بـعد ان اشارت الاية الاولى الى الملك الالهي الابدي وتسلطه تعالى على جميع عالم الوجود , اكدت على قدرته المطلقة ( تبـارك الذي بيده الملك وهوعلى كل شي قدير ) ( الملك / 1 ). ( تبارك ) من مادة ( برك ) وهي في الاساس بمعنى صدر البعير , لذا عندمايضع البعير صدره على الارض يقال ( برك البعير ) , وهذه الكلمة جات هنابمعنى البقا وعدم الزوال . ويـطـلـق عـلى النعمة الدائمة الباقية ( النعمة المباركة ) , واطلاق هذه الصفة على الذات الالهية المقدسة لازليتها وابديتها. وجملة ( بيده الملك ) تفيد الحصر , اي ان الملك ومقدرات عالم الوجودبيده تعالى فقط. وجملة ( وهو على كل شي قدير ) ذات مفهوم واسع وعميق جدا , فهي تعني ان القدرة الالهية تشمل جميع مايمكن ان يكون فى عالم الامكان . والـجدير بالذكر ان هذه الكلمة ( شي ) تطلق على المعدوم بالقياس لامكانية وجوده , لذا فقولنا بان اللّه قادر على الشي الفلاني المعدوم فعلا , يعني قدرته تعالى على ايجاده , والا فالقدرة على المعدوم لامعنى لها. ويـسـتـعمل الانسان مفهوم القدرة في دائرة محدودة خاصة , نظرالحياته المحدودة وافقه الفكري الـضيق ووقوعه في اسر الظروف التي تطبع عليها , في حين نجد ان الاية اعلاه قد كسرت جميع هـذه الـقـيود وبينت امتداد وشمول قدرة الباري الى ما ورا هذه القيود والظروف , والشي الوحيد الـخـارج عـن دائرة القدرة الالهية هو الامورالمستحيلة فقط , وذلك لانها بذاتها لا تقبل الوجود , ولايصح عادة استعمال لفظة القدرة بشانها. وقـد تقدم فى البحث اللغوي بان كلمة ( قدير ) ولكونها صفة مشبهة او من صيغ المبالغة , فهي تفيد المبالغة وذات مفهوم اوسع من مفهوم ( قادر ) ولعل هذا هو السر في استعمال اغلب الايات القرآنية لهذه الكلمة عند وصف القدرة الالهية . لـذا فـقـد تـحدثت الايات التي تلت هذه الاية عن خلق الانسان , والموت والحياة , وخلق السموات السبع , والنجوم , ودفع الشياطين والتي تعتبر كل منهانموذجامن عجائب عالم الوجود.