العلا عن محمد بن مسلم قال قال ان صاحب القرحة التي لا يستطيع ربطها و لا حبس دمها يصلى و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة دلت المضمرة الاولى بمقتضى تعليلها على ان الوجه في عدم وجوب غسل الثوب ازيد من المرة هو المشقة الناشئة من استمرار الجريان المحوج إلى الغسل كل ساعة و الثانية بمفهوم قيدها على اعتبار الامرين ( و فيه ) مع قصور الروايتين بالاضمار ضعف دلالتهما على المفهوم خصوصا الثانية منهما التي لو أريد بها المفهوم لدلت على اشتراط عدم القدرة على ربط الجرح و حبس دمه مع انه معتبر جزما لعدم إمكان تنزيل الاخبار المتقدمة على خصوص هذه الصورة و قد حكى عن الشيخ و دعوى الاجماع على عدم وجوب عصب الجرح و تقليل الدم فلا يصح استناد القائلين باعتبار السيلان بهذه الرواية مع عدم التزامهم بوجوب ربط الجرح و حبس دمه و اما الرواية الاولى فسوقها يشهد بان ما فيها من التعليل لبيان حكمة الحكم تقريبا إلى الذهن لا لبيان ما هو مناط الحكم وجودا وعد ما مع انه لو كان تعليلا حقيقيا لدل على وجوب تطهير الثوب مع التمكن منه سواء كان الدم سائلا متعذرا ازالته عن البدن ام لا و هذا بحسب الظاهر خلاف المشهور فانهم لا يوجبون ذلك بل و لا غسله في كل يوم مرة مع كونه ميسورا له و مصرحا به في الرواية و قد حملوه على الاستحباب و من هنا قد يقال ان قضية التعليل كون مطلوبية غسله ازيد من المرة على تقدير كونه ميسورا على نحو مطلوبيته في اليوم مرة فلا يدل على الوجوب و على تقدير تسليم كونه تعليلا حقيقيا دالا على وجوب الغسل مع الاستطاعة فمقتضاه اناطة العفو عن الدم الواصل إلى الثوب بالمشقة الحاصلة من الالتزام بغسله أو تبديله الذي هو بمنزلة الغسل في أوقات الصلوة التي هى الساعات التي يحتاج فيها إلى تطهير ثوبه سواء كان الجرح دائم السيلان ام لا فيكفى في تحقق هذا المناط كونه بحيث يخرج منه الدم دفعات على وجه يحوجه إلى تطهير ثوبه عند كل صلوة فلا يدل على اشتراط دوام السيلان بل يدل على عدمه ( هذا ) كله مع ان المراد بعدم استطاعته من الغسل في كل ساعة على الظاهر كونه شاقا عليه في العرف و العادة لا كونه مقدور له أو كونه تكليفا حرجيا على وجه ينافيه ادلة ففى الحرج اذ الغالب عدم كون الالتزام بتطهير مكان من الثوب أو تبديله في أوقات الصلوة بهذا المرتبة من المشقة و لذا لو اصابته نجاسة خارجية كذلك لا نقول بالعفو عنها و لا ضير في الالتزام باعتبار المشقة العرفية اذ لا ينافيه شيء من اخبار الباب فالقول به لا يخلو من وجه و كيف كان فالأَقوى عدم اعتبار شيء من القيدين لكن هذا على تقدير ان يكون المراد بهما السيلان الفعلى و المشقة الرافعة للتكليف و الا فالأَظهر اشتراط كون القروح و الجروح رامية بالمعني الذي تقدمت الاشارة اليه بان يكون لها استعداد السيلان على وجه يتكرر منها خروج الدم لان هذا هو المفروض في مورد الروايات كما ان المشقة العرفية ايضا مما لا تتخلف غالبا عن مواردها فلا يفهم منها العفو عن دم قروح أو جروح يكون خروج الدم منها اتفاقيا لا عن مادة مقتضية له ( نعم ) ربما نلتزم بالعفو في مثل هذه الموارد ايضا خصوصا في الجروح اللازمة التي يطول برئها مما يكون في تطهيرها مشقة لا تتحمل في العادة او مظنة الضرر بل خوفه لا لاجل هذه الاخبار بل لغيرها من القواعد الشرعية و كيف كان فمتى تحقق مناط العفو فيها نحن فيه دون سائر الموارد التي نقول به لادلة نفى الحرج و نحوها ثبت العفو عنه مطلقا في الثوب و البدن ما لم يكن على وجه عد أجنبيا كما لو أصاب دم القرحة التي في رجله رأسه أو عمامته و لا يجب عليه تخفيف الدم و ازالته عن البعض او تبديل الثوب و غسله و ان تيسر له ذلك لاطلاقات الاخبار المتقدمة التي جعل فيها البرء غاية لغسل الثوب التي كادت تكون صريحة في المدعى حيث ان الغالب حصول التمكن من غسل الثوب أو تبديله قبل البرء و لو مرة واحدة و قد سمعت تصريح الامام ( ع ) في خبر ابى بصير باني لست اغسل ثوبي حتى تبرء مع انه ( ع ) بحسب الظاهر كان متمكنا من تبديل ثوبه أو غسله و لو في الجملة نعم يستحب غسل الثوب في كل يوم مرة كما عن جماعة التصريح به لمضمرتين المتقدمتين و ظاهرهما و ان كان الوجوب لكن مقتضى الجمع بينها و بين الاخبار المتقدمة الابية عن هذا النحو من التقييد حملهما على الاستحباب هذا مع ما فيهما من الضعف و المخالفة للمشهود بل لم ينقل القول به صريحا عن احد ( نعم ) يظهر من الحدايق الميل اليه و فيه ما لا يخفى و لو أصاب هذا الدم نجاسة اخرى فلا عفو على الظاهر كما عن بعض التصريح به و وجهه ظاهر و لو اصابه جسم طاهر من ماء و نحوه فتنجس به فالظاهر تبعيته له في العفو ما لم ينفصل عنه خصوصا إذا كان من قبيل الفضلات التي لا تنفك عن الجرح غالبا كالقيح و العرق أو الاجسام التي يتداوى بها و الله العالم و عفى ايضا عما دون الدرهم و قيده بعضهم بالوافي و اخر بالبغلي و لعلهما بمعنى كما ستعرف سعة لا وزنا من الدم المسفوح الذي ليس احد الدماء الثلثة الحيض و الاستحاضة و النفاس في الثوب و البدن بلا خلاف فيه على الظاهر بل إجماعا كما عن جمع من الاصحاب دعواه بالنسبة إلى الثوب و عن جملة منهم ادعائه صريحا و ظاهرا في البدن ايضا و عن واحد دعوى الاجماع على العفو عن هذا المقدار من الدم على الاطلاق من تعرض لذكر المتعلق و ظاهره إرادة العفو عن الثوب و البدن و كيف كان فالظاهر عدم الخلاف في مشاركة البدن مع الثوب في العفو و ان كان ربما يشعر بذلك تخصيص بعضهم الثوب بالذكر في فتواه و معقد إجماعه المحكي و لكنه على الظاهر لم يقصد الاختصاص كما يشهد بذلك عدم نقل خلاف في المسألة ( نعم ) ربما استظهر من العماني الخلاف في أصل المسألة
