فمات الحالف و لم يضربه قال محمد لا يعتقون لان من شرط الحنث ان يكون بعد الموت و
لا ملك له في ذلك الوقت فلا يعتقون و ان قال ان أضربك فكل مملوك لي حر لا يحنث حتى
يخرج نفسه فيحنث قبل خروج نفسه يعنى في آخر جزء من أجزاء حياته فيعتقون حينئذ لان
شرط الحنث ترك الضرب و انه يتحقق في تلك الحالة و لو قال ان لم أدخل هذه الدار حتى
أموت فغلامه حر فلم يدخلها حتى مات لم يعتق و كذلك قال محمد فيمن قال ان لم أضربك
فيما بيني و بين ان أموت فعبدي حر فلم يضربه حتى مات عتق العبد قبل ان يموت لان في
الاول حنث بعد الموت و قال محمد في الزيادات فيمن قال لرجل إمرأته طالق ان لم تخبر
فلانا بما صنعت حتى يضربك فعبدي حر فاخبره فلم يضر به في يمينه لانه جعل شرط البر
الاخبار لانه سبب صالح للضرب جزاء له على صنعه و الاخبار مما لا يمتد و لا يضرب له
المدة فتعذر جعله للغاية فجعل للجزاء و قوله حتى يضربك بيان الغرض بمعنى ليضربك
فيصير معناه ان لم أتسبب لضربك فإذا أخبر بصنيعة فقد سبب لضربه فبر في يمينه و كذلك
إذا قال ان لم آتك حتى تغدينى أو أن لم أضربك حتى تضربني فعبدي حرفاتاه فلم يغده أو
أضربه و لم يضربه بر في يمينه لان التغذية لا تصلح غاية للاتيان لكونها داعية إلى
زيادة الاتيان و كذلك الضرب يدعو إلى زيادة الضرب لا إلى تركه و انهائه فلا يجعل
غاية و يجعل جزاء لوجود شرطه و لو قال ان لم ألزمك حتى تقضينى حقي أو لم أضربك حتى
يدخل الليل أو حتى تشتكي يدي أو حتى تصيح أو حتى يشفع لك فلان أو حتى ينهاني فلان
فترك الملازمة قبل ان يقضى حقه أو ترك الضرب قبل وجود هذه الاسباب حنث لان كلمة حتى
ههنا للغاية إذ المعقود عليه فعل ممتد و هو الملازمة و الضرب في قضأ الدين مؤثر في
انهاء الملازمة إذ هو المقصود من الملازمة و الشفاعة و الصياح و النهي و غيرها مؤثر
في ترك الضرب و انهائه فصارت للغاية لوجود شرطها و لو نوى به الجزاء يصدق فيما بينه
و بين الله تعالى لانه نوى ما يحتمله كلامه و لا يصدق في القضاء لانه أراد به
التخفيف على نفسه فكان متهما و ان قال ان لم آتك اليوم حتى أتغدى عندك أو ان لم آتك
حتى أضربك فعبدي حر فاتاه فلم يتغد عنده أو لم يضربه حتى مضى اليوم حنث لان كلمة
حتى ههنا للعطف لان الفعلين جميعا من جانب واحد و هو الحالف فيصير كانه قال ان لم
آتك اليوم فأضربك أو فأتغدى عندك فان لم يوجد ا جميعا لا يبر بخلاف قوله حتى تغديني
لان هناك أحد الفعلين من غيره فكان عوض فعله فلا يحنث بعدمه و ان لم يوقت باليوم
فأتاه و لم يتغد لم يحنث لان البر موجود بان يأتيه و يتغدى أو يتغدى من اتيان وقت
البر متسع فلا يحنث كما لو صرح به و قال ان لم آتك فاتغدى عندك و لو قال ذلك لا
يحنث ما دام حيا كذلك هذا و حكى هشام عن أبى يوسف ان من قال لامته ان لم تجيئينى
الليلة حتى أجامعك مرتين فانت حرة فجاءته فجامعها مرة و أصبح حنث في يمينه و هذا و
قوله ان لم تجيئينى الليلة فاجامعك مرتين سواء فيصير المجئ و المجامعة مرتين شرطا
للبر فإذا انعدم يحنث فان لم يوقت بالليل لا يحنث و له أن يجامعها في أى وقت شاء
لان وقت البر يتسع عند عدم التوقيت و قال ابن سماعة عن محمد إذا قال ان ركبت دابتك
فلم أعطك دابتي فعبدي حر قال هذا على الفور إذا ركب دابته فينبغي أن يعطيه دابة
نفسه ساعتئذ و كذلك إذا قال ان دخلت دارك فلم أجلس فيها لان الفآء للتعقيب فيقتضى
وجود ما دخلت عليه عقيب الشرط قال و لو قال ان رأيت فلانا فلم آتك به فعبدي حر فرآه
أول ما رآه مع الرجل الذي قال له ان رأيته فلم آتك به فان الحالف حانث الساعة لان
يمينه وقعت على أول رؤية و يستحيل أن يأتيه بمن هو معه قال القدوري و قد كان يجب ان
لا يحنث عند أبى حنيفة و محمد كما قالا فيمن قال له ان رأيت فلانا فلم أعلمك بذلك
فعبدي حر فرآه أول ما رآه مع الرجل الذي قال له ذلك لم يحنث عند أبى حنيفة و محمد
