مع انها بعيدة عن مساق بعضها ليست بأولى من دعوى تنزيل المطلقات على ذلك بل الثانية أولى جزما و كيف لا و قد ادعى واحد ان الغسل لا يطلق حقيقة على الغسل بغير الماء هذا مع ان قيام الاحتمال كاف في عدم جواز رفع اليد عن ظاهر المقيد و تحكيمه على الاطلاق ( و منها ) الاستشهاد برواية الغياث المتقدمة مع ما فيها و خبر حكم بن حكيم الصيرفي قال قلت للصادق عليه السلام أبول فلا اصيب الماء و قد أصاب يدى شيء من البول فامسحه بالحائط و التراب ثم تعرق يدى فامسح وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي قال لا بأس ( و فيه ) ان هذا الخبر لا يدل على مطلوبهم اذ الظاهر منه كون نجاسة اليد مفروغا عنها عند السائل و انما مسحه بالحائط و التراب لحصول الجفاف المانع من السراية فسؤاله انما هو عن حكم الممسوح بعد ما تعرق يده و معلوم ان الجواب ] ح [ على وفق القاعدة اذ لا يقطع الانسان غالبا بمباشرة الجزء حالكونه مشتملا على رطوبة مسرية و على تقدير تسليم ظهوره في طهارة اليد بإزالة البول بالمسح بالحائط و التراب ففيه ان نجاسة البول لا تزول عن الجسد بالتراب باتفاق منا و من الخصم بل لا قائل به بيننا فلا بد من حمله على التقية و الله العالم ( و يجوز ) استعماله اى الماء المضاف فيما عدا ذلك اى ازالة الحدث و الخبث من الاكل و الشرب و سائر الانتفاعات المحللة للاصل و متى لاقته النجاسة نجس قليله و كثيره إجماعا منقولا نقلا يورث القطع بتحققه و لم يخرج استعماله في أكل و لا شرب اختيارا كغيره من المتنجسات و يدل عليه مضافا إلى الاجماعات المنقولة المستفيضة بل المتواترة المعتضدة بعدم نقل الخلاف في المسألة ما يستفاد من تتبع الادلة ان ملاقاة النجس برطوبة مسرية سبب للتنجيس مطلقا من دون فرق بين الجوامد و المايعات و ان اختلفتا في كيفية الانفعال حيث ان كل جسم من الاجسام المايعة مجموع اجزائه المجتمعة في الوجود موضوع واحد للانفعال بخلاف الجوامد كما عرفت تفصيله عند التعرض لبيان وجه سراية النجاسة في مبحث الماء القليل و يدل عليه ايضا ما رواه السكوني عن الصادق ( ع ) ان أمير المؤمنين عليه السلام سئل من قدر طبخت فإذا فارة في القدر قال يهراق مرقها ثم يغسل اللحم و يؤكل و رواية زكريا بن ادم عن ابى الحسن ( ع ) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير قال يهراق المرق أو يطعم أهل الذمة أو الكلب و اللحم اغسله وكله و المناقشة في دلالتهما باحتمال كون الامر بإراقة المرق لاشتماله على المحرم ( مدفوعة ) باستهلاك الاعيان المحرمة في الصورة المفروضة فلو لا نجاسة المرق لما امر باهراقه و غسل اللحم و يدل عليه ايضا صحيحة زرارة عن ابى جعفر ( ع ) قال إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فان كان جامدا فالقها و ما يليها و كل ما بقي و ان كانت ذائبا فلا تأكله و استصبح به و الزيت مثل ذلك و ظاهرها على ما يساعد عليه ما هو المغروس في الاذهان كون الذوبان و الميعان علة النجاسة الكل فيستفاد منه عموم الحكم للمضاف و كل مايع فالمناقشة في دلالتها بخروجها عن محل الكلام غفلة و يدل عليه ايضا ما دل على نجاسة سؤر اليهودي و النصراني فانه يشمل المضاف و كل مايع ( ثم ) لا يخفى ان استفادة انفعال الكثير من هذه الاخبار في غاية الاشكال لان المتبادر إلى الذهن من مواردها ليس الا القليل فالعمدة في المقام انما هو الاجماع أللهم الا ان يدعى عدم مدخلية وصف الكثرة في موضوع الحكم كغيرها من الخصوصيات التي نعلم بعدم مدخليتها في الموضوع و إثبات هذه الدعوي يتوقف على رسم مقدمة و هي انه لو سئل الامام ( ع ) عن إناء مملوء من الخل و العسل الواقع فيه شيء من النجاسات فقال ارقه أو نجس أو ينجس أو ذلك من الالفاظ فان علمنا بالقرائن الداخلية و الخارجية عدم مدخلية شيء من الخصوصيات في موضوع الحكم بل المناط انما هو ملاقاة المايع للنجس مطلقا فلا اشكال في جواز التمسك بهذا الكلام في كل مقام بالنسبة إلى كل مايع كما عليه سيرة العلماء من الاستدلال بالقضايا الشخصية للاحكام الكلية و ليس ذلك الا للعلم بعدم مدخلية الخصوصيات فتكون القضيه في الحقيقة كلية بحسب الموضوع فيعامل معها معاملة الكلية و هذا مما لاخفاء فيه و انما الاشكال فيما لو احتمل مدخلية بعض هذه الخصوصيات في الحكم و ] ح [ نقول ما يحتمل ان يكون له مدخلية في الحكم من تلك الخصوصيات على أقسام ( منها ) ما كان مدخليته بطريق الجزئية كما في المثال السابق لو شك فيه في ان الحكم مخصوص بالخل و العسل المجتمعين في الانآء ام يعم كلا منهما في حال الانفراد ايضا ( و منها ) ما إذا كان المدخلية فيه بطريق الشرطية و هذا على قسمين لان الامر المشكوك شرطيته اما وصف وجودي ككونه مال زيدا و كونه في مكان خاص أو كونه بمقدار معين من رطل أو من أو ذلك من الاوصاف الوجودية و اما امر عدمي ككونه منضم إلى غيره أو موجود في المكان الفلاني إلى ذلك و مرجع الاخير إلى الشك في المانعية ( إذا عرفت ) ذلك فنقول لا شك و لا شبهة انه لا يصح التمسك بهذه القضيه الشخصية في شيء من موارد الشك في القسمين الاولين و وجهه واضح لقصور اللفظ عن شمول المورد اذ لا إطلاق في البين حتى يتمسك بالاطلاق بل هى قضية شخصية في واقعة جزئية لا يجوز التخطى عنها الا بعد القطع بإلغاء الخصوصية و المفروض انتفائه في المقام ( و اما ) القسم الثالث فالظاهر كفاية الشك فيه في الحكم بعموم الحكم و السر في ذلك ما اشرنا اليه من ان شرطية العدم مرجعها إلى مانعية الوجود لا و وجهه ان العدم لا يعقل ان يكون له مدخلية في التأثير شرطا كان ام جزء لان ثبوت الشرطية و الجزئية فرع ثبوت المثبت له و العدم عدم ذاتا فلا يكون مؤثرا
