هذه الرواية كيف و لو بنينا على حرمة الرياء في سائر الاعمال للزم كون اغلب اعمال أكثر أرباب لكمالات حراما حيث لا يقصدون بعملهم الا اظهار كمالاتهم تحصيلا للمنزلة عند الناس و لا يعد عملهم من المنكرات عند المتشرعة مع انها لو كانت محرمة لكانت حرمتها لعموم البلوى بها كحرمة الغيبة و الكذب معروفة عند العوام فضلا عن العلماء فالإِنصاف انه لا ريب في نفى حرمته شرعا في العبادات و ان كان مذموما في الغاية لكونه ناشئا من حب ألجاه الذي ينبغى التحرز عنه كغيره من المهالك التي تصدى لبيانها علماء الاخلاق و اما اعتبار قيد الحيثية في موضوع الحرمة فلانصراف ما دل على الحرمة بل صراحة اغلبها في ذلك كمالا يخفى على المتامل بل و كذا ما دل على ان من عمل للناس كان ثوابه على الناس و ان الرياء شرك و ان المرائي مشرك و ان عمله مقبول عند الله ] تع [ لظهور الجميع في وقوع العمل للغير بالعنوان الذي يقع به لله ] تع [ بقرينة ذكر الثواب و انصراف لفظ الرياء و الشرك في العبادة اليه و اما الرياء التبعى الذي لا تأثير له في حصول الفعل و خصوصياته فلا تأمل في قصور الاخبار عن افادة حرمته و إبطاله للعبادة بل التأمل في صدق الرياء عليه لان صدق كون العمل رياء فرع استناده اليه و تأثيره فيه و مجرد السرور بروية الغير و ازدياد الشوق بها و قصد حصولها من دون ان يؤثر في العمل لا يسمى رياء في العرف و اللغة هذا مع ان المتبع هو اخبار الباب و هي مخصوصة بما إذا كان العمل للغير كما هو مفاد اغلبها أو كان الغير شريكا في العمل كما يستفاد من بعضها أو كان له مدخلية في حصول الفعل على ما يظهر من بعض اخر و لا ريب ان مدخلية في حصول الفعل من دون ان يكون من اجزاء علته معقولة و كونه جزء خلاف فرض التبعية فما فى عبارة شيخنا المرتضى ] ره [ من الاستشكال في الفرض المزبور نظرا إلى إطلاق قوله ( ع ) في صحيحة زرارة المتقدمة ثم ادخل فيه رضا احد من الناس حيث قال فانه يصدق على مثل ما نحن فيه لان الفعل مستند إلى الداعي المتاكد فللمؤكد دخل في هذا الداعي الشخصي لا يخلو عن نظر ( توضيحه ) انه لا يعقل المدخلية الا ان يكون تصور رؤية الغير كتصور إمتثال الامر باعثا على تحريك الاعصاب و العضلات التحصيل الفعل و لازمه ان يكون قصد حصول كل من الغايتين في عرض الاخر و هذا ينافى فرض التبعية بالمعني الذي تقدم في المباح و اما فرض التبعية بالمعني المتقدم فلا يتم الا فيما إذا كان الباعث على العمل مجرد تصور امر الشارع و ارادة إمتثاله من حيث هو مع الالتفات إلى حصول غاية اخرى محبوبة للمكلف مترتبة على العمل حالكونه مسرورا بحصول تلك الغاية المحبوبة له الموجبة لمزيد الشوق في إمتثال الامر من دون ان يكون لحصولها مدخلية في حصول الفعل وجودا وعد ما و الا للزم بطلان العبادة بالضميمة التبعية المباحة ايضا لمنافاته للاخلاص المعتبر في صحتها مع انه ] قده [ صرح في المباح بعدم منافاته له ( و بما ) ذكرنا ظهر ان تسمية هذا القصد التبعى إرادة و قصدا مسامحة لان الارادة هو الشوق المؤكد الموجب لتحريك الاعصاب و العضلات و هذا القصد التبعى ليس بهذه المثابة بل هو من مقولة الشوق و المحبة لا من سنخ الارادة نعم له شأنية صيرورته جزء من السبب و اندراجه في سنخ الارادة لو طرء على الباعث الاصلى ما يزاحمه في البعث لو لا انضمامه إلى هذا الشوق و المحبة الا انه في هذا الفرض يخرج من فرض التبعية و اما بدون عروض المزاحم فلا يكون ذلك الا مجرد المحبة و السرور الموجب لازدياد الشوق من دون ان يكون لزيادته تأثير في حصول الاثر و قد ورد نفى البأس عن مثل ذلك في حسنة زرارة قال سئلت ابا عبد الله ( ع ) عن الرجل يعمل العمل من الخير فيراه الانسان فيسره ذلك فقال لا بأس ما من احد الا و يحب ان يظهر للناس الخير إذا لم يكن يصنع ذلك لذلك و من المعلوم ان الرياء انما يكون تبعيا إذا لم يكن يصنع ذلك لذلك و الا فهو جزء من السبب أو سبب مستقل كمالا يخفى و لا ينافى ما ذكرناه قوله ( ع ) للمرائى ثلاث علامات ينشط إذا راى الناس و يكسل إذا كان وحده و يحب ان يحمد في جميع أموره ضرورة كون كل واحدة من العلائم علامة في الغالب لا من اللوازم التي لا تنفك و الا لعارضها الحسنة السابقة و غيرها من الروايات الاخر هذا مع ان النشاط بروية الناس يستلزم غالبا تغيير الكيفية فلا ينفك غالبا عن المدخلية في التأثير و الرواية منزلة على الغالب و الكلام في فرض عدم التأثير ( و ليعلم ) انه لا فرق في بطلان العمل بالرياء بين حصول قصده من أول العمل أو في أثنائه لو تشاغل بجزء منه و اقتصر عليه لان بطلان الجزء يستلزم بطلان الكل بديهة و اما لو لم يتشاغل بشيء من الاجزاء حال عروض قصد الرياء و اتى بباقي الاجزاء بعد زوال قصد الرياء فلا ينبغى التأمل في صحة العمل و ما يترائى من منافاته لما ذكروه من اعتبار استدامة النية حكما إلى اخر العمل ففيه ما سيجئى ( توضيحه ) من ان المراد اعتبارها حال الاشتغال باجزاء العمل حتى لا يكون شيء منها لا عن نية لا ان نية رفع اليد عن الوضوء في اثناء الوضوء كالحدث مبطل للوضوء و مخرج للاجزاء السابقة من قابلية الاتمام و اما لو تشاغل بجزء منه و ارتدع عن قصده و تداركه قبل فوات محله فالأَقوى ايضا صحته لو لم يكن التدارك مخلا من جهة اخرى كفوات