لان العلم بمن قد علمه محال و كذلك الاتيان بمن معه فيصير كمن قال لاشربن الماء
الذي في هذا الكوز و لا ماء فيه و لو ان رجلا قال ان لقيتك فلم أسلم عليك فان سلم
عليه ساعة يلقاه و إلا حنث و كذلك ان قال استعرت دابتك فلم تعرنى لان هذا على
المجازاة يدا بيد و ليس هذا مثل قوله ان دخلت الدار فان لم أكلم فلانا فهذا متى ما
كلمه بر و الاصل فيه ان يجئ في هذا الباب
(15)
فصل وأما حكم اليمين فيختلف باختلافه
أمور تشتبه فان لم في معنى فلم يحمل على معظم معاني كلامالناس و لو قال ان أتينى فلم آتك أو ان زرتنى فلم أزرك أو ان أكرمتنى فلم أكرمك
فهذا على الابد و هو في هذا الوجه مثل فان لم لان الزيارة لا تتعقب الزيارة عادة
فكان المقصود هو الفعل فان قيل أتيتنى فلم آتك فالأَمر في هذا مشتبه قد يكون بمعنى
ان لم آتك قبل اتيانك و قد يكون بمعنى ان لم آتك بعد اتيانك فكان محتملا للامرين
فيحمل على ما كان من الغالب من معاني كلام الناس عليه فان لم يكن فهو على ما نوى أى
ذلك نوى من قبل أو بعد حملا على ما نوى و ان لم تكن له نية يلحق بالمشتبه الذي لا
يعرف له معنى فاما الذي يعرف من معناه انه قبل أو بعد فهو على الذي يعرف في القضاء
و فيما بينه و بين الله تعالى إذا لم يكن له نية فان نوى خلاف ما يعرف لم يدين في
الحكم و دين فيما بينه و بين الله تعالى فالذي الظاهر منه قبل كقوله ان خرجت من باب
الدار و لم أضربك و الذى ظاهره بعد مثل قوله ان أعطيتني كذا و لم أكافئك بمثله و
المحتمل كقوله ان كلمتك و لم تكلمني فهذا يحتمل قبل و بعد فأيهما فعل لم يكن للحالف
فيه و ان كان نوى أحد الفعلين فهو على ما نوى و ان كان قبل ذلك فنطق بكون هذا جوابا
له فهو على الجواب و الله عز و جل الموفق ( و أما )الذي يرجع إلى نفس الركن فخلوه
عن الاستثناء نحو ان يقول ان شاء الله تعالى أو الا ان يشاء الله أو ما شاء الله أو
الا أن يبدو لي هذا أو الا ان أرى هذا أو الا ان أحب هذا أو قال ان أعانني الله أو
يسر الله أو قال بمعونة الله أو بتيسيره و نحو ذلك فان قال شيأ من ذلك موصولا لم
تنعقد اليمين و ان كان مفصولا انعقدت و سيأتي الكلام في الاستثناء و شرائطه في كتاب
الطلاق و لو قال الا ان أستطيع فان عني استطاعة الفعل و هو المعنى الذي يقصد فلا
يحنث أبدا لانها مقارنة للفعل عندنا فلا توجد ما لم يوجد الفعل و ان عني به استطاعة
الاسباب و هي سلامة الآلات و الاسباب و الجوارح و الاعضاء فان كانت له هذه
الاستطاعة فلم يفعل حنث و إلا فلا و هذا لان لفظ الاستطاعة يحتمل كل واحد من
المعنيين لانه يستعمل فيهما قال الله تعالى ما كانوا يستطيعون و قال انك لن تستطيع
معي صبرا و المراد منه استطاعة الفعل و قال الله تعالى و لله على الناس حج البيت من
استطاع اليه سبيلا و قال عز و جل فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا و المراد منه
استطاعة سلامة الاسباب و الآلات فاى ذلك نوى صحت نيته و ان لم يكن له نية يحمل على
استطاعة الاسباب و هو ان لا يمنعه مانع من العوارض و الاشتغال لانه يراد بها ذلك في
العرف و العادة فعند الاطلاق ينصرف اليه و الله عز و جل أعلم ( فصل )و أما حكم
اليمين بالله تعالى فيختلف باختلاف اليمين أما يمين الغموس فحكمها وجوب الكفارة لكن
بالتوبة و الاستغفار لانها جرأة عظيمة حتى قال الشيخ أبو منصور الماتريدى كان
القياس عندي ان المتعمد بالحلف على الكذب يكفر لان اليمين بالله تعالى جعلت للتعظيم
لله تعالى و الحالف بالغموس مجترئ على الله عز و جل مستخف به و لهذا نهى رسول الله
صلى الله عليه و سلم عن الحلف بالآباء و الطواغيت لان في ذلك تعظيما لهم و تبجيلا
فالوزر له في الجراءة على الله أعظم و هذا لان التعمد بالحلف كاذبا على المعرفة بان
الله عز و جل يسمع استشهاده بالله كاذبا مجترئ على الله سبحانه و تعالى و مستخف به
و ان كان غيره يزعم انه ذكر على طريق التعظيم و سبيل هذا سبيل أهل النفاق ان
