أسكنوهن من حيث سكنتم و أنفقوا عليهن من وجدكم و لا اختلاف بين القراءتين لكن
احداهما تفسير الاخرى كقوله عز و جل و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما و قراءة
ابن مسعود وضى الله عنه أيمانهما و ليس ذلك اختلاف القراءة بل قراءته تفسير القراءة
الظاهرة كذا هذا و لان الامر بالاسكان أمر بالانفاق لانها إذا كانت محبوسة ممنوعة
عن الخروج لا تقدر على كتساب النفقة فلو لم تكن نفقتها على الزوج و لا مال لها
لهلكت أو ضاق الامر عليها و عسر و هذا لا يجوز و قوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته و
من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله من فصل بين ما قبل الطلاق و بعده في العدة و
لان النفقة و انما وجبت قبل الطلاق لكونها محبوسة عن الخروج و البروز لحق الزوج و
قد بقي ذلك الاحتباس بعد الطلاق في حالة العدة و تأبد بانضمام حق الشرع اليه لان
الحبس قبل الطلاق كان حقا للزوج على الخلوص و بعد الطلاق تعلق به حق الشرع حتى لا
يباح لها الخروج و ان أذن الزوج لها بالخروج فلما وجبت به النفقة قبل التأكد فلان
تجب بعد التأكد أولى و أما الآية ففيها أمر بالانفاق على الحامل و انه لا ينفى وجوب
الانفاق على الحامل و لا يوجبه أيضا فيكون مسكونا موقوفا على قيام الدليل و قد قام
دليل الوجوب و هو ما ذكرنا و أما حديث فاطمة بنت قيس فقد رده عمر رضى الله عنه فانه
روى انها لما روت ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يجعل لها سكنى و لا نفقة قال
عمر رضى الله عنه لا ندع كتاب ربنا و لا سنة نبينا بقول إمرأة لا ندرى أصدقت أم
كذبت و في بعض الروايات قال لا ندع كتاب ربنا و سنة نبينا و نأخذ بقول إمرأة لعلها
نسيت أو شبه لها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لها السكنى و النفقة و
قول عمر رضى الله عنه لا ندع كتاب ربنا يحتمل انه أراد به قوله عز و جل أسكنوهن من
حيث سكنتم و أنفقوا عليهن من وجدكم كما هو قراءة ابن مسعود رضى الله عنه و يكون هذا
قراءة عمر أيضا و يحتمل انه أراد قوله عز و جل لينفق ذو سعة من سعته و من قدر عليه
رزقه فلينفق مما آتاه الله مطلقا و يحتمل انه أراد بقوله لا ندع كتاب ربنا في
السكنى خاصة و هو قوله عز و جل أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم كما هو القراءة
الظاهرة و أراد بقوله رضى الله عنه سنة نبينا ما روى عنه رضى الله عنه انه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لها النفقة و السكنى و يحتمل أن يكون عند عمر
رضى الله عنه في هذا تلاوة رفعت عينها و بقى حكمها فأراد بقوله لا ندع كتاب ربنا
تلك الآية كما روى عنه انه قال في باب الزنا كنا نتلوا في سورة الاحزاب الشيخ و
الشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالا من الله و الله عزيز حكيم ثم رفعت التلاوة و بقى
حكمها كذا ههنا و روى ان زوجها أسامة بن زيد كان إذا سمعها تتحدث بذلك حصبها بكل
شيء في يده و روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت لها لقد فتنت الناس بهذا الحديث
و أقل أحوال إنكار الصحابة على راوي الحديث أن يوجب طعنا فيه ثم قد قيل في تأويله
انها كانت تبذو على احمائها أى تفحش عليهم باللسان من قولهم بذوت على فلان أى فحشت
عليه أى كانت تطيل لسانها عليهم بالفحش فنقلها رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى
بيت ابن أم مكتوم و لم يجعل لها نفقة و لا سكنى لانها صارت كالناشزة اذ كان سبب
الخروج منها و هكذا تقول فيمن خرجت من بيت زوجها في عدتها أو كان منها سبب أوجب
الخروج انها لا تستحق النفقة ما دامت في بيت الزوج و قيل ان زوجها كان غائبا فلم
يقض لها بالنفقة و السكنى على الزوج لغيبته اذ لا يجوز القضاء على الغائب من أن
