فتحصل من ذلك أنّ استخلاف اللّه لداود كانبمعنى إعطائه حق الحاكمية على الناسبمفهومها الواسع.
وبذلك اتضح الفرق بين قولنا حصر الحاكميةفي اللّه سبحانه وبين ما كان يردّدهالخوارج شعاراً ضد علي (عليه السلام) حيثكانوا يقولون: «لا حكم إلاّ للّه لا لك ولالأصحابك».
فهؤلاء كانوا يريدون نفي أيَّة إمرة فيالأرض بتاتاً لا من جانب اللّه ولا من جانبالناس، وبذلك نهضوا في وجه إمرة علي، وقدردّ الإمام عليهم بقوله:
«كلمة حق يراد بها باطل! نعم لا حكم إلاّللّه، ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة إلاّللّه».(1)
أي أنّهم ينفون أن يكون في الأرض أمير علىالناس من جانب اللّه سبحانه.
أثبت البحثان السابقان أنّ الحكومة ضرورةيتوقف نظام الحياة عليها، كما أثبتا منجانب آخر أنّ الحكومة بما أنّها تلازمالتصرف في الأموال والأنفس وتلازم تحديدالحريات، لذلك لابد أن تكون ناشئة منولاية ثبت أنّها لا توجد إلاّ في اللّهسبحانه، وحده.
ولمّا كان يمتنع عليه سبحانه أن يباشر هذهالحكومة، فلابد أن يتصدّى لها من ينصبهاللّه تعالى لذلك فرداً كان أو جماعة،وهذا ما ينبغي بحثه ومعالجته في البحوثالتي تتكفل بيان طريقة الحكم ونظامالحكومة في الإسلام، والتي أبدى فيهالمفكرون آراء مختلفة.
1. نهج البلاغة، الخطبة 40.