شیعة فی ایران دراسة تاریخیة منذالبدایة حتی القرن السابع الهجری

رسول جعفریان؛ مترجم: علی هاشم الأسدی

نسخه متنی -صفحه : 33/ 13
نمايش فراداده

نـظـرا الـى كثرة علما الشيعة بالري , اذ ذكر منتجب الدين في فهرسته عددا كبيرا منهم ,و اشار الـرازي الـى حضور اربعمائة متكلم و فقيه منهم في احدى المدارس ((941)) , يمكن الحدس ان مـدارس كـثـيرة كانت تحت تصرف الشيعة و من حسن الحظ ان المعلومات التي عرضها عبدالجليل الـقـزويني الرازي حول مدارس الري قيمة للغاية , و يمكن ان ترسم لنامخططا عن النطاق الثقافي للشيعة في الري جيدا.

قال مؤلف الفضائح : ((و لم يسمح لهم (للشيعة ) ان يبنوا مدرسة و خانقاه في عهدالسلطان ملكشاه , و السلطان محمد قدس اللّه روحهما)) و اجاب عبد الجليل عن هذاالكلام , و ذكر معلومات تدل على الوئام الذي كان قائما بين الشيعة والسلاجقة , و ننقل فيما ياتي ما قاله نصا: اما جواب هذه الكلمة التي حـتـمـت علي الدفاع من وجوه , فاقول :لا ادري الى اي منطقة اشير, و لو انشغلت بتعديد مدارس الـسادات في بلاد خراسان ,و حدود مازندران , و حواضر الشام كحلب و حران , و امصار العراق [عـراق الـعـجـم ] كـقم ,و كاشان , و آبه , اذ كانت فيها مدارس عديدة , و ذكرت زمانها و اوقافها الـكـثيرة , لتطلب ذلك مني طومارات من الكتب , بيد اني ساشير الى مدينة الري التي ولد و نشا فيها هذاالقائل دفعا للشبهة :.

اولا: الـمـدرسة الكبيرة للسيد تاج الدين محمد كيسكي ((942)) رحمة اللّه عليه بكلاهدوزان اذ اعتنى بها مبارك شرفي , و كانت قائمة تسعين سنة تقريبا و فيها يختم القرآن و تقام صلاة الجماعة خـمـس مـرات فـي الـيـوم , و يعقد مجلس وعظ مرتين او مرة واحدة في الاسبوع و كانت محلا للمناظرة و نزول المصلحين الذين يجاورون اهل العلم والزهد والسادات والفقها الغربا الوافدين و الـمـقـيـمـين فيها و هي معمورة و مشهورة الم تكن هذه المدرسة في عهد طغرل الكبير سقاه اللّه [رحمته ] ؟ و هناك مدرسة شمس الاسلام حسكابابويه الذي كان شيخ هذه الطائفة و هي قريبة من مركز الولاية و كانت تقام فيها صلاة الجماعة و تلاوة القرآن , و تعليمه للصغار, و مجلس الوعظ, و الافـتـا والـتقوى عليها ظاهرة الم تكن هذه المدرسة قائمة في ايام حكومة ذينك السلطانين الذين اشاراليهما الخواجه ؟.

و مـن هـذه الـمدارس : مدرسة بين هاتين المدرستين , تعود لسادات كيسكي , و يقال لها:خانقاه زنان [زنـان اي : الـنـسا] و كان المصلحون يقيمون فيها, افلم تكن هذه المدرسة ماثلة في عصر السلطان محمد نوراللّه قبره ؟.

و مـنـها: مدرسة في دروازه آهنين , و هي منسوبة الى السيد الزاهد بلفتوح او ليس هذه المدرسة موجودة في عهد السلطان ملكشاه ؟.

و مـنـهـا : مـدرسـة الفقيه علي جاسبي ((943)) بحي اصفهانيان , و هي التي امر الخواجه اميرك بـانـشائها و لم تعهد مدرسة في طائفة من الطوائف قد تكلف لها كهذه المدرسة التي كانت للسادات و كان يعقد فيها مجلس وعظ, و ختم للقرآن , كما كانت تقام فيها صلاة الجماعة افلم تكن هذه المدرسة فـي عـهـد الـسلطان السعيد ملكشاه ؟ و في تلك الفترة كان امير الجيش ساوتكين ((944)) يشيد الجامع الجديد لاصحاب الحديث الذين لم يكن لهم مسجد جمعة بالري .

و مـنها : مدرسة الخواجه عبدالجبار المفيد ((945)) و كان فيها اربعمائة فقيه و متكلم يدرسون الـشـريـعة افلم تكن في عصر ملكشاه المبارك و بركياروق رحمة اللّه عليهما ؟و هي معروفة و مشهورة الان بتدريس العلوم , و اقامة صلاة الجماعة , و ختم القرآن ,و نزول اهل الصلاح , و الفقها فيها و كل ذلك ببركات شرف الدين مرتضى مقدم السادات والشيعة و منها: مدرسة كوي فيروز افلم تـؤسس هذه المدارس في عصر السلطانين المذكورين ؟ الم يشيد خانقاه امير اقبالي في عهد كريم غياثي , و كذلك خانقاه علي عثمان الذي كان ماوى للسادات العلما الزهاد المتدينين ؟ و كانت تقام فيه صـلاة الـجـمـاعـة , و خـتـم الـقـرآن بنحو متواتر و مترادف افلم يكن ذلك في عصر السلطان ملكشاه ؟وهو لا يزال معمورا و مشهورا.

و ثمة مدرسة هي مدرسة الخواجه الامام رشيد الرازي في دروازه جاروب بندان و كان صاحب هذه الـمـدرسة علا مة دهره , و قرا عليه ما ينيف على مائتي عالم اصول الدين , واصول الفقه , و علم الشريعة افلم تكن في عهد السلطان السعيد محمد رحمة اللّه عليه ؟و هي مازالت معمورة و ماهولة , و يدرس فيها العلم , و يختم القرآن يوميا و هي ماوى للمصلحين والفقها, و فيها مكتبة مزينة بانواع الزينة .