يكون عنه خصم حاضر فان قيل روى ان زوجها خرج إلى الشام و قد كان و كل أخاه فالجواب
أنه انما وكله بطلاقها و لم يوكله بالخصوصة و قولهما ان النفقة تجب لها بمقابلة
الملك ممنوع فان للملك ضمان آخر و هو المهر على ما نذكر ان شاء الله تعالى و انما
تجب بالاحتباس و قد بقي بعد الطلاق الثلاث و البائن فتبقى النفقة و سواء كانت
المعتدة عن طلاق كبيرة أو صغيرة مسلمة أو كتابية لان ما ذكرنا من الدلائل لا يوجب
الفصل و لا نفقة و لا سكنى للامة المعتدة عن طلاق إذا لم يبوئها المولى بيتا لانه
إذا لم يبوئها المولى بيتا فحق الحبس لم يثبت للزوج ألا ترى ان لها أن تخرج فان كان
المولى قد بوأها بيتا فلها السكنى و النفقة لثبوت حق الحبس للزوج و كذلك
(211)
يبوئهما لان كل واحدة منهما أمة و كذا المكاتبة و المستسعاة على أصل أبى حنيفة و ان
أعتقت أم الولد أو مات عنها مولاها فلا نفقة لها و لا سكنى لانها محبوسة ألا ترى ان
لها أن تخرج فلا تجب لها النفقة و السكنى كالمعتدة من نكاح فاسد لان عدتها كعدة
المنكوحة نكاحا فاسدا هذا إذا كانت معتدة عن طلاق من نكاح صحيح فان كانت معتدة من
نكاح فاسد فلا سكنى لها و لا نفقة لما ذكرنا ان حال العدة معتبرة بحال إنكاح و لا
سكنى و لا نفقة في النكاح الفاسد فكذا في العدة منه هذا إذا كانت معتدة عن طلاق فان
كانت معتدة عن فرقة بغير طلاق من نكاح صحيح فان كانت الفرقة من قبله فلها النفقة و
السكنى كيفما كانت الفرقة و ان كانت من قبلها فان كانت بسبب ليس بمعصية كالأَمة إذا
أعتقت فاختارت نفسها و إمرأة العنين إذا اختارت الفرقة فلها السكنى و النفقة و ان
كانت بسبب هو معصية كالمسلمة قبلت ابن زوجها بشهوة قالوا لا نفقة لها و لها السكنى
لان السكنى فيها حق الله تعالى و هي مسلمة مخاطبة بحقوق الله تعالى و أما النفقة
فتجب حقا لها على الخلوص فإذا وقعت الفرقة من قبلها بغير حق فقد أبطلت حق نفسها
بخلاف المعتقة و إمرأة العنين لان الفرقة وقعت من قبلهما بحق فلا تسقط النفقة هذا
إذا كانت معتدة عن طلاق أو عن فرقة بغير طلاق فان كانت معتدة عن وفاة فلا سكنى لها
و لا نفقة في مال الزوج سواء كانت حائلا أو حاملا فأن النفقة في باب النكاح لا تجب
بعقد النكاح دفعة واحدة كالمهر و انما تجب شيأ فشيأ على حسب مرور الزمان فإذا مات
الزوج انتقل ملك أمواله إلى الورثة فلا يجوز ان تجب النفقة و السكنى في مال الورثة
و سواء كانت حرة أو أمة و كبيرة أو صغيرة مسلمة أو كتابية لان الحرة المسلمة
الكبيرة لما لم تستحق النفقة و السكنى في عدة الوفاة فهؤلاء أولى و كذا المعتدة من
نكاح فاسد في الوفاة لا سكنى لها و لا نفقة لانهما لا يستحقان بالنكاح الصحيح في
هذه العدة فبالنكاح الفاسد أولى و الله أعلم و منها ثبوت النسب إذا جاءت بولد و
الكلام في هذا الموضع في موضعين في الاصل أحدهما في بيان ما يثبت فيه نسب ولد
المعتدة من المدة و الثاني في بيان ما يثبت به نسبه من الحجة أي يظهر به أما الاول
فالأَصل فيه ان أقل مدة الحمل ستة أشهر لقوله عز و جل و حمله و فصاله ثلاثون شهرا
جعل الله تعالى ثلاثين شهرا مدة الحمل و الفصال جميعا ثم جعل سبحانه و تعالى الفصال
و هو الفطام في عامين بقوله تعالى و فصاله في عامين فيبقى للحمل ستة أشهر و هذا
الاستدلال منقول عن ابن عباس رضى الله عنهما فانه روى ان رجلا تزوج إمرأة فجاءت
بولد لستة أشهر فهم عثمان رضى الله عنه برجمها فقال لا بن عباس رضى الله عنهما اما
انه لو خاصمتكم بكتاب الله لخصمتكم قال الله تعالى و حمله و فصاله ثلاثون شهرا و
قال سبحانه و فصاله في عامين أشار إلى ما ذكرنا فدل ان أقل مدة الحمل ستة أشهر و
أكثرها سنتان عندنا و عند الشافعي أربع سنين و هو محجوج بحديث عائشة رضى الله عنها
انها قالت لا يبقى الولد في رحم أمه أكثر من سنتين و لو بفلكة مغزل و الظاهر انها
