إطلالة علی مکتسبات الثورة الاسلامیة

محمدرحیم عیوضی

نسخه متنی -صفحه : 17/ 6
نمايش فراداده

1 ـ 3 ـ قبول الحاكمية والقوانين الإلهية :

وفقاً لمصطلحات الحقوق الاسلامية ، يسمى القانون شرعاً أو شريعة . فشرائع الاسلام هي قوانين الاسلام([5]) . وقد صرّح الإمام الخميني في كتاب ولاية الفقيه أن حكومة الاسلام هي حكومة القانون . والحاكمية في هذا النمط من أنظمة الحكم ، مقصورة على الله ، وما القانون فيها إلاّ دساتير الله وأحكامه . فقانون الاسلام أو دساتير الله لها الحاكمية التامة على كافة الأفراد وعلى الدولة الاسلامية . جميع الأفراد ، من الرسول الأكرم (ص) إلى خلفائه إلى سائر الأشخاص ، يتبعون القانون إلى الأبد ، القانون الذي أنزل من قبل الله تبارك وتعالى ، وتبيّن على لسان القرآن والرسول الأكرم (ص)([6]) .

وهذا ما تمّ التأكيد عليه في مواضع عدّة من الدستور . جاء في المقدمة : رسالة الدستور هي اضفاء الموضوعية على الأرضيات العقيدية للنهضة ، وتوفير الظروف لتربية الانسان وفقاً للقيم الاسلامية السامية العالمية([7]) .

في بداية فصول ومواد الدستور ، أي في المادة الأولى من الفصل الأوّل ، نقرأ ما يلي : حكومة إيران هي الجمهورية الاسلامية التي صوّت لصالحها الشعب الايراني بناءً على عقيدته العريقة بحكومة الحق والعدل القرآنية ، بعد ثورته الاسلامية المنتصرة بقيادة مرجع التقليد الكبير آية الله العظمى الإمام الخميني ، في استفتاء ...([8]) .

وفي المادة (177) التي أضيفت إليه بموجب إصلاحات الدستور عام 1989 ، تمّ التشديد مجدداً على قضية التقيد بالدين . وإيضاح ذلك أنه : لا يمكن تغيير محتوى المواد ذات الصلة باسلامية النظام وارتكاز جميع القوانين والمقررات على أساس الموازين الاسلامية والقواعد الايمانية ، وأهداف الجمهورية الاسلامية الايرانية ، والطابع الجمهوري للحكومة ، وولاية الأمر وإمامة الأمّة ، وكذلك إدارة شؤون البلاد توكّأً على الرأي العام ، والديانة والمذهب الرسمي لإيران([9]) .

إنّ العقيدة بالقوانين الالهية وأتباعها ، يضع نظام الجمهورية الاسلامية على الضد تماماً من الأنظمة الفاشية حيث تهيمن الحكومة على الأخلاق والدين ، دون العكس . أو قل أن تصوراتهم النظرية وسلوكهم العملي يدل على انفلات من كل أنماط التقيد الديني في الأصول والسياسة .

في مقالة له بعنوان «الفاشية» يحاول بينيتو موسوليني (1883 ـ 1945) رسم صورة دينية وأخلاقية للفاشية ، إلاّ أنه بالنتيجة يصرح بأفكاره الأصلية قائلاً : إنّ الحكومة الفاشية وحدة شاملة تضم جميع القيم ، وتقوم بتفسير وتنضيج وتقوية كل ما في حياة الجماهير([10]) .

أضف إلى ذلك أنّ التشديد على القانون بمعنى اتباع قوانين الاسلام ، والرضوح للمكانة القانونية التي تحظى بها الجماهير ، والتمهيد لمشاركتهم الفاعلة في الشأن السياسي ، تمثل بالنسبة لهم تضاداً بين هذا النظام الفتي وكل الأنظمة الاستبدادية الأخرى ، إنْ من الناحية النظرية ، وإنْ على الصعيد التطبيقي . فالنظام الاستبدادي معارض لكل ألوان المشاركة الجماهيرية ، ومتوجس منها . ومع أنه قد يعتصم بها في بعض الحالات ، إلاّ أن هذا لا يتبدل إطلاقاً إلى منهج عام في الممارسة السياسية للسلطة ، والسبب الرئيس هو عدم الاعتراف بالمنزلة القانونية للجماهير كمواطنين .