و كـانـت هناك مدرسة هي مدرسة الشيخ حيدر مكي في درمصلحگاه , افلم تشيد في عصر السلطان محمد رحمة اللّه عليه ((946)) ؟ و ذكر عبدالجليل بعد حديثه عن هذه المدارس قائلا : ((و في الري عدد من المدارس المعمورة عدا ما تطرقنا اليه و يلحظ فيهاذكر الخير, و القرآن , والصلاة , والـطاعة اما ما نقل في عهد ذينك السلطانين [السلجوقيين ], و اشار اليه الخواجه [مؤلف الفضائح ] فـي كتابه ((ان الشيعة لم يجراوا على بناالمدارس )) فنقول : ان مساجد سادات الشيعة و منابرهم الكبيرة والصغيرة لا تحصى , ويطول الكتاب بذكرها ((947)) )).

ان النقطة اللافتة للنظر في كلام عبدالجليل هي تحيزه للحكومة السلجوقية و قد حاول المؤلف ان يـعـكس العلاقات بين الشيعة والسلاجقة على انها حسنة و هذاالموضوع صحيح الى حدما, بيد ان تـشدد بعض الحكام السلاجقة ينبغي ان لا يغفل عنه ايضا و هذه الملاحظة يقرها عبدالجليل نفسه , الا انه اراد من وحي المصلحة ان يصورالعلاقات المذكورة باحسن مما كانت عليه في حقيقتها.

المجادلات الدينية في الري .

المجادلات الدينية في الري .

نحن نعلم ان النزاع الديني بين المذاهب الفقهية و الاعتقادية لاهل السنة كان شديداللغاية اعتبارا من الـقـرن الـرابـع حـتـى القرن السابع الهجري و كانت تحدث مصادمات كثيرة بين انصار الفريقين الـمـتـنـازعين , مضافا الى تكفير احدهما الاخر و لم تشذ الري عن هذه القاعدة ايضا لما ضمته من مذاهب فقهية و اعتقادية مختلفة .

و ذكـر الـمـقـدسـي عنها في القرن الرابع ان الغلبة كانت فيها للحنفيين , غير ان قراها كانت على المذهب الزعفراني , و توقفت في مسالة خلق القرآن و اثر عن الصاحب بن عباد قوله : ان اهل سواد الـري كـانـوا يتفقون معه في كل شي الا في مسالة خلق القرآن و كان في الري حنابلة كثيرون لهم جلبة والعوام قد تابعوا الفقها في خلق القرآن ((948)) و اضاف المقدسي ان العصبيات والمصادمات قائمة بالري حول خلق القرآن ((949)) .

و يبدو ان المذاهب الموجودة في الري كانت متواجهة على الصعيد الفقهي والاعتقادي بنحو متداخل اي : ان بعض المذاهب ذات النزعة الحنفية كانت لها ميول خاصة من الوجهة الاعتقادية و هكذا كانت الـشـافعية فرقا مختلفة من الوجهة المذكورة و في الوقت نفسه كانت اهمية المسائل الفقهية قد ادت الى بروز التقسيمات الاعتقادية تحت ذلك العنوان .

و ذكـر عـبدالجليل معلومات عن الفرق الاعتقادية التابعة للمذهب الحنفي والشافعي ,و يحتمل ا نها كـانـت شـاخـصـة فـي الـري او فـي بعض الحواضر الفارسية و اشار الى الفرق الثلاث المهمة ((الـحـنـفـية , والشيعة , و الشافعية )) و قال : (( كما يحسب النجارية , والمعتزلة ,والبادنجانية , والكرامية , والبااسحاقية و غيرهم على مذهب ابي حنيفة لا نهم يعملون بفقهه , و ينتهجون نهجه في فـروع الـمـذهـب و كـان الـمجبرة , والاشاعرة , والمشبهة ,والكلابية , والجهمية , والمجسمة , والـحـنـابـلة , والمالكية , و غيرهم يحسبون على مذهب الشافعي , و يعملون بفقهه على خلاف فيه بينهم ((950)) )).

و يتضح التداخل في هذه الفرقة من العبارة الاخيرة التي عدت الحنابلة , والمالكية من الشافعية ايضا, ذلك ان الحنابلة كانوا حنبليي الاعتقاد و عقيدة الحنابلة هي التشبيه والتجسيم .

و نلحظ في بعض المدن ان الحنفية كانوا ذوي عقائد اعتزالية , كما ان الشافعية كانواكذلك في مدن اخـرى و كـانـت عقائد الحنفية في الري اعتزالية و لعل هذا يعود الى ان المعتزلة والزيدية كانوا يعدون ابا حنيفة في زمرة اصحابهم .

و كـانت الري تعرف في نظام التقسيم الديني انها حنفية و شافعية و ورد اسم النجارية لاتباع بعض الحنفيين عقائد حسين بن محمد النجار ((951)) .

و ادى النزاع بين الحنفيين والشافعيين الى انفصالهم المحلي في الري و اتحد الحنفيين مع الشيعة في بعض المواطن ضد الشافعيين كما حدث ان الشافعيين ناواوا الحنفيون بسبب انسجامهم مع الشيعة في الـتـصـريح بمودة اهل البيت و من الثابت ان النزاع بين الحنفيين والشافعيين لم يقل عن النزاع بين السنة والشيعة و ينبغي لنا ان نتلمس احدالبواعث على تقدم الشيعة بالري في هذا النزاع المتواصل بين الفريقين المذكورين .

