مورد الشرع و الشرع ورد به مع قرينة الفراق نصا أو دلالة أو قرينة النفس فان اختيار
الفراق مضمر في قوله تعالى ان كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها بدليل ما يقابله و
هو قوله و ان كنتن تردن الله و رسوله فدل على إضمار اختيار الفراق كأنه قال ان كنتن
تردن الحياة الدنيا و زينتها مع اختيار فراق الرسول صلى الله عليه و سلم فكان ذلك
تخييرا لهن بين ان يخترن الحياة الدنيا و زينتها مع اختيار فراق الرسول صلى الله
عليه و سلم و بين ان يخترن الله و رسوله و الدار الآخرة فكن مختارات للطلاق لو
اخترن الدنيا أو كان اختيارهن الدنيا و زينتها اختيار الفراق و رسول الله صلى الله
عليه و سلم اذ لم يكن معه الدنيا و زينتها و الصحابة رضى الله عنهم جعلوا للمخيرة
المجلس و قالوا إذا اختارت نفسها في مجلسها وقع الطلاق عليها فهذا مورد الشرع في
هذا اللفظ فيقتصر حكمه على مورد الشرع فإذا قال لها اختارى فقال اخترت لا يقع به
شيء لانه ليس في معنى مورد الشرع فيبقى الامر فيه على أصل القياس فلا يصلح جوابا و
لان قوله اختارى معناه اختارى إياي أو نفسك فإذا قالت اخترت فلم تأت بالجواب لانها
لم تختر نفسها و لا زوجها لم يقع فيه شيء و إذا قال لها اختارى نفسك فقالت اخترت
فهذا جواب لانها أخرجته مخرج الجواب كقوله اختارى نفسك فينصرف إليها كانها قالت
اخترت نفسى و كذا إذا قال لها اختارى فقالت اخترت نفسى لما ذكرنا ان معنى قوله
اختارى أى اختارى إياي أو نفسك و قد اختارت نفسها فقد أتت بالجواب و كذا لو قالت
أختار نفسى يكون جوابا استحسانا و القياس ان لا يكون جوابا لان قولها أختار يحتمل
الحال و يحتمل الاستقبال فلا يكون جوابا مع الاحتمال وجه الاستحسان ان صيغة افعل
موضوعة للحال و انما تستعمل للاستقبال بقرينة السين و سوف على ما عرف في موضعه و
كذا إذا قال اختارى اختارى فقالت اخترت فيكون جوابا و ان لم يوجد ذكر النفس من
الجانبين جميعا لان تكرار الاختيار دليل إرادة اختيار الطلاق لانه هو الذي يقبل
التعدد كانه قال اختارى الطلاق فينصرف الجواب اليه و كذا إذا قال اختارى اختيارة
فقالت اخترت اختيارة فهو جواب لان قوله اختيارة يفيد معنيين أحدهما تأكيد الامر و
الثاني معنى التوحد و التفرد فالتقييد بما يوجب التفرد يدل على انه أراد به التخيير
فيما يقبل التعدد و هو الطلاق و إذا قال لها اختارى الطلاق فقالت اخترت فهو جواب
لانه فوض إليها اختيار الطلاق نصا فينصرف الجواب اليه و كذا إذا قال لها اختارى
فقالت اخترت الطلاق لان معنى قوله اختارى أى اختارى إياي أو نفسك فإذا قالت اخترت
الطلاق فقد اختارت نفسها فكان جوابا و لو قال لها اختارى فقالت اخترت أبى و أمي أو
أهلى و الازواج فالقياس ان لا يكون جوابا و لا يقع به شيء و في الاستحسان يكون
جوابا وجه القياس انه ليس في لفظ الزوج و لا في لفظ المرأة ما يدل على اختيارها
نفسها فلا يصلح جوابا وجه الاستحسان ان في لفظها ما يدل على الطلاق لان المرأة بعد
الطلاق تلحق بابويها و أهلها و تختار الازواج عادة فكان اختيارها هؤلاء دلالة على
اختيارها الطلاق فكانها قالت اخترت الطلاق ( و أما )الواقع بهذه الالفاظ فان كان
التخيير واحدا و لم يذكر الثلاث في التخيير فلا يقع الا طلاق واحد و ان نوى الثلاث
في التخيير و يكون بائنا عندنا ان كان التفويض مطلقا عن قرينة الطلاق و قال الشافعي
إذا أراد الزوج بالتخيير الطلاق فاختارت نفسها و نوت الطلاق يقع واحدة رجعية و هذا
مذهبه في الامر باليد أيضا و قد اختلفت الصحابة رضى الله عنهم فيمن خير إمرأته
فاختارت زوجها أو اختارت نفسها قال بعضهم ان اختارت زوجها لا يقع شيء و هو قول عمر
و عبد الله بن مسعود و أبى الدرداء و زيد بن ثابت رضى الله عنهم و روى عن علي رضى