(120)
حكم السمعة والعجب وتفسيرهما
الموالاة في الوضوء أو الزيادة العمدية في الصلوة لو قلنا بعموم أدلتها لمثل المقام ( و دعوى ) انه يصدق في الفرض انه اشرك مع الله تعالى غيره في العمل و ادخل رضا احد من الناس فيه و ان رفع اليد عن الجزء المأتي به رياء و تداركه لا يؤثر في رفع الصدق المزبور بعد تحققه ( مدفوعة ) أولا بمنع عدم تأثير رفع اليد و التدارك في نفى الصدق فانهما بمنزلة ؟ ؟ الجزء الفاسد في المركبات الخارجية الموجب لالتيام المركب مما عداه فبعد رفع اليد و التدارك يلتئم المركب مما عداه و لا يصدق على ما عداه شيء من منجزين ؟ و ثانيا بما سنوضحه فيما بعد ] انش [ من ان معروض البطلان أولا و بالذات هو الجزء و بطلان الكل مسبب عنه من حيث النقيصة و لازمه صحة المركب على تقدير التدارك و لو رائي في بعض الاجزاء التي لا مدخلية لها في قوام المهية بل هى من محسنات الفرد بان كان جزء مستحبيا للمهية المأمور بها منشأ لصيرورة الفرد المشتمل عليه افضل الافراد فقد يقال ببطلان العبادة المشتملة عليه نظرا إلى صدق الروايتين المتقدمتين على الفرد الموجود في الخارج لصحة قولنا انه ادخل في هذا العمل رضا احد من الناس و اشرك مع الله تعالى غيره فيه و لكن الاظهر الصحة ايضا لان معروض البطلان أولا و بالذات هو الجزء الريائى فلو قنت في صلوته رياء فكما يصح ان يقال انه اشرك مع الله ] تع [ غيره في صلوته كذلك يصح ان يقال انه اشرك في قنوته و ادخل فيه رضا احد لان اجزاء العمل ايضا عمل عند العرف و العقل و من المعلوم ان الصلوة و القنوت ليستا مصداقين للعام على سبيل التواطؤ لاستحالة كون رياء واحد فردين من العام فصدقه عليهما انما هو على سبيل التشكيك بمعنى ان صدقه على القنوت لذاته و على الصلوة بواسطته و لازمه كون كل واحد من الاجزاء بحياله موضوعا للرواية و ان لا يكون مطلوبيته لذاته أو للغير ملحوظة في صدقها و ] ح [ نقول كما يصدق على القنوت انه وقع لغير الله و اشرك فيه رضا احد كذلك يصدق على ما عدا القنوت من التكبيرة و الفاتحة و الركوع و السجود و غيرها من الاجزاء انها وقعت خالصة لله ] تع [ فيترتب عليها اثرها و هو سقوط الامر الغيري المتعلق بكل منها بإيجاده و التيام الكل بانضمامها و سقوط الامر المتعلق بمهية الكل من حيث هى ( نعم ) اثر وقوع القنوت رياء عدم انضمامه إلى سائر الاجزاء و عدم سقوط الامر المتعلق به بفعله و عدم حصول الامتثال للامر المتعلق بالفرد الافضل الا ان إمتثال هذا الامر كامتثال امره الغيري لازم و الا لما جاز تركه اختيارا و هو خلاف الفرض ( و دعوى ) ان المراد من العمل في الروايات الاعمال المستقلة التي تعلق بها امر نفسى مع انها بلا بنية يعتد بها يكذبها شهادة العرف بصدقها على اجزاء العمل خصوصا فيما لو كان للاجزاء عناوين مستقلة ملحوظة بنظر العرف ا ترى هل يتوهم احد من أهل العرف ممن سمع هذه الروايات انه يجب على من قصد بجزء من اعمال حجه الرياء اعادة حجه في العام المقبل بمجرد إفساد الجزء مع إمكان التدارك ام لا يحكمون الا بوجوب اعادة هذا الجزء و كذا لو سئل عن منشأ بطلان صلوة من قصد الرياء بركوعها فانهم يعللونه بوقوع الركوع رياء و سببيته للبطلان لا بوقوع الرياء في الصلوة و إلى ما ذكرنا يرجع ما افادة شيخنا المرتضى ] ره [ في رد تخيل البطلان بالتقريب المتقدم بقوله و يدفعه انه يصدق ايضا انه اتى بأقل الواجب تقربا إلى الله ] تع [ و مقتضى ذلك إعطاء كل مصداق حكمه فالمركب من حيث ان الجزء المستحب داخل في حقيقته متروك فاسد ليس له ثواب و يستحق عليه العقاب باعتبار جزئه و ما عدا ذلك الجزء من حيث انه مصداق للكلي اتى به تقربا صحيح على أحسن الاحوال ( انتهى ) كلامه رفع مقامه و قد ظهر لك مما تقدم انه لا فرق في حرمة العبادة و بطلانها بالرياء بين تعلقه بنفس مهيتها أو بعوارضها المشخصة و اوصافها المنتزعة منها نعم لا يؤثر فيها قصد الرياء في الاوصاف المتصادفة عليها المنتزعة من موجود اخر خارج من حقيقتها كاستقبال القبلة في الوضوء و التحنك في الصلوة و وجهه واضح لان النهى عن الصفة مرجعه إلى النهى عما به يتحقق تلك الصفة و هو خارج من المأمور به في الفرض فلا يؤثر فيه و الله العالم ( و اما ) السمعة و هي ان يقصد بالعمل سماع الناس فيعظم رتبته عندهم فهي كالرياء في جميع ما تقدم