و كـان الـشيعة يترددون على الاوساط العلمية لمناوئيهم يقول عبدالجليل الرازي في هذا المجال : عـندما جا احد الوعاظ من خراسان , ارادوا [الشيعة ] ان يسمعوه ليعرفوامذهبه في اصول الدين هل يشبه مذهب هؤلا المجبرة او لا ؟ و ما هي عقيدته في حب امير المؤمنين و آله ؟ و اذا كان حنفيا, فهل هو كرامي او معتزلي او نجاري ((952)) ؟.

و يـذهب الى ان الشافعيين والحنفيين كانوا ياتون الى المجالس الشيعية ايضا, و يقول :في اي يوم من ايـام الاثـنـيـن ((953)) لم يحضر مجلسنا و يسمعه من منشدي المناقب والعلما و اهل السوق من الـحـنـفـيـيـن والشافعيين عشرة او عشرون او خمسون او خمسمائة منهم ايضا ((954)) .

و كان بعض الحنفيين والشافعيين في الري يقيمون مراسيم العزا في يوم عاشورا ((955)) و يمكن ان يـشـكل هذا التوجه نموذجا على محبة كلتا الطائفتين لاهل البيت , مما يمثل حلقة وصل تربطهما بالشيعة كما ان العلما والملوك من الحنفيين والشافعيين كانوا يذهبون لزيارة السيدة فاطمة بنت الامام موسى الكاظم ـ عليهماالسلام ـفي قم , و كذلك كانوا يزورون مراقد العلويين في الري ((956)) .

و كـانـت حـوادث كـثـيـرة ترافق النزاع القائم بين الحنفيين والشافعيين في الري و قد انعكست نـزاعـاتـهـم فـي الاثار التاريخية ايضا و ذكر عبدالجليل امثلة من نزاعاتهم الفكرية في المسائل الاعتقادية , تلك النزاعات التي كانت تفضي الى تدخل السلطان السلجوقي احيانا ((957)) .

و كـانـت هـذه الـخـلافات تحوم حول مسالة خلق القرآن ردحا من الزمن و يرى المقدسي ان هذه المسالة كانت المحور الاصلي للخلافات الفكرية في الري ابان القرن الرابع ((958)) و كذلك كان الاتجاه الجبري عند الشافعية , و الاتجاه العقلي عند الحنفية مثار نزاع بينهما برهة من الزمن .

و كـان لكل فرقة من الفرق الموجودة في الري مسجد جامع خاص و قال عبدالجليل :((و لم يصل الحنفيون في جامع روده قط, كما لم ياتموا بامام الاشاعرة هناك و اجمع الاشاعرة على عدم الصلاة جـمـاعـة فـي مساجد الحنفيين و افتى علما الطائفتين بعدم جواز الائتمام في صلاة كل منهما)) و ((لـمـا كان الحنفي لا ياتم بالشافعي , و كان الشافعي يحرم الاقتدا بالحنفي , فكذلك الشيعة , اذ كانوا يصلون وحدهم ((959)) )).

و هـكـذا يـنـبغي الالتفات الى ان الخلافات الناشبة بين الفرق السنية كانت عاملا محليافي تقليص نـفـوذهـا, و تـفـوق الشيعة عليها, مضافا الى ما عرضناه قبل ذلك من بواعث على التغلغل التدريجي للشيعة في الري .

و نـص الـقزويني على النزعات القائمة بين الحنفيين و الشافعيين في القرن السابع الهجري و قال : اهـل الـري شـافعية و حنفية و اصحاب الشافعي اقل عددا من اصحاب ابي حنيفة والعصبية واقعة بينهم حتى ادت الى الحروب , و كان الظفر لاصحاب الشافعي في جميعها مع قلة عددهم ((960)) .

ونـلاحـظ في هذه العبارة ان نقطتين قد غفل عنهما: احداهما التغاضي عن موقع الشيعة المتفوق في الـري و الاخرى , يبدو ان سهوا قد حصل في عرض الشافعيين على ا نهم هم المنتصرون , ذلك ان اي اثر لم يبق لهم في الري بعد مدة قليلة .

و عرض لنا ياقوت الحموي معلومات مفصلة عن الوضع الديني للري ـ و لعل القزويني نقل قسما منها ـ و قال : كان اهل المدينة ثلاث طوائف : شافعية و هم الاقل ,و حنفية و هم الاكثر, و شيعة و هم الـسـواد الاعـظم لان اهل البلد كان نصفهم شيعة , و قليل من الحنفيين , و لم يكن فيهم من الشافعية احد ((961)) .

و نقرا بعد ذلك تحليلا ذكره ياقوت لهذا الوضع , فقال : فوقعت العصبية بين السنة و الشيعة , فتظافر عليهم الحنفية و الشافعية , و طالت بينهم الحروب حتى لم يتركوا من الشيعة من يعرف فلما افنوهم , وقـعت العصبية بين الحنفية والشافعية , و وقعت بينهم حروب كان الظفر في جميعها للشافعية , هذا مـع قـلة عدد الشافعية , الا ان اللّه نصرهم عليهم و كان اهل الرستاق و هم حنفية يجيئون الى البلد بـالسلاح الشاك و يساعدون اهل نحلتهم , فلم يغنهم ذلك شيئا حتى افنوهم فهذه المحال الخراب هي مـحـال الشيعة والحنفية و بقيت هذه المحلة المعروفة بالشافعية , و هي اصغر محال الري و لم يبق مـن الشيعة الا من يخفي مذهبه , و وجدت دورهم كلها مبنية تحت الارض , و دروبهم التي يسلك بها الى دورهم على غاية الظلمة و صعوبة المسلك فعلوا ذلك لكثرة ما يطرقهم من العساكر بالغارات و لولا ذلك لما بقي فيها احد ((962)) .

ان مـا حـدث عمليا هو بقا الشيعة في الري اقويا لم يتزعزعوا و نقرا ان الحنفية ايضاقد ثبتوا في بعض القرى الى فترة معينة اما الشافعية فلم يبق منهم اثر هناك .

