فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 105
نمايش فراداده

حكم ما لو برئ الجاني من ضربة وليّ الدم

(33) ويظهر من «اللثام»[1564] أنّ الأصل في تفصيل المتن المحقّق في «الشرائع»[1565] و «النافع»[1566] ، وبعده العلاّمة[1567] في بعض كتبه وابنه في «الإيضاح»[1568] ، والشهيد في «المسالك»[1569] وغيرهما ممّن تأخّر عنه ، وإلاّ فالشيخ في «النهاية»[1570] وأتباعه قائلون بالاقتصاص للجاني مطلقاً .

في «الرياض» : «الرابعة : إذا ضرب الوليّ الجاني وتركه ظنّاً منه أ نّه مات فبرئ ، ففي رواية أ نّه يقتصّ بمثل ذلك الضرب من الوليّ ثمّ يقتله الوليّ ، أو يتتاركا أي يترك كلّ واحد الآخر ويتجاوز عنه ، وعمل بإطلاقها الشيخ وأتباعه كما في «المسالك» وغيره ، ولم يرتضه المتأخّرون كالماتن هنا وفي «الشرائع» ، والفاضل في «الإرشاد»[1571] و «التحرير» و «القواعد» وولده في شرحه ، والفاضل المقداد في «التنقيح»[1572] ، وشيخنا في «المسالك» وغيرهم»[1573] .

ثمّ إنّ مستند الشيخ وأتباعه رواية أبان بن عثمان ، عمّن أخبره ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : «أتى عمر بن الخطاب برجل قد قتل أخا رجل فدفعه إليه وأمره بقتله ، فضربه الرجل حتّى رأى أ نّه قد قتله ، فحمل إلى منزله فوجدوا به رمقاً فعالجوه فبرئ ، فلمّا خرج أخذه أخو المقتول الأوّل ، فقال : أنت قاتل أخي وليّ أن أقتلك ، فقال : قد قتلتني مرّة ، فانطلق به إلى عمر فأمر بقتله ، فخرج وهو يقول : والله قتلتني مرّة ، فمرّوا على أمير المؤمنين(عليه السلام) فأخبره خبره ، فقال : (لا تعجل حتّى أخرج إليك) ، فدخل على عمر ، فقال : (ليس الحكم فيه هكذا) ، فقال : ما هو يا أبا الحسن ؟ فقال : (يقتصّ هذا من أخي المقتول الأوّل ما صنع به ثمّ يقتله بأخيه) ، فنظر الرجل أ نّه إن اقتصّ منه أتى على نفسه ، فعفا عنه وتتاركا»[1574] .

وفي «الشرائع»[1575] وغيره الإشكال على الرواية بالضعف في أبان بفساد عقيدته بالناووسيّة على ما ذكره علي بن الحسن بن فضّال ، وبإرسال الرواية .

وفيه : أ نّه غير تامّ ، أ مّا بالنسبة إلى أبان ففيه : أنّ الناقل لكلام ابن فضّال هو «الكشّي»[1576] ، وفي نسخه اختلاف على ما يظهر من كتاب الكفالة من «مجمع الفائدة والبرهان» أوّلاً : «وفي كتاب الكشّي الذي عندي قيل : كان قادسياً أي من القادسيّة ، فكأ نّه تصحيف وبالجملة وهو لابأس به وأحسن من الحسن»[1577] .

واحتمال أن يراد به أ نّه من قوم ناووسية لا أ نّه ناوسيّ ثانياً .

وكونه ناقلاً عن الصادق والكاظم(عليهما السلام) على ما ذكره الشيخ[1578] والنجاشي[1579] ، منافياً لنسبة الناووسيّة كما لايخفى ثالثاً .

الناووسيّة : هم المعتقدون بختم الإمامة بالصادق(عليه السلام) وأ نّه حيّ لن يموت ، ولا إمام بعده إلى أن يظهر أمره وهو القائم المهدي(عليه السلام)[1580] .

