الشهرة العظيمة و طلب الحاجة هذا ايضا مما اشتهر بينهم و يتمسك فيه بما رواه الشيخ ( ره ) في زيادات التهذيب في باب صفة الوضوء عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال سمعته يقول من طلب حاجة و هو على وضوء فلم يقض فلا يلومن إلا نفسه و دلالته على المطلوب واضحة لان مفاد ان الحاجة بدون الوضوء لم يقض فينبغي أن يطلب الحاجة في حالة ما إذا توضأ بالوضوء الذي رخص فيه من الشارع لانه عبادة موقوفة على الاذن و ليس فيه دلالة على الاذن و الرخصة للوضوء في وقت طلب الماء كما يشهد به الفطرة السليمة لكن الامر فيه ايضا واضح كما تقدم ( و زيارة القبور ) لم نقف فيه ايضا على مستند سوى الشهرة و قد ذكروا ان به رواية مختصة بمقابر المؤمنين و لم أرها ( و تلاوة القرآن ) هذا ايضا بما لا يحصل الاطلاع على مستنده سوى الشهرة أو التعظيم بشعائر الله تعالى كما ذكر في الحمل ( و التأهب للفرض قبل وقته ) أي التهئ له من الاهبة بمعنى الاستعداد قال في الصحاح تأهب اي استعد و استدل عليه باستحباب الصلوة أول الوقت و هو موقوف على الوضوء قبله و فيه أن استحباب الصلوة أول الوقت الحقيقي معلوم اذ ما يدل على استحبابه ينبغي ان يحمل على الاول العرفي لتقدم الحقيقة العرفية على اللغوية كما بين في موضعه و الصلوة في أول الوقت العرفي لا يتوقف على الوضوء قبله و يمكن أن يقال لا شك أن الاول العرفي لا يباين الاول الحقيقي و إن كان اعم منه فحينئذ نقول إذا ورد الامر مطلقا بالصلوة في أول الوقت فيكون الاول الحقيقي ايضا داخلا تحته و إن حمل على العرفي و يستفاد منه الاستحباب فايضا بناء على إطلاق الامر و عدم تقييده و إذا كان الصلوة في الاول الحقيقي مطلقا فلا شك أن في بعض الاوقات يتوقف على الوضوء قبل الوقت مستحبة فيكون الوضوء قبله مستحبا ايضا لقضية التوقف و فيه كلام سيجئ عن قريب و علل العلامة ( ره ) في النهاية هذا الحكم بالخبر و لم يحصل الاطلاع عليه و الكون على الطهارة بالجر عطف على ندبي أو التأهب و لما كان الكون على الطهارة اثرا من آثار الوضوء لا نفسه صح الحكم باستحباب الوضوء له و ما استند إلى المصنف ( ره ) من أنه حكم في مثل هذه العبارة بعدم جواز الخبر لانه بمنزلة أنه يستحب الوضوء للكون على الوضوء و هو فاسد و كذا الرفع على أن يكون فاعل يستحب اذ معنى الكلام أنه يستحب الوضوء و يستحب الكون على الوضوء و هو تكرار بل يجب رفعه على أن يكون مبتدأ محذوف الخبر و هو مستحب فاسد لما عرفت و لان التكرار في صورة كونه فاعلا ليستحب لان المذكور سابقا استحباب الوضوء لاجل الغايات المذكورة و هذا استحباب الوضوء في نفسه مع أن فيما اختاره ايضا التكرار الذي زعمه موجود هذا و المراد من استحباب الوضوء للكون على الطهارة ان يكون الغرض منه هذا الاثر في نفسه بدون أن يكون الغرض من هذا الاثر شيء آخر بخلاف الصور السابقة لان الغرض منه غيره من الصلوة و الطواف و نحوهما و اعلم أن الحكم ايضا ليس له مستند ظاهر سوى الشهرة على ما اطلعنا عليه و قد يؤخذ من قوله تعالى ان الله يحب التوابين و يحب المتطهرين و فيه ضعف و من قوله ( عليه السلام ) المؤمن معقب ما دام متطهرا و هذا اضعف ثم ان فيما ذكروه من كون الكون على الطهارة غاية براسها ايضا خفاء إذ وجود حالة في المكلف عقيب