بحوث فی الملل والنحل

جعفر سبحانی تبریزی

جلد 4 -صفحه : 409/ 199
نمايش فراداده

أمّا الأول فلم يقل به أحد، إذ كل ما في الكون آيات وجوده، ولا يصحّ تعظيم كل موجود بحجة أنه دليل على الصانع .

وأمّا الثاني فهو داخل في الآية قطعاً، وقد عدّ الصفا والمروة والبدن من شعائر اللّه، فهي من معالم عبادته وأعلام طاعنه، إنما الكلام في اختصاص الآية بمعالم العبادة وأعلام طاعته، الظاهر المتبادر هو الثالث، أي معالم دينه سبحانه، سواء أكانت أعلاماً لعبادته وطاعة أم لا، فالأنبياء والأوصياء والشهداء والصحف والقرآن الكريم والأحاديث النبوية كلها من شعائر دين اللّه وأعلام شريعته، فمن عظمها فقد عظم شعائر الدين .

قال القرطبي: فشعائر اللّه: أعلام دينه، لا سيما ما يتعلق بالمناسك(1) ولقد أحسن حيث عمّم أولا، ثم ذكر مورد الآية ثانياً، ومما يعرب عن ذلك أنّ إيجاب التعظيم تعلق بـ (حرمات اللّه) في آية أُخرى .

قال سبحانه: (وَمَنْ يُعظَّمْ حُرُماتِ اللّه فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ ربّه)، والحرمات ما لا يحل انتهاكه، فأحكامه سبحانه حرمات اللّه، إذ لا يحل انتهاكها، وأعلام طاعته وعبادته وحرمات اللّه، إذ يحرم هتكها وأنبياؤه وأوصياؤهم وشهداء دينه وكتبه وصحفه من حرمات اللّه، يحرم هتكهم، فلو عظّمهم المؤمن أحياء وأمواتاً فقد عمل بالآيتين: «وَمَن يَعظّم حرمات اللّه» «ومن يعظّم شعائر اللّه».

4- الإذن في ترفيع بيوت خاصة

لقد أذن اللّه تعالى في ترفيع البيوت الّتي يذكر فيها اسمه فقال: (في بُيُوت أذِنَ اللّهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوَّ وِ الآصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاّبَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه)(2) وقد عرفت أنّ ابن تيمية جعل الآية دليلا على تكريم المساجد، ولكنّه غفل عن أنّ البيوت غير المساجد، فهناك بيت وهناك مسجد، والبيت هو البناء الّذي يتشكّل من جدران أربعة وعليها

1 . تفسير القرطبي، طبع دار إحياء التراث العربي، ج 12 ص 56 .

2 . سورة النور: الآية 36 ـ 37 .