الله عنه انها إذا اختارت زوجها يقع تطليقة رجعية و الترجيح لقول الاولين لما روى
عن عائشة رضى الله عنها انها قالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخترناه
فلم يعد ذلك طلاقا و عن مسروق عن عائشة رضى الله عنها انها سئلت عن الرجل يخير
إمرأته يكون طلاقا فقالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان طلاقا و لان
التخيير إثبات الخيار في الفراك و البقاء على النكاح و اختيارها زوجها دليل الاعراض
عن ترك النكاح و الاعراض عن
قال بعضهم هى واحدة بائنة و هو احدى الروايتن عن على و قال بعضهم هى واحدة رجعية و
قال زيد بن ثابت رضى الله عنه إذا اختارت نفسها فهو ثلاث و الترجيح لقول من يقول
يقع بائنا رجعيا و لا ثلاثا أما وقوع البائن فلان الزوج خيرها بين ان تختار نفسها
لنفسها و بين ان تختار نفسها لزوجها فإذا اختارت نفسها لنفسها لو كان الواقع رجعيا
لم يكن اختيارها نفسها لنفسها بل لزوجها اذ لزوجها ان يراجعها شاءت أو أبت و أما
عدم وقوع الثلاث و ان وجدت نية الثلاث في التخيير فلما ذكرنا ان القياس لا يقع
بالاختيار شيء لانه ليس من ألفاظ الطلاق و انما جعل طلاق بالشرع ضرورة صحة التخيير
و حق الضرورة يصير مقضيا بالواحدة البائنة و ان كان التفويض مقرونا بذكر الطلاق بان
قال لها اختارى الطلاق فقالت اخترت الطلاق فهي واحدة رجعية لانه لما صرح بالطلاق
فقد خيرها بين نفسها بتطليقة رجعية و بين رد التطليقة كما في قوله أمرك بيدك فان
ذكر الثلاث في التخيير بان قال لها اختارى ثلاثا فقالت اخترت يقع الثلاث لان
التنصيص على الثلاث دليل إرادة اختيار الطلاق لانه هو الذي يتعدد فقولها اخترت
ينصرف اليه فيقع الثلاث و لو كرر التخيير بان قال لها اختارى اختارى و نوى بكل
واحدة منهما الطلاق فقالت اخترت يقع ثنتان لان كل واحدة منهما تخيير تام بنفسه
لوجود ركنه و شرطه و هو النية و الثاني لا يصلح تفسير ا للاول لان الشيء لا يفسر
بنفسه و لا يصلح جوابا أيضا و لا علة و لا حكما للاول فيكون كلاما مبتدأ و التكرار
دليل إرادة الطلاق فقولها اخترت يكون جوابا لهما جميعا و الواقع بكل واحد منهما
طلاق بائن فيقع تطليقتان بائنتان و كذلك إذا ذكر الثاني بحرف الصلة بان قال لها
اختارى و اختاري أو قال اختارى فاختاري لان الواو و الفاء من حروف العطف الا ان
الفآء قد تذكر في موضع العلة و قد تذكر في موضع الحكم كما يقال ابشر فقد أتاك الغوث
و يقال قد أتاك الغوث فابشر لكن ههنا لا تصلح علة و لا حكما فتكون للعطف و المعطوف
المعطوف عليه هو الاصل و لو قال لها اختارى اختارى اختارى أو قال اختارى و اختاري و
اختاري أو قال اختارى فاختاري فاختاري فقالت اخترت فهي ثلاث لما قلنا و لو قال لها
اختارى اختارى اختارى فقال اخترت الاولى أو الوسطى أو الاخيرة فهو ثلاث في قول أبى
حنيفة و عندهما يقع واحدة وجه قولها انها ما أوقعت الا واحدة فلا يقع الا واحدة لان
الوقوع باختيارها و لم يوجد منها الا اختيار واحدة فلا يقع به الزيادة على الواحدة
كما لو قال لها اختارى ثلاثا فقالت اخترت واحدة و لابي حنيفة ان الزوج ملكها الثلاث
جملة و الثلاث جملة ليس فيها أولى و لا وسطى و لا أخيرة فقولها اخترت الاولى أو
الوسطى أو الاخيرة يكون لغوا فيبطل تعيينها و يبقى قوله اخترت و انه يصلح جواب الكل
و على هذا الخلاف إذا قال لها اختارى و اختاري و اختاري أو قال لها اختارى فاختاري
فاختاري فقالت اخترت الاولى أو الوسطى أو الاخيرة و لو قال لها اختارى اختارى
اختارى أو ذكر التخييرين بحرف الواو أو بحرف الفآء فقالت قد اخترت اختيارة فهو ثلاث
في قولهم جميعا لان معناه اخترت الكل مرة فيقع الثلاث و ان لم يوجد ذكر النفس من
الجانبين جميعا لما ذكرنا ان التكرار من الزوج دليل إرادة اختيار الطلاق و كذا إذا
