نظرة فی کتاب الصراع بین الإسلام والوثنیة لعبد الله علی القصیمی

عبدالحسین امینی

نسخه متنی -صفحه : 9/ 6
نمايش فراداده

وعن جبير بن مطعم قال: إنّا لواقفون مع عمر على الجبل بعرفة إذ سمعت رجلا يقول: يا خليفة! فقال أعرابيٌّ من لهب من خلفي: ما هذا الصوت؟ قطع الله لهجتك والله لا يقف أمير المؤمنين بعد هذا العام أبداً. فسببته وأدَّبته، فلمّا رمينا الجمرة مع عمر جاءت حصاة فأصابت رأسه ففتحت عرقاً من رأسه فسال الدم، فقال رجلٌ: أشعر أمير المؤمنين أما والله لا يقف بعد هذا العام ههنا أبداً. فالتفت فإذا هوذلك اللهبي، فوالله ماحجّ عمر بعدها.خرَّجه ابن الصحّاك.

وإن تعجب فعجبٌ إخبار الميِّت وهو يُدفن عن شهادة عمر في أيّام خلافة أبي بكر، أخرج البيهقي عن عبدالله بن عبيدالله الأنصاري قال: كنتُ فيمن دفن ثابت بن قيس وكان قتل باليمامة(103) فسمعناه حين أدخلناه القبر يقول: محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق، عمر الشهيد، عثمان البرّ الرَّحيم. فنظرنا إليه فإذا هو مِّيت. وذكره القاضي في «الشفاء» في فصل إحياء الموتى وكلامهم.

وعن عبدالله بن سلام قال: أتيتُ عثمان وهو محصورٌ أُسلِّم عليه فقال: مرحباً بأخي مرحباً بأخي، أفلا أُحدِّثك ما رأيت الليلة في المنام؟ فقلت: بلى. قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد مثّل لي في هذه الخوخة ـ وأشار عثمان إلى خوخة في أعلى داره ـ فقال: حصروك؟ فقلت. نعم فقال: عطشوك؟ فقلت: نعم. فأدلى دلواً من ماء فشربت حتّى رُويت، فها أنا أجد برودة ذلك الدلو بين ثديي وبين كتفي. فقال: إن شئت أفطرت عندنا وإن شئت نصرت عليهم؟ فاخترت الفطر(104).

وعنه قال: إنّي رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) البارحة و أبابكر و عمر فقالوا لي: صبراً فإنَّك تفطر عندنا القابلة.

عن كثير بن الصلت عن عثمان قال: إنّي رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي هذا فقال: إنَّك شاهدٌ معنا الجمعة (ك ـ مستدرك الصحيحين ـ 3 ص 99).

وعن ابن عمر: انّ عثمان أصبح يحدِّث الناس قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام قال: يا عثمان أفطر عندنا غداً، فأصبح صائماً وقتل من يومه.

قال محبّ الدين الطبري في «الرِّياض» 2 ص 127 بعد رواية ما ذكر: واختلاف الروايات محمولٌ على تكرار الرؤيا فكانت مرَّة نهاراً ومرَّة ليلا.

وأخرج الحاكم في «المستدرك» 3 ص 203 بسند صحَّحه إخبار عبدالله بن عمرو الأنصاري الصحابي ابنه جابر بشهادته يوم أُحد، وأنَّه أوَّل قتيل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكان كما أخبر به.

وذكر الخطيب البغدادي في تأريخه 2 ص 49 عن أبي الحسين المالكي أنَّه قال: كنتُ أصحب خير النساج ـ محمّد بن اسماعيل ـ سنين كثيرة ورأيت له من كرامات الله تعالى ما يكثر ذكره غير أنَّه قال لي قبل وفاته بثمانية أيّام: إنّي أموت يوم الخميس المغرب، فأُدفن يوم الجمعة قبل الصَّلاة وستنسى فلا تنساه. قال أبو الحسين: فأنسيته إلى يوم الجمعة فلقيني من خبَّرني بموته فخرجت لأحضر جنازته فوجدت الناس راجعين فسألتهم لِمَ رجعوا فذكروا أنّه يدفن بعد الصَّلاة، فبادرت ولم ألتفت إلى قولهم فوجدت الجنازة قد أُخرجت قبل الصَّلاة أو كما قال. وهذه القصَّة ذكرها ابن الجوزي أيضاً في المنتطم 6 ص 274.