(589)
كيفية التطهير بالماء القليل
حيث قال على حكى عنه إذا أصاب ثوبه دم فلم يره حتى صلى فيه ثم راه بعد الصلوة و كان الدم على قدر الدينار غسل ثوبه و لم يعد الصلوة و ان كان أكثر من ذلك أعاد الصلوة و لو راه قبل صلوته أو علم ان في ثوبه دما و لم يغسله حتى صلى غسل ثوبه قليلا كان الدم أو كثيرا و قد روى انه لا اعادة عليه الا ان يكون أكثر من مقدار الدينار انتهى و فى الاستظهار ما لا يخفى فان قوله غسل ثوبه قليلا كان الدم أو كثيرا لبيان عدم الفرق بين الدم القليل و الكثير من حيث النجاسة ربما يوهمه بعض الاخبار فقوله و قد روى إلى اخره على الظاهر مسوق لاعطاء حكم من راى دما في ثوبه قبل الصلوة من حيث الاعادة و عدمها فان هذا النحو من التعبير إذا وقع في كلمات أرباب الحديث يظهر منه كون المروي مختارا له بخلاف ما لو وقع في عبارة مثل المصنف و غيره من أرباب الفتاوى ممن ليس من عادته إعطاء الحكم بنقل الرواية فانه يشعر بضعف الرواية لديه و تردده في المسألة ( ثم ) على تقدير كونه مخالفا فلا يخفى ما فيه بعد مخالفته لاجماع الاصحاب و اخبارهم الاتية ( و كيف ) كان فلا ينبغي الاشكال في مشاركة الثوب و البدن في هذا الحكم و ان كانت الاخبار الدالة عليه مختصة بالثوب لورودها فيه عدا رواية مثنى بن عبد السلم عن ابى عبد الله عليه السلام قال قلت له حككت جلدي فخرج منه دم فقال إذا اجتمع منه قدر حمصة فاغسله و الا فلا و هذه الرواية و ان كانت صريحة في العفو عن البدن في الجملة الا ان ما فيها من التحديد بالحمصة مخالف للفتاوى و النصوص الاتية و لذا قد يناقش فيها بانها من الشواذ التي لا يصح الاعتماد عليها و يمكن التفصى عن ذلك بان مخالفة الرواية للفتاوى و النصوص من جهة لا توجب اطراحها بالمرة حتى بالنسبة إلى الحكم الذي لا معارض له اعنى أصل العفو فان هذا النحو من المخالفة في الاخبار الصادرة عن الائمة ( ع ) فوق حد الاحصاء و مقتضاها ليس الا ارتكاب التأويل في مورد التنافي بما لا ينافي سائر الاخبار ان أمكن و الا يرد علمه من هذه الجهة إلى أهله و يحتمل ان يكون الامر بغسل مقدار الحمصة منزلا على الرجحان المجامع للاستحباب و قد حكى عن الشيخ تنزيله على الاستحباب أو يكون مقدار الحمصة حدا في الواقع للدم المجتمع المتراكم بعضه على بعض بناء على خروج هذا الفرض من منصرف الفتاوى و الاخبار الاتية المحدودة بالدرهم كما ليس بالبعيد أو يكون التحديد بالحمصة جاريا مجرى الغالب من انتشار هذا المقدار من الدم و تلوث مقدار الدرهم من الثوب و البدن به دون ما لم يبلغ هذا المقدار إلى ذلك من المحامل المتحملة الغير المنافية للنصوص و الفتاوى و احتمل بعض ان تكون الحمصة بالخاء المعجمة من اخمص الراحة و لم يتحقق صحته و مما يؤكد الوثوق بصدور هذه الرواية وقوع التعبير بهذه الكلمة في مقام التحديد في عبارة الفقة الرضوي بعد ان حدده أولا بالدرهم الوافي قال ان اصابك دم فلا بأس بالصلوة فيه و ما لم يكن مقدار درهم واف و الوافي ما يكون وزنه درهما و ثلثا و ما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله و لا بأس بالصلوة فيه و ان كان الدم حمصة فلا باس بان لا تغسله الا ان يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه و من البول و المنى قل ام كثر واعد منه صلوتك علمت به أو لم تعلم انتهى و كيف كان فلا ينبغي الارتياب بعد ما سمعت من الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة و عدم نقل الخلاف في المسألة في عدم الفرق بين الثوب و البدن و عدم مدخلية خصوصية الثوب الذي ورد فيه النصوص في الحكم كما يؤيده بل يشهد له إطلاق عبارة الفقة الرضوي المتقدمة فان كتاب الفقة و ان لم يحصل لنا الوثوق بكونه من مصنفات الامام ( ع ) لكن مضامينه متون روايات موثوق بها فهي لا تقصر عن المراسيل القابلة للانجبار بالفتاوى فليتأمل و اما ما يدل على العفو عما دون الدرهم من الثوب فمنها صحيحة عبد الله بن ابى يعفور قال قلت لابيعبدالله ( ع ) ما تقول في دم البراغيث قال ليس به بأس قال قلت انه يكثر و يتفاحش قال و ان كثر قلت فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى ان يغسله فيصلى ثم يذكر بعد ما صلى أ يعيد صلوته قال يغسله و لا يعيد صلوته الا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلوة و رواية إسمعيل الجعفي عن ابى جعفر عليه السلام قال في الدم يكون في الثوب ان كان اقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلوة و ان كان أكثره من قذر الدرهم و كان راه و لم يغسله حتى صلى فليعد صلوته و مرسلة جميل بن