قالت اخترت الاختيارة أو قالت اخترت مرة أو بمرة أو دفعة أو بدفعة أو بواحدة فهو
ثلاث لما قلنا و لو قالت قد طلقت نفسى واحدة أو اخترت نفسى بتطليقة فهي واحدة بائنة
لما ذكرنا في الامر باليد و لو قال لها اختارى اختارى اختارى بألف درهم فقالت اخترت
الاولى أو الوسطى أو الاخيرة فهو ثلاث و عليها ألف درهم في قول أبى حنيفة و عند أبى
يوسف و محمد لا يقع الا واحدة انها ان اختارت نفسها بالاخيرة كانت تطليقة واحدة و
عليها ألف درهم و ان اختارت نفسها بالاولى أو بالوسطى كانت واحدة و لا شيء عليها و
الاصل عند أبى حنيفة ان تعيين الاولى أو الوسطى أو الاخيرة لغو لانه ملكها الثلاث
جملة و الثلاث المملكة جملة ليس لها أولى و لا وسطى و لا أخيرة فكان التعيين ههنا
لغوا فبطل التعيين و بقى قولها اخترت و لو قالت اخترت طلقت ثلاثا و عليها الالف كذا
(121)
فصل وأما قوله أنت طالق إن شئت فهو الخ
هذا و الاصل عندهما ان اختيار الاولى أو الوسطى أو الاخيرةصحيح و لا يقع الا واحدة انهما يقولان لا يلزمها الالف الا إذا اختارت الاخيرة لان
كل واحد من التخييرات تخيير على حدة لانه كلام تام بنفسه و لم يذكر معه حرف الجمع
فيجعل الكل كلاما واحدا فبقى كل واحد منهما تخييرا تاما بنفسه فيعطى لكل واحد منهما
حكم نفسه و البدل لم يذكر الا في التخيير الاخير فلا يجب الا باختيار الاخيرة و لو
ذكر حرف الواو أو حرف الفآء فقال اختارى و اختاري و اختاري بألف درهم أو قال اختارى
فاختاري فاختاري بألف درهم فقالت اخترت الاولى أو الوسطى أو الاخيرة فعند أبى حنيفة
لا يختلف الجواب فتطلق ثلاثا و عليها ألف درهم لما ذكرنا و عندهما لا يقع الطلاق في
هذه الصورة لانه لما جمع بين التخييرات الثلاث بحرف الجمع جعل الكل كلاما واحدا و
قد أمرها أن تحرم نفسها عليه بألف درهم فلا تملك التحريم بأقل من ذلك كما إذا قال
لها طلقي نفسك ثلاثا بألف درهم فطلقت نفسها واحدة انه لا يقع شيء لما قلنا كذا هذا
و الله أعلم بالصواب ( فصل )و أما قوله أنت طالق ان شئت فهو مثل قوله اختارى في
جميع ما وصفنا لان كل واحد منهما تمليك الطلاق الا ان الطلاق ههنا رجعي و هناك بائن
لان المفوض ههنا صريح و هناك كناية و كذا إذا قال لها أنت طالق ان أحببت أو رضيت أو
هويت أو أردت لانه علق الطلاق بفعل من أفعال القلب فكان مثل قوله ان شئت و كذا إذا
قال لها أنت طالق حيث شئت أو أين شئت أو أينما شئت أو حيثما شئت فهو مثل قوله ان
شئت لان حيث و أين اسم مكان و ما وصلة فيهما و لا تعلق للطلاق بالمكان فيلغو ذكرهما
لعدم الفائدة و يبقى ذكر المشيئة فصار كانه قال لها أنت طالق ان شئت و كذا إذا قال
لها أنت طالق كم شئت أو ما شئت ان لها ان تطلق نفسها في المجلس ما شاءت واحدة أو
ثنتين أو ثلاثا لان كلمة كم للقدر و قدر الطلاق هو العدد و العدد هو الواقع و كذا
كلمة ما في مثل هذا الموضع تذكر لبيان القدر و يقال كل من طعامي ما شئت أى القدر
الذي شئت و لو قال لها أنت طالق إذا شئت أو إذا ما شئت أو متى شئت أو متى ما شئت
فلها ان تطلق نفسها في أى وقت شاءت في المجلس أو بعده و بعد القيام عنه لما مر و
ليس لها أن تطلق نفسها الا واحدة لانه ليس في هذه الالفاظ ما يدل على التكرار على
ما مر بخلاف قوله أنت طالق كلما شئت فان لها أن تطلق نفسها مرة بعد أخرى حتى تطلق
نفسها ثلاثا لان المعلق بالمشيئة و ان كان واحدا و هو الثابت مقتضى قوله أنت طالق و
هو الطلاق لكنه علق المشيئة بكلمة كلما و انها تقتضي تكرار الافعال فيتكرر المعلق
بتكرر الشرط و إذا وقع الثلاث عند المشيئات المتكررة يبطل التعليق عند أصحابنا
الثلاثة خلافا لزفر حتى لو تزوجت بزوج آخر ثم عادت إلى الزوج الاول فطلقت نفسها لا
