المال عليها و ذكر الطحاوي في اختلاف العلماء انه واقع في الخلاف ابتداء انه لا يقع
الطلاق عند أصحابنا و قيل في المسألة روايتان و الحاصل أنه لا خلاف في أنه لا يجب
المال عليها لان الخلع في جانبها معاوضة المال بما ليس بمال و الصغيرة تتضرر بها و
تصرف الاضرار لا يدخل تحت ولاية الولى كالهبة و الصدقة و نحو ذلك و انما الاختلاف
في وقوع الطلاق وجه القول الاول ان صحة الخلع لا تقف على وجوب العوض فان الخلع يصح
على ما لا يصلح عوضا كالميتة و الدم و الخنزير و الخمر و نحو ذلك فلم يكن من ضرورة
عدم وجوب المال عدم وقوع الطلاق وجه الثاني أن الخلع متى وقع على بدل هو مال يتعلق
وقوع الطلاق بقبول يجب به المال و قبول الاب لا يجب به المال لانه ليس له ولاية
القبول على الصغيرة لكونه ضررا بها فان خلعها الاب على ألف على أنه ضامن فالخلع
واقع و الالف عليه لما ذكرنا ان من شرط صحة الخلع في حق وقوع الطلاق و وجوب البدل
قبول ما يصلح بدلا ممن هو أهل القبول و المرأة و الاب و الاجنبى في هذا سواء لما
بينا و اما شرط وجوب العرض و هو المسمى في عقد الخلع فله شرطان أحدهما قبول العوض
لان قبول العوض كما هو شرط وقوع الفرقة من جانبه فهو شرط لزوم العوض من جانبها لما
ذكرنا سواء كان العوض المذكور في الخلع من مهرها الذي استحقته بعقد النكاح من
المسمى و مهر المثل أو ما لا آخر و هو المسمى بالجعل فهذا الشرط يعم العوضين جميعا
و الثاني يخص الجعل لان ما يصلح عوضا في النكاح يصلح عوضا في الخلع من طريق الاولى
و ليس كل ما يصلح عوضا في الخلع يصلح عوضا في النكاح لان باب الخلع أوسع اذ هو
يتحمل جهالة لا يتحملها النكاح على ما نذكر لذلك اختص وجوب المسمى فيه بشرط لم
يشترط في النكاح لوجوب المسمى و هو تسمية مال متقوم موجود وقت الخلع معلوم أو مجهول
جهالة قليلة أو كثيرة و إذا لم تكن متفاحشة فان وجد هذا الشرط وجب الجعل و الا فلا
يجب و هل يجب عليها رد ما استحقته من المسمى أو مهر المثل بعقد النكاح ينظر ان كان
المسمى ما لا متقوما يجب و ان كان معدوما وقت الخلع أو مجهولا جهالة متفاحشة كجهالة
الجنس و ما يجرى مجراها و ان لم يكن المسمى ما لا متقوما فلا شيء عليها أصلا و تقع
الفرقة ثم الجعل في الخلع ان كان مما يصح تسميته مهرا في النكاح فحكمه حكم المهر
أعنى ان المسمى في النكاح ان كان مما يجبر الزوج على تسليم عينه إلى المرأة ففي
الخلع تجبر المرأة على تسليم عينه إلى الزوج و ان كان مما يتخير الزوج بين تسليم
الوسط منه و بين تسليم قيمته ففي الخلع تتخير المرأة كالعبد و الفرس و نحو ذلك لان
المسمى في العقدين جميعا عوض عن ملك النكاح الا انه في أحدهما عوض عنه ثبوتا و في
الآخر سقوطا فيعتبر أحد العقدين بالآخر في هذا الحكم و القيمة فيما يوجب الوسط منه
أصل لان كونه وسطا يعرف بها على ما مر في كتاب النكاح و بيان هذه الشرائط في مسائل
إذا خلع إمرأته على ميتة أو دم أو خمر أو خنزير وقعت الفرقة و لا شيء له على المرأة
من الجعل و لا يرد من مهرها شيأ أما وقوع الفرقة فلان الخلع بعوض معلق بقبول المرأة
ما جعل عوضا ذكرا و تسمية سواء كان المسمى مما يصلح عوضا أولا لانه من جانب الزوج
تعليق الطلاق بشرط القبول و قد قبلت فصار كانه صريح بتعليق الطلاق بقبولها العوض
المذكور فقبلت و لو كان كذلك لوقع الطلاق إذا قبلت كذا هذا و أما عدم وجوب شيء له
على المرأة فلان الخلع طلاق و الطلاق قد يكون بعوض و قد يكون بغير عوض و الميتة و
الدم ليست بمال في حق أحد فلا تصلح عوضا و الخمر و الخنزير لا قيمة لهما في حق
المسلمين فلم يصلحا عوضا في حقهم فلم تصح تسمية شيء من ذلك فإذا خلعها عليه فقد رضى
بالفرقة بغير عوض فلا يلزمها شيء و لان الخلع من جانب الزوج إسقاط الملك و إسقاط
الملك قد يكون بعوض و قد يكون بغير عوض كالاعتاق فإذا ذكر ما لا يصلح عوضا أصلا أو