إظهارهم الايمان بالله سبحانه و تعالى استخفاف بالله تعالى لما كان اعتقادهم بخلاف
ذلك و ان كان ذلك القول تعظيما في نفسه و صدقا في الحقيقة تلزمهم العقوبة لما فيه
من الاستخفاف و كذا هذا و لكن نقول لا يكفر بهذا لان فعله ان خرج مخرج الجراءة على
الله تعالى و الاستخفاف به من حيث الظاهر لكن غرضه الوصول إلى مناه و شهوته لا
القصد إلى ذلك و على هذا يخرج قول أبى حنيفة رحمه الله في سؤال السائل ان العاصي
يطيع الشيطان و من أطاع الشيطان فقد كفر كيف لا يكفر العاصي فقال لان فعله و ان خرج
مخرج الطاعة للشيطان لكن ما فعله قصد إلى طاعته و انما يكفر بالقصد إذ الكفر عمل
القلب لا بما يخرج فعله فعل معصية فكذلك الاول و أما الكفارة المعهودة و هي الكفارة
بالمال فلا تجب عندنا و هي عند الشافعي تجب احتج بقوله تعالى لا يؤاخذكم الله
باللغو في ايمانكم و لكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم نفي المؤاخذة باليمين اللغو في
(16)
فكانت المؤاخذة ثابتة بها الا أن الله تعالى أبهم المؤاخذة في هذه الآية الشريفة
أنها بالاثم أو بالكفارة المعهودة لكن فسر في الاخرى أن المؤاخذة بالكفارة المعهودة
و هي قوله عز و جل و لكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته الآية فعلم أن المراد
من المؤاخذة المذكورة في تلك الآية هذه المؤاخذة و بقوله عز و جل و لكن يؤاخذكم بما
عقدتم الايمان فكفارته الآية أثبت المؤاخذة في اليمين المعقودة بالكفارة المعهودة و
يمين الغموس معقودة لان اسم العقد يقع على عقد القلب و هو العزم و القصد و قد وجد
بقوله عز و جل في آخر الآية الكريمة ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم جعل الكفارة
المعهودة كفارة الايمان على العموم خص منه يمين اللغو فمن ادعى تخصيص العموم فعليه
الدليل مع ما ان أحق ما يراد به الغموس لانه علق الوجوب بنفس الحلف دون الحنث و ذلك
هو الغموس اذ الوجوب في غيره يتعلق بالحنث ( و لنا )قوله سبحانه و تعالى ان الذين
يشترون بعهد الله و ايمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة الآية ورى عن
عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من حلف
على يمين و هو فيها فاجر ليقتطع بها ما لا لقى الله و هو عليه غضبان و روى عن جابر
بن عبد الله رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من حلف على منبرى
هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار و الاستدلال بالنصوص ان الله تعالى جعل موجب
الغموس العذاب في الآخرة فمن أوجب الكفارة فقد زاد على النصوص فلا يجوز الا فلا
يجوز الا بمثلها و ما روى عن نبي الرحمة صلى الله عليه و سلم أنه قال للمتلاعنين
بعد فراغهما من اللعان الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب دعاهما إلى التوبة
لا إلى الكفارة المعهودة و معلوم ان حاجتهما إلى بيان الكفارة المعهودة لو كانت
واجبة كانت أشد من حاجتهما إلى بيان كذب أحدهما و إيجاب التوبة وجوب التوبة بالذنب
يعرفه كل عاقل بمجرد العقل من معونة السمع و الكفارة المعهودة لا تعرف الا بالسمع
فلما لم يبين مع أن الحال حال الحاجة إلى بيان دل أنها واجبة و كذا الحديث الذي روى
في الخصمين أنه قضى لاحدهما و ذكر فيه الوعيد الشديد ان يأخذه و هو الحق في ذلك ثم
أمرهما صلى الله الله عليه و سلم بالاستهام و ان يحلل كل واحد منها صاحبه و لم يبين
الكفارة و الموضع موضع الحاجة إلى البيان لو كانت واجبة فعلم انها واجبة و لان وجوب
الكفارة المعهودة حكم شرعي فلا يعرف الا بدليل شرعي و هو النص أو الاجماع أو القياس
و لم يوجد و أقوى الدلائل في نفى الحكم نفى دليله أما الاجماع فظاهر الانتفاء و كذا
النص القاطع لان أهل الديانة لا يختلفون في موضع فيه نص قاطع و النص الظاهر وجب
العمل به أيضا و ان كان لا يجب الاعتقاد قطعا فلا يقع الاختلاف ظاهرا نفى الاستدلال