(57)
كراهة الطهارة بماء اسخنه الشمس
و ما شاع في الالسن من ان عدم المانع شرط و ان عدم العلة علة لعدم المعلول و غيرها من العبائر التي يلوح منها الالتزام بالاثار للاعدام المضافة فهو مبنى على نحو من المسامحة و التقريب و كيف لا و ما ذكرناه قاعدة عقلية لا تقبل التخصيص و ما يقال من ان لها شائبة من الوجود انما يعنون به إمكان إثبات بعض الاثار الانتزاعية لها بنحو من المسامحة و الاعتبار لا ان لها حقيقة اثر الوجود فإذا ظهر ان معنى شرطية عدم شيء لثبوت حكم ينحل إلى مانعية وجود ذلك الشيء عن فعلية هذا الحكم بان لك ان ثبوت حكم مشروطا بعدم شيء مثلا كثبوت الانفعال للماء المطلق بشرط عدم بلوغه حد الكر ينحل في ظرف التحليل إلى إثبات حكمين لموضوعين أحدهما ثبوت الانفعال لطبيعة الماء من حيث هى من دون تقييدها بشيء له مدخلته في الحكم و الثاني ثبوت نقيض هذا الحكم لهذا الموضوع على تقدير وجود المانع فوجود المانع مؤثر في ثبوت النقيض لا عدمه في حصول الاصل و لما كان المانع اكد في الاقتضاء لزومه رفع الحكم الذي تقتضيه الطبيعة بالطبع عن الافراد المقارنة مع المانع في الوجود لا لقصور في الموضوع بل لقصور الحكم عن شمول هذه الافراد لامر عارضي و هو وجود المزاحم عن فعلية الحكم و قد تقرر بما ذكرنا ان الموضوع في حكم الاصل بالنظر إلى هذا الشرط لا يكون الا الطبيعة من حيث هى و لازمه العموم عموما سريانيا بالنسبة إلى جميع الافراد فليس في القضيه و لو كانت شخصية من هذه الجهة شائبة إهمال بل لو كان فيها احتمال الاهمال لوجب ان يكون منشائه احتمال اعتبار امر وجودي لا غير و اما بالنسبة إلى الامر العدمي فلا يصلح للتقييد حتى يطرء بسبب احتماله الاهمال في القضيه و ما كان من القضايا بصورة التقييد و الاشتراط كقولك يجب اكرام العالم الذي ليس بفاسق و قولك الماء الذي لم يكن كرا أو إذا لم يكن كرا أو بشرط ان لا يكون كرا فحكمه الانفعال فانها تقييد صوري و الا فهي في الحقيقة تخصيص لما عرفت من عدم إمكان مدخلية الامر العدمي في موضوع الحكم الا ترى انك تستفيد من هذه العبارات بنفسها حكما شأنيا بالنسبة إلى الافراد المقارنة مع وجود المانع فنقول لو لا فسق زيد العالم لكان اكرامه واجبا و لو لا كرية الماء الملاقى للنجس لكان نجسا فلو لم يكن الموضوع في القضيه صرف الطبيعة بل هى ببعض اعتباراتها لامتنعت هذه الاستفادة لفقد الدليل مع ان الاستفادة حاصلة بحكم الوجدان فحصل من جميع ما ذكرنا ان الشك من هذه الجهة شك في التخصيص و هو مدفوع بالاصل و لا ينافيه عدم كون القضيه واردة مورد البيان من هذه الجهة لان هذا مضر في التمسك بالاطلاق لا بالعموم و لو سريانيا مستفادا من حكم العقل أو دليل اخر إذا عرفت ذلك علمت ان ما نحن فيه من هذا القبيل لان الشك في المقام ليس الا في كون كثرة المضاف مانعة من الانفعال و هو مدفوع بالاصل و اما سائر الخصوصيات فعدم مدخليتها في الحكم يقيني لا شبهة فيه ( نعم ) قد يتوهم كون وصف القلة شرطا في الانفعال ( و يدفعه ) ان مرجع شرطيته هذا الوصف إلى مانعية الكثرة كما لا يخفى وجهه هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه قاعدة الانفعال و قد اعتمدنا عليها سابقا فيما علقناه على الرياض تبعا لشيخنا المرتضى ] ره [ ( و فيه ) أولا ان هذا النحو من الاستفادة لا يندرج في مداليل الالفاظ التي هى حجة معتمدة لدى العقلاء و انما مرجعه إلى استفادة عموم الاقتضاء من الادلة اللفظية فان قلنا بكفاية إحراز المقتضى مع الشك في المانع في الحكم بثبوت المقتضى فهو و الا فلا و لا يتفاوت الحال في ذلك بين استفادة عموم الاقتضاء من دليل لفظى أو لبى و قد اشرنا مرة إلى عدم تمامية هذه القاعدة و ثانيا ان الشك في المقام لا يجب ان يكون مرجعه إلى الشك في مانعية الكثرة بل ربما يكون مسببا عن الشك في عدم صلاحية النجس الا للتأثير في مقدار قليل من الماء أو غيره و حيث انا قد اشرنا في صدر المبحث إلى ان مجموع الجسم المايع المجتمع في الوجود بنظر العرف موضوع واحد ظهر لك انه ليس لقائل ان يقول ان اقتضائه للتأثير في مقدار قليل مما يلاقى النجس معلوم و لا شك الا في ان انضمام ما عدا هذا الجزء اليه يعصمه عن الانفعال ام لا حيث ان الجزء الملاقى للنجس ليس موضوعا مستقلا حتى يقال فيه ذلك فالشك ليس الا في ان هذا الموضوع الخارجي الذي هو عبارة عن مجموع الاجزاء هل ينفعل بملاقاة النجس ام لا فاتضح لك انه لا دليل يعتد به في إثبات الحكم للكثير الا الاجماع و القاعدة المغروسة في اذهان المتشرعة و الله العالم ( تنبيه ) لا يسرى النجاسة من السافل إلى الجزء العالي إذا كان جاريا للاصل كما عرفت تحقيقة في مبحث الماء القليل و