ان كـلـمـة (سـلام ) ذات مـفهوم مصدري , واحيانا يستعمل هذا المصدركصفة , فمعناه في الحالة الاولـى ـ كـمـا ورد فـي مقاييس اللغة ـ (الصحة والعافية ) ,وانما سمي الاسلام بهذا الاسم لانه يـحـجـز الانـسـان عـن مـعصية الحق ومخالفته ,ويدفع به الى الانقياد والطاعة , وكذلك سميت (التحية ) سلام لانها دعاللسلامة . وتـستعمل كلمة (سلام ) بمعنى (الصلح ) ايضا , لانه سلام من الحرب وسفك الدما , ويسمى المبلغ الـذي يدفع كمقدمة لشرا شي (سلم ) لعدم امتناع المشتري عن دفع المبلغ المذكور على الرغم من عـدم استلامه ذلك الشي الذي اشتراه , وسمي السلم بهذا الاسم لكونه الوسيلة التي يصعد وينزل بها الانسان من المكان المرتفع بسلام . وعلى اي حال , عندما تستعمل هذه الكلمة كصفة من صفات الباري تعالى تكون ذات معان مختلفة فقد قال البعض انها تعني المنزه عن كل عيب ونقص وفنا وعدم يصيب المخلوقات ((300)) . وقال البعض الاخر انها تعني الذي يواجهك بسلام دون ان يؤذيك ((301)) . وقال آخرون انها تعني الوجود الذي يفيض على الاخرين بالسلامة والسكينة والامان ((302)) . ولكن لايوجد اي دليل على تحديد هذه الصفة وحصرها باحد المعاني المذكورة اعلاه , بل انها ذات مـفـهوم اوسع واشمل بحيث يضم جميع هذه المعاني , فهو سالم من اي عيب ونقص , وسالم من الفنا والعدم , وسالم من الظلم والجور على عباده , وهو واهب السلامة . وبلاغ هذه الصفة هو انها تمنح الانسان المؤمن الشعور بالامن والاطمئنان من العدل الالهي , ويدفع بـه الـى الاحـتراز من الاعمال التي تمس سلامة روحه وبدنه هذا من جهة , ومن جهة اخرى فان التخلق بهذه الصفة الالهية يقول للانسان كن بحيث يسلم من لسانك وبدنك جميع الناس وكن ذا صلح وصفامعهم جميعا. اما كلمة (مؤمن ) فهي ماخوذة من مادة (امن ) , كما قال صاحب المقاييس وهي ذات معنيين متقاربين من بـعـضـهمااحدهما هو الامانة في مقابل الخيانة التي تبعث على سكون القلب , والاخر هو التصديق بشي معين . ولـكـن لـم يـذكـر الـراغب في مفرداته سوى معنى واحد وهو سكون النفس وزوال الاضطراب والـخـوف , ولـكـون قـبـول الاصول العقائدية يمنح الانسان السكينة والامان فانه سمي بمصطلح (الايمان ) , وقولنا آمين بعد الدعا معناه (اللهم صدق ذلك وحققه )) , لذا فقد فسروه بمعنى طلب الاستجابة , وكذلك يسمى البعير المطمئن النشط الذي لايزل (امون ). وعـلى اي حال , عندما تستعمل هذه الكلمة كاسم من اسما اللّه وندعوه بـ((المؤمن )) فانها تعني من يـمـنح اولياه واحباه الامان ويترحم عليهم بالايمان ,وقال البعض انه تعالى يدعى بهذا الاسم لانه اول من آمن بذاته المقدسة وصدقها. وقـد احـتمل الفخر الرازي , في تفسيره , هذا الاحتمال ايضا وهو ان وصف الباري بصفة المؤمن مـعـنـاه الـمـصـدق رسله باعطائهم المعاجز ((303)) وقد قال المرحوم الكفعمي في مصباحه ((يـحـتـمل ان يكون مفهومها من يصدق وعوده التي وعد عباده بها , ويحققها)) , ثم نقل حديثا عن الامـام الـصـادق (ع ) انه قال (سمي سبحانه مؤمنا لانه يؤمن عذابه من اطاعه )) , وقال البعض الاخر من المفسرين (المؤمن من يؤمن ظلمه وجوره عباده )((304)) , وقد ذكر لها في تفسير ((روح الـبـيان ))معنى جامع يضم اغلب المعاني المذكورة اعلاه وهو المؤمن هو من لايتحقق اي امان وسكينة الا من ناحيته . وقد ذكر المرحوم الصدوق في كتاب التوحيد ثلاثة معان لها ((من يحقق وعوده , ومن يعلم عباده حقيقة الايمان عن طريق آياته ودلائله , ومن يؤمن ظلمه وجوره عباده ))((305)) . ولكن الحق هو ان مفهوم (المؤمن ) لايتحدد باي واحد من هذه المعاني ,بل لها معنى جامع يشتمل على جميع ما ذكرناه , واستعمال كلمة (مؤمن ) ,كصفة من صفات اللّه , في هذا المعنى الشامل لايستوجب استعمال اللفظ في معان مختلفة , لانها شاملة بما فيه الكفاية (علاوة على عدم وجود مانع من استعمال لفظ مشترك في معان متعددة ). لـذلـك فهو (المؤمن ) , لانه يؤمن عباده المؤمنين من عدة نواح , وايضا لانه يوجد روح الايمان في قلوب عباده عن طريق اراتهم آياته في الافاق وفي انفسهم , علاوة على انه يصدق ويؤيد رسله عن طريق اظهار المعجزات ,وكذلك لانه يفي بما وعد به عباده من الثواب والعقاب . امـا الـبلاغ الذي تحمله هذه الصفة الالهية في طياتها فهو انها تبين عظمة مقام (المؤمن ) , لان هذا الاسم هو احد اسما اللّه , هذا من جهة , ومن جهة اخرى ان الانسان المؤمن يحس بالامن والسكينة في ظل هذه الصفة لانها مصدرجميع انواع الامان . ومـن جهة ثالثة ان الانسان المؤمن في حال التخلف بهذه الصفة الالهية ,يسعى لمشاركة الاخرين في هذا الامان فيامن الناس من لسانه ويده وفكره ايضا لذا فقد ورد في حديث عن الصادق (ع ) انه قال ((المؤمن من آمن جاره بوائقه )). وقال ايضا ((المؤمن الذي ياتمنه المسلمون على اموالهم وانفسهم )) ((306)) .