دراج عن بعض اصحابنا عن ابى جعفر ( ع ) و أبى عبد الله ( ع ) انهما قالا لا بأس بان يصلى الرجل في الثوب و فيه الدم متفرقا شبه النصح و ان كان قد راه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم و حسنة محمد بن مسلم مضمرة في الكافى و مسندة في الفقية عن ابى جعفر عليه السلام قال قلت له الدم يكون في الثوب على و انا في الصلوة قال ان رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه وصل و ان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلوتك و لا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم و ما كان اقل من ذلك فليس بشيء رأيته قبل أو لم تره و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلوة كثيرة فاعد ما صليت فيه و عن التهذيب روايتها نحوها الا انه قال و ما لم يزد على مقدار الدرهم و من ذلك فليس بشيء بزيادة الواو و حذف و ما كان اقل و عن الاستبصار ايضا نحو ما في التهذيب و لكن بلا زيادة الواو و الظاهر ان ما في الكافى و الفقيه هو الصواب و كيف كان فالرواية صريحة في العفو عما كان اقل من الدرهم رأيته أو لم تره و ما زاد عن ذلك بان كان مقدار درهم فما زاد تجب ازالته ان كان مجتمعا اما ما زاد عن الدرهم فمما لا شبهة و لا خلاف فيه لدلالة الاخبار المتقدمة عليه مضافا إلى جميع ما دل على نجاسة الدم و وجوب التطهير منه و اما ما كان مقدار الدرهم من زيادة و نقصة فقد اختلفت كلمات الاصحاب فيه
(590)
كيفية التطهير من بول الرضيع
حكى عن الاكثر بل المشهور القول بوجوب ازالته و نسب إلى بعض القول بالعفو عنه و استشهد للاول بصحيحة ابن ابى يعفور و مرسلة جميل المتقدمتين الدالتين على وجوب غسل مقدار الدرهم مجتمعا و مفهوم الفقرة الاولى من خبر الجعفي مع اعتضادها بالشهرة و ربما سمعت من الفقة الرضوي من تحديده بما دون الدرهم الوافي و المروي عن كتاب على بن جعفر عن اخيه موسى عليه السلام قال و ان صاحب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله و لا تصل فيه حتى تغسله ] الخ [ و الدينار على ما عن الوسائل بسعة الدرهم تقريبا و استدل للعفو عنه بالاصل و بمفهوم الفقرة الثانية من خبر الجعفي و ظاهر حسنة ابن مسلم خصوصا ما رواه الشيخ من حذف قوله و ما كان اقل و فيه اما الاصل فلا مجرى له بعد ورود الاخبار الخاصة و على تقدير معارضة بعضها ببعض و عدم إمكان الجمع بينها بارتكاب في بعضها المعين لمزية في صاحبه موجبة لترجيحه فالمرجع هو الادلة الدالة على وجوب الاجتناب عن الدم و ازالة النجاسة عن الثوب و البدن المقتصر في تخصيصها على القدر المتيقن أو المرجحات السندية ثم التخيير على اضعف الاحتمالين و كيف كان فلا مسرح للاصل في مثل المقام و اما خبر الجعفي فهو اما ساكت عن حكم مقدار الدرهم أو ظاهر في اندراجه في موضوع الفقرة الثانية لان الشرطيتين اما مسوقتان لبيان الحكمين على تقدير تحقق موضوعيهما من إرادة التعليق الحقيقي المستلزم للانتفاء عند الانتفاء بان يكون المقصود بهما مجرد العقد الإِثباتي بمنزلة ما لو قيل الدم الذي هو اقل من الدرهم معفو عنه و الدم الذي أكثر من الدرهم معفو عنه فلا يفهم منهما حكم الدرهم أو ان المراد بالشرطية الاولى التعليق الحقيقي الدال على الانتفاء عند الانتفاء فلا يعقل ] ح [ ان يراد بالثانية ايضا هذا المعنى و بعبارة اخرى لا يعقل ان يراد بالشرطيتين المفهوم و الا لتناقض مفهوما هما في مورد الاجتماع فالقضية الثانية بحسب الظاهر معراة عن المفهوم سبقت لتأكيد ما يفهم من الشرطية الاولى فموضوعها في الواقع اعم مما هو مذكور في القضيه و انما خص بعض افراده بالذكر لنكتة الغلبة أو المقابلة بين الاقل و الاكثر و الالتزام بعكس ما ذكر بإلغاء الشرطية الاولى عن المفهوم و ان أمكن لكنه خلاف الظاهر فتلخص لك ان هذه الرواية اما ساكتة عن حكم مقدار الدرهم أو دالة على عدم العفو عنه و اما خبر محمد بن مسلم فهو و ان كان ظاهرا في اناطة عدم العفو بالزيادة عن الدرهم لكن ارتكاب التأويل فيه بحمله على إرادة الدرهم فما زاد اقرب إلى الذهن من ارتكاب التأويل في الخبرين المتقدمين الظاهرين في عدم العفو عن مقدار الدرهم مجتمعا بحملهما على إرادة ما تجاوز عن هذا المقدار فان هذا ايضا و ان كان تأويلا قريبا لكن الاول اقرب كما يشهد بذلك من له انس بالمحاورات العرفية و على تقدير تكافوا الاحتمالين الموجب لاجمال الروايات بالنسبة إلى حكم مقدار الدرهم يتعين الرجوع في حكمه إلى ما دل بإطلاقه أو عمومه على وجوب ازالة الدم أو مطلق النجاسات عن الثوب و البدن كما تقدمت الاشارة اليه و لو نوقش في عمومات الادلة الصالحه للرجوع إليها فلا اقل من كون ما ذكر قاعدة كلية متلقاة من الشرع ثابتة بالاجماع و غيره من الاخبار الجزئية الواردة في باب النجاسات كما لا يخفى على المتامل فظهر بما ذكرنا ان الاظهر عدم العفو عن مقدار الدرهم ( ثم ) لو قلنا بالعفو عن مقدار الدرهم و كانت الدراهم المتعارفة مختلفة المقدار فالعبرة في عدم العفو بالزيادة عن جنسها على الاطلاق فلا يضر زيادته عن بعض المصاديق دون بعض و هذا بخلاف ما لو قلنا بالعفو عما دون الدرهم لا