دلالة الرجعة ثم ابتداء الدليل في المسألة قوله تعالى و بعولتهن أحق بردهن سمى
الرجعة ردا و الرد لا يختص بالقول كرد المغصوب ورد الوديعة قال النبي صلى الله عليه
و سلم على اليد ما أخذت حتى ترده و قوله تعالى فأمسكوهن بمعروف و قوله عز و جل
فإمساك بمعروف سمى الرجعة إمساكا و الامساك حقيقة يكون بالفعل و كذا ان جامعته و هو
نائم أو مجنون لان ذلك حلال لها عندنا فلو لم يجعل رجعة لصارت مرتكبة للحرام على
تقدير انقضاء العدة من رجعة من الزوج فجعل ذلك منها رجعة شرعا ضرورة التحرز عن
الحرام و لان جماعها كجماعه لها في باب التحريم فكذا في باب الرجعة و كذلك إذا
لمسها لشهوة أو نظر إلى فرجها عن شهوة فهو مراجع لما قلنا و ان لمس أو نظر لغير
شهوة لم يكن رجعة لان ذلك حلال في الجملة ألا ترى أن القابلة و الطبيب ينظران إلى
الفرج و يمس الطبيب عند الحاجة اليه بغير شهوة فلا ضرورة إلى جعله رجعة و كذلك إذا
نظر إلى الفرج لشهوة لانه ذلك أيضا مباح في الجملة و يكره التقبيل و اللمس لغير
شهوة إذا لم يرد به المراجعة و كذا يكره أن يراها متجردة لغير شهوة كذا قال أبو
يوسف لانه لا يأمن من أن يشتهى فيصير مراجعا من إشهاد و ذلك مكروه و كذا لا يأمن من
الاضرار بها لجواز أن يشتهى فيصير به مراجعا و هو لا يريد إمساكها فيطلقها فتطول
العدة عليها فتتضرر به و الله تعالى نهى عن ذلك بقوله و لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا و
كذا قال أبو يوسف ان الاحسن إذا دخل عليها أن يتنحنح و يسمعها خفق نعليه ليس من أجل
انها حرام و لكن لا يأمن من أن يرى الفرج بشهوة فيكون رجعة بغير إشهاد و هذه عبارة
أبى يوسف و لو نظر إلى دبرها موضع خروج الغائط بشهوة لم يكن ذلك رجعة كذا ذكر في
الزيادات و هو قول محمد الاخير و كان يقول أو لا انه يكون رجعة ثم رجع حكى إبراهيم
بن رستم رجوعه و هو قياس قول أبى حنيفة لان ذلك السبيل لا يجرى مجرى الفرج ألا ترى
ان الوطء فيه لا يوجب الحد عنده فكان النظر اليه كالنظر إلى سائر البدن و لان النظر
إلى الفرج بشهوة انما كان رجعة لكون الوطء حلالا تقريرا للحل صيانة عن الحرام و
النظر إلى هذا المحل عن شهوة مما لا يحتمل الحل بحال كما أن الفعل فيه لا يحتمل
الحل بحال فلا يصلح دليلا على الرجعة و لو نظرت إلى فرجه بشهوة قال أبو يوسف قياس
قول أبى حنيفة أن يكون رجعة و هذا قبيح و لا يكون رجعة و كذا قال أبو يوسف و الصحيح
قياس قول أبي حنيفة لما ذكرنا فيما إذا جامعته و هو نائم أو مجنون و لان النظر حلال
لها كالوطء فيجعل رجعة تقريرا للحل و صيانة عن الحرمة و لان النظرين يستويان في
التحريم ألا ترى أن نظرها إلى فرجه كنظره إلى فرجها في التحريم فكذا في الرجعة و لو
لمسته لشهوة مختلسة أو كان نائما أو اعترف الزوج أنه كان بشهوة فهو رجعة في قول أبى
حنيفة و محمد و قال أبو يوسف ليس برجعة فأبو حنيفة سوى بينها و بين الجارية
المشتراة بشرط الخيار للمشتري إذا لمست المشترى أنه يبطل خياره و محمد فرق بينهما
فقال ههنا يكون رجعة و هناك لا يكون اجازة للبيع و عن أبى يوسف في الجارية روايتان
في رواية فرق فقال ثمة يكون اجازة للبيع و ههنا لا يكون رجعة و في رواية سوى بينهما
فقال فعلها لا يكون رجعة ههنا و لا فعل الامة يكون اجازة ثمة فعلى هذه الرواية لا
يحتاج إلى الفرق بين المسئلتين و وجه الفرق له على الرواية الاخرى ان بطلان الخيار
لا يقف على فعل المشترى بل قد يبطل بغير فعله كما إذا تعيبت في يده بآفة سماوية
فأما الرجعة فلا يجوز أن تثبت الا باختيار الزوج حتى قال أبو يوسف انها إذا لمسته
فتركها و هو يقدر على منعها كان ذلك رجعة لانه لما مكنها من اللمس فقد حصل ذلك
باختياره فصار كانه لمسها و كذلك قال أبو يوسف إذا أبتدأت اللمس و هو مطاوع لها انه
يكون رجعة لما قلنا و وجه الفرق لمحمد ان إسقاط الخيار إدخال الشيء في ملك المشترى