و نـعلم ان كتابا بعنوان اسرارالامامة ا لفه عماد الدين حسن الطبري بالري نزولا عندرغبة اهلها سنة 698 ه , و هو باللغة الفارسية ((963)) .

و قال المستوفي (المتوفى في حدود سنة 750 ) عن الدمار الذي لحق مدينة الري :((تخاصم اهل الـمدينة على حجر, فقتل ما ينيف على مائة الف منهم , و لحق الدمار التام حاضرتهم و دمرت المدينة برمتها ايام المغول و في عهد غازان خان , شيد الملك فخرالدين رئى فيها بناية بامر يرليغ درواندك و اسكن فيها جماعة ((964)) )).

و تـحـدث عـن الـوضـع الـديـنـي للمدينة و قال : و اهل المدينة و اكثرالولايات التابعة لهاشيعة اثـناعشرية الا قرية قوهه ((965)) , و عددا من المواضع الاخرى , فان اهلها كانواحنفية و لهذا الـسبب كان اهل تلك الولاية يسمونها: قوهه خران [قوهة الحمير]و اخذت الري تسير نحو العد الـتـنـازلـي بعد غزو المغول الذي قيل عنه ((ان سبعمائة الف من اهل المدينة والولاية قد قتلوا و اسروا فيه ((966)) )).

و لـم تـسترجع المدينة حتى الفترة الاخيرة عظمتها و ابهتها التي كانت عليها في العصرالبويهي و السلجوقي .

التشيع في مناطق الري .

التشيع في مناطق الري .

كـانت الاتصالات القائمة بين مدن الجبال قد بسطت التشيع في المنطقة باسرها, حتى ان الري نفسها قـد ركـنت الى التشيع نوعا ما نتيجة لتاثرها بقم و ان هجرة اسرة بابويه الى الري ((967)) مثال عـلـى رسوخ التشيع القمي في الري و ثمة مثال آخر يتجسد في ابي محمد جعفر بن احمد بن علي القمي الذي توطن الري , و كان في عداد علما الشيعة و مؤلفيهم ((968)) .

و عـندما بلغ التشيع ذروته في الري , فان الناس الساكنين في المناطق الواقعة في اطرافها قد مالوا الـى الـتشيع على كرور الايام , و لم يبق احد على المذهب السني حتى عصر المستوفي الا عدد من القرى , و كذلك كانت المدينة نفسها على امتداد عدد من القرون .

و كـانـت الري مركزا لمناطق مختلفة تقع في شمالها و شرقها على مسافات قليلة و كثيرة منها, و ذلـك قـبـل ان تتخذ طهران طابعها الحالي كما كانت هناك قرى و مدن صغيرة تابعة للري , و تعتبر جـزا مـنها و حازت بعض مناطقها على اهمية كبيرة ايضا بعد القرن السابع حيث سارت الري نحو الدمار و نسرد فيما ياتي معلوماتنا عن الوضع الديني لمناطق الري .

ان احدى المناطق المهمة في الري هي مدينة ورامين وكانت على ما قال المستوفي قرية , ثم صارت قـصـبـة ((969)) و ذكرها السمعاني (م 562 ه ) بوصفها احدى قرى الري , وقال : و كان في زمـاننا رئيس متمول يعمر الحرمين و ينفق الاموال عليهما و ابنه الحسين الوراميني ممن كان يكثر الحج , و يرغب في الخير والصدقة , غير انه متشيع غال في ذلك ((970)) .

و تـدل مـعـلـومات عبدالجليل الرازي عن ورامين على ان اهلها كانوا شيعة اثني عشرية في القرن السادس , و ان كان عدد من الحنفية والشافعية يسكنون هناك ايضا ((اما ورامين فهي قرية لم تقل عن الـمـدن مـنزلة , و ما يلمس فيها من معالم الشريعة و انوار الاسلام من طاعات و عبادات و ملازمة لـلاحسان والخيرات , فهي من بركات رضي الدين ابي سعد ((971)) ـ اسعده اللّه في الدارين ـ و ابـنـائه , اذ شـيـد فـيـهـا المسجد الجامع , و اقيمت الصلاة , و اقرت الخطبة , و انشئت المدرسة الـرضـويـة , و الـفـتـحية باوقاف معتمدة , ومدرسين متدينين , و فقها مجدين و لهؤلا خيرات في الحرمين : مكة والمدينة , و مشاهدالائمة من خلال وضع الشموع , و ارسال الحاجات اللازمة و يمد الـخـوان بـورامـين في كل شهر رمضان لعامة الناس , و تقدم العطايا والهبات الى جميع ابنا المذاهب الاسلامية بلا تعصب او تمييز و ما شابههما ((972)) )).

و ذكر عبدالجليل في مواضع اخرى من كتابه ((رافضة آبه و ورامين ((973)) )) كما اوردفي موضع آخر ((ساري و قم و كاشان و آبه و ورامين و درمصلحگاه ((974)) )) جنبا الى جنب و ذكر المسجد الجامع بورامين بوصفه المسجد الجامع للشيعة ((975)) .

و في ضؤ ما نص عليه صاحب كتاب الفضائح , و كذلك عبدالجليل الرازي , فليس هناك اقل شبهة في تشيع ورامين تشيعا اثني عشريا.

و قال المستوفي في القرن الثامن : اهل ذلك المكان [ورامين ] شيعة اثناعشرية ((976)) .

و ذكـر يـاقـوت فـي الـقرن السابع ورامين , بيد ا نه لم يتحدث عن تشيعها, الا ا نه ذكر ورام قبل ورامين , و قال عنها : ((بلد قريب من الري اهله شيعة ((977)) )).

