من التكاليف المطلقة مشروط عقلا بالقدرة على إيجاد شيء من مراتبها فلا يقتضى ذلك وجوب إيجادها بلا طهارة بعد ان علم ببيان الشارع ان فاقد الطهور ماهية اخرى أجنبية عن مهية الصلوة ( ان قلت ) مناط شمول قاعدة الميسور للمورد ليس الا كون المأتي به بنظر العرف صلوة ناقصة و لا شبهة في كون فاقدة الطهور كذلك فيعمها القاعدة غاية الامر انه يتحقق المعارضة بينها و بين قوله ( ع ) لا صلوة الا بطهور و النسبة بينهما العموم من وجه فكما يمكن إخراج مورد الاجتماع من موضوع القاعدة كذلك يمكن تقييد الاشتراط بصورة التمكن ( قلت ) سلمنا ذلك لكن الاول أولى في مقام الجمع لا لمجرد إعتضاده بفهم الاصحاب و إجماعهم أو كون دائرة العموم في القاعدة أوسع فيكون تخصيصها أهون بل لما اشرنا اليه من ان التصرف فيها من باب التخصص فانه إذا شمله عموم لا صلوة يعلم بذلك كونه أجنبيا عن تلك المهية و ان زعم أهل العرف كونه من مراتبها و ان شمله القاعدة يلزمه تخصيص العموم و الاول أولى فالأَظهر ما هو المشهور من عدم شرعية الصلوة بلا طهور بل لم يتحقق الخلاف فيه و ان حكاه في المتن قولا في المسألة لكن لم يعرف قائلة عدا ما سمعته من الشيخ من التخيير بين تأخير الصلوة و قضائها و بين فعلها في الوقت و قضائها في خارجه و مرجعه على الظاهر إلى تجويز إيجادها في الوقت من باب الاحتياط و يحتمل رجوعه إلى ما حكى عن نهاية الاحكام من استحباب فعلها في الوقت لحرمة الوقت الخروج من الخلاف ( و فيه ) ان حرمة الوقت لا تصلح ان تكون مشرعة لفعل الصلوة بلا طهور و اما الخروج من شبهة الخلاف فمرجعه إلى الاحتياط و لا بأس به و حكى عن الشيخ المفيد في رسالته إلى ولده انه قال و عليه ان يذكر الله في أوقات الصلوة و لم يتعرض للقضاء فان أراد وجوبه عليه فلم نقف له على مستند و ان أراد استحبابه فلا باس به فان ذكر الله حسن في كل حال فينبغي رعاية الاحتياط به بل لا ينبغي ترك الاحتياط بفعل الصلوة في الوقت و قضائها في خارجه لو لم يتحقق حرمة الصلوة بلاطهور ذاتا كما قد يستظهر ذلك من بعض الاخبار مثل رواية مسعدة بن صدقة ان قائلا قال لجعفر بن محمد ( ع ) جعلت فداك انى امر بقوم ناصبية و قد أقيمت لهم الصلوة و انا على وضوء فان لم ادخل معهم في الصلوة قالوا ما شاؤا ان يقولوا فاصلى معهم ثم اتوضا إذا انصرفت و أصلي فقال جعفر بن محمد عليه السلام سبحان الله فما يخاف من يصلى من وضوء ان تأخذه الارض خسفا و فى شمولها لما يؤتى به من باب الاحتياط و شدة الاهتمام بامر الصلوة نظر بل منع و ( كيف ) كان فان خرج الوقت ثم زال العذر قضى على الاظهر الاشهر بين المتقدمين و المتأخرين كما فى الجواهر بل عن كشف الالتباس نسبته إلى المشهور لعموم ما دل على وجوب قضأ الفوائت من قول الباقر ( ع ) في صحيحة زرارة و متى ذكرت صلوة فاتتك صليتها و فى صحيحته الاخرى اربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة صلوة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها و النبوي المشهور من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته إلى ذلك من الاخبار الواردة في النائم و الساهي و من صلى بغير طهور و غير ذلك فانها و ان لم تكن مسوقة لبيان هذا الكم بل ليس في اغلبها بل في ما عدا النبوي المتقدم إطلاق أو عموم يمكن التمسك به لما نحن فيه لكن يفهم منها و لو بملاحظة المجموع ان وجوب قضأ الفرائض على من لم يأت بها في وقتها كان من الامور المعهودة لديهم كما يفصح عن ذلك التعليلات الواقعة في الاخبار لرفع التكليف بالقضاء عن الحائض و المعنى عليه و نحوه بل لا يبعد ان يقال انه يستفاد من تلك الاخبار ان الامر المتعلق بالصلوة في أوقاتها من قبيل تعدد المطلوب كما اشرنا اليه عند البحث عن تكليف الحائض إذا أدركت من الوقت بمقدار لا يسع للصلوة مع الطهارة فراجع و ( كيف ) كان فلا ينبغى التشكيك في ان مقتضى القاعدة المتلقاة من الشارع وجوب قضأ الفرائض في ما ثبت خلافه فما قيل من انه يسقط الفرض اداء لما عرفت و قضاء للاصل و تبعيته للاداء و للتشبه بالحايض بسقوط صلوة كل منهما بحدث لا يمكن ازالته و لانصراف ادلة القضاء لغيره من الافراد المتعارفة ضعيف لانقطاع الاصل بالدليل و تبعيته لتنجز التكليف بالاداء ممنوعة و الا لم يجب على النائم و الغافل و نحوهما و التشبيه بالحائض قياس مع ان الاخبار الواردة فيها تدل على ان علة سقوط القضاء عنها امور اخر وراء ذلك و اما دعوى الانصراف فهي مجدية بعد ما سمعت من وضوح المناط مع انها بالنسبة إلى مثل النبوي المتقدم مسموعة فان خصوصية الافراد فيه ملحوظة جزما و الا لانصرف عن كثير من الموارد التي يتفق فيها فوت الصلوة بغير الاسباب المتعارفة و هو باطل بديهة فتلخص لك ان الاحوط فعل الفرض اداء و قضاء و لكن القول بسقوطه اداء لا قضاء هو الاشبه و الله العالم ( الرابع ) من الاحكام إذا وجد المتيمم الماء قبل دخوله في الصلوة انتقض تيممه و تطهر به بلا خلاف و لا اشكال كما يدل عليه المعتبرة المستفيضة التي سيمر عليك بعضها مضافا إلى ظهور الادلة من الكتاب و السنة في كون التيمم طهارة اضطرارية للعاجز فإذا طرء القدرة تبدل الموضوع فارتفع اثره فما عن بعض العامة من بقاء اثره بعد وجدان الماء واضح السقوط ثم ان المراد بوجدان الماء في النصوص و الفتاوى هو الماء الذي يتمكن من استعماله عقلا و شرعا لان هذا هو المتبادر في مثل المقام كما انه هو الذي يقتضيه قاعدة طهوريته للعاجز بل المنساق إلى الذهن
