة فذلك على نيته الا أن يكون جوابا لمسألة الطلاق لان لفظة
أفعل ليست صريحا في الكلام ألا ترى ان من قال لآخر أنت أزنى من فلان لم يكن قذفا
صريحا حتى لا يجب الحد و معلوم ان صريح القذف يوجب الحد و إذا لم يكن صريحا وقف على
النية الا إذا خرج جوابا لسؤال الطلاق فينصرف اليه بقرينة السوأل و كذا إذا قال لها
أنت مطلقة و خفف فهو على نيته لما ذكرنا ان الانطلاق لا يستعمل في قيد النكاح و
انما يستعمل في القيد الحقيقي و الحيس فلم يكن صريحا فوقف على النية و روى ابن
سماعة عن محمد فيمن قال لامرأته كوني طالقا أو اطلقي قال أراه واقعا لان قوله كوني
ليس أمرا حقيقة و ان كانت صيغته صيغة الامر بل هو عبارة عن إثبات كونها طالقا كما
في قوله تعالى كن فيكون ان قوله كن ليس بامر حقيقة و ان كانت صيغته صيغة الامر بل
هو كناية عن التكوين و لا تكون طالقا الا بالطلاق و كذا قوله اطلقي و كذلك إذا قال
لامرأته كوني حرة أو اعتقي و لو قال يا مطلقة وقع عليها الطلاق لانه وصفها بكونها
مطلقة و لا تكون مطلقة الا بالتطليق فان قال أردت به الشتم لا يصدق في القضاء لانه
خلاف الظاهر لانه نوى فيما هو وصف أن لا يكون وصفا فكان عدولا عن الظاهر فلا يصدقه
القاضي و يصدق فيما بينه و بين الله تعالى لانه قد يراد بمثله الشتم و لو كان لها
زوج قبله فقال عنيت ذلك الطلاق دين في القضاء لانه نوى ما يحتمله لفظه لانه وصفها
بكونها مطلقة في نفسها من الاضافة إلى نفسه و قد تكون مطلقته و قد تكون مطلقة
(102)
لها زوج قبله لا يحتمل ان تكن مطلقة غيره فانصرف الوصف إلى كونها مطلقة له و لو قال
لها أنت طالق طالق أو قال أنت طالق أنت طالق أو قال قد طلقتك قد طلقتك أو قال أنت
طالق قد طلقتك يقع ثنتان إذا كانت المرأة مدخولا بها لانه ذكر جملتين كل واحدة
منهما إيقاع تام لكونه مبتد أو خبرا و المحل قابل للوقوع و لو قال عنيت بالثاني
الاحبار عن الاول لم يصدق في القضاء لان هذه الالفاظ في عرف اللغة و الشرع تستعمل
في انشاء الطلاق فصرفها إلى الاخبار يكون عدولا عن الظاهر فلا يصدق في الحكم المرو
يصدق فيما بينه و بين الله تعالى لان صيغتها صيغة الاخبار و لو قال لامرأته أنت
طالق فقال له رجل ما قلت فقال طلقتها أو قال قلت هي طالق فهي واحدة في القضاء لان
كلامه انصرف إلى الاخبار بقرينة الاستخبار و اما الطلاق بالفارسية فقد روى عن أبي
حنيفة رضى الله تعالى عنه انه قال في فارسي قال لامرأته بهشتم ان زن أو قال ان رن
بهشتم أو قال بهشتم لا يكون ذلك طلاقا الا ان ينوى به الطلاق لان معنى هذا اللفظ
بالعربية خليت و قوله خليت من كنايات الطلاق بالعربية فكذا هذا اللفظ الا ان أبا
حنيفة فرق بين اللفظين من وجهين أحدهما انه قال انه نوى الطلاق بقوله خليت يقع
بائنا و إذا نوى الطلاق بهذه اللفظة يقع رجعيا لان هذا اللفظ يحتمل أن يكون صريحا
