فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 101
نمايش فراداده

التوكيل في استيفاء القصاص

(25) لاخلاف ولا إشكال في صحّة التوكيل لاستيفاء القصاص ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كغيرها ممّا تدخله النيابة ممّا جعل ذريعة إلى غرض لايختصّ بالمباشرة ، قضاءً لعموم الوكالة والعقود ، كما حُقّق في كتاب الوكالة . وحينئذ فلو عزله قبل استيفائه القصاص ثمّ استوفى ، فإن علم الوكيل بالعزل ومع ذلك استوفاه ، فعليه القصاص بلا خلاف ولا إشكال ; لأ نّه صار بالانعزال أجنبيّاً ، وقد تعمّد القتل ظلماً وعدواناً ، وللموكّل دية مورّثه على ورثة قاتله لئلاّ يبطل دم مورّثه . وإن لم يكن يعلم فلا قصاص ولا دية قطعاً ; بناءً على عدم الانعزال بالعزل مالم يعلم ، وأ مّا على انعزاله بالعزل مطلقاً فعدم القصاص عليه ، لعدم العدوان والظلم ممّا لا كلام ولا إشكال فيه ، وهو صريح كلّ من تعرّض للمسألة كـ «التحرير»[1490] و «المسالك»[1491] و «اللثام»[1492] وغيرها .

وأ مّا الدية ففيها كلام يأتي في العفو ; لوحدة المناط ، وعدم الفرق بين هذه الصورة وصورة العفو في الوجوه والأقوال ، كما سيظهر .

ولو عفا الموكّل فاستوفى الوكيل عالماً به ، فهو قاتل عمد ، كما هو واضح ، وإن لم يكن يعلم فلا قصاص قطعاً .

وأ مّا الدية ففيها احتمالات ووجوه :

أحدها : عليه الدية للمباشرة في قتل من ظنّه مباح الدم ولم يكن كذلك ، وهذا يكون كمن قتل مجاهداً من المسلمين حسبه محارباً مشركاً مهدور الدم ثمّ انكشف أ نّه كان مسلماً محقون الدم من دون فرق بينهما في الدية .

نعم في المثال على بيت المال ، وفيما نحن فيه على الوكيل ويرجع بها على الموكّـل ; لأ نّـه غـرّه بالعفـو عن غيـر علمـه ، وهو مختار «المبسوط»[1493] و «الشرائع»[1494] و «التحرير»[1495] و «المسالك»[1496] و «الجواهر»[1497] والمتن .

ثانيها : عدم الضمان للدية لبطلان العفو ; لأنّ العفو إنّما حصل عند حصول سبب الهلاك فصار كما لو عفا بعد رمي السهم ، فهو كالعفو بعد الاستيفاء .

ثالثها : الضمان على الوكيل من دون المراجعة إلى الموكّل ، فالضمان واستقراره كلاهما عليه ; لعدم التعزير للموكّل ، فإنّه إنّما فعل ما ندب الشرع إليه ، والعفو إحسان إلى القاتل ، وعدم علم الوكيل ليس من فعل الموكّل ،ولا دخل له فيه ، بل يكون مربوطاً بنفس الوكيل والمباشر واستقرار الضمان عليه .

رابعها : التفصيل في الرجوع إلى الموكّل بعد كون أصله على الوكيل بين إمكان الإعلام وعدمه بجواز الرجوع مع الإمكان وعدمه مع عدمه ، أوجهها وأقواها الثاني ; لضعف المباشر بكونه كالآلة للموكّل ، فإنّه يعمل ويستوفي القصاص نيابةً عن الموكّل لا عن نفسه ، فكأ نّه ما قتل الوكيل الجاني بل قتله الموكّل بالنيابة ، وأ نّه لو كان عالماً بعفو الموكّل ما قتله ، وكأ نّه ما أراد ولا اختار قتله ; لأ نّه لم يقتله عن نفسه بل قتله عن الموكّل وعن ذلك الغير ، فكيف عليه الدية ؟ ! هذا بالنسبة إلى الوكيل .

وأ مّا الموكّل فلا دية عليه لما كان له حقّ القصاص ، وعفوه لما يكون مجاناً ، فهو إحسان إليه ، كما لايخفى .

وما في «الجواهر» من الإشكال في الاستدلال على الاحتمال الثاني ، أي عدم الدية على الوكيل بأنّ العفو : «بعد خـروج الأمر من يده فيكون لغواً كعفوه بعـد خـروج السهم مـن يده مثلاً ، ولأنّ القتل يباح له فـي الظاهـر فلا يتّجـه التضمين به» بقوله : «واضح الفساد ، إذ هما معاً كما ترى ; ضرورة خروجـه في الأوّل عن الاختيار دون الفرض ، وإباحة الدم في الظاهر لاتنافي التضمين كما فـي نظائره»[1498] .

ففيه : أنّ الفرض كالأوّل في الخروج عن اختيار الوكيل ، فإنّه لم يستوف القصاص لنفسه ولاختياره وإرادته ، بل استوفاه للموكّل وباختياره وإرادته نيابة عنه فلا فرق بينهما . وبذلك يظهر ضعف مباشرة الوكيل أيضاً فلا يصير ضامناً ، وضمانه مناف لضعف المباشرة ، وبهذا يفترق المورد عن بقيّة موارد التضمين بالمباشرة مع إباحة الدم ، كما لايخفى .

هذا كلّه في عفوه مجاناً ، وأ مّا لو كان عفوه على المال بالتراضي مع الجاني أو باختياره الدية على التخيير ، ففيه كلام وبحث آخر من جهة دية الجاني ، فهو وغيره من مباحث اُخرى مذكورة في «الجواهر» و «مجمع الفائدة والبرهان» وغيرهما ، فعلى مريد البحث عن تلك المباحث والاطّلاع عليه الرجوع إلى تلك الكتب ، وإنّما تركنا التعرّض لذلك لقلّة الابتلاء بمسألة الوكالة في الاستيفاء فضلاً عن أمثال تلك المباحث .

(مسألة 23) : لايقتصّ من الحامل حتّى تضع حملها ولو تجدّد الحمل بعد الجناية ، بل ولو كان الحمل من زنا ، ولو ادّعت الحملوشهدت لها أربع قوابل ثبت حملها ، وإن تجرّدت دعواها فالأحوط التأخير إلى اتّضاح الحال ، ولو وضعت حملها فلايجوز قتلها إذا توقّف حياة الصبي عليها ، بل لو خيف موت الولد لايجوز ويجب التأخير ، ولو وجد ما يعيش به الولد فالظاهر أنّ له القصاص . ولو قتلت المرأة قصاصاً فبانت حاملاً فالدية على الوليّ القاتل (26) .