(505)
التحقيق في رافعية التيمم للحدث وعدمه
كون ذكره في الفتاوى بل النصوص من باب المثال جريا على الغالب و الا فالمراد به مطلق تجدد القدرة من استعمال الماء بعد التيمم من فرق بين كون المسوغ له فقد الماء أو غيره من الاعذار و يشهد لما ذكرنا من إرادة وجدان الماء الذي يتمكن من استعماله من النصوص و الفتاوى مضافا إلى ما ذكرناه من الانصراف خبر ابى أيوب عن ابى عبد الله عليه السلام المروي عن تفسير العياشي قال التيمم بالصعيد لمن لم يجد الماء كمن توضاء من غدير ماء أ ليس الله يقول فتيمموا صعيدا طيبا قال قلت فان أصاب الماء و هو في اخر الوقت قال فقال قد مضت صلوته قال قلت له فيصلى بالتيمم صلوة اخرى قال إذا راى الماء و كان يقدر عليه انتقض التيمم فانه يدل على عدم الانتقاض لو لم يقدر عليه فلا عبرة بما إذا وجد ماء لم يجز له استعماله لمانع عقلي أو شرعي كتضرره به أو كونه مغصوبا او ضاق الوقت عن استعماله بل و كذا لو جاز له الاستعمال و لكن قصر زمان القدرة عليه عن التطهر به بان لم يتمكن الا من بعض الغسل أو الوضوء مثلا فانه لا يعتد بذلك حيث لا يندرج به في موضوع القادر فما عن بعض المتأخرين من الميل إلى كون وجدان الماء ناقضا مطلقا اغترارا بما يترائى من إطلاق النصوص و الفتاوى المسوقة لبيان حكم اخر مع انصرافها إلى إرادة الماء الذي يتمكن من التطهر به ضعيف فالمدار في الانتقاض انما هو على القدرة على الطهارة المائية لا مجرد وجدان الماء نعم إذا وجد الماء بني بمقتضى ظاهر الحال على انتقاض تيممه فإذا ظهر قصور زمان التمكن عن الفعل انكشف خلافه لكن لو تمكن عند وجدان الماء من حفظه و التطهر به فقصر في ذلك إلى ان زالت القدرة فقد خرج من الفرض و اندرج في موضوع القادر الذي عرفت حكمه من انتقاض تيممه فعليه ان يتيمم ثانيا بعروض العجز عند تنجز التكليف بشيء من غاياته كما يدل عليه الخبر المتقدم و لا فرق في انتقاض التيمم بتجدد القدرة بين كونها بعد دخول وقت الصلوة أو قبله كما إذا تيمم قبل الوقت لغاية ثم تمكن من استعمال الماء قبل ان يدخل وقت الصلوة فلم يستعمل حتى طرء العجز فعليه ان يتيمم بعد الوقت لصلوته سواء كان طرق العجز قبل دخول وقتها أو بعده لما عرفت من ان القدرة على استعمال الماء تزيل اثر التراب لكونه طهورا للعاجز و قد ارتفع العجز فلا طهارة و عجز عن الوضوء أو الغسل لخصوص الغاية التي لم يدخل وقتها بناء على بطلانه بهذا القصد لا يجعله متمكن منه مطلقا حتى يبقى اثر تيممه فان له فعلهما لساير الغايات فلا يكون عاجزا عن الطهارة المائية حتى يكون التراب طهورا له نعم قد يتوهم ذلك بالنسبة إلى ما قبل الوقت فيما لو عرضه مانع من فعلهما لغاياتهما المستحبة كما لو نهاه السيد أو الوالد عن استعمال الماء فانه يوجب حرمته قبل تنجز التكليف بشيء من غاياته الواجبة فيكون قبل دخول الوقت عاجزا عن استعماله شرعا فلا ينتقض به تيممه كما لو وجد ماء مغصوبا و يدفعه بعد تسليم تأثير مثل هذه النواهي في اندراجه في موضوع العاجز الذي يشرع له التيمم حدوثا و بقاء مع ما فيه من الاشكال ما عرفت عند البحث عن اراقة الماء قبل الوقت من عدم الفرق في وجوب المقدمة المنحصرة بين كونه قبل الوقت و بعده فكما لا أثر لنهي السيد عن الوضوء بعد الوقت كذلك لا اثر له قبله بعد فرض انحصار قدرته فيه و كونه مكلفا بإطاعة السيد في ظاهر تكليفه عند عدم علمه بعدم الانحصار لا يجعله مندرجا في موضوع العاجز الذي شرع له التيمم نظير من كان واجدا للماء و هو يعتقد عجزه عنه و قد عرفت في محله خروجه من الموضوع الذي ثبت له التيمم فراجع و ان وجده اى الماء بعد الفراغ من الصلوة لم يجب الاعادة كما عرفته فيما سبق مفصلا و ان وجده و هو في الصلوة قيل يرجع ما لم يركع في الركعة الاولى حكى هذا القول عن واحد من القدماء و جماعة من المتأخرين و يدل عليه صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام قال قلت فان أصاب الماء و قد دخل في الصلوة قال فلينصرف و ليتوضأ ما لم يركع فان كان و قد ركع فليمض في صلوته فان التيمم احد الطهورين و خبر عبد الله بن عاصم