وفـي الايـة الـثانية يمر علينا التعبير القرآني الثاني في هذا المجال , حيث مزج علم اللّه تعالى مع حـكـمـته , ووصفه بصفتي العليم والحكيم في آن واحد ,وبعد ان تحدثت عن جماعة من المسلمين خلطوا عملا صالحا وآخر طالحا ,قال تعالى ( واخرون مرجون لا مر اللّه اما يعذبهم و اما يتوب عليهم و اللّه عليم حكيم ). ان اللّه تـعـالـى عليم يعلم هذه الجماعة جيدا , وحكيم من حيث معاملته كل فرد بما يستحقه , فتارة يرحم وتارة اخرى يعذب , وبذلك يجعلهم بين الخوف والرجا , وهذه الحالة تعد من العوامل التربوية للانسان . والـواقـع ان التعبير بكلمة ((عليم )) اشارة الى احاطته تعالى بالموضوع ,و((حكيم )) اشارة الى اطلاعه على الحكم ((75)) . ومن البديهي ان كلا من العذاب او العفو الالهي ليس من دون حساب , بل هو قائم على اسس اللياقات العملية والاخلاقية والنيات الذاتية للافراد. والـجـديـر بـالـذكر هو ان بعض الايات التي سبقت هذه الاية عن جماعة اخرى من الذين خلطوا الطاعات بالمعاصي , ختمت بالوعد بالمغفرة (ان اللّه غفور رحيم ) , وذلك من اجل التاكيد على تلك الـمـغـفـرة , ويـعـتقد ان تلك الايات تحدثت عن الذين تابوا من ذنوبهم حالا واصلحوا نفوسهم بعد اقتراف المعاصي مباشرة , لكن الجماعة المذكورة في آية بحثنا لم تكن كذلك . ويـلاحظ في آيات كثيرة اخرى ايضا بان صفتي ((عليم وحكيم )) لها علاقة وثيقة بمحتوى الاية فـي جـمـيـع تـلك الايات , لان الكثير منها قد تحدثت عن الاحكام والقوانين الالهية التي لها علاقة واضـحـة بـعـلـم اللّه تـعـالـى وحـكـمته والبعض الاخر منها تحدثت عن القوانين التكوينية التي لايمكن تشريعها ايضا بدون العلم والحكمة . وبعضها تحدثت عن التوبة والثواب والعقاب , والعدل في هذه الاموريحتاج الى العلم والحكمة والعلم باعمال ونيات العباد , والحكمة في تقديرالثواب والعقاب حتما.