( الجزء السادس عشر من ) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي و كتب ظاهر الرواية أتت ستا و بالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير و الكبير و السير الكبير و الصغير ثم الزيادات مع المبسوط تواترت بالسند المضبوط و يجمع ألست كتاب الكافى للحاكم الشهيد فهو الكافى أقوى شروحه الذي كالشمس مبسوط شمس الامة السرخسي ( تنبيه ) قد بأشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوى الدقة من أهل العلم و الله المستعان و عليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم ( باب انتقاض الاجارة ) ( قال رحمه الله ذكر عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال حين وضع رجله في الغرزان الناس قائلون غدا ماذا قال عمر و ان البيع عن صفقة أو خيار nو المسلمون عند شروطهم ) و في هذا الحديث دليل أن الاجارة يتعلق بها اللزوم إذا لم يشترط فيها الخيار كالبيع بخلاف ما يقوله شريح رحمه الله ان الاجارة من المواعيد لا تكون لازمة و قد بيناه و فيه دليل على ان البيع نوعان لازم بنفسه و غير لازم إذا شرط فيه الخيار فان الصفقة هى اللازمة النافذة يقال هذه صفقة لم يشهدها خاطب إذا أنفذ أمر دون رأى رجل فيكون حجة على الشافعي رحمه الله لانه يثبت خيار المجلس في كل بيع و فيه دليل وجوب الوفاء بالمشروط إذا كان الشرط صحيحا شرعا فلا خلاف بيننا فالشافعي رحمه الله يقول عقد الاجارة إذا أطلقت فهي لازمة كالبيع الا أن عندنا قد يفسخ الاجارة بالعذر و عنده لا يفسخ الا بالعيب و هو بناء على أصله ان المنافع كالاعيان الموجودة حكما فان العقد عليها كالعقد على العين فكما لا يفسخ البيع الا بعيب فكذلك الاجارة و عندنا جواز هذا العقد للحاجة و لزومه لتوفير المنفعة على المتعاقدين فإذا آل الامر إلى الضرر أخذنا فيه بالقياس و قلنا العقد في حكم المضاف في حق المعقود عليه و الاضافة في عقود التمليكات تمنع اللزوم في الحال كالوصية ثم الفسخ بسبب العيب لدفع الضرر لا لعين العيب فإذا تحقق الضرر في إيفاء العقد يكون ذلك عذرا في الفسخ و ان لم يتحقق العيب في المعقود عليه ( ألا ترى ) ان من استأجر أجيرا ليقلع درسه فسكن مابه من الوجع كان ذلك عذرا في فسخ الاجارة أو استأجره ليقطع يده للآكلة ثم بدا له في ذلك أو استأجره ليهدم بناء له ثم بدا له في ذلك لانه لا يتمكن من إيفاء العقد الا بضرر يلحقه في نفسه أو ماله من حيث إتلاف شيء من بدنه أو إتلاف ماله و جواز الاستئجار للمنفعة لا للضرر و قد يرى