الوضوء سوى حصة وقوع الاشياء المتوقفة على الوضوء كمالا أو صحة منه كاملا أو صحيحا معلوم و أكثر ما ورد الطهر في الروايات يحمل على نفس الفعل و البعض الذي لا يمكن حمله على نفس الفعل يجوز أن يكون المراد من الصحة المذكورة و على هذا يدخل الكون على الطهارة تحت الامور السابقة فكيف يجعل غاية برأسها و الفرق بينهما بإثبات معنيين أحدهما صحة وقوع الفعل من المكلف أو كون الفعل بحيث يصح وقوعه من المكلف و الثاني كون المكلف بحيث يصح منه الفعل لا عبرة به في نظر الفقية كما لا يخفى و سيجيء مزيد بسط في البحث لهذا ( و كل هذه يرفع الحدث و يبيح الصلوة ) أعلم أنه قد تكرر و تكثر في كلام الاصحاب ( رضي الله عنه ) ذكر رفع الحدث و استباحة الصلوة و نحوها و الظاهر أن مرادهم بالحدث حالة يحصل في باطن المكلف عقيب البول و الغايط و نحوهما مما يعد احداثا شبيهة بالنجاسة الظاهرة و ذلك يستلزم عدم إباحة الصلوة و نحوهما مما يتوقف صحته و جوازه على الوضوء و الغسل بما تقدم و كذا عدم كمال القرائة و غيرها مما لم يتوقف صحته و جوازه عليهما بل فضله و كماله و من ارتفاع هذا المعنى يستباح الصلوة و يصح استكمال القرائة مثلا و كأنهم يدعون ايضا أن الامر بالطهارة لما يتوقف صحته أو جوازه عليها و كذا لما يتوقف فضيلته و كماله انما هو لاجل أن يرتفع المعنى المذكور ليمكن وقوع الغايات صحيحا أو كاملا إلا فيما لا يمكن ارتفاع هذا المعنى مثل الوضوء لنوم الجنب و جماع المحتلم و غيرهما فإن الامر فيه ليس لذلك لعدم الامكان و على هذا الفرق بين رفع الحدث و بين استباحة الصلوة ظاهر و أيضا كأنهم زعموا أن الطهارة ايضا امرا آخر ضد للحدث يحصل في باطن المكلف بعد رفع الحدث شبيه بالطهارة الظاهرة و اذ تقرر هذه الامور ظهر وجه ما ذكره المصنف ( ره ) اما في الوضوء للصلوة المندوبة فلان الصلوة المندوبة لما لم يصح بدون الوضوء فكان مانعها الحدث و يكون الامر بالوضوء لاجل ارتفاع ذلك المانع فإذا توضأ يلزم ارتفاعه و إذا ارتفع الحدث استباح الصلوة المفروضة ايضا لما مر من أنه متى ارتفع الحدث يستباح الصلوة و أما الوضوء للطواف المندوب فهو ايضا كذلك بناء على شرطية الوضوء له و أما على عدم الشرطية فلان كماله موقوف على الوضوء فيكون من جهة أن الحدث مانع من كماله و الوضوء لاجل زوال المانع فيلزم ما ذكر بعينه و قس عليه البواقي سوى الاخيرين فان الاستدلال فيهما نحو آخر و أما الوضوء للتأهب للفرض فأمره ظاهر لانه في الحقيقة وضوء للصلوة امر بتقديمه على الوقت استحبابا فلا شك في رفعه و إباحته و أما الوضوء للكون على الطهارة فلما عرفت من أن الطهارة صفة تحصل بعد ارتفاع الحدث فإذا أمر بالوضوء لهذا المعنى فينبغي أن يحصل بعده و هو انما يحصل برفع الحدث فيلزم ارتفاعه و يلزم ما ذكرنا و اعلم ان في جميع ما نقلنا من العموم نظرا اما أولا فبالمنع من وجود حالة في باطن المكلف شبيهة بالنجاسة و هو الحدث لعدم دليل عليه و ما ورد في بعض الروايات انما يحمل على معنى آخر و أما ثانيا فبالمنع من ان متى ارتفع ذلك المعنى يستباح الصلوة و نحوها و أما ثالثا فبالمنع من ان الغرض من الامر بالوضوء في جميع ما أمر له إلا ما استثنى انما هو ارتفاع الحدث لم لا يجوز أن يكون شيئا آخر كما في الصور المستثناة و أما