وأ نّه على تسليم النسخة والظهور ونسبة الاستناد في ضعف أبان بكونه ناووسيّاً بكلام مثل ابن فضّال الفطحي محال رابعاً ; لما يلزم من حجّيّة كلامه في النسبة عدم حجّيّة كلامه لكونه فطحيّاً ، فكما أنّ الناووسيّة موجبـة لضعف الناووسي وعدم حجّيّة خبره مع كونه موثّقاً ، فكذلك الفطحيّة موجبة لضعف الفطحي وعدم حجّيّة خبره مثله ; لعدم الفرق بينهما فـي الضعف على القول بمضريّة غير الإماميّة الاثنا عشريّة في حجّيّة الخبر ، وأنّ المعتبر في الحجّيّة الوثاقة والاثنا عشريّة في الإمامة .

وبعبارة اُخرى : إن كان خبر ابن فضّال في نسبة الناووسية إلى أبان معتبراً وموجباً لضعفه ، فلازمه عدم حجّيّة خبر أبان ، لما مرّ ، وهو كما ترى .

نعم ، إن قلنا بعدم كون الناووسيّة مضرّة ، فإنّها وإن كانت تثبت بأخبار ابن فضّال ، لكنّه يقبل رواية أبان كما يقبل فساد عقيدته ، إذ كما لايمنع فساد العقيدة في المخبر كذا لايمنع في المخبر عن حاله ، وأ نّه على تسليم جميع ما ذكر فقول ابن فضّال معارض بقول الكشّي «إنّ العصابة قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه»[1581] والإقرار له بالفقه ، فأبان من أصحاب الإجماع ، والترجيح مع الكشّي ; لأ نّه أعدل من الجارح فليقدّم عليه ، على دلالته على الوثاقة والعدالة . فإنّ العدالة هي الوثاقة منضمّة مع الاعتقاد بإمامة الأئمّة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين .

وأ مّا على عدم دلالة عبارة الكشّي على أزيد من الوثاقة أو الاعتبار ، فلا تعارض بينهما من رأس فيكون أبان موثّقاً ، كما هو المشهور على ما في «الرياض» ، أو قويّاً على ما جعله الأقوى في عبارته أيضاً خامساً ، ففيه : «ولو سلّمنا الجمع بينهما أفاد كونه موثّقاً ، كما هو المشهور ، أو قويّاً على الأقوى ; بناءً على عدم ظهور دعوى الإجماع في التوثيق وإن جعلوها صريحة فيه أو ظاهرة .

وبالجملة : فلا ريب في قوّة الراوي وجواز الاعتماد على روايته ، كما هو ظاهر المشهور ، وصرّح به في الخلاصة»[1582] .

وبالجملة : أبان إن لم يكن ثقة فلا أقلّ من أ نّه موثّق ، كيف وهو من أصحاب الإجماع ؟ ! هذا كلّه بالنسبة إلى نفسه .

وأ مّا بالنسبة إلى إرساله ، فمضافاً إلى كون المرسل من أصحاب الإجماع ، وإلى انجباره بعمل المشهور ، وبكونه مروياً في الكتب الثلاثة «الكافي»[1583] و «التهذيب»[1584] و «الفقيه»[1585] ، أ نّه لا إرسال في «الفقيه» . ففيه هكذا : وفي رواية أبان بن عثمان أنّ عمر بن الخطّاب . . . إلى آخره فتأ مّل .

هذا ، لكن في الرواية مناقشات اُخرى :

أحدها : ضعفها بالإرسال قبل أبان أيضاً : في «الكافي» ففيه : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أبان بن عثمان عمّن أخبره . وبالجهالة في «التهذيب» ففيه : علي بن مهزيار ، عن إبراهيم بن عبدالله ، عن أبان بن عثمان عمّن أخبره .

وفيه : أنّ السند إليـه صحيح في «الفقيه» : وفي روايـة أبان بـن عثمان أنّ عمر بن الخطّاب .