قالت ذلك سماعا من رسول الله صلى الله عليه و سلم لان هذا باب لا يدرك بالرأي و
الاجتهاد و لا يظن بها انها قالت ذلك جزافا و تخمينا فتعين السماع واصل آخر ان كان
مطلقة لم تلزمها العدة بان لم تكن مدخولا بها فنسب ولدها لا يثبت من الزوج الا إذا
علم يقينا انه منه و هو ان تجئ به لاقل من ستة أشهر و كل مطلقة عليها العدة فنسب
ولدها يثبت من الزوج الا إذا علم يقينا انه ليس منه و هو ان تجئ به لاكثر من سنتين
و انما كان كذلك لان الطلاق قبل الدخول يوجب انقطاع الناكح بجميع علائقه فكان
النكاح من كل وجه زائلا بيقين و ما زال بيقين لا يثبت الا بيقين مثله فإذا جاءت
بولد لاقل من ستة أشهر من يوم الطلاق فقد تيقنا ان العلوق وجد في حال الفراش و انه
وطئها و هي حامل منه اذ لا يحتمل ان يكون بوطء بعد الطلاق لان المرأة لا تلد لاقل
من ستة أشهر فكان من وطء وجد على فراش الزوج و كون العلوق في فراشه يوجب ثبوت النسب
منه فإذا جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا لم يستيقن بكونه مولودا على الفراش لاحتمال ان
يكون بوطء بعد الطلاق و الفراش كان زائلا بيقين فلا يثبت مع الشك و على هذا يخرج ما
إذا طلق إمرأته قبل الدخول بها فجاءت بولد لاقل
(212)
و إذا جاءت به لستة أشهر أو أكثر لا يلزمه لعدم التيقن بذلك و يستوى في هذا الحكم
ذوات الاقراء و ذوات الاشهر لما قلنا و على هذا يخرج ما إذا قال كل إمرأة أتزوجها
فهي طالق فتزوج إمرأة فطلقت فجاءت بولد انها ان جاءت به لستة أشهر من وقت النكاح
يثبت النسب لانها إذا جاءت به لستة أشهر من وقت النكاح كان لاقل من ستة أشهر من وقت
الطلاق لان الطلاق يقع عقيب النكاح لان الحالف أوقعه كذلك ألا ترى انه قال فهي طالق
و الفاء للتعقيب بلا تراخي و قال زفر لا يثبت النسب و روى ان محمدا كان يقول مثل
قوله ثم رجع وجه قول زفر ان إثبات النسب بعقد إمكان بوطء و لم يوجد اذ ليس بين
النكاح و الطلاق زمان يسع فيه الوطء بل كما وجد النكاح وقع الطلاق عقيبه بلا فصل
فلا يتصور الوطء فلا يثبت النسب و انا نقول يمكن تصوره بان كان يخالط إمرأة فدخل
الرجال عليه فتزوجها و هم يسمعون كلامه و أنزل من ساعته و إذا تصور الوطء فالنكاح
قائم مقام الوطء المنزل عند تصوره شرعا لقوله صلى الله عليه و سلم الولد للفراش و
ان جاءت لاقل من ستة أشهر من وقت النكاح لا يثبت النسب لانا علمنا يقينا انه لوطأ
وجد قبل النكاح ثم إذا جاءت به لستة أشهر من وقت النكاح حتى يثبت النسب يجب على
الزوج مهر كامل كذا ذكر في ظاهر الرواية لانها صارت في حكم المدخول بها و ذكر أبو
يوسف في الامالي ان القياس ان يجب عليه مهر و نصف مهر نصف مهر بالطلاق قبل الدخول و
مهر كامل بالدخول و وجهه ان يجعل الطلاق واقعا كما تزوج فيجب نصف مهر لوجود الطلاق
قبل الدخول ثم يجعل واجبا بعد الدخول بناء على ان عنده ان الطلاق واقع لانه يرى ان
تعليق النكاح بالملك لا يصلح كما هو مذهب الشافعي فيجب المهر بهذا الوطء و يثبت
النسب لان المسألة مجتهد فيها فلا يكون فعله زنا الا ان أبا حنيفة استحسن و قال لا
يجب الا مهر واحد لانها كالمدخول بها من طريق الحكم فيتأكد المهر و ان طلقها بعد
الدخول بها فجاءت بولد فجملة الكلام في المعتدة ان يقال المعتدة لا يخلو اما ان
كانت معتدة عن طلاق أو غيره من أسباب الفرقة و اما ان كانت معتدة من وفاة و كل
واحدة منهما لا يخلو من ان تكون من ذوات الاقراء أو من ذوات الاشهر كانت أقرت
بانقضاء العدة أو لم تقر فان كانت معتدة عن طلاق فالطلاق لا يخلو اما ان يكون بائنا
و اما ان يكون رجعيا فان كان بائنا و هي من ذوات الاقراء و لم تكن أقرت بانقضاء
العدة فجاءت بولد فان جاءت به إلى سنتين عند الطلاق لزمه لانه لا يحتمل ان يكون
العلوق من وطء حادث بعد الطلاق و يحتمل ان يكون من وطء وجد في حال قيام النكاح و
