كـلـمـة ( حسيب ) مشتقة من مادة ( حساب ) , وقد ذكر في مقاييس اللغة عدة معان لها هي العد , الكفاية , و ( حسبان ) تعني نوع من الوسائد الصغيرة ,و ( احسب ) تعني مرض جلدي , لكن كتاب التحقيق ارجع جميع هذه المعاني الى معنى واحد وهو البحث للاطلاع على حال شي معين والتحقيق عنه ,ولكون العد وسيلة لتحقق هذا المعنى كما ان الكفاية من لوازمه ونتائجه , فانهااستعملت في هذا المجال ايضا. فكلمة ( حسب ) على وزن نسب , تعني كون الابا والاجداد ذوي شخصيات ومقامات يمكن ذكرها وكذا ( احتساب المصيبة ) فانها تعني احتساب المصيبة على اللّه وطلب ثوابه . و (( حسبان )) ( على وزن غفران ) تعني الصاعقة والعذاب , لانها العقوبة التي يلقاها بعض الاقوام بعد حساب اعمالهم . وعـلـى اي حـال , عـنـدما تستعمل كلمة ( حسيب ) بخصوص الباري سبحانه ـ كما قال المرحوم الـصـدوق (ره ) ـ فـانها تعطي احد المعاني الثلاث التالية الذي احصى كل شي في الوجود وعليم وخبير به , والذي يتولى محاسبة العباد في القيامة ومجازاتهم , والذي يكفي امور العباد ((286)) . ولـكن يفهم من الايات القرآنية ان هذه الكلمة تعني (( تولي الحساب )) لانهاجات بهذا المعنى على الاقل في ثلاثة مواضع من المواضع الاربعة المذكورة في القرآن الكريم . ومن هنا يتضح ان كلمة ( حسيب ) متقاربة مع صفتي ( سريع العقاب ) ,و ( اسرع الحاسبين ). وللمفسرين آرا مختلفة حول سبب اتصاف الباري بصفة ( اسرع الحاسبين ). يقول القرطبي في تفسيره ( لانه لا تحتاج محاسبته الى اي نوع من التفكر ) ((287)) . ويـقـول الالـوسي في روح المعاني لانه سبحانه يحاسب جميع الخلق باسرع وقت دون ان تشغله محاسبة فرد عن محاسبة غيره ((288)) . وقد اورد المرحوم الطبرسي نفس هذا المعنى في مجمع البيان ((289)) . وقـد وردت تـعـابير ظريفة حول هذا الموضوع في الاحاديث الاسلامية ايضا , فقد نقل عن امير المؤمنين علي (ع ) انه قال ((معناه انه يحاسب الخلق دفعة كما يرزقهم دفعة )) ((290)) . وفي حديث آخر (( انه تعالى يحاسب الخلائق كلهم في مقدار لمح البصر )) ((291)) . وورد في حديث آخر (( انه سبحانه يحاسب جميع عباده على مقدار حلب شاة )) ((292)) . وقد اورد المفسرون الاخرون ايضا نفس هذه التعابير تقريبا ولكن الحق ان اي واحد منها لا يمكنه تبيان عمق الكلمات المذكورة اعلاه , وبالحقيقة يجب القول ان اللّه لا يحتاج الى حساب لان جميع اعمال العباد ما ثلة بين يديه في آن واحد. والـظـريف هو ما توصلت اليه العقول الالكترونية المصنوعة التي تستطيع القيام بمئات الملايين او الـملياردات من الحسابات الرياضية في ثانية واحدة اوعدة ثوان , مما يدل على عمق ما توصلت اليه سرعة الحساب في عصرناالحالي فـفـي الـوقت الذي يستطيع البشر ـ بكل ضعفه ونقائصه ـ التوصل الى هذه السرعة الحسابية , لا توجد حاجة اذن الى توضيح ( اثبات ) سرعة حساب القادر العلي الذي قدرته غير محدودة وعلمه غير متناه . وكـمـا اشـرنا في التفسير النموذجي ايضا , ان آثار اعمال الانسان ستبقى وتتراكم وتصير بذاتها خـيـر وسيلة للحساب , وهي