( الجزء الخامس و العشرون من ) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي و كتب ظاهر الرواية أتت ستا و بالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير و الكبير و السير الكبير و الصغير ثم الزيادات مع المبسوط تواترت بالسند المضبوط و يجمع ألست كتاب الكافي للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس مبسوط شمس الامة السرخسي ( تنبية ) قد بأشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم و الله المستعان و عليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
(2)
بسم الله الرحمن الرحيم ( كتاب المأذون الكبير ) ( قال رحمه الله ) قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة فخر الاسلام أبو بكر محمد ابن أبى سهل السرخسي رحمه الله أعلم بان الاذن في التجارة فك الحجر الثابت بالرق شرعا و رفع المانع من التصرف حكما و إثبات اليد للعبد في كسبه بمنزلة الكتابة الا أن الكتابة لا زمة لانها بعوض و الاذن لا يكون لازما فحلوه عن العوض بمنزلة الملك المستفاد بالهبة مع المستفاد بالبيع و هذا لانه أهل للتصرف بعد حدوث الرق فيه كما كان قبله لان ركن التصرف كلام معتبر شرعا و ذلك يتحقق من الرقيق و اعتبار الكلام بكونه صادرا عن مميز أو مخاطب و لا ينعدم ذلك بالرق و محل التصرفات ذمة صالحة لا لتزام الحقوق و لا ينعدم ذلك بالرق فان صلاحية الذمة للالتزام من كرامات البشر و بالرق لا يخرج من أن يكون من البشر الا أن الذمة تضعف بالرق فلا يجب المال فيها الا شاغلا ما لية الرقبة و ذلك يسقط بوجود الرضا منه لتعلق الحق بمالية رقبته فكان الاذن فحكا للحجر من هذا الوجه و هو نظير ملك الحل فانه من كرامات البشر فلا ينعدم بالرق و ان كان ينتقص حتى ان الحل في حق الرقيق نصف ما هو في حق الحر بيناه في كتاب النكاح و انما ينعدم بالرق الاهلية لمالكية المال لانه يصير به مملوكا ما لا و بين كونه مملوكا ما لا و كونه مالكا للمال منافاة و لهذا لا ينعدم بالرق الا هلية للمالكية بالنكاح لانه لا يصير به مملوكا نكاحا فان قيل ينبغى أن ينعدم بالرق الاهلية لملك التصرف لانه صار مملوكا تصرفا فان المولى يملك التصرفات عليه قلنا انما يصير مملوكا تصرفا بنفسه بيعا أو تزويجا فلا جرم تنعدم الاهلية لما لكية هذا التصرف و يكون نائبا فيه عن المولى متى بأشر بأمره و لكنه ما صار مملوكا تصرفا في ذمته حتى ان المولى لا يملك الشراء بثمن يجب في ذمة عبده ابتداء فتبقى له الاهلية في ملك هذا التصرف كما أنه لم يصر مملوكا تصرفه عليه في
(3)
الا قرار و الحدود و القصاص بقي مالكا لهذا التصرف فان قيل انعدام الاهلية لخروجه بالرق من أن يكون أهلا لحكم التصرف و هو الملك المستفاد و التصرفات الشرعية لا تراد لعينها بل لحكمها و هو ليس بأهل لذلك قلنا لا كذلك و حكم التصرف ملك اليد وارقيق أهل لذلك ( ألا ترى ) أن استحقاق ملك اليد يثبت للمكاتب مع قيام الرق فيه و هذا لانه مع الزق أهل للحاجة فيكون أهلا لقضائها و أدنى طريق الحاجة ملك اليد فهو الحكم الاصلى للتصرف و ملك العتق مشروع للتوصل اليه فما هو الحكم الا صلى يثبت للعبد و ما وراء ذلك يخلفه المولى فيه و هو نظير من اشترى شيئا على ان البائع بالخيار ثم مات فمتى اختار البائع البيع ثبت