و نـقـل لـنا منتجب الدين اسما عدد من العلما الذين كانوا يتلقبون نسبة الى هذه المدينة كالشيخ اسد الـديـن حـسـن بـن ابي الحسن بن محمد الوراميني , و صفا الدين حسن بن علي بن حسين بن علوية الـورامـيني , و الاديب رشيد الدين حسين بن ابي الحسين بن مموسة الوراميني , والشيخ رشيدالدين عباس بن علي بن علوية الوراميني , وعبدالملك بن محمد بن عبدالملك الوراميني , و علي بن ابراهيم بن ابي طالب الوراميني ,و محمد بن حسن بن مموسة الوراميني , و محمد شاه بن قاسم الوراميني , و محمود بن حسن الوراميني .

و ذهـب الـقـاضي نوراللّه ايضا الى ان تشيع ورامين كان موغلا في القدم , و ذكرمعلومات عنه منذ عصره ((978)) .

و يمكن التعرف على التشيع الموجود في بعض قرى الري من خلال المعلومات الواردة في فهرست منتجب الدين .

و كـان الـشـيـخ بـدرالـديـن حسن بن علي بن سلمان الفارسي يسكن في قرية اسناباداحدى قرى الـري ((979)) و ذكـر يـاقـوت مـكـانـا بـاسـم ((اسـتـنـابـاد)) و ذهـب الـى ان اسـمـه الاصـلـي ((اسـتـونـاونـد)), و هـي قـلـعـة بـينها و بين الري ثمانية عشر فرسخا, قريبة من دماوند ((980)) .

و كـان الشيخ موفق الدين حسن بن محمد بن حسن المعروف بالخواجه آبي متوطناقرية ((راشدة شنست ((981)) )).

و ذكـر يـاقـوت قـرية شنشت كقرية من قرى الري المشهورة , و هي كالمدينة و كانت تعتبر من ((قـهـا)) و جـرت فيها وقائع بين اصحاب السلطان والعلوية مشهورة [ المعتضد ((982)) و كانت قها ايضا قرية كبيرة بين الري و قزوين ((983)) .

و كان رشيدالدين حسن بن عبدالملك مقيما في قرية رامزين قها من توابع الري ((984)) .

و كـانت قوهد ايضا منطقة مشهورة من مناطق الري , و كان يعيش فيها عدد من علماالشيعة و تعتبر مـن ((قـهـا)) ايـضـا و تـتـالـف مـن قسمين هما: ((قوهد آب )) [قوهد الما]او ((العليا)), و ((قوهدخران )) [قوهد الحمير] او ((السفلى ((985)) )) و كان القسمان عامرين للغاية و هناك خانقاه للصوفية سنة 617 ه ((986)) و يبدو ان احد القسمين كان للشيعة والاخر للسنة اذ ذكر الـمـسـتـوفي قائلا: و اهل المدينة [الري ] و اكثر الولايات التابعة لها شيعة اثنا عشرية الا قرية قـوهـد, و عـددا مـن المواضع الاخرى , فان اهلها كانوا حنفية و لهذاالسبب كان اهل تلك الولاية يـسمونها: قوهه خران [قوهه الحمير ((987)) ] و حينئذ لابد ان يكون اهل قوهد العليا شيعة و ذكـر اسم ((عفيف الدين ابراهيم بن خليل )) في فهرست منتجب الدين , و كان قوهديا, و سكن في خـوارزم ((988)) و كان ((رشيدالدين حسين بن ابي الفضل الرواندي )) يسكن في ((قوهد)) ايضا ((989)) و كذلك كان ((الشيخ نجيب الدين زيدان بن ابي دلف الكليني )) في قوهدة العليا, و تحدثوا عنه بوصفه عالما و عارفا ((990)) وتوطن ((السيد كمال الدين عبدالعظيم ابن محمد بن عبدالعظيم الحسني الابهري )) ((قوهدة العليا)) ايضا ((991)) .

و كـان الـشـيـخ شـرف الـديـن مـحـمـد بـن عـلـي بـن حـسـن دسـتـجـردي يقيم في قرية ((زين آباد ((992)) )).

و كـانـت ((دوريـسـت )) من توابع الري و ذكرها ياقوت , فقال : ينسب اليها عبداللّه بن جعفر بن محمد بن موسى بن جعفر الدوريستي و كان يزعم انه من ولد حذيفة بن اليمان وهو احد فقها الشيعة الامـامية قدم بغداد سنة 566 ه ثم عاد الى بلده , و مات بعدسنة 600 ه بيسير ((993)) و ذكره منتجب الدين ايضا و قال : يروي عن اسلافه , [اي ]مشايخ دوريست الذين كانوا من فقها الشيعة .

و كـانـت اسـرة دوريستي من الاسر الشيعية في الري و كان جعفر بن محمدالدوريستي (380 ـ 473) من تلاميذ الشيخ المفيد والشريف المرتضى , وهو عالم مشهورو له علاقات بنظام الملك , و كان نظام الملك يسمع منه الحديث ((994)) و ابنه هوعبداللّه بن جعفر الذي ذكره ياقوت و كان مـحـمد بن احمد بن عباس بن فاخرالدوريستي من علما الشيعة في تلك المنطقة ((995)) و ذكر مـنـتـجـب الـديـن الـشـيخ سديد الدين حسن بن حسين بن علي الدوريستي الذي اقام بكاشان فيما بعد ((996)) .

و من توابع الري الاخرى : ((كلين )) و تقع في قرية بشاپويه من مناطق الري على بعد 38كم في الجنوب الغربي منها, و في شرق جادة قم على بعد خمسة كيلومترات عن الجادة ((997)) و كانت هذه القرية من القرى الشيعية في الري منذالقديم و انجبت احداساطين الشيعة و علمائها المبجلين , وهـو مـحمد بن يعقوب الكليني مؤلف كتاب الكافي العظيم و عده النجاشي ((شيخ الشيعة بالري )) تـوفـي هذا العالم ببغداد سنة 329 ه , و كان خاله ((علان الكليني ((998)) )) من علما الشيعة ايضا و هكذا يستبين ان اسرته كانت من الاسر الشيعية المربية للعلما.