يقع شيء و ليس لها ان تطلق نفسها ثلاثا في كلمة واحدة لما ذكرنا فيما تقدم و لان
المعلق بكل مشيئة و المفوض إليها تطليقة واحدة و هي البائنة مقتضى قوله أنت طالق
فلا تملك الثلاث و لو قال أنت طالق كيف شئت طلقت للحال تطليقة واحدة بقوله أنت طالق
في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد لا يقع عليها شيء ما لم تشأ و الحاصل ان
عند أبى حنيفة في قوله أنت طالق كيف شئت لا يتعلق أصل الطلاق بالمشيئة بل المعلق
بالمشيئة صفة الواقع nو تتقيد مشيئتها بالمجلس و عندهما تتعلق بالاصل و الوصف
بالمشيئة nو تتقيد مشيئتها بالمجلس وجه قولهما ان الكيفية من باب الصفة و قد علق
الوصف بالمشيئة و تعليق الوصف بالمشيئة تعليق الاصل بالمشيئة لاستحالة وجود الصفة
بدون الموصوف و إذا تعلق أصل الطلاق بالمشيئة لا ينزل ما لم توجد المشيئة و لابي
حنيفة ان الزوج بقوله أنت طالق كيف شئت أوقع أصل الطلاق للحال و فوض تكييف الواقع
إلى مشيئتها لان الكيفية للموجود لا للمعدوم اذ المعدوم لا يحتمل الكيفية فلا بد من
وجود أصل الطلاق لتتخير هى في الكيفية و لهذا قال بعض المحققين في تعليل المسألة
لابى حنيفة ان الزوج كيف المعدوم و المعدوم لا يكيف فلا بد من الوجود و من ضرورة
الوجود الوقوع ثم إذا شاءت في مجلسها فان لم ينو الزوج البينونة و لا الثلاث فشاءت
واحدة بائنة أو ثلاثا كان ما شاءت لان الزوج فوض الكيفية إليها فان نوى الزوج
البينونة أو الثلاث فإذا وافقت مشيئتها نية
(122)
فصل وأما قوله طلقى نفسك فهو عندنا تمليك الخ
الزوج بان قالت في مجلسها شئت واحدة بائنة أو ثلاثا و قالالزوج ذلك نويت فهي واحدة بائنة أو ثلاث لان الزوج لو لم تكن منه نية فقالت شئت
واحدة بائنة أو ثلاثا كان الواقع ما شاءت فإذا وافقت مشيئتها نية الزوج أولى و ان
خالفت مشيئتها نية الزوج بان قالت شئت ثلاثا و قال الزوج نويت واحدة لا يقع بهذه
المشيئة شيء آخر في قول أبى حنيفة سوى تلك الواحدة الواقعة بقوله أنت طالق الا إذا
قالت شئت واحدة ثانية فتصير تلك الطلقة ثانية لما قلنا و عندهما يقع واحدة بمشيئتها
بناء على أن المذهب عند أبى حنيفة أنه إذا قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها
ثلاثا لا يقع شيء و عندهما يقع واحدة و سنذكر أصل المسألة في موضعها ان شاء الله
تعالى و لو قالت شئت واحدة و قال الزوج نويت الثلاث لا يقع بهذه المشيئة شيء في
قولهم جميعا لان المذهب عندهم أنه إذا قال لها طلقي نفسك ثلاثا ان شئت فطلقت نفسها
واحدة لا يقع شيء لما ذكرنا في الفصل الذي يليه الا ان عند أبى حنيفة قد وقعت طلقة
واحدة بقوله أنت طالق حال وجوده و ان لم تشأ المرأة شيئا حتى قامت من مجلسها و لا
نية للزوج أو نوى واحدة فهي واحدة يملك الرجعة في قول أبى حنيفة لانها أقل و هي
متيقن بها و عندهما لا يقع شيء و ان شاءت لخروج الامر عن يدها و لو قال لها أنت
طالق ان شئت فقال شئت ان كان كذا فان علقت بشيء موجود نحو ما إذا قالت ان كان هذا
ليلا أو نهارا و ان كان هذا أبى أو أمى أو زوجي و نحو ذلك يقع الطلاق لان هذا تعليق
بشرط كائن و التعليق بشرط كائن تنجيز و ان علقت بشيء موجود فقالت شئت ان شاء فلان
يخرج الامر من يدها حتى لا يقع شيء و ان شاء فلان لانه فوض إليها التنجيز و هي أبت
بالتعليق و التنجيز التعليق لان التنجيز تطليق و التعليق يمين فلم تأت بما فوض
إليها و أعرضت عنه لاشتغالها بغيره فيبطل التفويض و لو قال لها أنت طالق ان شاء
فلان يتقيد بمجلس علم فلان فان شاء في مجلس علمه وقع الطلاق و كذلك إذا كان غائبا و
بلغه الخبر يقتصر على مجلس علمه لان هذا تمليك الطلاق فيتقيد بالمجلس بخلاف ما إذا
قال لها أنت طالق ان دخل فلان الدار أنه يقع الطلاق إذا وجد الشرط في أى وقت وجد و