الله العالم ( و يطهر ) المضاف النجس بامتزاجه بالماء العاصم بشرط زوال اضافته nو صيروته ماء مطلقا ما دام الماء باقيا على اعتصامه لعين ما مر في توجيه تطهير المياه النجسة و لا يعتبر زوال أوصافه كبياض اللبن و حموضة الخل لما عرفت في محله من ان الماء الكثير و الجاري لا يتنجس الا إذا تغير بأوصاف عين النجس دون المتنجس و بقاء طهارة الماء يستلزم طهارة المضاف الممتزج به بالاجماع و غيره من الادلة المتقدمة ( و لو ) مزج طاهرة بالمطلق اعتبر في ترتب أحكام الماء عليه من رفع الحدث و ازالة الخبث به استهلاكه في الماء و صيرورته جزء منه عرفا و يعرف ذلك باستحقاق المجموع إطلاق الاسم عليه من اضافة ] وح [ يجوز استعماله في التطهير و غيره بل يجب عند وجوب التطهير و انحصار الماء فيه و هل يجب عليه المزج لو لم يجد من الماء ما يكفيه للطهارة الا بالمزج وجهان بل قولان سيأتي تحقيقهما في مبحث التيمم ] انش [ و تكره الطهارة الحدثية بماء اسخن بالشمس في الانية لما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن عليه السلام قال دخل رسول الله صلى الله عليه و اله على عائشة و قد وضعت قمقمتها في الشمس فقال ( ع ) ياحميرء ما هذا قال اغسل رأسي و جسدي قال ( ع ) لا تعودي
(58)
فانه يورث البرص و ما رواه اسماعيل بن زياد عن ابى عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله الماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضؤا به و لا تغتسلوا به و لا تعجنوا به فانه يورث البرص و المراد من النهى الكراهة للاجماع على عدم الحرمة كما صرح به واحد مضافا إلى ظهور الروايتين لاجل اشتمالها على الحكمة المناسبة للكراهة في ارادتها بل ظهور قوله صلى الله عليه و آله في الرواية الاولى لا تعودي في عدم المنع من استعمال ما وضعته في الشمس و منعها عن المعاودة فلا يكون استعماله الا مكروها هذا مع ان الكراهة هى التي يقتضيها الجمع بين هاتين الروايتين و بين ما رواه محمد بن سنان عن بعض اصحابنا عن ابى عبد الله عليه السلام قال لا بأس بان يتوضأ الانسان بالماء الذي يوضع بالشمس ثم ان ظاهر المتن اختصاص الكراهة بالطهارة و عن الخلاف كراهة المتوضئ مع قصد الاستحسان و عن السرائر كراهة الطهارتين مع القصد و عن الذكرى إلحاق العجين بالطهارة و الذى يظهر من الروايتين كراهة مطلق الاستعمال و لو مع عدم قصد الاستحسان كما عن النهاية و المهذب و الجامع بل ظاهر الرواية الثانية كراهيته و لو بعد زوال السخونة خلافا للمحكي عن جماعة و إطلاقها يقتضى عدم الفرق بين الانية و غيرها و لا بين القليل و الكثير و لكنه حكى عن التذكرة و النهاية دعوى الاجماع على عدم الكراهة في الانية فان تم فهو الا فالقول بالكراهة مطلقا كما في المسالك أوفق بظاهر الرواية ثم لا يخفى عليك ان مقتضى شمول الروايتين لمطلق الاستعمال حمل الكراهة المستفادة منهما على معناها المصطلح و هو ما كان تركه مطلوبا للشارع بطلب مولوى إلزامي فيشكل اتحاده مع العبارة في الوجود الخارجي ( و اشكل ) من ذلك ما عن الشهيد الثاني في الروض من حكمه ببقاء الكراهة مع انحصار الماء قال فيما حكى عنه لا منافاة بين الوجوب و الكراهة كما في الصلوة و غيرها من العبادات على بعض الوجوه فلو لم يجد الماء لم يزل الكراهة و ان وجب استعماله عينا لبقاء العلة مع احتمال الزوال توضيح الاشكال ان النهى لو كان مورده منحصرا في التطهير لامكن التقصى عن محذور اجتماع الامر و النهى بإخراج النهى عن حقيقة الطلب و حمله على الارشاد إلى كون الفرد المنهي عنه اقل ثوابا من سائر الافراد فإطلاق الكراهة عليه انما هو بهذا المعنى الا ان هذا النحو من التقصى بعد الاغماض عما يتوجه عليه من الخدشات المذكورة في محلها انما يتمشى فيما لم يكن بين العنوان المأمور به و النهى عنه عموم من وجه كما فيما نحن فيه ( و اما ) فيه فلا اذ لا شبهه في انه يستفاد من ظاهر النهى بالنسبة إلى مورد الافتراق الكراهة المصطلحة ] وح [ فان أريد منه في مورد الاجتماع ايضا هذا المعنى يتوجه الاشكال و ان أريد معنى آخر لزم استعمال اللفظ في معنيين و هو جائز نعم يمكن في هذا الفرض ايضا التخلص عن الاشكال بإخراج النهى عن حقيقته و حمله على الارشاد المحض فيكون بمنزلة الاخبار عن خاصية الفعل فلا ينافى بكونه واجبا أو مستحبا و بهذا الوجه يتوجه العبارة المتقدمة عن الشهيد و لكنه يتوجه عليه ان حمل النهى على هذا المعنى خصوصا بالنظر إلى مورد الافتراق ينافى حكم الاصحاب بالكراهة مضافا إلى ان تجريد النهى حتى الارشادى منه عن مطلق طلب الترك حتى لا ينافي الامر الالزامي بفعله في غاية البعد عن ظواهر النواهي الشرعية ( و كيف ) كان فهذا الجواب لا يشفى العليل و لا يروى الغليل و انما يتشبث بمثله بعد انحصار المناص فيه و الذى يقتضيه التحقيق هو ان النهى المتعلق با لعبادة اما ان يكون متعلقا بها من حيث هى باعتبار خصوصية مكتنفه بها كالصلوة في الحمام لو فرض انه لا كراهة في الكون في الحمام من حيث هو و لا من سائر الحيثيات ككونه في معرض الرشاش و نحوه و انما المكروه إيقاع الصلوة في ذلك المكان الذي هو معرض للرشاش و اما ان يكون متعلقا بها لا من حيث هى