تريدون أن تنزعوا ملكنا من إيدينا أخرجواعنا، أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسر كم ولا تحمدوا غب رأيكم، ارجعوا إلى منازلكم، فإنا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا، قال: فرجع الناس وخرج بعضهم حتى أتا عليا فأخبره الخبر فجاء علي عليه السلام مغضبا حتى دخل على عثمان فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك
___________________________________ في لفظ البلاذرى: الا بافساد دينك، وخديعتك عن عقلك. وفى لفظ ابن كثير: الا بتحويلك عن دينك وعقلك، وان مثلك مثل جمل الظعينة سار حيث يسار به.
فلما خرج علي دخلت عليه نائلة ابنة الفرافضة امرأته فقالت: أتكلم أو أسكت فقال: تكلمي. فقالت: قد سمعت قول علي لك وانه ليس يعاودك؟ وقد أطعت مروان يقودك حيت شاء قال: فما أصنع؟ قالت: تتقي الله وحده لا شريك له وتتبع سنة صاحبيك من قبلك، فإنك متى أطعت مروان قتلك، ومروان ليس له عندالناس قدر ولا هيبة ولا محبة، وإنما تركك الناس لمكان مروان، فأرسل إلى علي فاستصلحه فإن له قرابة منك وهو لا يعصى. قال: فأرسل عثمان إلى علي فأبي أن يأتيه، وقال: قد أعلمته: أني لست بعائد. فبلغ مروان مقالة نائلة فيه فجاء إلى عثمان فجلس بين يديه فقال: أتكلم أو أسكت؟ فقال: تكلم. فقال: إن بنت الفرافصة. فقال عثمان: لا تذكرنها بحرف فأسوء لك وجهك فهي والله أنصح لي منك. فكف مروان
___________________________________ الانساب للبلاذرى 64:5 و 65، تاريخ الطبرى 11:5، الكامل لابن الاثير 68:3، تاريخ ابن كثير 172:7، شرح ابن ابى الحديد 163:1 و 164، تاريخ ابن خلدون 396:2 و 397.
من طريق أبي عون قال: سمعت عبدالرحمن بن الاسود بن عبد يغوث يذكر مروان بن الحكم قال: قبح الله مروان، خرج عثمان إلى الناس فأعطاهم الرضا وبكى على المنبر وبكى الناس حتى نظرت إلى لحية عثمان مخضلة من الدموع وهويقول: أللهم إني أتوب اليك، أللهم إني أتوب اليك، أللهم إني أتوب اليك، والله لئن ردني الحق إلى
أن أكون عبدا قنا لارضين به، إذا دخلت منزلي فادخلوا علي، فوالله لا أحتجب منكم ولاعطينكم ولازيدنكم على الرضا، ولانحين مروان وذويه.
قال: فلما دخل أمر بالباب ففتح ودخل بيته ودخل عليه مروان فلم يزل يفتله في الذروة والغارب حتى فتله عن رأيه وأزاله عما كان يريد، فلقد مكث عثمان ثلاثة أيام ماخرج استحياء من الناس، وخرج مروان إلى الناس فقال: شاهت الوجوه إلا من أريد ارجعوا إلى منازلكم، فإن يكن لاميرالمؤمنين حاجة بأحد منكم يرسل إليه وإلاقر في بيته. قال عبدالرحمن: فجئت إلى علي فأجده بين القبر والمنبر وأجد عنده عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وهما يقولان: صنع مروان بالناس وصنع، قال: فأقبل علي علي فقال: أحضرت خطبة عثمان قلت: نعم. قال: أفحضرت مقالة مروان للناس قلت نعم. قال علي: عياذالله يا للمسلمين، إني إن قعدت في بيتي قال لي: تركتني وقرابتي وحقي، وإني إن تكلمت فجاء ما يريد يلعب به مروان فصار سيقة له يسوقه حيث شاء بعد كبر السن وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عبدالرحمن بن الاسود: فلم يزل حتى جاء رسول عثمان إئتني فقال علي بصوت مرتفع عال مغضب: قل له: ما أنا بداخل عليك ولا عائد. قال: فانصرف الرسول فلقيت عثمان بعد ذلك بليلتين جائيا فسألت ناتلا غلامه من أين جاء أميرالمؤمنين؟ فقال: كان عند علي، فقال عبدالرحمن بن الاسود: فغدوت فجلست مع علي عليه السلام فقال لي: جاءني عثمان بارحة فجعل يقول: إني غير عائد وإني فاعل، قال: فقلت له. بعد ما تكلمت به على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطيت من نفسك، ثم دخلت بيتك، وخرج مروان إلى الناس فشتمهم على بابك ويؤذيهم قال: فرجع وهو يقول: قطعت رحمي وخذلني و جرأت الناس علي فقلت: والله إني لاذب الناس عنك، ولكني كلما جئتك بهنة أظنها لك رضى جاء بأخرى فسمعت قول مروان علي واستدخلت مروان. قال: ثم انصرف إلى بيته فلم أزل أرى عليا منكبا عنه لا يفعل ما كان يفعل