كانت حاملا وقت الطلاق لان الولد يبقى في البطن إلى سنتين بالاتفاق و هذا ظهر
الاحتمالين إذا الظاهر من حال المسلمة أن لا تتزوج في العدة و حمل أمور المسلمين
على الصلاح و السداد واجب ما أمكن فيحمل عليه أو نقول النكاح كان قائما بيقين و
الفراش كان ثابتا بيقين لقيام النكاح و الثابت بيقين لا يزول الا بيقين مثله فإذا
كان احتمال العلوق على الفراش قائما لم نستيقن بانقضاء العدة و زوال النكاح من كل
وجه فلم نستيقن بزوال الفراش فلا نحكم بالزوال بالشك و ان جاءت به لاكثر من سنتين
لم يلزمه ان أنكره لانا تيقنا انه ليس منه لان الولد لا يبقى في البطن أكثر من
سنتين فلا يثبت نسبه منه ما لم يدع فإذا ادعى ثبت النسب منه و هل يشترط تصديقها فيه
روايتان و اختلف في انقضاء عدتها قال أبو حنيفة و محمد يحكم بانقضائها قبل الولادة
بستة أشهر و ترد ما أخذت من نفقته هذه المدة و قال أبو يوسف انقضاء عدتها بوضع
الحمل و لا ترد شيأ من النفقة وجه قوله انه يحتمل انه وطئها أجنبي بشبهة و يحتمل ان
الزوج وطئها بشبهة فلا ترد النفقة بالشك و لهما ان الولد لا بد و ان يكون من وطء
حادث بعد الطلاق لان الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين فلا يجوز ان يحمل على ان
الزوج وطئها لانه حرام و لا على ان أجنبيا وطئها بشبهة لان ذلك حرام أيضا و ظاهر
حال المسلم التحرج عن الحرام فتعين الحمل على وطء حلال و هو الوطء في نكاح صحيح
فيحمل على ان عدتها قد انقضت و تزوجت و أقل مدة الحمل ستة أشهر فوجب رد نفقة ستة
أشهر لانه تبين انها لم تكن عليه و قد خرج الجواب عما ذكره أبو يوسف على انا ان
حملنا على ان أجنبيا وطئها
فحملت من زوجها انه لا نفقة لها عليه و ان كانت أقرت بانقضاء العدة و ذلك في مدة
تنقضى في مثلها العدة ثم جاءت بولد في سنتين فان جاءت به لاقل من ستة أشهر من يوم
أقرت لزمه أيضا و ان جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا من وقت الاقرار لم يلزمه لان الاصل
ان المعتدة مصدقة في الاخبار عن انقضاء عدتها اذ الشرع ائتمنها على ذلك فتصدق ما لم
يظهر غلطها أو كذبها بيقين فإذا جاءت به لاقل من ستة أشهر من وقت الاقرار ظهر غلطها
أو كذبها لانه تبين انها كانت معتدة وقت الاقرار اذ المرأة لا تلد لاقل من ستة أشهر
فإقرارها بانقضاء العدة و هي معتدة يكون غلطا أو يكون كذبا اذ هو اخبار عن الخبر لا
على ما هو به و هذا حد الكذب فالتحق إقرارها بالعدم و إذا جاءت به لستة أشهر أو
أكثر لم يظهر كذبها لاحتمال انها تزوجت بعد إقرارها بانقضاء العدة فجاءت منه بولد
فلم يكن ولد زنا لكن ليس له نسب معروف فلزم تصديقها في اخبارها بانقضاء عدتها على
الاصل فلم يكن الولد من الزوج و هذا الذي ذكرنا مذهبنا و قال الشافعي إذا أقرت ثم
جاءت بولد لتمام ستة أشهر يثبت نسبه ما لم تتزوج وجه قوله ان إقرارها بانقضاء عدتها
يتضمن إبطال حق الصبي و هو تضييع نسبه لان النسب يثبت حقا للصبي فلا يقبل و لنا ما
ذكرنا ان الشرع ائتمنها في الاخبار بانقضاء عدتها حيث نهاها عن كتمان ما في رحمها و
النهى عن الكتمان أمر بالاظهار و انه أمر بالقبول و قوله يتضمن إبطال حق الصبي في
النسب ممنوع فان إبطال الحق بعد ثبوته يكون و النسب ههنا ثابت لما ذكرنا في الطلاق
البائن و ان جاءت به لاكثر من سنتين لزم الزوج أيضا و صار مراجعا لها و انما كان
كذلك لان العلوق حصل من وطء بعد الطلاق و يمكن حمله على الوطء الحلال و هو وطء
الزوج لان الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء فيملك وطأها ما لم تقر بانقضاء العدة فوجب
حمله عليه و متى حمل عليه صار مراجعا بالوطء فيثبت النسب و ان طال الزمان لجواز ان
تكون ممتدة الطهر فوطئها في آخر الطهر فعلقت فصار مراجعا فان قيل هلا حمل عليه فيما
إذا جاءت به لاقل من سنتين ليصير مراجعا لها فالجواب ان هناك لا يمكن الحمل عليه