بل من حيث اتحادها في الوجود مع عنوان مرجوح كما لو فرض كراهة ليس السواد مطلقا و استحباب إظهاره المآتم للحسين عليه السلام كذلك و لبس السواد إظهارا للحزن فيتصادق على الفعل الخارجي عنوانان تعلق بأحدهما النهى على الاطلاق و بالاخر الامر كذلك و اما ان يكون متعلقا بها لا من حيث هى و لا من حيث كون فعلها مصداقا لعنوان مرجوح بل من حيث كون تركها محصلا لعنوان راجح كصوم من دعاه اخوه المؤمن إلى طعامه حيث يحصل بتركه اجابة المؤمن التي هى ارجح من الصوم أو لكون فعلها مانعا عن امراهم كصوم يوم عرفة الموجب للضعف المانع من الدعاء مع التوجه و الاقبال ( اما ) القسم الاول فلا يعقل ان يتعلق به نهى حقيقى الا على السبيل المقدمية بان يراد من النهى عن الصلوة في الحمام إيقاعها في خارجه ] وح [ يمكن ان يراد بالنهى حقيقته اى طلب الترك طلبا مولويا بل إلزاميا و لكنه لا يقدح في صحة متعلقه و وقوعه عبادة فان ما له إلى الامر بضده الاهم و ستعرف في بعض المقامات المناسبة له كبحث التيمم عند التكلم في صحة الوضوء عند مزاحمته لواجب أهم ان هذا لا ينافي صحة الاهم و مطلوبية على سبيل الترتب و هذا الكلام في القسم الثالث فانه يمتنع ان يتعلق به نهى حقيقى اى طلب مولوى الا على سبيل المقدمية و الارشاد إلى الضد الاهم أو العنوان الوجودي الملازم للترك فتكون العبادة التي تعلق بها النهى مرجوحة بالاضافة إلى ذلك الشيء لا محالة و اما بالاضافة إلى نفسها فهي باقية على ما هي عليه من الرجحان بل المطلوبية ايضا و لكن على سبيل الترتب كما تقرر في محله ( و اما ) القسم الثاني فملخص الكلام فيه انه ان كان العنوانان المتصادقان على الفرد المقتضيان لرجحانه من جهة و مرجوحيته من جهة كل منهما مقتضيا لان يلحقه حكم إلزامي تعييني من تلك الجهة بمقتضى عموم دليله
(59)
كراهة غسل الميت بماء اسخنه النار
كما لو وجب اكرام كل عالم و حرم اكرام كل فاسق فتصادق العنوانان على فرد فلا محالة تتحقق المعارضة بين دليلهما فلا بد ] ح [ من الرجوع إلى ما تقرر في باب تعارض الادلة من تقديم الاهم و التخيير لو لا الاهمية أو تغليب جانب الحرمة على الخلاف المقرر في محله و التعرض لبيانه أجنبي عن المقام و ان كان أحدهما إلزاميا تعيينيا كحرمة التصرف في مال الغير دون الاخر بان لم يكن إلزاميا أو كان و لم يكن تعيينيا كالأَمر بالصلوة المقتضى للاجزاء في ضمن اى فرد كانت فلا محالة يقدم الطلب التعييني على غيره و يتقيد به الامر الاخر و يختص مورده بغير هذا الفرد بحكم العقل و العقلاء خلافا لمن جوز الاجتماع و حكم بصحة الصلوة في الدار المغصوبة مع تحقق العصيان بالغصب ( و السر ) في ذلك انه لو كان لشيء واحد جهات متعددة مقتضية لاحكام مختلفة فان كان بعض تلك الجهات موجبا للالزام اما بعقل هذا الشيء أو بتركه على سبيل التعيين امتنع ان يؤثر سائر الجهات في ثبوت حكم فعلى لهذه الشيء مخالف لما اقتضته الجهة الملزمة فلم يبق لسائر الجهات بعد الالزام بالفعل أو بالترك حكم الا شأنا لان ضرورة العقل قاضية بقبح طلب الفعل حتما مطلقا و الترخيص في تركه و تعدد الجهات لا ينفع في رفع القبح كما هو ظاهر و هذا بخلاف ما لو لو يكن شيء منها موجبا للالزام على سبيل التعيين بان كان النهى تنزيهيا و الامر استحبابيا أو إلزاميا متعلقا بطبيعة أمكن إيجادها في مورد الاجتماع فلا مانع من ان يستتبع كل من الجهات ما يقتضيه تلك الجهة بعنوانها الاجمالى الكلى لانه متى جاز للمكلف ارتكاب فعل و لو على سبيل المرجوحية كاستعمال الماء المسخن جاز له اختياره قاصدا به إمتثال الامر المتعلق بطبيعة الوضوء الحاصلة بفعله و لا ينافي ذلك كراهة فعله من حيث انه استعمال للماء المسخن لان مرجعه إلى كراهة اختيار هذا الفرد في مقام إمتثال الامر بالطبيعة لا كراهة الطبيعة الحاصلة بهذا الفعل و لكن يشترط في صحة هذا الفعل و وقوعه عبادة كون مصلحته الحاصلة بفعل الوضوء قاهرة على مفسدته الحاصلة باستعمال هذا الماء بحيث لو انحصر الماء فيه لتعين استعماله اما على سبيل الوجوب ان كان الامر إلزاميا أو الندب ان كان استحبابيا و كونه كذلك لا يمنع من ان يتعلق به نهى مولوى في صورة عدم الانحصاركى يخصص به دليل الكراهة اذ لا استحالة في ان ينهى المولى عبده عن ان يختار فرد إذا مفسدة في مقام الامتثال الامر المتعلق بطبيعة حاصلة بفعله و حيث ان المفروض جواز مخالفة هذا النهى و كونه تنزيهيا فهو لا يقتضى قصر طلبه المتعلق بالطبيعة على ما عداه من الافراد بعد فرض كون هذا الفرد ايضا كغيره من الافراد محصلا لغرضه و كونه في حد ذاته جائز الارتكاب بل قد يتأمل في اشتراط قاهرية المصلحة في الفرد المحصل للعنوانين نظرا إلى ان قضية تعليق الامر على الطبيعة كون اختيار تعيين الافراد موكولا إلى إرادة المكلف فكل فرد جاز له فعله صح الاتيان به بقصد إمتثال الامر المتعلق بالطبيعة ( نعم ) قضية قاهرية المفسدة الناشئة من الخصوصية المرجوحة صيرورة مطلوبية الفرد المشتمل عليها على سبيل الترتب فيكون الحكم الفعلى المنجز في حقه مثلا كراهة استعمال هذا الماء مطلقا و مطلوبية الوضوء به مقيدة باختياره لارتكاب هذا المكروه و لا يتمشى مثل هذا التقريب