و الامة لا تملك ذلك و ليست الرجعة إدخال المرأة على ملك زوجها لانها على ملكه فلو
جعلناه مراجعا بفعلها لم تملكه ما لم يكن ملكا له فصحت الرجعة و لابي حنيفة على نحو
ما ذكرنا و هو ان اللمس حلال من الجانبين عندنا فلزم تعذر الحل فيه و صيانته عن
الحرمة و ذلك يجعله رجعة على ما سبق بيانه كما قال في الجارية ان اللمس منها لو لم
يجعل اجازة للبيع و ربما يفسخ البيع فتبين ان اللمس حصل في ملك الغير من وجه و ما
(183)
فصل وأما شرائط جواز الرجعة فمنها الخ
ذكره أبو يوسف ان الرجعة لا تعتبر بغير اختيار الزوج يشكلبما إذا جامعته و هو نائم انه تثبت الرجعة من اختيار الزوج و ما ذكر محمد ان إسقاط
الخيار إدخال المبيع في ملك المشترى و ليس بممنوع بل المبيع يدخل في ملكه بالسبب
السابق عند سقوط الخيار على أن هذا فرقا بين المسئلتين فيما وراء المعنى المؤثر و
الفرق بين المسئلتين فيما وراء المعنى المؤثر لا يقدح في الجمع بينهما في المعنى
المؤثر قال محمد و لو صدقها الورثة بعد موته أنها لمسته بشهوة لكان ذلك رجعة لان
الورثة قاموا مقامه فكان صدقها قبل موته قال و لو شهد الشهود أنها قبلته بشهوة لم
تقبل شهادتهم لان الشهوة معنى في القلب لا يقف عليه الشهود فلا تقبل شهادتهم فيه و
ان شهدوا على الجماع قبلت لان الجماع معنى يوقف عليه و يشاهد و لا يحتاج إلى شرط
الشهوة فتقبل فيه الشهادة و أما ركن الرجعة فهو قول أو فعل يدل على الرجعة أما
القول فنحو أن يقول لها راجعتك أو رددتك أو رجعتك أو أعدتك أو راجعت إمرأتي أو
راجعتها أو رددتها أو أعدتها و نحو ذلك لان الرجعة رد و اعادة إلى الحالة الاولى و
لو قال لها نكحتك أو تزوجتك كان رجعة في ظاهر الرواية و روى عن أبى حنيفة انه لا
يكون رجعة وجه هذه الرواية ان النكاح بعد الطلاق الرجعي قائم من كل وجه فكان قوله
نكحتك إثبات الثابت و أنه محال فلم يكن مشروعا فكان ملحقا بالعدم شرعا فلم يكن رجعة
بخلاف قوله راجعتك لان ذلك ليس بإثبات النكاح بل هو استيفاء النكاح الثابت و أنه
محل للاستيفاء لانه انعقد سبب زواله و الرجعة فسخ السبب و منع له عن العمل فيصح وجه
ظاهر الرواية ان النكاح و ان كان ثابتا حقيقة لكن المحل لا يحتمل الاثبات فيجعل
مجازا عن استيفاء الثابت لما بينهما من المشابهة تصحيحا لتصرفه بقدر الامكان و قد
قيل في أحد تأويلى قوله تعالى و بعولتهن أحق بردهن في ذلك أى أزواجهن أحق بنكاحهن
في العدة من غيرهم من الرجال و النكاح المضاف إلى المطلقة طلاقا رجعيا فدل على ثبوت
الرجعة بالنكاح و أما الفعل الدال على الرجعة فهو أن يجامعها أو يمس شيئا من
أعضائها لشهوة أو ينظر إلى فرجها عن شهوة أو يوجد شيء من ذلك ههنا على ما بينا و
وجه دلالة هذه الافعال على الرجعة ما ذكرنا فيما تقدم و هذا عندنا فأما عند الشافعي
فلا تثبت الرجعة الا بالقول بناء على أصل ما ذكرناه و الله عز و جل أعلم ( فصل )و
أما شرائط جواز الرجعة فمنها قيام العدة فلا تصح الرجعة بعد انقضاء العدة لان
الرجعة استدامة الملك و الملك يزول بعد انقضاء العدة فلا تتصور الاستدامة اذ
الاستدامة للقائم لصيانته عن الزوال لا للمزيل كما في البيع بشرط الخيار للبائع إذا
مضت مدة الخيار انه لا يملك استيفاء الملك في المبيع بزوال ملكه بمضي المدة كذا هذا
و لو طهرت عن الحيضة الثالثة ثم راجعها فهذا على وجهين ان كانت أيامها في الحيض عشر
لا تصح الرجعة و تحل للازواج بمجرد انقطاع العدة لان انقضاءها بانقضاء الحيضة
الثالثة و قد انقضت بيقين لانقطاع دم الحيض بيقين اذ لا مزيد للحيض على عشرة ألا
ترى أنها إذا رأت أكثر من عشرة لم يكن الزائد على العشرة حيضا فتيقنا بانقضاء العدة
و لا رجعة بعد انقضاء العدة و ان كانت أيامها دون العشرة فان كانت تجد ماء فلم