الانسان المنفعة في شيء ثم يتبين له للضرر في ذلك و كذلك لو استأجره ليتخذ له وليمة ثم بدا له في ذلك فليس للاجير أن يلزمه اتحاد الوليمة شاء أو أبى لان في ذلك عليه من الضرر في إتلاف ماله و جواز الاستئجار للمنفعة لا لضرر إذا عرف هذا فنقول من العذر في استئجار البيت أن ينهدم البيت أو يهدم منه مالا يستطيع أن يسكن فيه و هذا من نوع العيب في المعقود عليه و ثبوت حق الفسخ به مجمع عليه لان تقبض الدار المنافع لا تدخل في ضمانه فحصول هذا العارض في يد المستأجر كحصوله في يد الآجر فان أراد صاحب البيت أن يبيعه فليس هذا بعذر لانه لا ضرر عليه في إيفاء العقد الا قدر ما التزمه عند العقد هو الحجر على نفيه عن التصرف في المستأجر إلى انتهاء المدة و ان باعه فبيعه باطل لا يجوز لعجزه عن التسليم و قد بينا في البيوع ان الصحيح من الرواية ان البيع موقوف على سقوط حق المستأجر و ليس للمستأجر أن يفسخ البيع و ان كان على المؤاجر دين فحبس في دينه فباعه فهذا عذر لان علته في إيفاء العقد ضرر لم يلتزم ذلك بالعقد و هو الحبس على سقوط المستأجر عن العين فان بعقد الاجارة لا يزول ملكه عن العين و لا يثبت للمستأجر حق في ماليته فيكون المديون مجبورا على قضأ الدين من ماليته محبوسا لاجله إذا امتنع فلهذا كان ذلك عذرا له في الفسخ ثم ظاهر ما يقول هنا يدل على انه يبيعه بنفسه فيجوز و قد ذكر في الزيادات انه يرفع الامر إلى القاضي ليكون هو الذي يفسخ الاجارة و يبيعه و هو الاصح لانه هذا فصل مجهتد فيه فيتوقف على إمضاء القاضي كالرجوع في الهبة و ان انهدم منزل المؤاجر و لم يكن له منزل آخر فاراد أن يسكنه لم يكن له أن ينقض الاجارة لانه لا ضرر عليه فوق ما التزمه بالعقد فانه يتمكن من أن يكترى منزلا آخر أو يشترى و كذلك ان أراد التحول من المصرف لانه لا يخرج المنزل مع نفسه فلا يلحقه ضرر فوق ما التزمه بالعقد و هو ترك المنزل في يد المستأجر إلى هذه المدة و ان كان هذا بيتا في السوق يبيع فيه و يشترى فلحق المستأجر دين أو أفلس فقام من السوق فهذا عذر و له أن ينقض الاجارة لانه استأجره للانتفاع و هو يتضرر بإيفاء العقد بعد ما ترك تلك التجارة أو أفلس ضررا لم يلزمه بنفس العقد و كذلك إذا أراد التحول من بلد إلى بلد لانه لو لزمه الامتناع من السفر تضرر به ضرر لم يلتزمه بالعقد و بعد خروجه لا يتمكن من الانتفاع بالبيت فان قال رب البيت انه يتعلل و لا يريد الخروج حلف القاضي المستأجر على ذلك لان الظاهر شاهد له فالظاهر أنه لا يترك ما كان عزم عليه من التجارة في الحانوت الا إذا أراد
التحول من بلد إلى بلد فالقول قوله مع يمينه و قيل بحكم القاضي حاله في ذلك فان رآه قد استعد للسفر قبل قوله .
قال الله تعالى و لو أرادوا الخروج لا عدوا له عدة و قيل يقول له مع من يخرج فالإِنسان لا يسافر الا مع رفقة ثم يسأل رفقاءه عن ذلك و ان فسخ العقد و خرج الرجل ثم رجع و قال قد بد الى في ذلك و خاصمه صاحب البيت فان القاضي يحلف المستأجر بالله انه كان في خروجه قاصدا للسفر لان رب البيت يدعى بطلان الفسخ لعدم العذر و ذلك ينبنى و ما في ضميره في ضمير المستأجر لا يعلمه غيره فكان القول قوله مع يمينه و كذلك ان أراد التحول من تلك التجارة إلى تجارة أخرى فهذا عذر لان في إيفاء العقد ضررا لم يلتزمه بالعقد و قد تروج نوع التجارة في وقت و تبور في وقت آخر و ان لم يكن هذا و لكن وجد بيتا هو أرخص منه لم يكن عذرا .