في لغتهم و يحتمل أن يكون كناية فلا تثبت البينونة بالشك و الثاني قال ان قوله خليت
في حال الغضب و في حال مذاكرة الطلاق يكون طلاقا حتى لا يدين في قوله انه ما أراد
به الطلاق و هذا اللفظ في هاتين الحالتين لا يكون طلاقا حتى لو قال ما أردت به
الطلاق يدين في القضاء لان هذا اللفظ أقيم مقام التخلية فكان أضعف من التخلية فلا
تعمل فيه دلالة الحال - و لم يفرق بينهما فيما سوى ذلك حتى قال ان نوى بائنا يكون
بائنا و ان نوى ثلاثا يكون ثلاثا كما لو قال خليت و نوى البائن أو الثلاث و لو نوى
ثنتين يكون واحدة كما في قوله خليت الا أن ههنا يكون واحدة يملك الرجعة بخلاف لفظة
التخلية لما بينا و قال أبو يوسف إذا قال بهشتم ان زن أو قال ان زن بهشتم فهي طالق
نوى الطلاق أو لم ينو و تكون تطليقة رجعية لان أبا يوسف خالط العجم زودخل جرجان
فعرف أن هذا اللفظ في لغتهم صريح قال و ان قال بهشتم و لم يقل ان زن فان قال ذلك في
حال سؤال الطلاق أو في حال الغضب فهي واحدة يملك الرجعة و لا يدين انه ما أراد به
الطلاق في القضاء و ان قال في حال الغضب و مذاكرة الطلاق يدين في القضاء لان معنى
قولهم بهشتم خليت و ليس في قوله خليت اضافة إلى النكاح و لا إلى الزوجة فلا يحمل
على الطلاق الا بقرينة نية أو بدلالة حال و حال الغضب و مذاكرة الطلاق دليل إرادة
الطلاق ظاهرا فلا يصدق في الصرف عن الظاهر قال و ان نوى بائنا فبائن و ان نوى ثلاثا
فثلاث لان هذا اللفظ و ان كان صريحا في الفارسية فمعناه التخلية في العربية فكان
محتملا للبينونة و الثلاث كلفظة التخلية فجاز أن يحمل عليه بالنية و قال محمد في
قوله بهشتم ان زن أو ان زن بهشتم أن هذا صريح الطلاق كما قال أبو يوسف و قال في
قوله بهشتم انه ان كان في حال مذاكرة الطلاق فكذلك و لا يدين انه ما أراد به الطلاق
و ان لم يكن في حال مذاكرة الطلاق يدين سواء كان في حال الغضب أو الرضا لان معنى
هذا اللفظ بالعربية أنت مخلاة أو قد خليتك و قال زفر إذا قال بهشتم و نوى الطلاق
بائنا أو بائن فهو بائن و ان نوى ثلاثا فثلاث و ان نوى اثنتين فاثنتان و أجري هذه
اللفظة مجرى قوله خليت و لو قال خليتك و نوى الطلاق فهي واحدة بائنة نوى البينونة
أو لم ينو و ان نوى ثلاثا يكون ثلاثا و ان نوى اثنتين يكون اثنتين على أصله فكذا
هذا هذا ما نقل عن أصحابنا في الطلاق بالفارسية و الاصل الذي عليه الفتوى في زماننا
هذا في الطلاق بالفارسية انه ان كان فيها لفظ لا يستعمل الا في الطلاق فذلك اللفظ
صريح يقع به الطلاق من نية إذا أضيف إلى المرأة مثل أن يقول في عرف ديارنا دها كنم
أو في عرف خراسان و العراق بهشتم لان الصريح لا يختلف باختلاف اللغات و ما كان في
الفارسية من الالفاظ ما يستعمل في الطلاق و في غيره فهو من كنايات الفارسية فيكون