باليمين المعقودة و من شرطه التساوى و لم يوجد لان الذنب في يمين الغموس أعظم و ما
صلح لدفع أدنى الذنبين لا يصلح لرفع أعلاهما و لهذا قال اسحق في يمين الغموس أجمع
المسلون على أنه لا يجب الكفارة فيها فقول من يوجبها ابتداء شرع و نصب حكم على
الخلق و هو لم يشترك في حكمه أحدا و لا حجة له في قوله تعالى و لكن يؤاخذكم بما
كسبت قلوبكم لان مطلق المؤاخذة في الجنايات يراد بها المؤاخذة في الآخرة لانها
حقيقة المؤاخذة و الجزاء فأما المؤاخذة في الدنيا فقد تكون خيرا و تكفيرا فلا تكون
مؤاخذة معنى و نحن به نقول أن المؤاخذة بيمين الغموس ثابتة في الآخرة و لان قوله
تعالى يؤاخذكم اخبار أنه يؤاخذ فأما قضية المؤاخذة فليست بمذكورة فيستدعى نوع
مؤاخذة و المؤخذة بالاسم مرادة من هذه الآية فلا يكون غيره مرادا إذا و أما قوله
تعالى و لكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فالمراد منه اليمين على أمر في المستقبل لان
العقد هو الشد و الربط في اللغة و منه عقد الحبل و عقد الحمل و انعقاد الرق و هو
ارتباط بعضه ببعض و قد يذكر و يراد به العهد و كل ذلك لا يتحقق الا في المستقبل و
لان الآية قرئت بقرائتين بالتشديد و التخفيف و التشديد لا يحتمل الا عقد اللسان و
هو عقد القول و التخفيف يحتمل العقد باللسان و العقد بالقلب و هو العزم و القصد
فكانت قراءة التشديد محكمة في الدلالة على إرادة العقد باللسان و القراءة بالتخفيف
محتملة فيرد المحتمل إلى المحكم ليكون عملا بالقراءتين على الموافقة
(17)
المستقبل أنه علق الكفارة فيها بالحلف و الحنث عرفنا ذلك بقراءة عبد الله بن مسعود
رضى الله عنه إذا حلفتم و حنثتم و الحنث لا يتصور الا في اليمين على أمر في
المستقبل و كذا قوله تعالى و احفظوا ايمانكم و حفظ اليمين انما يتصور في المستقبل
لان ذلك تحقيق البر و الوفاء بالعهد و إنجاز الوعد و هذا لا يتصور في الماضي و
الحال و الله عز و جل الموفق ( و أما )يمين اللغو فلا كفارة فيها بالتوبة و لا
بالمال بلا خلاف بيننا و بين الشافعي لان قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في
أيمانكم أدخل كلمة النفي على المؤاخذة فيدل على انتفاء المؤاخذة فيها بالاثم و
الكفارة جميعا و انما اختلفا في تفسيرها و اختلف قول من فسرها باليمين على المعاصي
في وجوب الكفارة على ما بينا ثم الحالف باللغو انما لا يؤاخذ في اليمين بالله تعالى
فأما اليمين بغير الله تعالى من الطلاق و العتاق فانه يؤاخذ به حتى يقع الطلاق و
العتاق و ان كان ظاهر الآية الكريمة في نفى المؤاخذة عاما عرفنا ذلك بالخبر و النظر
أما الخبر فقوله صلى الله عليه و سلم ثلاث جدهن جد و هزلهن جد و ذكر الطلاق و
العتاق واللاغى لا يعدو هذين فدل ان اللغو داخل في اليمين بالطلاق و العتاق و أما
النظر فهو ان الطلاق و العتاق مما يقع معلقا و منجزا و متى علق بشرط كان يمينا
فأعظم ما في اللغو انه يمنع انعقاد اليمين و ارتباط الجزاء بالشرط فيبقى مجرد ذكر
صيغة الطلاق و العتاق من شرط فيعمل في إفادة موجبهما بخلاف اليمين بالله تعالى فان
هناك إذا لغا المحلوف عليه يبقى مجرد قوله و الله فلا يجب به شيء فثبت بما ذكرنا ان
المراد بالآية اللغو في اليمين بالله تعالى لا في اليمين بغير الله تعالى من الطلاق
و العتاق و سائر الا جزية ( و أما )حكم اليمين المعقودة و هي اليمين على المستقبل
فاليمين على المستقبل لا يخلو اما أن يكون على فعل واجب و أما أن يكون على ترك
المندوب و أما أن يكون على ترك المباح أو فعله فان كان على فعل واجب بأن قال و الله
لاصلين صلاة الظهر اليوم أو لاصومن رمضان فانه يجب عليه الوفاء به و لا يجوز له
الامتناع عنه لقوله صلى الله عليه و سلم من حلف أن يطيع الله فليطعه و لو امتنع
يأثم و يحنث و يلزمه الكفارة و ان كان على ترك الواجب أو على فعل معصية بأن قال و
