وتـعـطي كلمة حفظ معاني مختلفة تبعا لاختلاف الموارد والموضوعات على الرغم من كون اصلها واحـد , فقد يقال حفظ المال , اي من التلف , و فظ الامانة , اي من الخيانة ,و حفظ الصلاة , اي مـن الـفـوت , و حـفظ فلانا,اي رعاه , و حفظ يمينه وعهده , اي من مخالفته , و حفظ الامر الفلاني , اي اودعه في ذهنه (بحيث لاينساه ) ((213)) . ومن هنا يتضح معنى كلمة (حافظ) ايضا ,وتعتبر كلمة التي هي صفة مشبهة ابلغ معنى واكثر ثباتامن كلمة (حافظ) التى هي اسم فاعل (تامل جيدا). وعـلـى اي حـال , فـعـنـدما تختص هذه الصفة باللّه تعالى فانها تعطي معنى واسعا يشمل حفظ اللّه ورعايته لجميع الموجودات المادية والمعنوية ,والسماوات والارض , وكذلك حفظ اعمال العباد, والشرائع والكتب السماوية ,وحفظ الانبيا والائمة المعصومين من المزالق (الخطايا) , وحفظ اي عهد عاهدبه عباده . وعليه فان (حافظية ) اللّه و(حفيظيته ) تشمل مفاهيم اخرى (كالقيمومة ). ولولا الحفظ الالهي لما بقي في السما والارض موجود على قيد الحياة لحظة واحدة , كما ورد في الايـة 61 مـن سـورة الانـعام (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى اذا جا احدكم الموت توفته رسلنا وهم لايفرطون ). يـتـضح من هذه الاية ان اللّه قد امر الملائكة بحفظ الناس من الحوادث والبلايا حتى وصول الاجل المعين . وقد ورد شبيه لهذا المعنى في الاية (11) من سورة الرعد , قال تعالى له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر اللّه ). ونـظيره ما جا عن امير المؤمنين علي (ع ) في نهج البلاغة ((ان مع كل انسان ملكين يحفظانه فاذا جا القدر خليا بينه وبينه )). وقد ورد في سورة الانفطار ايضا مايخص الملائكة المكلفين بحفظماتفعلون ) (الانفطار , 10 / 12 ). وعـلـيه فان حفظ اللّه , بالمعنى الواسع للكلمة ,يتحقق عن طريق علمه وقدرته سبحانه من جهة , وعن طريق الملائكة المكلفين بادا هذه المهمة من جهة اخرى . وكلمة (رقيب ) كما ورد في المفردات هي بالاصل مشتقة من مادة (رقبة )اي العنق , واطلقت فيما بـعد على المحافظين والمراقبين , اما لكونهم يحفظون رقبة من يرعونه ويحمونه (لان الرقبة من اهـم اعـضا البدن فانها تعد كناية عن كل وجود الانسان ) , واما لانهم يمدون رقابهم وينظرون الى مـاحـولـهـم بـحـذرتـحـسـبـا مـن الـمـخاطر , لذلك يطلق على المحل الذي يقف فيه مثل هؤلا الافراد(المرقب ) ((214)) . الا انه ذكر في بعض كتب اللغة عكس هذا المفهوم , اي ان المفهوم الاصلي لهذه الكلمة هو الحراسة والاشراف على الشي , وانما سمي العنق (بالرقبة ) لانه يستعان بحركاتها عند الحراسة والمراقبة بواسطة العين والاذن ((215)) . وقـد ورد فـي كـتـاب (العين ) بان اصل هذه الكلمة يعني (الانتظار) , وفي كتاب مقاييس اللغة بانه يعني ( الاستطالة برعاية شي وحراسته ). وعلى اي حال فعندما تختص هذه الصفة بالباري تعالى فانها تعني الحافظ الذي لا يخفى عليه شي . ومـن الـطـبـيعي ان رعاية اللّه وحفظه لما في الوجود , وجميع العباد ,واعمالهم , تكون بواسطة وجوده في كل مكان , فلا حاجة له الى نظر او مدرقبة , ولا ماشاكل ذلك من عوارض الموجودات المادية . ووردت كـلـمـة (مهيمن ) في موضعين من القرآن الكريم , الاول في الاية 23من سورة الحشر , كصفة للّه , والتي ذكرناها اعلاه , والثاني في الاية 48 من سورة المائدة , كصفة للقرآن الكريم . وهـنـاك رايان حول اصل هذه الكلمة , يتمثل الاول باعتقاد جماعة بانهاماخوذة من مادة (هيمن ) اي بـمعنى الرعاية والحفظ ,لكن الكثير من ارباب اللغة يعتقدون بانها مشتقة من مادة (ايمان ) التي تبدلت هـمـزتـهـا الى ها, وتعني الواهب للسكينة والامان , وعندما تختص هذه الكلمة بالباري تعالى فانها تاتي بمعنى الحفيظ. وفسرها البعض بمعنى الشاهد والناظر او القيوم بامور الخلائق ((216)) . وقد ورد في مصباح الكفعمي عن بعض العلما ـ حول تفسير هذه الكلمة ـ انها تعني الحافظ لاعمال العباد ومقدرات اعمارهم وارزاقهم ((217)) ولكن كما قلنا ان لهذه الكلمة معنى اوسع . مـن مجموع ماذكرناه في تفسير هذه الصفات السبع , التي لها مفاهيم متقاربة او متلاصقة مع بعضها , تتجلى امامنا صفحة اخرى من المعارف وصفات الفعل الالهية , صفحة ذات آثار تربوية ثمينة وقيمة جدا. انـهـا تدعو الناس الى فعل الخيرات واجتناب اي لون من القبائح والسيئات , وذلك لانهم يعلمون بان اللّه يراهم حيثما كانوا , وتطمئنهم ازاالحوادث الصعبة , لانهم يعلمون بان اللّه هو الحافظ. لـهـذا فـانـنـا نقول بان ذكر الصفات الالهية في القرآن الكريم ذو هدفين اساسيين احدهما رفع مستوى معرفة الانسان بربه , والاخر تربيته في مختلف الجوانب .