غيض من فيض

توجد في طيِّ كتب الحفّاظ ومعاجم أعلام القوم قضايا جمَّة في اناس كثيرين عدّوها لهم فضلا وكرامةً تنبأ عن علمهم بالغيب وبما تخفي الصّدور، ولا يراها أحدٌ منهم شركاً، ولا يسمع من القصيمي ومن لفَّ لفَّه فيها ركزاً، وأمثالها في أئمَّة الشيعة هي التي جسَّها القوم، وألقت عليهم جشمها، وكثر فيها منهم الرطيط، وإليك جملةٌ من تلكم القضايا:

1 ـ قال أبو عمرو بن علو ان: خرجت يوماً إلى سوق الرحبة في حاجة فرأيتُ جنازة، فتبعتها لأُصلّي عليها، ووقفت حتّى يدفن الميِّت في جملة الناس، فوقعت عيني على امرأة مسفرة من غير تعمّد، فلححت بالنظر واسترجعت واستغفرت الله «إلى أن قال»: فخطر في قلبي: أن زر شيخك الجنيد، فانحدرت إلى بغداد، فلمّا جئت الحجرة التي هو فيها طرقت الباب فقال لي: ادخل أبا عمرو، تذنب بالرّحبة ونستغفر لك ببغداد. تأريخ بغداد 7 ص 247، صف (صفة الصفوة لإبن الجوزي) 2 من 236.

2 ـ قال ابن النّجار كان الشيخ «أبو محمَّد عبدالله الجبائي المتوفّى 605 هـ » يتكلّم يوماً في الإخلاص والرِّياء والعجب وأنا حاضرٌ في المجلس، فخطر في نفسي: كيف الخلاص من العجب؟ فالتفت إليَّ الشيخ وقال: إذا رأيت الأشياء من الله وأنّه وفقك لعمل الخير وأخرجك من البين سلمت من العجب. هب (شذرات الذهب) 5 ص 16.

3 ـ عن الشيخ علي الشبلي قال: احتاجت زوجتي إلى مقنعة، فقلت: عليَّ دين خمسة دراهم فمن أين أشتري لك مقنعة؟ فنمتُ فرأيتُ من يقول لي: إذا أردت أن تنظر إلى ابراهيم الخليل فانظر إلى الشيخ عبدالله بن عبد العزيز. فلمّا أصبحت أتيته بقاسيون فقال لي: ما لك يا علي؟ أجلس وقام إلي منزله وعاد ومعه مقنعة في طرفها خمسة دراهم، فأخذتها ورجعت. هب (شذرات الذهب) 5 ص 74.

4 ـ قال أبو محمَّد الجوهري سمعتُ أخي أبا عبدالله يقول: رأيت النبيّ (صلى الله عليه وآله)في المنام فقلت: يا رسول الله أيّ المذاهب خير؟ وقال قلت: على أيِّ المذاهب أكون؟ فقال: ابن بطة ابن بطة(105). فخرجت من بغداد إلى عكبرا، فصادف دخولي يوم الجمعة، فقصدت الشيخ أبا عبدالله ابن بطة إلى الجامع، فلّما رآني قال لي إبتداءً: صدق رسول الله، صدق رسول الله. هب (شذرات الذهب) 3 ص 123.

5 ـ قال أبو الفتح القوّاس: لحقتني إضاقة وقتاً من الزّمان، فنظرت فلم أجد في البيت غير قوس لي وخفّين كُنت ألبسهما، فأصبحت وقد عزمت على بيعهما، وكان يوم مجلس أبي الحسين بن سمعون، فقلت في نفسي: أحضر المجلس ثمَّ انصرف فأبيع الخفّين والقوس. قال: وكان القوّاس قلَّ ما يتخلّف عن حضور مجلس ابن سمعون، قال أبو الفتح: فحضرتُ المجلس فلمّا أردت الإنصراف ناداني أبو الحسين: يا أبا الفتح لا تبع الخفَّين ولا تبع القوس فإنَّ الله سيأتيك برزق من عنده. تأريخ ابن عساكر 1 ص 276.