لانه لو حمل عليه للزم إثبات الرجعة بالشك لان الامر محتمل يحتمل ان يكون العلوق من
وطء بعد الطلاق فيكون رجعة و يحتمل أن يكون من وطء قبله فلا يكون رجعة فلا تثبت
الرجعة مع الشك أما ههنا فلا يحتمل أن يكون العلوق من وطء قبل الطلاق لان الولد لا
يبقى في البطن أكثر من سنتين فتعين أن يكون من وطء بعد الطلاق و أمكن حمله على
الوطء الحلال فيحمل عليه فيصير مراجعا بالوطء فافترقا و ان كانت أقرت بانقضاء العدة
في مدة تنقضى في مثلها العدة فان جاءت به لاقل من ستة أشهر مذ أقرت لزمه و ان جاءت
به لستة أشهر أو أكثر من وقت الاقرار لا يلزمه لما ذكرنا في الطلاق البائن هذا إذا
كانت المعتدة من طلاق من ذوات الاقراء فاما إذا كانت من ذوات الاشهر فان كانت آيسة
فجاءت بولد فان كانت لم تقر بانقضاء العدة فحكمها حكم ذوات الاقراء و قد ذكرناه
سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا فانها إذا جاءت بولد إلى سنتين من وقت الطلاق يثبت
نسبه من الزوج لانها لما ولدت علم انها ليست بآيسة بل هى من ذوات الاقراء و ان كانت
أقرت بانقضاء عدتها فان كانت أقرت به مفسرا بثلاثة أشهر فكذلك لانه لما تبين انها
لم تكن آيسة تبين ان عدتها لم تكن بالاشهر فلم يصح إقرارها بانقضاء عدتها بالاشهر
فالتحق إقرارها بالعدم فجعل كأنها لم تقر أصلا و ان كانت أقرت به مطلقا في مدة تصلح
لثلاثة اقراء فان ولدت لاقل من ستة أشهر منذ أقرت يثبت النسب و الا فلا لانه لما
بطل اليأس بعذر حمل إقرارها على الاقراء بالانقضاء بالاشهر لبطلان الاعتداد بالاشهر
فيحمل على الاقراء بالانقضاء بالاقراء حملا لكلام العاقلة المسلمة على الصحة عند
الامكان و ان كانت صغيرة فجاءت بولد فالأَمر لا يخلو من ثلاثة أوجه اما ان كانت
أقرت بانقضاء العدة بعد مضى ثلاثة أشهر و اما ان كانت لم تقر و لكنها أقرت انها
حامل في مدة العدة و هي الثلاثة الاشهر و اما ان سكتت و كل وجه على وجهين اما ان
كان الطلاق بائنا و اما ان كان رجعيا فان كانت أقرت بانقضاء العدة عند مضى ثلاثة
أشهر ثم جاءت بولد فان جاءت به لاقل من ستة أشهر مذ أقرت ثبت النسب و ان جاءت به
لستة أشهر أو أكثر لا يثبت لان اقرار الصغيرة
(214)
لهذا لو أقرت بالبلوغ يقبل إقرارها انها لما جاءت به لاقل من ستة أشهر من وقت
الاقرار فقد ظهر كذبها في إقرارها لانه تبين انها كانت معتدة وقت الاقرار فألحق
إقرارها بالعدم و اذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا لم يظهر كذبها في إقرارها لجواز
انها تزوجت بعد انقضاء عدتها و هذا الولد منه و الطلاق البائن و الرجعى في هذا
الوجه سواء و ان لم تكن أقرت بانقضاء العدة و لكنها أقرت بالحمل في مدة العدة فان
كان الطلاق بائنا يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق و ان كان رجعيا يثبت إلى سبعة
و عشرين شهرا لانها لما أقرت بالحمل في مدة العدة فقد حكمنا ببلوغها فصار حكمها حكم
البالغة فإذا جاءت بولد يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق و ان كان الطلاق بائنا
لما مر انه يحكم بالعلوق قبل الطلاق فإذا جاءت به لاكثر من سنتين لا يثبت لانه يحمل
على علوق حادث بعد الطلاق و ان كان الطلاق رجعيا يثبت النسب إلى سنتين و ثلاثة أشهر
لانه ظهر ان العلوق كان في العدة وعدتها ثلاثة أشهر و المعتدة من طلاق رجعي إذا
علقت في العدة يصير الزوج مراجعا لها و ان جاءت به لاكثر من سبعة و عشرين شهرا لا
يثبت النسب لانه تبين ان العلوق كان بعد مضى الثلاثة الاشهر و لان الولد لا يبقى في
البطن أكثر من سنتين فلا يصير مراجعا لها و ان لم يقر بشيء اختلف فيه قال أبو حنيفة
و محمد سكوتها كإقرارها بانقضاء العدة انها ان جاءت لاقل من ستة أشهر من وقت الطلاق
يثبت النسب و ان جاءت به لستة أشهر أو أكثر لا يثبت سواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا
و قال أبو يوسف سكوتها كإقرارها بالحمل أو دعوى الحمل انه ان كان الطلاق بائنا يثبت
النسب إلى سنتين و ان كان رجعيا يثبت إلى سبعة و عشرين شهرا وجه قوله ان المراهقة
يحتمل ان تكون عدتها بوضع الحمل لاحتمال انها حبلت و لم تعلم بذلك فما لم تقر
بانقضاء عدتها لا يحكم بالانقضاء كالمتوفى عنها زوجها و لهما ان عدة الصغيرة ذات
جهة واحدة و هي ثلاثة أشهر على اعتبار الاصل اذ الاصل فيها عدم البلوغ فكان
انقضاؤها بانقضاء ثلاثة أشهر كإقرارها بانقضاء عدتها و لو أقرت بانقضاء عدتها كان
الجواب ما ذكرنا كذا هذا بخلاف المتوفى عنها زوجها انه لا يحكم بانقضاء عدتها بمضي
الشهور لان عدتها ذات جهتين يحتمل أن تكون بالشهور و يحتمل أن تكون بوضع الحمل فما
لم تقر بانقضاء العدة لا يحكم بأحد الامرين هذا الذي ذكرنا حكم المعتدة عن طلاق و
كل جواب عرفته في المعتدة من طلاق فهو الجواب في المعتدة من طلاق من أسباب الفرقة و
أما المتوفى عنها زوجها و هي مدخول بها فان كانت من ذوات الاقراء فجاءت بولد فان
جاءت به ما بينها و بين سنتين و لم تكن أقرت بانقضاء العدة يثبت نسب ولدها من الزوج
عند أصحابنا الثلاثة و قال زفر إذا لم تدع الحمل في مدة العدة ثم جاءت به لعشرة
أشهر و عشرة أيام لا يثبت النسب وجه قوله ان عدة المتوفى عنها زوجها هى الاشهر عند
عدم الحمل و الاصل عدم الحمل فإذا مضت أربعة أشهر و عشر يحكم بانقضاء عدتها فصار
كأنها أقرت بانقضاء العدة ثم جاءت بولد بعد ذلك و هناك لو جاءت به لاقل من ستة أشهر
من وقت الاقرار يثبت النسب و ان جاءت به لستة أشهر فصاعدا لا يثبت كذا هذا و لهذا
كان الحكم في الصغيرة ما وصفنا كذا في الكبيرة و لنا ما ذكرنا ان عدة المتوفى عنها
زوجها ذات جهتين لجواز ان تكون حاملا و لا يعلم ذلك فلا تنقضى عدتها بالاشهر فما لم
تقر بانقضاء عدتها لا يحكم بالانقضاء كالمعتدة من الطلاق و ان جاءت به لاكثر من
سنتين لا يثبت لما مر في عدة الطلاق بخلاف الصغيرة فان عدتها ذات جهة واحدة لان
الاصل فيها عدم الحبل لان المحل لا يحتمل و انما يصير محلا بالبلوغ و فيه شك فيبقى
حكم الاصل فأما عدة الكبيرة فذات جهتين لما قررنا من الاحتمال و التردد فلا يحكم
بالانقضاء بالاشهر مع الاحتمال و ان أقرت بانقضاء عدتها ثم أتت بولد فان أتت به
لاقل من ستة أشهر مذ أقرت يثبت النسب و ان جاءت به لتمام ستة أشهر فهو على الاختلاف
الذي ذكرناه في عدة الطلاق انه لا يثبت النسب عندنا و عند الشافعي ثبت ما لم تتزوج
و ان كانت من ذوات الاشهر فان كانت آيسة أو صغيرة فحكمها في الفوات ما هو حكمها في
الطلاق و قد ذكرناه هذا الذي ذكرناه كله في عدة الطلاق و غيره من الفراق وعدة
الوفاة إذا جاءت المعتدة
فالأَمر لا يخلو من ربعة أوجه اما ان جاءت به لاقل من سنتين مذ طلقها الاول أو مات
و لاقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني و اما ان جاءت به لاكثر من سنتين منذ طلقها
الاول أو مات و لستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثاني و اما ان جاءت به لاقل من سنتين
منذ طلقها الاول أو مات و لستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثاني و اما أن جاءت به
لاكثر من سنتين منذ طلقها الاول أو مات و لاقل من ستة أشهر مذ تزوجها الثاني فالولد
للاول لانه لا يحتمل أن يكون من الثاني اذ المرأة لا تلد لاقل من ستة أشهر و يحتمل
أن يكون من الاول لان الولد يبقى في بطن أمه إلى سنتين و في الحمل عليه حمل أمرها
على الصلاح و انه واجب ما أمكن و ان جاءت به لاكثر من سنتين منذ طلقها الاول أو مات
و لستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثاني فهو للثاني لانه لا يحتمل أن يكون من الاول
اذ الظاهر من حال العاقلة المسلمة ان لا تتزوج و هي معتدة الغير فصح نكاح الثاني