ما لا يصلح عوضا في حق المسلمين فقد رضى بالاسقاط بغير عوض فلا يستحق عليها شيئا و
لان منافع البضع عند الخروج عن ملك الزوج متقومة لان المنافع في الاصل ليست بأموال
متقومة الا أنها جعلت متقومة عند المقابلة بالمال المتقوم فعند المقابلة بما ليس
بمال متقوم يبقى على الاصل و لانها انما
(148)
لها تعظيما للاآدمى لكونها سببا لحصوله فجعلت متقومة شرعا صيانة لها عن الابتدال و
الحاجة إلى الصيانة عند الدخول في الملك لا عند الخروج عن الملك لان بالخروج يزول
الابتذال فلا حاجة إلى التقوم فبقيت على الاصل و جعل الفرق بما ذكرنا بين الخلع على
هذه الاشياء و بين النكاح عليها لان هناك يجب مهر المثل لان النكاح لم يشرع الا
بعوض لما ذكرنا في مسائل النكاح و المذكور لا يصلح عوضا فالتحق ذلك بالعدم و وجب
العوض الاصلى و هو مهر المثل فاما الخلع فالعوض فيه لازم بل هو مشروع بعوض و بغير
عوض فلم يكن من ضرورة صحته لزوم العوض و كذا النكاح عليك البضع بعوض و الخلع إسقاط
الملك بعوض و بغير عوض و كذا منافع البضع عند الدخول أعطى لها حكم التقوم شرعا
لكونها وسيلة إلى حصول الآدمى المكرم و الخلع إبطال معنى التوسل فلا يظهر معنى
التقوم فيه و لو خلعها على شيء أشارت اليه مجهول فقالت على ما في بطون غنمي أو نعمى
من ولد أو على ما في ضروعها من لبن أو على ما في بطن جاريتي من ولد أو على ما في
نخلى أو شجري من ثمر فان كان هناك شيء فهو له عندنا و قال الشافعي لا شيء له وجه
قوله ان الجنين في البطن و اللبن في الضرع لا يصلح عوضا في الخلع لانه مقدور
التسليم و لهذا لم يصلح عوضا في النكاح و كذا في الخلع و الدليل عليه انه لا يجوز
بيعه و الاصل عنده ان كل ما لا يجوز بيعه لا يصلح عوضا في الخلع و لنا الفرق بين
الخلع و بين النكاح و هو أن باب الخلع أوسع من باب النكاح ألا ترى لو خلعها على عبد
له آبق صحت التسمية و لو زوجها عليه لم تصح التسمية فتصح اضافته إلى ما هو مال
متقوم موجود كما تصح اضافته إلى العبد الاآبق بل أولى لان ذاك له خطر الوجود و
العدم و هذا موجود و بهذا تبين ان القدرة على تسليم البدل ليست بشرط في الخلع فانه
جائز على العبد الابق و القدرة على تسليمه ثابتة بخلاف البيع فان القدرة على تسليم
المبيع شرط و ان لم يكن هناك شيء ردت عليه ما استحقت بعقد النكاح لانها لما سمت ما
لا متقوما فقد غرته تسمية المال المتقوم فصارت ملتزمة تسليم مال متقوم ضامنة له ذلك
و الزوج لم يرض بزوال ملكه الا بعوض هو مال متقوم و قد تعذر عليه الوصول اليه لعدمه
و لا سبيل إلى الرجوع إلى القيمة المذكورة لجهالتها و لا إلى قيمة البضع لما أنه لا
قيمة للبضع عند الخروج عن الملك لما ذكرنا فوجب الرجوع إلى ما قوم البضع على الزوج
عند الدخول و هو ما استحقته المرأة من المسمى أو مهر المثل و كذلك إذا قالت على ما
في بيتي من متاع انه ان كان هناك متاع فهو له و ان لم يكن يرجع عليها بالمهر لانها
غرته بتسمية مال متقوم فيلزمها ضمان الغرور و هو رد المهر المستحق لما قلنا و لو
قالت على ما في بطن غنمي أو ضروعها أو على ما في نخلى أو شجري و لم تزد على ذلك فان
كان هناك شيء أخذه لان التسمية وقعت على مال متقوم موجود لكنه مجهول لكن الجهالة
ليست بمتفاحشة فلا تمنع استحقاق الشيء و لم لم يكن هناك شيء فلا شيء له لانعدام
تسمية مال متقوم لانها ذكرت ما في بطنها و قد يكون في بطنها مال متقوم و قد لا يكون
فلم تصر بذكره غارة لزوجها بل الزوج هو الذي غر نفسه و الرجوع بحكم الغرور و لا
غرور منها فلا يرجع عليها بشيء و ان قالت اختلعت منك على ما تلد غنمي أو تحلب أو
بثمر نخلى أو شجري أو على ما أرثه العام أو أكسبه أو ما أستغل من عقارى فقبل الزوج
وقعت الفرقة و عليها أن ترد ما استحقت من المهر و ان ولدت الغنم و أثمر النخل و