تغتسل و لا تيممت وصلت به و لا مضى عليها وقت كامل من أوقات أدنى الصلوات إليها لا
تنقطع الرجعة و لا تحل للازواج و هذا عندنا و قا الشافعي لا أعرف بعد الاقراء معنى
معتبرا في انقضاء العدة و هذا خلاف الكتاب العزيز و السنة و إجماع الصحابة رضى الله
عنهم أما الكتاب فقوله عز و جل و لا تقربوهن حتى يطهرن أي يغتسلن و أما السنة فما
روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال الزوج أحق برجعتها ما دامت في مغتسلها و
روى ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة و أما إجماع الصحابة رضى الله عنهم فانه روى
علقمة عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه قال كنت عند عمر رضى الله عنه فجاء
رجل و إمرأة فقال الرجل زوجتي طلقتها و راجعتها فقالت ما يمنعنى ما صنع أن أقول ما
كان انه طلقني و تركني حتى حضت الحيضة الثالثة و انقطع الدم و غلقت بأبي و وضعت
غسلي و خلعت ثيابي فطرق الباب فقال قد راجعتك فقال عمر رضى الله عنه قل فيها يا ابن
أم عبد فقلت أرى ان الرجعة قد صحت ما لم تحل لها الصلاة فقال عمر لو قلت هذا لم أره
صوابا
الدرداء و عبادة بن الصامت و عبد الله بن قيس الاشعرى رضى الله عنهم كانوا يقولون
في الرجل يطلق إمرأته تطليقة أو تطليقتين انه أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة
الثالثة ترثه و يرثها ما دامت في العدة فاتفقت الصحابة رضى الله عنهم على اعتبار
الغسل فكان قوله مخالفا للحديث و إجماع الصحابة فلا يعتد به و لان أيامها إذا كانت
أقل من عشرة لم تستيقن بانقطاع دم الحيض لاحتمال المعاودة في أيام الحيض اذ الدم لا
يدر درا واحدا و لكنه يدر مرة و ينقطع أخرى فكان احتمال العود قائما و العائد يكون
دم حيض إلى العشرة فلم يوجد انقطاع دم الحيض بيقين فلا يثبت الطهر بيقين فتبقى
العدة لانها كانت ثابتة بيقين و الثابت بيقين لا يزول بالشك كمن استيقن بالحدث و شك
في الطهارة بخلاف ما إذا كانت أيامها عشرا لانه هناك لا يحتمل عود دم الحيض بعد
العشرة اذ العشرة أكثر الحيض فتيقنا بانقطاع دم الحيض فيزول الحيض ضرورة و يثبت
الطهر و ههنا بخلافه على ما بينا و الشافعي بني قوله هذا على أصله ان العدة تنقضى
بالاطهار لا بالحيض فإذا طعنت في أول الحيضة الثالثة فقد انقضت العدة من حاجة إلى
شيء آخر و يستدل على بطلان هذا الاصل في موضعه ان شاء الله تعالى فيبطل الفرع ضرورة
و إذا اغتسلت انقطعت الرجعة لانه ثبت لها حكم من أحكام الطاهرات و هو إباحة أداء
الصلاة اذ لا يباح أداؤها للحائض فتقرر الانقطاح بقرينة الاغتسال فتنقطع الرجعة و
كذا إذا لم تغتسل لكن مضى عليها وقت الصلاة تنقطع الرجعة لانه لما مضى عليها وقت
الصلاة صارت الصلاة دينا في ذمتها و هذا من أحكام الطاهرات اذ لا تجب الصلاة على
الحائض فلا تصير دينا عليها فاستحكم الانقطاع بهذه القرينة فانقطعت الرجعة و كذلك
إذا لم تجد الماء بان كانت مسافرة فتيممت وصلت لان صحة الصلاة حكم من أحكام
الطاهرات اذ لا صحة لها مع قيام الحيض فقد يضاف إلى الانقطاع حكم من أحكام الطاهرات
فاستحكم الانقطاع فتنقطع الرجعة فاما إذا تيممت و لم تصل فهل تنقطع الرجعة اختلف
فيه أصحابنا قال أبو حنيفة و أبو يوسف لا تنقطع و قال محمد تنقطع ( وجه )قوله أنها
لما تيممت فقد ثبت لها حكم من أحكام الطاهرات و هو إباحة الصلاة فلا يبقى الحيض
ضرورة كما لو اغتسلت أو تيممت وصلت به ( وجه )قولهما على نحو ما ذكرنا أن أيامها
إذا كانت دون العشرة لم تستيقن بانقضاء عدتها بنفس انقطاع الدم من قرينة تنضم اليه
لاحتمال ان يعاودها الدم في العشرة فتبين أنها حائض و الحيض كان ثابتا بيقين فلا
يحكم بزواله الا عند وجود الطهر بيقين و لم يوجد و بقرينة التيمم لا تصير في حكم
الطاهرات بيقين لانه ليس بطهور حقيقة و انما جعل طهورا شرعا عند عدم الماء لقوله
تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا و الدليل عليه أنها لو رأت الماء قبل
الشروع في الصلاة أو بعد ما شرعت فيها قبل الفراع منها بطل تيممها فكان التيمم
طهارة مطلقة شرعا لكن حال عدم الماء و احتمال وجود الماء في كل ساعة قائم فكان
احتمال عدم الطهورية ثابتا فلم توجد الطهارة الحاصلة بيقين فتبقى نجاسة الحيض الا
أنه أبيح لها أداء الصلاة به لعدم الماء في الحالين من حيث الظاهر مع احتمال الوجود
فإذا لم تجد الماء وصلت به و فرغت من الصلاة فقد استحكم العدم فاستحكمت الطهارة
الحاصلة بالتيمم فلا يبقى الحيض فاما قبل ذلك فاحتمال عدم الطهارة ثابت لاحتمال
وجود الماء فلا يكون طهارة شرعا بيقين بل مع الاحتمال فيبقى حكم الحيض الثابت بيقين
بخلاف الاغتسال لانه طهارة بيقين لكون الماء طهورا مطلقا فإذا ثبتت الطهارة بيقين
انتفى الحيض ضرورة لانه ضدها بخلاف التيمم على ما بيناه و بخلاف ما إذا مضى عليها
وقت كامل من أوقات الصلاة لان الصلاة صارت دينا في ذمتها بيقين فقد ثبت في حقها حكم
من أحكام الطاهرات بيقين فلا يبقى الحيض بيقين فتنقضى العدة بيقين و لو اغتسلت بسؤر
الحمار انقطعت الرجعة بنفس الاغتسال بالاجماع و لكنها لا تحل للازواج لان سؤر
الحمار مشكوك فيه أما في طهوريته أو في طهارته على اختلافهم في ذلك فان كان ذلك
طاهرا أو طهورا انقطعت الرجعة و تحل للازواج لانقضاء العدة لتقرر الانقطاع
بالاغتسال و ان لم يكن أو كان طاهرا طهور لا تنقطع الرجعة و لا تحل للازواج فإذا
وقع الشك لزم الاحتياط في ذلك كله و ذلك فيما قلنا و هو أن تنقطع الرجعة و لا تحل
للازواج أخذا بالثقة في الحكمين احترازا عن الحرمة في البابين و لا
(185)
بدنها شيء لم يصبه الماء فالباقي لا يخلو اما ان كان عضوا كاملا و اما ان كان أقل
من عضو فان كان عضوا كاملا فله الرجعة و ان كان أقل من عضو فلا رجعة له ثم اختلف
أبو يوسف و محمد فقال أبو يوسف قوله لا رجعة له في الاقل هذا استحسان و القياس أن
يكون له فيه الرجعة فمحمد قاس المتروك إذا كان عضوا على ترك المضمضة و الاستنشاق و
قال رحمه الله هناك تنقطع الرجعة و القياس عليه أن تنقطع هنا أيضا الا أنهم
استحسنوا و قالوا لا تنقطع الرجعة لان العضو الكامل مجمع على وجوب غسله و هو مما لا
يتغافل عنه عادة فتنقطع الرجعة كما لو كان المتروك زائدا على عضو بخلاف المضمضة و
الاستنشاق لان ذلك مجمع على وجوبه مجتهد فيه و أبو يوسف يقول المتروك و ان قل فحكم
الحدث باق ألا ترى أنه لا تباح معه و ان قل و مع بقاء الحدث لا تثبت الطهارة و هذا
يوجب التسوية بين القليل و الكثير الا أنهم استحسنوا في القليل و هو ما دون العضو
فقالوا انه تنقطع الرجعة فيه لان هذا القدر مما يتغافل عنه عادة و يحتمل أيضا أنه
أصابه الماء ثم جف فيحكم بانقطاع الرجعة فيه و يبقى الامر في العضو التام على أصل
القياس و اختلفت الرواية عن أبى يوسف في المضمضة و الاستنشاق روى عنه أنه تنقطع
الرجعة و روى عنه أيضا أنه لا تنفطع الرجعة و قال محمد تبين من زوجها و لكنها لا
تحل للازواج وجه قوله و هو احدى الروايتين عن أبى يوسف في انقطاع الرجعة أن وجوب
المضمضة و الاستنشاق مختلف فيه و موضع الاجتهاد موضع تعارض الادلة فلا يخلو عن الشك
و الشبهة و الرجعة يسلك بها مسلك الاحتياط فلا يجوز بقاؤها بالشك فينقطع و لا يجوز
إثبات حال التزوج بالشك أيضا لذلك لم يجزه محمد وجه الرواية الاخرى لابى يوسف أن
الحديث قد بقي في عضو كامل فتبقى الرجعة هذا إذا كانت المطلقة مسلمة فاما إذا كانت
كتابية فقد قالوا ان الرجعة تنقطع عنها بنفس انقطاع الدم لانها مخاطبة بالغسل و لا
يلزمها فرض الغسل كالمسلمة إذا اغتسلت ( و منها )عدم التطليق بشرط و الاضافة إلى
وقت في المستقبل حتى لو قال الزوج بعد الطلاق ان دخلت الدار فقد راجعتك أو راجعتك