مقداره فانه يعتبر على هذا التقدير نقصانه عن مطلقه فلا يجدى نقصانه عن بعض مصاديقه كما هو واضح تم ان المراد بالدرهم على الظاهر الدرهم الاسلامي الذي حدد وزنه بستة دوانيق فان الاصحاب بين من قيده بالوافي الذي وزنه درهم و ثلث كما فى السرائر و المحكي عن الفقية و الهداية و المقنعة و الانتصار و الخلاف و الغنية بل قيل انه معقد الاجماع في الثلثة الاخيرة و قد سمعت من الفقة الرضوي التصريح به و بحده و بين من قيده بالبغلي كالفاضلين و من تأخر عنهما و عن كشف الحق انه مذهب الامامية و الظاهر اتحاد المراد بالعبارتين كما هو قضية الجمع بين الاجماع المتقدم المحكي عن الانتصار و الخلاف و الغنية و بين نسبة البغلى في كشف الحق إلى مذهب الامامية و يشهد له ايضا تصريح واحد بذلك فعن المصنف في المعتبر و الدرهم هو الوافي الذي وزنه درهم و ثلث و يسمى البغلى نسبة إلى قرية بالجامعين و عن الشهيد في الذكرى انه قال ان الدرهم هو البغلى بإسكان الغين منسوب إلى راس البغل ضربه الثاني في خلافته بسكة كسروية وزنه ثمانية دوانيق و البغلية تسمى قبل الاسلام بالكسروية فحدث لها هذا الاسم في الاسلام و الوزن بحاله و جرت في المعاملة مع الطبرية و هي أربعة دوانيق فلما كان زمان عبد الملك جمع بينهما و اتخذ درهما منهما و استقر امر الاسلام على ستة دوانيق و هذه التسمية ذكرها ابن دريد و قيل منسوب إلى بغل قرية بالجامعين كان يوجد فيها دراهم يضرب و سعتها من اخمص الراحة لتقدم الدراهم على الاسلام قلنا لا ريب في تقدمها و انما التسمية حادثة فالرجوع إلى المنقول أولى ( انتهى ) و لعل مراده بالقول الذي اشار اليه في ذيل كلام ما ذكره الحلى في السرائر حيث قال بعد ان افتى بالعفو عما دون الدرهم الوافي الذي هو المضروب من درهم و ثلث و بعضهم يقولون دون الدرهم البغلى و هو منسوب إلى مدينة قديمة يقال لها بغل قريبة من بابل بينها و بينها قريب من فرسخ متصلة ببلدة الجامعين تجد فيها الجفرة و الغسالون دراهم واسعة شاهدت درهما من تلك الدراهم و هذا الدرهم أوسع من الدنيار المضروب بمدينه السلام المعتاد يقرب سعته من سعة اخمص الراحة و قال لي بعض من عاصرته ممن له علم باخبار الناس و الانساب ان المدينة و الدراهم منسوبة إلى ابن ابى البغل رجل
(591)
حكم الشك في محل النجاسة
من كبار أهل الكوفة اتخذ هذا الموضوع قديما و ضرب هذا الدرهم و الواسع فنسب اليه الدرهم البغلى و هذا صحيح لان الدراهم البغلية كانت في زمن الرسول صلى الله عليه و آله قبل الكوفة انتهى و قوله بعضهم يقولون إلى اخره على الظاهر لبيان مجرد اختلاف التعبير لا المخالفة في الرأي و الا لبين ما فيه من الضعف الموجب لاختياره القول الاخر و كيف كان فان اتحد الدرهم الوافي و البغلى معنى كما هو الظاهر فلا بحث و الا فالأَظهر هو العفو عما دون الدرهم الوافي كما وقع التصريح به في الفقة الرضوي و معاقد الاجماعات المتقدمة المعتضدة بشهرته بين القدماء خصوصا مثل الصدوق و نظرائه الذين من عادتهم التعبير بمتون الروايات و كفى كذلك دليلا لتعين المراد بالدرهم من اخبار الباب و لا ينبغي الالتفات إلى ما في المدارك من الاستشكال في أصل التقييد حيث قال ان البغلى ترك في زمن عبد الملك و هو متقدم عليه زمن الصادق ( ع ) قطعا فيشكل حمل النصوص الواردة منه عليه و المسألة قوية الاشكال ( انتهى ) لا لمجرد ما قد يقال من صدور رجل اخبار الباب من ابى جعفر ( ع ) و هو في زمن عبد الملك مع ان ترك استعماله في المعاملات في عصر الصادق عليه السلام لا ينافي بقائه فيما بأيديهم في الجملة و معروفية التحديد به بل لان اشتهار تفسير الدرهم بالوافي أو البغلى من الصدر الاول و وقوعه في الفقة الرضوي كاشف قطعى عن المراد اذ كيف يعقل ان يصدر منهم هذا التفسير من ان يرشدهم اليه قرينة معينة فهل يظن بأحد من العلماء ان يستنده في مثل المقام إلى الحدس و الاجتهاد القابل للخطاء فضلا عن ان ينعقد إجماعهم عليه مع ان من المعلوم عند كل احد وجوب حمل المطلق على معناه المتعارف فلو لم يكن هذا الدرهم متعارفا في زمان صدور الاخبار لم يكن عدول العلماء عن حمل الدرهم على المتعارف في ذلك الزمان الا لدليل ( ثم ) ان المراد بمقدار الدرهم على الظاهر سعته لا وزنه و لا حجمه لان هذا هو المتبادر من تقدير الدم بالدرهم في مثل مورد الروايات كتحديده بمقدار اصبع أو اصبعين كما يشهد بذلك و يؤيده فهم الاصحاب فالمهم في المقام انما هو معرفة سعة هذا الدرهم الموصوف بالوافي الذي شهدت القرائن و صرح واحد بانه هو المسمى بالبغلي و الا فمجرد العلم بوزنه و مغايرته للدرهم المتعارف مجد و قد اختلفت الكلمات في تحديده فعن بعض تحديده بأخمص الراحة و هو ماانخفض من باطن الكف و ربما نسب ذلك إلى أكثر عبائر الاصحاب و لا يبعد ان يكون مستندهم في ذلك شهادة ابن إدريس في عبارته المتقدمة بانه شاهده قريبا عن اخمص الراحة فتحديدهم بالاخمص تقريبي كما هو واضح و قد سمعت انفا من ابن ابى عقيل تحديد مقدار الدم المعفو عنه بالدينار و يشهد له خبر على بن جعفر المتقدم و الدينار على ما قيل هو الذهب اللعيبي الذي ربما يوجد في زماننا و هو على