الشجر أما وقوع الفرقة فلما ذكرنا ان ذلك يقف على قبول ما يصلح عوضا صحت تسميته
عوضا و أما وجوب رد المستحق فلانه لا سبيل إلى استحقاق المسمى لكونه معدوما وقت
الخلع و يجوز أن يوجد و يجوز أن لا يوجد و استحقاق المعدوم الذي له خطر الوجود و
العدم في عقد المعاوضة لم يرد الشرع به و ورد بتحمل الجهالة إذا لم يختلف المعقود
في قدر ما يتحمل لاختلافهما في احتمال السعة و الضيق و لا سبيل إلى إهدار التسمية
رأسا لانها سمت ما لا متقوما فلزم الرجوع إلى المهر المستحق بعقد النكاح و لو قالت
اخلعني على ما في يدى من دراهم أو دنانير أو فلوس فان كان في يدها شيء من ذلك فهو
له قل أو كثر لانها سمت ما لا متقوما و المسمى موجود فصحت التسمية و ان كان المسمى
مجهول القيمة و له ما في يدها من الجنس المذكور قل أو كثر لانه ذكر
(149)
كان أقل من ثلاثة فعليها من كل صنف سمته ثلاثة وزنا في الدراهم و الدنانير و عددا
في الفلوس لوجود تسمية المال المتقوم لان الدراهم و الدنانير و الفلوس أموال متقومة
و المذكور بلفظ الجمع و أقل الجمع الصحيح ثلاثة فينصرف إليها و يتعين المسمى كما في
الوصية بالدراهم بخلاف النكاح و العتق فانه إذا تزوج إمرأة على ما في يده من
الدراهم و ليس في يده من الدراهم شيء يجب عليه مهر المثل و لو أعتق عبده على ما في
يده من الدراهم و ليس في يده شيء يجب عليه قيمة نفسه لان منافع البضع ليست بمتقومة
عند الخروج عن الملك فلا يشترط كون المسمى معلوما و اعتبر المسمى مع جهالته في نفسه
و حمل على المتيقن بخلاف النكاح لان منافع البضع عند الدخول في الملك متقومة و كذا
العبد متقوم في نفسه فلا ضرورة إلى اعتبار المسمى المجهول و لو قالت على ما في يدى
و لم تزد عليه فان كان في يدها شيء فهو له لان التسمية وقعت على مال متقوم موجود
فصحت و استحق عليها ما في يدها قل أو كثر لان كلمة ما عامة فيما لا يعلم و ان لم
يكن في يدها شيء فلا شيء لانه إذا لم يكن في يدها شيء فلم توجد تسمية مال متقوم
لانها سمت ما في يدها و قد يكون في يدها شيء متقوم و قد لا يكون فلم يوجد شرط وجوب
شيء فلا يلزمها شيء و لو اختلعت الامة من زوجها على جعل بغير امر مولاها وقع الطلاق
و لا شيء عليها من الجعل حتى تعتق اما وقوع الطلاق فلانه يقف على قبول ما جعل عوضا
و قد وجد و اما وجوب الجعل بعد العتق فلانها سمت ما لا متقوما موجودا و هو معلوم
ايضا و هي من أهل التسمية فصحت التسمية الا انه تعذر الوجوب للحال لحق المولى
فيتأخر إلى ما بعد العتق و ان كان باذن المولى لزمها الجعل و تباع فيه لانه دين ظهر
في حق المولى فتباع فيه كسائر الديون و كذلك المكاتبة إذا اختلعت من زوجها على جعل
يجوز الخلع و يقع الطلاق و يتأخر الجعل إلى ما بعد العتاق و ان أذن المولى لان
رقبتها لا تحتمل البيع فلا تحتمل تعلق الدين بها و لو خلع إمرأته على رضاع ابنه
منها سنتين جاز الخلع و عليها ان ترضعه سنتين فان مات ابنها قبل أن ترضعه شيأ يرجع
عليها بقيمة الرضاع للمدة و ان مات في بعض المدة رجع عليها بقيمة ما بقي لان الرضاع
مما يصح الاستئجار عليه قال الله تعال فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن فيصح أن يجعل
جعلا في الخلع و هلاك الولد قبل الرضاع كهلاك عوض اختلعت عليه فهلك في يدها قبل
التسليم فيرجع إلى قيمته و لو شرط عليها نفقة الولد بعد الحولين و ضرب لذلك اجلا
أربع سنين أو ثلاث سنين فذلك باطل و ان هلك الولد قبل تمام الرضاع فلا شيء عليها
لان النفقة ليس لها مقدار معلوم فكانت الجهالة متفاحشة فلا يلزمها شيء و لكن الطلاق
واقع لما ذكرنا و لو اختلعت في مرضها من الثلث لانها متبرعة في قبول البدل فيعتبر
من الثلث فان ماتت في العدة فلها الاقل من ذلك و من ميراثه منها و لو خالعها على
حكمه أو حكمها أو حكم أجنبي فعليها المهر الذي استحقته بعد النكاح لان الخلع على