رابعا فبالمنع من كون الطهارة صفة وراء جواز الاتيان بالصلوة و نحوها صحيحا كاملا كما مر آنفا و فيه بعد لورود الطهارة في الروايات بمعنى آخر كثيرا بحيث لا تقبل المنع و على تقدير التسليم لا نسلم توقفه على رفع الحدث اذ يجوز أن يكون للطهارة مراتب أو معان مختلفة يحصل بعضها بدون ارتفاع الحدث كما ورد فيمن اغتسل غسل الجمعة أنه في طهر إلى الجمعة الاخرى مع أنه في بعض الاوقات محدث البتة و الحاصل ان ثبوت الحقايق الشرعية لهذه الامور معلوم و على تقديره ايضا لم يتيقن عندنا بل يفهم من الروايات إطلاقه في موارد مختلفة فيجوز أن يكون لها معان متعددة أو معنى واحد له مراتب مختلفة بعضها يجامع الحدث و بعضها لا يجامع بل يجوز أن يكون للحدث ايضا مراتب مختلفة و كذا يجو أن يكون لخصوص الاوقات و الساعات دخول في حصول بعض المراتب من الوضوء أو الغسل مثلا يجوز أن يحصل المرتبة التي لا يجامع الحدث من الوضوء في الوقت مثلا دون خارجه أو بقصد الصلوة مثلا دون غيرها فعلى هذا إذا امر بالوضوء للكون على طهارة قبل الوقت فيجوز أن يكون تلك الطهارة التي تحصل من ذلك الوضوء و الطهارة التي يجامع الحدث فلا يكفي في استباحة الصلوة بل لا بد فيه من الوضوء في الوقت ليحصل الطهارة التي لا يجامع الحدث و قس عليه الحال في الوضوء للاشياء المذكورة اذ يجوز أن يكون الغرض من الوضوء حصوله بعض مراتب الطهارة التي لا يكفي في الصلوة فظهر أن القول بامتثال هذه الوجود و الدلايل مما لا يسمن و لا يغني من جوع بل لابد من النظر في الروايات و عمومها و خصوصها و إطلاقها و تقييدها و الترجيح على النحو المقرر المعمول فعلى هذا نقول قد ورد الامر العام بالوضوء عند القيام إلى الصلوة من قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلوة الآية فلا بد من حمله على ظاهره حتى يثبت المخصص و المخصص في الصورة التي توضأ المكلف قبل الوقت للامور المذكورة استحبابا ثابت لعدم تمام الدليل كما عرفت فيجب الحكم بوجوب الوضوء و كذا الحال في قوله ( عليه السلام ) إذا دخل الوقت فقد وجب الطهور و الصلوة هذا في التأهب و أما في التاهب فنقول فيه أن الدليل الذي ذكر سابقا على استحبابه تام اذ على تقدير أن يكون الامر بالصلوة في أول الوقت عاما شاملا لاوله الحقيقي يكون معارضا بالعمومين المذكورين و حملهما عليه ليس أولى من العكس بل الامر بالعكس لعدم صراحته في العموم كما لا يخفى و الشهرة بين الاصحاب و إن عول عليها في بعض المواضع لكن ليس مما لا يمكن الاعتماد عليه حال معارضتها للكتاب و السنة و بهذا ظهر إيراد آخر على أكثر الموارد المذكورة ايضا اذ ليس فيه مستند ظاهر سوى الشهرة كما عرفت و ظهر ايضا حال الوضوء المندوب الذي ذكره القوم في باب الوجوب لنفسه و لغيره لان الظاهر مما ذكروه اما الوضوء للتأهب أو للكون و قد عرفت حالهما و على تقدير كونه فردا ايضا يعلم حاله بالمقايسة فتدبر أللهم إلا أن يمنع عموم الآية و الرواية و نقول بوجوب الوضوء في بعض الاوقات مما وقع الاجماع عليه مثلا و ما نحن فيه لما لم يكن فيه إجماع و لا دليل اخر فيحكم فيه بأصل البرائة و الاستدلال بأن التكليف اليقيني لابد له من البرائة اليقينية ايضا اجزاؤه هاهنا مشكل لان التكليف اليقيني انما هو بالصلوة و الطهارة خارجة عنها