امام الصادق و المذاهب الاربعة

حیدر اسد

جلد 4 -صفحه : 131/ 2
نمايش فراداده

الامام الصّـادق والمـذاهب الاربعـة الجزء الرابعأسد حيــدر

(وَمَن أَحْسَنُ قَوْلاً مِمّن دَعَا إلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّني مِن المُسْلمينَ* وَلا تَسْتَوي الحَسَنَةُ وَلا السَيّئَةُ ادفَعْ بالّتي هيَ أَحْسَنُ فإذَا الّذي بَيْنَك وَبيْنَه عَدَاوةٌ كَأنَّهُ وَليٌّ حَمِيم * وَمَا يُلقّاهَا إِلاّ الّذينَ صَبرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلاّ ذُو حَظّ عَظِيم* وَإمَّا يَنزغَنّكَ مِنَ الشَيْطانِ نَزْغٌ فَاستَعِذْ باللهِ إِنَّهُ هو السَّميعُ العَليم).

فصلت: 33 ـ 36

تقديم وبيان

نوعية البحث

يتضمنّ هذا الجزء، وهو الجزء الرابع من كتابنا الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، لمحة موجزة عن حياة الإمام الصادق، ونبذاً من تعاليمه، وأخلاقه، وآدابه، ثم تاريخ حياة الإمام أحمد بن حنبل. و قد اقتصرت على ذكر نسبه وشيوخه، وأهم حوادث عصره: كمشكلة خلق القرآن وغيرها. وهذه الحادثة هي من أهم الحوادث التي أثارت صراعاً فكرياً، وجدلاً بين المسلمين أعقبه عداء بين الطوائف، ذهب ضحيته خلق كثير. وقد اكتفيت بالإشارة إليها في موجز من البيان في هذا الجزء لكثرة ما كتب فيها وما ذكر عنها، لأنّها كانت العامل الوحيد في شهرة أحمد وطلوع نجمه. وسنبحثها في الجزء السابع في جملة الأسباب والعوامل التي أثّرت في المجتمع الإسلامي.

كما أنّي أشرت إلى أعيان مذهبه وناشريه، وحملة فقهه والمؤلّفين فيه. ولم أهمل ذكر بعض القضايا الهامّة التي تعطينا صورة لها علاقة بموضوع البحث عن الإمام أحمد ومذهبه، كما أهملت الكثير من القضايا التي نقلت عنه من مناقب ومآثر، وأشياء لا تصلح أن تكون تاريخاً نستمدّ منه معلومات خليقة بأن تكشف لنا عن نواحي شخصيته، لأنّنا نحاول أن نتعرّف عليه عن طريق الواقع، ومن ضوء الحوادث التأريخية التي لا صلة لها بالمؤثرات التقليدية والمنازعات الطائفية.منهج البحث

وقد نهجت في هذا الجزء ما نهجته في الأجزاء السابقة من الابتداء بذكر الإمام الصادق، ثم ذكر واحد من أئمة المذاهب الأربعة. فذكرت الإمام أبا حنيفة في الأوّل، ومالكاً في الثاني، والشافعي في الثالث، وأحمد بن حنبل في هذا الجزء.

وخصّصت الجزء الخامس لأهم المسائل الفقهية المتفق عليها، والمختلف فيها من المذاهب الأربعة، ومذهب الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، مع استدراك ما فاتنا بيانه في تلك الأجزاء المتقدّمة عليه.

وقد نبهت بأنّ ترتيب ذكرهم بهذه الصورة إنّما هو حسب الرتبة الزمنية لا الرتبة العلمية; فإنّ الحكم لواحد من الأربعة بالأعلمية هو من الصعوبة بمكان، لوجود الخلاف والاختلاف، فأتباع كلّ إمام يدّعون أنّ إمامهم هو الأعلم، والأولى بالاتباع دون غيره، مستدلين بالنقل والاعتبار. وساق كلّ فريق - عدا الحنابلة - أحاديث عن النبي جعلوها دليلاً على لزوم اتّباع ذلك الإمام ومبشّرة به تصريحاً أو تلميحاً.