الحكم خلع بتسمية فاسدة لتفاحش الجهالة و الخطر ايضا فلم تصح التسمية فلا تستحق
المسمى فيرجع عليها بالمهر لان الخلع على الحكم خلع ما يقع به الحكم و لا يقع الا
بمال متقوم عادة فكان الخلع على الحكم خلعا على مال متقوم فقد غرته بتسمية مال
متقوم الا انه لا سبيل إلى استحقاق ما يقع به الحكم لكونه مجهولا جهالة متفاحشة
كجهالة الجنس فترجع إلى ما استحقته من المهر ثم ينظر ان كان الحكم إلى الزوج فان
حكم بمقدار المهر تجبر المرأة على تسليم ذلك لانه حكم بالقدر المستحق و كذلك ان حكم
بأقل من مقدار المهر لانه حط بعضه فهو تملك حط بعضه لانه تملك حط الكل فالبعض أولى
و ان حكم بأكثر من المهر لم تلزمها الزيادة لانه حكم لنفسه بأكثر من القدر المستحق
فلا يصح الا برضاها و ان كان الحكم إليها فان حكمت بقدر المهر جاز ذلك لانها حكمت
بالقدر المستحق و كذلك ان حكمت بأكثر من قدر المهر لانها حكمت لنفسها بالزيادة و هي
تملك بذل الزيادة و ان حكمت بأقل من المهر لم يجز الا برضا الزوج لانها حطت بعض ما
عليها و هي لا تملك حط ما عليها و ان كان الحكم إلى الاجنبي فان حكم بقدر المهر جاز
و ان حكم بزيادة أو نقصان لم تجز الزيادة الا برضا المرأة و النقصان الا برضا الزوج
لان في الزيادة إبطال حق المرأة و في النقصان إبطال حق الزوج فلا يجوز من رضا صاحب
الحق و لو
المرأة و على الزوج البينة لان قبول البدل إلى المرأة و الزوج يدعى عليها شيأ و هي
تنكر فكان القول قولها و لو قال لها طلقتك أمس على ألف درهم أو بألف درهم فلم تقبلى
فقالت لا بل كنت قبلت فالقول قول الزوج فرق بين هذا و بين ما إذا قال لانسان بعتك
هذا العبد أمس بألف درهم فلم تقبل فقال لا بل قبلت ان القول قول المشترى و وجه
الفرق ان الزوج في مسألة الطلاق لم يصر مناقضا في قوله فلم تقبلى لان قول الرجل
لامرأته طلقتك أمس على ألف يسمى طلاقا على ألف قبلته المرأة أو لم تقبل فلم يكن
الزوج في قوله فلم تقبلى مناقضا بخلاف البيع لان الايجاب بدون القبول لا يسمى بيعا
فكان الاقرار بالايجاب اقرارا بالقبول فصار البائع مناقضا في قوله فلم تقبل و لان
المرأة في باب الطلاق تدعى وقوع الطلاق لانها تدعى وجود شرط الوقوع و الزوج ينكر
الوقوع لانكاره شرط الوقوع فكان القول قول المنكر و الله الموفق ( و أما )بيان قدر
ما يحل للزوج من أخذ العوض و ما لا يحل فجملة الكلام فيه ان النشوز لا يخلو ان كان
من قبل الزوج و اما ان كان من قبل المرأة فان كان من قبل الزوج فلا يحل له أخذ شيء
من العوض على المخلع لقوله تعالى و ان أردتم استبدال زوج مكان زوج و آتيتم إحداهن
قنطارا فلا تأخذوا منه شيأ نهى عن أخذ شيء مما آتاها من المهر و آكد النهى بقوله أ
تأخذونه بهتانا و اثما مبينا و قوله و لا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن أى لا
تضيقوا عليهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الا ان يأتين بفاحشة مبينة أى الا ان ينشرن
نهى الازواج عن أخذ شيء مما اعطوهن و استثنى حال نشوزهن و حكم المستثنى يخالف حكم
المستثنى منه فيقتضى حرمة أخذ شيء مما اعطوهن عند عدم النشوز منهن و هذا في حكم
الديانة فان أخذ جاز ذلك في الحكم و لزم حتى لا يملك استرداده لان الزوج أسقط ملكه
عنها بعوض رضيت به و الزوج من أهل الاسقاط و المرأة من أهل المعاوضة و الرضا فيجوز
في الحكم و القضاء و ان كان النشوز من قبلها فلا بأس بأن يأخذ منها شيأ قدر المهر
لقوله تعالى الا أن يأتين بفاحشة مبينة أى الا أن ينشزن و الاستثناء من النهى إباحة
من حيث الظاهر و قوله فلا جناح عليهما فيما افتدت به قيل أى لا جناح على الزوج في
الاخذ و على المرأة في الاعطاء و أما الزيادة على قدر المهر ففيها روايتان ذكر في
كتاب الطلاق انها مكروهة و هكذا روى عن على رضى الله عنه انه كره للزوج ان يأخذ