ما نقل بقدر الدنانير المتعارفة في هذه الاعصار التي وزن كل منها مثقال شرعي و الظاهر ان من حدد الدرهم بالاخمص لم يرد الا ما يقرب من ذلك و حكى عن الاسكافى تقدير الدرهم بعقد الابهام الاعلى من تعرض لكونه البغلى أو غيره و عن بعض اخر تقديره بعقد الوسطى و عن روض الجنان بعد نقل هذه التقديرات الثلثة قال انه لا تناقض بين التقديرات لجواز اختلاف افراد الدراهم من الضارب الواحد كما هو الواقع و اخبار كل واحد عن فرد راه انتهى و عن المصنف في المعتبر بعد ذكر التحديدات المتقدمة و تقدير العماني له بالدينار قال و الكل متقارب و التفسير الاول أشهر انتهى و ربما يناقش في الاعتماد على هذه التحديدات بانه لم يتحقق ان مرادهم تحديد الدرهم البغلى حتى يكون رفع المناقضة التي تترائى من عبائرهم بحملها على التحديد التقريبى أو كون اخبار كل عن فرد راه مجديا و لو بالنسبة إلى القدر المشترك اما تحديد العماني بالدينار فلعل نفس مقدار الدينار لديه موضوع الحكم و ليس في كلام الاسكافى و غيره دلالة على إرادة الدرهم البغلى ( نعم ) وقع تقييد الدرهم بالبغلي في عبارة الحلى و لكنه ايضا لم يصرح بان ماراه من الدرهم و قدره بالاخمص كان هو الدرهم البغلى و انما حكاه عن رجل له علم بالاخبار و الانساب و ضعفه و من الواضح ان طريق ذلك الرجل ايضا لاحراز مثل هذه الموضوعات ليس الا الحدس فكيف يعتمد على قوله و اعترض بعض على من حدد الدرهم بالاخمص اعتمادا على اخبار الحلى بذلك بانه انما يقبل قوله في مثل المقام من باب الشهادة التي يعتبر فيها العدد فلا وجه للاعتماد على قوله منفردا و قد أجيب عن ذلك بان قوله يفيد الوثوق بل القطع اذ لا يحتمل في حقه التعمد في الكذب أو الخطاء في الحس و فيه ما عرفت من ان قول الحلى و ان كان موجبا للقطع بمشاهدته درهما كما وصف لكن من اين يحصل القطع بان ذلك الدرهم كان من افراد الدرهم البغلى هذا و لكن الانصاف انه يحصل من مجموع هذه التحديدات الوثوق بان الدرهم البغلى كانت سعته قريبة من هذه التحديدات و اما احتمال ان يكون مراد الاسكافى و غيره ممن حدد مقدار الدرهم درهما الدرهم الوافي الذي هو بحسب الظاهر متحد مع البغلى فمما يبعدة ما عرفت من ان الظاهر كما صرح به واحد عدم الخلاف في ان هذا هو المراد بالدرهم الوارد في النصوص و الفتاوى و كيف كان فان حصل الوثوق من هذه الكلمات و غيرها بمقدار معين فهو و الا فالمتعين هو الاقتصار على القدر المتيقن و الاجتناب عما زاد عليه في الصلوة لوجوب الاقتصار في رفع اليد عن ظاهر ما دل على الاجتناب عن الدم أو مطلق النجاسات على المتيقن و ما يقال من ان تخصص العمومات بأقل من مقدار الدرهم معلوم فالشك انما يتعلق بكون الفرد الخارجي من افراد المخصص أو العام و لا يجوز في مثله التمسك بالعموم بل يرجع إلى الاصول العملية ( مدفوع ) بان هذا فيها إذا لم يكن الشك ناشئا من اجمال المخصص و تردده من الاقل و الاكثر كما فيما نحن فيه
(592)
طريق ثبوت النجاسة والطهارة
فان مرجع الشك في هذه الصورة بالنسبة إلى ما زاد عن المتيقن إلى الشك في أصل التخصيص لا في مصداق المخصص فالمرجع فيه اصالة العموم لا الاصول العملية كما تقرر في محله و لا فرق في العفو عما دون الدرهم بين ان يكون دم نفسه أو غيره لاطلاق النصوص و فتاوى الاصحاب بل صريح فتاويهم خلافا لصاحب الحدائق فألحق دم الغير بدم الحيض الذي ستعرف عدم العفو عن قليله و نقله عن المحدث الاسترابادى استنادا إلى مرفوعة البرقى عن ابى عبد الله ( ع ) قال دمك أنظف من دم غيرك إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس و ان كان دم غيرك قليلا كان أو كثيرا فاغسله و عن الفقة الرضوي و اروى ان دمك ليس مثل دم غيرك و فيه عدم صلاحية الروايتين مع ضعفهما و اعراض الاصحاب عنهما التقييد الاخبار المطلقة خصوصا لو أريد بدم الغير ما يعم دم الماكول فانه يستبعد إخراجه من الاخبار المطلقة فالأَولى حمل الروايتين على الاستحباب ثم ان هذا الحكم اى العفو عما دون الدرهم انما هو في دم الحيض و الاستحاضة و النفاس اما دم الحيض فالظاهر عدم الخلاف في عدم العفو عنه بل عن جملة من الاصحاب دعوى الاجماع عليه و يشهد له مضافا إلى ذلك رواية ابى سعيد عن ابى بصير عن ابى جعفر عليه السلام و أبى عبد الله عليه السلام قالا لا تعاد الصلوة من دم لم تبصره الا دم الحيض فان قليله و كثيره في الثوب ان رأه و ان لم يره سواء و ضعفها مجبور بالعمل و عن الفقة الرضوي و ان كان الدم حمصة فلا بأس بان لا تغسله الا ان يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه و من البول و المنى قل ام كثر واعد منه صلوتك علمت به أو لم تعلم و استدل له ايضا بإطلاق بعض الاخبار الخاصة الدالة على وجوب غسل دم الحيض مثل قول الصادق عليه السلام في خبر سورة بن كليب في الحائض تغسل ما أصاب ثوبها من الدم بدعوى ان النسبة بينها و بين ما دل على العفو عما دون الدرهم العموم من وجه ففى مورد الاجتماع يتعارضان فيترجع ما دل على وجوب الازالة بفتوى الاصحاب و فيه ان الاخبار الواردة في دم الحيض ليست الا كغيرها من الاخبار الخاصة الواردة في بعض أنواع الدم