و تـحـدث نظام الملك في كتابه سياستنامه عن كلين بوصفها مركزا لاستقرار ((خلف ))احد دعاة الاسـمـاعيلية و نقل على لسان شيخ خلف انه قال له : ((توجه تلقا الري , اذ ان اهاليها و اهالي قم و كـاشـان و آبه كلهم رافضة , و يدعون التشيع فقدم خلف الري , و اقام في منطقة پشاپويه , في قرية تـدعـى : كـلـين )) و واصل كلامه قائلا: ادخل خلف عددا من الرجال والنسا في مذهبه , ثم فر من القرية المذكورة ((999)) .

و لـعـل الاسـمـاعـيـلـيـة كـانوا متغلغلين في تلك القرية , و ان كان هناك عدا بين الشيعة الامامية والاسـمـاعـيلية و مما يقوي هذا الاحتمال هو الكتاب الذي الفه ثقة الاسلام الكليني , و هو بعنوان : الرد على القرامطة ((1000)) .

و ذكرنا آنفا الشيخ نجيب الدين زيدان بن ابي دلف الكليني الذي كان يسكن في قوهد ((1001)) .

و ثـمـة عـالـم شـيـعـي آخـر يـنسب الى كلين , وهو ((السيد ابوالقاسم علي بن يوسف بن جعفر الكليني ((1002)) )).

و كـانت المناطق الواقعة بين طبرستان والري شيعية غالبا و اهمها قصران التي تشمل قرى كثيرة جـدا وهـي مـنطقة جبلية في الشمال و تضم شمال شرق الري و غربها و كانت ممتدة حتى حدود مازندران و ان كثيرا من القرى التي كانت تابعة لقصران , الحقت اليوم بطهران ((1003)) .

و كـان اتـسـاع الاسـلام في هذه المناطق , بخاصة في الاقسام القريبة من مازندران , قد تم في ايام الـحكومة العلوية عندما بويع حسن بن زيد بطبرستان سنة 250 ه , و قدم اخوه الى شلمبه دماوند فالتحق به هناك رؤسا لاريجان و قصران ((1004)) .

و قـيـل : ان اول مسجد في تلك المنطقة هو مسجد لواسان الذي شيد بامر الامام الحسن العسكري ـ عـلـيـه الـسـلام ـ كما ذهب الى ذلك نائب الصدر, و احتمل الاستاذ كريمان ان حسن بن زيد نفسه هوالذي اصدر امرا بانشائه ((1005)) .

و كـان اسـتمرار الحكومة العلوية قد نشر التشيع في تلك الديار و ضمن حضورالعلويين في اكثر هذه القرى ديمومة التشيع وكان ذلك التشيع ذا طابع زيدي و ان كان يعيش في وسط اهله عدد غفير مـن الاماميين و تحدث ياقوت عن قصران و ذكر احدعلمائها الزيديين , و هو ابو العباس احمد بن حسين بن ابي القاسم بن علي بن باباالقصراني من اهل قصران الخارج و كان يرحل الى الري احيانا و يتبرك به الناس ((1006)) .

و توجد مراقد لابنا الائمة في عدد من قرى قصران ((1007)) , مما يمثل معلما على حضور كبير للعلويين في هذه المناطق .

و ذكـر بـيـن الـعـلـمـا الـشيعة شخص يدعى محمد بن احمد, اباعبداللّه جاموراني ,و نسب الى جماران ((1008)) و ان وجود قرية باسم مهدي آباد ((1009)) في قصران [شميران , لواسانات و ] امارة على وجود التشيع الامامي في تلك الارجا.

التشيع في بيهق (سبزوار).

التشيع في بيهق (سبزوار).

كـانـت بـيـهـق احـدى مـدن خراسان , و مركزها اليوم سبزوار اسلم اهلها رغبة و طواعية منذ البداية ((1010)) و في ضؤ ما قاله احد المؤلفين , فقد كانت هذه المدينة مركزا للتشيع الذي انتشر فيها منذ عهد الطاهرية و قيده المؤلف المشار اليه انه تشيع اثناعشري ((1011)) بيد ا نه لم يذكر سندا لذلك .

و جـا فـي مـعـجـم البلدان ان اكثرية اهلها روافض غلاة ((1012)) و لكنه ايضا ليس دليلاعلى الوجود المبكر للتشيع في هذه المدينة و نقل ان قنبر غلام علي ـ عليه السلام ـ سكن فيها و يوجد مسجد هناك باسم ولده شاذان ((1013)) فيتسنى لنا ـ اذن ـ ان نعتبر هذا دليلامناسبا على الوجود المبكر للتشيع في هذه المدينة .

بعامة , ان وجود هذه المدينة في خراسان التي عرفت بانتشار النزعات العلوية في ربوعها يعكس لنا حقيقة تتمثل في ان هذه المدينة كانت محلا لظهور النزعة الشيعية بادئ بد.

و نـقـل عـن صاحب تلخيص الاثار ايضا ان جماعة غير محصورين من الفضلا,والعلما, و الفقها, و الادبـا خرجوا منها و مع هذا, الغالب على اهلها مذهب الرافضة الغلاة و من مشاهيرها المتهمين هو الامام ابوبكر احمد بن الحسين البيهقي صاحب التصانيف المشهورة ((1014)) .

و نـلـحـظ ان مـن الادلـة على تشيع المدينة هو الهجرة الواسعة للسادة من مدن مختلفة كنيسابور, والري و كان عددهم كبيرا للغاية ((1015)) .