ان دخلت الدار أو ان كلمت زيدا أو إذا جاء غد فقد راجعتك غدا أو رأس شهر كذا لم تصح
الرجعة في قولهم جميعا لان الرجعة استيفاء ملك النكاح فلا يحتمل التعليق بشرط و
الاضافة إلى وقت في المستقبل كما لا يحتملها انشاء الملك و لان الرجعة تتضمن انفساخ
الطلاق في انعقاده سببا لزوال الملك و منعه عن عمله في ذلك فإذا علقها بشرط أو
أضافها إلى وقت في المستقبل فقد استبقى الطلاق إلى غاية و استبقاء الطلاق إلى غاية
يكون تأبيدا له اذ هو لا يحتمل التوقيت كما إذا قال لامرأته أنت طالق يوما أو شهرا
أو سنة أنه لا يصح التوقيت و يتأبد الطلاق فلا تصح الرجعة هذا إذا أنشأ الرجعة فاما
إذا أخبر عن الرجعة في الزمن الماضي بان قال كنت راجعتك أمس فان صدقته المرأة فقد
ثبتت الرجعة سواء قال ذلك في العدة أو بعد انقضاء العدة بعد ان كانت المرأة في
العدة أمس و ان كذبته فان قال ذلك في العدة فالقول قوله لانه أخبر عما يملك انشاءه
في الحال لان الزوج يملك الرجعة في الحال و من أخبر عن أمر يملك انشاءه في الحال
يصدق فيه اذ لو لم يصدق ينشئه للحال فلا يفيد التكذيب فصار كالوكيل قبل العزل إذا
قال بعته أمس و ان قال بعد انقضاء العدة فالقول قولها لانه أخبر عما لا يملك انشاءه
في الحال لانه لا يملك الرجعة بعد انقضاء العدة فصار كالوكيل بعد العزل إذا قال قد
بعت و كذبه الموكل و لا يمين عليها في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد تستحلف
و هذه من المسائل المعدودة التي لا يجرى فيها الاستحلاف عند أبى حنيفة نذكرها في
كتاب الدعوي فان أقام الزوج بينة قبلت بينة و تثبت الرجعة لان الشهادة قامت على
الرجعة في العدة فتسمع و لو كانت المطلقة أمة الغير فقال زوجها بعد انقضاء العدة
كنت راجعتك و كذبته الامة و صدقه المولى فالقول قولها عند أبى حنيفة و لا تثبت
الرجعة و عندهما القول قول الزوج و المولى و تثبت الرجعة لانها ملك المولى و لابي
حنيفة أن انقضاء عدتها اخبار منها عن حيضها و ذلك إليها لا إلى المولى كالحرة فان
قال الزوج لها قد راجعتك فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي فالقول قولها عند أبى حنيفة
مع يمينها و قال أبو يوسف و محمد القول قول الزوج و اجمعوا على أنها لو سكتت
(186)
في أنها إذا بدأت فقالت انقضت عدتي فقال الزوج مجيبا لها موصولا بكلامها راجعتك
يكون القول قولها وجه قولهما أن قول الزوج راجعتك وقع رجعة صحيحة لقيام العدة من
حيث الظاهر فكان القول قول المرأة انقضت عدتي إخبارا عن انقضاء العدة و لا عدة
لبطلانها بالرجعة فلا يسمع كما لو سكتت ساعة ثم قالت انقضت عدتي و لان قولها انقضت
عدتي ان كان إخبارا عن انقضاء العدة في زمان متقدم على قول الزوج لا يقبل منها
بالاجماع كما لو أسندت الخبر عن الانقضاء اليه نصابان قالت كانت عدتي قد انقضت قبل
رجعتك لانها متهمة في التأخير في الاخبار و ان كان ذلك إخبارا عن انقضاء العدة في
زمان مقارن لقول الزوج فهذا نادرا فلا يقبل قولهما و لابي حنيفة أن المرأة أمينة في
اخبارها عن انقضاء العدة فان الشرع ائتمنها في هذا الباب قال الله تعالى و لا يحل
لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله و اليوم الا آخر قيل في
التفسير انه الحيض و الحبل نهاهن سبحانه و تعالى عن الكتمان و النهى عن الكتمان أمر
بالاظهار اذ النهى عن الشيء أمر بضده بالاظهار أمر بالقبول لتظهر فائدة الاظهار
فلزم قبول قولها و خبرها بانقضاء العدة و من ضرورة قبول الاخبار بانقضاء العدة حلها
للازواج ثم ان كانت عدتها انقضت قبل قول الزوج راجعتك فقوله راجعتك يقع بعد انقضاء
عدتها فلا يصح و ان كانت انقضت حال قوله راجعتك فيقع حال قوله راجعتك حال انقضاء
العدة و كما لا تصح الرجعة بعد انقضاء العدة لا تصح حال انقضائها لان العدة حال
انقضائها منقضية فكان ذلك رجعة لمنقضية العدة فلا تصح فان قيل يحتمل أنها انقضت حال