الله لا أصلي صلاة الفرض أو لا أصوم رمضان أو قال و الله لاشربن الخمر أو لا زنين
أو لاقتلن فلانا أو لا أكلم والدي و نحو ذلك فانه يجب عليه للحال الكفارة بالتوبة و
الاستغفار ثم يجب عليه أن يحنث نفسه و يكون بالمال لان عقد هذه اليمين معصية فيجب
تكفيرها بالتوبة و الاستغفار في الحال كسائر الجنايات التي ليس فيها كفارة معهودة و
على هذا يحمل ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال من حلف على يمين
فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه ثم ليأت الذي هو خير أى عليه أن يحنث نفسه
لقوله صلى الله عليه و سلم من حلف أن يعصى الله تعالى فلا يعصه و ترك المعصية
بتحنيث نفسه فيها فيحنث به و يكفر بالمال و هذا قول عامة العلماء و قال الشعبي لا
تجب الكفارة المعهودة في اليمين على المعاصي و ان حنث نفسه فيها لما روى عن أبى
هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال إذا حلف أحدكم على
يمين فرأى ما هو خير منها فليأته فانه لا كفارة بها و لان الكفارة شرعت لرفع الذنب
و الحنث في هذه اليمين ليس بذنب لانه واجب فلا تجب الكفارة لرفع الذنب و لا ذنب ( و
لنا )قوله تعالى و لكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إلى قوله ذلك كفارة
أيمانكم إذا حلفتم من فصل بين اليمين على المعصية و غيرها و الحديث المعروف و هو ما
روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها
فليأت الذي هو خير و ليكفر عن يمينه و ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه فقد روى
عنه خلافه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا حلف أحدكم بيمين ثم رأى خيرا
مما حلف عليه فليكفر عن يمينه و ليفعل الذي هو خير فوقع التعارض بين حديثيه فبقى
الحديث المعروف لنا بلا تعارض و لان الامة أجمعت على ان الكفارة لا يمتنع وجوبها
لعذر في الحانث بل يتعلق بمطلق الحنث سواء كان الحانث ساهيا أو خاطئا أو نائما أو
مغمى عليه أو مجنونا فلا يمتنع وجوبها لاجل المعصية و لان الكفارة انما وجبت في
اليمين على المباحات اما لان الحنث فيما يقع خلفا في الوعد و نقضا للعهد لان الحالف
وعد ان يفعل و عهد الله على ذلك فإذا حنث فقد صار بالحنث مخلفا في الوعد ناقضا
للعهد
يخرج مخرج الاستخفاف بالاستشهاد بإسم الله تعالى من حيث الصورة متى قوبل ذلك بعقده
السابق لا من حيث الحقيقة اذ المسلم لا يباشر المعصية قصد المخالفة الله تعالى و
ارادة الاستخفاف بأمره و نهيه فوجب عليه التكفير جبرا لما هتك من حرمة اسم الله
تعالى صورة لا حقيقة و سترا و كل واحد من الوجهين موجود ههنا فيجب و أما قولهم
الكفارة شرعت لرفع الذنب فنعم لكن لم قلتم انه لا ذنب و قولهم الحنث واجب قلنا بلى
لكن من حيث انه ترك المعصية لا من حيث انه نقض اليمين التي هى عهد مع الله تعالى بل
الحنث من هذه الجهة ذنب فيحتاج إلى التكفير بالمال و ان كان على ترك المندوب بأن
قال و الله لا أصلي نافلة و لا أصوم تطوعا و لا أعود مريضا و لا أشيع جنازة و نحو
ذلك فالأَفضل له أن يفعل و يكفر عن يمينه بالحديث الذي روينا و ان كان على مباح
تركا أو فعلا كدخول الدار و نحوه فالأَفضل له البر و له أن يحنث نفسه و يكفر ثم
الكفارة تجب في اليمين المعقودة على المستقبل سواء قصد اليمين أو لم يقصد عندنا بان
كانت على أمر في المستقبل و عند الشافعي لا بد من قصد اليمين لتجب الكفارة و احتج
بما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال ثلاث جدهن جد و هزلهن جد الطلاق
و العتاق و النكاح فتخصيص هذه الاشياء بالذكر في التسوية بين الجد و الهزل منها
دليل على ان حكم الجد و الهزل يختلف في غيرها ليكون التخصيص مفيدا ( و لنا )قوله
تعالى و لكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته أثبت المؤاخذة بالكفارة المعهودة في