فالحنفية يروون في كتب مناقبهم أحاديث: يكون في اُمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج اُمتي وفي لفظ آخر: يكون في اُمتي رجل اسمه النعمان وكنيته أبو حنيفة وفي لفظ ثالث: اسمه النعمان بن ثابت.( [1] )

ونحن لانقف هنا مع هذه المرويات موقف تمحيص وتدقيق بعد أن وقفنا معها في الجزء الأوّل، فأوضحنا هناك للقارئ نصيبها من الصحة. ولم نحجم عن التصريح بأنّها مكذوبة وأنّها من وضع رجال; أجمع علماء الرجال على تجرّدهم من الصدق، كما نصّ الكثيرون من علماء الحنفية على كذب هذه الادعاءات ونفوها نفياً باتّاً.

وادّعت المالكية انطباق حديث: يوشك أن يضرب الناس أكباد الابل فلا يجدون عالماً أعلم من عالم المدينة.( [2] )

وقد أطال القاضي عياض في ترتيب المدارك القول في الحديث وروايته ورواته بانطباقه على مالك دون غيره، وأنّ السلف فهموا ذلك وعدّ هذا من معجزات النبي (صلى الله عليه وآله) وإخباره بالمغيّبات.

وقد أصبح عند المالكية من المسلّمات، وأكثر حفاظ الحديث قالوا: إنّ هذا الحديث من اختصاص المالكية دون غيرهم، ومنهم من وهنه مرة ونفى انطباقه على مالك مرة اُخرى. لوجود علماء في عصر مالك كانت المدينة تزخر بهم، وهم أعلم منه بل هم اساتذته: كسعيد بن المسيب، وعبد العزيز العمري، ومحمد بن مسلم الزهري، وربيعة الرأي وغيرهم من شيوخ مالك الذين هم أعلم منه وأرقى درجة في الفقه، ولو سمحت الظروف القاسية للحقيقة الصامتة أن تنطق بالحقّ وتتفوه بالواقع لما تخطّت الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)الذي هو أستاذ مالك ومن شهد له مالك نفسه: بأنّ عينه ما رأت أعلم ولا أتقى من جعفر بن محمد الصادق .( [3] )

وامّا الشافعية فدليلهم في النقل هو دعوى انطباق حديث عالم قريش: يملأ الأرض علماً ( [4] ) على الشافعي وما ذلك إلا تخمينات مبهمة وفرضيّات عقيمة، وقد تعرضنا له في الجزء الثالث في حديثنا عن الشافعي.

أمّا الحنابلة فقد أهملوا طريق النقل وتمسّكوا بالاعتبار، فلم يدّعوا وجود حديث في إمامهم يبشّر به ويفيض على شخصيته قدسية تؤهّله لأن يتفرّد بالعلم ولزوم الاتّباع، ولكنّهم اعتمدوا على مبشرّات الأحلام، فجعلوها محل اعتماد ومن المرجّحات للمذهب، وأنّها بمنزلة اليقظة فيقولون: إنّ ما قاله رسول الله(صلى الله عليه وآله)في نوم أو يقظة فهو حقّ، وقد ندب (صلى الله عليه وآله) إلى الاقتداء به - أي بأحمد - فلزمنا جميعاً امتثاله ( [5] ). يشيرون بذلك إلى منامات يدّعى فيها أنّ سائلا سأل رسولالله(صلى الله عليه وآله) في النوم: من تركت لنا في عصرنا هذا من اُمتك نقتدي به يارسول الله؟ فقال: عليك بأحمد بن حنبل. وبهذا استوت كفتا الميزان في طريق النقل كاستوائهما بين جميع المذاهب في طريق النقل والاعتبار. فإنّهم جميعاً قد عقدوا فصولاً مطوّلة في الأحلام لإثبات فضائل أئمتهم، وجعلوها مصدراً من مصادر تاريخ حياتهم، وميزاناً من موازين عظمة شخصيّتهم، وطريقاً لإثبات مفاخرهم.

كما إنّنا نلمح في مناقب الكثير منهم اشتراكاً في المفاخر التي أثبتوها، وأنّ طابعها واحد لا يتغير وإن تغيّر الزمن، وقد تجنبنا الخوض في ذلك وذكر الكلام حولها، إلاّ ما يتعلّق به غرض من أطراف البحث.