نعم وجوبها لها في بعض الصور ثابت بالاجماع أو نحوه فيحكم بوجوبها فيه و أما في البعض الآخر كما فيما نحن فيه فلا و عموم الاشتراط المستفاد من قوله ( عليه السلام ) لا صلوة إلا بطهور لا يجدي هاهنا ايضا لتحقق الطهور في فرضنا و لا يتوهم المنافاة بين هذا و بين ما ذكرنا من جواز كون الصلوة موقوفة على مرتبة معينة من الطهارة لاندفاعه بالتأمل و اعلم أن بعضهم ادعى الاجماع على أن الوضوء المندوب الذي لا يجامع الحدث الاكبر مثل الوضوء لنوم الجنب مبيح للصلوة الواجبة المشروطة بالطهارة و هذا و إن كان الظاهر من كلام ابن إدريس حيث قال و يجوز أن يؤدى بالطهارة المندوبة و الفرض بدليل الاجماع من اصحابنا لكن ذكر في موضع آخر ما يدل ظاهرا عل خلافه قال و إجماعنا منعقد على أنه لا يستباح الصلوة إلا بنية رفع الحدث أو بنية استباحة الصلوة بالطهارة و أما أن توضؤ الانسان بنية دخول المساجد و الكون على طهارة و الاخذ في الحوائج لان الانسان مستحب له أن يكون في هذه المواضع على طهارة فلا يرتفع حدثه و لا يستبيح بذلك الوضوء الدخول في الصلوة انتهى و حمله على ان المراد منه أن الوضوء الواجب بنية هذه الامور لا يبيح الصلوة لا الوضوء المندوب لا يجدي نفعا لانه إذا كان الوضوء الواجب بنية هذه الامور لا يرفع الحدث فكذا المندوب و إذا لم يرفع الحدث لم يبح الصلوة لان بناء حكمهم بإباحة الصلوة انما هو رفعه للحدث إلا بأن يأول بأن الوضوء لهذه الامور بدون نية الرفع أو الاستباحة لمشروط بالطهارة لا يصح لا أنه يصح و لا يبيح فلا يكون مخالفا للاجماع اذ الاجماع انما هو على إباحة الوضوء المندوب إذا كان صحيحا و سيجيء لهذا زيادة بسط في مبحث النية انشاء الله تعالى و كلام العلامة ( ره ) في التذكرة ايضا يدل ظاهرا على الاجماع حيث قال يجوز أن يصلي بوضوء واحد جميع الصلوات فرايضها و سننها ما لم يحدث سواء كان الوضوء فرضا او نفلا و سواء توضأ لنافلة أو فريضة قبل الوقت أو بعده مع ارتفاع الحدث بلا خلاف كالمستحاضة فقولان انتهى و نسب الخلاف فيه إلى بعض الظاهر به لكن قوله سواء توضأ لنافلة أو فريضة مما يوهم ان الاجماع انما هو في الوضوء للصلوة المندوبة و يؤيده ايضا المنتهى ذكر هذا الاتفاق و الخلاف من الظاهر به في خصوص الوضوء للصلوة المندوبة و الواجبة و كلام الشيخ في المبسوط ايضا يشعر ادنى اشعار بعدم إباحة الوضوء لدخول المساجد مثلا للصلوة و إن كان يمكن ايضا حمله على ما حملنا كلام ابن إدريس ( ره ) و بالجملة إثبات الاجماع لا يخلو من اشكال و مراعاة الاحتياط يقتضي ان لا يترك الوضوء في الوقت لاجل الصلوة إذا توضأ قبله لما الطهارة مكملة له بل لغير الصلوة المندوبة نعم إذا توضأ في الوقت لهذه الامور مندوبا و منعنا حكم القول بمنعه كما سيجئ انشاء الله تعالى لكان الاجتزأ به لا يخلو عن قوة لصدق الامتثال ظاهر أو عدم الاحتياط إلى قصد الوجوب و الندب في النية و منع استحالة اجتماعهما و كذا الاجتزاء به في الصلوة الواجبة اليومية اذ ليس ما يدل على عموم وجوب الوضوء لها لجواز كون اللام في الآية للعهد و يكون المراد اليومية لتبادرها و تعارفها و العمومات الدالة على ان لا صلوة إلا بطهور لا ينافيه لان غاية اما يستفاد منها انه لابد في الصلوة من الطهور و هذا ايضا طهور و على