فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 110
نمايش فراداده

التساوي في السلامة من الشلل

(5) قد عرفت الحال في اعتبار الشرائط المعتبرة في قصاص النفس في قصاص الأطراف في ذيل المسألة السابقة ، وما في المسألة من شرطيّة التساوي في السلامة من الشلل ونحوه على ما بيّنه المتن ، والتساوي في الأصالة والزيادة ، وكذا التساوي في المحلّ من الشرائط الثلاثة زائدة على ما مرّ ، فنذكرها على ترتيب المتن ونقول :

أ مّا الأوّل ، وهو عدم قطع الصحيح بالشلاّء دون عكسه ، ففي «الجواهر» : «بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به بعضهم ، بل عن ظاهر «المبسوط» أو صريحه وصريح «الخلاف» الإجماع عليه ، وهو الحجّة بعد إطلاق قول الصادق(عليه السلام) في خبر سليمان بن خالد : (في رجل قطع يد رجل شلاّء أنّ عليه ثلث الدية)[1643] .

بل قيل : وقوله تعالى : (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)[1644] ، (وإنْ عَاقَبْتُم فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مـاعُوقِبْتُمْ بِهِ)[1645] وإن كان فيه أنّ الظاهر المماثلة في أصل الاعتداء والعقاب على وجه يصدق كونه مقاصّة ، فلا ينافي ما دلّ على القصاص من قوله تعالى : (والجُرُوحَ قِصـاصٌ)[1646] وغيره ، إلاّ أنّ الأمر سهل بعد عدم انحصار الدليل فيه ، إذ الحكم مفروغ منه عندهم ، وقد حكي الإجماع صريحاً وظاهراً عليه»[1647] .

وفي «المجمع»[1648] للمقدّس الأردبيلي الاستدلال لذلك بالاعتبار والخبر ، فجميع الوجوه المستدلّ بها ترجع إلى أربعة كلّها مورد للمناقشة .

أ مّـا الإجماع ، فمضافاً إلى كونه في «الخلاف»[1649] المعدّ لردّ مـذاهب العامّة ولو على سبيل المجادلة ، فمن المحتمل فيه كون استدلاله بالإجماع ردّاً عليهم مجادلة من دون اعتقاده بحجيّته ، ومضافاً إلى أنّ للشهيد الثاني(قدس سره)رسالة تشتمل على مسائل يبلغ عددها على ما في «الحدائق»[1650] إلى نيف وسبعين مسألة ادّعى الشيخ عليها الإجماع في الخلاف ، مع أ نّه بنفسه خالف فيها في غيره من كتبه .

أ نّه لا اعتماد على مثل هذه الإجماعات التي تكون في المسائل الاجتهاديّة المستدلّ فيها بالكتاب والسنّة ، كما لايخفى ، كيف ومن المحتمل فيها تقريباً لاسيّما في مثل ما في «الخلاف»[1651] في المسألة من الاستدلال بآية المماثلة في الاعتداء بعد الاستدلال بالإجماع ، كون الإجماع مستنداً إلى الدليل لا إلى الوصول من المعصوم أو الكشف عن وجود دليل معتبر واصل إلينا ومحض احتمال الاستثناء كاف في عدم حجيّة الإجماع .

وأ مّا الآيتان : فالقدر المتيقّن منهما ـ من جهة شأن النزول ، وإشعار التعبير بالجمع ، بل من جهة المورد في آية الاعتداء لسبقها بقوله تعالى : (الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالحُرُماتُ قِصـاصٌ)[1652] ـ هو الحرب والمقاتلة ، ومن الواضح أنّ المماثلة فيه إنّما تكون في أصل الحرب ، فالشهر الحرام بالشهر الحرام والمقاتلة بالسيف بالمقاتلة بالسيف مثلاً لا بالزائد عنه مثلاً ، وإلاّ فمن المعلوم أنّ المماثلة من جميع الجهات في الحرب .

والمماثلة في الخصوصيّات في موضع البحث في المقام ، كالضرب على الرجل في الضرب عليه مثلاً فضلاً عن المماثلة في الصحّة والشـلاّء ، فغير معقول في مثل الحرب ، كما هو واضح .

فالاستدلال بهما للمقام وللمماثلة المعتبرة في المسألة كما ترى .

وأ مّا الخبر ـ أي خبر سليمان بن خالد ـ المستدلّ بإطلاقه في «الجواهر» ، وبظهوره في «مجمع الفائدة والبرهان»[1653] ، مضافاً إلى ضعف سنده بحمّاد بن زياد أو ابن زيد ; لكونه مهملاً أو مجهولاً[1654] .

الظاهر كون السؤال فيه عن حكم القاطع ووظيفته فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ ، لا عن جزاء القطع وحقّ المقطوع منه ، فلا دلالة فيه عليهما ، كما لايخفى ، ولا يصحّ الاستدلال به لهما ، بل لابدّ من الرجوع إلى دليل آخر .