حكمه حكم كنايات العربية في جميع الاحكام و الله أعلم و لو قال لامرأته أنت طالق و
نوى به الابانة فقد لغت نيته لانه نوى تغيير الشرع لان الشرع أثبت
(103)
إبانتها للحال معجلا فقد نوى تغيير الشرع و ليس له هذه الولاية فبطلت نيته و ان نوى
ثلاثا لغت نيته أيضا في ظاهر الرواية و روى عن أبي حنيفة انه تصح نيته و به أخذ
الشافعي وجه هذه الرواية ان قوله طالق مشتق من الطلاق كالضارب و نحوه فيدل على ثبوت
مأخذ الاشتقاق و هو الطلاق كسائر الالفاظ المشتقة من المعاني ألا ترى انه لا يتصور
الضارب بلا ضرب و القاتل بلا قتل فلا يتصور الطالق بلا طلاق فكان الطلاق بائنا فصحت
نية الثلاث منه كما لو نص على الطلاق فقال أنت طالق طلاقا و كما لو قال لها أنت
بائن و نوى الثلاث انه تصح نية الثلاث لما قلنا كذا هذا وجه ظاهر الرواية قوله عز و
جل و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن أثبت الرجعة حال قيام
العدة للمطلق مطلقا من فصل بين ما إذا نوى الثلاث أو لم ينو فوجب القول بثبوت حق
الرجعة عند مطلق التطليق الا بما قيد بدليل و لانه نوى ما يحتمله لفظه فلا تصح نيته
كما إذا قال لها اسقينى و نوى به الطلاق و دلالة الوصف انه نوى الثلاث و قوله طالق
لا يحتمل الثلاث لوجهين أحدهما ان طالق اسم للذات و ذاتها واحد و الواحد لا يحتمل
العدد الا ان الطلاق ثبت مقتضى الطالق ضرورة صحة التسمية بكونها طالقا لان الطالق
بدون الطلاق لا يتصور كالضارب بدون الضرب و هذا المقتضى متنوع في نفسه فكان عدما
فيما وراء صحة التسمية و ذلك على الاصل المعهود في الثابت ضرورة انه يتقدر بقدر
الضرورة و لا ضرورة في قبول نية الثلاث فلا يثبت فيه بخلاف ما إذا قال لها أنت طلاق
طلاقا لان الطلاق هناك منصوص عليه فكان ثابتا من جميع الوجوه فيتبت في حق قبول
النية و بخلاف قوله أنت بائن لان البائن مقتضاه البينونة و انها متنوعة إلى غليظة و
خفيفة فكان اسم البائن بمنزلة الاسم المشترك لتنوع محل الاشتقاق و هو البينونة كاسم
الجالس يقال جلس أى قعد و يقال جلس أى أتى نجد فكان الجالس من الاسماء المشتركة
لتنوع محل الاشتقاق و هو الجلوس فكذا البائن و الاسم المشترك لا يتعين المراد منه
الا بمعين فإذا نوى الثلاث فقد عين احدى نوعى البينونة فصحت نيته و إذا لم يكن له
لا يقع شيء لانعدام المعين بخلاف قوله طالق لانه مأخوذ من الطلاق و الطلاق في نفسه
لا يتنوع لانه رفع القيد و القيد نوع واحد و الثاني ان سلمنا ان الطلاق صار مذكورا
على الاطلاق لكنه في اللغة و الشرع عبارة عن رفع قيد النكاح و القيد في نكاح واحد
واحد فيكون الطلاق واحدا ضرورة فإذا نوى الثلاث فقد نوى العدد فيما لا عدد له فبطلت
نيته فكان ينبغى أن لا يقع الثلاث أصلا لان وقوعه ثبت شرعا بخلاف القياس فيقتصر على
مورد الشرع و لو قال أنت طالق طلاقا فان لم تكن نية فهي واحدة و ان نوى ثلاثا كان