ملك العين للوارث على سبيل الخلافة عن المورث بتصرف باشره المورث بنفسه ثم الدليل على جواز الاذن للعبد في التجارة شرعا الآ ثار التي بدأ بها الكتاب فمن ذلك حديث إبراهيم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يركب الحمار و يجيب دعوة المملوك و فيه دليل تواضع رسول الله صلى الله عليه و سلم فان ركوب الحمار من التواضع و قد كان يعتاده رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى روى انه ركب الحمار معروريا و روى انه ركب الحمار و أردف و ذلك من التواضع قال عليه السلام بري من الكبر من ركب الحمار وسعى في مهنة أهله و فى لسان الناس ركوب الفرس عز و ركوب الجمال كمال و ركوب البغل مكرمة و ركوب الحمار ذل و لا ذل كالترجل و كذلك اجابة دعوة المملوك من التواضع و قد فعله مرة على ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه أجاب دعوة عبد و روى أنه كان يجب دعوة الرجل الدون يعنى المملوك و المملوك لا يتمكن من إيجاد الدعوة ما لم يكن له كسب و طريق الا كتساب التجارة و ليس له أن يباشرها بدون اذن المولى فثبت بهذا الحديث جواز الاذن في التجارة و ان ما يكسبه العبد بعد الاذن حلال و انه لا بأس للعبد المأذون بان يتخذ الدعوة بعد أن لا يسرف في ذلك و لا بأس بإجابة دعوته اقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم فانه كان يجيب الدعوة و كان يقول من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم و عن إبراهيم انه كان يقول يجوز على العبد كل دين حتى يحجر عليه و كان يقول إذا حجر الرجل على عبده في أهل سوقه فليس عليه دين و معناه يلزمه كل دين يكتسب سبب وجوبه مما هو من صنيع التجار كالاقرار و الاستئجار و الشراء لانه منفك الحجر عنه في التجارة فهو من التزام الدين بسببه كالحر و إذا حجر المولى عليه في أهل سوقه فليس عليه دين أى لا يلزمه الدين بمباشره هذه الاسباب بعد الحجر في
(4)
حق المولى ليس المراد أنه يسقط عنه و انما لا يثبت في حق المولى لانعدام الرضا منه باستحقاق مالية رقبته بالدين بعد الحجر و لا يجب الدين في ذمته الا شاغلا لمالية الرقبة فإذا كان لا يستحق مالية رقبته به بعد الحجر فكانه لا دين عليه و فيه دليل ان الحجر ينبغى أن يكون عاما منتشرا و أن الانتشار فيه بكونه في أهل سوقه فانه رفع الاذن الذي هو عام منتشر و في تصحيحه بدون الانتشار معنى الاضرار و الغرور كما نبينه ان شاء الله تعالى و عن أبى صالح قال رأيت للعباس بن عبد المطلب عشرين عبدا كلهم يتجر بعشرة آلاف درهم ففيه دليل جواز الا ذن و انه لا بأس باكتساب الغنى و الاستكثار من المال بعد أن يكون من حله كما قال النبي عليه السلام نعم المال الصالح للرجل الصالح و في هذا الحديث دليل ظاهر على غنى العباس فان من كان له عشرون عبدا رأس مال كل عبد عشره آلاف فلا بد أن يكون ذلك من أموال التجارة و غيرها و كان سبب ثروته انه أخذ منه دنانير في الفداء حين أسر فلما أسلم و حسن اسلامه كان يتأسف على ذلك فأنزل الله تعالى يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم و يغفر لكم و كان العباس رضي الله عنه يظهر السرور بغناه و يقول ان الله تعالى وعدني بشيئين الغنى في الدنيا و المغفرة في الآخرة و قد انجز لى أحدهما و أنا أعلم أنه