منها أكثر مما أعطاها و هو قول الحسن البصري و سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و
طاووس و ذكر في الجامع الصغير انها مكروهة و هو عثمان البتى و به أخذ الشافعي وجه
هذه الرواية ظاهر قوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به رفع الجناح عنهما في
الاخذ و العطاء من الفداء من فصل بين ما إذا كان مهر المثل أو زيادة عليه فيجب
العمل بإطلاق النص و لانها أعطت مال نفسها بطيبة من نفسها و قد قال الله تعالى فان
طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا بخلاف ما إذا كان النشوز من قبله لان
النشوز إذا كان من قبل الزوج كانت هي مجبورة في دفع المال لان الظاهر انها مع
رغبتها في الزوج لا تعطى إذا كانت مضطرة من جهته بأسباب أو مغترة بأنواع التغرير و
التزوير فكره الاخذ وجه رواية الاصل قوله تعالى و لا يحل لكم ان تأخذوا مما
آتيتموهن شيأ الا أن يخافا ان لا يقيما حدود الله إلى قوله و لا جناح عليهما فيما
افتدت به نهي عن اخذ ؟ مما أعطاها من المهر و استثنى القدر الذي أعطاها من المهر
عند خوفهما ترك اقامة حدود الله على ما نذكر و النهي عن اخذ شيء من المهر نهى عن
اخذ الزيادة على المهر من طريق الاولى كالنهي عن التأفيف انه يكون نهيا عن الضرب
الذي هو فوقه بالطريق الاولى و روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما قال
لامرأة ثابت بن قيس بن شماس أ تردين عليه حديقته فقالت نعم و زيادة قال أما الزيادة
فلا نهى عن الزيادة مع كون النشوز من قبلها و به تبين ان المراد من قوله فيما افتدت
قدر المهر لا الزيادة عليه و ان كان ظاهره عاما عرفنا ببيان النبي صلى الله عليه و
سلم الذي هو وحي متلو و الدليل عليه أيضا قوله تعالى في صدر الآية و لا يحل لكم ان
تأخذوا مما آتيتموهن شيأ ذكر في أول الآية ما آتاها فكان المذكور في آخرها و هو
قوله فيما افتدت به مردود إلى أولها فكان المراد من قوله فيما افتدت أي بما آتاها
(151)
فصل وأما حكم الخلع فنقول الخ
و نحن به نقول انه يحل له قدر ما آتاها و أما قوله انهاأعطته مال نفسها بطيبة من نفسها فنعم لكن ذاك دليل الجواز و به نقول ان الزيادة
جائزة في الحكم و القضاء و لان الخلع من جانبها معاوضة حالة عن الطلاق و إسقاط ما
عليها من الملك و دفع المال عوضا عما ليس بمال جائز في الحكم إذا كان ذلك مما يرغب
فيه ألا ترى انه جاز العتق على قليل المال و كثيره و أخذ المال بدلا عن إسقاط الملك
و الرق و كذلك الصلح عن دم العمد و كذلك النكاح لما جاز على أكثر من مهر مثلها و هو
بدل البضع فكذا جاز ان تضمنه المرأة بأكثر من مهر مثلها لانه بدل من سلامة البضع في
الحالين جميعا الا انه نهى عن الزيادة على قدر المهر لا لمعنى في نفس العقد بل
لمعنى في غيره و هو شبهة الربا و الاضرار بها و لا يوجد ذلك في قدر المهر فحل له
أخذ قدر المهر و الله أعلم ( فصل )و أما حكم الخلع فنقول و بالله التوفيق يتعلق
بالخلع أحكام بعضها يعم كل طلاق بائن و بعضها يخص الخلع أما الذي يعم كل طلاق بائن
فنذكره في بيان حكم الطلاق ان شاء الله تعالى و أما الذي يخص الخلع فالخلع لا يخلو
اما ان كان بغير بدل و اما ان كان ببدل فان كان بغير بدل بان قال خالعتك و نوى
الطلاق فحكمه انه يقع الطلاق و لا يسقط شيء من المهر و ان كان ببدل فان كان البدل
هو المهر بان خلعها على المهر فحكمه ان المهر ان كان مقبوض انه يسقط المهر عن الزوج
و تسقط عنه النفقة الماضية و ان كان مقبوضا فعليها ان ترده على الزوج و ان كان
البدل ما لا آخر سوى المهر فحكمه حكم سقوط كل حكم وجب بالنكاح قبل الخلع من المهر و
النفقة الماضية و وجوب البدل حتى لو خلعها على عبد أو على مائة درهم و لم يذكر شيأ
آخر فله ذلك ثم ان كان لم يعطها المهر بري و لم يكن لها عليه شيء سواء كان لم يدخل