اليمين المعقودة مطلقا عن شرط القصد اذ العقد هو الشد و الربط و العهد على ما بينا
و قوله عز و جل ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم أى حلفتم و حنثتم جعل أحد الاشياء
المذكورة كفارة الايمان على العموم عند وجود الحلف و الحنث و قد وجد ( و أما )الحديث فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال ثلاث جدهن جد و هزلهن جد
النكاح و الطلاق و اليمين مع ما ان روايته الاخرى مسكوتة عن الاشياء المذكورة اذ لا
يتعرض لغيرها بالنفي و لا بالاثبات فلا يصح الاحتجاج به و الله عز وجل أعلم ثم وقت
وجوب الكفارة في اليمين المعقود على المستقبل هو وقت وجود الحنث فلا يجب الا بعد
الحنث عند عامة العلماء و قال قوم وقته وقت وجود اليمين فتجب الكفارة بعقد اليمين
من حنث و احتجوا بقوله تعالى و لكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان و قوله عز و جل ذلك
كفارة ايمانكم إذا حلفتم و قوله عز و جل فكفارته أى كفارة ما عقدتم من الايمان لان
الاضافة تستدعى مضافا اليه سابقا و لم يسبق ذلك العقد فيصرف اليه و كذا في قوله ذلك
كفارة ايمانكم أضاف الكفارة إلى اليمين و على ذلك تنسب الكفارة إلى اليمين فيقال
كفارة اليمين و الاضافة تدل على السببية في الاصل و بما روى عن رسول الله صلى الله
عليه و سلم أنه قال من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه ثم ليأت
الذي هو خير و الاستدلال بالحديث من وجهين أحدهما أنه أمر بالتكفير بعد اليمين قبل
الحنث و مطلق الامر يحمل على الوجوب و الثاني أنه قال عليه الصلاة و السلام فليكفر
عن يمينه أضاف التكفير إلى اليمين فكذا في الرواية الاخرى فليأت الذي هو خير و
ليكفر يمينه أمر بتكفير اليمين لا بتكفير الحنث فدل أن الكفارة لليمين و لان الله
تعالى نهى عن الوعد الا بالاستثناء بقوله عز و جل و لا تقولن لشيء أنى فاعل ذلك غدا
الا أن يشاء الله و معلوم أن ذلك النهى في اليمين أوكد و أشد ممن حلف على شيء بلا
ثنيا فقد صار عاصيا بإتيان ما نهى عنه فتجب الكفارة لدفع ذلك الاثم عنه ( و لنا )أن الواجب كفارة و الكفارة تكون للسيئات اذ من البعيد تكفير الحسنات فالسيئات تكفر
بالحسنات قال الله سبحانه و تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات و عقد اليمين مشروع قد
أقسم رسول الله صلى الله عليه و سلم في موضع و كذا الرسل المتقدمة عليهم الصلاة و
السلام قال الله تعالى خبرا عن إبراهيم عليه الصلاة و السلام أنه قال و تالله
لاكيدن أصنامكم و قال خبر عن أولاد يعقوب عليهم الصلاة السلام أنهم قالوا تالله
تفتؤ تذكر يوسف و كذا أيوب عليه الصلاة و السلام كان حلف أن يضرب إمرأته فأمره الله
سبحانه و تعالى بالوفاء بقوله تعالى و خذ بيدك ضغثا فاضرب به و لا تحنث و الانبياء
عليهم الصلاة و السلام معصومون عن
صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا حلفتم فاحلفوا بالله و قال صلى الله عليه و سلم لا
تحلفوا بآبائكم و لا بالطواغيت فمت كان حالفا فليحلف بالله أو ليذر أمر صلى الله
عليه و سلم باليمين بالله تعالى فدل أن نفس اليمين ليس بذنب فلا يجب التكفير لها و
انما يجب للحنث لانه هو المأثم في الحقيقة و معنى الذنب فيه أنه كان عاهد الله
تعالى أن يفعل كذا فالحنث يجر مخرج نقض العهد منه فيأثم بالنقض لا بالعهد و لذلك
قال الله تعالى و أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم و لا تنقضوا الايمان بعد توكيدها و قد
جعلتم الآية و لان عقد اليمين يخرج مخرج التعظيم و التبجيل لله تعالى و جعله مفزعا
اليه و مأ منا فيمتنع ان تجب بالكفارة محوا له و سترا و تبين بطلان قولهم ان الحالف
يصير عاصيا بترك الاستثناء في اليمين لان الانبياء صلوات الله عليهم تركوا
الاستثناء في اليمين و لم يجز وصفهم بالمعصية فدل ان ترك الاستثناء في اليمين ليس