قال سئلت أبا عبد الله ( ع ) عن الرجل لا يجد الماء فيتمم و يقوم في الصلوة فجاء الغلام فقال هو ذا الماء فقال ان كان لم يركع فلينصرف و ليتوضأ و ان كان قد ركع فليمض في صلوته و قيل يمضى في صلوته مطلقا و لو تلبس بتكبيرة الاحرام حسب نسب هذا القول إلى المشهور و يدل عليه خبر محمد بن حمران عن ابى عبد الله عليه السلام قال له رجل تيمم ثم دخل في الصلوة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلوة قال يمضى في الصلوة و اعلم انه ليس ينبغى لاحد ان يتيمم الا في اخر الوقت و صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن ابى جعفر ( ع ) قال قلت في رجل لم يصب الماء و حضرت الصلوة فتيمم وصلى ركعتين ثم أصاب الماء أ ينقض الركعتين أو يقطعهما و يتوضأ ثم يصلى قال لا و لكنه يمضى في صلوته و لا ينقضها المكان انه دخلها و هو على طهر بتيمم فان التعليل يقتضى وجوب المضي في الصلوة مع الدخول فيها و لو بتكبيرة الاحرام و الذى يقتضيه الجمع بين الروايات اما تقييد الخبرين الاخيرين بما إذا دخل في الصلوة و ركع جمعا بينها و بين الخبرين الاولين كما التزم به أرباب القول الاول أو حمل الامر بالانصراف و الوضوء ما لم يركع على الاستحباب و لعل هذا هو الاظهر في مقام الجمع من تقييد الروايتين فان الاخيرة منهما و هي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم و ان لم يبعد التصرف فيها بالتقييد بحملها على إرادة
(506)
انه دخلها دخولا يعتد به و هو الدخول البالغ حد الركوع لكن ارتكابه في رواية محمد بن حمران في غاية البعد فان الامر بالمضي من استفصال مع إطلاق السوأل بل ظهوره في إرادة الاخذ في الدخول اى أول اناته باعتبار وقوع التعبير عنه بلفظ المضارع يجعله في غاية الظهور في إرادة ما يعم قبل الركوع بل ربما يدعى كونه نصا في ذلك كما يشعر بذلك ما حكى عن المصنف في المعتبر بعد ذكره لهذه الرواية و رواية عبد الله بن عاصم انه قال و رواية ابن حمران ارجح من وجوه منها انه أشهر في العلم و العدالة من عبد الله بن عاصم و الا عدل مقدم و منها انه اخف و أيسر و اليسر مراد الله تبارك و تعالى و منها ان مع العمل برواية محمد يمكن العمل برواية عبد الله بالتنزيل على الاستحباب و لو عمل بروايته لم يكن لرواية محمد محمل انتهى و نظير هذه الرواية في الاباء عن التقييد ما عن الفقة الرضوي فإذا كبرت في صلوتك تكبيرة الافتتاح و اتيت بالماء فلا تقطع الصلوة و لا تنقض تيممك و امض في صلواتك و يقرب منهما المرسل المحكي عن جمل المرتضى قال و روى انه إذا كبر تكبيرة الاحرام مضى فيها فالإِنصاف ان ارتكاب التقييد في مثل هذه المطلقات و تقديمه على سائر أنحاء التصرفات التي أهونها حمل الامر على الاستحباب جمود على ما يقتضيه الصناعه من ان يساعد عليه الفهم العرفي بلا لا يبعد دعوى الجزم بعدم إرادة المعنى المقيد من هذه المطلقات كما يؤيده فهم المشهور و الا فليس قاعدة حمل المطلق على المقيد مما يختفى عليهم و أبعد من ذلك توجيه رواية ابن حمران بتنزيلها على إرادة التيمم في ضيق الوقت المنافى للانصراف و التطهير لدلالة ذيلها على اعتبار وقوع التيمم في اخر الوقت و فيه ما لا يخفى بعد وضوح عدم اعتبار هذه المرتبة من الضيق في صحة التيمم و كون المراد باخر الوقت اخره عرفا مع ما عرفت في محله من كونه على سبيل الاستحباب لا الوجوب و نظير هذا التوجيه في الضعف توجيه الخبرين المفصلين بين اصابة الماء بعد دخوله في الصلوة قبل الركوع و بعده بحملها على ان المراد بالدخول في الصلوة الشروع في مقدماتها كالاذان و بقوله ما لم يركع ما لم يتلبس بالصلوة و بقوله و ان كان قد ركع قبل دخوله فيها إطلاقا لاسم الجزء على الكل و لا يخفى ما فيه من البعد و شدة المخالفة للظاهر فالمتعين اما حمل الامر بالانصراف و التوضى في الخبرين على الاستحباب أو الرجوع إلى المرجحات السندية كما اشار إليهما المصنف في عبارته المتقدمة و الظاهر ان صحيحة زرارة ارجح من رواية محمد من حيث السند لكن المصنف لم يوردها في عبارته المتقدمة فكانه غفل عنها و كيف كان فانما يحسن الرجوع إلى المرجحات على تقدير عدم إمكان الجمع و هو ممكن بالحمل على الاستحباب فهو الاولى كما حكى عن المبسوط و الاصباح و ظاهر المنتهى الجزم بذلك بل عن التذكرة و نهاية الاحكام قرب استحباب النقض و الطهارة المائية مطلقا و لو بعد الركوع لكن قد يتوهم التنافي بين بقاء اثر التيمم و جواز النقض فضلا عن استحبابه نظرا إلى كونه طهورا للعاجز و لا عجز مع جواز القطع و تمكنه من استعمال الماء و يدفعه عدم اناطة شرعية التيمم حدوثا و بقاء بالعجز العقلي بل المدار على كون المتيمم معذورا بعذر مقبول عند الشارع و قد قبل الشارع دخوله في الصلوة عذرا له في عدم استعمال الماء اما رعاية لحرمة