اخبارها عن الانقضاء و اخبارها متأخر عن قوله راجعتك فكان انقضاء العدة متأخرا عنه
ضرورة فتصح الرجعة فالجواب إذا احتمل ما قلنا و احتمل ما قلتم وقع الشك في صحة
الرجعة و الاصل ان ما لم يكن ثابتا إذا وقع الشك في ثبوته لا يثبت مع الشك و
الاحتمال خصوصا فيما يحتاط فيه و لا سيما إذا كان جهة الفساد آكد و ههنا جهة الفساد
آكد لانها تصح من وجه و تفسد من وجهين فالأَولى أن لا يصح و الله عز و جل الموفق ثم
عند أبى حنيفة تستحلف و إذا نكلت يقضى بالرجعة و هذا يشكل على أصله لان الاستحلاف
للنكول و النكول بدل عنده و الرجعة لا تحتمل البدل لكن الاستحلاف قد يكون للنكول
ليقضى به و قد يكون لا للنكول بل لنفي التهمة بالحلف ألا ترى أنه يستحلف عنده فيما
لا يقضى بالنكول أصلا كما في دعوى القصاص في النفس نفيا للتهمة و المرأة و ان كانت
أمينة لكن الامين قد يستحلف لنفي التهمة بالحلف فإذا نكلت فقد تحققت التهمة فلم يبق
قولها حجة فبقيت الرجعة على حالها حكما لاستصحاب الحال لعدم دليل الزوال لانه جعل
نكولها بدلا مع ما أنه يمكن تحقيق معنى البدل ههنا لما ذكرنا أنها بالنكول صارت
متهمة فخرج قولها من أن يكون حجة للتهمة فتبقى العدة و أثرها في المنع من الازواج و
السكون في منزل الزوج فقط ثم يقضى بالرجعة حكما لاستصحاب الحال لانها باخبارها
بانقضاء عدتها حلت للازواج و إذا نكلت فقد بدلت الامتناع من الازواج و السكون في
منزل الزوج و هذا معنى يحتمل البدل و منها عدم شرط الخيار حتى لو شرط الخيار في
الرجعة لم يصح لانها استبقاء النكاح فلا يحتمل شرط الخيار كما لا يحتمل الانشاء ( و
منها )أن يكون أحد نوعى ركن الرجعة و هو القول منه لا منها حتى لو قالت للزوج
راجعتك لم يصح لقوله سبحانه و تعالى بعولتهن أحق بردهن أي أحق برجعتهن منهن و لو
كانت لها ولاية الرجعة لم يكن الزوج أحق بالرجعة منها فظاهر النص يقتضى ان لا يكون
لها ولاية الرجعة أصلا الا أن جواز الرجعة بالفعل منها عرفناه بدليل آخر و هو ما
بينا و أما رضا المرأة فليس بشرط لجواز الرجعة و كذا المهر لقوله تعالى و بعولتهن
أحق بردهن مطلقا عن شرط الرضا و المهر و لانه لو شرط الرضا و المهر لم يكن الزوج
أحق برجعتها منها لانه لا يملك بدون رضاها و المهر فيؤدى إلى الخلف في خبر الله عز
و جل و هذا لا يجوز و لان الرجعة شرعت لامكان التدارك عند الندم فلو شرط رضاها لا
يمكنه التدارك لانها عسى لا ترضى و عسى لا يجد الزوج المهر و كذا كون الزوج طائعا و
جادا و عامدا ليس بشرط لجواز الرجعة فتصح الرجعة مع الاكراه و الهزل و اللعب و
الخطأ لان الرجعة استبقاء النكاح و أنه دون الانشاء و لم تشترط هذه
(187)
فصل ومنها أن يكون نكاح الثانى صحيحا
فصل وأما الطلاق البائن فنوعان الخ
الاشياء للانشاء فلان لا تشترط للاستبقاء أولى و قد روى فيبعض الروايات ثلاث جدهن جد و هزلهن جد النكاح و الرجعة و الطلاق ( فصل )و أما حكم
الطلاق البائن فالطلاق البائن نوعان أحدهما الطلقات و الثاني الطلقة الواحدة
البائنة و الثنتان البائنتان و يختلف حكم كل واحد من النوعين و جملة الكلام فيه ان
الزوجين إما ان كانا حرين و إما ان كانا مملوكين و إما ان كان أحدهما حرا و الآخر
مملوكا فان كانا حرين فالحكم الاصلى لما دون الثلاث من الواحدة البائنة و الثنتين
البائنتين هو نقصان عدد الطلاق و زوال الملك أيضا حتى لا يحل له وطؤها الا بنكاح
جديد و لا يصح ظهاره و إيلاؤه و لا يجرى اللعان بينهما و لا يجرى التوارث و لا يحرم
حرمة غليظة حتى يجوز له نكاحها من أن تتزوج بزوج آخر لان ما دون الثلاثة و ان كان
بائنا فانه يوجب زوال الملك لا زوال حل المحلية و أما الطلقات الثلاث فحكمها الاصلى
هو زوال الملك و زوال حل المحلية أيضا حتى لا يجوز له نكاحها قبل التزوج بزوج آخر