بها أو كان قد دخل بها و ان كان قد أعطاها المهر لم يرجع عليها شيء سواء كان بعد
الدخول بها أو قبل الدخول بها و كذلك إذا بارأها على عبد أو على مائة درهم فهو مثل
الخلع في جميع ما وصفنا و هذا قول أبي حنيفة و قال أبو يوسف في المبارأة مثل قول
أبي حنيفة و قال في الخلع انه لا يسقط به الا ما سميا و قال محمد لا يسقط في الخلع
و المبارأة جميعا الا ما سميا حتى انه لو طلقها على مائة درهم و مهرها ألف درهم فان
كان المهر مقبوض فانها لا ترجع عليه بشيء سواء كان الزوج لم يدخل بها أو كان قد دخل
بها في قول أبي حنيفة و له عليها مائة درهم و عندهما ان كان قبل الدخول بها فلها ان
ترجع عليه بنصف المهر و ذلك خمسمأة و له عليها مائة درهم فيصير قدر المائة قصاصا
فيرجع عليه بأربعمائة و ان كان بعد الدخول فلها ان ترجع عليه بكل المهر الا قدر
المائة فترجع عليه بتسعمائة و ان كان المهر مقبوضا فله عليها المائة لا و ليس له ان
يرجع عليها بشيء من المهر سواء كان قبل الدخول بها أو بعده في قول أبي حنيفة و
عندهما ان كان قبل الدخول يرجع إلى الزوج عليها بنصف المهر و ان كان بعده لا يرجع
عليها بشيء و هكذا الجواب في المبارأة عند محمد و الحاصل ان ههنا ثلاث مسائل الخلع
و المبارأة و الطلاق على مال و لا خلاف بينهم في الطلاق على مال انه لا يبرأ به من
سائر الحقوق التي وجبت لها بسبب النكاح و لا خلاف أيضا في سائر الديون التي وجبت لا
بسبب النكاح و انها لا تسقط بهذه التصرفات و انما الخلاف بينهم في الخلع و المبارأة
و اتفق جواب أبي حنيفة و أبي يوسف في المبارأة و اختلف جوابهما في الخلع و اتفق
جواب أبي يوسف و محمد في الخلع و اختلف في المبارأة فأبو يوسف مع أبي حنيفة في
المبارأة و مع محمد في الخلع وجه قول محمد ان الخلع طلاق بعوض فاشبه الطلاق على مال
و الجامع بينهما ان حق الانسان لا يسقط من إسقاطه و لم يوجد في الموضعين الا إسقاط
ما سميا فلا يسقط ما لم تجز به التسمية و لهذا لم يسقط به سائر الديون التي لم تجب
بسبب النكاح و كذا لا تسقط نفقة العدة الا بالتسمية و ان كانت من أحكام النكاح كذا
هذا وجه قول أبي يوسف و هو الفرق بين الخلع و المباراة ان المباراة صريح في إيجاب
البراءة لانها إثبات البراءة نصا فيقتضي ثبوت البراءة مطلقا فيظهر في جميع الحقوق
الثابتة بينهما بسبب النكاح فاما الخلع فليس نصا في إيجاب البراءة لانه ليس في لفظه
ما ينبئ عن البراءة و انما تثبت البراءة مقتضاه و الثابت بطريق الاقتضاء لا يكون
ثابتا من جميع الوجوه فثبتت البراءة بقدر ما وقعت التسمية لا و لابي حنيفة ان الخلع
في معنى المبارأة لان المبارأة مفاعلة من البراءة
(152)
فصل وأما الطلاق على مال فهو في أحكامه كالخلع
و الابراء إسقاط فكان إسقاطا من كل واحد من الزوجين الحقوقالمتعلقة بالعقد المتنازع فيه كالمتخاصمين في الديون إذا اصطلحا على مال سقط بالصلح
جميع ما تنازعا كذا بالمبارأة و الخلع مأخوذ من الخلع و هو النزع و النزع إخراج
الشيء من الشيء فمعني قولنا خلعها أي أخرجها من النكاح و ذلك بإخراجها من سائر
الاحكام بالنكاح و ذلك انما يكون بسقوط الاحكام الثابتة بالنكاح و هو معنى البراءة
فكان الخلع في معنى البراءة و العبرة في العقود للمعاني لا للالفاظ و قد خرج الجواب
عما ذكره أبو يوسف و أما قول محمد انه لم يوجد منها إسقاط المسمى فنقول ان لم يوجد
نصا فقد وجد دلالة لما ذكرنا ان لفظ الخلع دليل عليه و لان قصدهما من الخلع قطع
المنازعة و ازالة الخلف بينهما و المنازعة و الخلف انما وقعا في حقوق النكاح و لا
تندفع المنازعة و الخلف الا باسقاط حقوقه فكان ذلك تسمية منها لسائر الحقوق
المتعلقة بالنكاح دلالة بخلاف سائر الديون لانه لا تعلق لها بالنكاح و لم تقع
المنازعة فيها و لا في سببها فلا ينصرف الاسقاط إليها بخلاف الطلاق على مال لانه لا