الصلوة المنافية للانصراف عنها الا بالتسليم الذي جعله الشارع تحليلا لها أو ارفاقا بالمكلف و تسهيلا عليه حيث لم يوقعه في كلفة الاعادة و استيناف الصلوة إلى ذلك مما لا ينافي جواز القطع بل استحبابه لتحصيل الفرد الاكمل و من هنا قد يقوى في النظر قرب ما عن التذكرة و نهاية الاحكام من استحبابه مطلقا بدعوى ورود الامر بالمضي في الاخبار المطلقة و المقيدة بما بعد الركوع مورد توهم الخطر فلا يفهم منه ازيد من الجواز كما انه هو الذي يقتضيه الجمع بين هذه الاخبار و بين ما رواه الحسن الصيقل قال قلت لابى عبد الله ( ع ) رجل تيمم ثم قام يصلى فمر به نهر و قد صلى ركعة قال فليغتسل و ليستقبل الصلوة قلت انه قد صلى صلوته كلها قال لا يعيد و ما رواه زرارة عن ابى جعفر ( ع ) قال سئلته عن رجل صلى ركعة على تيمم ثم جاء رجل و معه قربتان من ماء قال يقطع الصلوة و يتوضأ ثم يبنى على واحدة لكن الاقوى خلافه فان دعوى قصور الاخبار الا مرة بالمضي عن افادة الوجوب بعد مغروسية حرمة قطع الصلوة و كون النقض منافيا لاحترامها في اذهان المتشرعة مسموعة خصوصا بالنسبة إلى الروايتين المفصلتين التين وقع التعبير فيهما بانه ان لم يركع فلينصرف و ان كان قد ركع فليمض فان حمل مثل هذين الامرين على مجرد بيان الجواز افراط في التأويل بل ظاهرهما الوجوب و غاية ما يمكن التأويل فيهما بواسطة الجمع الذي هو أولى من الطرح انما هو الحمل على الاستحباب كما قويناه في الفقرة الاولى و اما الحمل على مجرد الجواز المجامع لمرجوحية الفعل فهو في غاية البعد خصوصا بعد حمل الفقرة الاولى على الاستحباب فان التفصيل يقطع الشركة و بهذا ظهر لك ان الخبرين الذين استشهدنا بهما للجمع لا ينهضان لذلك بل هما معارضان للاخبار الا مرة بالمضي لوضوح المناقضة بين الامر بالمضي و الانصراف فالمتعين طرح الخبرين مع قصورهما في حد ذاتهما من حيث السند و اعراض الاصحاب عنهما و تنافى مفاديهما و موافقتهما للعامة على ما قيل فلا تنهضان للحجية فضلا عن المعارضة فلو سلم قصور الاخبار الا مرة بالمضي عن افادة الوجوب
(507)
لكفى في ذلك استصحاب حرمة القطع فالأَظهر وجوب المضي بعد ان ركع و جوازه قبله و لكن الافضل بل الاحوط هو الانصراف ما لم يركع و أحوط منه الاتمام ثم الاعادة و ربما يتمسك لوجوب المضي مطلقا بعد التلبس بتكبيرة الاحرام بعموم ما دل على حرمة قطع الصلوة و استصحاب الصحة و أصالة البرائة عن كلفة الاعادة و استصحاب الطهارة السابقة الثابتة بما دل على شرعية التيمم المقتصر في تخصيصها على ما إذا وجد الماء قبل الدخول في الصلوة إلى ذلك مما لا ينبغي الالتفات إلى شيء منها بعد استفاضة الاخبار الواردة عليها مع ما في جلها بل كلها من النظر بل لو لا الادلة الخاصة لكان مقتضى القاعدة المتلقاة من الشرع من كون التيمم طهارة اضطرارية مضافا إلى إطلاق ما دل على كون وجدان الماء كالحدث رافعا لاثره انما هو انتقاضه بطرق القدرة مطلقا من فرق بين كونه في اثناء الصلوة و عدمه و مقتضاه انقطاع الصلوة بسببه فلا يبقى حينئذ مجال لتوهم شيء من المذكورات لكن الاخبار الخاصة الحاكمة على القواعد العامة اغنانا عن أطناب الكلام في النقض و الابرام في تشخيص الاصول الحاكمة و تقرير ما ادعيناه من القاعدة ثم ان في المسألة أقوالا اخر لا يساعد على شيء منها دليل يعتد به منها ما عن ابن الجنيد انه قال ان وجد الماء بعد دخوله في الصلوة قطع ما لم يركع الركعة الثانية فان ركعها مضى في صلوته فان وجده بعد الركعة الاولى و خاف من ضيق الوقت ان يخرج ان قطع رجوت ان يجزيه ان لا يقطع صلوته فاما قبله فلا بد من قطعها مع وجود الماء انتهى و لعل نظره في هذا التفصيل إلى الجمع بين مجموع الاخبار بتخصيص ما دل على المضي مطلقا بالخبرين المفصلين و الجمع بين جميعها و بين ما يعارضها إلى الخبرين الواردين فيمن صلى ركعة الظاهرين في القطع مطلقا بحمل كل من المتعارضين على ما هو القدر المتيقن ارادته منه و هو في الخبرين خصوص موردهما و هو قبل الركوع في الركعة الثانية لكن في فرض الضيق الذي يظن عدم ارادته من إطلاقهما و بالنسبة إلى ساير الاخبار ما بعده و الله العالم و ( منها ) ما عن سلار من الانصراف قبل دخوله في القرائة و عدمه بعده و لعل مخالفته مع المشهور في تشخيص مفهوم الدخول في الصلوة فكانه راى ان التكبيرة افتتاحها و ان الدخول فيها يتحقق بالاخذ في سائر الاجزاء التي أولها القرائة و منها ما حكاه في محكي الذكرى عن ابن حمزة في الواسطة مستغربا منه و هو انه إذا وجد الماء بعد الشروع و غلب على ظنه عدم ضيق الوقت لو قطع و تطهر وجب عليه ذلك و ان لم يمكنه ذلك لم يقطعها إذا كبر و قيل يقطع ما لم يركع و هو محمول على الاستحباب انتهى و لعل مبناه فساد التيمم الواقع في السعة عنده فإذا غلب على