بحوث فی الملل والنحل

جعفر سبحانی تبریزی

جلد 4 -صفحه : 409/ 54
نمايش فراداده

ومن عجيب أمر هذا الرجل أنّه إذا ابتدع شيئاً حكى عليه إجماع الأولين والآخرين كذباً وزوراً، وربما تجد تناقضه في الصفحة الواحدة، فتجده في منهاجه مثلا يدّعي أنّه ما من حاديث إلاّ وقبله حادث إلى ما لا نهاية له في جانب الماضي، ثم يقول: وعلى ذلك أجمع الصحابة والتابعون. وبعد قليل يحكي اختلافاً لحق الصحابة في أول مخلوق ما هو؟ أهو القلم أم الماء؟ وبينما تراه يتكلّم بلسان أهل الحق المنزهين، إذا بك تراه قد انقلب جهوياً(1) وسمّى كل من لا يقول بذلك معطّلا، وزنديقاً، وكافراً، وقد جمع تلميذه «ابن زفيل» سفاهاته ووساوسه في علم أصول الدين، في قصيدته النونية، وبينما تراه يسب جهماً والجهمية، إذا بك تراه يأخذ بقوله في أنّ النار تفنى، وأن أهلها ليسوا خالدين فيها أبداً ـ إلى أن قال ـ: وليس من غرضنا بسط الكلام في بدع هذا الرجل، فقد كفانا العلماء ـ شكر اللّه سعيهم ـ من عصره إلى هذا العهد، المؤنة بالتصانيف الممتعة في الرد عليها، ولكن رفع الجهل رأسه في عصرنا هذا، وانتدب ناس من شيعته لطبع الكثير من كتبه وكتب تلميذه ابن زفيل، ففضحوا الرجل وشهّروا به عند المحققين من أهل الفقه في الدين، وتبينت صحة نسبة ما كان يتورع العلماء عن نسبته إليه، وإنّ نصيحتي الّتي أسديها لكن مسلم نصيحة للّه ولرسوله ولكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم، هي لزوم جماعة المسلمين في أُصول الدين وفروعه، ولولا أنّي اشفق على القارىء أن يملّ لتحدّثت إليه طويلا فيما أصاب الإسلام والمسلمين من عظائم هذا الرجل، ولبسطت له ما قال أكابر العلماء فيه وفي شيعته، ولكنّي أرجو أن يكون ما قدّمته كافياً لذوي النهى»(2) .

18- الشيخ محمد أبو زهرة (1316 ـ 1396 هـ)

ألّف الشيخ محمد أبو زهرة، كتاباً في حياة ابن تيمية وشخصيته، ومع

1 . كذا في النسخة ولعل المراد: «جهمياً» .

[أو لعل المراد: نسبته إلى من يقول في اللّه بالجهة] الناشر .

2 . فرقان القرآن ص 132 ـ 137 وقد فرغ المؤلف منه سنة 1358 هـ .