لقوله عز و جل فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره و سواء طلقها ثلاثا
متفرقا أو جملة واحدة لان أهل التأويل اختلفوا في مواضع التطليقة الثالثة من كتاب
الله قال بعضهم هو قوله تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره بعد
قوله الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان و قالوا الامساك بالمعروف هو
الرجعة و التسريح بالاحسان هو أن يتركها حتى تنقضى عدتها و قال بعضهم هو قوله تعالى
أو تسريح بإحسان فالتسريح هو الطلقة الثالثة و على ذلك جاء الخبر و كل ذلك جائز
محتمل أنه ان كان التسريح هو تركها حتى تتقضى عدتها كان تقدير قوله سبحانه و تعالى
فان طلقها فلا تحل له أي طلقها تطليقة ثالثة و ان كان المراد من التسريح التطليقة
الثالثة كان تقدير قوله تعالى فان طلقها أي طلقها طلاقا ثلاثا فلا تحل له من بعد
حتى تنكح زوجا غيره و انما تنتهى الحرمة و تحل للزوج الاول بشرائط منها النكاح و هو
أن تنكح زوجا غيره لقوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره نفى الحل وحد النفي إلى غاية
التزوج بزوج آخر و الحكم الممدود إلى غاية لا ينتهى قبل وجود الغاية فلا تنتهى
الحرمة قبل التزوج فلا تحل للزوج الاول قبله ضرورة و على هذا يخرج ما إذا وطئها
إنسان بالزنا أو بشبهة أنها لا تحل لزوجها لعدم النكاح و كذا إذا وطئها المولى بملك
اليمين بأن حرمت أمته المنكوحة على زوجها حرمة غليظة و انقضت عدتها فوطئها المولى
لا تحل لزوجها لان الله تعالى نفى الحل إلى غاية فلا ينتهى النفي قبل وجود النكاح و
لم يوجد و كذا روى عن علي رضى الله عنه أنه قال في هذه المسألة ليس بزوج يعنى
المولى و روى أن عثمان سئل عن ذلك و عنده علي و زيد بن ثابت رضى الله عنهما فرخص في
ذلك عثمان و زيد و قالا هو زوج فقام على مغضبا كارها لما قالا و قد روى أنه قال ليس
بزوج و كذا إن اشتراها الزوج قبل أن تنكح زوجا غيره لم تحل له بملك اليمين و كذا
إذا أعتقت لما قلنا ( فصل )و منها أن يكون النكاح الثاني صحيحا حتى لو تزوجت رجلا
نكاحا فاسدا و دخل بها لا تحل للاول لان النكاح الفاسد ليس بنكاح حقيقة و مطلق
النكاح ينصرف إلى ما هو نكاح حقيقة و لو كان النكاح الثاني مختلفا في فساده و دخل
بها لا تحل للاول عند من يقول بفساده لما قلنا فان تزوجت بزوج آخر و من نيتها
التحليل فان لم يشرطا ذلك بالقول و انما نويا و دخل بها على هذه النية حلت في قولهم
جميعا لان مجرد النية في المعاملات معتبر فوقع النكاح صحيحا لاستجماع شرائط الصحة
فتحل للاول كما لو نويا التوقيت و سائر المعاني المفسدة و ان شرط الاحلال بالقول و
أنه يتزوجها لذلك و كان الشرط منها فهو نكاح صحيح عند أبى حنفة و زفر و تحل للاول و
يكره للثاني و الاول و قال أبو يوسف النكاح الثاني فاسد و ان وطئها لم تحل للاول و
قال محمد النكاح الثاني صحيح و لا تحل للاول ( وجه )قول أبى يوسف ان النكاح تشرط
الاحلال في معنى النكاح المؤقت و شرط التوقيت في النكاح يفسده و النكاح الفاسد لا
يقع به التحليل و لمحمد ان النكاح عقد مؤبد فكان شرط الاحلال استعجال ما أخره الله
تعالى لغرض الحل فيبطل الشرط و يبقى النكاح صحيحا لكن لا يحصل به الغرض كمن قتل
مورثه أنه
تقتضي الجواز من فصل بين ما إذا شرط فيه الاحلال أو لا فكان النكاح بهذا الشرط
نكاحا صحيحا فيدخل تحت قوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره فتنتهى الحرمة عند وجوده الا
أنه كره النكاح بهذا الشرط لغيره و هو أنه شرط ينافى المقصود من النكاح و هو السكن
و التوالد و التعفف لان ذلك يقف على البقاء و الدوام على النكاح و هذا و الله أعلم
معنى إلحاق اللعن بالمحلل في قوله صلى الله عليه و سلم لعن الله المحلل و المحلل له
و أما إلحاق اللعن بالزوج الاول و هو المحلل له فيحتمل أن يكون لوجهين أحدهما أنه
