يمكن ان يتصور البعض حضور اللّه سبحانه في كل مكان كوجود قوة الجاذبية او وجود الـ (اتر) (مـادة مفترضة ليس لها وزن ولا لون تملا الوجودباكمله وموجودة حتى في الفراغ ) , في حين ان جـمـيـع هذه الامور هي من قبيل الوجود في مكان , اي وجود قسم من امواج الجاذبية او ذرات الـ (اتر) في كل زواية زوايا العالم وهذا المطلب يستلزم وجود الاجزا المركبة من ناحيه ,والحاجة الى المكان من ناحية اخرى . فـي حـيـن ان مـفهوم وجود اللّه سبحانه في كل مكان هو انه تعالى فوق المكان , لذا فلا معنى للبعد والـقـرب عنده , واذا اردنا ان نتصور مثالا ـ مع انه لايعني بالغرض ـ حول هذا المفهوم , يجب ان نـشـبه حضوره بحضور المعادلات العلمية , والمسائل العقلية في كل مكان , كقولنا الكل اكبر من الجز , واستحالة اجتماع النقضين , و 2 * 2 4. وتصدق مثل هذه الامور في الكرة الارضية , وفي كوكب القمر , وفي كوكب المريخ , وفي ما ورا الـمـجرات , فالكل اكبر من الجز في جميع هذه الامكنة , واجتماع النقيضين محال فيها ايضا , في حين انه لا يوجد مكان ومحل معين لهما. ومن الاهمية بمكان الالتفات الى هذه الصفة الالهية وهي مثول العالم باكمله بين يدي اللّه سبحانه له تـاثـيـر تـربـوي عميق في نفس الانسان , فكيف يمكن ان يكون لاحد ايمان بمثل هذا الامر ويرى حـضـور مولاه العظيم الحكيم وولي نعمته , ويسلك طريق الخطايا ويلوث نفسه بالذنوب المشينة ويعصي اوامره والـلـطيف هو ان الايات التي ذكرناها اعلاه بخصوص حضور اللّه تعالى في كل مكان , تؤكد غالبا عـلـى نفس هذا الاثر التربوي , لذلك فقد ورد في بعضها(واللّه بما تعملون بصير) , وفي البعض الاخر ((ونعلم ما توسوس به نفسه )). فـليس الحضور الالهي خارج وجودنا فقط , فهو تعالى موجود في نفوسناوقلوبنا واعماق ارواحنا ايـضـا , كما قال مولى المتقين علي (ع ) , في وصف اللّه عز وجل ((الباطن لكل خفية , والحاضر لكل سريرة , العالم بما تكن الصدور وما تخون العيون )) ((169)) . وقـال (ع ) في خطبة اخرى (فاتقوا اللّه الذي انتم بعينه , ونواصيكم بيدة ,وتقلبكم في قبضته , ان اسررتم علمه , وان اعلنتم كتبه )) ((170)) .