بل هى من افراده بناء على تفسير الرياء بما تقدم عن بعض علماء الاخلاق و كيف كان فلا اشكال في حكمها لعموم أكثر الاخبار المتقدمة و خصوص بعضها المصرحة بلفظ السمعة ( و اما ) العجب فهو على ما ذكره بعض علماء الاخلاق اعظام النعمة و الركون إليها مع نسيان اضافتها إلى المنعم و لا بد من ان يعمم النعمة في كلامه بحيث يعم مطلق ما يحسبه المعجب نعمة و فضيلة و ان لم يكن الامر كما ظنه في نفس الامر حتى لا ينتقض التعريف بالقبايح التي يرتكبها الجهال و يزعمونها رجولية و كما لاوهم معجبون بها و نظيرها العبادات الفاسدة التي يعجب بها العامل و هو يحسب انه يحسن صنعا و كذا لا ينتقض في الاعمال بعجبه بما يظنه فضيلة و هو في الحقيقة رذيله كما لو أعجبه انتسابه إلى بعض الظلمة و الفساق او رأيه الخطاء الذي يحسبه علما شريفا دقيقا لم يسبقه اليه احد إلى ذلك من مواضع الغرور و كيف كان فلا شبهة في ان العجب ] مط [ من المهلكات سواء تعلق بالعبادة ام بغيرها لكونه من أعظم أسباب الكبر الذي خطره أكثر من ان يحصى ضرورة ان العجب يرى نفسه عظيمة بواسطة ما أعجبه بل قد يكون العجب مسببا عن الكبر كما
(121)
لو ظن العامل نفسه صاحب تقوى و يقين فيرى مثقال ذرة من عمله خيرا من ملا الارض من عبادة غيره فلاجل ذلك يرى عبادته من حيث كونها صادرة عنه عظيمة فيستعظم عمل نفسه و يستحقر عبادة غيره عكس ما هو من أوصاف المؤمنين قال بعض العارفين في وصف العجب انه نبات حبه الكفر و ارضه النفاق و مائه البغى و اغصانه الجهل و ورقه الضلالة و ثمره اللعنة و الخلود في النار و من افادته الكبر و نسيان الذنوب و الغرور و الفتور في السعي في رفع المنقصة و كفى به في كونه من المهالك الا انه مع ذلك لا ينبغى التأمل في عدم كونه حراما شرعيا بحيث يعاقب عليه من حيث هو في العبادات و اما فيها فخطره أعظم nو مفسدته اشد لمنافاته للخضوع و الخشوع و التذلل لله ] تع [ التي هى غاية امر العباد بالعبادات و مزاحمته للفوز إلى مقام العبودية لله ] تع [ التي هى غاية الغايات و استلزامه المناقشة في الحساب التي لا يسلم منها احد كما يشهد بها الاعتبار nو يستشم من بعض الاخبار مضافا إلى ما ورد في واحد من الاخبار من ذمه و لذا وقع الكلام فيه فيما يتعلق منه بالعبادات في مقامين أحدهما في حرمته شرعا و الاخر في بطلان العبادة به و قد ظهر لك مما تقدم ان العجب في العبادة عبارة من اعظام العبادة و اما رؤية الانسان نفسه عظيمة فهي كبر متولد من العجب فما ذكره بعض السادة المعاصرين من ان العجب بالعبادة ان يجد العامل نفسه عظيمة بسبب عمله مبتهجة به خارجة من حد التقصير لا الابتهاج بتوفيق الله تعالى و تأييده للعمل لا يخلو عن مسامحة نعم لا يبعد دعوى ان اعظام النفس بالعمل ايضا من مصاديق العجب بنحو من الاعتبار لا ان العجب منحصر فيه كما هو ظاهر التعريف ( ثم ) انه لو انضم إلى عجبه بالعمل المنة على الله ] تع [ أو تعجب من تأخير اجابة الله دعائه و توقع منه ] تع [ سرعة الاستجابة سمى ذلك منه ادلالا على ما شهد به البعض المتقدم ذكره في ذيل عبارته المتقدمة و كيف كان فنقول في تحقيق المقام انه قال في الجواهر و ربما الحق بعض مشايخنا العجب المقارن للعمل بالرياء في الافساد و لم اعرفه لاحد غيره بل قد يظهر من الاصحاب خلافه لمكان حصرهم المفسدات و ذكرهم الرياء و ترك العجب مع غلبة الذهن إلى الانتقال اليه عند ذكر الرياء نعم هو من الامور القبيحة و الاشياء المحرمة المقللة لثواب الاعمال ( انتهى ) و قال السيد المعاصر لا ينبغى التأمل في حرمته لاخبار كثيرة منها ان الذنب خير منه و ان المدل لا يصعد عمله و ان ترك العمل خير منه مع العجب و ان سيئة تسؤك خير من حسنة تعجبك و انه من المهلكات ( و منها ) قال إبليس إذا استمكنت من ابن آدم في ثلثة لم ابال ما عمل فانه مقبول منه إذا استكثر عمله و نسى ذنبه و دخله العجب و في حديث ابى عبيدة يأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه باعماله و رضاه عن نفسه فيتباعد عني و هو يظن انه يتقرب إلى غيرها من الاخبار و اما بطلان العبادة به ففى مصابيح جدي العلامة لا يبطل بالعجب و ان حرم ثم حكى عن الجواهر نسبته إلى ظاهر الاصحاب إلى ان قال لكن البطلان قوى جدا لظهوره من اخباره سواء كان مقارنا للعمل أو متقدما باقيا إلى حال التلبس بل و لو متأخرا عنه بعد الفراغ لان ابطاله ليس بجعله غاية كالرياء حتى لا يعقل تعلقه بالماضي فيكون من الشرط المتأخر ثم وجه الاخبار في ذيل كلامه بما لا ينافي الصحة ( و ) رد توجيهه بمخالفته للظاهر و عدم المتقضي لصرف الاخبار عن ظاهرها لعدم العلم باعراض الاصحاب عنها ( انتهى ) وليت شعري ما صنع بالشرط المتأخر حتى اذعن بإبطال العجب المتأخر زاعما انه منه مع ان استحالة تأثير المتأخر في وجود