ثانيها : أنّ ما في الرواية من تيقّن اقتصاص الجاني مع مخالفة الوليّ في كيفيّة الاقتصاص باقتصاص الجاني بأمر غير سائغ ، مناف لما هو المعروف من أ نّه ليس فيه على الوليّ شيء إلاّ الإثم والتعزير .

وفيه : أنّ ذلك فيما حصل القصاص وصار الجاني مقتولاً .

وأ مّا في مثل ما نحن فيه فمقتضى القواعد من الضمان بالقصاص أو الدية والأرش محكّم ، ولا دليل على خلافه .

ثالثها : مقتضـى إطلاقها الضمان وإن كانت كيفيّـة قتل الوليّ سائغـة ، كضرب عنقه بالسيف مثلاً ، مع أ نّـه فعل سائـغ له ، ودمـه هـدرٌ بالنسبة إليـه ، فكيف الضمان معه ؟ !

وفيه : أنّ الضمان من جهة تقصيره في الفحص والدقّة وللضرب الذي لم يكن قاتلاً ، فإنّ السائغ له قتله بضرب عنقه ، وهو غير محقّق ، والمحقّق غير سائغ ، كما لايخفى .

رابعها : أنّ الرواية شخصيّة فلا إطلاق فيها ، وهذه المناقشة واردة على نقل «الفقيه» ; لعدم كونه عن المعصوم وعدم كونه بأزيد من تاريخ . وهذا بخلاف نقل «التهذيب» و «الكافي» فإنّه عن المعصوم ، والأصل في نقل التاريخ والقضايا عن علي(عليه السلام) أو عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أو عن معصوم آخر كونه بياناً للحكم الشرعي كبيانه الحكم بلسانه ، فالفرق بين بيان الصادق(عليه السلام) الحكم الشرعي باللسان وبين بيانه بنقل القضايا عن علي(عليه السلام) مثلاً إنّما يكون في اللسان والعمل ، فكما أنّ للبيان باللسان ظهور وإطلاق فكذلك للعمل والنقل ، وعلى ذلك بناء العقلاء وطريقة الكتاب والسنّة .

نعم ، لقائل أن يقول في مثل ما في الرواية من القضايا الدالّة على جهالة مثل عمر لا ظهور فيه أن يكون لبيان الحكم ، بل لعلّة يكون لفرض الإعلام بجهل المدّعي للخلافة والإمامة ، وبعلم من كان خليفة عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ولياً للدين وهادياً للمسلمين إلى الحقّ والقرآن المبين ، أعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه الصلاة والسلام ـ من الأزل إلى يوم القيام .

ثمّ إنّه يظهر ممّا ذكرناه عدم تماميّة التفصيل وضعفه من دون احتياج إلى البيان ، فإنّهم استدلّوا عليه كما في «الشرائع»[1586] بعد ردّ الرواية بالضعف بالجهالة

(مسألة 27) : لو قطع يده فعفا المقطوع ثمّ قتله القاطع ، فللوليّ القصاص في النفس ، وهل هو بعد ردّ دية اليد أم يقتصّ بلا ردّ ؟ الأشبه الثاني . وكذا لو قتل رجل صحيح رجلاً مقطوع اليد قتل به . وفي رواية : إن قطعت في جناية جناها أو قطع يده وأخذ ديتها ، يردّ عليه دية يده ويقتلوه ، ولو قطعت من غير جناية ولا أخذ لها دية قتلوه بلا غرم . والمسألة مورد إشكال وتردّد ، والأحوط العمل بها (34) ،

والإرسال بعدم ضمان الوليّ . وعدم جواز اقتصاص الجاني منه إن كان اقتصاصه بالأمر السائغ ; لعدم الضمان فيه ، دون ما كان بأمر غير سائغ .

والتحقيق : الضمان وجـواز الاقتصاص مـن الجانـي مطلقاً ; وفاقـاً للشيخ في «النهايـة»[1587] وأتباعه ، وقضاءً للقواعـد بل وللروايـة أيضاً على ما مـرّ فـي بيانهما ، فتدبّر جيّداً .