فيما لو كانت الخصوصية محرمة كما تقدمت الاشارة اليه و يأتي توضيحه في مبحث التيمم ] انش [ و قد ظهر بما قررناه ان ما ذكره الشهيد ] ره [ من بقاء الكراهة في صورة الانحصار لا يخلو من تأمل بل منع و الله العالم ( و تكره ) الطهارة بماء اسخن بالنار في خصوص غسل الاموات إجماعا كما عن واحد نقله لصحيحة زرارة عن ابى جعفر ( ع ) لا يسخن الماء للميت و مرسلة عبد الله بن المغيرة عن ابى جعفر ( ع ) و أبى عبد الله ( ع ) قالا لا يقرب الميت ماء حميما و خبر يعقوب بن يزيد عن عدة من اصحابنا عن ابى عبد الله ( ع ) قال لا يسخن للميت الماء لا يعجل له النار و لا يحنط بمسك و ظاهر الروايات خصوصا الاخيرتين منها كراهة استعماله ] مط [ و لو في مقدمات الغسل كازالة النجاسة عن بدنه و يحتمل ان يكون مراد المصنف ] ره [ و من عبر كعبارته من الغسل اعم منه و من مقدماته أو يكون الغسل في العبارة بفتح العين فيعم و كيف كان فالحكم مخصوص بغير مورد الضرورة كما إذا كان على بدنه نجاسة لا يزيلها الا الماء الحار و وجهه واضح ( و قد ) استثنى ايضا ما إذا كان شتاء باردا شديد البرد و ان تمكن الغاسل من ان يوقى نفسه بحيث لا يتأذى من البرد كما يدل عليه مرسلة الصدوق قال قال أبو جعفر ( ع ) لا يسخن الماء للميت قال و روى في حديث اخر الا ان يكون شتاء باردا فتوقى الميت مما توقى منه نفسك و عن الرضوي و لا يسخن له ماء الا ان يكون باردا جدا فتوقى الميت مما توقى منه نفسك و لا يكون الماء حارا شديدا و ليكن فاترا و التعبير في الروايتين بتوقية الميت يشعر بان حكمة الحكم احترام الميت و ان التسخين ] ح [ ليس تعجيلا له بالنار بل ينبغى ان يقصد به احترامه فيستشم من هاتين الروايتين و كذا من قوله ( ع ) في خبر يعقوب و لا يعجل له النار كون التغسيل بالماء الحار منافيا لاحترام الميت لكونه منشأ للتطير والتشام و هذه الحكمة انما تناسب الكراهة لا الحرمة و لعل هذا هو الوجه في فهم الاصحاب من الروايات الكراهة بل لعلها هى التي تتسبق إلى الذهن من مجموع الروايات بقرينة كونها بحسب الظاهر تعريضا على العامة الذين جعلوا التسخين شعارا لهم كما يشعر بذلك التعبير بلفظ الحميم و التعجيل له بالنار و كيف كان فلا بد من حمل النهى على الكراهة لما عرفت من دعوى واحد الاجماع عليها المعتضدة بعدم نقل الخلاف في المسألة و الله العالم ( و هل ) تختص الكراهة بالمسخن بالنار كما هو ظاهر المتن و غيره ام تعم مطلق السخن و لو بالشمس وجهان من إطلاق الصحيحة و غيرها و من ظهور قوله ( ع ) في خبر يعقوب و لا يعجل له
(60)
كراهة الاستشفاء بالعيون الحارة
النار في إرادة الاخص هذا مع إمكان دعوى انصراف النواهي المطلقة إلى النهى عن التسخين بالنار لكونه هو الفرد المتعارف عند العامة هو التسخين بالنار فينصرف النواهي اليه فالقول بالاختصاص قوى و ان كان التعميم احوط و أنسب بالمسامحة في المستحبات و الله العالم ( و يكره ) الاستشفاء بالعيون الحارة التي في الجبال التي توجد منها رائحة الكبريت ذكره جماعة و حكى عليه روايات و علل النهى فيها بانها من فوح جهنم و الله العالم ( و ) الماء القليل المستعمل في غسل الاخباث حكمية كانت أو عينية نجس سواء تغير بالنجاسة أو لم يتغير على الاظهر الاشهر بل المشهور بين القائلين بانفعال الماء القليل مطلقا واردا كان ام مورودا بل عن المنتهى و التحرير دعوى الاجماع في بعض جزئيات المسألة و هو نجاسة المستعمل في غسل الجنابة و الحيض و شبهه إذا كان على بدن المغتسل نجاسة عينية لكن في منا فاتها للقول بطهارة الغسالة تأمل اذ القائلون بالطهارة ربما لا يلتزمون بطهارة ما يستعمل في ازاله العين ( نعم ) هى منافية للقول بطهارة الماء الوارد ] مط [ و هي أجنبية عما نحن فيه ( هذا ) و لكنه نقل واحد عبارة التحرير و المنتهى من دون تقييد النجاسة بالعينية فعلى هذا يكون اطلاقها شاهدا لما نحن فيه و قيل انه طاهر مطلقا اختاره شيخ مشايخنا ] قده [ في جواهره و لكنه قال شيخنا المرتضى ] ره [ لم يحك هذا القول صريحا عن احد منا لان الشيخ نسب طهارة ما يزال به النجاسة إلى بعض الناس و لم يعلم انه من الامامية و استدل له بطهارة ما يبقى في الثوب من اجزائه إجماعا فكذا المنفصل و لا يخفى ان هذا مختص بالغسلة المطهرة و اما المحقق فلم يذكر في مقابل القول بالنجاسة ] مط [ الا قول الشيخ بطهارة الغسلة الثانية ثم قال و اما العلامة في المنتهى فجعل محل الخلاف الغسلة التي يطهر المحل بعدها انتهى ( أقول ) مراده بحسب الظاهر عدم حكاية هذا القول صريحا عن احد من المتقدمين و الا فقد صرح في الجواهر بذلك و اما ما عن كشف الالتباس من نسبته إلى شيوخ المذهب كالسيد و الشيخ و ابنى إدريس و حمزة و أبى عقيل فهو بظاهره تلبيس حيث ان ابن ابى عقيل لا يقول بنجاسة الماء القليل بملاقاة النجس و المعروف عن السيد و ابن إدريس عدم انفعال الماء الوارد مطلقا غسالة كان ام غيرها كما هو ظاهر عبارتهما فعد مثل هؤلاء الجماعة من أرباب هذا القول ليس على ما ينبغى و كون دليل السيد مقتضيا للقول بطهارة خصوص الغسالة كما عرفته فيما سبق لا يقتضى عده من أرباب هذه القول و اما الشيخ فعن خلافه و اول مبسوطة