ولا منافاة بين كون حكم القاطع ووظيفته الإلهيّة أداء الثلث ، وبين كون الجزاء للقطع ، وما للمقطوع منه في المحكمة وبعد الطلب والإثبات القصاص بلا ردّ أو معه ; وذلك لأنّ إحدى الوظيفتين إلهيّة سريّة والمكلّف بها القاطع ، والاُخرى جهريّة قضائية يأخذ بها المقطوع منه ، فهما مختلفان في كلتا الجهتين .

ولا استبعاد في ذلك بعد وقوع مثله في قتل العمد ، كالحكم بالدية بدواً في قتل العمد في الأخبار المستفيضة المنقولة في الوسائل في باب (حكم القاتل إذا لم يقدر على دفع الدية أو لم يقبل منه)[1655] ، مع أنّ حكم العمد القصاص ، فإنّه ليس ذلك إلاّ لكون السؤال والجواب في تلك الأخبار عن وظيفة القاتل بما هي هي ، مع قطع النظر عن حقّ القصاص الثابت لوليّ الدم .

وأ مّا الاعتبار المستدلّ به في «المجمع» بقوله : «وأ مّا عدم قطع الصحيح بالشلاّء فهو الاعتبار»[1656] ،

ففيه : مضافاً إلى كون مقتضى الاعتبار تخيير المجنيّ عليه بين أخذه الدية أو القصاص مع ردّ الأرش ، وما به التفاوت بين اليد الصحيحة والشلاّء ، أ نّه لا اعتبار بالاعتبار ، لكنّه لايخفى عليك أنّ ذلك التخيير هو الموافق للتحقيق الحقيق بالتصديق أيضاً ، فإنّ الظاهر من قوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ)[1657] بل صراحته أنّ الأصل والضابطة في الجراحات المقابلة بالمثل ومتابعة المجنيّ عليه الجاني في الجناية والجراحة ; قضاءً لمعنى القصاص عرفاً ولغةً بل وشرعاً ، كما يظهر من الرجوع إلى مسائل المقاصّة المالية في الشرع ، ولا اختصاص له بالقطع والجناية المشابهة قطعاً .

وإنّما يتحقّق القصاص عرفاً فيما لو قطع صاحب اليد الصحيحة اليد الشـلاّء بقطعها مع ردّ التفاوت بينهما ، وإلاّ فمن الواضح عند العرف عدم كون قطع اليد الصحيحة باليد الشـلاّء بلا ردٍّ قصاصاً ومقابلة بالمثل ; لما بينهما من التفاوت في العمل والخسارة ، كما لايخفى .

ثمّ إنّ مثل الآية وإن كانت مقتضية للقصاص مع الردّ ، إلاّ أنّ التخيير بينه وبين أخذ المجنيّ عليه الدية ، إنّما يثبت بالأولويّة ، كما مرّ بيانها في قصاص النفس ، فالمجنيّ عليه إن كان له قطع يد الجاني مع الردّ فله عدم القطع وأخذ الدية بالأولوية القطعيّة ; لكونه أولى من القطع عرفاً بلا شكّ وارتياب .

وممّا يؤ يّد التحقيق كونه جمعاً بين الحقّين ، وذلك بخلاف نفي القود رأساً ، والحكم بالحكومة كما عليه العامّة ، أو الثلث كما عليه الخاصّة .

ويؤ يّده أيضاً ما في «الجواهر» ممّا دونك عبارته : «هذا ولكن في «المسالك» (من شرائط القصاص في الطرف تساويهما في السلامة لا مطلقاً ; لأنّ اليد الصحيحة تقطع بالبرصاء ، بل المراد سلامة خاصّة ، وهي التي تؤثر التفاوت فيها أو يتخيّل تأثيره كالصحّة والشلل)[1658] .

قلت : لا كلام في عدم القصاص بين الصحيحة والشـلاّء بعد الاتّفاق عليه نصّاً وفتوى ، أ مّا ما لايصدق عليه اسم الشلل ممّا هو مؤثّر فيها أيضاً فلا دليل على عدم القصاص به بعد قوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ)[1659] وصدق (اليد باليد)[1660] نعم ، يجبر ضرر المقتصّ منه بدفع التفاوت من المقتصّ ; بناءً على ما أشرنا إليه من خبر الحسن بن الجريش[1661] المشتمل على قضيّة ابن عباس ، لكن لم أجد من أقعد القاعدة المزبورة على وجه يعمل عليها في غير محلّ النصّ»[1662] .