ظنه التمكن من التطهير و الصلوة في وقتها علم فساد تيممه فعليه القطع فمورد اخبار الباب عنده انما هو فيها إذا دخل في الصلوة بتيمم صحيح بان كان واقعا في ضيق الوقت فعمل بإطلاق ما دل على المضي كما عن المشهور و حمل ما دل على القطع قبل الركوع على الاستحباب كما التزم به أو احتمله كل من تصدى لتوجيهه من القائلين بمقالة المشهور و لا غرابة في التزامه باستحباب القطع مع فرض الضيق بعد مساعدة الدليل لامكان ان يكون ما يدركه من صلوته في الوقت مع الطهارة المائية ارجح لدى الشارع من إيقاع تمام صلوته في الوقت مع التيمم لكن الغريب التزامه باعتبار هذه المرتبة من الضيق في صحة التيمم و تجويزه دخوله في الصلوة بالتيمم بل مضية فيها ان لم تجد الماء في الا ثناء و هو في حال لو وجد الماء لغلب على ظنه التمكن من الطهارة و الصلوة كما هو المنساق إلى الذهن في موضوع فرضه أللهم الا ان يلتزم بكفاية إحراز الضيق عند إرادة التيمم و الصلوة بنحو من المسامحة العرفية و لزوم مراعاته على سبيل التحقيق عند وجدان الماء كما لا يخلو عن وجه و ( كيف ) كان فقد ظهر لك بما اشرنا اليه انفا من ان مقتضى القاعدة انتقاض التيمم بالتمكن من استعمال الماء مطلقا في ما ثبت خلافه حكم الطواف من ان المتجة انتقاض التيمم بوجدان الماء في أثنائه كوجدانه قبله من فرق بين الواجب منه و المندوب و التشبيه له بالصلوة منصرف إلى غيره كما ان المتجة انتقاض تيمم الميت بالتمكن من تغسيله قبل الدفن و ان صلى عليه كما عرفته في محله و هل تعاد صلوته فيه تردد و الاشبه انها لا تعاد و لو وجده في اثناء الصلوة قطعها و ان كان الاحوط إتمامها ثم الاعادة بعد التغسيل و الله العالم و هل يختص جواز المضي في الصلوة عند وجدان الماء بالفريضة ام يعم النافلة ايضا وجهان أوجههما الاول لانصراف ما دل على الجواز من النصوص و الفتاوى إلى الفريضة و الله العالم ( الخامس ) المتيمم يستبيح ما يستبيحه المتطهر بالماء و ليعلم ان النظر في هذه المسألة يقع من جهات جميعها مقصوده بالحكم منها عدم اختصاص اثر التيمم باستباحة الغايات التي اضطر إلى فعلها مثل الصلوة المفروضة المؤقتة التي لا سبيل له الا إلى إيجادها مع التيمم بل يستباح به جميع الافعال التي تكون الطهارة شرطا لصحتها كالصلوة نافلة كانت ام فريضة أو لكمالها كقرائة القرآن أو لجوازها كمس المصحف و لبث الجنب و الحائض في المسجد فالضرورة المعتبرة في التيمم ملحوظة بالنسبة إلى اثره بان يكون طهوريته مقصورة على مواقع الاضطرار إلى الطهارة و منها انه إذا تيمم لغاية يستباح به ساير غاياته و ان لم يقصدها و لم يضطر إلى
(508)
عدم انتقاض التيمم بخروج الوقت
انتقاض التيمم بالتمكن من الماء
فعلها بمعنى انه إذا تيمم بدلا من غسل يكون ما دام بقاء المسوغ بحكم المغتسل بذلك الغسل و لو تيمم من الوضوء يكون بمنزلة ما لو توضاء وضوء صحيحا مبيحا لغاياته و منهما انه يستباح بالتيمم كل غاية مشروطة بالطهور بمعنى انه يجوز فعله للتوصل إلى كل غاية من غاياته بان يتيمم مثلا لمس المصاحف أو اللبث في المساجد فكما يستباح بفعله جميع الغايات و ان لم يضطر إلى فعلها كذلك له فعله لاستباحه تلك الغايات فلا يتوقف صحته على ما إذا وجد لغاية خاصة من صلوة و نحوها كما توهمه بعض و ملخص الكلام في المقام ان الشارع جعل التراب طهورا لمن لم يجد الماء اى عجز عن استعماله كما جعل الماء طهورا لمن قدر عليه بمعنى انه جعل التراب للعاجز بمنزلة الماء للقادر و يتفرع عليه جميع الاحكام المذكورة من استباحة جميع الغايات بالتيمم و شرعية التيمم للجميع و استباحة الجميع بفعله للبعض فمتى تحقق العجز عن الاستعمال اندرج المكلف في الموضوع الذي شرع له التيمم فجاز له التطهر به لاي غاية احب و لو للتجديد أو الكون على الطهارة و توهم عدم كونه مفيدا للطهارة و الا لم ينتقض بوجدان الماء فلا يشرع له قصده قد عرفت دفعه في محله فلا يتوقف شرعية التيمم بعد تحقق العجز الا على مطلوبية الطهور سواء كان لذاته أو لشيء من غاياته واجبة كانت ام مندوبة و متى تطهر به لشيء من الغايات فقد حصلت الطهارة و استبيح له جميع ما يتوقف على الطهور و الا للزم اما ان لا يكون التيمم طهورا له أو لا يكون الطهارة لتلك الغاية مطلوبة منه فيفسد لذلك أو يتخلف اثر الطهارة عنها و الاخير باطل بالبديهة و الثاني ينافيه إطلاق مطلوبية الغاية و محبوبية الطهور و الاول خلاف الفرض و يشهد للمدعى اعنى كونه طهورا للعاجز بمنزلة الماء للقادر قوله تعالى بعد شرع التيمم لمن لم يجد الماء و ما جعل عليكم من حرج و لكن يريد ليطهركم و قول ابى عبد الله عليه السلام في صحيحة حماد هو بمنزلة الماء و فى الصحيح لمحمد بن حمران و جميل ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا و فى خبر ابى