التفصيل بين إناء الولوغ و غيره مثل الثوب و البدن فقال بالطهارة مطلقا في الاول و في خصوص الغسلة المطهرة فيما عداه و ربما يستظهر من بعض عباراته المحكية عن المبسوط القول بالنجاسة ] مط [ و كيف كان فقد استظهر من شتات كلمات العلماء في المقام أقوال متكثرة لا حاجة إلى استقصائها و انما المهم تحقيق المطلب حجة المشهور امور عمدتها انه ماء قليل لاقى نجسا فينجس لما تقدم في مبحث انفعال الماء القليل من ان الاقوى نجاسته ] مط [ من دون فرق بين ورود الماء على النجس أو وروده عليه و ان المناقشة في عموم ادلة الانفعال مجدية للمفصل بين الورودين و انما النافع بحاله إنكار عمومها الا حوالى و قد عرفت ان النزاع في عمومها الا حوالى لابد فيه من ان يترافع إلى عرف المتشرعة فانه هو المحكم في هذا الباب لان كيفية الانفعال على ما يستفاد من الادلة الشرعية امرها موكول إلى ما هو المغروس في اذهان أهل الشرع اما لوصولها إليهم من صاحب الشريعة أو لمعروفيتها لديهم بتشبيه النجاسات بالقذارات الصورية المقتضية لتنفر الطباع عما يلاقيها و كيف كان فلنجدد المقال على سبيل الاجمال تمهيدا لدفع بعض الدعاوي المتوهمة في المقام فنقول ان أهل العرف لا يتعقلون في المايعات من قولنا هذا الشيء ينجس بالعذرة مثلا الا ان ملاقاة العذرة سبب لتنجيسه ] مط [ من دون فرق بين كيفيات الملاقاة و لا بين أنواع المايعات فلا يرون الواسطة في التنجيس في المايعات الا مجرد الملاقاة و هذا بخلاف الجامدات فانهم يعتبرون فيها شرطا زائدا عن أصل الملاقاة و هو حصولها برطوبة مسرية فلا فرق فيما هو المغروس في اذهان المتشرعة بين قولنا الماء ينجس بالبول أو اللبن ينجس بالبول فكما ان الثاني لا ينصرف عن صورة ورود اللبن على البول فكذا الاول فدعوى الفرق بين الورودين في خصوص الماء استنادا إلى إهمال الادلة ضعيفة جدا و أضعف منها التفصيل بين الوارد المستعمل في ازالة الخبث و غيره الشهادة الوجدان بعدم الفرق فيما يتفاهم منه عرفا بين ما إذا اجتمع فيها شرائط التطهير ام لا و مثله في الضعف دعوى ان ما هو المغروس في اذهانهم من اشتراط طهارة المطهر موجب لصرف الظهور و اختصاصه بغير مورد النزاع ( توضيح ) الضعف ان المسألة التي هى مطرح انظار العلماء كيف تكون مغروسة في اذهان العوام و انما المغروس في اذهانهم اعتبار طهارته قبل التطهير و اما بالنظر إلى هذا الاستعمال فلا بل الظاهر ان المغروس في اذهانهم انفعاله تشبيها بالقذرات الصورية فيزعمون انتقال النجاسة من الثوب إلى الماء و الحاصل ان المتبادر منها ليس الا ان الملاقاة من حيث هى سبب للتنجيس لا الملاقاة التي لم تؤثر في تطهير الملاقى اذ ليس هذه الصفة من الاوصاف المغروسة في الذهن الموجبة لانصراف الادلة و لذا لا يتوهم انصراف ما دل على نجاسة الجامدات الملاقية للنجس برطوبة مسرية عن الارض الندية المطهرة لباطن النعل لو لم نشترط فيها الجفاف أو التراب الرطب المستعمل في إناء الولوغ و الحاصل ان كون ملاقاة الماء أو غيره مؤثرة في تطهير ملاقيه انما هو من الاعتبارات اللاحقة للملاقاة المستفادة من الادلة الخاصة لا مدخلية لها في تنويع الملاقاة حتى يدعى ان العرف يفهمون من الادلة سراية النجاسة إلى الماء في هذا القسم من الملاقاة دون ذلك القسم فالواسطة في الانفعال بنظر العرف ليس الا الرطوبة المسرية التي لا تنفك عن الملاقاة في المايعات و لذا لا يرون الواسطة فيها
(61)
الا الملاقاة و لا يلتفتون أصلا إلى إمكان حصول التطهير بها و عدمه حتى يتوقفوا في حكمها على التقدير الاول إذا استعملت في التطهير فان ( قلت ) سلمنا ان الواسطة في التأثير في اذهان المتشرعة ليست في الماء القليل كغيره من المايعات الا الملاقاة الا ان المناسبة بين النجاسات و القذارات الصورية اثرت في انسباق ما إذا اجتمع الماء مع النجس في ألان الثاني من الملاقاة و اما إذا اجرى الماء عليه و انفصل منه بسرعة فلا ( قلت ) يتوجه على ذلك مع وضوح فساده من اصله كما يكشف عن ذلك تنظيره بغيره من المايعات ان مقتضاه عدم الفرق بين الورودين إذا انفصل الماء عن النجس بسرعة و كذا عدم الفرق بين الماء الجارى على النجس أو المتنجس القابل للتطهير فيجب ان لا يتنجس الماء القليل إذا اجتمع مع النجاسات العينية بمقدار ما يجتمع مع المتنجس كالثوب و البدن و الاوانى عند تطهيرها مع ان الخصم لا يلتزم به مضافا إلى استلزامه الالتزام بالنجاسة في الاوانى المثبتة التي لا يجرى الماء عليها بحيث ينفصل عنها بسرعة بل يحتاج تفريغها إلى زمان معتد به مع ان من المعلوم عدم اغتفار هذا المقدار من الزمان في غيرها و كيف كان فلا خفاء في ان هذه الدعاوي واهية جدا لا ينبغى ان يلتفت إليها و لذا لم يلتفت إليها احد من أساطين الاصحاب بل جعلوا الاصل و القاعدة سببية الملاقاة للتنجيس في المايعات ] مط [ و كل من خالف في شيء من مواردها كالسيد و ابن إدريس انما تشبث بالادلة المخصصة و من رد عليهما كالمحقق و غيره أورد في كلامه ان ملاقاة النجاسة سبب للتنجيس بحيث يستفاد من كلامهم كونه مسلما عندهم و كيف لا مع ان المغروس في اذهان العوام فضلا عن الخواص هو ذلك كما يشهد بذلك رواية الاحول التي هى عمدة