و كذلك لو اشترى منزلا و أراد التحول اليه لانه لا يلحقه ضرر الا ما التزمه بالعقد و هو التزام الاجر عند استيفاء المنفعة و انما يقصد بالفسخ هنا الربح لادفع الضرر و ان استأجر دابة بعينها لي بغداد فبدا للمستأجر أن لا يخرج فهذا عذر لان عليه ضررا في إيفاء العقد و هو تحمل مشقة السفر و قال ابن عباس رضي الله عنهما لو لا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم السفر قطعة من العذاب لقلت العذاب قطعة من السفر و لو قال رب الدابة أنه يتعلل فالسبيل للقاضي أن يقول له اصبر فان خرج فقاد الدابة معه لان المعقود عليه خطوات الدابة فإذا قادها معه فقد تمكن من استيفاء المعقود عليه فيلزمه الاجر و ان لم يركب و كذلك لو أراد الخروج في طلب غريم له أو عبد آبق فرجع و كذلك لو مرض أو لزمه غرم أو خاف أمرا أو عثرت الدابة أو أصابها شيء لا يستطاع الركوب معه فبعض هذا عيب في المعقود عليه و بعضه عذر للمستأجرين في التخلف عن الخروج و لا فائدة للمؤاجر في إيفاء العقد إذا لم يخرج المستأجر و ان عرض لصاحب الدابة مرض لا يستطيع الشخوص مع دابته لم يكن له أن ينقض الاجارة لان بامتناعه من الخروج لا يتعذر تسليم المعقود عليه فيؤمر بتسليم الدابة و أنه يرسل معه رسولا يتبع الدابة و كذلك لو حبسه غريمه و روى بشر عن أبى يوسف رحمهما الله قال إذا امتنع رب الدابة من الخروج فيكون هذا عذر و ان مرض فهو عذر له لانه يقول غيري لا يشقق على دابتي و لا يقوم بتعاهدها كقيامي فإذا تعذر عليه الخروج لمرض يلحقه في إيفاء العقد ضرر لم يلتزمه بالعقد و روى هشام عن أبى يوسف رحمهما الله قال إذا اكترت المرأة ابلا إلى مكة للذهاب و الرجوع فلما كان في يوم النحر ولدت قبل أن تطوف
للزيادة فهذا عذر للمكاري لانها تحبس إلى مضى مدة النفاس و هذا ضرر لم يلتزمه المكارى بالعقد لانه معتاد و ان كانت قد ولدت قبل ذلك فان كان الباقى مدة النفاس بعد يوم النحر عشرة أيام أو أقل فهذا ليس بعذر للمكاري لان ما بقي مثل مدة الحيض و ذلك معلوم وقوعه عادة و كان المكارى ملتزما ضرر التأخير بقدره و ان عطبت الدابة فهو عذر و هذا لان المعقود عليه فات و لا سبب للفسخ أقوى من هلاك المعقود عليه و ان كانت الدابة بغير عينها لم يكن هذا عذر لان المكارى التزم العمل في ذمته و هو قادر على الوفاء به بدابة أخرى يحمله عليها و لو مات المستأجر في بعض الطريق كان عليه من الاجر بحساب ما سار و يبطل عنه بحساب ما بقي لانفساخ العقد بموت أحد المتكاريين و قد بينا ذلك و ان مات رب الابل في بعض الطريق فللمستأجر أن يركبها على حالة حتى يأتى مكة و ذكر في كتاب الشروط أن هذا إذا كان في مفازة بحيث لا يقدر به على سلطان و خاف أن يقطع به و هو الصحيح لانه كما يجوز نقض الاجارة عند العذر لدفع الضرر يجوز ايفاؤها بعد ظهور سبب الانتقاض لدفع الضر و إذا كان في المفازة لو قلنا بانتقاض العقد يتعذر عليه الركوب فيتضرر به لانه عاجز عن المشي و لا يقدر على دابة أخري فأما إذا كان في مصر فهو لا يتضرر بانتقاض العقد و موت أحد المتكاريين موجب انتقاض العقد فإذا بقي العقد لم يضمن ان عطبت من ركوبه و عليه الاجر المسمى و هو استحسان لان العقد لما بقي للتعذر صار الحال بعد موت المكارى كالحال قبله فإذا أتى مكلة دفع ذلك إلى القاضي لان مابه من العذر قد زال و بقيت الدابة في يده ملكا للورثة و هو عيب فدفعها إلى القاضي فان سلم له القاضي الكراء إلى الكوفة فهو