أيوب المروي عن تفسير العياشي التيمم بالصعيد لمن لم يجد الماء كمن توضأ من غدير ماء أ ليس الله يقول فتيمموا صعيدا طيبا و يؤيده قول النبي صلى الله عليه و اله في خبر السكوني لابى ذر يكفيك الصعيد عشر سنين و فى خبر اخر الطيب طهور المسلم ان لم يجد الماء عشر سنين و فى ثالث التراب طهور المسلم و لو إلى عشر سنين و قوله صلى الله عليه و آله في الاخبار المستفيضة الواردة في مقام الامتنان جعلت لي الارض مسجدا و طهورا و قول ابى جعفر ( ع ) في الصحيح لزرارة فان التيمم احد الطهورين إلى ذلك من الاخبار الدالة على ان التراب طهور و انه احد الطهورين و ان ربه رب الماء و عن الفقة الرضوي ان التيمم غسل المضطر و وضوئه و عنه ايضا بعد بيان صفة التيمم للوضوء و الجنابة و ساير أبواب الغسل فهذا هو التيمم و هو الوضوء التام الكامل في وقت الضرورة إلى ذلك من الشواهد و المؤيدات التي لا يبقى معها مجال للتشكيك في ان الله تعالى من على عباده بان جعل لهم التراب طهورا ما لم يجدوا ماء فمتى استحب تحصيل الطهور لذاته أو لشيء من غاياته أو وجب جاز لمن لم يجد الماء تحصيله بالتراب و لعمري ان المسألة من الواضحات التي لا ينبغي إطالة الكلام فيها و إثبات كونها بعمومها إجماعية أو كون بعض جزئياتها موردا للخلاف نعم يشكل الامر في مواقع منها انه هل يجوز التيمم بدلا من الوضؤات الغير الرافعة كوضوء الجنب و الحائض او الاغسال المستحبة ام لا وجهان قد يقوى في النظر جوازه بدلا من الوضوءات المستحبة لاطلاق قوله ( ع ) التيمم بالصعيد لمن لا يجد الماء كمن توضأ من غدير ماء هذا مع قوة احتمال كون الوضوء في حد ذاته طبيعة واحدة فائدتها الطهور و هي تختلف بحسب الموارد من حيث قابلية المحل و عدمها و اما الاغسال المسنونة فيشكل فيها ذلك و ان اقتضاه إطلاق قوله ( ع ) في الرضوي التيمم غسل المضطر و وضوئه و عموم المنزلة في صحيحة حماد هو بمنزلة الماء فان المتبادر منه كونه بمنزلة في التوضى و الاغتسال لكن لا يبعد دعوى انصرافها عما لا يرفع الحدث خصوصا بملاحظة كون الحكمة في شرع بعضها التنظيف مع ان من المستبعد جدا جواز التيمم بدلا من غسل الجمعة و لم يشر اليه في شيء من الاخبار المسوقة لبيان حكم من لا يتمكن من الاغتسال يوم الجمعة من تقديم الغسل يوم الخميس و قضائه يوم السبت إلى ذلك من المواقع المناسبة للتنبيه عليه فالأَظهر عدم شرعيتة بدلا من الاغسال المسنونة و لو على القول بالاجتزاء بها عن الوضوء و الله العالم و منها انه هل يستباح الوطي بالتيمم الذي يقع بدلا من غسل الحيض بناء على حرمته قبل الاغتسال أو تزول كراهته على القول بها فيه اشكال بناء على انتقاض كل تيمم بمطلق الحدث لان حصول مسمى الوطي ينافى بقاء اثره حتى يستباح به الوطي الا ان يدعى ان المستفاد من الادلة ليس الا المنع من الوطي قبل التطهر بمعنى اعتبار طهارتها عند إيجاد الوطي لا استمرارها حاله أو يتمسك لاستباحتة بالتيمم بما يدل عليها بالخصوص لا بالادلة العامة و قد تقدم تحقيقه في محله و منها انه إذا تيمم لضيق الوقت عن الصلوة مع الطهارة المائية فلا شبهة في انه لا طهارة له بعد انقضاء صلواته التي ضاق وقتها و اما ما دام متشاغلا بفعل الصلوة و مقدماتها فهل له الاتيان بسائر الغايات التي لم يتضيق أوقاتها ام لا فيه
(509)
جواز صلوة الجنازة مع التيمم
استحباب التيمم للنوم
جواز التيمم لمن لا يقدر على الطهارة المائية
وجهان من ان العجز عن الطهارة المائية اخذ قيدا في موضوعية الموضوع فهو جهة تقييدية لا تعليلية فالتيمم لضيق الوقت عاجز عن الطهارة المائية لصلوة ضاق وقتها لا مطلقا فهو بالمقايسة إلى سائر الغايات متمكن من الطهارة المائية خصوصا إذا لم يكن الاشتغال بالوضوء أو الغسل في خلال الصلوة منافيا لصورتها و من ان العجز في الجملة اثر في شرعية التيمم فمتى تيمم فقد فعل احد الطهورين و حصلت الطهارة فله الاتيان بجميع ما هو مشروط بالطهور و هذا هو الاقوى فان كون الجهة تقييدية لا يؤثر في إمكان اتصاف المكلف في زمان واحد بكونه متطهر أو متطهر فهو بعد ان فعل احد الطهورين متطهر و الا لم يجز له فعل الصلوة و متى كان متطهرا جاز له فعل الجميع و الا لتخلف اثر الطهارة عنها أو لزم ان لا يكون الطهارة من حيث هى شرطا لها و الثاني خلاف ما يقتضيه الادلة و الاول باطل بالضرورة نعم لو كان اثر التيمم مجرد رفع المنع من فعل الغايات لا الطهارة لامكن التفكيك بينها لكنك عرفت في محله ان الحق خلافه فتحقق انه متى استبيح فعل الصلوة استبيح ساير الغايات لا يقال انه إذا تيمم عند الضيق و ترك الصلوة عصيانا للزم ان يباح له ما دام في الوقت ساير الغايات كما ابيح له الصلوة و هذا مما يقطع ببطلانه لانا نقول انما يصح منه التيمم على تقدير إتيانه بالصلوة التي ضاق وقتها لا