بالإضافة إلى ذلك ، فإن ما نلاحظه على مستوى العملي طيلة الخمسة وعشرين عاماً من عمر الثورة الاسلامية ، فيه دلالة واضحة فضلاً عن التطور الكمي ، على تعميق وعي الجماهير على الصعد المختلفة وهو ما يمكن استنباطه من دراسة تحليلة للمساهمات الانتخابية للشعب خلال هذه المدة . وإذن ، يتوجب خلافاً للنظرات التي تحاول الإيحاء بشبهة استبدادية أو فاشية نظام الجمهورية الاسلامية في إيران ، وإثارتها بأساليب شبه استدلالية في تعابير وأشكال متنوعة ، أن يصار إلى التأمل في نظام الجمهورية الاسلامية المبتكر ، ومقارنته بسائر الأنظمة في العالم من ليبرالية واشتراكية وشيوعية و ... الخ .

ونظراً لضيق المجال نشير إلى عدم التدقيق النظري الذي وقع فيه واحد من الكتاب فقط في هذا المضمار ، حيث لم يلاحظ آراء الإمام الخميني التي أوردنا جانباً منها في سطور سابقة ، وسارع إلى الإفصاح عن ظنونه وتصوراته الخاطئة بمعزل عن أي قواعد نظرية ، وإنّما اعتماداً على فهم تسطيحي عام للمصطلح الفقهي «ولاية الفقيه المطلقة» . يكتب السيد محسن كديور في كتاب «هواجس الحكومة الدينية» : الحاكم في نظرية ولاية الفقيه المطلقة مسؤول أمام الله ، ولا يحق لأية مؤسسة بشرية قانونية أن تشرف عليه وترصده . لذا فالجميع خاضعون لإشراف ولاية الفقيه المطلقة ، أمّا هو فليس بمسؤول إلاّ أمام الله . وبحسب هذه النظرية لا يحق حتى للخبراء الإشراف على ولاية الفقيه([11]) .

المؤسف أن أفكاراً سطحية من هذا القبيل ليست بقليلة ، ولا يتاح تشخيصها ونقدها إلاّ بالالتزام والجهد العلمي واليقظة السياسية . إتماماً لهذا القسم نطالع مقاطع أخرى من آراء قائد الثورة الاسلامية الإمام الخميني :

ذهب بعض الأشخاص إلى الجامعة وقالوا إنّ التدخل في الانتخابات تدخل في السياسة وهذا حق المجتهدين . كانوا يقولون إلى اليوم أنّ المجتهدين يجب أن لا يتدخلوا في السياسة ، وهذا على الضد من حق المجتهدين ، وقد كانت الهزيمة نصيبهم هناك ، والآن يقولون العكس وعلى نفس الصعيد ، قولهم إنّ الانتخابات من الشؤون السياسية والشؤون السياسية حق المجتهدين كلاهما قول خاطئ([12]) .

كما قلت مراراً ، الجماهير مرة في الانتخابات ولا تحتاج إلى قيم ، ولا يحق لأي شخص أو جماعة أو فريق أن يفرض عليهم شخصاً أو مجموعة أشخاص ... وطبعاً فإنّ الاستشارة في الأمور من دساتير الاسلام ، والناس تستشير الملتزمين والمعتمدين لديهم([13]) .

كلّنا مسؤول . لسنا مسؤولين عن أمورنا ، بل عن أمور الآخرين أيضاً : كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته . الجميع ينبغي أن يراعي بعضهم بعضاً ، مسؤوليتي أنا في عنقكم ، ومسؤوليتكم في عنقي([14]) .

والآن يجب أن نسأل : هل اعترف الفاشيون والمستبدون بمثل هذه الحقوق للجماهير ، وبمثل هذه المسؤولية العامة ؟ أيّة وثيقة تاريخية أو نظرية بإمكانها إعانة هؤلاء الأشخاص على إثبات مزاعمهم ؟