تقدير الامر العام بالوضوء ايضا وجوبا حديث صدق الامتثال بحاله هذا ثم ان السيد الفاضل صاحب المدارك بعد أن زيف الاستدلال على هذا المطلب بأنه متى شرع الوضوء كان رافعا للحدث اذ لا معنى لصحة الوضوء إلا ذلك و متى ثبت ارتفاع الحدث انتفى وجوب الوضوء قطعا بما يستفاد مما ذكرها سابقا من جواز أن يكون الغرض من الوضوء وقوع تلك الغاية المترتبة عليه عقيبه و إن لم يكن رافعا كما في الاغسال المندوبة عند الاكثر قال و الاجود الاستدلال عليه بعموم ما دل عليها من الوضوء لا ينقض إلا بالحدث كقوله ( عليه السلام ) في صحيحة اسحق بن عبد الله الاشعري لا ينقض الوضوء إلا حدث و في صحيحة زرارة لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك والنوم و غير ذلك من الاخبار الكثيرة و يؤيده ما رواه عبد الله بن بكير في الموثق عن ابيه عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال إذا استيقنت انك أحدثت فتوضأ و إياك ان تحدث وضوء ابدا حتى تستيقن انك قد أحدثت انتهى كلامه ( ره ) و فيه نظرا ما أولا فلان نقض الوضوء عبارة عن رفع حكمه و نسخ أثره المترتب عليه فمقتضى الروايتين الاوليين على هذا ان الاثر المترتب على الوضوء لا يرتفع إلا بالحدث و إذا اعترف هو نفسه بأن اثر الوضوء في هذه المواضع يجوز أن يكون وقع تلك الغايات المترتبة عليه عقيبه و إن لم يقع رافعا كما نقلنا آنفا فلم يبق فيها دلالة على ما ادعاه أصلا توضيحه ان حاصل ما استدل به ( ره ) ان مقتضى الروايات الكثيرة عدم انتقاض الوضوء إلا بالحدث فمتى لم يقع حدث فالوضوء باق بحاله فيقرر حكمه فيجوز الدخول به في الصلوة الواجبة و الايراد عليه بأن تقرير حكم الوضوء و بقائه بحاله لا يستلزم استباحة الدخول به في الصلوة لانك اعترفت انفا بأن حكم الوضوء في هذه المواضع يجوز أن يكون رفع الحدث و متى لم يرتفع الحدث لم يتسبح الدخول في الصلوة فيحقق هذا الحكم و يقرره لا فائدة له أصلا نعم لو ثبت ان حكمه رفع الحدث لكان كما ذكره و حينئذ لا حاجة إلى التطويل و يرجع إلى الدليل الذي زيفه فإن قلت لا ضير في تجويز كون اثر الوضوء في هذه المواضع وقوع غايته عقيبه و منع كونه رفع الحدث اذ به ايضا يتم ما ادعاه لان حاصل الاستدلال انه إذا ثبت ان الحدث ينقض الوضوء فلو لم يكن الوضوء في هذه المواضع رافعا للحدث لكان الحدث السابق باقيا بحاله فينقض الوضوء و يرفع اثره الذي وقوع غايته عقيبه فيصير عبثا قلت لا دلالة في الروايتين إلا على ان الحدث ينقض الوضوء في الجملة لا أن كل حدث ينقض الوضوء و هو ( ذا ) فحينئذ يجوز أن يكون الحدث اللاحق ناقضا للوضوء لوروده على الوضوء دون السابق لورود الوضوء عليه و نظيره مما يرد عليه و نظيره مما يرد في الاحكام الشرعية مثل تنجيس الماء القليل لورود النجاسة عليه لا وروده عليها كما قيل على انك قد عرفت منع ثبوت صفة مسماة بالحدث يكون اثرا من البول و الغايط و نحوهما و حينئذ فما في الروايات نقض تلك الاشياء للوضوء لا أثرها فانتقض الدليل و أما ثانيا فلان الرواية التي ارودها للتاييد انما يصلح له لو كان المراد منها انه إذا استيقنت انك أحدثت توضأ و لا تتوضأ بعد ذلك الوضوء إلا إذا أحدثت و هو ممنوع بل يجوز أن يكون المراد انك إذا استيقنت بالحدث توضأ و لا تتوضأ ابدا بدون