لا يتقيد بالمجلس لان ذلك تعليق الطلاق بالشرط و التعليق لا يتقيد بالمجلس لان
معناه إيقاع الطلاق في زمان ما بعد الشرط فيقف الوقوع على وقت وجود الشرط ففي أى
وقت وجد يقع الله عز و جل أعلم ( فصل )و أما قوله طلقي نفسك فهو تمليك عندنا سواء
قيده بالمشيئة أو لا و يقتصر على المجلس كقوله أنت طالق ان شئت و عند الشافعي هو
توكيل و لا يقتصر على المجلس قيد بالمشيئة أو لم يقيده و أجمعوا على أن قوله لاجنبي
طلق إمرأتي توكيل و لا يتقيد بالمجلس و هو فصل التوكيل فان قيده بالمشيئة بان قال
له طلق إمرأتي ان شئت فهذا تمليك عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر هو توكيل فوقع
الخلاف في موضعين أما الكلام مع الشافعي فوجه قوله أنه لو أضاف الامر بالتطليق إلى
الاجنبي و لم يقيده بالمشيئة كان توكيلا بالاجماع فكذا إذا أضافه إلى المرأة و لم
يقيده بالمشيئة لانه لم يختلف الا الشخص و الصيغة لا تختلف باختلاف الشخص و كذا إذا
قيد بالمشيئة لان التقييد بالمشيئة و السكوت عنه بمنزلة واحدة لانها تطلق نفسها
بمشيئتها و اختيارها اذ هى مضطرة في ذلك فكان ذكر المشيئة لغوا فكان ملحقا بالعدم
فيبقى قوله طلقي نفسك و انه توكيل لما ذكرنا فلا يتقييد بالمجلس كما في الاجنبي و
لنا لبيان ان قوله لامرأته طلقي نفسك تمليك وجوه ثلاثة أحدها ان المتصرف عن ملك هو
الذي يتصرف برأيه و تدبيره و اختياره و المرأة بهذه الصفة فكانت متصرفة عن ملك فكان
تفويض التطليق إليها تمليكا بخلاف الاجنبي لان ثمة الرأي و التدبير للزوج و
الاختيار له فكان اضافة الامر اليه توكيلا لا تمليكا و الثاني أن المتصرف عن ملك هو
الذي يتصرف لنفسه و المتصرف عن توكيل هو الذي يتصرف لغيره و المرأة عاملة على نفسها
لانها بالتطليق ترفع قيد الغير عن نفسها فكانت متصرفة عن ملك فأما الاجنبي فانه
عامل لغيره لا لنفسه لان منفعة علمه عائدة إلى غيره فكان متصرفا عن توكيل و امر لا
عن ملك الثالث أن قوله لامرأته طلقي نفسك لا يمكن ان يجعل توكيلا لان الانسان لا
يصلح أن يكون وكيلا في حق نفسه فلم يمكن ان تجعل وكيلة في حق تطليق نفسها و يمكن ان
تجعل مالكة للطلاق بتمليك الزوج فتعين حمله على
(123)
الانسان يصلح وكيلا في حق غيره و الله الموفق و أما الكلام مع زفر فوجه قوله انه لو
أطلق الكلام لكان توكيلا فكذا إذا قيده بالمشيئة لما مر أن التقييد فيه و الاطلاق
على السوآء لانه إذا طلق طلق عن مشيئة و لا محالة لكونه مختارا في التطليق مضطر فيه
و لنا وجه الفرق بين المطلق و المقيد و هو ان الاجنبي في المطلق فيتصرف برأى الغير
و تدبيره و مشيئته فكان توكيلا لا تمليكا و أما في المقيد فانما يتصرف عن رأى نفسه
و تدبير نفسه و مشيئته و هذا معنى المالكية و هو التصرف عن مشيئته و هذا فرق واضح
بحمد الله تعالى ( و أما )قوله التقييد بالمشيئة و عدمه سواء لانه متى طلق طلق عن
مشيئة فممنوع انهما سواء و انه متى طلق طلق عن مشيئة فان المشيئة تذكر و يراد بهما
اختيار الفعل و تركه و هو المعنى الذي ينفى الغلبة و الاضطرار و هو المعنى بقولنا
المعاصي بمشيئة الله تعالى فان الله تعالى يتولى تخليق أفعال العباد و الله تعالى
مغلوب و لا مضطر في فعله و هو التخليق بل هو مختار و تذكر و يراد بها اختيار
الايثار يقال ان شئت فعلت كذا و ان شئت لم افعل أى ان شئت آثرت الفعل و ان شئت آثرت
الترك على الفعل و هو المعنى من قولنا المكره ليس بمختار و المراد من المشيئة
المذكورة ههنا هو اختيار الايثار لا اختيار الفعل و تركه لانا لو حملناه عليه للغا
كلامه و لو حملناه على اختيار الايثار لم يلغ و صيانة كلام العاقل عن اللغو واجب
عند الامكان و اختيار الايثار في التمليك لا في التوكيل لما ذكرنا ان الوكيل يعمل