سبب لمباشرة الزوج الثاني هذا النكاح لقصد الفراق و الطلاق دون الابقاء و تحقيق ما
وضع له و المسبب شريك المباشر في الاسم و الثواب في التسبب للمعصية و الطاعة و
الثاني أنه بأشر ما يفضى إلى الذي تنفر منه الطباع السليمة و تكرهه من عودها اليه
من مضاجعة غيره إياها nو استمتاعه بها و هو الطلقات الثلاث اذ لولاها لما وقع فيه
فكان الحاقه اللعن به لاجل الطلقات و الله عز و جل أعلم و أما قول أبى يوسف ان
التوقيت في النكاح يفسد النكاح فنقول المفسد له هو التوقيت نصا ألا ترى أن كل نكاح
مؤقت فانه يتوقت بالطلاق و بالموت و غير ذلك و لم يوجد التوقيت نصا فلا يفسد و قول
محمد انه استعجال ما أجله الله تعالى ممنوع فان استعجال ما أجله الله تعالى لا
يتصور لان الله تعالى إذا ضرب لامر أجلا لا يتقدم و لا يتأخر فإذا طلقها الزوج
الثاني تبين ان الله تعالى أجل هذا النكاح اليه و لهذا قلنا ان المقتول ميت بأجله
خلافا للمعتزلة و منها الدخول من الزوج الثاني فلا تحل لزوجها الاول بالنكاح الثاني
حتى يدخل بها و هذا قول عامة العلماء و قال سعيد بن المسيب تحل بنفس العقد و احتج
بقوله تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره و النكاح هو العقد و
ان كان يستعمل في العقد و الوطء جميعا عند الاطلاق لكنه يصرف إلى العقد عند وجود
القرينة و قد وجدت لانه أصاف النكاح إلى المرأة بقوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره و
العقد يوجد منها كما يوجد من الرجل فاما الجماع فانه يقوم بالرجل وحده و المرأة
محله فانصرف إلى العقد بهذه القرينة فإذا وجد العقد تنتهى الحرمة بظاهر النص و لنا
قوله تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره و المراد من النكاح
الجماع لان النكاح في اللغة هو الضم حقيقة و حقيقة الضم في الجماع و انما العقد سبب
داعي اليه فكان حقيقة للجماع مجازا للعقد مع ما انا لو حملناه على العقد لكان
تكرارا لان معنى العقد يفيده ذكر الزوج فكان الحمل على الجماع أولى بقي قوله انه
أضاف النكاح إليها و الجماع مما تصح اضافته إلى الزوجين لوجود معنى الاجتماع منهما
حقيقة فأما الوطء ففعل الرجل حقيقة لكن اضافة النكاح إليها من حيث هو ضم و جمع لا
من حيث هو وطء ثم ان كان المراد من النكاح في الآية هو العقد فالجماع يضمر فيه
عرفنا ذلك بالحديث المشهور و ضرب من المعقول أما الحديث فما روينا عن عائشة رضى
الله عنها ان رفاعة القرظى طلق إمرأته ثلاثا فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير فأتت
رسول الله صلى الله عليه و سلم و قالت ان رفاعة طلقني و بت طلاقي فتزوجني عبد
الرحمن بن الزبير و لم يكن معه الا مثل هدبة الثوب فقال رسول الله صلى الله عليه و
سلم أ تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي من عسيلته و يذوق من عسيلتك و عن ابن
عمر و أنس رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم هذا الحديث و لم يذكر قصة
إمرأة رفاعة و هو ما روى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل و هو على
المنبر عن رجل طلق إمرأته ثلاثا فتزوجها غيره فأغلق الباب و أرخى الستر و كشف
الخمار ثم فارقها فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تحل للاول حتى تذوق عسيلة
الآخر و أما المعقول فهو ان الحرمة الغليظة انما تثبت عقوبة للزوج الاول بما أقدم
على الطلاق الثلاث الذي هو مكروه شرعا زجرا و منعا له عن ذلك لكن إذا تفكر في
حرمتها عليه الا بزوج آخر الذي تنفر منه الطباع السليمة و تكرهه انزجر عن ذلك و
معلوم ان العقد بنفسه لا تنفر عنه الطباع و لا تكرهه اذ لا يشتد على المرأة مجرد
النكاح ما لم يتصل به الجماع فكان الدخول شرطا فيه ليكون زجرا له و منعا عن ارتكابه
فكان الجماع مضمرا في الآية الكريمة كانه قال عز و جل حتى تنكج زوجا غيره