المتقدم فطرى و الموارد التي يترائى ثبوته فيها كالاجارة في الفضولي بناء على الكشف الحقيقي لابد من تأويله بجعل الوصف الموجود في الشيء المنتزع من وجود الشيء المتأخر دخيلا فيه بمعنى الالتزام بان العقد المتعلق يملك من جرى في علم الله ] تع [ انه يجيز العقد هو السبب التام في النقل لا فلا يكون للاجازة تأثير على هذا التقدير في النقل بل هى كاشفة عن وجود الناقل و لاجل استحالة تأخر الشرطة عن المشروط و عسر الالتزام بالتوجيه المذكور التزم واحد من المتأخرين بالكشف الحكمي و ذهب آخرون إلى كونها ناقلة و على هذين التقديرين و ان كانت الاجازة مؤخرة عن السبب الا انها مقدمة على المشروط فلا محذور فيه ( و ) من المعلوم انه لا يمكن ارتكاب مثل هذا التأويل فيما نحن فيه بل و لا الالتزام بكون عدم العجب المتأخر شرطا في سببية الصلوة السابقة لاسقاط الامر المتعلق بها كالاجازة في الفضولي على القول بانها ناقلة ( اما ) الثاني فليس لمجرد عدم معقولية بقاء الامر بالكل بعد تحقق تمام اجزائه بشرائطها المعتبرة في نفس الاجزاء لكونها علة تامة للسقوط و استحالة انفكاك المعلول عنها و اشتراط حصوله بشيء آخر بل لاجل ان توقف تأثير السبب الناقص على الشرط المتأخر انما يعقل فيما إذا كان الشرط وجوديا ذا اثر كالاجازة في الفضولي لا عدميا كما في المقام ضرورة ان شرطية العدم مرجعها إلى مانعية الوجود و لا يعقل التمانع بين الشيء و ما يتأخر عنه في الوجود حتى يجعل عدمه شرطا فتأثير العجب المتأخر كالحدث الواقع عقيب الصلوة في إبطال ما وقع معقول نعم يعقل ان يكون رافعا لاثره و موجبا لحبط العمل نظير الكشف الحكمي في مسألة الفضولي الا انه لا يمكن الالتزام به و كلام الخصم ايضا مبنى على عدمه ( و اما ) عدم إمكان ارتكاب التأويل المذكور بدعوى اختصاص الصحة بصلوة من لا يعرضه
(122)
العجب فيما بعد فوجهه واضح لان الامر بالصلوة مطلق فلا يعقل اختصاص الصحة بفعل بعض دون بعض لان الامر يقتضى الاجر عقلا ( و دعوى ) ان حصول العجب فيما بعد كاشف عن فقد شرط وجودي أو عدمي معتبر في مهية الصلوة لا ان الصفة الانتزاعية معتبرة حتى يتوجه ما ذكر ( مدفوعة ) بان تقييد الواجب المطلق بما لا طريق للمكلف إلى إحرازه حال الفعل تكليف بما لا يطاق سلمنا إمكان ذلك و لكنه خلاف ظاهر الادلة بعد تسليم دلالتها لان مفادها ان نفس العجب سبب للبطلان لا ان الوصف الانتزاعي و هو كون المكلف بحيث لا يعرضه العجب اوما هو ملزوم لذلك شرط في الصحة ( و كيف ) كان فلا شبهة في فساد هذا القول لاستلزامه بطلان عبادة من صرف طول عمره في عبادة الله ] تع [ خالصا مخلصا لوجهه الكريم بمجرد حصول العجب باعماله السابقة فيجب عليه إعادتها بعد التوبة فيكون العجب على هذا التقدير اشد تأثيرا في إحباط العمل من الارتداد و هو بديهي البطلان فضلا عن مخالفته للاجماع و اما العجب المقارن للعمل سواء حصل في ابتداء العمل أو طرء في الا ثناء فقد سمعت من الجواهر ان ظاهر الاصحاب عدم كونه مفسدا بل لم يعرف قائلا بخلافه الا بعض مشايخه نعم قد يستظهر من الاخبار السابقة بطلان العمل به و يؤيده ما في بعض الادعية من قوله ( ع ) لا تفسد عبادتي بالعجب و لكن في الاستظهار نظر ظاهر لظهور الجميع في كون العجب موجبا لنقص العامل و عدم قابليته لتأثير العبادة فيه لا سببا لكون العمل فاقد الشرائط الصحة هذا مع ان إطلاق الاخبار يعم العجب المتأخر و قد عرفت امتناع كونه مفسدا للعمل السابق حقيقة فلا بد من حمل الاخبار على معنى يصح إثباته للعجب المتأخر ككونه موجبا لحبط العمل ان أمكن الالتزام به أو مانعا من تأثير العبادة في رفع الدرجة و الفوز إلى المقامات العالية أو غيرهما من المعاني المحتملة و تخصيصها بالعجب المقارن خلاف ما يشهد به جل الاخبار كمالا يخفى و في الجواهر بعد ان ذكر الاخبار التي يتوهم ظهورها في كون العجب مفسدا للعمل قال و الكل كما ترى و اولى ما يستدل به لذلك ما رواه يونس بن عمار عن الصادق ( ع ) قال قيل له و انا حاضر الرجل يكون في صلوته خاليا فيدخله العجب فقال ( ع ) إذا كان أول صلوته بنية يريد بها ربه فلا يضره ما دخله بعد ذلك فليمض في صلوته و ليخش الشيطان فانه بالمفهوم دال على المطلوب ( و يدل ) ايضا بالمنطوق على عدم الافساد لو وقع في الا ثناء و بالاولى الواقع بعده ( انتهى ) و اعترض السيد المتقدم على استدلاله بالمنطوق على عدم الافساد بقوله و فيه ظهور الخبر في إرادة ما يعرض في الا ثناء من الهواجس و الخواطر و ان كان رياء أو سمعة كما هو مقتضى عموم كلمة ما انتهى ( و في ) الاعتراض نظر ظاهر لان عموم كلمة ما على تقدير تسليمه لا يقتضى تخصيص المورد و دعوى ان العجب الطاري غالبا من الهواجس و الخطرات لا العجب حقيقة فيستفاد حكمه من الجواب و لا يستلزم تخصيص المورد و