تولى تحقيق الكتاب وتنقيحه عبد الملك بن عبد الله بن دهيش وهو من الكُتاب والفضلاء السعوديين . ونشره في 6 أجزاء مزوّدة بالهوامش التفصيلية . الأجزاء من (1 ـ 5) هي نصّ الكتاب وملحقاته ، أما الجزء السادس فهو مختص بالفهارس . ويُعَدّ تحقيق هذا الكتاب واحداً من الأمثلة الرائعة التي يُحتذى بها في التحقيق العلمي للنصوص القديمة .
ونحاول إنهاء هذه المقالة بإلقاء نظرة سريعة على النمط الذي اقتفاه في تحقيقه لهذا الكتاب :
1 ـ نصُّ الكتاب :
لقد قام المحقّق بتنقيح الكتاب على أساس النسخة الوحيدة الموجودة منه ، وقابل هذه النسخة مع مصادر الكتاب ، ومع الكتب الأخرى التي ألّفها معاصروه أو اللاّحقون من العلماء ، وتضمنت كتبهم شيئاً مما نقلوه عنه ، أو كان فيها مواضيع مشابهة لمواضيع كتابه ; وذلك لغرض الحصول على نصّ سليم ودقيق . وقد ثبّت في النصِّ كلَّ ما رآه صواباً بعدَ أن بذل جهداً حثيثاً وتحقيقاً مناسباً ودقيقاً في مقارنة النسخة الموجودة مع ما ذكرنا من مصادر ، وذكر في الهامش موارد التحريف والتصحيف والأخطاء التي وقعت في النسخة الخطيّة . وصحّح أسانيد الكتاب بمراجعة لكتب الرجال ، وهذّبها من كل ما لحق بها من تحريف وسقطات وتصحيف ، فشخص الحديث بدقّة وذكره كما هو ، إن كان صحيحاً أو ضعيفاً أو ما شابه ذلك . وخرّج كل ما حواه الكتاب من أشعار وأخبار وأحاديث وآثار وحدّد أماكنها بالدقّة في مصادرها .
2 ـ الهوامش :
ذكر المحقّق في الهوامش مصادر النقل بدقّة ، وأشار فيما إذا كانت هذه الروايات والأخبار لها نظائر في المصادر ، وكان أحياناً يشير بإيجاز إلى شخصية الراوي ، ويشير إلى موقعه بين رجال الحديث . وإن كانت الوقائع والحوادث والأماكن غير واضحة الدلالة في النصِّ ومذكورة فيه باختصار ، فإنّه يوضّحها ويُبيّن دلالتها بدقّة ويُصحّح أخطاء المحقّقين في هذا المجال إن وُجدت ، إضافةً إلى أنّه كان يوضّح غامض الكلمات .
3 ـ الفهارس :
خصّص المحقّق المجلد السادس للفهارس الفنيّة للكتاب ، وأورد فيه فهارس للآيات والأحاديث ، والأعلام ، والأشعار ، والأماكن ، والمصادر ، والمواضيع . فقد رتّب الأحاديث في فهرسها الخاص على أساس الحروف الأبجدية ومن ثم ذكر الراوي وموضعه في الكتاب .
وقسّم أيضاً فهرس الأعلام إلى الأقسام التالية :
1 ـ فهرس الرواة ; وحدّد في هذا الفهرس مشايخ الفاكهي بالحرف (ش) .
2 ـ فهرس الرجال والأعلام الذين وردت أسماؤهم في الكتاب من غير الرواة .
3 ـ فهرس أصحاب الحرف .
4 ـ فهرس القبائل والأقوام .
ورتّب أيضاً فهرس مواضيع الكتاب متسلسلة وفقاً لحروفها الأبجدية . ونظم في الفهرس كلَّ المواضيع والأماكن والحوادث التي ورد لها ذكر في الكتاب . وأتى في فهرس الأشعار على ذكر الأشعار أوّلا ثم ذكر من بعدها القافية واسم الشاعر .
أما فهرس المراجع فقد حدّد فيه بدقّة المصادر والمراجع التي اعتمد عليها . وأورد في خاتمة الكتاب فهرساً عاماً لمواضيع المجلّدات الخمسة .
4 ـ مقدّمة الكتاب :
افتتح المحقّق الكتاب بمقدّمة تحقيقية مطوّلة ومفيدة ضمّنها شرحاً لسيرة المؤلف وشيوخه وتلاميذه .
وقد سبق لنا أن قُلنا : بعدم توفّر معلومات وافية عن سيرة المؤلف في كتب السيرة . وقد تحدّث المحقّق ـ بشكل مفصّل ومن خلال التمعّن في نصوص الكتاب ـ عن سيرته والتاريخ التقريبي لولادته ووفاته ، وما قام به من رحلات في طلب العلم ، وعن مكانته العلمية والاجتماعية في القرن الثالث للهجرة ، ومشايخه وتلاميذه . ثم انتقل إلى الكلام عن كتاب الفاكهي ، فأبرز أهميته ، وذكر المصادر والمراجع التي عوّل عليها الفاكهي ، وأوضح مدى التأثير الذي خلّفه في آثار مَن جاء بعده .
وبيّن في ختام مقدّمته الأسلوب الذي اقتفاه في دراسة الكتاب وتحقيقه وتنقيحه . إنّ تحقيق هذا الكتاب يمثّل نموذجاً ملموساً للتحقيق العلمي والمتعمّق والواسع والدقيق .