بدایة والنهایة

ابن کثیر دمشقی؛ محقق: علی شیری

جلد 14 -صفحه : 367/ 241
نمايش فراداده

ثم دخلت سنة أربع و أربعين و سبعمائة

و في يوم الاثنين رابعه توفي الطواشي شبل الدولة كافور السكرى ، و دفن صبيحة يوم الثلاثاء خامسه في تربته التي أنشأها قديما ظاهر باب الجابية تجاه تربة الطواشي ظهير الدين الخازن بالقلعة ، كان قبيل مسجد الدبان رحمه الله ، و كان قديما للصاحب تقي الدين توبة التكريتي ، ثم اشتراه تنكز بعد مدة طويلة من ابني أخيه صلاح الدين و شرف الدين بمبلغ جيد و عوضهما إقطاعا بزيادة على ما كان بأيديهما ، و ذلك رغبة في أمواله التي حصلها من أبواب السلطنة ، و قد تعصب عليه أستاذه تنكز رحمه الله في وقت و صودر و جرت عليه فصول ، ثم سلم بعد ذلك ، و لما مات ترك أموالا جزيلة و أوقافا رحمه الله .

و خرجت التجريدة يوم الاربعاء سادسه و المقدم عليها الامير بدر الدين بن الخطير و معه مقدم آخر و هو الامير علاء الدين بن قراسنقر .و في يوم السبت سلخ هذا الشهر توفي الشاب الحسن شهاب الدين أحمد بن فرج المؤذن بمأذنة العروس ، و كان شهيرا بحسن الصوت ذا حظوة عظيمة عند أهل البلد ، و كان رحمه الله كما في النفس و زيادة في حسن الصوت الرخيم المطرب ، و ليس في القراء و لا في المؤذنين قريب منه و لا من يدانيه في وقته ، و كان في آخر وقته على طريقة حسنة ، و عمل صالح ، و انقطاع عن الناس ، و إقبال على شأن نفسه فرحمه الله ، و أكرم مثواه ، وصلي عليه بعد الظهر يومئذ و دفن عند أخيه بمقبرة الصوفية .و في يوم الخميس خامس ذي الحجة توفي الشيخ بدر الدين بن نصحان شيخ القراء السبع في البلد الشهير بذلك ، وصلي عليه بالجامع بعد الظهر يومئذ ، و دفن بباب الفراديس رحمه الله .و في يوم الاحد تاسعه و هو يوم عرفة حضر الاقراء بتربة أم الصالح عوضا عن الشيخ بدر الدين بن نصحان القاضي شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي ، و حضر عنده جماعة من الفضلاء و بعض القضاة ، و كان حضوره بغتة ، و كان متمرضا ، فألقى شيئا من القراءات و الاعراب عند قوله تعالى ( و لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لانفسهم ) ] آل عمران : 178 [ و في أواخر هذا الشهر غلا السعر جدا و قل الخبز و ازدحم الناس على الافران زحمة عظيمة ، و بيع خبز الشعير المخلوط بالزيوان والنقارة ، و بلغت الغرارة بمائة ستة و ثمانين درهما ، و تقلص السعر جدا حتى بيع الخبز كل رطل بدرهم ، وفوق ذلك بيسير ، و دونه بحسب طيبه و رداءته ، فإنا لله و إنا إليه راجعون .

و كثر السوأل و جاع العال ، و ضعف كثير من الاسباب و الاحوال ، و لكن لطف الله عظيم فإن الناس مترقبون مغلا هائلا لم يسمع بمثله من مدة سنين عديدة ، و قد إقترب أوانه ، و شرع كثير من البلاد في حصاد الشعير و بعض القمح مع كثرة الفول و بوادر التوت ، فلو لا ذلك لكان ذلك ، و لكن لطف الله بعباده ، و هو الحاكم المتصرف الفعال لما يريد لا إله إلا هو .