اما العجب الحقيقي الذي هو ظاهر فرض السائل فلم يتعرض الامام لجوابه لندرته فيها ما لا يخفى اذ لا شبهة في ان العجب الطاري و كذا ما يحصل بعد العمل لو لم يكن غالبا لا اقل من كونه كثيرا فيقبح إهماله في مقام الجواب فلا محيص عن الالتزام باستفادة حكمه من جواب الامام ( ع ) و ان قلنا بظهوره فيما يدعيه المتعرض بدعوى ان ترك التعرض يدل على عدم الاخلال به و الا كان على الامام ( ع ) بيانه ( نعم ) استدلال صاحب الجواهر ] قده [ لابطال العجب المقارن للنية بمفهوم الرواية لا يخلو عن غفلة لابتنائه على اعتبار مفهوم اللقب و تقديمه على ظاهر المنطوق في الشرطية و هو سببية الشرط للجزاء بيان ذلك ان مفاد منطوق الرواية انه إذا انعقد صلوته بنية خالصة لله ] تع [ فصلوته صحيحة و مفهومها انه إذا لم ينعقد صلوته كك فهي صحيحة و قوله ( ع ) فلا يضره ما دخله بعد ذلك تفريع على سابقه فهي جملة خبرية سادة مسد الجزاء كقوله ] تع [ ان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين و ليست بنفسها جزاء للشرط لعدم صلاحيتها لذلك اذ لو كانت بنفسها الجزاء للزم انتفائه على تقدير انتفاء الشرط فيكون مفادها ان ما يدخله بعد ذلك يضره على تقدير فقد الاخلاص في النية و هو صحيح لان التضرر يحصل على هذا التقدير من فقد الاخلاص لا من العجب الذي دخله بعد ذلك و ليس منطوق الرواية ان لم يكن العجب في ابتداء العمل فلا يضره حتى يكوم مفهومه ان كان في ابتداء العمل يضره كما توهم و ] ح [ نقول ظاهر الشرطية سببية الاخلاص للصحة و سببية عدمه لعدمها و مقتضاه عدم الاخلال بالعجب المقارن لو لم يكن منافيا للاخلاص كما ان مقتضى مفهومها بطلانها بالعجب إذا كان منافيا له كما إذا انتهى عجبه إلى ان صلى لا لمجرد إرادة الله ] تع [ بل لدفع المنقصة عن نفسه و عدم كونه في عداد من لا يبالي بترك الصلوة و غير ذلك من الاغراض الفاسدة المنبعثة عن العجب المانعة من الخلوص و اما قوله ( ع ) فلا يضره ما دخله بعد ذلك فلا يدل على ان ما يدخله قبل ذلك مضر لعدم الاعتداد بمفهوم اللقب خصوصا فيما كان لذكره نكتة ظاهرة كما فيما نحن فيه لامكان ان يكون النكتة في ذكره التنصيص على حكم ما هو مفروض السائل هذا مضافا إلى معارضة لظهور الشرطية في السببية المنحصرة ثم ان دعوى شمول الرواية للرياء و السمعة و غيرهما من الهواجس الطارية في اثناء العمل مما لا شاهد عليها لان عموم الموصول لا يكون الا بمقدار قابلية المحل الا ترى انه لو سئل عما هو الاحب من الرمانتين فقيل ما كان اكبر لا يكون دالا على محبوبية كل شيء يكون اكبر من غيره فظاهر الرواية انه لا يضره ما دخله بعد ذلك من العجب لا مطلق ما يعرض على القلب نعم
(123)
وقت النية
حكم الضميمة الراجحة
الكلام في حرمة العجب شرعا
يحتمل قويا إرادة العموم و كون الرواية مسوقة لضرب قاعدة كلية يستفاد منها حكم العجب و غيره و هي ان طوارى القلب ] مط [ ما لم تكن منافية للاخلاص حال الشروع مضرة و تخصيص اعتبار الاخلاص باول الصلوة لا لعدم اعتباره فيما عداه كيف و هو معتبر فيها مطلقا بل لاجل ان الباعث على إتمام العمل غالبا ما كان باعثا على الشروع و ما يدخله بعد ذلك و يظن ان له مدخلية في الفعل من وساوس الشيطان كما يشعر به قوله بعد ذلك و ليخش الشيطان فلا تعارض ما دل على اعتبار الاخلاص في تمام العمل حتى يحتاج إلى الجمع و الترجيح بين الاخبار هذا مع ان الاعتماد على مثل هذا الاحتمال مشكل بعد كون الكلام محفوفا بما يصلح ان يكون قرينة لارادة الخصوص ( و اما الكلام ) في حرمة العجب شرعا فملخصه انى لا اراده فعلا اختياريا مسبوقا بالعزم و الارادة حتى يصح تعلق التكليف به فهو و ان كان اشد تأثيرا في البعد عن رحمة الله ] تع [ من الحرام كما يشهد به واحد من الاخبار كغيره من الاخلاق الرذيلة كحب الدنيا و الحسد و البخل الا انه محرم شرعا كنظائره و الاخبار الواردة فيه ايضا لا يكاد يظهر منها ازيد من ذلك فالبحث عنه ليس شأن الفقية بل هو من مسائل علم الاخلاق و اما عدم كونه فعلا اختياريا فلانه اعتقاد يتولد من ضم صغرى وجدانية إلى كبرى قطعية عقلية أو نقلية كفضيلة صلوة الليل أو الصلوة في أول وقتها أو كون الامر مقتضيا للاجزاء و عدم تعقل التقصير في الاطاعة بعد موافقة المأتي به للمأمور به و كعدم مساواة الجاهل و العالم و ان العبد المطيع خير من العاصي إلى ذلك من الكبريات الصادقة التي لو وجد شيئا منها في شخص اخر للزم عليه عقلا و شرعا الاذعان بجلالة قدره و ان له عند الله شأنأ من الشأن فلو احس بشيء منها من نفسه لا يمكن تكليفه بوجوب إذعانه بخلاف ما ينتج القضيه و ان كان منشأ الاستنتاج الجهل و الغرور بمعنى ان العارف بجلالة الله ] تع [ البصير بمهانة نفسه لا يلتفت الا إلى نقائصه و تقصيره في الطاعة و حاصله ان