لانه لا تلزمه الجماعة فاشبه المرأة و ان اعتكف اثنان في مسجد لا تقام فيه جماعة فأقاما الجماعة فيه صح عتكافهما لانهما أقاما الجماعة فأشبه ما لو أقامها فيه غيرهما ( فصل ) و للمرأة أن تعتكف في كل مسجد و لا يشترط اقامة الجماعة فيه لانها واجبة عليها و بهذا قال الشافعي و ليس لها الاعتكاف في بيتها و قال أبو حنيفة و الثوري لها الاعتكاف في مسجد بيتها و هو المكان الذي جعلته للصلاة منه و اعتكافها فيه أفضل لان صلاتها فيه أفضل و حكي عن أبي حنيفة أنها لا تصح اعتكافها في مسجد الجماعة لان النبي صلى الله عليه و آله ترك الاعتكاف في المسجد لما رأى أبنية أزواجه فيه و قال " البرتردن ؟ " و لان مسجد بيتها موضع فضيلة صلاتها فكان موضع اعتكافها كالمسجد في حق الرجل و لنا قوله تعالى ( و أنتم عاكفون في المساجد ) و المراد به المواضع التي بنيت للصلاة فيها و موضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد لانه لم يبن للصلاة فيه و ان سمي مسجدا كان مجازا فلا يثبت له أحكام المساجد الحقيقية كقول النبي صلى الله عليه و آله " جعلت لي الارض مسجدا " و لان أزواج النبي صلى الله عليه و آله استأذنه في الاعتكاف في المسجد فأذن لهن و لو لم يكن موضعا لاعتكافهن لما أذن فيه و لو كان الاعتكاف في غيره أفضل لدلهن عليه و نبههن عليه و لان الاعتكاف قربة يشترط لها المسجد في حق الرجل
(127)
فيشترط في حق الرمأة كالطواف و حديث عائشة حجة لنا لما ذكرنا و انما كره اعتكافهن في تلك الحال حيث كثرت ابنيتهن لما رأى من منافستهن فكرهه منهن خشية عليهن من فساد نيتهن و سوء المقصد به و لذلك قال " البرتردن ؟ " منكرا لذلك أي لم تفعلن ذلك تبررا و لذلك ترك الاعتكاف لظنه أنه يتنافس في الكون معه و لو كان للمعنى الذي ذكروه لامر هن بالاعتكاف في بيوتهن و لم يأذن لهن في المسجد و أما الصلاة فلا يصح اعتبار الاعتكاف بها فان صلاة الرجل في بيته أفضل و لا يصح اعتكافه فيه ( فصل ) و من سقطت عنه الجماعة من الرجال كالمريض إذا أحب أن يعتكف في مسجد لا تقام فيه الجماعة ينبغي أن يجوز له ذلك لان الجماعة ساقطة عنه فأشبه المرأة ، و يحتمل أن لا يجوز له ذلك لانه من أهل الجماعة فأشبه من تجب عليه و لانه إذا التزم الاعتكاف و كلفه نفسه فينبغي أن يجعله في مكان تصلى فيه الجماعة و لان من التزم ما لا يلزمه لا يصح بدون شروطه كالمتطوع بالصوم و الصلاة ( فصل ) و إذا اعتكفت المرأة في المسجد استحب لها أن تستتر بشيء لان أزواج النبي صلى الله عليه و آله
(128)
لما أردن الاعتكاف أمرن بأبنيتهن فضربن في المسجد و لان المسجد يحضره الرجال و خير لهم و للنساء
(129)
أن لا يرونهن و لا يرينهم و إذا ضربت بناء جعلته في مكان لا يصلي فيه الرجال لئلا تقطع صفوفهم
(130)
و يضيق عليهم ، و لا بأس أن يستتر الرجل أيضا فان النبي صلى الله عليه و آله أمر ببنائه فضرب و لانه أستر له
(131)
و أخفى لعمله .و روى ابن ماجة عن أبي سعيد ان رسول الله صلى الله عليه و آله اعتكف في قبة تركية على سدتها
(132)
قطعة حصير ، قال فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبلة ثم إطلع رأسه فكلم الناس و الله أعلم ( مسألة ) قال ( و لا يخرج منه إلا لحاجة الانسان أو صلاة الجمعة ) و جملة ذلك ان المعتكف ليس له الخروج من معتكفه إلا لما لابد له منه ، قالت عائشة رضي الله عنها : السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لما لابد له منه رواه أبو داود ، و قالت أيضا كان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا اعتكف يدني إلى رأسه فأرجله ، و كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الانسان متفق عليه ، و لا خلاف في ان له الخروج لما لابد له منه .قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على ان للمعتكف أن يخرج من معتكفه للفائط و البول و لان هذا مما لابد منه و لا يمكن فعله في المسجد ، فلو بطل الاعتكاف بخروجه اليه لم يصح لاحد الاعتكاف و لان النبي صلى الله عليه و آله كان يعتكف ، و قد علمنا انه كان يخرج لقضاء حاجته ، و المراد بحاجة الانسان البول و الغائط كنى بذلك عنهما لان كل إنسان يحتاج إلى