كدم الرعاف و نحوه و الاخبار الدالة على العفو عما دون الدرهم حاكمة على مثل هذه الاخبار لا يلاحظ بينها النسبة كما لا يخفى على المتامل و نظير ذلك في الضعف الاستدلال بعموم ما دل على الاجتناب عن الدم أو مطلق النجس بعد دعوى قصور الاخبار الدالة على العفو عن شمول دم الحيض و أخويه نظرا إلى ان المفروض في موضوع تلك الاخبار هو الرجل الذي راى بثوبه الدم و فرض اصابة الدماء الثلثة إلى ثوب الرجل من الفروض النادرة التي ينصرف عنها إطلاقات الادلة و قاعدة مشاركة النساء مع الرجال في الاحكام الشرعية مجدية في المقام فانها لا تقتضي الا تعميم الحكم المستفاد من الدليل المتوجة إلى الرجال بالنسبة إلى النساء لا فرض كون النساء مخاطبة بهذا الكلام حتى يكون فرضه كذلك مانعا من الانصراف عن مثل دم الحيض و قد يقال في توجيه دعوى الانصراف ان نجاسة دم الحيض على ما هو المغروس في الاذهان اغلظ من سائر الدماء فينصرف عنه إطلاق ادلة العفو عن الدم و توضيح الضعف اما دعوى الانصراف من حيث ندرة الفرض فيتوجه عليها بعد الغض عن ان ذكر الرجل في اسئلة السائلين و اجوبتهم في مثل هذه الاخبار المسوقة لبيان الاحكام الشرعية الكلية انما هو من باب المثال جريا مجرى العادة في مقام التعبير و المقصود به مطلق المكلف ان فرض اصابة دم الحيض و نحوه إلى ثوب الرجل ليس بأبعد من فرض اصابة مثل دم جملة من الوحوش و الطيور و دم العلقة و نحو ذلك مع انه لم يتوهم احد انصراف الاخبار عن مثل هذه الدماء فلو فرض انصراف الاخبار عن دم الحيض فليس منشائه ندرة الابتلاء بلا شبهة بل الخصوصية اخرى و ان لم نعلم بها تفصيلا و اما ما قيل من اغلظية نجاسة دم الحيض ففيه بعد تسليم ان الاغلظية توجب الانصراف انه لو لا عدم العفو عنه في الصلوة من اين علم اغلظيته من سائر الدماء من حيث النجاسة و كون حدوثه موجبا للغسل لا يقضى باغلظية من حيث النجاسة و لعمري ان مثل هذه الدعاوي انما تنشاء بعد مسلمية المدعى و ارادة توجيهه و الا فلو فرض كون العفو عن دم الحيض ايضا معروفا لدى الاصحاب لم يكن يصغى احد إلى مثل هذه الدعاوي فظهر لك ان عمدة مستند الحكم هى نسخة الاجماع و رواية ابى بصير المتقدمة المعتضدة بالفقه الرضوي و فتاوى الاصحاب و اما دم الاستحاضة و النفاس فقد حكى عن جماعة دعوى الاجماع على عدم العفو عنهما ايضا لكن ربما يستشعر من نسبة المصنف في محكي المعتبر و النافع الحاقهما بدم الحيض إلى الشيخ عدم كون المسألة من المسلمات و وجهه في المعتبر على ما حكى عنه بعد ان نقله عن الشيخ بقوله و لعله نظر إلى تغليظ نجاسته لانه يوجب الغسل و اختصاصه بهذه المزية يدل على قوة نجاسته على باقى الدماء فغلظ حكمه في الازالة انتهى و لا يخفى ما في هذا الدليل من انه مجرد اعتبار لا يصلح دليلا لاثبات حكم شرعي أللهم الا ان يكون المقصود ان اختصاصه بهذه المزية أوجب انصراف اخبار العفو عنه و لكنك عرقت انفا انه لا يخلو عن نظر بل منع و لذا قوى في الحدائق دخولهما في عموم اخبار العفو و ما قيل في تضعيفه من ان ما ذكر لو لم يكن منشأ لانصراف اخبار العفو فلا اقل من كونه موجبا للشك في الشمول فيبقى ما دل على الازالة لا معارض له ( ففيه ) ان الشك في الشمول لا يمنع من التمسك بأصالة الاطلاق بل يحقق موضوعها فلا يعارضها عموم ما دل على الازالة لان اصالة الاطلاق في المخصص حاكمة على اصالة العموم في العام كما هو واضح و الذى يقتضيه التحقيق عدم العفو عن دم النفاس لما عرفت في محله من كونه كدم الحيض حكما بل موضوعا و اما دم
(593)
كفاية قول الثقة
الاستحاضة فان لم يتحقق فيه إجماع فلا يخلو الحاقه بها عن تردد و الله العالم و حكى عن بعض القدماء و غير واحد من المتأخرين إلحاق دم الكلب و الخنزير بل مطلق نجس العين اعم منهما و من الكافر كما هو صريح عبارة المتأخرين بدم الحيض قال المصنف في محكي المعتبر بعد عبارته المتقدمة في توجيه ما نسبه إلى الشيخ و الحق بعض فقهاء قم دم الكلب و الخنزير و لم يعطنا العلة و لعله نظر إلى ملاقاته جسدهما و نجاسة جسدهما معفو عنها انتهى و اشتهر حكاية هذا القول عن القطب الراوندي قال الحلى في السرائر و قد ذكر بعض اصحابنا المتأخرين من الاعاجم و هو الراوندي المكنى بالقطب ان دم الكلب و الخنزير لا يجوز الصلوة في قليله و كثيره مثل دم الحيض قال لانه دم نجس العين و هذا خطاء عظيم و زلل فاحش لان هذا هدم و خرق لاجماع اصحابنا انتهى و عمدة مستند القول بالالحاق ماسة ؟ عليه المصنف و فى عبارته المتقدمة من اكتسابه بالملاقاة نجاسته عرضية معفو عنها ( و فيه ) ان اكتساب دم الكلب أو احد أخويه بنجاسة عرضية بملاقاة ؟ اجزائه مع مشاركته لها في الجهة المقتضية لنجاستها و هي كونه جزء من الكلب و نحوه معقول لان الاجزاء نجاستها من هذه الجهة متماثلة فلا يعقل ان ينفعل احد المتماثلين بملاقاة الاخر ( نعم ) لو كان للجزء الذي لاقاه جهة اخرى مخصوصة به مقتضية لنجاسته ايضا من تلك الجهة كما لو لاقى بوله أو منيه و كانت الجهة المخصوصة بالبول أو المنى مؤثرة في اشتداد نجاسته أو تضاعفها أمكن انفعال الدم و اكتسابه الصفة المخصوصة به بملاقاته له و هذا بخلاف ما لو لاقى لحمه الذي ليس له جهة مقتضية لنجاسته الا و كان الدم واجدا لها بالذات و ثبوت العفو عن الدم في الجملة بدليل تعبدي لا يصحح قبوله للانفعال بملاقاة ما هو مثله في النجاسة فملاقاة دم الكلب لسائر اجزائه التي ليس لها جهة مقتضية لنجاستها عدا جزئيتها للكلب ليست الا كملاقاة الدم القليل الذي أصاب الثوب للدم الكثير الذي انفصل عنه و هكذا الكلام في دم الميتة فان الحمار الميت مثلا ان كان دمه قابلا لان يعرضه نجاسة اخرى نجاسته الذاتية انفعل بنفس الموت الذي هو سبب لانفعال اجزاء الميت التي منها دمه و الا فلا يعقل ان يكتسب النجاسة من ساير الاجزاء اذ لا مزية لها عليه حتى تكون واسطة في العروض و الحاصل ان اكتساب دم نجس العين نجاسة عرضية مما لاقاه مع مشاركتهما في الجهة الموجبة للنجاسة معقول ( ان قلت ) سلمنا ان دم نجس العين لا يكتسب نجاسة عرضية بملاقاة سائر جسده لكن تصادق عليه عنوانان من النجاسة أحدهما كونه جزء من نجس العين كسائر اجزائه و الاخر كونه دما و اختار العفو انما دلت على العفو عنه من حيث كونه دما لا من حيث كونه جزء من كلب أو كافر فوجوب ازالته من هذه الجهة لا ينافي ثبوت العفو عنه من حيث كونه دما كما أنه لا منافاة بين ثبوت العفو عن دم من حيث كونه دما و وجوب ازالته من حيث ملاقاته للبول و كون العنوانين متلازمين في الوجود بالنسبة إلى الفرد الذي تصادقا على لا يصلح مانعا من كون حيثية كونه دما مرعية في موضوع الحكم المستلزم لعدم العفو عنه من الحيثية الاخرى الا ان يتعلق نص خاص بهذا الفرد بان يرد مثلا ان دم الكلب لا بأس بالصلوة فيه فلا يمكن في مثل الفرض تنزيل مثل هذا النص على إرادة بيان الحكم من حيث كونه دما لاستلزامه لغوية الحكم و هذا بخلاف الاخبار العامة المتعلقة بطبيعة الدم التي تحقق غالبا في ضمن هذا الفرد كما هو واضح ( قلت ) لا يخفى على المتامل في اخبار العفو انها ليست مسوقة لبيان قضية طبيعية نظير قولنا الغنم حلال و الخنزير حرام حتى يكون موضوعها صرف الطبيعة من حيث هى مع قطع النظر عن عوارضها المشخصة بحيث لا ينافيها خروج بعض الافراد بواسطة تلك العوارض بل هى مسوقة لبيان الحكم الفعلى الثابت لمصاديق الدم و جزئياته المتحققة في الخارج و ( كيف ) لا مع ان رواية ابى بصير التي استثنى فيها دم الحيض ظاهرها إرادة العموم و كذا اغلب الاخبار المتقدمة الدالة على العفو صدرت جوابا عن السوأل عن حكم من رأى بثوبه دما فكيف يجوز في مثل الفرض تنزيل إطلاق الجواب من استفصال على إرادة بيان حكم الطبيعة من حيث هى دون افرادها مع ان السائل انما سئل عن حكم الدم الخارجي الذي أصاب الثوب لا عن الحكم المتعلق بطبيعة الدم من حيث هى و الحاصل انه لا مجال للارتياب في ان الاخبار مسوقة لبيان حكم افراد الدم و جزئياته المتحققة في الخارج و كونه دم كلب أو كافر ككونه دم رجل أو إمرأة أو فرس أو ذلك انما هو من مشخصات الفرد xغير خارج من حقيقته فاخبار الباب بظاهرها تعم دم الكلب و الكافر ايضا كغيرهما من أنواع الدم فلو دل دليل على عدم العفو عن دم الكافر مثلا لكان ذلك الدليل مخصصا لهذه الاخبار لا انه مناف لها من اصله كما توهم فتلخص ان اخبار بظاهرها تعم دم نجس العين و ] ح [ نقول لا مقتضى لصرفها عن هذا الظاهر اذ لا دليل على عدم جواز الصلوة في دم الكافر و شبهه بل و لا في سائر اجزائه عدا العمومات الدالة على ازالة الدم و غيره من النجاسات المخصصة باخبار العفو كما لا يخفى على المتامل فالأَظهر عدم الفرق بين دم نجس العين و غيره نعم ربما يشكل الامر في دم الكلب و الخنزير لا من حيث نجاسته بل من حيث كونه من فضلات و الا يحل أكله و سيأتي الكلام فيه من هذه الجهة و استدل في الحدائق لا لحاق دم نجس العين بدم الحيض بعمومات الازالة بعد منع شمول اخبار العفو له بدعوى ندرة ابتلاء المصلى بدم نجس العين فيصرف عنه إطلاقات الاخبار حيث ان المتبادر منها إرادة الافراد الشايعه و هي دم المسلم و غيره من الحيوانات التي يتعارف ذبحها و فيه ما لا يخفى فان مقتضاه عدم العفو عن دم اغلب الحيوانات التي يحل أكلها فضلا عن غيره بل عدم العفو عن دم ما يتعارف ذبحه ايضا الا عن خصوص القسم الذي يتعارف
(594)
اعتبار التعدد في غسل البول
حجية قول ذمى اليد
وصوله إلى الثوب كدم ذبحه لا مطلق دمه و هو كما ترى ( و كيف ) كان فقد ظهر لك في الفرع السابق بطلان دعوى الانصراف في مثل هذه الموارد بواسطة الندرة و ان الشك في حكم الدم في هذه الموارد ليس الا لخصوصيات اخر لو لا تلك الخصوصيات لم يكن يرتاب احد في استفادة حكمه من هذه الادلة كما انه لو لم يكن الحكم الذي تضمنته هذه الروايات العفو الغير المناسب لدم نجس العين بل كان حكما اخر كوجوب اعادة الصلوة و لو مع الجهل به أو وجوب غسل الثوب الذي راى فيه الدم خمس مرات مثلا لم يكن يتوهم احد انصرافها عن دم الكافر و شبهه فمنشأ توهم الانصراف ليس الا سائر الخصوصيات التي لا ينبغي الالتفات إليها ما لم تتحقق صارفيتها للاطلاق لا ندرة الابتلاء و الا فرب دم يكون فرض الابتلاء به أبعد من دم نجس العين بمراتب و مع ذلك لا يرتاب احد في استفادة حكمه من