6 ـ قال الحافظ ابن كثير في تاريخه 12 ص 144: قدم الخطيب أردشير بن منصور أبو الحسين العبادي، وكان يحضر في مجلسه في بعض الأحيان أكثر من ثلاثين ألفاً من الرِّجال والنساء، قال بعضهم: دخلتُ عليه وهو يشرب مرقاً، فقلت في نفسي: ليته أعطاني فضله لأشربه لحفظ القرآن، فناولني فضله فقال: اشربها على تلك النيّة. قال: فرزقني الله حفظ القرآن.

7 ـ قال أبو الحارث الأولاسى: خرجت من حصن اولاس أُريد البحر فقال بعض اخواني: لا تخرج فإنّي قد هيَّأت لك «عُجَّة» حتّى تأكل قال: فجلست فأكلت معه ونزلت إلى الساحل وإذا أنا بابراهيم بن سعد (أبو إسحاق الحسني) العلوي قائماً يصلّي فقلت في نفسي: ما أشكّ إلاّ أنَّه يريد أن يقول: امش معي على الماء، ولئن قال لي لأمشينَّ معه، فما استحكم الخاطر حتّى قال: هيه يا أبا الحارث أمش على الخاطر. فقلت: بسم الله فمشى هو على الماء، فذهبت أمشي فغاصت رجلي، فالتفت إليَّ وقال لي: يا أبا الحارث، العجَّة أخذت برجلك، فذهب وتركني. طب (تأريخ بغداد للخطيب البغدادي) 6 ص 86، كر (تأريخ الشام لابن عساكر) 2 ص 208، صف (صفة الصفوة لابن الجوزي) 2 ص 242.

8 ـ كان ابن سمعون محمَّد بن أحمد الواعظ المتوفّى 387 هـ يعظ يوماً على المنبر وتحته أبو الفتح بن القوّاس، فنعس ابن القوّاس فأمسك ابن سمعون عن الوعظ حتّى استيقظ، فحين استيقظ قال ابن سمعون: رأيتَ رسول الله في منامك هذا؟ قال: نعم. قال: فلهذا أمسكتُ عن الوعظ حتّى لا ازعجك عمّا كنت فيه. تأريخ بغداد 1 ص 276، المنتظم 7 ص 199، تاريخ ابن كثير 11 ص 323.

9 ـ روي عن ابن الجنيد أنَّه قال: رأيت ابليس في المنام وكأنَّه عريان فقلت: ألا تستحي من الناس؟ فقال: وهو لا يظنّهم ناساً ـ : لو كانوا ناساً ما كنت ألعب بهم كما يلعب الصبيان بالكرة، إنّما الناس جماعةٌ غير هؤلاء. فقلت: أين هم؟ فقال: في مسجد الشونيزي قد أضنوا قلبي واتعبوا جسدي، كلّما هممت بهم أشاروا إلى الله عزَّ وجلَّ فأكاد أحترق. قال: فلمّا انتبهت لبست ثيابي ورحت إلى المسجد الذي ذكر فإذا ثلاثة جلوس ورؤوسهم في مرقعاتهم، فرفع أحدهم ر.سه إلىَّ وقال: يا أبا القاسم لا تغترّ بحديث الخبيث وأنت كلّما قيل لك شيءٌ تقبل. فإذا هم: أبو بكر الدقّاق، وأبو الحسين النوري(106)، وأبو حمزة محمَّد بن علي الجرجاني الفقيه الشافعي. ذكره ابن الأثير كما في تأريخ ابن كثير 11 ص 97، وابن الجوزي في صفة الصفوة 2 ص 234.

10 ـ جاء يوماً شابٌّ نصرانيٌّ في صورة مسلم إلى أبي القاسم الجنيد الخزّاز فقال له: يا أبا القاسم ما معنى قول الني (صلى الله عليه وآله): «أتَّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله»؟ فأطرق الجنيد ثمَّ رفع رأسه إليه وقال: أسلم فقد آن لك أن تسلم، قال: فأسلم الغلام. تاريخ ابن كثير 11 ص 114.

وحُكي عن أبي الحسن الشاذلي المتوفّى 656 هـ قوله: لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يحدث في غد وما بعده إلى يوم القيامة. هب (شذرات الذهب) 5 ص 279.

العجب العجاب

وأعجب من هذه كلّها دعوى الرَّجل من القوم أنَّه يرى اللوح المحفوظ ويقرأه، فتؤخذ منه تلكم الدعاوى الضخمة، وتذكر في سلسلة الفضائل، وتأتي في كتبهم حقائق راهنة من دون أيّ مناقشة في الحساب.

