تـطـرح الايـة الـثالثة ـ علاوة على ماورد في الايات السابقة ـ مسالة علم اللّه بالاعمال الانسانية بـشـكل خاص , حيث قالت (وهو اللّه في السمـوات وفي الارض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ). بينت الجملة الاولى من الاية حضور اللّه في كل نقطة من عالم الوجود ,والجملة الثانية بينت علمه سـبـحـانه , والجملة الثالثة احاطته جل وعلا باعمال الناس وهي بصورة عامة انذار لجميع الناس ((31)) . ومـن الـبـديهي ان المقصود من حضوره ـ جل وعلا ـ في السموات والارض لايراد منه الحضور المكاني , لانه ليس جسما ليحل بمكان , فحضوره بمعنى الاحاطة الوجودية , فهو سبحانه قد احاط بكل شي علما , وكل شي حاضرعنده . وامـا معنى قوله تعالى ((ويعلم ماتكسبون )) ؟ فقد قال بعض المفسرين بانه دليل على اطلاع اللّه عـلـى الـسـر والـجهر ((32)) (الباطن والظاهر) , وبتعبير آخراطلاعه على النيات القلبية والاعـمـال الظاهرية , وقال الاخرون بانها اشارة الى حالا وصفات روحية ومعنوية يبلغها الانسان باعماله , وعليه فهي ذات مفهوم جديد مغاير للسر والجهر ((33)) . وقـال آخـرون ايـضـا ان ((الـسر هذا بمعنى النيات والجهر بمعنى الحالات وماتكسبون بمعنى ((الاعمال ))((34)) . ان هذه التفاسير الثلاثة مناسبة كلها , ولكن من خلال تتبع موارد استعمال مادة ((كسب )) في القرآن الكريم ,فان التفسير الثالث يعتبر اقرب الى الصواب .