___________________________________ تاريخ الطبرى 112:5، الكامل لابن الاثير 96:3.
أخرج الطبري من طريق عبدالله بن الزبير عن أبيه قال: كتب أهل المدينة إلى
عثمان يدعونه إلى التوبة، ويحتجون ويقسمون له بالله لا يمسكون عنه أبدا حتى يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من حق الله، فلما خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بيته فقال لهم: قد صنع القوم ما قد رأيتم فما المخرج؟ فأشاروا عليه أن يرسل إلى علي بن أبي طالب فيطلب إليه أن يردهم عنه ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى يأتيه أمداده فقال: إن القوم لن يقبلوا التعليل وهي محملي عهدا وقد كان مني في قدمتهم الاولى ما كان، فمتى أعطهم ذلك يسألوني الوفاء به. فقال مروان بن الحكم: يا أميرالمؤمين مقاربتهم حتى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب، فاعطهم ما سألوك، وطاولهم ما طاولوك، فانما هم بغوا عليك فلا عهد لهم، فأرسل إلى علي فدعاه فلما جاءه قال: يا أبا حسن إنه قد كان من الناس ما قد رأيت وكان مني ما قد علمت، ولست آمنهم على قتلي، فأرددهم عني، فإن لهم الله عزوجل أن أعتبهم من كل ما يكرهون، وأن أعطيهم الحق من نفسي ومن غيري وإن كان في ذلك سفك دمي، فقال له علي: الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك، وإني لارى قوما لا يرضون إلا بالرضا وقد كنت أعطيتهم في قدمتهم الاولى عهدا من الله لترجعن عن جميع ما نقموا فرددتهم عنك، ثم لم تف لهم بشئ من ذلك فلا تغرني هذه المرة من شئ، فاني معطيهم عليك الحق. قال: نعم فاعطهم فوالله لافين لهم. فخرج علي إلى الناس فقال: أيها الناس إنكم إنما طلبتم الحق فقد اعطيتموه إن عثمان قد زعم انه منصفكم من نفسه ومن غيره، وراجع عن جميع ما تكرهون، فاقبلوا منه ووكدوا عليه. قال الناس: قد قبلنا فاستوثق منه لنا فإنا والله لا نرضى بقول دون فعل. فقال لهم علي: ذلك لكم. ثم دخل عليه فأخبره الخبر، فقال عثمان: اضرب بيني وبينهم أجلا يكون لي في مهلة، فانى لا أقدر على رد ما كرهوا في يوم واحد، قال له علي: ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه، وما غاب فأجله وصول أمرك، قال: نعم، ولكن أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام. قال علي: نعم. فخرج إلى الناس فأخبرهم بذلك وكتب بينهم وبين عثمان كتابا أجله فيه ثلاثا على أن يرد كل مظلمة، ويعزل كل عامل كرهوه، ثم أخذ عليه في الكتاب أعظم ما أخذالله على أحد من خلقه من عهد وميثاق وأشهد عليه ناسا من وجوه المهاجرين والانصار، فكف المسلمون عنه ورجعوا إلى أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه، فعجل يتأهب للقتال ويستعد بالسلاح، وقد كان اتخذ
جندا عظيما من رقيق الخمس، فلما مضت الايام الثلاثة وهو على حاله لم يغير شيئا مما كرهوه، ولم يعزل عاملا، ثار به الناس، وخرج عمرو بن حزم الانصاري حتى أتى المصريين وهم بذي خشب فأخبرهم الخبر وسار معهم حتى قدموا المدينة فأرسلوا إلى عثمان: ألم نفارقك على انك زعمت انك تائب من أحداثك، وراجع عما كرهنا منك وأعطيتنا على ذلك عهدالله وميثاقه؟ قال: بلى، أنا على ذلك. قال: فما هذا الكتاب الذي وجدنا مع رسولك؟ الحديث.