و نـقـلـت حـكـاية عن سبزوار تماثل الحكاية المنقولة عن قم و مضمونها ان الوالي كان يبحث عن شـخـص يـدعـى ابـابكر, فلم يجد الا شيخا قبيح المنظر و نسب الشاعر مولوي هذه الحكاية الى سبزوار في احدى قصائده ((1016)) .

و قـال الـسيد بحر العلوم : ((بيهق ناحية معروفة في خراسان بين نيسابور و بلاد قومس (دامغان الـحـالـية ) و قاعدتها بلدة سبزوار و هي من بلاد الشيعة الامامية قديما وحديثاو اهلها في التشيع اشـهـر مـن اهـل خـاف والـخزر في التسنن ((1017)) )) و جا ايضا :اهلها اثناعشرية منذ عهد سحيق ((1018)) .

و يتبين من هذه العبارة جيدا ان سبزوار كانت شيعية منذ القديم الا ان كلمة (القديم )هنا نسبية ايضا و قال المستوفي في مذهب اهلها: ((هم شيعة اثنا عشرية ((1019)) )).

و لابـد لنا, و نحن نتحدث عن التشيع في بيهق , ان نستثني بعض المدن الكبيرة الواقعة في اطرافها من وجود النزعات والميول الشيعية الواسعة كنيسابور فقد كانت هذه المدينة مركزا لعلما السنة و عـلـومهم و كان الشيعة فيها يعانون من التضييق و فرض الرقابة عليهم كما نقل ان الامام العسكري ـ عـلـيه السلام ـ بعث كتابا الى شيعة نيسابور عرف فيه رسله اليهم ليراجعوهم ((1020)) مع هذا , فـان وجـود بـعـض الاشخاص فيها كالفضل بن شاذان المتوفى سنة 260 ه معلم على وجود بعض الاسر الشيعية هناك و يعتبر الفضل من نوادر علما الشيعة في القرن الثالث و هو مقدم على كثير من الـعـلما الاخرين في مجال الدقة و التركيز العلمي ((1021)) و كتاب الايضاح دليل على ما نقول و تعرض هذا العالم الى مضايقات عبيداللّه بن طاهر, ثم ابعد من نيشابور ((1022)) .

و يـلاحـظ فـي مدن خراسان و اطرافها اشخاص من اصحاب الائمة ـ عليهم السلام ـ ,و ذلك آية على وجود التشيع في تلك الارجا و من هؤلا : الحسين بن اشكيب السمرقندي الذي قال عنه الشيخ الطوسي ا نه من اصحاب الامام علي الهادي ـعليه السلام و كان مقيما بسمرقند ((1023)) و منهم : مـحـمـد بـن مـسعود العياشي الذي اسس مدرسة الامامية بسمرقند و ربى تلاميذ كثيرين و نشر الحديث الشيعي بخراسان .

الاسماعيلية .

الاسماعيلية .

ارى مـن الـضروري قبل الحديث عن نشاط الاسماعيلية في ايران ان القي نظرة توضيحية موجزة عامة على هذه الفرقة , اذ يتعذر علينا الحديث عنها مفصلا هنا.

يبدو ان التعقيد والغموض لم يكتنفا فرقة من الفرق الاسلامية كالاسماعيلية (بخاصة ابان نشوئها) و مازالت هويتها الحقيقية غامضة حتى بعد سنين من الدراسات المفصلة للمستشرقين عنها.

و لهذا الموضوع اسباب متنوعة منها : ا نهم كانوا اقلية تعيش في جو خانق و قلما برزوافي الفترة الاولـى مـن حـياتهم كتيار رسمي و كان اعداؤهم , لا سيما العباسيون , يبذلون قصارى جهدهم في تـحريف عقائدهم و كذلك كان السنة , اذ انطلقوا من عنادهم المكشوف لعقائدهم , فجهدوا كثيرا في التعتيم عليها من خلال عرض موضوعات غيرحقيقية عنهم .

يـضـاف الى ذلك , ان تفرق الاسماعيلية انفسهم حال دون وجود عقائد مدونة لهم و في المقابل , كانوا يـتـاثـرون بعقائد البيئة التي يعيشون فيها حيثما قر قرارهم , فبرزت صورمختلفة في عقائدهم و ربـما بلغت هذه الصور درجة لم تلحظ معها صلة ظاهرية بين بعض فرقهم كالقرامطة و غيرهم من الفرق الاخرى و لا يمكن ان نتصور علاقة ما بينها ـعلى سبيل الاحتمال ـ الا بعد البحث والتنقيب .

ان الاغـتراف من العقائد الفلسفية المختلفة سوا كانت في ايران , او العراق , او الشام , اومصر, ادى الـى تـقلقل افكارهم فظهرت على شكل تعاليم فلسفية متنورة حينا, كما في رسائل اخوان الصفا, و متخذة طابع التاويلات الباطنية شبه العرفانية , و حتى الخرافية تماما, حينا آخر.

ان الاعـتقاد بالظاهر والباطن , و اقحامهما في تفسير التعاليم الدينية سبب آخر من اسباب الغموض والتعقيد و قد اوقع الجميع في الشك والشبهة فالجانب العملي من هذا الاعتقاد هو الظاهر المرضي عـند عامة الناس و هو الذي يقر بالفقه الديني , و يهتم بظواهر الشرع اهتماما تاما اما الجانب الاخر فهو الباطن الذي يتغير فيه كل شي حتى ان الجمع بينهما في فكرة من الافكار العقلية يبدو عسيرا و بـيـنـما يعرض احد المؤرخين في الفرق والمذاهب زوايا خاصة من هذه الافكار, ياتي مؤرخ آخر فيطرح نقاطا اخرى ,مما يفضي الى زيادة الغموض و الابهام في عقائدهم .

