7 ـ.المتصوفة ومسالة الحلول
قـال الـعـلامـة الحلي في كتاب (نهج الحق ) ((ان اتحاد اللّه مع غيره بحيث يصيران شيئا واحدا باطل , بل وبطلانه يعد من البديهيات )) , ثم اضاف قائلا فض جماعة من متصوفة اهل السنة هذه الـحقيقة وقالوا(ان اللّه يتحد مع بدن العرفا ويصيرا شيئا واحدا الـمـوجـودات وكـل مـوجـود هـو اللّه (اشارة الى مسالة وحدة الوجود المصداقية ) ثم قال هذا عين الكفر والالحاد , والحمد للّه الذي ابعدنا عن اصحاب هذه العقائد الباطلة ببركة الالتزام بمذهب ائمة اهل البيت (ع ).
وقال في بحث الحلول من المسائل المسلم بها ان اي موجود يريد ان يحل في آخر يحتاج الى مكان , ولان اللّه واجب الوجود ولا يحتاج الى شي ,اذا فحلوله في الاشيا محال .
ثـم اضـاف قـائلا ((رفض متصوفة اهل السنة هذه المسالة واعتقدوابامكانية حلول اللّه في بدن الـعـرفـا)) , ثـم ذم هـذه الجماعة بشدة وقال ولقدشاهدت جماعة من الصوفية في حضرة الامام الـحسين (ع ) وقد صلوا صلاة المغرب سوى شخص واحد منهم كان جالسا لم يصل , ثم صلوا بعد ساعة صلاة العشا سوى ذلك الشخص الذي ظل جالسا فـسالت بعضهم عن ترك صلاة ذلك الشخص فقال ماحاجة هذا الى الصلاة وقد وصل ان يجعل بينه وبين اللّه تعالى حاجبا ؟ فقلت لافقال الصلاة حاجب بين العبد وربه ((191)) .
وقـد ورد نفس هذا المفهوم في مقدمة الدفتر الخامس لكتاب المثنوي بنحو آخر, يقول (يصح ذلك اذا بـلـغـت الـمقصود , لذا فقد قالوا((لوظهرت الحقائق بطلت الشرائع )) الـكـيميا (العلم الذي يمكن بواسطته استخلاص الذهب من النحاس ) فقال ماحاجة الذهب الاصيل , اوالـذهـب الـمستخلص الى علم الكيميا ((192)) .
وقـد نـقـل عـن (صـاحـب الـمـواقف ) في كتاب (دلائل الصدق ) في شرح (نهج الحق ) قوله بان نـفـي (الـحـلول ) و(الاتحاد) ثلاث طوائف , واعتبر بعض المتصوفة من الجماعة الثانية وقال ان كـلامـهم متذبذب بين الحلول والاتحاد(يقصد بالحلول نفوذ اللّه في الاشيا ويقصد بالاتحاد الوحدة بينه وبين الاشيا).
ثـم اضاف قائلا رايت بعض (المتصوفة الوجوديين ) ينكرون الحلول والاتحاد , ويقولون توحي هـاتـان الكلمتان بمغايرة اللّه للمخلوقين , ونحن لانؤمن بذلك غيره ديار) وهنا يقول صاحب المواقف ان هذا العذر اقبح من الذنب ((193)) .
وبـالطبع فان للمتصوفة الكثير من قبيل هذا الكلام الذي لا يتناسب مع الموازين ومنطق العقل , ولا مع منطق الشرع .
وعلى اي حال فان الاتحاد الحقيقي بين شيئين محال , كما ورد في كلام المرحوم العلامة , لان هذا الكلام عين التضاد, فكيف يمكن لشيئين ان يصيراشيئا واحدا , اضافة الى ذلك فلو اعتقد احد باتحاد اللّه مع جميع المخلوقات اوخواص العرفا والواصلين , لاستلزم ان يتصف بصفات الممكنات كالزمان ,والمكان , والتغير , وما شاكل ذلك .
واما بخصوص (الحلول ) , اي نفوذ اللّه في الاشيا , فيستلزم خضوعه للمكان , وهذا شي لا يتناسب ابدا مع وجوب وجود اللّه سبحانه وتعالى ((194)) .
والـخـلاصـة ان الـصـوفيين يعتقدون بعدم امكانية اثبات مثل هذه الادعاات بالادلة العقلية , وغالبا مـايـفـصـلـون طـريـقهم عن طريق العقل ,ويستعينون بسلسلة من المسائل الذوقية الخيالية التي يـسـمـونـهـا(طـريـق القلب ) ,ومن المسلم به لايمكن التوقع ممن يرفض منطق العقل سوى هذا الكلام المتناقض .
ولذلك فقد ابتعد عنهم كبار العلما وطردوهم دائما وفي جميع العصور.
فالقرآن الكريم يستند في الكثير من آياته على العقل والبرهان ويعدهماطريقا لمعرفة اللّه .
وبـهذا الكلام , وبالبحوث التي اوردناها بصدد (نفي الشريك والشبه ) ,و(نفي الصفات الزائدة عن الـذات الالـهـية المقدسة ) , نصل الى نهاية بحث (صفات جلال اللّه ) بصورة كلية واساسية , وقد اتضحت لنا جزئياته في ظل الاصول التي ذكرت , بصورة جيدة .
ولنبحث الان صفات الفعل الالهي بعونه تعالى .