يدل على إسقاط الحقوق الواجبة بالنكاح لا نصا و لا دلالة و أما نفقة العدة فلانها
لم تكن واجبة قبل الخلع فلا يتصور إسقاطها بالخلع بخلاف النفقة الماضية لانها كانت
واجبة قبل الخلع بفرض القاضي أو بالتراضي فكان الخلع إسقاطا بعد الوجوب فصح و لو
خلعها على نفقة العدة صح و لا تجب النفقة و لو أبرأت الزوج عن النفقة في حال قيام
النكاح لا يصح الابراء و تجب النفقة لان النفقة في النكاح تجب شيأ فشيأ على حسب
حدوث الزمان يوما فيوما فكان الابراء عنها إبراء قبل الوجوب فلم يصح فاما نفقة
العدة فانما تجب عند الخلع فكان الخلع على النفقة مانعا من وجوبها و لا يصح الخلع
على السكنى و الابراء عنه لان السكنى تجب حقا لله تعالى قال الله تعالى و لا
تخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة فلا يملك العبد إسقاطه و
الله تعالى أعلم ( فصل )و أما الطلاق على مال فهو في أحكامه كالخلع لان كل واحد
طلاق بعوض فيعتبر في أحدهما ما يعتبر في الآخر الا انهما يختلفان من وجه و هو ان
العوض إذا أبطل في الخلع بان وقع الخلع على ما ليس بمال متقوم يبقى الطلاق بائنا و
في الطلاق على مال إذا أبطل العوض بان سميا ما ليس بمال متقوم فالطلاق يكون رجعيا
لان الخلع كناية و الكنايات مبينات عندنا فأما الطلاق على مال فصريح و انما تثبت
البينونة بتسمية العوض إذا صحت التسمية فإذا لم تصح التحقت بالعدم فبقى صريح الطلاق
فيكون رجعيا و لو قال لها أنت طالق بألف درهم فقبلت طلقت و عليها ألف لان حرف الباء
حرف إلصاق فيقتضي إلصاق البدل بالمبدل و كذلك لو قال أنت طالق على ألف درهم لان على
كلمة شرط يقال زرتك على ان تزورني أي بشرط أن تزورني و كذا قال لامرأته أنت طالق
على ان تدخلين الدار كان دخول الدار شرطا كما لو قال ان دخلت الدار و هي كلمة إلزام
أيضا فكان هذا إيقاع الطلاق بشرط ان تعطيه الالف عقيب وقوع الطلاق و يلزمها الالف
فيقع الطلاق بقبولها و تجب عليها الالف و لو قال أنت طالق و عليك ألف درهم طلقت
المرأة الرجعية و لا شيء عليها من الالف سواء قبلت أو لم تقبل في قول أبي حنيفة و
قال أبو يوسف و محمد إذا قبلت طلقت بائنة و عليها الالف و على هذا الخلاف إذا قالت
المرأة لزوجها طلقني و لك ألف درهم فطلقها انه يقع طلقة رجعية و لا يلزمها البدل في
قول أبي حنيفة و عندهما يقع الطلاق و عليها الالف و على هذا الخلاف إذا قال لعبده
أنت حر و عليك ألف درهم انه يعتق سواء قبل أو لم يقبل في قول أبي حنيفة و عندهما
إذا قبل يعتق و عليه الالف وجه قولهما ان هذه الواو واو حال فيقتضي ان وجوب الالف
حال وقوع الطلاق و العتاق و لان هذه اللفظة تستعمل في الابدال فان من قال لآخر احمل
هذا الشيء إلى مكان كذا و لك درهم فحمل يستحق الاجرة كما لو قال له احمل بدرهم و
لابي حنيفة ان كل واحدة من الكلامين كلام تام بنفسه أعنى قوله أنت طالق و قوله و
عليك ألف درهم لان كل واحد منهما مبتدأ و خبر فلا يجعل الثاني متصلا بالاول الا
لضرورة و الضرورة فيما كان الغالب فيه ان يكون بعوض كما في قوله احمل هذا إلى بيتي
و لك ألف و لا ضرورة في الطلاق و العتاق لان الغالب وجودهما بغير عوض فلا يجعل
الثاني متصلا بالاول من ضرورة و أما قولهما الواو واو حال فممنوع بل واو عطف في
الاخبار معناه أخبرك
فصل وأما الذى يرجع إلى نفس الركن الخ
انك طالق و أخبرك ان عليك ألف درهم و لو قالت المرأة لزوجهاطلقني ثلاثا على ألف درهم فطلقها ثلاثا يقع عليها ثلاث تطليقات بألف و هذا مما لا
اشكال فيه و لو طلقها واحدة وقعت واحدة رجعية بغير شيء في قول أبي حنيفة و قال أبو
يوسف و محمد يقطع واحدة بائنة بثلث الالف و لو قالت طلقني ثلاثا بألف درهم فطلقها
ثلاثا يقع ثلاثة بألف درهم لا شك فيه و لو طلقها واحدة وقعت واحدة بائنة بثلث الالف