___________________________________ تاريخ الطبرى 116:5، الكامل لابن الاثير 71:3 و 72، شرح ابن أبى الحديد 166:1.
لما تكلم علي مع المصريين ورجعهم إلى بلادهم ورجع هو إلى المدينة دخل على عثمان وأخبره انهم قد رجعوا فمكث عثمان ذلك اليوم حتى إذا كان الغد جاءه مروان فقال له: تكلم وأعلم الناس أن أهل مصر قد رجعوا، وان ما بلغهم عن إمامهم كان باطلا فإن خطبتك تسير في البلاد قبل أن يتحلب الناس عليك من أمصارهم فيأتيك من لاتستطيع دفعه. فأبي عثمان أن يخرج. فلم يزل به مروان حتى خرج فجلس على المنبر فحمدالله وأثني عليه ثم قال: أما بعد: إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر فلما تيقنوا انه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم.
فناداه الناس من كل ناحية: اتق الله ياعثمان! وتب إلى الله. وكان أولهم عمرو ابن العاصي. قال: إتق الله يا عثمان فانك قد ركبت نهابير وركبناها معك فتب إلى الله نتب. إلى آخر ما مر في هذا الجزء صفحة 137.
___________________________________ مصادرها: الانساب 26:5 تا 69 و 95، الامامة والسياسة 33:1 تا 73، المعارف لابن قتيبة ص 84، العقد الفريد 236:2، تاريخ الطبرى 119:5 و 120، الرياض النضرة 123:2 و 125، الكامل لابن الاثير 70:3 و 71، شرح ابن أبى الحديد 156:1 و 166، تاريخ ابن خلدون 397:2، تاريخ ابن كثير 173:7 و 174 و 186 و 189، حياة الحيوان للدميرى 53:1، الصواعق ص 69، تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 106 و 107، السيرة الحلبية 84:2 و 86 و 87، تاريخ الخميس 259:2، وللفظ للبلاذرى والطبرى.
أخرج البلاذري من طريق أبي مخنف قال: لما شخص المصريون بعد الكتاب
الذي كتبه عثمان فصاروا بأيلة
___________________________________ أيله بالفتح: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلى الشام. وقيل: هى آخر الحجاز وأول الشام.
أما بعد: فإذا قدم عليك عمرو بن بديل فاضرب عنقه، واقطع يدي ابن عديس و كنانة، وعروة، ثم دعهم يتشحطون في دمائهم حتى يموتوا، ثم أوثقهم على جذوع نخل.
فيقال: إن مروان كتب الكتاب بغير علم عثمان، فلما عرفوا ما في الكتاب، قالوا: عثمان محل، ثم رجعوا عودهم على بدئهم حتى دخلوا المدينة فلقوا عليا بالكتاب وكان خاتمه من رصاص، فدخل به علي على عثمان فحلف بالله ما هو كتابه ولا يعرفه وقال: أما الخط فخط كاتبي، وأما الخاتم فعلى خاتمي، قال علي فمن تتهم؟ قال: أتهمك وأتهم كاتبي. فخرج علي مغضبا وهويقول: بل هو أمرك. قال أبومخنف: وكان خاتم عثمان بدء عند حمران بن أبان ثم أخذه مروان حين شخص حمران إلى البصرة فكان معه:
وفي لفظ جهيم الفهري قال: أنا حاضر أمر عثمان فذكر كلاما في أمر عمار. فانصرف القوم راضين ثم وجدوا كتابا إلى عامله على مصر أن يضرب أعناق رؤساء المصريين، فرجعوا ودفعوا الكتاب إلى علي فأتاه به فحلف له أنه لم يكتبه ولم يعلم به فقال له علي: فمن تتهم فيه؟ فقال: أتهم كاتبي وأتهمك يا علي لانك مطاع عند القوم ولم تردهم عني.