الانسان الكامل ينظر إلى نفسه بعين السخط إلى اخوانه المؤمنين بعين الرضا و لذا يتبرك بدعائهم و يتشرف بصحبتهم لا انه بعد إحراز الكمال من نفسه على سبيل القطع يجب عليه ان لا يعتقد بما ينتجه القضيه لان التكليف بعدم الاعتقاد معقول فلو تعلق به خطاب بظاهره يدل على ذلك لوجب صرفه و إرجاعه اما إلى مباديه و هي إهمال النفس بحيث تتاثر من هذه النتائج و مرجعه إلى وجوب تزكية النفس بحيث لا تغتر بشيء منها أو إلى وجوب ازالته بعد حصوله و التفات النفس اليه بالتفكر في سوء المنقلب و غيره مما يؤثر في ازالة العجب أو غيرهما من المحامل اما التأويل الاول فمما لا يمكن الالتزام به ضرورة ان الله ] تع [ لم يكلف عامة عباده على سبيل الحتم و الالزام بتحصيل هذه المرتبة عن الكمال بل من رحمته الواسعة انه سلط على من احبه النوم و منعه من فعل ما يحبه من العبادة حفظا له من ان يدخله العجب كما في بعض الاخبار و لم يكلفه ابتداء باعتصام نفسه عن ذلك ( و اما ) التوجيه الثاني فغير بعيد لو لم يكن وجه اقرب منه كحمل الخطاب على الارشاد و المبالغة في المبغوضية أو حمل النهى على نفى إظهاره أو ترتيب الاثار العملية عليه و غيرها من المحامل كمالا يخفى و كيف كان فللعجب مراتب و على تقدير الالتزام بحرمته أو كونه مفسدا للعبادة لابد من تخصيص الحكم ببعض مراتبه الظاهر المنسبق إلى الذهن لا مطلقا بحيث يعم بعض مراتبه الخفى الذي لا ينفك عنه الا الاوحدى من الاكياس الذين لا ينال ادنى درجاتهم خواص الابرار و الله العالم ( المقام الثالث ) فيما لو ضم المتوضئ إلى نية القربة إرادة حصول امر راجح شرعا من حيث كونه كك فلا تأمل في صحة وضوئه ما لم يكن الوضوء تابعا في القصد بالمعني المتقدم في الضميمة التبعية بل عن المدارك عدم الخلاف في الصحة هنا و عن شرح الدروس الاتفاق عليه و وجهه عدم منافاة الضميمة الراجحة للاخلاص المعتبر فيه لان تصادق العناوين الراجحة على الفرد موجب لا كدية طلبه و كونه افضل افراد المأمور به و لذا لا يرتاب احد في ان التصدق على الفقير العالم المؤمن ذي الرحم افضل من فاقد هذه الاوصاف إذا نوى المتصدق بتصدقة اكرام العالم و سرور المؤمن و مواصلة ذي الرحم و مقتضى كون الفرد المأتي به مصداقا للاوامر المتعددة حصول إمتثال الجميع لو قصد الفاعل بفعله إمتثال الكل فيستحق باختياره هذا الفرد مزيد الاجر و الثواب كما ان لازمه سقوط الاوامر المتعلقة به على تقدير كونها توصلية ] مط [ و لو لم يقصد بإيجاده إمتثال الجميع مثل ما لو وجب عليه الغسل و ازالة النجاسة عن بدنه لو لم نشترط في صحة الغسل طهارة البدن فيسقط الامر بالازالة قهرا بغسله و لو لم ينو إمتثاله نعم حصول الاطاعة و استحقاق الاجر موقوف على القصد كما في التعبديات و ليعلم انه لا دخل لما نحن فيه بمسألة تداخل التكاليف التي اختلفوا فيها كما قد يتوهم و سيجيء التعرض لبيانها في مسألة توارد الاحداث و تداخل الاغسال بماء يرتفع به غشاوة الاوهام ] انش [ و اما إذا كان الوضوء تابعا في القصد بان لا يكون سببا للفعل و لا جزء من السبب فلا يصح لتوقف الاطاعة على قصد الامتثال بالفعل و هو منتف في الفرض لما عرفت فيما سبق من ان القصد التبعى بالمعني المذكور ليس إرادة حقيقية بل هو من مقولة المحبة و الشوق و الله العالم ( و اما وقت ) النية في الوضوء فعلى ما نسب إلى المشهور من انها هى الارادة التفصيلية المقارنة للفعل فهو حين الاشتغال باول جزء من اجزاء
(124)
وجوب استدامة النية
الوضوء كما في غيره من العبادات من دون فرق بين ان يكون الجزء الاول من اجزائه الواجبة أو المستحبة و توهم تعذر قصد الوجوب حين البدئة بالجزء المستحبى ؟ ( مدفوع ) بان المنوي الفرد المشتمل على الجزء لا الجزء بانفراده حتى يشكل فيه فلو اشكل لم يفرق بين كون الجزء المندوب أول الافعال أو في الا ثناء فما يقال في توجيه الاجزاء المستحبة المتخللة فقد يقال في الجزء الاول المستحب ايضا كمالا يخفى فلو قصد المكلف الاتيان بالوضوء المشتمل على المضمضة أو الاستنشاق فلا بد من تقديمها بحيث تقع المضمضة أو الاستنشاق منوية حتى تصير بها جزء منه و كذا لو نوى الاتيان بالفرد المشتمل على غسل اليدين يجب ان ينوى عند أول جزء من غسل اليدين الا انه قد يتأمل في جزئية غسل اليدين بدعوى قصور الاخبار عن افادته بل ظهورها في خلافه فيشكل التقديم ] ح [ حيث تنتفى المقارنة المعتبرة في صحة العمل و إثبات جزئيته بالتسامح في ادلة السنن و ذهاب المشهور إليها لا يجدى لان جواز التقديم من الاثار المخصوصة بالجزء الواقعي فلا يترتب على الجزء المسامحي كما تقرر في الاصول و اما على المختار من كفاية الامر المغروس في الذهن المعبر عنه بالداعي في صحة العمل و انه هو النية المعتبرة في صدق الاطاعة لا خصوص الارادة التفصيلية فيعتبر