في قولهم جميعا ( وجه )قولهما ان كلمة على في المعاملات و حرف الباء سواء يقال بعت
عنك بألف و بعت منك على ألف و يفهم من كل واحدة منهما كون الالف بدلا و كذا قول
الرجل لغيره احمل هذا الشيء إلى بيتي على درهم و قوله بدرهم سواء حتى يستحق البدل
فيهما جميعا و الاصل أن اجزاء البدل تنقسم على أجزاء المبدل إذا كان متعددا في نفسه
فتنقسم الالف على الثلاث فيقع واحدة بثلث الالف كما لو ذكرت بحرف الباء فكانت بائنة
لانها طلاق بعوض و لابي حنيفة ان كلمة على كلمة شرط فكان وجود الطلقات الثلاث شرطا
لوجوب الالف فكانت الطلقة الواحدة بعض الشرط و الحكم لا يثبت بوجود بعض الشرط فلما
لم يطلقها ثلاثا لا يستحق شيأ من الالف بخلاف حرف الباء فانه حرف مبادلة فيقتضي
انقسام البدل على المبدل فتنقسم الالف على التطليقات الثلاث فكان بمقابلة كل واحدة
ثلث الالف و لا يشكل هذا القدر بما إذا قال لها طلقي نفسك ثلاثا بألف فطلقت نفسها
واحدة أنه لا يقع شيء لان الزوج لم يرض بالبينونة الا بكل الالف فلا يجوز وقوع
البينونة ببعضها فإذا أمرته بالطلاق فقالت طلقني ثلاثا بألف درهم فقد سألت الزوج ان
يبينها بألف و قد أبانها بأقل من ذلك فقد زادها خيرا و الاشكال انها سألته الابانة
الغليظة بألف و لم يأت بها بل أتى بالخفيفة و لعل لها غرضا في الغليظة و الجواب ان
غرضها في استيفاء مالها مع حصول البينونة التي وضع لها الطلاق أشد ( و أما )قولهما
ان كلمة على تستعمل في الابدال فنعم لكن مجازا لا حقيقة و لا تترك الحقيقة الا
لضرورة و في البيع و نحوه ضرورة و لا ضرورة في الطلاق على ما بينا على أن اعتبار
الشرط يمنع الوجوب لما بينا و اعتبار البدل يوجب فيقع الشك في الوجوب فلا يجب مع
الشك و لو قالت إمرأتان له طلقنا بألف درهم أو على ألف درهم فطلقهما يقع الطلاق
ثلاثا عليهما بالالف و هذا لا يشكل و لو طلق احداهما وقع الطلاق عليها بحصتها من
الالف بالاجماع و الفرق لابي حنيفة بين هذه المسألة و بين مسألة الخلاف انه لا غرض
لكل واحدة من المرأتين في طلاق الاخرى فلم يعتبر معنى الشرط و للمرأة غرض في اجتماع
تطليقاتها لان ذلك أقوى للتحريم لثبوت البينونة الغليظة بها فاعتبر معنى الشرط و لو
قالت طلقني واحدة بألف فقال أنت طالق ثلاثا وقع الثلاث مجانا بغير شيء في قول أبى
حنيفة و قال أبو يوسف و محمد يقع ثلاث تطليقات كل واحدة منها بألف و هذه فريعة أصل
ذكرناه فيما تقدم و هو أن من أصل أبى حنيفة أن الثلاث لا تصلح جوابا للواحدة فإذا
قال ثلاثا فقد عدل عما سألته فصار مبتدئا بالطلاق فتقع الثلاث بغير شيء و من أصلهما
ان في الثلاث ما يصلح جوابا للواحدة لان الواحدة توجد في الثلاث فقد أتى بما سألته
و زيادة فيلزمها الالف كانه قال أنت طالق واحدة و واحدة و واحدة و لو طلقني واحدة
بألف فقال أنت طالق ثلاثا بألف وقف على قبولها عند أبى حنيفة أن قبلت جاز و الا بطل
لانه عدل عما سألته فصار مبتدئا طلاقا بعوض فيقف على قبولها و عند أبى يوسف و محمد
يقع الثلاث واحدة منها بألف كما سألت و اثنتان بغير شيء و حكى الجصاص عن الكرخي أنه
قال رجع أبو يوسف في هذه المسألة إلى قول أبى حنيفة و ذكر أبو يوسف في الامالي ان
الثلاث يقع واحدة منها بثلث الالف و الاثنتان تقفان على قبول المرأة قال القدوري و
هذا صحيح على أصلهما لانها جعلت في مقابلة الواحدة الفا فإذا أوقعها بثلث الالف فقد
زادها خيرا و ابتدأ تطليقتين بثلثي الالف فوقف ذلك على قبولها و الله أعلم ( فصل )و أما الذي يرجع إلى نفس الركن فمنها أن لا يلحقه استثناء أصلا و رأسا سواء كان
وضعيا أو عرفيا عند عامة العلماء و عند مالك الاستثناء العرفي لا يمنع وقوع الطلاق
و سنذكر المسألة ان شاء الله تعالى و الكلام في هذا الشرط يقع في مواضع في بيان
أنواع الاستثناء و في بيان ماهية كل نوع و في بيان شرائط صحته أما الاول فالاستثناء
في