لا يحرمنى من الآخر انه لا يخلف الميعاد و عن الشعبي قال إذا أخذ الرجل من عبده الضريبة فهي تجارة و به نأخذ فان المولى استأدى عبده الضريبة فذلك اذن منه له في التجارة لانه لا يتمكن من الاداء الا بتحصيل المال و لنحصله طريقان التكدى و التجارة و الظاهر أن المولى لا يقصد تحصيله المال بالتكدى فالسؤال يدنى المرء و نبخسه قال عليه السلام السوأل آخر كسب العبد أى يبقى في ذله إلى يوم القيامة و انما مراده الا كتساب بطريق التجارة و رضاه بالنجارة يتضمن الرضا منه بتعلق الدين أ واجب بالتجارة بمالية رقبته ففيه دليل أن الاذن في التجارة ثبت بالدلالة كما ثبتت نصا و عن شريح في عبد تأجر لحقه دين انه يباع فيه و به نأخذ فان كل دين ظهر وجوبه على العبد في حق المولى يباع فيه كدين الاستهلاك فانه يظهر في حق المولى لان سببه محسوس لا ينعدم بالحجر بسبب الرق فكذلك دين التجارة بعد الاذن يظهر في حق المولى فيباع فيه و في الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم باع رجلا فى دينه يقال له سرف فحين كان بيع الحر جائزا باع الحر في دينه و بيع العبد جائز في الحال فيباع في كل دين يظهر وجوبه في حق المولى و عن ابن سيرين ان رجلا ادعى على عبد
(5)
رجل دينا فقال الرجل عبدي محجور عليه و قال شريح شاهدا عدل انه كان يشترى في السوق و يبيع بعلمه أو بامره ففيه دليل ان المولى إذا أنكر الا ذن كان القول قوله و على من يدعى عليه الاذن أن يثبته بالبينة لانه يدعي عليه انه أسقط حقه عن مالية الرقبة و فيه دليل ان الاذن يثبته بالدلالة و ان من رأى عبده بيع و يشترى فلم ينهه فانه يصير به مأذونا بمنزلة التصريح بالاذن له في التجارة و ذلك استحسان عندنا لدفع الضرر و الغرور عن الناس و عن أبى عون الثقفى ان جلا أذن لعبده أن يكون خياط و أذن آخر لعبده أن يكون صباغا فأجاز شريح على الخياط ثمن الا بر و الخيوط و أجاز على الصباغ ثمن الغلى و العصفر و ما كان في عمله و فيه دليل ان مبنى الاذن على التعدي و الانتشار و ان المولى و ان خص نوعا منه فانه يتعدى إلى سائر الا نواع لا تصال بعض الا نواع بالبعض فيما يرجع إلى تحصيل مقصود المولى فان الصاغ لا يتمكن من العمل الا بشراء الصبغ و الخياط لا يتمكن من العمل الا بشراء السلك و الا برة و الخيوط ثم قد لا يجد ما يحتاج اليه يباع بالنقد ليشتريه و انما يباع ذلك بالطعام فيحتاج أن يشترى طعاما ليعطيه في ثمن ذلك و ربما يشترى ذلك بالد نانير فيحتاج إلى مصارفة الدراهم بالدنانير ليحصل الثمن فعرفنا أن مبناه على التعدي و الانتشار فيتعدى الاذن في نوع إلى سائر الانواع و ابن أبى ليلي رحمه الله كان يأخذ بظاهر هذا الحديث فيقول يجوز عليه ما كان من توابع عمله خاصة و عندنا يجوز عليه ما كان من توابع عمله و ما استدار في غيره على ما نبينه و عن ابن عباس رضى الله عنهما قال حدثني سلمان رضي الله عنه أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو عبد قبل أن يكاتب فقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم هديته فأكل و أكل أصحابه و أتاه بصدقه فقبلها و أمر أصحابه فأكلوا و لم يأكل ( قال الشيخ ) الامام رضى الله عنه و اعلم أن سلمان كان من قوم يعبدون الخيل البلق فوقع عنده انه ليس على شيء و جعل يتنقل من دين