عبدالقادر*
[*] استاذ مساعد في قسم اللغة العربيّة والدراسات الإسلامية في جامعة شيتاغونغ ـ بنغلاديش
الحج عبادة عظيمة سنوية شرعها الله للعباد ولما فيها من المنافع العظيمة وما تهدف إليه من المقاصد الجليلة ولما يترتّب عليها من خير في الدنيا والآخرة ، وهي فريضة على جميع المكلّفين في جميع أقطار العالم رجالا ونساءً إذا استطاعوا السبيل إليها حيث قال الله تعالى : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْت وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ * فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}1 ، فالحج من أفضل العبادات لاشتماله على المال والبدن ، فهو يجمع معاني العبادات كلّها ، فمن حج فكأنّما صام وصلّى واعتكف وزكى ورابط في سبيل الله وغزا وجاهد الشياطين من الجن والإنس .
والحج أحد أركان الإسلام الخمسة ، وهو عرضة سنوية للملّة الإسلامية يرجع إليها الفضل في نقاء هذه الأمّة وأصالتها وفي بقاء هذا الدين ، بعيداً عن التحريف والغموض والالتباس ، وفي بقاء هذه الاُمّة ، بعيدة عن الانقطاع عن الأصل والمصدر والأساس ، محفوظة من المؤامرات والمغالطات التي وقعت أمم كثيرة فريستها في الزمن الماضي ، وعن طريق هذه المؤسسة العظيمة الحكيمة تبقى هذه الاُمة تحتفظ بطبيعتها الإبراهيمية الواعية ، الثائرة القوية الحنفية السمحة وتتوارثها جيلا بعد جيل فكأنها القلب الحيّ القويّ الذي يوزع الدم إلى عروق الجسم وشرايينه وبها تستعرض هذه الاُمّة مجموعها في صعيد واحد ، فينفي بذلك علماؤها وزعماؤها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وخرافة المخرفين ويردونها إلى الأصل الإبراهيمي الحنيفي وإلى الشرعة المحمّدية الصافية وإلى الدين الخالص ، وبها تستطيع هذه الاُمة أن تحافظ على وحدتها الدينية والعقلية والثقافية وتعتصم عن أن تؤثر فيها الاقليمية والمحلية تأثيراً بفقدها الوحدة الحنيفية الإبراهيمية والصبغة الإسلامية المحمدية ، فالحج هو الطريق الوحيد الذي يلتمس به الاُمّة الإسلامية مآثرهم القديمة كما تلتمس طرق حلّ مشاكلهم الفردية والاجتماعية والدولية التي تواجهها الاُمة في العصر الراهن .