قال ابن العماد في شذرات الذهب 8 ص 286 في ترجمة المولى محيي الدين محمَّد ابن مصطفى القوجوي الحنفي المتوفّى 950 هـ صاحب الحواشي على البيضاوي ومؤلَّفات أُخرى: كان يقول إذا شككت في آية من القرآن أتوجَّه إلى الله تعالى فيتَّسع صدري حتّى يصير قدر الدنيا، ويطلع فيه قمران لاأدري هما أيّ شيء، ثمَّ يظهر نورٌ فيكون دليلا إلى اللوح المحفوظ فأستخرج منه معنى الآية.

وقال في ج 8 ص 178 في ترجمة المولى بخشي الرومي الحنفي المتوفّى 931 هـ : رحل إلى ديار العرب فأخذ عن علمائهم وصارت له يدٌ طولى في الفقه والتفسير (إلى أن قال): كان ربّما يقول: رأيتُ في اللوح المحفوظ مسطوراً كذا وكذا فلا يخطئ أصلا.

وقال اليافعي في مرآة الجنان 3 ص 471: أنَّ الشيخ جاكير المتوفّى سنة 590 هـ كان يقول: ما أخذتُ العهد على أحد حتّى رأيتُ اسمه مرفوعاً في اللوح المحفوظ من جملة مريدي.

وقال في المرآة ج 4 ص 25: كان الشيخ ابن الصّباغ أبو الحسن عليّ بن حميد المتوفّى 612 هـ لا يصحب إلاّ مَن يراه مكتوباً في اللوح المحفوظ من أصحابه، وذكره ابن العماد في شذراته 5 ص52.

توجد جملة كثيرة من هذه الأوهام الخرافيَّة في طبقات الشعراني، والكواكب الدريَّة للنووي، وروض الرَّياحين لليافعي، وروضة الناظرين للشيخ أحمد الوتري وأمثالها.

(الَّذينَ كَذَّبوا بآياِتنا سَنَستدرِجُهم مِنْ حيثُ لا يَشعِرونَ) (الأعراف : 182)

الآن حصحص الحق

الآن حقّ علينا أن نُميط الستر عن خبيئة أسرارنا، ونُعرب عن غايتنا المتوخّاة من هذا البحث الضافي حول الكتب.

الآن آن لنا أن ننوّه بأنّ ضالّتنا المنشودة هي إيقاظ شعور الأُمّة الإسلامية إلى جانب مهمّ فيه الصالح العام والوئام والسّلام والوحدة الإجتماعيّة، وحفظ ثغور الإسلام عن تهجّم سيل الفساد الجارف.

(يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيري بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ)(107).

أُنشدكم بالله أيّها المسلمون، هل دعايةٌ أقوى من هذه الكتب إلى تفريق صفوف المسلمين، وتمزيق شملهم، وفساد نظام المجتمع، وذهاب ريح الوحدة العربيّة، وفصم عرى الأُخوّة الإسلاميّة، وإثارة الأحقاد الخامدة، وحشّ نيران الضغائن في نفوس الشعب الإسلامي، ونفخ جمرة البغضاء والعداء المحتدم بين فرق المسلمين؟!

صراخها نداء القرآن البليغ، هذه النعرات المشمرجة(109) تُشيع الفحشاء والمنكر في الملأ الديني، هذه الكلم الطائشة معاول هدّامة لأُسّ مكارم الأخلاق التي بُعث لتتميمها نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذه الألسنة السّلاقة اللسّابة البذّاءة مدرسات الأُمّة بفاحش القول وسوء الأدب وقبح العشرة وضدّ المداراة وبالشراسة والقحّة والشياص، هذه التعاليم الفاسدة فيها دَحْسٌ لنظام المجتمع ودحلٌ بين الفرق الإسلاميّة، وهتكٌ لناموس الشرع المقدّس وعبثٌ بسياسة البلاد وصدعٌ لتوحيد العباد، هذه الأقلام المسمومة تمنع الأُمّة عن سعادتها ورقيّها وتولد العراقيل في مسيرها ومسربها وتمحو ما خطته يد الإصلاح في صحائف القلوب وتحيي في النفوس ما عقمته داعية الدين.

