جـات كـلـمة (رزاق ) و(رازق ) من مادة (رزق ) , وفي الاصل بمعنى العطاالمستمر وفي اوقات معينة , سواا كان دنيويا ام اخرويا ومعنويا , وقد يطلق الرزق احيانا على (النصيب والربح ). وقـال الـبـعـض ايضا ان (الرزق ) في الاصل بمعنى (الانعام والعطا)الخاص المناسب لحال الفرد وحـاجـتـه , لتستمر حياته ومعيشته , وهنا يفترق مفهوم الرزق عن مفهوم (الاحسان ) و(الانعام ) و(العطا) و(الربح والنصيب )و(الانفاق ) ((220)) . والـجـديـر بـالـذكر ان التعبير الفارسي المقابل لكلمة (رزق ) وهو (روزي )يعطي مفهوم الانعام والعطا اليومي وفي اوقات معينة ليشمل جميع الاشخاص . ولا يـخـفى ان الرزق الحقيقي هو الاشيا التي يحصل عليها الانسان بالطرق المحللة , واما مايحصل عليه من الطرق المحرمة فهو بالحقيقة رزق كاذب . يـسـتـنتج مما ذكرناه ان الرزق ياتي بالمرحلة التي تلي الخلق وايجادالانسان , ويرتبط باستمرار حـيـاتـه الـمادية والمعنوية , ولذا اعتبر البعض ان اصل وجود الانسان او قواه وامكانياته جز من الـرزق ( كـالـمـرحـوم الـكـفـعمي في المصباح حيث يقول ان رزق اللّه يعني بانه خلق الارزاق والمرتزقين ) , وهذافي الحقيقة نوع من المجاز والاتساع في المعنى الحقيقي . وعـلـى اي حـال فـان وصـف الـباري في الايات اعلاه بصفة خير الرازقين )يشير الى النواحي المختلفة التالية فـمـن ناحية ان اي شي يعطيه الباري انما هو من عنده , وكل مايمنحه الاخرون فهو ليس منهم , بل هم واسطة لانتقال الارزاق . ومـن ناحية اخرى انه سبحانه يعطي كل شي من انواع النعم المادية والمعنوية والروحية الدنيوية والاخروية , الظاهرية والباطنية , العلنية والخفية و, في حين ان كل شي يعطيه الاخرون محدود من جميع النواحي . ومن ناحية ثالثة انه تعالى ياخذ بنظر الاعتبار حاجة العباد عند تقديرارزاقهم ويرزقهم بما يناسب حالهم , لانه عليم باسرار المرتزقين الظاهرية والباطنية , ونعلم ان الاخرين ليسوا كذلك . ومن ناحية رابعة انه الرزاق الذي لا تنفد خزائنه ابدا لان خزائن كل الاشيا بيده (وان من شي الا عندنا خزائنه ) (الحجر / 21) , في حين يتصف الاخرون بالمحدودية التامة من هذه الجهة . ومن ناحية خامسة انه الرازق الذي يتناول من مائدته الصديق والعدو ,وجميعهم يتزودون من نعمته بمقتضى كونه الرحمن والرحيم . لكن الاخرين لا يفكرون سوى باصدقائهم واقربائهم . ومـن ناحية سادسة انه لا ينتظر لقا عطائه وانعامه جزا ولا شكورا , لانه غني من كل ناحية , لكن الاخرين ينتظرون الف لون من قبيل ذلك . ومـن نـاحية سابعة ان رزقه بدرجة من السعة والشمول بحيث يبدا منذلحظة انعقاد النطفة في عالم الـرحـم , ويستمر طيلة مرحلة وجود الجنين في بطن امه , وبعد الولادة من خلال حليبها وحنانها ايـضـا , حتى لحظات الموت الاخيرة , فهل من رازق يناظره ؟ اجل هذا سر قوله سبحانه ( خير الرازقين ). واللطيف هو ماورد في روايات عديدة منقولة عن اهل البيت (ع ) حول تفسير الاية الشريفة التالية (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ) (التكاثر/ 8 ) (ان اللّه اجل من ان يسال الناس يوم القيامة عن ماكلهم ومـشـربـهـم , فـهـذا فضله على عباده ولن يسالهم عنه بل عن (العقائد الحقة ) ومن جملتها(نعمة الولاية )((221)) . وعـليه فقد عكست لنا هذه الرواية معنى آخر من معاني (خير الرازقين )لانه سبحانه ـ طبق ماجا في الحديث ـ لايسال عن هذه الارزاق امـا الـسـر مـن اطـلاق كـلـمة (الرزاق ) على الباري تعالى , ثم (ذو القوة المتين )فهو لان كلمة (الـرزاق ) صـيـغـة مـن صـيـغ الـمبالغة , وترمز الى انواع الارزاق التي يهبها اللّه المنان لجميع الـمـرتـزقين , لذا لا تليق هذه الكلمة الا بشانه , بل وكمااشرنا سابقا من ان سواه لايمكن ان يكون (رازقا) ناهيك عن ان يكون رزاقا. لان اولـئك لايـمـلـكـون شـيئا ليمنحوه للغير , بل يمكنهم ان يكونوا واسطة لايصال الارزاق الى الاخرين . وكـلـمـة (متين ) تعني المحكم , واخذت من مادة (متن ) التي هي في الاصل تعني العضلتين القويتين الـمـوجـودتـيـن على جانبي العمود الفقري اللتين تقويان ظهر الانسان وتجعلاه مستعدا لممارسة الاعمال الثقيلة , لذا فقد وردت بمعنى منتهى القدرة والقوة . ووصف الباري بهاتين الصفتين يرمز الى قدرته التامة على ايصال الرزق الى عباده اينما وحيثما كانوا , ولا يحتاج الى شي . ان الـتـمعن في هذه الصفات الالهية الخاصة يمنح المؤمنين السكينة ,ويغينهم عن السير في الطرق المحرمة لتحصيل ارزاقهم , بل يحثهم على طلب الرزق الحلال , ايمانا بلطفه سبحانه . كـلـمة (كريم ) ماخوذة من مادة (كرم ) والتي تعني الشرف والقيمة الذاتية اوالاخلاقية ـ حسب راي مـقـايـيـس الـلـغة ـ لذا يطلق على الغيوم الممطرة (كريمة )وعلى الارض المنتجة الخصبة (مكرمة ). ويقول الراغب ايضا اذا كانت كلمة (كرم ) صفة للانسان فانها تعني الاخلاق والافعال الحميدة التي تبدر منه , واذا كانت صفة للّه فانها تعني الاحسان والانعام العلني الواضح . وللمفسرين تعابير مختلفة حول تفسير كلمة (كريم ) عندما تاتي كصفة للّه سبحانه وتعالى . فـقـد قال جماعة ان كلمة (كريم ) تعني الواهب الذي لايفعل الا الاحسان ,ولا يقصد من ورا ذلك الحصول على اي ربح . وقال جماعة آخرون (الكريم ) هو من يقبل القليل ويجزي ازائه بالكثير. وقال بعضهم (الكريم ) هو الذي لا ينفد عطائه ابدا. وقال آخرون ايضا (الكريم ) هو من يعطي مايجب عليه ومالا يجب . ولا يوجد دليل خاص حول ترجيح اي من هذه التفاسير , ولكن بما ان كرم اللّه اكمل انواع الكرم , فانه يشتمل على جميع هذه المفاهيم وغيرها. ويـحـذر الانـتباه الى هذه المسالة ايضا وهي ان هذه الكلمة قد وردت في القرآن الكريم على عدة وجوه , فاحيانا كصفة للرزق مثل ورزق كريم ) (الانفال / 4). واحيانا كصفة للملائكة مثل (ملك كريم ) (يوسف / 31). واحيانا كصفة للعرش مثل (رب العرش الكريم )(المؤمنون / 116). واحيانا كصفة للقرآن مثل انه لقرآن كريم )(الواقعة / 77) , ولكل واحدة من هذه الامور نوع من (الكرامة ) والقيمة السامية . واشتقت كلمة (حميد) من مادة (حمد) وتعني الثنا , وبعكسها الذم والتوبيخ , لذا (فالحميد) هنا ياتي بـمـعـنى (المحمود) , ويرمز الى استحقاق اللّه لكل انواع الثنا , الثنا على ذاته المقدسة المنقطعة الـنـظـيـر , الـثـنا على صفاته واسمائه , الثنا على افعاله واعماله الحميدة , وبالنهاية الثنا