حصوله حال الفعل ] مط [ من دون فرق بين الجزء الاول و غيره فلا بد من وقوع الفعل بجميع اجزائه مستندا اليه و اما الارادة التفصيلية التي يتوقف عليها حصول الداعي فليس لها وقت موظف بل المعتبر سببيتها لابنعاث الفعل عن داعي الامتثال فكما يكفى تحققها حال الشروع في الفعل كذا يكفى حصولها حال الاخذ بمقدمات العمل كاحضار الماء و غيره فلا يهمنا التعرض لتحقيق ان غسل اليدين هل هو جزء مستحبى أو مستحب خارجى اذ لا يترتب عليه ثمرة معتد بها على المختار الا في قصد الجزئية و عدمها و الامر فيه سهل اذ يكفى في جوازه المسامحة في دليله لو قلنا بها فيه و الا فينوى إمتثال امره الواقعي على ما هو عليه في علم الله تعالى و الله العالم ( و الاولى ) لمن سلك سبيل الاحتياط و تحرز عن مخالفة المشهور تجديد الارادة التفصيلية عند المضمضة و الاستنشاق بل الاحوط تأخيرها عنهما ايضا إلى ان يتضيق وقتها و هو عند غسل الوجه المعلوم وجوبه و جزئيته لقيام احتمال الاستحباب النفسي فيهما ايضا كغسل اليدين و ان كان بعيدا الا ان الاحتياط يقتضى مراعاته ( و كيف ) كان فقد ظهر لك مما اشرنا اليه من توقف تحقق الاطاعة عرفا و عقلا على انبعاث الفعل بجميع اجزائه عن داعي إمتثال الامر وجه ما ذهب اليه المشهور بعد ان فسر و النية بالارادة التفصيلية من انه يجب استدامة حكمها إلى الفراغ و معناها الجرى على طبق ارادته الماضية بان يكون تلك الارادة التفصيلية بحكم الموجودة بالفعل في استناد الفعل إليها و انبعاثه عنها و كونه كذلك يتوقف على عدم انتقاله في اثناء العمل إلى نية تخالفها و عدم حصول التردد له في إمضاء الارادة السابقة حال الالتفات إليها و يلزمه تجديد الارادة السابقة مفصلا و ان لم يكن بقيودها المفصلة في أول العمل حال توجه ذهنه إلى الفعل و لعل ما ذكرناه في تفسير الاستدامة الذي مرجعه إلى اعتبار انبعاث الفعل عن الامر المركوز في الذهن الذي نسمية بالداعي و نلتزم بانه هو النية هو لب مراد جميع العلماء القائلين باعتبار الاستدامة و مجمع شتات عبائرهم المختلفة في تفسيرها و اختلاف تفاسيرهم نشأ من اختلاف انظارهم في اثارها و قد تصدى لتأويل كلماتهم بما يرجع إلى ما ذكرناه شيخنا المرتضى ] ره [ في طهارته فراجع ( و كيف ) كان فلا شبهة في اعتبار استدامة النية بالمعني المذكور لتوقف صدق الاطاعة عليها عقلا و عرفا و اما كفايتها و عدم الحاجة إلى اعتبار امر زائد عليها فلعدم توقف الاطاعة الا عليها كما عرفت فيما سبق فالبحث مع المشهور انما هو في اعتبار الزائد على ذلك في أول العمل وهلا جعلوا النية الفعلية هى التي سموها بالحكمية لا في اعتبار ذلك و قد يستدل لكفاية هذا المقدار في اجزاء العمل و عدم اعتبار الارادة الفعلية بتعذرها أو تعسرها حيث ان الله ] تع [ لم يجعل لرجل في جوفه من قلبين فما دام مشغولا بالاجزاء ربما يغفل عن ذلك و التكليف بوجوب استدامته فعلا تكليف بما لا يطاق الا انه لما تعذرت الفعلية اوجبت الحكمية لان الميسور لا يسقط بالمعسور و ما لا يدرك كله لا يترك كله ( و فيه ) ما لا يخفى من الضعف فالوجه ما ذكرنا ثم لا يخفى عليك ان المعتبر انما هو استدامة حكمها حال الاشتغال باجزاء الفعل فلو نوى الخلاف في الا ثناء ثم ارتدع عن قصده قبل ان يفوته الموالاة فأتمه اجزاه بلا اشكال بل و لا خلاف فيه على ما صرح به شيخنا المرتضى ] ره [ في مورد من كلامه و ما يوهمه بعض العبائر كظاهر المتن و غيره من ان نية القطع و الخلاف في اثناء الوضوء مخلة ] مط [ فغير مراد جزما لان النية انما تعتبر في اجزاء العمل الذي هو عبادة لا في غيرها فالاستدامة أو الاستمرار في كلامهم انما يلاحظ بالنسبة إلى الفعل المعدود امرا مستمرا متصلا في مقابل انقطاعها في اثناء العمل المستلزم لوقوع جزء منه بلانية لا بالنسبة إلى الاكوان المتخللة بين اجزاء العمل حتى يقدح فيه نية القطع في بعض تلك الاكوان و وجهه ظاهر اذ لا يقتضى دليل اعتبار الاستدامة الا هذا المقدار ( و اما ) ما تراه من التزام بعضهم بان نية القطع في اثناء الصلوة مخلة و ان لم يشتغل
(125)
كفاية وضوء واحد عن اسباب متعددة