ولقد أجاد في بيان الآية وحقيقة القصاص ممّا يكون راجعاً إلى ما قلناه ، وفي أنّ عدم القصاص بين الصحيحة والشـلاّء إنّما هو للاتّفاق عليه نصاً وفتوىً ، الظاهر في أنّ عدم القصاص في مثلهما مع الردّ من جهة التخصيص والدليل الخاصّ ، وإلاّ فمقتضى القاعدة جواز المقاصّة بينهما مع الجبران من المقتصّ ، فتدبّر في كلامه واغتنم ما بيّنه وبيّناه من الآية وحقيقة القصاص ، وأسأل له من الله الرحمة والرضوان ، ولنا التوفيق لفقه آيات الكتاب وأخبار ذوي الألباب الذين هم منابع الأحكام والوحي والإلهام سلام الله عليهم إلى يوم القيام .

هذا كلّه في عدم قطع الصحيحة بالشـلاّء ، ويظهر منه حكم عكسه ـ أي قطع الشـلاّء بالصحيحة ـ فحكمه أيضاً تخيير الصحيح المجنيّ عليه بين قطع يد الجاني الشـلاّء وأخذ الأرش منه وبين أخذ ديتها فقط ; وذلك لعين ما ذكرناه في الأصل من دلالة الآية والأولويّة . وما في «الجواهر» من الاستدلال لعدم ضمّ الأرش بالأصل وغيره بعد تساويهما في الجرم ونحوه حيث قال : «وإنّما اختلافهما في الصفة التي لاتقابل بالمال كالرجولية والاُنوثيّة ، والحريّة والعبوديّة ، والإسلام والكفر ، فإنّه إذا قتل الناقص منهم بالكامل لم يجبر بدفع أرش ، خصوصاً بعد قولهم (عليهم السلام)[1663] : إنّ الجاني لا يجني أكثر من نفسه»[1664] .

ففيه : أنّ صفة الصحيحة في مقابل الشـلاّء تقابل بالمال عرفاً ، وكيف لاتقابل بالمال مع ما مرّ من الاستدلال برواية سليمان بن خالد على عدم قطع الصحيحة بالشـلاّء وأنّ على القاطع الثلث ، وتلك الصفة مغايرة مع مثل الإسلام والكفر ; لأنّ القصاص في النفس بالقود وبإذهاب نفس القاتل في مقابل نفس المقتول ، فلا دخالة للصفات في الجناية ولا في القصاص عليها ؟

هذا مع ما مرّ من الإشكال في التعليل الواقع في قولهم (عليهم السلام) : وإنّه يردّ علمه إلى أهله ، نعم ليس للمجنيّ عليه التخيير بين قطع يد الشـلاّء مع أخذ الأرش من الجاني وبين أخذه الدية منه مع حكم أهل الخبرة بالسراية بل خيف منها ، فإنّه يتعيّن الدية ، ووجهه ظاهر غير محتاج إلى البيان .

(مسألة 5) : المراد بالشلل هو يبس اليد بحيث تخرج عن الطاعة ولم تعمل عملها ولو بقي فيها حسّ وحركة غير اختياريّـة . والتشخيص موكـول إلى العرف كسائر الموضوعات . ولو قطع يداً بعض أصابعها شلاّء ففي قصاص اليد الصحيحة تردّد ، ولا أثر للتفاوت بالبطش ونحوه ، فيقطع اليد القويّة بالضعيفة ، واليد السالمة باليد البرصاء والمجروحة (6) .

(6) ولا يخفى أ نّه لا خصوصيّة للشلل بما هـو هـو على مـا بيّناه مـن القاعدة فيه ، فجميع أحكام الشلل جار فيما هو مثله ممّا يكون مقابلاً بالمال والضمان عرفاً ; قضاءً لأدلّة القصاص وغيرها ، كما مرّ ، وعلى هذا فيجري ما في قطع الصحيحة بالشـلاّء وعكسه من الأحكام فيما كان بعض الأصابع شـلاّء ; لكون الأحكام على القاعدة ، وكون الإصبع مقابلاً بالمال وجوداً وعدماً ، وهذا بخلاف البطش ونحوه فحكمه المقابلة بالمثل من دون الردّ ، كما في المتن ; لعدم مقابلة مثله بالمال .

(مسألة 6) : يعتبر التساوي في المحلّ مع وجوده ، فتقطع اليمين باليمين واليسار باليسار ، ولو لم يكن له يمين وقطع اليمين قطعت يساره ، ولو لم يكن له يد أصلاً قطعت رجله على رواية معمول بها ، ولابأس به . وهل تقدّم الرجل اليمنى في قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في اليد اليسرى أو هما سواء ؟ وجهان ، ولو قطع اليسرى ولم يكن له اليسرى فالظاهر قطع اليمنى على إشكال ، ومع عدمهما قطع الرجل . ولو قطع الرجل من لا رجل له فهل يقطع يده بدل الرجل ؟ فيه وجه لايخلو من إشكال . والتعدّي إلى مطلق الأعضاء كالعين والاُذن والحاجب وغيرها مشكل . وإن لايخلو من وجه ، سيّما اليسرى من كلّ باليمنى (7) .