ثلاثا كذا ذكر في الاصل و فى الجامع الصغير عن أبى حنيفة انه لا يكون الا واحدة وجه
هذه الرواية انه ذكر المصدر للتأكيد لما ذكرنا ان قوله طالق فيقتضى الطلاق فان قوله
طلاقا تنصيصا على المصدر الذي اقتضاه الطالق فكان تأكيدا كما يقال قمت قياما و أكلت
أكلا فلا يفيد الا ما أفاده المؤكد و هو قوله طالق فلا يقع الا واحدة كما لو قال
أنت طالق و نوى به الثلاث وجه ظاهر الروايات ان قوله طلاقا مصدر فيحتمل كل جنس
الطلاق لان المصدر يقع على الواحد و يحتمل الكل قال الله تعالى لا تدعوا اليوم
ثبورا واحدا و ادعوا ثبورا كثيرا وصف الثبور الذي هو مصدر بالكثرة و الثلاث في عقد
واحد كل جنس الطلاق فإذا نوى الثلاث فقد نوى ما يحتمله كلامه فتصح نيته و إذا لم
يكن له نية يحمل على الواحد لانه متيقن و قد خرج الجواب عما سبق لان الكلام انما
يحمل على التأكيد إذا لم يمكن حمله على فائدة جديدة و ههنا أمكن على ما بينا و لو
نوى اثنتين لا على التقسيم في قوله طالق طلاقا لا تصح نيته لان لفظ المصدر واحد فلا
بد من تحقيق معنى التوحيد فيه ثم الشيء قد يكون واحدا من حيث الذات و هو ان يكون
ذاته واحدا من النوع كزيد من الانسان و قد يكون واحدا من حيث النوع كالانسان من
الحيوان و لا توجد في الاثنين لا من حيث الذات و لا من حيث النوع فكان عددا محضا
فلا يحتمله لفظة الواحد بخلاف الثلاث فانه واحد من حيت الجنس لانه كل جنس ما يملكه
من الطلاق في هذا النكاح و كل جنس من الافعال يكون جنسا واحدا ألا ترى انك متى عددت
الاجناس تعده
الفعل و كذا الاكل و الشرب و نحو ذلك و لو نوى ثنتين على التقسيم تصح نيته لما نذكر
و لو قال أنت الطلاق و نوى الثلاث صحت نيته لان الفعل قد يذكر بمعنى المفعول يقال
هذا الدرهم ضرب الامير أى مضروبه و هذا علم أبى حنيفة أى معلومه فلو حملناه على
المصدر للغا كلامه و لو حملناه على معنى المفعول لصح فكان الحمل عليه أولى و صحت
نية الثلاث لان النية تتبع المذكور و المذكور يلازم الجنس و لو قال لها أنت طالق
بدون الالف و اللام ذكر الطحاوي انه لا يكون الا واحدة و ان نوى الثلاث و فرق بينه
و بين قوله أنت الطلاق و ذكر الجصاص ان هذا الفرق لا يعرف له وجه الا على الرواية
التي روى عن أبى حنيفة في قوله أنت طالق طلاقا لا يكون الا واحدة و ان نوى الثلاث
فاما على الرواية المشهورة في التسوية بين قوله أنت طالق الطلاق و بين قوله أنت
طالق طلاقا فلا يتبين وجه الفرق بين قوله أنت طلاق و بين قوله أنت الطلاق و حكى ان
الكسائي سأل محمد بن الحسن عن قول الشاعر فان ترفقى يا هند فالرفق أيمن و ان تخرقى
يا هند فالخرق اشأم فانت طلاق و الطلاق عزيمة ثلاث و من يخرق أعق و أظلم فقال محمد
رحمه الله ان قال و الطلاق عزيمة طلقت واحدة بقوله أنت طلاق و صار قوله و الطلاق
