فقد نقل النووي و غيره الاجماع على طهارتها ، و نحن لم نعلم قائلا ذهب إلى ما اختاره المؤلف رحمه الله .و لا بأس بذلك ان كان القول المختار يرجحه الدليل الصحيح .و الآية التي استدل بها المؤلف لا تدل على ما ذهب اليه ، فان الرجس كما يطلق على النجس يطلق على المستقذر و على الخبيث و على الماثم و على العذاب ، قال الزجاج : ( الرجس في اللغة اسم لكل ما استقذر من عمل فبالغ الله تعالى في ذم هذه الاشياء و سماها رجسا ) نقله في اللسان ، و قال الراغب الاصفهاني : ( الرجس الشيء القذر ، يقال رجل رجس و رجال أرجاس ، قال تعالى ( رجس من عمل الشيطان ) ، و الرجس يكون على أربعة أوجه ، إما من حيث الطبع ، و اما من جهة العقل ، و إما من جهة الشرع ، و اما من كل ذلك كالميتة ، فان الميتة تعاف طبعا و عقلا و شرعا .و الرجس من جهة الشرع الخمر و الميسر ، و قيل ان ذلك رجس من جهة العقل ، و على ذلك نبه بقوله تعالى ( و إثمهما أكبر من نفعهما ) لان كل مايو في اثمه على نفعه فالعقل يقتضى تجنبه ) .و ليس معقولا في معنى الآية إرادة الرجس بمعنى النجس رغما عما اختاره المؤلف ، فالميسر مثلا هو لعب القمار و لا يعقل فيه نجاسة من طهارة ، و ان ادعى أنه يريد آلة اللعب فهي دعوى موفقة ، لانه ليس في آلة اللعب تحريم ، انما التحريم على عمل المكلف ، قال ابن جرير في التفسير ( 7 : 21 ) : ( ( رجس ) : يقول : اثم و نتن سخطه الله و كرهه لكم ( من عمل الشيطان ) يقول : شربكم الخمر و قماركم على الجزر و ذبحكم للانصاب و استقسامكم .بالازلام من تزيين الشيطان لكم و دعائه إياكم اليه و تحسينه لكم ، لا من الاعمال التي ندبكم إليها ربكم ، و لا مما يرضاه لكم ، بل هو مما يسخطه لكم ( فاجتنبوه ) يقول : فاتركوه و ارفضوه و لا تعملوه ) و هذا تفسير دقيق لمعنى الآية يدل على خطأ ما فهمه ابن حزم من أن الرجس هو نفس الانصاب الخ و ان الواجب اجتناب ذواتها و أجرامها .و من هذا تعلم أن الآية لا تدل على نجاسة الخمر أيضا و هو الصحيح ، قال النووي في المجموع ( 2 : 564 ) : ( و لا يظهر من الآية دلالة ظاهرة لان الرجس عند أهل اللغة القذر و لا يلزم من ذلك النجاسة ، و كذا الامر بالاجتناب لا يلزم منه النجاسة ) ثم ذكر دليلا آخر على نجاستها ورده ثم قال : ( و أقرب ما يقال ما ذكره الغزالي أنه يحكم بنجاستها تغليظا و زجرا عنها قياسا على الكلب و ما ولغ فيه و الله أعلم ) و هذا دليل ضعيف جدا و ان رآه النووي أقرب إلى القوة