مطلقا لا لاختصاص وجوب المقدمة و صحتها بموصلتها كما قد يتوهم بل لان التيمم لا يصح الا ممن عجز عن استعمال الماء و لا يعجز عن ذلك الا على تقدير إتيانه بالصلوة في الوقت و لا مدخلية لايجاب الصلوة عليه في وقتها في عجزه عن الطهارة المائية و انما المؤثر فيه إمتثاله لهذا الواجب فان كان المكلف اتيا بالصلوة في وقتها فهو عاجز و الا فلا فصحة تيممه مراعاة بفعل الصلوة بعده فإذا فعلها كشف عن كونه عاجزا عن الوضوء و الغسل و الا انكشف فساد تيممه و بعبارة اخرى التيمم طهور لمن كان معذورا في استعمال الماء و انما يعذر في ذلك لو صلى بتيممه و اما العاصي بترك الصلوة فلا يقبل الاعتذار منه بوجوب الصلوة عليه و عدم قدرته على فعلها مع الطهارة المائية كما هو واضح و قد تقدم في صدر الكتاب عند البحث عن وجوب المقدمة مع اشتراطه بالقدرة على الاتيان بذيها و كذا فيما نبهنا عليه بعد ذكر مسوغات التيمم من التعرض لبيان بطلان الوضوء المتوقف على مقدمة محرمة و صحته عند مزاحمته لواجب أهم و كذا في ساير المقامات المناسبة ما يزيل بعض الشبهات المتوهمة في المقام فليتأمل ( السادس ) إذا اجتمع ميت و محدث بالاصغر و جنب و معهم من الماء ما يكفى أحدهم فان كان ملكا لاحدهم اختص به و حرم على غيره تناوله من رضاه فان كان المالك هو الميت تعين صرفه أوفى تغسيله و ليس لوارثه السماحة به فان الميت أولى بماء غسله من وارثه و ان كان غيره فهل له إيثاره على نفسه بتقديم الميت أو صاحبه مع مابه من الحاجة لصرفه في رفع حدثه مقدمة لصلوته الواجبة عليه وجهان صرح واحد بعدم الجواز نظرا إلى عدم اجتماع وجوب التطهير به مع جواز بذله للغير و ربما بعدوا عن الفرض إلى ما لو كان مباحا مملوك لهم فاوجبوا الاستباق و مزاحمة الغير مقدمة للواجب خلافا لظاهر المتن في هذه الصورة قال في المدارك فان كان ملكا لاحدهم اختص به و لم يكن له بذله لغيره مع مخاطبته باستعماله لوجوب صرفه في طهارته و لو كان مباحا وجب على كل من المحدث و الجنب المبادرة إلى حيازته فان سبق اليه أحدهما و حازه اختص به و لو توافيا دفعة اشتركا و لو تغلب أحدهما اثم و ملك انتهى و ظاهره كصريح جملة ممن تأخر عنه اختصاص المنع و المزاحمة بما إذا تنجز التكليف بالصلوة بان دخل وقتها بناء منهم على عدم وجوب المقدمة قبل دخول وقت ذينها و قد عرفت في صدر الكتاب و عند البحث عن حرمة اراقة الماء قبل الوقت و كذا عند التكلم في عدم جواز التيمم قبل الوقت فساد هذا المبني فلو تم دليل الحرمة لاقتضى عمومها لما قبل الوقت ايضا و لذا التزمنا بوجوب تحصيل المقدمات المنحصرة للواجبات المؤقتة قبل أوقاتها و الاقوى جواز البذل في المملوك و التخلية بين الماء و بين صاحبه في المباح نعم ما دام واجدا للماء او متمكنا من استعماله لا يجوز له التيمم لنا على الجواز اما مع رجاء اصابة الماء فواضح بعد ما عرفت في محله من عد وجوب حفظ الماء الا على تقدير العلم بفوت الطهارة المائية بإتلافه و اما مع العلم بعدم الاصابة فلان غاية ما أمكننا إثباته في ما تقدم بعد التشبث بذيل الاجماع و نحوه من الادلة اللبية انما هى حرمة تفويت التكليف بالطهارة المائية بإراقة الماء و نحوها مما يعد في العرف فرارا من التكليف و مسامحة في امره و اما حرمة صرف الماء في مقاصده العقلائية من مأكله و مشربه و الانفاق على صديقه و دابته و غيرها من الاغراض العقلائية التي من أهمها احترام موتاهم بتغسيلها فلا بل لا يبعد الالتزام بجواز التيمم و حفظ الماء رعاية لاحترام الميت فضلا عن جواز صرفه فيه ثم التيمم بعد صيرورته فاقدا للماء فان الله تعالى من على عباده بان وضع عليهم الامر فجعل لهم التراب طهورا كما جعل الماء طهورا لان لا يقعوا في الضيق و كلفة حفظ الماء بتحمل المشاق و منافيات الاغراض فاباح لهم ان يتعمدوا بالجنابة مع علمهم بعدم اصابة الماء كما عرفت عدم الخلاف فيه و شهادة النص عليه مع ان التأمل في الادلة لا يكاد يرى له خصوصية و انما المناط في جوازه إبتناء امر التيمم على التوسعة لا التضييق و ملخص الكلام ان الصلوة
(510)
* في النجاسات * نجاسة البول والغائط مما لايؤكل لحمه
