بـينت الاية الرابعة سعة علم اللّه اللامحدود بتعابير لطيفة اخرى مع ذكرشي من التفصيل , فقالت اولا (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو). ثـم اشـارت الـى جوانب من الغيب فقالت (ويعلم ما في البر والبحر) و وما تسقط من ورقة الا يـعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ) , حتى قال في كلمة شاملة ورائعة (ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين ). تعد هذه الاية الشريفة من اشمل الايات القرآنية التي تحدثت عن علم اللّه اللامتناهي باسلوب دقيق جدا. فابتدات من علم الغيب الى مافي البر والبحر وما تسقط من الاشجار من اوراق , ثم الحبات الخفية في ظلمات الارض والبراري والجبال والاودية والغابات , التي تنتظر الغيب لتنبت , فعدتها جميعا ضمن دائرة علم اللّه اللامحدود. لـو امعنا النظر في مفاهيم هذه الايات وتصورنا الاف الملايين من الكائنات الحية الموجودة في البر والـبـحـر بانواعها العجيبة المذهلة ولو تصورنامجموع اشجار الكرة الارضية مع جميع اوراقها وعدد مايسقط منها في كل يوم وكل ساعة وكل لحظة , والمكان الذي تسقط فيه , وكذلك لو تصورنا مجموع حبوب النباتات التي تنتقل على سطح الارض ـ بواسطة البشر , والرياح وانواع الحشرات والـسـيـول ومـاشاكل ذلك ـ وتنتظر دورها في ظلمات الارض للانبات والنمو , وعلمنا بان اللّه سـبـحانه وتعالى قد احاط علما بجميع هذه الاموروبجميع مشخصاتها وجزئياتها , لادركنا سهولة احاطته تعالى باعمالنا. لقد فسرت روايات عديدة , منقولة عن اهل البيت (ع ) , ((ظلمات الارض ))بالرحم و((الحبة )) بـمـعـنـى الـولد , و((الورقة )) بمعنى الاجنة الساقطة , و((الرطب ))بمعنى النطف التي تعيش و((اليابس )) بمعنى النطف التي تموت وتجف . واشـار بـعـض مـفـسري اهل السنة كالالوسي في كتابه (روح المعاني ) الى هذا الحديث بتعجب , واعتبره على خلاف ظاهر الاية . صـحيح انه وبالنظرة الاولى يبدو من ظاهر الاية انها تشير الى حبات النباتات , لكن الحديث اعلاه اشـار الـى مفاهيم تستنبط من هذه الاية بالدلالة الالتزامية , لانه لايوجد تفاوت جذري بين النطفة والـحـبـة , وهـكـذا بـين باطن الارض وظلمات الرحم , والعالم بالاولى هو عالم بالثانية بسهولة لانهمامتشابهتان مع بعضهما ((35)) . وعـلاوة عـلـى ذلك فان ائمة اهل البيت (ع ) كانوا يعلمون باطن القرآن كظاهره , وهذا التفسير يحتمل ان يكون جزا من الباطن . وقد فسر المفسرون الرطب واليابس بمعان كثيرة , منها انهم قالوا بان الرطب بمعنى الكائن الحي واليابس بمعنى الميت , او الرطب بمعنى المؤمن ,واليابس بمعنى الكافر , او الرطب بمعنى الكائن الحي , واليابس بمعنى الجماد , او الرطب بمعنى العالم , واليابس بمعنى الجاهل ((36)) . لـكـن الـظـاهـر ان هذا التعبير كناية عن العموم والشمول فى عالم المادة , كمايستعمل احيانا في التعابير اليومية التي تحتاج الى هذا المعنى .