عن رأى الموكل و تدبيره و انما يستعير منه العبارة فقط فكان الايثار من الموكل لا
من الوكيل و أما المملك فانما يعمل برأى نفسه و تدبيره و إيثاره لا بالملك فكان
التقييد بالمشيئة مفيدا و الاصل أن التوكيل لغة هو الانابة و التفويض هو التسليم
بالكلية لذلك سمى مشايخنا الاول توكيلا و الثاني تفويضا و إذا ثبت ان المقيد
بالمشيئة تمليك و المطلق توكيل و التمليك يقتصر على المجلس لما ذكرنا ان المملك
انما يملك بشرط الجواب في المجلس لانه انما يملك الخطاب و كل مخلوق خاطب غيره يطلب
جواب خطابه في المجلس فلا يملك نهيه عنه لما مر ثم التوكيل لا يقتصر على المجلس لان
الوكيل لا يمكنه القيام بما و كل بتحصيله في المجلس ظاهرا و غالبا لان التوكيل في
الغالب يكون بشيء لا يحضره الموكل و يفعل في حال غيبته لانه إذا كان حاضرا يستغنى
بعبارة نفسه عن استعارة عبارة غيره فلو تقيذ التوكيل بالمجلس لخلا عن العاقبة
الحميدة فيكون سفها و يملك نهيه عنه لانه وكيله فيملك عزله و لو أراد بقوله طلقي
نفسك ثلاثا فقد صار الثلاث بيدها لان معنى قوله إياها طلقي نفسك أى حصلى طلاقا و
المصدر يحتمل الخصوص و العموم لانه اسم جنس فإذا نوى به الثلاث فقد نوى ما يحتمله
كلامه فصحت نيته و لو أراد به الثنتين لا يصح لان لفظ المصدر لفظ واحد ان و الاثنان
عدد لا توحد فيه أصلا على ما بينا فيما تقدم و ان لم يكن له نية تنصرف إلى الواحد
لانه متيقن به و لان الامر المطلق بالفعل في الشاهد يصرف إلى ما هو المقصود من ذلك
الفعل في المتعارف ألا ترى أن من قال لغلامه اسق هذه الارض و كانت الارض لا تصلح
للزراعة الا بثلاث مرات صار مأمورا به و ان كانت تصلح بالسقي مرة واحدة صار مأمورا
به و من قال لغلامه اضرب هذا الذي استخف بي ينصرف إلى ضرب يقع به التأديب عادة و
يحصل به المقصود و هو الانزجار و من أصابت ثوبه نجاسة فقال لجاريته اغسليه لا تصير
مؤتمرة الا بغسل محصل للمقصود و هو طهارة الثوب دل ان الامر المطلق في الشاهد ينصرف
إلى ما هو المقصود من الفعل في المتعارف و العرف و المقصود في قوله لامرأته طلقي
نفسك مختلف فقد يقصد به الطلاق المبطل للملك و قد يقصد به الطلاق المبطل لحل
المحلية سد الباب التدارك فأى ذلك نوى انصرف اليه ثم إذا صحت نية الثلاث فان طلقت
نفسها ثلاثا أو اثنتين أو واحدة وقع لان الزوج ملكها الثلاث و مالك الثلاث له ان
يوقع الثلاث أو الاثنتين أو الواحدة كالزوج سواء بخلاف ما إذا قال لها أنت طالق ان
شئت أو أردت أو رضيت أو إذا شئت أو متى شئت أو متى ما شئت أو اين شئت أو حيث شئت و
نحو ذلك و نوى الثلاث انه لا يصح لما مر ان قوله أنت طالق صفة للمرأة و انما يثبت
الطلاق اقتضاء ضرورة صحة التسمية بكونها طالقا و لا ضرورة في قبول نية الثلاث فلا
(124)
فهي واحدة في قولهم جميعا لان الزوج ملكها الثلاث و مالك الثلاث إذا أوقع واحدة تقع
كالزوج و هذا لانه لما ملكها الثلاث فقد ملكها الواحدة لانها بعض الثلاث و بعض
المملوك يكون مملوكا و لو قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يقع شيء في
قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد يقع واحدة وجه قولهما انها أتت بما فوض الزوج
إليها و زادت على القدر المفوض فيقع القدر المفوض و تلغو الزيادة كما لو قال لها
طلقي نفسك واحدة فقالت طلقت نفسى واحدة واحدة واحدة انه يقع واحدة و تلغو الزيادة
كذا هذا و كذا لو قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسى تقع واحدة رجعية و تلغو صفة
البينونة لما قلنا كذا هذا و لابي حنيفة وجوه من الفقة أحدها انه لو وقعت الواحدة
اما ان تقع بطريق الاصالة مقصودا أو ضمنا أو ضرورة وقوع الثلاث لا سبيل إلى الاول
لانه لم يوجد إيقاع الواحدة بطريق الاصالة لانعدام لفظ الواحدة و وجود لفظ آخر و
