وأخرج طائفةً من أصحابك حتّى تمرّ بأرضالسّواد كورةً بعد كورةً فتسألهم عنعمالهم وتنظر في سيرتهم» (1).
رغم أنّ التكتيكات العسكريّة،والتمرينات النظاميّة اليوم تختلف عمّاكانت عليه بالأمس اختلافاً شاسعاً، ولكنّعامل (التجسّس على تحرّكات العدوالعسكريّة والتعرّف على أسراره ومواقعهالنظاميّة، وفنونه القتاليّة، ومدىاستعداداته، وحجم قواه ومعدّاته وعددأفراده وآليّاته) لا يزال منذ القديم وإلىالآن يحتفظ بأهمّيته القصوى، ويعتبر ـاليوم ـ من أفضل الأسباب والعلل لنجاحالجيوش أو سقوطها وفشلها.
ولقد كانت هذه المسألة موضع اهتمامالمسلمين ـ قادة وحكومات ـ منذ القدم غيرأنّها اتّخذت صفة العلم والتخصّص فيالعصور الحاضرة فصار (فن التجسّس) علماًيدرّس في الجامعات يتخصّص فيها الأفرادكما يتخصّصون في الفنون الاُخرى إلى درجةصارت القوى العظمى ـ اليوم ـ تجعلانتصاراتها ونجاحاتها مرهونة بمدى نجاحهاوتفوّقها في ميدان التجسّس على العدو،فراحت تنفق الأموال الطائلة على جهازالاستخبارات، وتدفع بجواسيسهاالمتمرّسين في شتّى أنحاء العالم ليجمعوالها الأخبار، ويرفعوا إليها التقارير،ويتوسّلوا بكلّ وسيلة ممكنة للحصول علىأدقّ المعلومات العسكريّة ونقلها إلىمراكزهم بشتّى الوسائل والحيل.
وربّما تسلّل هؤلاء الجواسيس إلى السلطاتفي الدول الاُخرى، إمّا بأنفسهم أو بواسطةمن يدسّونهم في تلك الدوائر من رجال أونساء بمختلف الحيل والسبل والحجج.
وربّما تسابق الجواسيس سباقاً عنيفاً،ودمويّاً في تحصيل المعلومات، وأدّىالأمر في بعض الأحيان إلى المخاطرة بالنفسوالمغامرة بالحياة كلّ ذلك انطلاقاً منأهمّية
1- الخراج لأبي يوسف: 128.