وجاء المصريون إلى دار عثمان فأحدقوا بها وقالوا لعثمان وقد أشرف عليهم: يا عثمان أهذا كتابك فجحد وحلف فقالوا: هذا شر، يكتب عنك بما لا تعلمه، مامثلك
يلي أمور المسلمين، فاختلع من الخلافة. فقال: ما كنت لانزع قميصا قمصنيه الله، أوقال: سربلنيه الله. وقالت بنو أمية: يا علي أفسدت علينا أمرنا ودسست وألبت، فقال: يا سفهاء إنكم لتعلمون انه لا ناقة لي في هذا ولا جمل، وإني رددت أهل مصر عن عثمان ثم أصلحت أمره مرة بعد أخرى. فما حيلتي وانصرف وهو يقول: أللهم إني برئ مما يقولون ومن دمه إن حدث به حدث.
قال: وكتب عثمان حين حصروه كتابا قرأه ابن الزبير على الناس يقول فيه: والله ما كتبت الكتاب ولا أمرت به ولا علمت بقصته وأنتم معتبون من كل ما ساءكم، فأمروا على مصركم من أحببتم، وهذه مفاتيح بيت مالكم فادفعوا إلى من شئتم فقالوا: قد انهمناك بالكتاب فاعتزلنا.
وأخرج ابن سعد من طريق جابر بن عبدالله الانصاري قال: إن عثمان وجه إلى المصريين لما أقبلوا يريدونه محمد بن مسلمة في خمسين من الانصار أنا فيهم فأعطاهم الرضى وانصرفوا فلما كانوا ببعض الطريق رأوا جملا عليه ميسم الصدقة فأخذوه فإذا غلام لعثمان ففتشوه فإذا معه قصبة من رصاص في جوف إداوة فيها كتاب إلى عامل مصر: أن افعل بفلان كذا، وبفلان كذا، فرجع القوم إلى المدينة فأرسل إليهم عثمان محمد بن مسلمة فلم يرجعوا وحصروه.
عن سعيد بن المسيب قال: إن عثمان لما ولي كره ولايته نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لان عثمان كان يحب قومه، فولي الناس اثنتى عشرة سنة، وكان كثيرا ما يولي بني أمية ممن لم يكن له من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة، وكان يجيئ من أمرائه ما يكره أصحاب محمد، فكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم، فلما كان في الحجج الآخرة استأثر ببني عمه فولاهم وولى عبدالله بن سعد بن أبي سرح مصر، فمكث عليها سنين فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه، وقد كانت من عثمان قبل هنات إلى عبدالله ابن مسعود وأبي ذر عمار بن ياسر، فكان في قلوب هذيل وبني زهرة وبني غفار و أحلافها من غضب لابي ذر ما فيها، وحنقت بنو مخزوم لحال عمار بن ياسر، فلما جاء أهل مصر يشكون ابن أبي سرح، كتب إليه كتاب يتهدده فيه، فأبى أن ينزع عما نهاه
عثمان عنه وضرب بعض من شكاه إلى عثمان من أهل مصر حتى قتله، فخرج من أهل مصر سبع مائة رجل إلى المدينة فنزلوا المسجد وشكوا ما صنع بهم ابن أبي سرح في مواقيت الصلاة إلى أصحاب محمد، فقام طلحة إلى عثمان فكلمه بكلام شديد، وأرسلت إليه عائشة رضي الله عنها تسأله أن ينصفهم من عامله، ودخل عليه علي بن أبي طالب وكان متكلم القوم فقال له: إنما يسألك القوم رجلا مكان رجل، وقد ادعوا قبله دما فاعزله واقض بينهم، فإن وجب عليه حق فانصفهم منه. فقال لهم: اختاروا رجلا أوليه عليكم مكانه . فأشار الناس عليهم بمحمد بن أبي بكرالصديق فقالوا: استعمل علينا محمد بن أبي بكر. فكتب عهده وولاه ووجه معهم عدة من المهاجرين والانصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سرح، فشخص محمد بن أبي بكر وشخصوا جميعا فلما كانوا على مسيرة ثلاث من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير وهو يخبط البعير خبطا كأنه رجل يطلب أو يطلب، فقال له أصحاب محمد بن أبي بكر: ما قصتك؟ وماشأنك؟ كأنك هارب أو طالب. فقال لهم مرة: أنا غلام أمير المؤمنين، وقال أخرى: أنا غلام مروان، وجهني إلى عامل مصر برسالة، قالوا: فمعك كتاب؟ قال: لا. ففتشوه، فلم يجدوا معه شيئا وكانت معه إداوة قد يبست فيها شئ يتقلقل فحركوه ليخرج فلم يخرج فشقوا الاداوة فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح.