على كل تلك المواهب والارزاق المادية والمعنوية المتنوعة التي لجميع عباده . قـال الـمـرحوم الكفعمي في مصباحه (الحميد) هو من يستحق الثنا على افعاله في السرا والضرا والافراح والاحزان ((222)) . وقال ابن الاثير في النهاية (الحميد) كصفة من صفات الخالق تعني المستحق للحمد والثنا في جميع الاحوال واضاف قائلا مفهوما (الحمد) و (الشكر) متقاربان من بعضهما, ولو ان الحمد اكثرعموما , لان الحمد يشمل كلا من الصفات الذاتية والعطايا والمواهب , في حين ان الشكر يشمل المواهب والعطايا فقط لا الصفات . وعـلـى اي حـال , فـان تعبير (الحمد) كما قلنا انه ذو مفهوم واسع يشمل الثنا على كل من الذات والصفات والافعال . ويجدر الانتباه الى ان كلمة (حميد) قد تكررت في ستة عشر موضعا من القرآن , وغالبا مارافقتها صـفـة (الغني ) او (العزيز) , ولعل السبب في ذلك هو كون الاثريا والاقويا يقودهم غرورهم في الـغـالب الى ممارسة الافعال غير المتزنة والذميمة التي هي محل للمذمة والتوبيخ , اما اللّه سبحانه فـفي نفس الوقت الذي نجده غنيا وعزيزا , لايصدر منه سوى الافعال المحمودة , ولا يوجد من بين صفات جماله وكماله اي صفة ذميمة , اذا فهو (حميد) من كل ناحية ويستحق الثنا. وجـات كلمة (الفتاح ) من مادة (فتح ) , كما قال الراغب في المفردات وابن فارس في مقاييس اللغة انها تعني بالاصل فتح كل مغلق سوا فتح باب ام حل مشاكل اخرى . لـذلك يطلق مصطلح (الفتح ) على النصر , لانه يحل مشكلة الحرب ,ويطلق على الحكم ايضا , لانه يحل النزاع . ولـهذا التعبير معنى واسع جدا عندما يعبر به عن الخالق جل وعلا , فهويشمل كل من فتح الابواب المسدودة , وحل جميع معضلات العباد المعنوية والمادية , والحكم بالحق , والحكم الفصل . قـال المرحوم الكفعمي في مصباحه الفتاح ) معناه الحاكم بين عباده ,وفتح الحاكم بين خصمين اذا قـضـى بـينهما وايضا , الذي يفتح ابواب الرزق والرحمة لعباده , وهو الذي بعنايته ينفتح كل مغلق ((223)) . والاثـر الـتـربوي الناجم عن التمعن بهذه الصفة الالهية واضح جدا , فمن يعتقد بان اللّه وحده هو الحاكم , ويعتقد بان حل المشاكل وفتح الابواب المغلقة يسير عليه سبحانه , لا يهاب حجم المشاكل وصـعـوبتها ابدا , ولا تتراكم على قلبه ذرات غبار الياس والقنوط , ولا يكف عن الجد والاجتهاد المصحوب بالايمان بالنصر بلطفه سبحانه . يـجـدر الانـتباه الى ان كلمة (الفتاح ) لم تتكرر اكثر من مرة في القرآن وقدرافقتها صفة (العليم ) وهـذا يـوضـح صلتها بصفة (الفتاح ) , وذلك لان حل المشاكل وفتح عقد المعضلات يحتاج الى علم وفير , فالعليم بكل شي هو الذي يستطيع حل جميع المشاكل , واذا مااردت ـ ايها الانسان ـ ان تحل مشكلة في حياتك او حياة الاخرين فعليك ان تحيط بها علما بالمستوى المطلوب ولعل وصف الباري بصفة (خير الفاتحين ) , في الاية الشريفة (89) من سورة الاعراف , عن لسان قـوم شـعـيـب , (ربـنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين ) يعود الى التاكيد على هذا الـمفهوم ايضا , لان الفاتحين الجهلا لايمكنهم دائما ادا افعالهم بشكل لائق , لذا فخير الفاتحين هو الفتاح العليم بكل شي وفي جميع الاحوال .