هذه الروايات كدم الضأن و المعز الجبليين و غيرهما من الحيوانات الوحشية و الطيور التي يحل أكلها مع انه ربما يكون فرض الابتلاء به مجرد الفرض فضلا عن ندرته كما هو واضح ( ثم ) ان مقتضى ظاهر النصوص و الفتاوى بل صريح كلمات الاصحاب في فتاويهم و معاقد إجماعاتهم المحكية عدم الفرق في دم ما يؤكل لحمه و ما لا يؤكل و ربما يشكل ذلك بمعارضة اخبار العفو بالنسبة إلى دم المأكول لموثقة ابن بكير الواردة في باب الصلوة قال سئل زرارة أبا عبد الله ( ع ) عن الصلوة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر فاخرج كتابا زعم انه املاء رسول الله صلى الله عليه و آله ان الصلوة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلوة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلوة حتى يصلى في غيره مما احل الله أكله الحديث و المراد بعموم كل شيء بحسب الظاهر بقرينة ما قبله هو الاجزاء و الفضلات التي لها نحو استقلال و عنوان في العرف كاللحم و العظم و الشحم و الدم و نحوها فمثل هذه الاشياء بعناوينها الاجمالية افراد للعام فاستفادة عدم جواز الصلوة في اللحم القليل أو الدم القليل مثلا من هذه الرواية انما هى بالاطلاق لا بالعموم كما ان دلالتها على عدم جواز الصلوة في البول القليل ايضا ليست الا بإطلاق لكنها كادت تكون صريحة في الاطلاق فيشكل التصرف فيها بالاخبار المتقدمة خصوصا مع ما هو المغروس في النفس من استبعاد العفو عن قليل من الدم مع نجاسته و عدم العفو عن قليل من سائر فضلاته الظاهرة و لذا قد يقوى في النظر عدم العفو عن دم المأكول مطلقا كما هو خيرة كاشف الغطاء على ما حكى عنه و لكن مع ذلك الاقوى خلافه لا لمجرد دعوى اعتضاد عموم اخبار العفو بالنسبة إلى مورد المعارضة بفهم الاصحاب و عملهم و نقل إجماعهم المعتضد بالشهرة و عدم نقل خلاف يعتد به بل لضعف ظهور الموثقة في إرادة الدم من عموم كل شيء بل عدم ظهوره فيه فان سياق الرواية يشهد بان المراد بعموم كل شيء هو الاشياء التي يكون المنع من الصلوة فيها ناشئا من حرمة الاكل بحيث لو كان حلال الاكل لكانت الصلوة فيها جائزة فمثل الدم و المنى خارج مما أريد بهذا العام كما يؤيد ذلك بل يشهد له قوله ( ع ) بعد ذكر هذه الرواية و نقلها من رسول الله صلى الله عليه و آله و الامر بحفظها يا زرارة فان كان مما يؤكل لحمه فالصلوة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شيء منه جائز إذا علمت انه ذكى و قد ذكاه الذبح و ان كان ذلك مما قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلوة في كل شيء منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه إذا الظاهر على ما يشهد به سوق الرواية ان المراد بكل شيء في الفقرة الاولى و الثالثة ليس الا الاشياء التي أريد منه في الفقرة الثانية بل قوله ( ع ) فان كان ] الخ [ بحسب الظاهر تفريع على كلام رسول الله صلى الله عليه و آله و بيان لما يفهم من الوصف الواقع فيه فيجب ان يتحد موضوعهما و الله العالم ( تنبيه ) لافرق في الدم الذي هو اقل من الدرهم مما عرفت العفو عنه في الثوب و البدن بين ان يكون مجتمعا أو متفرقا بلا خلاف فيه على الظاهر و لا اشكال لدلالة الاخبار المتقدمة عليه بل صراحة بعضها فيه و اما ما زاد عن ذلك فان كان مجتمعا فقد عرفت انه تجب ازالته بلا خلاف فيه في الجملة نصا و فتوى و اما ان كان متفرقا فقد اختلفوا فيه على أقوال قيل هو عفو فيلاحظ كل جزء جزء في حد ذاته موضوعا مستقلا للحكم و قد حكى هذا القول عن كثير من القدماء و المتأخرين بل عن الذكرى نسبته إلى المشهور و قيل تجب ازالته كالمجتمع و حكى هذا القول ايضا عن جملة من القدماء و المتأخرين بل عن بعض نسبة إلى الشهرة و عن اخرين إلى أكثر المتأخرين و قيل لا تجب ازالته الا يتفاحش كما عن نهاية الشيخ و معتبر المصنف و استدل للقول الاول بمرسلة جميل عن ابى جعفر ( ع ) و أبى عبد الله ( ع ) انهما قالا لا بأس بان يصلى الرجل في الثوب و فيه الدم متفرقا شبه النضح و ان كان قد رأه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم و صحيحة عبد الله ( ع ) ابى يعفور قال قلت لابى عبد الله ( ع ) ما تقول في دم البراغيث قال ليس به بأس قال قلت له انه يكثر و يتفاحش قال و ان كثر قلت فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى ان يغسله فيصلى ثم يذكر بعد ما صلى أ يعيد صلوته قال يغسله و يعيد صلوته الا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلوة و عن العلامة في المختلف الجواب عن الاستدلال بالصحيحة بان مجتمعا كما يحتمل ان يكون خبرا ليكون يحتمل ان يكون حالا مقدرة و اسمها ضمير يعود إلى نقط الدم و مقدار خبرها و المعنى الا ان يكون نقط الدم مقدار الدرهم إذا قدر اجتماعها انتهى و أورد عليه بوجوه أوجهها انه على تقدير كونه حالا ايضا ظاهرها إرادة الاجماع الفعلى لا الفرضى توضيح المقام انه يحتمل ان يكون مقدار الدرهم بالرفع اسما ليكون و مجتمعا خبره و مقتضاه كون العفو عن مقدار الدرهم في الجملة معروفا لديهم و يحتمل ان يكون بالنصب خبرا ليكون و مجتمعا خبرا بعد خبر نظير قولنا هذا