بشيء منها فوجهه ما ذهبوا اليه من ان الاكوان المتخللة بين اجزائها من الاكوان الصلوتية يعتبر فيها ما يعتبر في اجزاء الصلوة فخلوها عن النية مخل كسائر الاجزاء و توضيحه في محله ] انش [ ( تفريع ) إذا اجتمعت في المكلف أسباب متعددة للحدث الاصغر متحدة بالنوع أو مختلفة دفعة أو مترتبة توجب اى تقتضي جميعها الوضوء في الشرع وجوبا أو استحبابا كفى وضوء واحد إجماعا بل ضرورة عند العلماء كما في طهارة شيخنا المرتضى ] ره [ و لا يتوقف صحته الا على ان يأتى به بنية التقرب و امتثال الامر المتعلق به المقصود إمتثاله و لا يفتقر على المختار إلى ضم رفع الحدث اليه معينا أو مخيرا بينه و بين الاستباحة كما عرفت تفصيل الكلام فيه فيما تقدم و اما على القول الاخر فيحتاج إلى ضم رفع الحدث من حيث هو اما تعيين الحدث الذي تطهر منه فلا يعتبر قولا واحدا بل في المدارك انه مذهب العلماء كافة و في الجواهر بلا خلاف أجده و في طهارة شيخنا المرتضى ] ره [ دعوى الوفاق عليه و وجهه ان الحدث الاصغر على ما يستفاد من الشرع بملاحظة اتحاد لوازمه و احكامه مهية واحدة مسببة عن أسباب متعددة قابلة للتكرر كالقتل و نحوه مما لا يتكرر بتكرر أسبابه لعدم قابلية المحل للتأثر فلا مجال لتوهم بقاء اثر شيء من الاسباب المختلفة بعد تحقق ما هو سبب تام لرفع طبيعة الحدث و هو الوضوء الصحيح كما انه لا وجه لتخصيص الرفع بالمنوي دون غيره لو نوى رفع حدث البول فقط إذا كان مجتمعا مع غيره اذ ليس الحدث الحاصل من البول مغايرا للحدث الحاصل من غيره لا مهية و لا وجودا فلا يعقل التفكيك بل لابد اما من الالتزام برفع الحدث ] مط [ أو القول ببطلان الوضوء راسا و الثاني ضعيف اذ لا برهان عليه عدا ما يتوهم من انه نوى امرا مشروع ( و فيه ) انه نوى إمتثال الامر المتعلق به فيقع صحيحا و قصده حصول بعض لوازم المأمور به أو عدم حصول ما عدا المنوي لا يؤثر في انقلاب المهية المأمور بها عن كونها كذلك نعم للتوهم المذكور مجال لو نوى إمتثال خصوص الامر المسبب عما عدا السبب الاول كالنوم الحاصل عقيب البول على سبيل التقييد لا بان جعل الحدث النومى طريقا لاستكشاف الامر المتعلق به فان الثاني صحيح قطعا لان الحدث النومى عين الحدث الموجود و ان لم يكن مسببا عنه لما عرفت من اتحاد مهية الحدث و اما الاول فقد يتأمل في صحته نظرا إلى استحالة تأثير ما عدا السبب الاول في المحل حتى يتوجه بسببه خطاب على المكلف فما نوى إمتثاله متوجه اليه و ما هو المتوجة اليه مقصود إمتثاله و لكنك عرفت في محله ان الاقوى صحته لانه لا يعتبر في صحة العبادة الا إيجادها قربة إلى الله ] تع [ و هي اعم من قصد إمتثال خصوص الامر الشخصي بل يكفى في حصولها مجرد إيجاد الفعل لله ] تع [ لا لغيره فالمعتبر في صحة العبادة كونها بهذا العنوان فعلا اختياريا بهذا العنوان و ان شئت قلت ان قصد إمتثال الامر لا ينفك عن قصد إيجاد الفعل تحصيلا لمرضاة الله تعالى و مراده فيقع صحيحا ( و كيف ) كان فقد ظهر مما قررنا من وحدة اثر أسباب الوضوء و عدم قابليته للتكرر و ان الاثر في مثله مستند إلى السبب الاول كما في الاسباب العقلية المتعاقبة المتواردة على مسبب واحد في الامور الخارجية ان مسألة توارد الاحداث خارجة من موضوع اختلاف العلماء فيما تقتضيه الاصل حال اجتماع الاسباب من التداخل و عدمه لعدم قابليه المحل الا للتداخل لو وجدت الاسباب دفعة و للتأثر من السبب الاول ان ترتبت كما هو الشان في جميع المعاليل بالمقايسة إلى عللها الواقعية فلا مجال لتوهم الخلاف حتى يقع الاختلاف في موافقته للاصل أو مخالفته فان التداخل في مثل المقام قهرى عقلا فهو عزيمة لا رخصة كمالا يتوهم الخلاف مع اختلاف المسببات ذاتا و مبائنتها كلية كما لو قال الشارع ان افطرت فاعتق عبدا حبشيا و ان ظاهرت فاعتق عبدا حبشي فان عدم التداخل في مثله عقلي فمورد الكلام و الاشكال انما هو فيما إذا اتحدت مهية المسبب و أمكن تأثير كل سبب فيها بان كانت المهية قابلة للتكرر كالضرب و الاكرام و كذا منزوحات البئر فان نزح أربعين مرتين لوقوع شاتين أو شاة و كلب امر ممكن و كذا تضعيف نجاسة ماء البئر بتكرر أسبابها امر معقول و تنظيرها على نجاسة الثوب و البدن و غيرهما قياس مع وجود الفارق بين البئر و غيرهما كمالا يخفى و اما إذا تغايرت مهيات المسببات و تصادقت في بعض المصاديق فلتوهم الخلاف في تداخل المسببات في مورد الاجتماع مجال الا انه ايضا بحسب الظاهر خارج من موضوع مسألة التداخل التي وقع الاختلاف فيها فان موضوعها على ما يظهر انما يتحقق في الفرض الاول و لا بد لنا من التعرض لتحقيق ما هو الحق في كلا الفرضين مقدمة للمسألة الاتية مع ان المطلب بنفسه من المهمات ( فأقول ) مستعينا بالله ] تع [ إذا رتب المولى جزاء واحدا على أسباب متعددة كان قال ان جائك زيد فاعطه درهما و ان سلم عليك فاعطه درهما و ان اكرمك فاعطه درهما إلى ذلك فهل يجب على العبد عند اجتماع بعض تلك الاسباب مع بعض الاتيان لكل سبب بجزاء مخصوص ام لا يجب الا إيجاد طبيعة الجزاء فيقع إمتثالا للكل ذهب المشهور على ما نسب إليهم إلى الاول و اختار جماعة منهم المحقق الخونساري على ما حكى عنه القول الثاني و عن الحلى التفصيل بين اتحاد الجنس و تعدده ( و ليعلم ) أولا ان الشك في كفاية فعل واحد في مقام الامتثال قد يكون مسببا عن الشك في تأثير كل سبب على نحو الاستقلال فيؤل الشك إلى ان كل واحد من هذه الاسباب هل هو سبب مستقل على الاطلاق أو ان