عزيمة ثلاث ابتداء و خبرا متعلق بالاول و ان قال و الطلاق عزيمة ثلاثا طلقت ثلاثا
كانه قال أنت طالق ثلاثا و الطلاق عزيمة لان الثلاث هى في الحال تفسير الموقع
فاستحسن الكسائي جوابه و كذا لو قال أنت طالق الطلاق و نوى الثلاث لانه ذكر المصدر
و عرفه بلام التعريف فيستغرق كل جنس المشروع من الطلاق في هذا الملك و هو الثلاث
فإذا نوى الثلاث فقد نوى حقيقة كلامه فصحت نيته الا ان عند الاطلاق لا ينصرف اليه
لقرينة تمنع من التصرف اليه على ما نذكره و لو نوى ثنتين لا على التقسيم لا تصح
نيته لما ذكرنا ان الطلاق مصدر و المصدر صيغته صيغة واحدة فكان تحقيق معنى التوحيد
فيه لازما و الاثنان عدد محض لا توجد فيه بوجه فلا يحتمله اللفظ الموضوع للتوحيد و
انما احتمل الثلاث من حيث التوحيد لانه كل جنس ما يملكه من الطلاق في هذا الملك و
كل الجنس جنس واحد بالاضافة إلى غيره من الاجناس و أمكن تحقيق معنى التوحيد فيه و
ان لم يكن له نية لا يقع واحدة لانه و ان عرف المصدر بلام التعريف الموضوعة
لاستغراق الجنس لكنه انصرف إلى الواحد بدلالة الحال لان إيقاع الثلاث جملة محظور و
الظاهر من حال المسلم ان لا يرتكب المحظور فانصرف إلى الواحد بقرينة و صار هذا كما
إذا حلف لا يشرب الماء أو لا يتزوج النساء أو لا يكلم بني آدم انه ان نوى كل جنس من
هذه الاجناس صحت نيته و ان لم يكن له نية ينصرف إلى الواحد من كل جنس لدلالة الحال
كذا هذا ول قال أردت بقولي أنت طالق واحدة بقولي الطلاق أو طلاقا أخرى صدق لانه ذكر
لفظين كل واحد منهما يصلح إيقاعا تاما ألا ترى انه إذا قال لها أنت طالق يقع الطلاق
و لو قال أنت الطلاق أو طلاق يقع أيضا فإذا أراد بذلك صار كانه قال لها أنت طالق و
طالق و لو قال لامرأته طلقي نفسك و نوى به الثلاث صحت نيته حتى لو قالت طلقت نفسى
ثلاثا كان ثلاثا لان المصدر يصير مذكورا في الامر لان معناه حصلى طلاقا و المصدر
يقع على الواحد و يحتمل الكل فإذا نوى الثلاث فقد نوى ما يحتمله لفظه و ان لم يكن
له نية ينصرف إلى الواحد لكونه متيقنا و ان نوى ثنتين لا يصح لانه عدد محض فكان
معنى التوحد فيه منعدما أصلا و رأسا فلا يحتمله صيغة واحدة و لو طلق إمرأته تطليقة
يملك الرجعة ثم قال لها قبل انقضاء العدة قد جعلت تلك التطليقة التي أوقعتها عليك
ثلاثا أو قال قد جعلتها بائنا اختلف أصحابنا الثلاثة فيه قال أبو حنيفة يكون ثلاثا
و يكون بائنا و قال محمد لا يكون ثلاثا و لا بائنا و قال أبو يوسف يكون بائنا و لا
يكون ثلاثا وجه قول محمد ان الطلاق بعد وقوعه شرعا بصفة لا يحتمل التغيير عن تلك
الصفة لان تغييره يكون تغيير الشرع و العبد لا يملك ذلك ألا ترى انه لو طلقها ثلاثا
فجعلها واحدة لا تصير واحدة و كذا لو طلقها تطليقة بائنة فجعلها رجعية لا تصير
رجعية لما قلنا كذا هذا وجه قول أبى يوسف ان التطليقة الرجعية يحتمل