فجمع محمد من كان معه المهاجرين والانصار وغيرهم ثم الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه: إذا أتاك محمد بن أبي بكر وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتاب محمد وقر على عملك حتى يأتيك رأيي، واحبس من يجئ إلى متظلما منك إن شاءالله، فلما قرأوا الكتاب فزعوا وغضبوا ورجعوا إلى المدينة وختم محمد بن أبي بكر الكتاب بخواتيم نفر ممن كان معه، ودفعه إلى رجل منهم وقدموا المدينة، فجمعوا عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم و أخبروهم بقصة الغلام وأقرأوهم الكتاب، فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان، وزاد ذلك من كان غضب لابن مسعود وعمار بن ياسر وأبي ذر حنقا وغيظا، وقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمنازلهم ما منهم أحد إلا وهو مغتم لما في الكتاب.
وحاصر الناس عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم وغيرهم، وأعانه على
ذلك طلحة بن عبيدالله، وكانت عائشة تقرصه كثيرا، ودخل علي وطلحة والزبير وسعد وعمار في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم بدري على عثمان ومع علي الكتاب والغلام والبعير فقال له علي: هذا الغلام غلامك؟ قال: نعم، قال: والبعير وبعيرك؟ قال: نعم. قال: وأنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: لا، وحلف بالله: ما كتبت هذ الكتاب ولا أمرت به ولا علمت شأنه فقال له علي: أفالخاتم خاتمك؟ قال: نعم. قال: فكيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به؟ فحلف بالله: ما كتبت الكتاب ولا أمرت به ولا جهت هذا الغلام إلى مصر قط. وعرفوا أن الخط خط مروان فسألوه أن يدفع إليهم مروان فأبى، وكان مروان عنده في الدار، فخرج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من عنده غضابا وعلموا أنه لا يحلف بباطل إلا أن قوما قالوا: لن يبرأ عثمان في قلوبنا إلا أن يدفع الينا مروان حتى نبحثه عن الامر ونعرف حال الكتاب، وكيف يؤمر بقتل رجال من أصحاب رسول الله بغير حق؟ فإن يكن عثمان كتبه عزلناه، وإن يكن مروان كتبه عن لسان عثمان نظرنا ما يكون منا في أمر مروان،فلزموا بيوتهم فأبى عثمان أن يخرج مروان.
فحاصر الناس عثمان ومنعوه الماء فأشرف على الناس فقال: أفيكم علي؟ فقالوا: لا. قال: أفيكم سعد؟ فقالوا: لا. فسكت، ثم قال ألا أحد يبلغ عليا فيسقينا ماء؟ فبلغ ذلك عليا فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل إليه وجرح بسببها عدة من موالي بني هاشم وبني أمية حتى وصلت.
من طريق محمد بن مسلمة وقد أسلفنا صدره في ص 132 و 133 وإليك بقيته: فوجدنا فيه هذا الكتاب فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد: فإذا قدم عليك عبدالرحمن بن عديس فاجلده مائة، واحلق رأسه ولحيته، واطل حبسه حتى أتيك أمري، وعمرو بن الحمق، فافعل به مثل ذلك، وسودان بن حمران مثل ذلك، وعروة بن البياع الليثي مثل ذلك. قال:فقلت: وما يدريكم ان عثمان كتب بهذا؟ قالوا: فيقتات مروان على عثمان بهذا فهذا شر، فيخرج نفسه من هذا الامر. ثم قالوا: انطلق معنا إليه فقد كلمنا عليا ووعدنا أن يكلمه إذا صلى الظهر وجئنا سعد بن أبي وقاص فقال: لا أدخل في أمركم، وجئنا سعيد
بن زيد بن عمرو فقال مثل هذا، فقال محمد: فأين وعدكم علي؟ قالوا: وعدنا إذا صلى الظهر أن يدخل عليه. قال محمد: فصليت مع علي، قال: ثم دخلت أنا وعلي عليه فقلنا: إن هؤلاء المصريين بالباب فأذن لهم، قال: ومروان جالس فقال مروان: دعني جلعت فداك أكلمهم. فقال عثمان: فض الله فاك اخرج عني، وماكلامك في هذا الامر فخرج مروان وأقبل علي عليه قال وقد أنهى المصريون إليه مثل الذي انهوا إلي فجعل علي يخبره ما وجدوا في كتابهم، فجعل يقسم بالله ما كتب ولا علم ولا شور فيه فقال محمد بن مسلمة: والله انه لصادق، ولكن هذا عمل مروان، فقال علي: فادخلهم عليك فليسمعوا عذرك. قال: ثم أقبل عثمان على علي فقال: إن لي قرابة ورحما والله لو كنت في هذه الحلقة لحللتها عنك، فأخرج إليهم فكلمهم فانهم يسمعون منك. قال علي: والله ما أنا بفاعل ولكن أدخلهم حتى تعتذر اليهم. قال: فادخلوا.