الواجبة لا تتوقف الا على مطلق الطهور الذي يحصل بالتراب على تقدير فقد الماء و انما أوجبنا حفظ الماء و التزمنا بحرمة إراقته في الجملة لبعض الادلة اللبية القاصرة عن شمول مثل الفرض فليتأمل و يدل على المدعى مضافا إلى ما عرفت صحيحة عبد الرحمن بن نجران سئل ابا الحسن موسى بن جعفر ( ع ) عن ثلاثة نفر كانوا في سفر جنب و الثاني ميت و الثالث على وضوء و حضرت الصلوة و معهم من الماء قدر ما يكفى أحدهم من يأخذ الماء و كيف يصنعون قال يغتسل الجنب و يدفن الميت بتيمم و يتيمم الذي هو على وضوء لان غسل الجنابة فريضة و غسل الميت سنة و التيمم للاخر جايز فان مقتضى ما زعموه من إطلاق وجوب الطهارة المائية مقدمة للصلوة التي حضر وقتها المقتضى لحرمة البذل على تقدير الكفاية و وجوب المبادرة و التملك في المباح طرح الصحيحة مع صحتها و عمل الاصحاب بها لان الماء الموجود معهم ان كان ملكا لاحدهم لم يجزله بذله للغير على الفرض و ان كان ملكا لهم جميعا وجب على كل من المحدث و الجنب السعي في تملك حصة صاحبيه ببيع و نحوه و لو بالعزم على عدم تمليك الاخر و إظهاره له حتى يئس منه فيعطيه سهمه أو يشترى المحدث سهم الميت فيضمه إلى سهمه و يتوضأ بهما أو يصبر إلى اخر الوقت بحيث لم يتمكن الجنب من الاغتسال و ادراك الصلوة في وقتها فيعطيه سهمه إلى ذلك من أنحاء المعالجات التي يتمكن معها المحدث من الوضوء بل قلما يتفق قصور سهم المحدث من الماء الذي يكفى لغسل الميت و الجنب عن ان يتوضا به و لو بمثل الدهن ففرض مشاركة المحدث معهم في الماء و عدم قدرته من الوضوء من سهمه أو مع ما يتمكن من تحصيله من سهم الميت و غيره فرض لا يكاد يتحقق موضوعه حتى يحمل الصحيحة عليه و كذا لو كان الماء الثالث أو كان مباحا لا مالك له أو كان مع مالك يسمح ببذله مجانا من منة فانه يجب في جميع هذه الفروض ايضا بمقتضى الفرض على كل منهما السعي في تحصيله بشراء و نحوه فان تملكه أحدهما وجب عليه استعماله و ان تملكاه دفعة اندرج في الفرض السابق الذي عرفت انه لا يصح حمل الصحيحة عليه هذا مع ان مثل هذه الفروض خارج من منصرف السوأل فضلا عن ان يحمل إطلاق الجواب مع ترك الاستفصال عليه فان المتبادر من قول السائل و معهم من الماء قدر ما يكفى أحدهم اما كون الماء لهم جميعا أو كونه لبعضهم و لكن الماء لابتذاله و عدم كون المقصود بتملكه الا قضأ حوائجهم لم يضف إلى خصوص مالكه أو كونه مدخر لقضاء حوائجهم من ان يقصدوا به التملك فان قلنا بصيرورته في مثل الفرض ملكا للجميع أو لخصوص من حازه فقد عرفت حكمه و ان قلنا ببقائه على الاباحة الاصلية فيتبع إنائه بمعنى ان لمالكه منع الغير من التصرف فيه و كيف كان فلا يكاد يتحقق فرض لم يتمكن فيه المحدث من ان يتوضأ بعد فرض كونه صاحب حق و بنائه على المداقة في استيفاء حقه فالأَظهر عدم وجوب المداقة و جواز البذل فالأَولى رعاية ما يقتضيه حسن المعاشرة من تقديم ما هو الاحوج و عدم ملاحظة حق الاختصاص و الملكية بالنسبة إلى الماء الذي بناء امره على التوسعة فيما بين الاصدقاء في الاسفار و غيرها فالأَفضل تخصيص الجنب به كما يدل عليه الصحيحة المتقدمة و لو اجتمع جماعة محدثون بالاصغر و جنب و معهم من الماء ما يكفى اما لغسل الجنب أو لوضوء من عداه لا يبعد أولوية رعاية حق الجماعة كما يشهد له خبر ابى بصير قال سئلت الصادق عليه السلام عن قوم كانوا في سفر فأصاب بعضهم جنابة و ليس معهم من الماء الا ما يكفى الجنب لغسله يتوضون هم هو افضل او يعطون الجنب فيغتسل و هم لا يتوضؤن فقال يتوضؤن هم و يتيمم الجنب و يدل على أولوية تقديم غسل الجنب على الميت مضافا إلى الصحيحة المتقدمة خبر الحسين بن النضر الارمنى قال سئلت أبا الحسن الرضا ( ع ) عن القوم يكون في السفر فيموت منهم ميت و معهم جنب و معهم ماء قليل قدر ما يكفى أحدهما أيهما يبدء به قال يغتسل الجنب و يدفن الميت لان هذا فريضة و هذا سنة و خبر الحسن التغلبي قال سئلت أبا الحسن ( ع ) عن ميت و جنب اجتمعا و معهما ماء يكفى أحدهما أيهما يغتسل قال إذا اجتمعت سنة و فريضة بدء بالفرض و قيل يختص به الميت لكن في المدارك و غيره لم يعرف قائله و يشهد له ما رواه محمد بن على عن بعض اصحابنا عن ابى عبد الله عليه السلام قال قلت له الميت و الجنب يتفقان في مكان لا يكون فيه الماء الا بقدر ما يكتفى به أحدهما أيهما أولى ان يجعل الماء له قال يتيمم الجنب و يغتسل الميت بالماء و ربما علل ذلك ايضا بكون غسله خاتمة طهارته فهو أولى بالمراعاة و فيه انه مجرد اعتبار لا يصلح دليلا في مقابل ما عرفت لكنه ينهض مؤيدا للمرسلة الدالة عليه الا انها مع ذلك قاصرة عن معارضة ما عرفت و حكى عن الشيخ القول بالتخيير لتعارض الاخبار و عدم الترجيح و فى الاخير منع لكن لما لم يجب التقديم و كان الحكم مبنيا على الاولوية و الاستحباب جاز العمل بهذه الرواية ايضا برجاء الاصابة اما وجه عدم الوجوب فواضح مضافا إلى عدم الخلاف فيه على ما يظهر من بعض ضرورة انه لا يجب على احد رفع اليد عن حقه في الماء المختص به أو المشرك بينه و بين الجنب و لا يحرم عليه المبادرة إلى الماء الذي يجدونه في الطريق و تملكه سواء وجب عليه الوضوء ام لا و إطلاق هذه الاخبار لا ينافي اشتراط طيب نفوس الجميع بصرف البعض للماء لتحقق الطيب في مفروض السائل و كون المقصود بالسؤال تشخيص الاهم هذا مع عدم كون الاطلاق مسوقا لبيان الحكم من هذه الجهة مضافا إلى عدم إمكان التصرف في