فكان مولودا على فراش صحيح فيثبت نسبه منه و ان جاءت به لاكثر من سنتين منذ طلقها
الاول أو مات و لاقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني لم يكن للاول و لا الثاني لان
الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين و المرأة لا تلد لاقل من ستة أشهر و هل يجوز
نكاح الثاني في قول أبي حنيفة و محمد جائز و عند أبى يوسف فاسد لانه إذا لم يثبت
النسب من الاول و لا من الثاني كان هذا الحمل من الزنا فيكون بمنزلة رجل تزوج إمرأة
و هي حامل من الزنا و ذلك على هذا الاختلاف على قول أبي حنيفة و محمد جاز نكاحها و
لكن لا يقربها حتى تضع و على قول أبى يوسف لا يجوز النكاح ما لم تضع حملها هذا إذا
لم يعلم وقت التزوج أنها تزوجت في عدتها فان علم ذلك وقع النكاح الثاني فاسدا فجاءت
بولد فان النسب يثبت من الاول ان أمكن إثباته منه بان جاءت به لاقل من سنتين مند
طلقها الاول أو مات عنها و لستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثاني لان النكاح الثاني
فاسد و مهما أمكن احالة النسب إلى الفراش الصحيح كان أولى و ان لم يكن إثباته منه و
أمكن إثباته من الثاني فالنسب يثبت من الثاني بان جاءت به لاكثر من سنتين منذ طلقها
الاول أو مات و لستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثاني لان النكاح الثاني و ان كان
فاسدا لكن لما تعذر إثبات النسب من النكاح الصحيح فإثباته من الناكح الفاسد أولى من
الحمل على الزنا و الله الموفق و إذا نعى إلى المرأة زوجها فاعتدت و تزوجت و ولدت
ثم جاء زوجها الاول فهي إمرأته لانها كانت منكوحته و لم يعترض على النكاح شيء من
أسباب الفرقة فبقيت على النكاح السابق و لكن لا يقر بها حتى تنقضى عدتها من الثاني
و أما الولد فقد اختلف فيه قال أبو حنيفة هو للاول و قال أبو يوسف ان كانت ولدته
لاقل من ستة أشهر من حين وطئها الثاني فهو للاول و ان كانت ولدته لستة أشهر أو أكثر
فهو للثاني و قال محمد ان كانت ولدته لسنتين من حين وطئها الثاني فهو للاول و ان
كانت ولدته لاكثر من سنتين فهو للثاني وجه قول محمد انها إذا كانت ولدته لسنتين من
حين وطئها الثاني أمكن حمله على الفراش الصحيح لان الولد يبقى في البطن إلى سنتين
فيحمل عليه و إذا كانت ولدته إلى سنتين فيحمل عليه و إذا كانت ولدته لاكثر من سنتين
لم يمكن حمله على الفراش الصحيح لان الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين فيحمل
على الفراش الفاسد ضرورة وجه قول أبى يوسف انها إذا ولدت لاقل من ستة أشهر من حين
وطئها الثاني تيقنا انه ليس من الثاني لان المرأة لا تلد لاقل من ستة أشهر و أمكن
حمله على الفراش فيحمل عليه و إذا ولدت لستة أشهر أو أكثر فالظاهر انه من الثاني
وجه قول أبي حنيفة ان الفراش الصحيح للاول فيكون الولد للاول لقول النبي صلى الله
عليه و سلم الولد للفراش و مطلق الفراش ينصرف إلى الصحيح و الله الموفق للصواب و
أما الثاني و هو بيان ما يثبت نسب ولد المعتدة أى يظهر به فجملة الكلام فيه ان
المرأة إذا ادعت انها ولدت هذا الولد لستة أشهر فان صدقها الزوج فقد ثبت ولادتها
سواء كانت منكوحة أو معتدة و ان كذبها تثبت ولادتها بشهادة إمرأة واحدة ثقة عند
أصحابنا و يثبت نسبه منه حتى لو نفاه يلاعن و قال الشافعي لا يثبت الا بشهادة أربع
نسوة ثقات ( وجه )قوله ان هذا نوع شهادة فلا بد من اعتبار العدد فيه كسائر أنواع
الشهادات فيقام كل اثنتين منهن
جواز شهادتها في الولادة من اعتبار العدد و لان الاصل فيما يقبل فيه قول النساء
بانفرادهن انه لا يشترط فيه العدد منهن على هذا أصول الشرع كما في رواية الاخبار و
الاخبار عن طهارة الماء و نجاسته و عن الوكالة و غير ذلك من الديات و المعاملات و
قد خرج الجواب عما ذكره المخالف ان العدد شرط لان العدد انما يشترط فيما لا يقبل