ادلة القائلين بالطهارة حيث قال الامام ( ع ) فيها بعد نفى البأس عن ماء الاستنجاء أو تدري لم صار لا بأس به قلت لا و الله فقال ان الماء أكثر من القذر و استدل للمشهور ايضا بالاجماعين المنقولين عن المنتهى و التحرير المعتضدين بالشهرة المحققة و فيه ما عرفت من ان القائل بطهارة الغسالة لا يأبى عن الالتزام بنجاسة ما يستعمل في ازالة العين بل ربما يجعل تعبير ناقل الاجماع باشتمال بدن الجنب و الحائض النجاسة العينية مؤيد المختارة هذا إذا كانت النجاسة في عبارتهما مقيدة بالعينية كما حكاها في الجواهر و اما لو لم تكن مقيدة بالعينية كما حكاها واحد فالإِنصاف ان الاجماعين المنقولين المعتضدين بالشهرة يصلحان للتاييد و اما كونهما دليلا فلا لامكان المناقشة فيهما من وجوه كما لا يخفى و استدل ايضا ببعض الاخبار كرواية العيص بن القاسم قال سئلته عن رجل اصابته قطرة من طشت فيه وضوء فقال ان كان من بول أو قذر فيغسل ما اصابه و في بعض النسخ و ان كان من وضوء الصلوة فلا يضر و نوقش فيها بالارسال و الاضمار و أجيب عنها بان الشيخ رواها في الخلاف عن العيص و ظاهر النسبة بعد عدم احتمال المشافهة انه وجدها في كتابه و طريق الشيخ إلى كتاب العيص حسن جدا و اما الاضمار فغير قادح بعد الاطمينان بان المسئول هو الامام ( ع ) و ان منشأه تقطيع الاخبار و أضعف منها المناقشة في دلالتها باحتمال كون الامر بالغسل لاشتمال ما في الطشت على ما استعين به لازالة العين فلا تدل على نجاسة ما يستعمل في التطهير و يدفعها عدم الاعتناء بهذا الاحتمال في صرف الاطلاق عن ظاهره ( نعم ) لو كان ما في الطشت ملزوما لذلك عادة لتمت المناقشة لكنه ليس كذلك اذ كثير اما يكون غسل البول و غيره بعد جفافه و عدم بقاء عينه بحيث لا تكون نجاسته الا حكمية و استدل ايضا بموثقة عمار الواردة في الانآء و الكوز القذر كيف يغسل و كم مرة يغسل قال يغسل ثلث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ثم يصب فيه ماء اخر ثم يحرك ثم يفرغ ذلك الماء ثم يصب فيه ماء اخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه و قد طهر تقريب الاستدلال انه لو كانت الغسالة طاهرة لما توقف التطهير على افراغ الماء في الغسلات الثلث خصوصا في المرة بالثالثة فانه و ان أمكن ان يتفصى بالنسبة إلى الاوليين اما بتوقف صدق تعدد الغسل على ذلك أو بعدم جواز استعمال الماء المستعمل في التطهير فيجب ا فراغه مقدمة للغسل بماء مستعمل و اما بالنسبة إلى المرة الثالثة فلا يتمشى فيها شيء من التوجيهين و أجيب باحتمال ان يكون الامر بالافراغ جاريا مجرى العادة من استقذار الماء المستعمل عرفا ( و فيه ) نظر لان ظاهر الرواية توقف التطهير عليه و هو لا يجامع طهارة الماء ( و ) دعوى توقف صدق الغسل على تفريغ الماء فبدونه لا تتحقق الغسلة الثالثة مما لا يلتفت إليها كيف و الا لوجب الالتزام به في الكثير و الجاري و ماء المطر مع انه كما ترى و استدل ايضا بالنهى عن غسالة الحمام ( و بما ) رواه عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام قال الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضأ به و أشباهه و فيهما نظر اما في النهى عن غسالة الحمام فيمكن فيه دعوى وروده مورد الغالب من ملاقاتها للنجاسات العينية ( و اما ) الرواية ففيها ان الخصم يلتزم بمفادها بل يدعى عليه الاجماع و لا ملازمة بينه و بين النجاسة و سيأتي بعض الكلام في تحقيق مفاد الرواية ] انش [ و استدل ايضا باخبار اخر سيمر عليك بعضها في مطاوي الكلمات انشاء الله حجة القائلين بالطهارة امور ( منها ) الاصل ( و فيه ) انه لا يعارض الدليل ( و منها ) ما عن السرائر حاكيا عن السيد ] ره [ بقوله قال السيد المرتضى ] ره [ في الناصريات قال الناصر لا فرق بين ورود الماء عن النجاسة و بين ورودها عليه قال السيد و هذه المسألة لا أعرف فيها ايضا لاصحابنا نصا و لا قولا صريحا و الشافعي يفرق بين ورود الماء و ورودها عليه فيعتبر القلتين في ورود النجاسة على الماء و لا يعتبر في ورود الماء على النجاسة و خالفه سائر الفقهاء في هذه المسألة فالذي يقوى في نفسى عاجلا إلى ان يقع التأمل لذلك صحة ما ذهب اليه الشافعي و الوجه فيه انا لو حكمنا بنجاسة القليل الوارد على النجاسة لادى ذلك إلى ان الثوب
(62)
لا يطهر من النجاسة الا بإيراد كر من الماء عليه و ذلك يشق فدل على ان الماء إذا ورد على النجاسة لا يعتبر فيه القلة و لا الكثرة كما يعتبر فيما ترد النجاسة عليه قال محمد بن إدريس و ما قوى في نفس السيد صحيح مستمر على أصل المذهب و فتاوى الاصحاب انتهى و حاصل هذا الاستدلال دعوى الملازمة بين تطهير الثوب و طهارة الماء و فيه منع الملازمة اما عقلا فواضح اذ لا امتناع عقلا في كون اجتماع النجسين سببا لتطهيرهما كما في الماء النجس المتمم كرا بنجس اخر و قد ذهب بعض الاصحاب إلى طهارتهما أو سببا لتطهير أحدهما خاصة كما في حجر الاستنجاء فانه سبب لتطهير المحل بشرط الانفصال فكذا فيما نحن فيه و اما نقلا فلا يدل عليه عدا ما يدعى من الاجماع بل الضرورة على اشتراط طهارة الماء المستعمل في التطهير و كذا القاعدة المستفادة من الشرع من ان كل