بحرام و ان كان تركه في مطلق الوعد منهيا عنه كراهة و ذلك و الله عز و جل أعلم
لوجهين أحدهما ان الوعد اضافة إلى الفعل إلى نفسه بان يقول افعل غدا كذا و كل فعل
يفعله تحت مشيئة الله تعالى فان فعله لا يتحقق لاحد الا بعد تحقيق الله تعالى منه و
لا يتحقق منه الاكتساب لذلك الا باقداره فيندب إلى قران الاستثناء بالوعد ليوفق على
ذلك و يعصم عن الترك و في اليمين يذكر الاستشهاد بإسم الله تعالى على طريق التعظيم
قد استغاث بالله تعالى و اليه فزع فيتحقق التعظيم الذي يحصل به الاستثناء و زيادة
فلا معنى للاستثناء الثاني أن اليمين شرعت لتأكيد المحلوف عليه خصوصا في البيعة و
قران الاستثناء في مثل ذلك يبطل المعنى الذي وضع له العقد بخلاف الوعد المطلق و أما
الآية الكريمة فتأويلها من وجهين أحدهما أى يؤاخذكم الله بمحافظة ما عقدتم من
الايمان و الوفاء بها كقوله عز و جل و لا تنقضوا الايمان بعد توكيدها فان تركتم ذلك
فكفارته كذا و كذلك قوله ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم فتركتم المحافظة ألا ترى أنه
قال عز و جل و احفظوا ايمانكم و المحافظة تكون بالبر و الثاني أن يكون على إضمار
الحنث أى و لكن يؤاخذكم بحنثكم فيما عقدتم و كذا في قوله كفارة ايمانكم إذا حلفتم
أى إذا حلفتم و حنثتم كما في قوله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من
صيام أو صدقة أو نسك معناه فحلف ففدية من صيام و قوله عز و جل فان أحصرتم فما
استيسر من الهدى معناه فتحلل و قوله عز و جل فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من
أيام أخر أي فأفطر فعدة من أيام أخر لان ظاهر الملفوظ و هو القدر الذي هو سبب
التخفيف لا يصلح سببا للوجوب فصار استعمال الرخصة مضمرا فيه كذلك ههنا لا تصلح
اليمين التي هى تعظيم الرب جل جلاله سببا لوجوب التكفير فيجب إضمار ما هو صالح و هو
الحنث و أما اضافة الكفارة إلى اليمين فليست للوجوب بها بل على إرادة الحنث كإضافة
كفارة الفطر إلى الصيام و اضافة الدم إلى الحج و السجود إلى السهو و ان لم يكن ما
أضيف اليه سببا كذا هذا و أما الحديث فقد روى بروايات روى فليأت الذي هو خير و
ليكفر يمينه و روى فليكفر يمينه و ليأت الذي هو خير و روى فليأت الذي هو خير ثم
ليكفر يمينه و هو على الروايات كلها حجة عليهم لا لهم لان الكفارة لو كانت واجبة
بنفس اليمين لقال عليه الصلاة و السلام من حلف على يمين فليكفر من التعرض لما وقع
عليه اليمين أنه ماذا و لما لزم الحنث إذا كان خيرا ثم بالتكفير فلما خص اليمين على
ما كان الحنث خيرا من البر بالنقض و الكفارة علم انها تختص بالحنث دون اليمين نفسها
و انها لا تجب بعقد اليمين دون الحنث اختلف في جوازها قبل الحنث قال أصحابنا لا
يجوز و قال الشافعي يجوز التكفير بالمال قبل الحنث فأما التكفير بالصوم فلا يجوز
قبل الحنث بالاجماع وجه قوله انه كفر بعد وجود سبب الوجوب فيجوز كما لو كفر بالمال
بعد الجرح قبل الموت و الدليل على أنه كفر بعد وجود سبب الوجوب أن اليمين وجوب
الكفارة بدليل أن الكفارة تضاف إلى اليمين يقال كفارة اليمين و قال الله تعالى ذلك
كفارة ايمانكم إذا حلفتم و الحكم انما يضاف إلى سببه هو الاصل فدل أن اليمين سبب
لوجوب الكفارة فكان هذا تكفيرا بعد وجود سبب الوجوب فيجوز كما في موضع الاجماع و
الدليل على جواز التكفير بالمال قبل الحنث ما روى أن رسول الله
(20)
فصل في بيان أن اليمين على نية الحالف أو المستحلف
صلى الله عليه و سلم كفر قبل الحنث و ذلك أنه لما رأى حمزةرضى الله عنه سيد الشهداء قد مثل و جرح جراحات عظيمة اشتد ذلك على رسول الله صلى
الله عليه و سلم فأقسم أن يفعل كذلك بكذا كذا من قريش فنزل النهى عن الوفاء بذلك و
كفر عن يمينه و ذلك تكفير قبل الحنث في مثل هذه اليمين لا يتحقق الا في الوقت الذي
يحتمل البر فيه حقيقة و ذلك عند موته فدل على جواز التكفير للامة قبل الحنث اذ هو