كلّ معتنق بالإسلام، إذ لا تمثّل في الملأ إلاّباسم الدين الإجتماعي، فيهمُّ كلّ إسلاميّ يحمل بين جنبيه عاطفةً دينيّةً أن يدافع عن شرف نحلته، وكيان ملّته، مهما وجد هناك زلّةً في رأي، أو خطأً في فكرة، ولا يسعه أن يفرّق بين باءة وأُخرى، أو يخصّ نفسه بحكومة دون غيرها (إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ)(111)، بل الأرض كلّها بيئة المسلم الصّادق والإسلام حكومته، وهو يعيش تحت راية الحق، وتوحيد الكلمة ضالّته، وصدق الإخاء شعاره أينما كان وحيثما كان.

هذا شأن الأفراد وكيف بالحكومات العزيزة الإسلاميّة؟ التي هي شعب تلك الحكومة العالميّة الكبرى، ومفردات ذلك الجمع الصحيح، ومقطّعات حروف تلك الكلمة الواحدة، كلمة الصدق والعدل، كلمة الإخلاص والتوحيد، كلمة العزّ والشرف، كلمة الرُقي والتقدّم.

فأنّى يسوغ لحكومة مصر العزيزة أن تُرخّص لنشر هذه الكتب في بلادها؟ وتُشوّه سمعتها في أرجاء الدنيا؟ وهي ثغر الإسلام المستحكم من أوّل يومه، وهي مدرسة الشرق المؤسّسة تحت راية الحقّ بيد رجال العلم والدين.

أليس عاراً على مصر بعدما مضت عليها قرون متطاولة بحسن السمعة أن تُعرّف في العالم بأُناس دجّالين، وكتّاب مستأجرين، وأقلام مسمومة، وأن يقال: إنّ فقيهها موسى جار الله، وعالمها القصيمي، ومصلحها أحمد أمين، وعضو مؤتمرها محمّد رشيد رضا، ودكتورها طه حسن، ومؤرّخها الخضري، وأُستاذ علوم إجتماعها محمّد ثابت، وشاعرها عبد الظاهر أبو السَّمح.

أليس عاراً على مصر أن يتملّج ويتلمّظ بشرفها الدُّخلاء من ابن نجد ودمشق فيؤلّف أحدهم كتاباً في الردّ على الإماميّة ويسمّيه «الصراع بين الإسلام والوثنية» ويأتي آخر يُقرِّظه بشعره لا بشعوره ويعرّف الشيعة الإماميّة بقوله:

ويحمل قلبهم بغضاً شنيعاً لخير الخلق ليس له دفاعُ

يقولون: الأمين حبا بوحي وخان وما لهم عن ذا ارتداعُ

فهل في الأرض كفرٌ بعد هذا؟ ولمن يهوى متاعُ

فما للقوم دينٌ أو حياءٌ بحسبهم من الخزي «الصراع»

(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ)(112)، أيحسب امرئٌ مصريٌّ انّ إشاعة هذه الكتب، وبثّ هذه المخاريق والنسب المفتعلة، ونشر هذه التآليف التافهة حياةٌ للأُمّة المصريّة، وايقاظٌ لشعور شعبها المثقّف، وإبقاءٌ لكيان تلك الحكومة العربيّة العزيزة، وتقدّم ورقيٌّ في حركاتها العلمية، الأدبيّة، الأخلاقيّة، الدينيّة، الإجتماعيّة؟

أسفاً على أقلام مصر النزيهة، وأعلامها المحنّكين، ومؤلّفيها المصلحين، وكُتّابها الصادقين، وعباقرتها البارعين، وأساتذتها المثقّفين، ورجالها الأُمناء على ودايع العلم والدين.

أسفاً على مصر وعلمها المتدفّق، وأدبها الجمّ، وروحها الصحيحة، ورأيها الناضج، وعقلها السليم، وحياتها الدينيّة، وإسلامها القديم، وولائها الخالص، وتعاليمها القيّمة، ودروسها العالية، وخلايقها الكريمة، وملكاتها الفاضلة.

أسفاً على مصر وعلى تلكم الفضائل وهي راحت ضحيّة تلك الكتب المزخرفة، ضحيّة تلك الأقلام المستأجرة، ضحيّة تلك النزعات الفاسدة، ضحيّة تلك الصحائف السوداء، ضحيّة تلك النعرات الحمقاء، ضحيّة تلك المطابع المأسوف عليها، ضحيّة أفكار أُولئك المحدَثين المتسرّعين (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ)(113)، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الاَْرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ)(114).