إلى دين يطلب الحق حتى قال له بعض أصحاب الصوامع لعلك تطلب الحنيفية و قد قرب أوانها و عليك بيثرب و من علامته انه يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة فتوجه نحو المدينة فاسترقه بعض العرب في الطريق و جاء به إلى المدينة فباعه من بعض اليهود و كان يعمل في نخيل مولاه باذنه حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة فأتاه سلمان بطبق فوضعه بين يديه فقال ما هذا يا سلمان فقال صدقة فقال لا صحابه كلوا و لم يأكل فقال سلمان في نفسه هذه واحدة ثم أتاه من الغد بطبق فيه رطب فقال ما هذا يا سلمان
(6)
قال هدية فجعل يأكل و يقول لا صحابه كلوا فقال سلمان هذه أخرى ثم تحول خلفه فعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم مراده فألقى الرداء عن كتفيه حتى نظر سلمان رضي الله عنه إلى خاتم النبوة بن كتفيه فأسلم و فيه دليل ان للعبد المأذون أن يهدى فقد قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم هديته و لا جل هذا أورد هذا الحديث و ذكر عن أبى سعيد مولى أبى أسيد قال بنيت بأهلي و أنا عبد فدعوت رهطا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم أبو ذر فحضرت الصلاة فتقدم أبو ذر فقالوا له أتتقدم و أنت في بيته فقدموني و صليت بهم و فيه دليل ان للعبد المأذون أن يتخذ الدعوة في العرس كما يتخذ الدعوة للمجاهدين إذا أتوه بتجارة فان الصحابة رضى الله عنهم أجابوا دعوته و أبو ذر مع زهده أجاب دعوته و هو عبد و فيه دليل انه لا ينبغى للمرء ان يؤم غيره في بيته الا باذنه فانهم أنكروا على أبى ذر التقدم عليه في بيته و بيانه في قوله صلى الله عليه و سلم لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه و لا يجلس على تكرمته الا باذنه و فيه دليل جواز الاقتداء بالعبد و انه متى كان فقيها ورعا فلا بأس بإمامته ( ألا ترى ) ان أبا ذر رضى الله عنه مع زهده قدمه و اقتدى به لفقهه و ورعه و إذا قال الرجل لعبده قد أذنت لك في التجارة فهو مأذون له في التجارات كلها لا طلاق الاذن من المولى فلا حاجة في تصحيح الاذن إلى التنصيص على أنواع التجارة لانه فك للحجر كالكتابة و لان المقصود به المولى عادة أن يحصل العبد الربح بكسبه و اعتبار اذنه شرعا ليتحقق به الرضا من المولي لتعلق الدين الواجب بالتجارة بمالية رقبته و هذا لا يختلف باختلاف أنواع التجارات و اشتراط ما لا يفيد لا يجوز بخلاف التوكيل فالمقصود هناك قيام الوكيل مقام الموكل في تحصيل مقصوده في العين التي يشتريها و لا يقدر الوكيل على تحصيل ذلك بمطلق التوكيل قبل التنصيص على جنس ما يشتريه له ثم للعبد أن يشترى ما بداله من أنواع التجارات لانه صار منفك الحجر عنه و تم رضا المولى بتعلق الدين بمالية رقبته و هو في أصل الالتزام متصرف في ذمته هو حقه من تعامله و انما نوجب الملك له في محل مملوك له فيكون صحيحا و له أن يستأجر الاجراء لان الاستئجار من أنواع التجارات و لان المأذون يحتاج اليه فانه يعجز عن اقامة بعض الاعمال بنفسه و ربما لا يجد من يعينه على ذلك حسبة فيحتاج إلى الاستئجار الاجراء لاقامة الاعمال التي بها يتم مقصوده و له أن يؤاجر نفسه فيما بداله من الاعمال عندنا و فى أحد قولي الشافعي رضى الله عنه ليس له أن يؤاجر نفسه و له أن يؤاجر