صلى الله عليه و سلم قدوة و لنا ان السبب ما يكون مفضيا إلى المسبب اذ هو في اللغة
اسم لما يتوصل به إلى الشيء و اليمين مانعة من الحنث لكون الحنث خلفا في الوعد و
نقضا للعهد و قد قال الله تعالى و أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم و لا تنقضوا الايمان
بعد توكيدها و قد جعلتم الله عليكم كفيلا ان الله يعلم ما تفعلون و لا تكونوا كالتى
نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا و لكونه استخفافا بإسم الله تعالى من حيث الصورة و كل
ذلك مانع من الحنث فكانت اليمين مانعة من الحنث فكانت مانعة من الوجوب اذ الوجوب
شرط الحنث بلا خلاف بيننا فكيف يكون سببا للوجوب و لهذا لم يجز عجل التكفير بالصوم
كذا بالمال بخلاف التكفير بعد الجرح قبل الموت لان الجرح سبب للموت لكونه مفضيا إلى
فوات الحياة عادة فكان تكفيرا بعد وجود السبب فجاز و أما اضافة الكفارة إلى اليمين
فعلى إضمار الحنث فيكون الحنث بعد اليمين سببا لا قبله و الحنث يكون سببا و الدليل
عليه انه سماه كفارة لقوله عز و جل ذلك كفارة أيمانكم و هي اسم لما يكفر بالذنب و
لا ذنب الا ذنب الحنث فكان المراد منه إذا حلفتم و حنثتم كما يقرأ ابن مسعود رضى
الله عنه فان قيل الكفارة تجب بنفس اليمين أصل الوجوب لكن يجب أداؤها عند الحنث
كالزكاة تجب عند وجود النصاب لكن يجب الاداء عند الحول و قوله صلى الله عليه و سلم
لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول لنفي وجوب الاداء لا لنفي أصل الوجوب فالجواب
انه لا وجوب الا وجوب الفعل فاما وجوب الفعل فامر لا يعقل على ما عرف في موضعه على
انه لو كان كذلك لجاز التكفير بالصوم لانه صام بعد الوجوب فعلم ان الوجوب ثابت أصلا
و رأسا فان قيل يجوز ان يسمى كفارة قبل وجوبها كما يسمى ما يعجل من المال زكاة قبل
الحول و كما يسمى المعجل كفارة بعد الجراحة قبل الموت فلا حاجة إلى الحنث في جوازها
فالجواب انه لا خلاف في ان الكفارة الحقيقية و هي الكفارة الواجبة بعد الحنث مرادة
بالآية فامتنع ان يراد بها ما يسمى كفارة مجاز العرضية الوجوب لاستحالة كون اللفظ
الواحد منتظما الحقيقة و المجاز و أما تكفير النبي صلى الله عليه و سلم فنقول ذلك
في المعنى كان تكفيرا بعد الحنث لانه تكفير بعد العجز عن تحصيل البر فيكون تكفيرا
بعد الحنث من حيث المعنى كمن حلف لآتين البصرة فمات يلزمه الكفارة لتحقق العجز
بالموت و بيان ذلك ان النبي صلى الله عليه و سلم معصوم عن المعصية و الوفاء بتلك
اليمين اذ هو نهى عن ذلك فكانت يمينه قبل النهى عن الذي حلف عليه فكانت منعقدة على
فعل مباح و لما نهى صلى الله عليه و سلم عن تحصيل ذلك الفعل و صار ذلك معصية صار
انشاء و عاجزا عن البر فصار حانثا و ان كان ذلك الفعل ممكن الوجود في نفسه فكان وقت
يأسه وقت النهى لا وقت الموت أما في حق النبي صلى الله عليه و سلم وقت اليأس و
العجز حقيقة هو وقت الموت اذ النبي صلى الله عليه و سلم معصوم عن المعاصي فلا يتحقق
العجز لتصور وجود البر مع وصف العصيان فهو الفرق و الله عز و جل أعلم ( فصل )و اما
بيان ان اليمين بالله عز و جل على نية الحالف أو المستحلف فقد روى عن أبى يوسف عن
أبى حنيفة عن حماد عن إبراهيم انه قال اليمين على نية الحالف إذا كان مظلوم و ان
كان ظالما فعلى نية المستحلف و ذكر الكرخي ان هذا قول أصحابنا جميعا و ذكر القدوري
انه ان أراد به اليمين على الماضي فهو صحيح لان المؤاخذة في اليمين على الماضي
بالاثم فمتى كان الحالف ظالما كان آثما في يمينه و ان نوى به ما حلف عليه لانه
يتوصل باليمين إلى ظلم غيره و قد روى أبو أمامة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله
عليه و سلم انه قال من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة و أوجب عليه
النار قالوا و ان كان شيأ يسيرا قال صلى الله عليه و سلم و ان كان قضيبا من أراك
قالها