فيه قول النساء بانفرادهن و ههنا يقبل فلا يشترط العدد فيهن و لو نفى الولد يلاعن
لانه يثبت نسب الولد بالنكاح لا بشهادة القابلة و انما الثابت بشهادتها الولادة و
تعين أي الذي ولدته هذا الجواز انها ولدت ميتا أو حيا ثم مات فإذا نفى الولد فقد
صار قاذفا لامه بالزنا و قذف الزوجة بالزنا يوجب اللعان و كذلك إذا قال لامته ان
كان في بطنك ولد فهو منى فشهدت إمرأة على الولادة تصير الجارية أم ولد لان النسب
يثبت بفراش الملك عند الدعوة و قوله ان كان في بطنك ولد فهو منى دعوى النسب و
الحاجة بعد ذلك إلى الولادة و تعين الولد و ذلك يثبت بشهادة القابلة و إذا ثبت
النسب صارت الجارية أم ولد له ضرورة لان أمية الولد من ضرورات ثبوت النسب و لو قال
لامرأته إذا ولدت فأنت طالق فقالت ولدت و أنكر الزوج الولادة فشهدت قابلة على
الولادة يثبت النسب بالاجماع و ان لم يكن الزوج أقر بالحبل و لا كان الحبل ظاهرا
فهل يقع الطلاق قال أبو حنيفة لا يقع ما لم يشهد على الولادة رجلان أو رجل و
امرأتان و قال أبو يوسف و محمد يقع بشهادة القابلة إذا كانت عدلة ( وجه )قولهما ان
الولادة قد تثبت بشهادة القابلة بالاجماع و لهذا ثبت النسب و من ضرورة ثبوت الولادة
وقوع الطلاق لانه معلق بها و لابي حنيفة ان شهادة القابلة حجة ضرورية لانها شهادة
فرد ثم هو أنثى فيظهر فيما فيه الضرورة و فيما هو من ضرورات تلك الضرورة و الضرورة
في الولادة فيظهر فيها فتثبت الولادة و وقوع الطلاق ليس من ضرورات الولادة لتصور
الولادة بدون الطلاق في الجملة فلا ضرورة إلى إثبات الولادة في حق وقوع الطلاق فلا
بثبت في حقه و النسب ما ثبت بالشهادة و انما يثبت بالفراش لقيام النكاح انما الثابت
بالشهادة الولادة و تعين الولد و وقوع الطلاق ليس من ضرورات الولادة و لا من ضرورات
ثبوت النسب أيضا فلم يكن من ضرورة الولادة و ثبوت النسب وقوع الطلاق و ان كان الزوج
قد أقر بالحبل أو كان الحبل ظاهرا يقع الطلاق بمجرد قولها و ان لم تشهد القابلة في
قول أبى حنيفة و عندهما لا يقع الا بشهادة القابلة و لا خلاف في ان النسب لا يثبت
بدون شهادة القابلة ( وجه )قولهما ان المرأة تدعى وقوع الطلاق و الاصل ان المدعى
لا يعطى شيأ بمجرد الدعوي لان دعوى المدعى عارضها إنكار المنكر و قد قال صلى الله
عليه و سلم لو أعطى الناس بدعواهم الحديث الا فيما لا يوقف عليه من جهة غيره فيجعل
القول فيه قوله للضرورة كما في الحيض و الولادة أمر يمكن الوقوف عليه من جهة غيرها
فلا يقبل قولها فيه و لهذا لم يثبت النسب بقولها بدون شهادة القابلة كذا وقوع
الطلاق لانها تدعى و هو ينكر و القول قول المنكر حتى يقيم للمدعى حجته وجه قول أبى
حنيفة انه قد ثبت الحبل و هو كون الولد في البطن بإقرار الزوج بالحبل أو يكون الحبل
ظاهرا و انه يفضى إلى الولادة لا محالة لان الحمل بوضع لا محالة فكانت الولادة أمرا
كائنا لا محالة فيقبل فيه قولها كما في دم الحيض حتى لو قال لامرأته إذا حضت فأنت
طالق فقالت حضت يقع الطلاق كذا ههنا الا انه لم يقبل قولها في حق إثبات النسب بدون
شهادة القابلة لانها متهمة في تعيين الولد فلا تصدق على التعيين في حق ثبات النسب و
لا تهمة في التعيين في حق وقوع الطلاق فتصدق فيه من شهادة القابلة و نظيره ما إذا
قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق و إمرأتي الاخرى فلانة معك فقالت حضت و كذبها الزوج
تطلق هى و لا تطلق ضرتها و يثبت حيضها في حقها و لا يثبت في حق ضرتها الا بتصديق
الزوج لكونها متهمة في حق ضرتها و انتفاء التهمة في حق نفسها كذا ههنا و الله أعلم
و ان كانت معتدة من طلاق بائن أو من وفاة فجاءت بولد إلى سنتين فأنكر الزوج الولادة
أو ورثته بعد وفاته و ادعت هى فان لم يكن الزوج أقر بالحبل و لا كان الحبل ظاهرا لا
يثبت النسب الا بشهادة رجلين أو رجل