نجس منجس فلا يكون مطهرا لاستحالة كون شيء علة لشيء و لضده أو نقيضه و من المعلوم عدم شمول القاعدتين لمحل النزاع كما سنوضحه ] انش [ و اعترض عليه تارة بانه اخص من الدعوي اذ لو تم لا يتم الا في الغسلة المطهرة دون سائر الغسلات فيما يحتاج إلى التعدد فضلا عن مطلق الماء الوارد كما هو مطلوب السيد ] ره [ و اخرى بانه اعم حصول التطهير يورود النجس على الماء ايضا كما هو مختار كثير من الاصحاب و يمكن الاعتذار عن السيد بانه لما راى تعذر التفكيك بين مصاديق الماء الوارد بالنظر الا ظواهر الادلة لاستلزامه دعوى مدخلية بعض الامور التي يعلم بعدم مدخليتها في الحكم جعل ثبوت الحكم البعض المصاديق كاشفا عن خروج مطلقا الماء الوارد عن تحت قاعدة الانفعال و اما عن الثاني فبمنعه حصول التطهير في الصورة المفروضة كما نسب اليه من اعتبار الورود في التطهير فلا يتوجه عليه الاعتراض ( و منها ) انه يستفاد من تتبع الاخبار و كثير من الاجماعات في المقام قاعدة كلية و هي ان المتنجس لا يطهر بل مما دل على نجاسة الماء القليل نفسه لان معناه انه لا يرفع حدثا و لا يزيل خبثا و النقض بحجر الاستنجاء منقوض بماء الاستنجاء على القول بالنجاسة وحله ان القواعد الشرعية التعبدية قابلة للتخصيص كالعمومات فلا بد في رفع اليد عنها من وجود دليل معتبر و هو مفقود في المقام لانحصاره في قاعدة الانفعال الممنوع عمومها أولا و عدم تكافؤها ثانيا و على تقدير التكافؤ فالمرجع قاعدة الطهارة و استصحابها و الظاهر ان مراد المستدل من الاخبار و الاجماعات هى الاخبار الدالة على عدم جواز الانتفاع بالمايعات النجسة و نظائرها و الاجماعات الحاصلة في تلك الموارد ( و كيف ) كان فنقول ما يمكن ان يدعيه المتتبع مما هو مرتبط بالمقام قواعد ثلث احديها ان يدعى انه يستفاد من الاخبار و الاجماعات ان المطهر يبقى على طهارته إلى زمان حصول التطهير و انقضائه لا لاجل توقف لتطهير عليها بل لكونها حكما شرعيا تعبديا في موضوع كلى فيكون الحكم في المطهر في جميع الموارد الطهارة كماء الاستنجاء الثانية انه يشترط ان يكون المطهر طاهرا في نفسه و لعله إلى هذا ترجع دعوى المستدل لان الظاهر ان غرضه من قوله ان المتنجس لا يطهر انه يشترط في المطهر ان لا يكون نجسا الثالثة ان المتنجس منجس فلا يكون مطهرا ( اما ) القاعدة الاولى فان أقام المدعى عليها بنية فلا شبهة في انها مجدية له بل هى عين مقصوده الا انه كيف تسمع هذه الدعوي من مدعيها وانى له طريق إلى معرفة هذا الحكم التعبدي لان طريق معرفته منحصر بورود نص خاص فيه أو في بعض جزئياته و من المعلوم انه لا ينهض على إثباته شيء من هذه الامور اما النص أو الاجماع عليه بعنوانه الكلى فمعلوم انتفائه و كذا في بعض جزئياته التي يمكن إتمام القول فيما عديها بالاجماع بل لو تم ذلك لتم في إثبات النجاسة لما عرفت من دعوى الاجماع على النجاسة عن المنتهى و التحرير في بعض مورد النزاع و هو ما إذا كان على بدن المغتسل نجاسة و اما الاستقراء في جزئياتها فمعلوم انه لا ينفع لان الامر في جميع ما عدا محل النزاع واضح و لا يورث التتبع مزيد علم حتى يؤثر في الظن بثبوت الحكم للعنوان الجامع بين المصاديق فضلا عن الجزم الذي عليه يبتنى حجية الاستقراء لان من المطهرات ما لا يتصف بالطهارة و النجاسة كالشمس و ذهاب الثلثين ( و منها ) ما نعلم تنجسه حال الاستعمال كالارض و تراب التعفير و حجر الاستنجاء ( و منها ) ما علم عدم تنجسه كالماء الكثير و الجاري و ماء الاستنجاء و ما عديها محل النزاع فالتتبع فيها لا ينفع بعد فرض انه ليس في شيء منها دليل خاص تعبدي ينحسم به مادة النزاع و دعوى استفادة هذا الحكم التعبدي من الاحكام الاخر بديهية الفساد اذ لا مناسبة بينهما فلا يمكن استفادته منها بنحو من أنحاء الاستفادة حتى بالقياس و اما القاعدة الثانية فهي مسلة لا تحتاج إلى التتبع بل هى في خصوص الماء الذي هو محل حاجتنا كادت تكون من ضروريات المذهب الا ان ما هو شرط في التطهير انما هو طهارته من جهة التطهير فلا مانع من ان يكون التطهير سببا لتنجيس المطهر و اما طهارته من هذه الجهة بمعنى عدم تأثره من الملاقاة فلا بل لو فرض وقوع التصريح بهذه القاعدة في النصوص و الفتاوى لم يكن يستفاد منها ازيد من ذلك لان ما هو من فروع الحكم لا يمكن اخذه قيدا في موضوع القضيه فلا يستفاد من مثل قولنا يشترط في المطهر ان يكون طاهرا أولا يكون مستعملا في رفع الحدث ازيد من اشتراط طهارته و عدم كونه مستعملا من حيث هو مع قطع النظر عن استعماله في التطهير و اما انه يشترط فيه عدم انفعاله بهذا الاستعمال إلى ان يحصل الفراغ من التطهير فلا يعمه هذا الكلام بل لو ثبت بدليل اخر من إجماع و نحوه انه لا ينفعل بهذا الاستعمال ما دام التشاغل بالفعل لكان ذلك حكما تعبديا شرعيا ثابتا لموضوع المطهر ككونه مطهرا لا شرطا في مطهريته ( فليتأمل ) و الحاصل ان المسلم من الاشتراط انما هو خلوا المطهر عن نجاسة خارجية و اما عدم انفعاله بالملاقاة الحاصلة في ضمن التطهير فلا هذا مع ان مدرك هذه القاعدة اما القاعدة الثالثة و سنتكلم فيها و اما الاخبار الا مرة بإراقة الماء و نظائرها مما يستفاد منها عدم جواز