جائز إما لانه أمضي فصلا مجتهد فيه باجتهاده أو لانه يرى النظر في ذلك لانه لو أخذها منه أجرها من غيره ليردها إلى الكوفة و صاحبها رضى بكونها في يده فالأَولى له إذا كان المستأجر ثقة أن ينفذ له الكراء إلى الكوفة و ان رأى النظر في بيعها فهو جائز لان البعث بثمها إلى الورثة ربما يكون انفع و أيسر لهم فان الثمن لا يحتاج إلى النفقة و ان كان أنفق المستأجر عليها شيئا لم يحسب له ذلك لانه متطوع في ذلك بالانفاق على ملك الغير بغير أمره الا أن يكون بأمر القاضي فيسحب له إذا أقام البينة عليه لان للقاضي ولاية النظر في حق الغائب فالإِنفاق بأمره كالانفاق بأمر صاحب الدابة و لكنه مقبول القول فيما يدعى من الانفاق فإذا قام البينة رد ذلك عليه من الثمن و كذلك ان أقام البينة على توفية الكراء رد عليه بحساب ما بقي لانه أثبت
دينه في تركة المبيت و هذا مال الميت و لان الابل محبوسة في يده إلى أن يرد عليه ما أنفق بأمر القاضي أو بما عجل من الكراء فلا يتمكن القاضي من أخذها و بيعها حتى يرد عليه ما بقي له فلهذا قبل بينته على ذلك و نفذ قضاؤه على الورثة مع غيبتهم و ان استأجر أرضا فغلب عليها الماء أو أصابها نزلا تصلح معه الزراعة فهذا عذر لانه تعذر استيفاء المعقود عليه و كذلك ان أراد ان يترك الزرع أو افتقر حتى لا يقدر على ما يزرع فهذا عذر لان الزارع في الحال متلف لبذره و لا يدرى أ يحصل الخارج أم لا و قد بينا أنه إذا كان لا يتمكن من إيفاء العقد الا بإتلاف ماله فهو عذر له و ان وجد أرضا أرخص منها أو أجود لم يكن هذا عذرا لانه بالفسخ يقصد هنا تحصيل الربح لادفع الضرر و ان مرض المستأجر فان كان هو الذي يعمل بنفسه فهذا عذر لانه تعذر عليه استيفاء المعقود عليه و ان كان انما يعمل اجراؤه فليس هذا عذر البقاء يمكنه من استيفاء المعقود عليه كما قصده بالعقد و ان كانت الارض ليتيم أجرها وصيه فكبر اليتيم لم يكن له ان يفسخ الاجارة لان عقد الوصي على ماله كعقده على نفسه و لا ضرر عليه في إيفاء الاجارة بعد بلوغه بخلاف ما إذا كان أجر نفسه فان ذلك كد و تعب و هو يتضرر بإيفاء العقد بعد بلوغه و إذا استأجر عبدا لخدمة أو لعمل آخر فمرض العبد فهذا عذر في جانب المستأجر و لانه يتعذر عليه استيفاء المعقود عليه و ان أراد رب العبد ذلك لم يكن له ذلك لانه لا ضرر عليه في إيفاء العقد فالمستأجر لا يكلفه من إيفاء العمل الا بقدر طاقته و هو يرضي بذلك و ان كان ذلك دون حقه و ان لم يفسخها واحدا منهما حتى بدأ العبد فالإِجارة جائزة لازمة لزوال العذر و يطرح عنه من الاجر بحساب ذلك و هو مايتعطل و كذلك ان أبق العبد أو كان سارقا فللمستأجر أن يفسخ الاجارة اما لتعذر استيفاء المعقود عليه أو لضرر يلحقه في ذلك و ليس لمولى العبد فسخها لانه لا ضرر عليه في إيفاء العقد فوق ما التزمه بالعقد و لو أراد المستأجر أن يسافر و يترك ذلك العمل فهو عذر لانه لا يتعذر عليه الخروج إلى السفر لحاجته و لا يمكنه أن يستحصب العبد إذا خرج و ان أراد رب العبد أن يسافر به لم يكن له هذا عذر لانه لا يلحقه من الضرر فوق ما التزمه بالعبد و هو ترك العبد في يد المستأجر إلى انتهاء المدة و ان وجد المستأجر أجيرا أرخص منه لم يكن هذا عذرا لان في هذا تحصيل الربح لادفع الضرر و ان كان العبد حاذق بذلك العمل لم يكن للمستأجر أن يفسخ الاجارة لان صفة الجودة لا تستحق بمطلق العقد الا أن يكون عمله فاسدا فله أن يفسخ حينئذ لان صفة السلامة عن