و نـرى ان الـدعوة الخفية للاسماعيلية التي ادت الى الغموض في تركيبتهم السياسية و التنظيمية سبب آخر في ضياع الوجه الحقيقي للاسماعيلية في التاريخ و تتضح هذه المسالة جيدا عندما ننظر اليهم بوصفهم فرقة منفصلة عن المجتمع تماما, و نتصورارتباطهم بسائر المسلمين في حده الادنى و مـن البين حينئذ ان شيئا ضئيلا يصل منهم الى الاخرين , بخاصة اذا نظرنا الى حركتهم التنظيمية و ما زال هذا التوجه سائدا عندبعض فرقهم , كما نلمسه عند الدروز.

يقول المسعودي عن الغموض الموجود في الاخبار الدقيقة التي تحدثت عن عقائدهذه الفرقة : ((و قـد صـنف متكلمو فرق الاسلام من المعتزلة , والشيعة , والمرجئة ,والخوارج كتبا في المقالات و غـيـرها من الرد على المخالفين فلم يعرض احد منهم بوصف مذاهب هذه الطائفة (القرامطة ) و رد عليهم آخرون كقدامة بن يزيد النعماني و ابن عبدك الجرجاني , و ابي الحسن زكريا الجرجاني , و ابـي عبداللّه محمد بن علي الرزام الطائي الكوفي , و ابي جعفر الكلابي فكل يصف من مذاهبهم ما لا يحكيه الاخرمع انكار هذه الطائفة حكاية من ذكرنا و تركهم الاعتراف بها ((1024)) )).

و هـذا هو داب اهل السنة , والمتخصصين في علم الفرق اذ ينسبون التعاليم المحرفة ,التي تنطوي عـلـى المؤاخذة والاشكال في تحليل عقائد احدى الفرق , الى الفرقة المعنية و كان هذالتوجه مالوفا تماما في ظل الحكم العباسي .

قال المرحوم القزويني عن سلوك العباسيين : ((لقد بذل الحكام العباسيون قصارى جهودهم لاضعاف الـفـاطـمـيـين من خلال نشر الاكاذيب ضدهم , و كذلك القدح في انسابهم و مذاهبهم و اعمالهم و اعـوانـهـم و انـصارهم ((1025)) )) وذكر هذا الموضوع ايضا عندما تعرض الى ما نسبه بعض الاشـخـاص ـ كـنـظـام الملك ـ الى الاسماعيلية و قال عن كتابه سياستنامه : (( اغلب موضوعاته اسـاطـيـر بحتة , عادية , واهية تماما و ضم خرافات محضة , و كذبا مكشوفا, و تقولات لمتاخرين مفترين ((1026)) )).

و كان التحليل الرسمي للحكومة العباسية , و تبعا لها, مؤرخي الفرق و المذاهب من اهل السنة يشمل نـقـاطا خاصة نقلت في اكثر كتبهم التي تطرقت الى الاسماعيلية في مناسبة من المناسبات و النقطة الجوهرية في هذا التحليل تتمثل في الصاق العقائدالمزدكية و المجوسية بالعقائد الاسماعيلية .

ان الـنص الذي كتبه القادر العباسي في تكفير الفاطميين بمصر و القدح في نسبهم يحكي لنا تحليلا قد املي على كتب الفرق فيما بعد قال المشار اليه في هذا النص الذي كتبه ضد الفاطميين , و بخاصة الـحاكم بامراللّه : (( و ان هذا الناجم (الحاكم ) بمصر هو و سلفه كفار فساق و زنادقة , ملحدون معطلون , و للاسلام جاحدون و للمذاهب الثنوية والمجوسية معتقدون ((1027)) )).

و عـنـدما نلقي نظرة على كتاب سياستنامه للخواجه نظام الملك نجده يعرض هذه التحليلات نفسها على شكل اخبار تاريخية , و ذلك دفعا لخطر الاسماعيليين الذين كانوايهددون وزارته , و قد قضوا على حياته و تلك الاخبار ـ كما قال المرحوم القزويني ـ (( تحوي اخطا تاريخية مضحكة للغاية و قد سلبت الثقة من كتبه كلهاتماما ((1028)) )).

انه ((1029)) بدا حكايته من مزدك , و ربط الحوادث التاريخية التي تخصه بحركة سنبادو واصل حـديـثـه فـذكـر اهتمام سنباد بروافض كوهستان , والعراق , و قال : ((جمع سنباد الشيعة حوله مـستغلا اسم المهدي ثم قتل سنباد في اليوم الرابع من اشتباكه مع جهور, بوصفه مزدك فتشذر ذلك الـجـمـع و كان مذهب خرم مزيجا من المجوسية والتشيع ((1030)) )) ثم انبثقت الاسماعيلية ـ برايه ـ من صميم هذه الحركة .

و ذكـر الـجويني تحليلا مماثلا لهذا التحليل فقال : ((ذهب اصحاب العصبية المجوسية منذ البداية الـى ان لـظـاهر الشريعة باطنا, و ذلك لتشكيك الاخرين فخفي على اكثرالناس امرهم و واصلوا نهجهم فربطوا انفسهم بالكيسانية و لما لم يبق من الكيسانية احد, لصقوا ارواحهم بالروافض و كان عـبـداللّه بـن معاوية من الغلاة و وضع جدولا وقال : لا حاجة الى رؤية الهلال فوقع الخلاف بين الروافض و سمى اهل الجدول انفسهم باهل علم الباطن و سموا سائر الشيعة اهل الظاهر و اولئك الـذيـن كـانـوا قـدربـطوا انفسهم بالكيسانية , اعرضوا عنها, و التحقوا بالاسماعيلية , و انفصلوا عن الروافض و قالوا: من علم باطن الشريعة و غفل عن ظاهرها, فانه لايعاقب ((1031)) )).

نـجد الحركة الاسماعيلية في هذه التحليلات مجوسية تماما لذلك نقل ان احد اسمائهافي التاريخ : المزدكية ((1032)) .