كذا لم يوجد وقت وقوع الواحدة بطريق الاصالة لان ذلك عند قولها نفسى و سكوتها عليه
و وقت وقوعها مع الثلاث عند قولها ثلاثا و لا وجه للثاني لانها لم تملك الثلاث اذ
الزوج لم يملكها الثلاث فلا تملك إيقاع الثلاث فلا يقع الثلاث فلا تقع الواحدة ضمنا
لوقوع الثلاث فتعذر القول بالوقوع أصلا بخلاف ما إذا قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت
نفسها واحدة لان هناك ملكها الثلاث فملكت إيقاع الثلاث و مالك إيقاع الثلاث يملك
إيقاع الواحدة لان بعض المملوك مملوك و ههنا بخلافه لما بينا و بخلاف ما إذا قال
لها طلقي نفسك واحدة فقالت طلقت نفسى واحدة واحدة واحدة لان ثم أوقعت الواحدة بطريق
الاصالة لوجود لفظ الواحدة وقت وقوعها بطريق الاصالة فوقعت واحدة بطريق الاصالة ثم
اشتغلت بغيرها و هو مملوك لها فلغا و بخلاف ما إذا قال لها طلقي نفسك فقالت قد أبنت
نفسي لان هناك أوقعت ما فوض إليها بطريق الاصالة لان الابانة من ألفاظ الطلاق لغة
على ما نذكر الا انها زادت على القدر المفوض صفة البينونة فلغت و بقى أصل الطلاق و
الثاني ان المرأة بقولها طلقت نفسى ثلاثا أعرضت عما فوض الزوج إليها فيبطل التفويض
و يخرج الامر من يدها كما إذا اشتغلت بأمر آخر أو قامت عن مجلسها و دلالة انها
أعرضت عما فوض إليها انه فوض إليها الواحدة و هي أتت بالثلاث و الواحده من الثلاث
ان لم تكن الثلاث و لان الثلاث الواحدة ذاتا لان الواحدة منها و الشئ لا يكون نفسه
لكنها الواحدة لفظا و حكما و وقتا ( أما )اللفظ فان لفظ الواحدة لفظ الثلاث و كذا
حكمها حكم الثلاث و أما الوقت فان وقت وقوع الواحدة وقت وقوع الثلاث لان الواحدة
تقع عند قولها طلقت نفسى و الثلاث تقع عند قولها ثلاثا لما ذكرنا فيما تقدم ان
العدد و هو الواقع على معنى انه متى اقترن بذكر الطلاق ذكر عدد لا يقع الطلاق قبل
ذكر العدد و يقف أول الكلام على آخره فصارت المرأة باشتغالها بذكر الثلاث لفظا
معرضة عن الواحدة لفظا و حكما و وقت وقوع الطلاق لصيرورتها مشتغلة بغير ما ملكت
تاركة للمملوك و الاشتغال بغير المملوك دليل الاعراض عما ملكت و الاعراض عن ما ملكت
يوجب بطلان التمليك و خروج الامر عن يدها بخلاف ما إذا قال لها طلقي نفسك ثلاثا
فطلقت نفسها واحدة لان هناك ما أعرضت عما فوض إليها لانه فوض إليها الثلاث و تفويض
الثلاث تفويض الواحدة لان التفويض تمليك و تملك الثلاث تمليك الواحدة لانها من
أجزاء الثلاث و جزء المملوك مملوك فلم تصر باشتغالها بالواحدة مشتغلة بغير ما ملكت
و لا تاركة للمملوك فاما تمليك الجزء فلا يكون تمليك الكل فافترقا و الثالث ان
الزوج لم يملكها الا الواحدة المنفردة و ما أتت بالواحدة المنفردة فلم تأت بما
ملكها الزوج فلا يقع شيء كلما لو قال لها طلقي نفسك فأعتقت عبده و لا شك ان الزوج
لم يملكها الا الواحدة المنفردة لانه نص على التوحد و التوحد ينبئ عن التفرد في
اللغة فكان المفوض إليها طلقة واحدة منفردة عن غيرها و هي و ان أتت بالواحدة
بإتيانها بالثلاث فما أتت بالواحدة المنفردة لانها أتت بثلاث مجتمعة و الثلاثة
المجتمعة لا يوجد فيها واحدة منفردة لما فيه من الاستحالة لتضاد بين الاجتماع و
الافتراق فلم تأت بما فوض إليها فلا يقع شيء بخلاف ما إذا قال لها طلقي نفسك ثلاثا
(125)
القدر المفوض لانه فوض إليها الثلاث مطلقا عن صفة الاجتماع و الافتراق ألا ترى انها
لو طلقت نفسها ثلاثا متفرقة وقعت كما لو طلقت نفسها ثلاثا مجتمعة و لو كان المفوض
إليها الثلاث المجتمعة لما ملكت إيقاع الثلاث المتفرقة فإذا صارت الثلاث مطلقا
مملوكة لها مجتمعة كانت أو منفردة صارت كل واحدة من الطلقات الثلاث مملوكة لها
منفردة كانت أو مجتمعة فإذا طلقت نفسها واحدة فقد أتت بالمملوك ضرورة و هو الجواب
