بيان تفريق أبي حنيفة ومالك رحمهما الله بين مالا دم له يموت في الماء والمائعات وبين ماله دم يموت فيها
قال على : إن كان فرق بهذا القول بين ما ماتت فيه الوزغة و الفأرة و بين ما ماتت فيه الدجاجة فهو خطأ ، لانه قول بلا برهان ، و ان ساوى بين كل ذلك فقد تناقض قوله ، اذ منع من أكل الطعام المعمول بذلك الماء ، و اذ أمر بغسل ما مسه من الثياب ، ثم لم يأمر بإعادة الصلاة الا في الوقت ، و هذا عنده اختيار لا إيجاب .فان كانت الصلاة التي يأمرة بأن يأتى بها في الوقت تطوعا عنده ، فأى معنى للتطوع في إصلاح ما فسد من صلاة الفريضة ؟ فان قال : ان لذلك معنى ، قيل له : فما الذي يفسد ذلك المعنى إذا خرج الوقت ؟ و ما الوجه الذي رغبتموه من أجله في أن يتطوع في الوقت ، و لم ترغبوه في التطوع بعد الوقت ؟ و ان كانت الصلاة التي يأمره أن يأتى بها في الوقت فرضا ، فكيف يجوز أن يصلى ظهرين ليوم واحد في وقت واحد ؟ و ما الذي أسقطها عنه إذا خرج الوقت ؟ و هو يرى أن الصلاة الفرض يؤديها التارك لها فرضا و لا بد و ان خرج الوقت ثم العجب من تفريق أبى حنيفة و مالك بين ما لا دم له يموت في الماء و فى المائعات و بين ماله دم يموت فيها ، و هذا فرق لم يأت به قط قرآن و لا سنة صحيحة و لا سقيمة ، و لا قول صاحب و لا قياس و لا معقول ، و العجب من تحديدهم ذلك بما له دم ! و بالعيان ندرى أن البرغوث له دم و الذباب له دم فان قالوا : أردنا ماله دم سائل ، قيل : و هذا زائد في العجب ! و من أين لكم هذا التقسيم بين الدماء في الميتات ؟ و أنتم مجمعون معنا و مع جميع أهل الاسلام على أن كل ميتة فهي حرام ، و بذلك جاء القرآن ، و البرغوث الميت و الذباب الميت و العقرب الميت و الخنفساء الميت : حرام بلا خلاف من أحد ، فمن أين وقع لكم هذا التفريق بين أصناف الميتات المحرمات ؟ فقال بعضهم : قد أجمع المسلمون على أكل الباقلاء المطبوخ و فيه الدقش ( 1 ) الميت ، و على أكل العسل و فيه1 - بفتح الدال المهملة و إسكان القاف و آخره شين معجمة ، و رسم في الاصل المصري بدون نقط ، و في النميي هكذا ( الرقيس ) و لم أصل إلى نحقيق الصواب الا أن ما ذكرناه أقرب إلى الصحة ، قال في اللسان : ( الدقشة دويبة رقشاء و قيل رقطاء أصغر من العظاءة ) و الله أعلم