صلى لنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم صلاة الصبح ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودّع فأوصنا .
قال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن أُمّر عليكم عبد حبشي . فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة .
هذا حديث صحيح ليس له علّة .
وقد احتجّ البخاري بعبد الرحمن بن عمرو وثور بن يزيد ، وروى هذا الحديث في أول كتاب الاعتصام بالسنة .
والّذي عندي أنهما ـ رحمهما الله ـ توهّما أنه ليس له راوٍ عن خالد بن معدان غير ثور بن يزيد ، وقد رواه محمد بن إبراهيم بن الحارث المخرج حديثه في الصحيحين عن خالد بن معدان .
(2) حدثنا أبو عبدالله الحسين بن الحسن بن أيوب ، ثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي ، ثنا عبدالله بن يوسف التنيسي ، ثنا الليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم . عن خالد بن معدان ، عن عبدالرحمن بن عمرو ، عن العرباض بن سارية ـ من بني سليم ، من أهل الصفة ـ قال :
خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوماً فقام فوعظ الناس ورغبهم وحذرهم وقال ما شاء الله أن يقول .
ثم قال : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، وأطيعوا من ولاه الله أمركم ، ولا تنازعوا الأمر أهله ولو كان عبداً أسود ، وعليكم بما تعرفون من سنة نبيكم والخلفاء الراشدين المهديين ، وعضوا على نواجذكم بالحقّ .
هذا إسناد صحيح على شرطهما جميعاً ، ولا أعرف له علّةً .
وقد تابع ضمرة بن حبيب خالد بن معدان على رواية هذا الحديث عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي .
(3) حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد العنبري ، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي . وأخبرنا أبو بكر محمد بن المؤمل ، ثنا الفضل بن محمد ، قالا : ثنا أبو صالح ، عن معاوية بن صالح .
وأخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي ، ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل ، حدّثني أبي ، ثنا عبدالرحمن ـ يعني ابن مهدي ـ ، عن معاوية بن صالح .
عن ضمرة بن حبيب ، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، أنه سمع العرباض ابن سارية قال :
وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم موعظة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب . فقلنا يا رسول الله ، إن هذا لموعظة مودّعٍ فماذا تعهد إلينا؟ قال : قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء المهديّين الراشدين من بعدي ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً ، عضوا عليها بالنواجذ.
فكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث : فإن المؤمن كالجمل الأنف حيث ما قيد انقاد.
وقد تابع عبدالرحمن بن عمرو على روايته عن العرباض بن سارية ثلاثة من الثقات الأثبات من أئمة أهل الشام :
حجر بن حجر الكلاعي :
(4) حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ، ثنا أبو عبدالله محمد بن إبرإهيم العبدي ، ثنا موسى بن أيوب النصيبي وصفوان بن صالح الدمشقي ، قالا : ثنا الوليد ابن مسلم الدمشقي ، ثنا ثور بن يزيد ، حدثني خالد بن معدان ، حدّثني عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، وحجر بن حجر الكلاعي ، قالا :
أتينا العرباض بن سارية ـ وهو ممن نزل فيه : (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألاّ يجدوا ما يننقون ) ـ فسلّمنا وقلنا : أتيناك زائرين ومقتبسين .
فقال العرباض :
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصبح ذات يوم ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب . فقال قائل : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودعٍ فما تعهد إلينا؟ فقال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة.
ومنهم :
يحيى بن أبي المطاع القرشي :
(5) حدثنا أبوالعباس محمد بن يعقوب ، ثنا أحمد بن عيسى بن زيد التنيسي ، ثنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي ، أنبأ عبدالله بن العلاء بن زيد(1) ، عن يحيى بن أبي المطاع ، قال : سمعت العرباض بن سارية السلمي يقول :
قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات غداة فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها الأعين . قال : فقلنا : يا رسول الله ، قد وعظتنا موعظة مودع فاعهد إلينا.
قال : عليكم بتقوى الله ـ أظنه قال : والسمع والطاعة ـ ، وسترى من بعدي اختلافاً شديداً ـ أو : كثيراً ـ ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين ، عضّوا عليها بالنواجذ ، وإيّاكم والمحدثات ، فإن كل بدعة ضلالة .
ومنهم :
معبد بن عبدالله بن هشام القرشي :
وليس الطريق إليه من شرط هذا الكتاب ، فتركته .
وقد استقصيت في تصحيح هذا الحديث بعض الاستقصاء على ما أدّى إليه
(1) كذا والصحيح : زبر.