اليقين بالحدث فيكون منطوق الجزء الاخير مفهوم الجزء الاول و حاصله المنع من التوضأ بسبب الشك و هذا أظهر من الاول كما يشهد به الوجدان فإن قلت لا حاجة إلى حمله على المعنى الاول حتى يكون مؤيدا بل على هذا المعنى ايضا يصلح للتاييد لانه إذا نهى عن الوضوء بدون يقين الحدث و لا شك ان فيما نحن فيه لا يقين به لجواز أن يكون الوضوء السابق و أفعاله فلا يجوز الوضوء فثبت الظاهر قلت عدم اليقين بالحدث في الصورة المذكورة ممنوع اذ اليقين بالحدث المتقدم على ذلك الوضوء حاصل و الرافع له متيقن لجواز أن لا يكون ذلك الوضوء و أفعاله كما ذكرنا و قد ورد في الاخبار أن اليقين لا ينتقض إلا باليقين فيكون الحكم اليقين السابق باقيا بحاله فالوضوء للصلوة بعد الوضوء السابق ليس مما حذر عنه لمصادفته اليقين الشرعي و أيضا على تقدير أن يكون المراد المعنى الاول نقول ان قوله ( عليه السلام ) فتوضأ امر و ظاهره الوجوب فالمنع عن الوضوء بعده حين يحصل اليقين بحدث آخر منع عن الوضوء بعد الوضوء الواجب فلا دلالة على المدعى و لا يخفى أن النسخ مختلفة في هذه الرواية ففي بعض نسخ الكافي بالطريق الذي ذكره ( ره ) و في بعض اخرى منها و في نسخ التهذيب بهذه الطريقة إذا استيقنت انك قد توضأت فإياك ان تحدث وضوءا ابدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت و على هذه النسخة دلالتها على المراد ظاهرا و لا يرد ما أوردنا عليه نعم يمكن المناقشة بأنه يجوز أن يكون المراد النهي عن احداث الوضوء بسبب الشك لا المنع عن الاحداث مطلقا كما ذكرنا في فواتح الكتاب و العجب أنه قد أورد في التأييد النسخة الغير المشهورة مع عدم ظهور دلالتها و ترك النسخة المشهورة مع ظهورها و كأنه لم يكن في نسخة ( ره ) هكذا هذا و أما القول بأنه يعتبر في الوضوء لهذه الاشياء المذكورة نية رفع الحدث و استباحة الصلوة مشروط بالطهارة فسيجئ مفصلا في مبحث النية انشاء الله تعالى ( و نوم الجنب ) يدل عليه ما رواه الصدوق ( ره ) في الفقية في باب صفة غسل الجنابة في الصحيح قال و قال عبد الله بن علي الحلبي سئل أبو عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل ينبغي له ان ينام و هو جنب قال يكره ذلك حتى يتوضأ و في حديث آخر انا انام على ذلك حتى اصبح و ذلك اني أريد ان اعود انتهى و ما يتوهم من الحديث الآخر من فعله ( عليه السلام ) النوم المكروه يمكن رفعه بوجهين أحدهما انه ليس فيه انه ( عليه السلام ) انما ينام بغير الوضوء لجواز أن يكون المراد اني انام على الجنابة بغير غسل و ثانيهما ان يقال بكراهة النوم بدون الوضوء إذا لم يرد الاعادة اما مع إرادة الاعادة فلا كما يدل عليه آخر الحديث و بالوجه الاخير يندفع ما يتوهم ايضا من تركه ( عليه السلام ) الافضل نظرا إلى الرواية الاتية و ما رواه الشيخ ( ره ) في زيادات التهذيب في باب الاغسال في الموثق عن سماعة قال سئلته عن الجنب يجنب ثم يريد النوم قال اني احب أن يتوضأ فليفعل و الغسل افضل من ذلك و إن هو نام و لم يتوضأ و لم يغتسل فليس عليه شيء ان شاء و اعلم ان النوم مطلقا ايضا مما يستحب له الوضوء لما رواه الصدوق ( ره ) في الفقية في كتاب الصلوة في باب ما يقول الرجل إذا اوى إلى فراشه قال قال الصادق ( عليه السلام ) من تطهر ثم اوى إلى فراشه