عما إذا قال لها طلقي نفسك واحدة فقالت طلقت نفسى واحدة واحدة واحدة انه يقع واحدة
لانها أتت بالمفوض و زيادة فيقع القدر المفوض و تلغو الزيادة و ههنا ما أتت بالمفوض
إليها أصلا و رأسا فهو الفرق و لا يلزم ما إذا قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسى
لان هناك أيضا أتت بالمفوض إليها و زيادة لان الزوج فوض إليها أصل الطلاق و هي أتت
بالاصل و الوصف لان الابانة من ألفاظ الطلاق على ما نذكر فلغا الوصف و هو وصف
البينونة و بقى الاصل و هو صريح الطلاق فتقع واحدة رجعية و ذكر القدوري عن أبى يوسف
في هذه المسألة ان قياس قول أبى حنيفة أن لا يقع شيء و على هذا الخلاف الذي ذكرنا
ما إذا قال لها طلقي نفسك واحدة ان شئت فطلقت نفسها ثلاثا و لو قال لها طلقي نفسك
ثلاثا ان شئت فطلقت نفسها واحدة أو ثنتين لا يقع شيء في قولهم جميعا لانه ملكها
الثلاث بشرط مشيئتها الثلاث فإذا شاءت ما دون الثلاث لم تملك الثلاث لوجود بعض شرط
الملك و الحكم المعلق بشرط لا يثبت عند وجود بعض الشرط و لو قال لها طلقي نفسك من
ثلاث ما شئت فلها أن تطلق نفسها واحدة و ثنتين و ليس لها أن تطلق نفسها ثلاثا في
قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد تطلق نفسها ثلاثا ان شاءت وجه قولهما ان كملة
من في مثل هذا الموضع تذكر لبيان الجنس فان من قال لغيره كل من هذا الرغيف ما شئت
كان له أن يأكل كل الرغيف و لابي حنيفة ان كلمة ما كلمة عامة و كلمة من للتبعيض
حقيقة فلا بد من اعتبار المعنيين جميعا و ذلك في أن يصير المفوض إليها من الثلاث
بعض له عموم و ذلك اثنان فتملك ما فوض إليها و هو الثنتان و في مسألة الرغيف صرفت
كلمة من عن حقيقتها إلى الجنس بدلالة الحال و هو أن الاصل في الطعام هو السماح دون
الشح خصوصا في حق من قدم اليه و لو قال لها طلقي نفسك ان شئت فقالت شئت لا يقع
الطلاق و لو قال لها أنت طالق ان شئت يقع لان في الفصل الاول أمرها بالتطليق فما لم
تطلق لا يقع الطلاق و مشيئة التطليق لا تكون تطليقا و في الفصل الثاني علق طلاقها
بمشيئتها و قد شاءت و لو قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسى طلقت واحدة تملك الرجعة
و ان قالت قد اخترت نفسى لم تطلق و وجه الفرق ان قولها أبنت من ألفاظ الطلاق لان
الابانة قطع الوصلة لغة و الطلاق رفع القيد لغة الا أن عمل صريح الطلاق يتأخر شرعا
في المدخول بها إلى ما بعد انقضاء العدة فكان بين اللفظين موافقة من حيث الاصل فإذا
قالت أبنت نفسى فقد أتت بالاصل و زادت صفة البينونة فتلغو الصفة و يبقى الاصل بخلاف
قولها اخترت لان الاختيار ليس من ألفاظ الطلاق لغة بدليل انه لو قال لامرأته اخترتك
أو قال اخترت نفسى لا يقع الطلاق و كذا إذا قالت المرأة طلقت نفسى أو أبنت نفسى وقف
على اجازة الزوج و لو قالت اخترت نفسى لا يقف على اجازته بل يبطل الا انه جعل من
ألفاظ الطلاق شرعا بالنص و إجماع الصحابة رضى الله عنهم عند خروجه جوابا للتخيير و
ما في معناه و هو الامر باليد فلا يكون جوابا في غيره فيلغو و حكى عن القدوري قول
أبى يوسف فقال قال أبو يوسف إذا قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسى لا يقع شيء على
قياس قول أبى حنيفة و وقع عندهما تطليقة رجعية كأنها قالت أبنت نفسى بتطليقة و لم
يذكر خلاف أبى حنيفة في الجامع الصغير و وجه الفرق ان بين هذه المسألة و بين قوله
طلقي نفسك واحدة على نحو ما بينا و لو قال لها طلقي نفسك تطليقة رجعية فطلقت نفسها
بائنا أو قال لها طلقي نفسك تطليقة بائنة فطلقت رجعية يقع ما أمر به الزوج لا ما
أتت به لانها انما تملك تطليق نفسها بتمليك الزوج لها فتملك ما ملكها الزوج و ما
أتت به موافق لما ملكها الزوج من حيث الاصل لان كل واحد منهما