على وجه التشبيه كالمعامل التي تحتوي مكائنها على عدادات لاحصا عـدد دورات الـماكنة او كالسيارات التي يتصاعد العدد الذي يعده عداد المسافة الموجد فيها كلما قـطعت مسافة اكبر ,فلا توجد حاجة الى الحساب لمعرفة معدل عمل مكائن ذلك المعمل اوالمسافة التي قطعتها هذه السيارة , فكل شي واضح ومهيا. لهذا يجب ان ندرك ان علم اللّه اللامحدود وان ديمومة حضور الباري في كل مكان من عالم الوجود من جهة , وبقا آثار الاعمال وتراكمها من جهة اخرى سيؤدي الى تسريع حساب الخلائق كلها كلمح البصر. ان الـبـلاغ الذي تحمله هذه الصفات الالهية ( حسيب , سريع الحساب , اسرع الحاسبين ) هو انها تـحذر جميع الناس من تناسي احقر الذنوب واصغرها ,وتجعلهم على يقين بان محاسبهم من لا تخفى عـلـيـه ذرة مـن اعـمال الناس الصالحة والطالحة , وان النسيان لا يجدي نفعا في محوها , وسينهي تـعالى حساب جميع هذه الاعمال يوم القيامة بلمحة بصر , هذا من جهة , ومن جهة اخرى تلقن الناس درس الـمـحـاسبة في جميع امور الحياة , ليحسبوا لكل عمل وكل شي وكل امر من حياتهم حسابه دون آن يتركوه سدى . امـا كـلـمـة ((عقاب )) فهي مشتقة من مادة ( عقب ) ووزنها خشن ـ المستعملة بمعنى كعب القدم , واطلقت فيما بعد على مؤخرة كل شي , ولكن ذكر لها في مقاييس اللغة معنيان الاول تعاقب شي مع آخر , والثاني المرتفع والشدة والصعوبة ( لذاوردت عقبة بمعنى منعطف ). وانما اطلق على عقوبات الاعمال ( عقاب ) لكونه عذابا يصيب الانسان عقب ارتكابه الاعمال السيئة . وكذلك يطلق على الاولاد والاحفاد ( اعقاب ) لانهم ياتون عقب الاب والجد , ويطلقون على الطير المعروف اسم العقاب لانه يعقب فريسته بسرعة . وعـلـى اي حال فان وصف الباري بصفة ( شديد العقاب ) لا يعني ابدا ان يتجاوز عقابه على مقتضى اصـول الـعدالة بل لكون مجازاته وعقوباته دنيوية وآخروية , جسمية وروحية , ولا يامن منها اي احد من المجرمين , ولا تقوى اية قدرة على التصدي لها. فـقـد يهلك اللّه قرية ظالمة في لحظة واحدة احيانا , فيمطر حجارة على الاشرار , واحيانا يامر امواج البحر لتغرق فرعون وجنده والمتغطرسين في زمن قصير لتحيلهم طعاما لاسماك البحر. واحيانا يامر الريح العاصفة لتهلك الظالمين وتذري قصورهم في الفضاوترمي بها في نقاط نائية . واحـيانا يرسل طيرا ابابيل لترمي اصحاب الفيل بحجارة من سجيل وتهلكهم وتجعلهم كعصف ماكول لتمنعهم من التقدم لهدم الكعبة . وبـالتالي يامر اللّه تعالى السما لتمطر مطرا غزيرا ويامر عيون الارض لتتفجر بالما فيغطي سطح الارض سيل عظيم ولا يبقي عليها الا سفينة النجاة للاطهار المحسنين اجـل انـه شـديد العقاب في المحل المناسب , وهذه الصفة تعد تحذيرالكل الذين يستهينون بمعصية الباري ويرتكبون ما شاؤوا من الذنوب دون ان يتفكروا في عواقبها , مستغلين لطف الباري وكرمه . اجـل انه (( ارحم الراحمين )) ولكن في موضع العفو والرحمة , واشدالمعاقبين في موضع النكال والنقمة الـلهم عاملنا بلطفك ورحمتك , وخلصنا من اسر عذابك , فنحن نقر لك بذنوبنا , ونعتذر الى جنابك من تقصيرنا.