بات و فراشه كمسجده و روى ايضا في ثواب الاعمال عن محمد بن كردوس عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال من توضأ ثم اوى إلى فراشه بات و فراشه كمسجده و المصنف اقتصر على نوم الجنب لقوة مستندة ففي تحقيق غاية النوم للوضوء كلام سيجئ انشاء الله تعالى في مبحث النية ( و جماع المحتلم ) يدل عليه ما رواه الصدوق ( ره ) في الفقية في باب الاوقات التي يكره فيها الجماع قال قال رسول الله ( صلى الله عليه و اله ) يكره ان يغشى الرجل المرئة و قد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى فان فعل فخرج الولد مجنونا فلا يلومن إلا نفسه و الحكم مختص بالمحتلم فلا يكره الجماع بعد الجحماع بدون الوضوء و غاسل الميت يحتمل وجهين أحدهما ان يكون عطفا على المحتلم أي يستحب لغاسل الميت إذا أراد الجماع قبل غسل المس ان يتوضأ و الثاني أن يكون معطوفا على الجماع أى يستحب لغاسل الميت أي من يريد غسله ان يتوضأ إذا كان جنبا و الذي يدل عليهما معا ما رواه الشيخ ( ره ) في زيادات التهذيب في أواسط باب تلقين المحتضرين عن شهاب بن عبد ربه عقال سئلت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن الجنب يغسل الميت أو من غسل ميتا ا يأتي أهله ثم يغتسل قال لا هما سواء لا بأس بذلك إذا كان جنبا غسل يده و توضأ و غسل الميت و إن غسل ميتا ثم يأتي أهله توضأ ثم اتى و يجزيه غسل واحد لهما و هذه الرواية في الكافي ايضا في أواخر كتاب الجنايز في أول باب النوادر و ذكر الحايض المشهور بين الاصحاب استحباب الوضوء لذكر الحايض و قال علي بن بابويه بالوجوب و الاظهر الاول لشهرة و عدم ما يدل على الوجوب ظاهرا مع اصالة البرائة فلنذكر الروايات الواردة في هذا الباب منها ما رواه الشيخ ( ره ) في التهذيب في باب حكم الحيض في الحسن أو الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر ( عليه السلام ) قال قال إذا كانت المرئة طامثا فلا تحل لها الصلوة و عليها أن تتوضأ وضوء الصلوة عند كل وقت صلوة ثم تقعد في موضع طاهر فتذكر الله عز و جل فتسبحه و تهلله و تحمده بمقدار صلوتها ثم تفرغ لحاجتها و هذا يمكن أن يكون متمسكا لا بن بابويه ( ره ) باعتبار دلالته عليها على الوجوب و الجواب منع كونها حقيقة في الوجوب و مع تسليمه تحمل على الاستحباب مجازا بقرينة ما سنذكره و منها ما رواه ايضا في هذا الباب في الحسن عن زيد الشحام قال سمعت ابا عبد الله ( عليه السلام ) يقول ينبغي للحايض أن تتوضأ عند وقت كل صلوة ثم تستقبل القبلة فتذكر الله عز و جل مقدار ما كانت تصلي و كلمة ينبغي في هذه الرواية الدالة ظاهرا على الاستحباب قرينة على حمل كلمة على في الرواية السابقة على الندب فإن قلت على تقدير كون كلمة ينبغي ظاهرة في الاستحباب لا ، أصل الرجحان ثابت و الاصل عدم الوجوب حتى يثبت و لم يثبت لوجود المعارض فإذن الحكم الثابت بالنسبة إلينا الاستحباب ؟ نحمل كلمة عليها على الاستحباب البتة مع ان لنا قرينة أخرى على الاستحباب كما سنذكر فترجيح على قرينة الوجوب و هاتان الروايتان في الكافي ايضا في باب ما يجب على الحايض في أوقات الصلوة و منها ما رواه في الكافي في هذا الباب عن معوية بن عمار عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال تتوضأ المرأة