المسألة الثالثة في بيان ان الله تعالى واحد لم يزل ولايزال
المسألة الثانية تفسير كلمة التوحيد
4 برهان ذلك : أنه لما صح ضرورة أن العالم كله مخلوق و أن له خالقا وجب أن لو كان الخالق أكثر من واحد أن يكون قد حصرهما العدد و كل معدود فذو نهاية كما ذكرنا و كل ذي نهاية فمحدث .
و أيضا فكل اثنين فهما غير ان و كل غيرين ففيهما أو في أحدهما معنى ما صار به الآخر فعلى هذا كان يكون أحدهما و لا بد مركبا من ذاته و مما غاير به الآخر و إذا كان مركبا فهو مخلوق مدبر فبطل كل ذلك و عاد الامر إلى وجوب أنه واحد و لا بد و أنه بخلاف خلقه من جميع الوجوه و الخلق كثير محدث فصح أنه تعالى بخلاف ذلك و أنه واحد لم يزل اذ لو لم يكن كذلك لكان من جملة العالم تعالى الله عن ذلك .
( ليس كمثله شيء ) .
و قال تعالى ( و لم يكن له كفوا احد ) .
4 - مسألة - و أنه خلق كل شيء لغير علة أوجبت عليه أن يخلق .
برهان ذلك : أنه لو فعل شيئا مما فعل لعلة لكانت تلك العلة إما لم تزل معه و إما مخلوقة محدثة و لا سبيل إلى قسم ثالث فلو كانت لم تزل معه لوجب من ذلك شيئان ممتنعان : أحدهما أن معه تعالى غيره لم يزل فكان يبطل التوحيد الذي قد أبقا برهانه آنفا و الثاني أنه كان يجب اذ كانت علة الخلق لم تزل أن يكون الخلق لم يزل لان العلة لا تفارق المعلول و لو فارقته لم تكن علة له و قد أوضحنا آنفا برهان وجوب حدوث العالم كله .
و أيضا فلو كانت ههنا علة موجبة عليه تعالى أن يفعل ما فعل لكان مضطرا مطبوعا أو مدبرا مقهورا لتلك العلة و هذا خروج عن الالهية و لو كانت العلة محدثة لكانت و لا بد إما مخلوقة له تعالى و إما غير مخلوقة فان كانت مخلوقة فقد أوضحنا آنفا وجوب كون كل شيء محدث مخلوقا فبطل هذا القسم و ان كانت مخلوقه وجب و لا بد أن تكون مخلوقه لعلة أخرى أو لغير علة فان وجب أن تكون مخلوقة لعلة أخرى وجب مثل ذلك في العلة الثانية و هكذا أبدا و هذا يوجب وجوب محدثين لا نهاية لعددهم و هذا باطل لما ذكرنا آنفا و بأن كل ما خرج إلى الفعل فقد حصره العدد ضرورة بمساحته أو بزمانه و لا بد و كل ما حصره العدد فهو متناه .
فبطل هذا القسم أيضا و صح ما قلناه و لله تعالى الحمد .
و ان قالوا : بل خلقت العلة لا لعلة سئلوا : من أين وجب أن يخلق الا شياء لعلة لا لعلة ؟ و لا سبيل إلى دليل