أليست هذه الكتب بين يدي أعلام مصر ومشايخها المثقّفين؟ أم لم يوجد هناك مَن يحمل عاطفةً ينيّة، وشعوراً حيّاً، وفكرةً صالحة يُدافع عن ناموس مصره المحبوبة قبل ناموس الشرق كلّها؟

الناقد البصير فيقرّظ كتاباً(116) قيّماً لعربيٍّ صميم عراقيّ يُعدّ من أعلام العصر ومن عظماء العالم ويُناقش دون ما في طيّه من الأغلاط المطبعيّة ممّا لا يترتّب به على الأُمّة ولا على فرد منها أيّ ضرر وخسارة بمثل قوله: كلّما، صوابه: كلّ ما. شرع، صوابه: شرح. شيخنا، صوابه: شيخا.

مرحباً بهذا الحرص والإستكناه في الإصلاح والتغاضي عن تلكم الكوارث، مرحباً بكلاءة ناموس لغة العرب والصفح عن دينه وصالح ملّته، مرحباً بهذه العاطفة المصلحة لتآليف مشايخ الشيعة، والتحامل عليهم بذلك السباب المقذع، مرحباً مرحباً مرحباً.

لمَ لم يرق أمثال هذا النابه النقيد أن يأخذ بميزان القسط، وقانون العدل، وناموس النصفة، وشرعة الحقّ، وواجب الخدمة للمجتمع، ويُلفت مؤلّف مصره العزيزة إلى تلكم الهفوات المخزية في تلكم التآليف التي هي سلسلة بلاء، وحلقات شقاء تنتهي إلى هلاك الأُمّة ودمارها، وتجرُّ عليها كلّ سوءة، وتُسفّها إلى حضيض التّعاسة؟ ...

فواجب المسلم الصّادق في دعواه الحافظ على شرفه وعزّ نحلته، رفض أمثال هذه الكتب المبهرجة، ولفظها بلسان الحقيقة، والكفّ عن اقتنائها وقرائتها، والتجنّب عن الإعتقاد والتصديق بما فيها، والبعد عن الأخذ والبخوع بما بين دفوفه، والإخبات إلى ما فيها قبل أن يعرضها إلى نظّارة النقيب، وصيارفة النقد والإصلاح، أو النظر إليها بعين التنقيب وإردافها بالردّ والمناقشة فيها إن كان من أهلها، (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً)(117).

وواجب رجال الدعاية والنشر في الحكومات الإسلاميّة عرض كلّ تأليف مذهبيٍّ، حول أيّ فرقة من فرق الإسلام إلى أُصولها ومبادئها الصحيحة المؤلّفة بيد رجالها ومشايخها، والمنع عمّا يُضادُّها ويُخالفها، إذ هم عيون الأُمّة على ودايع العلم والدين، وحفظة ناموس الإسلام، وحرسة عُرى العروبة، إن عقلوا صالحهم، وعليهم قطع جذوم الفساد قبل أن يُؤجَّج المفسد نار الشحناء في الملأ ثمّ يعتذر بعدم الإطّلاع وقلّة المصادر عنده كما فعل أحمد أمين بعد نشر كتابه فجر الإسلام في ملأ من قومه، و (الاِْنْسَانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعَاذِيرَهُ)(118) ولا عذر لأيّ أحد في القعود عن واجبه الدينيّ الإجتماعي، (وَلْتَكُنْ مُنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(119).

ونحن نرحّب بكتاب كلّ مذهب وتأليف كلّ ملّة أُلّف بيد الصّدق والأمانة، بيد الثقة والرزانة، بيد التحقيق والتنقيب، بيد العدل والإنصاف، بيد الحبّ والإخاء، بيد أدب العلم والدين، (لِيَهْلكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة)(120)، (ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ)سورة البقرة : 232.

فهرس المصادر

ـ أحكام القرآن: للجصّاص، دار الفكر، بيروت.

ـ الأمالي: للشيخ المفيد، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

ـ الأمالي: للشيخ الطوسي، منشورات الداوري، قم.

ـ الاستبصار: للشيخ الطوسي، دار الكتب الإسلامية، طهران.

ـ الانتصار: للسيد المرتضى، منشورات الشريف الرضي، قم.

ـ بصائر الدرجات: للصفار، منشورات الأعلمي، طهران.

ـ تأويل مختلف الحديث: لابن قتيبة، دار الجيل، بيروت.