قال محمد بن مسلمة: فدخلوا يومئذ فما سلموا عليه بالخلافة فعرفت انه الشر بعينه قالوا: سلام عليكم، فقلنا: وعليكم السلام قال: فتكلم القوم وقد قدموا في كلامهم ابن عديس، فذكر ما صنع ابن سعد بمصر وذكر تحاملا منه على المسلمين وأهل الذمة وذكر استئثارا منه في غنائم المسلمين، فإذا قيل له في ذلك قال: هذا كتاب أميرالمؤمنين إلي، ثم ذكروا أشياء مما أحدث بالمدينة وما خالف به صاحبيه قال: فرحلنا من مصر ونحن لا نريد إلا دمك أو تنزع، فردنا علي ومحمد بن مسلمة و ضمن لنا محمد النزوع عن كل ما تكلمنا منه، ثم أقبلوا على محمد بن مسلمة قالوا: هل قلت ذاك لنا؟ قال محمد: فقلت: نعم، ثم رجعنا إلى بلادنا نستظهر بالله عزوجل عليك ويكون حجة لنا بعد حجة، حتى إذا كنا بالبويب
___________________________________ البويب: مدخل اهل الحجاز بمصر.
قال: نعم، قالوا: فليس مثلك يلي، اخلع نفسك من هذا الامر كما خلعك الله منه قال: لا أنزع قميصا ألبسنيه الله عزوجل. قال: وكثرت الاصوات واللغط فما كنت أظن أنهم يخرجون حتى يواثبوه قال: وقام علي فخرج فلما قام علي قمت وقال المصريون: اخرجوا فخرجوا، ورجعت إلى منزلي ورجع علي إلى منزله فما برحوا محاصرته حتى قتلوه.
وأخرج الطبري من طريق عبدالرحمن بن يسار: أن الذي كان معه هذه الرسالة من جهة عثمان إلى مصر أبوالاعور السلمي
___________________________________ تاريخ الطبرى 115:5.
وأخرج من طريق عثمان بن محمد الاخنسي قال: كان حصر عثمان قبل قدوم أهل مصر فقدم أهل مصر يوم الجمعة وقتلوه في الجمعة الاخرى. تاريخ الطبري 132 :5.
أخرج الطبري من طريق سفيان بن أبي العوجاء قال: قدم المصريون القدمة الاولى فكلم عثمان محمد بن مسلمة فخرج في خمسين راكبا من الانصار فأتوهم بذي خشب فردهم ورجع القوم حتى إذا كانوا بالبويب وجدوا غلاما لعثمان معه كتاب إلى عبدالله بن سعد فكروا وانتهوا إلى المدينة وقد تخلف بها من الناس الاشتر و حكيم بن جبلة فأتوا بالكتاب فأنكر عثمان أن يكون كتبه وقال: هذا مفتعل. قالوا: فالكتاب كتاب كاتبك؟ قال: أجل، ولكنه كتبه بغير أمري قالوا: فإن الرسول الذي وجدنا معه الكتاب غلامك قال: أجل، ولكنه خرج بغير إذني. قالوا: فالجمل جملك قال: أجل، ولكنه أخذ بغير علمي. قالوا: ما أنت إلا صادق أو كاذب، فإن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لما أمرت به من سفك دمائنا بغير حقها، وإن كنت صادقا فقد استحققت أن تخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك، لانه لا ينبغي لنا أن نترك على رقابنا من يقتطع مثل الامر دونه لضعفه وغفلته، وقالوا له: إنك ضربت رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم حين يعظونك ويأمرونك بمراجعة الحق عند ما يستنكرون