فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 111
نمايش فراداده

اعتبار التساوي في المحلّ

(7) اعتبار التساوي في المحلّ مع وجوده ـ أي قطع اليمين باليمين ، واليسار باليسار ، والابهام بمثلها ، وهكذا ـ لا خلاف فيه بين المسلمين ، بل في «كشف اللثام» : «الاتّفاق عليه»[1665] ، وهو الموافق مع أدلّة القصاص ، كما لايخفى .

وأ مّا حكم عدم اليمين أو عدم اليد أصلاً ، ممّا نسبه المتن إلى رواية معمول بها مع نفيه البأس بـه ، فلنكتف في شرحـه بنقل ما في «الجواهر» لكفايته وجيادته ، حيث قال : «نعم ، عن الأكثر بل المشهور ، بل عن «الخلاف»[1666] و «الغنية»[1667] إجماع الفرقة عليه مع زيادة أخبارهم عليه ، في الثاني أ نّه إن لم تكن يمين قطعت يساره ، ولو لم يكن له يمين ولا يسار قطعت رجله استناداً إلى الرواية التي هي صحيحة حبيب السجستاني المروية في الكتب الثلاثة[1668] بل و «المحاسن» على ما قيل قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين ، فقال : (ياحبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أوّلاً ، وتقطع يساره للذي قطعت يمينه أخيراً ; لأ نّه إنّما قطع يد الرجل الآخر ويمينه قصاص للرجل الأوّل ، قال : فقلت : إنّ عليّاً(عليه السلام) إنّما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، فقال : (إنّما كان يفعل ذلك في ما يجب من حقوق الله تعالى ، فأ مّا ما يجب من حقوق المسلمين فإنّه تؤخذ لهم حقوقهم في القصاص ، اليد باليد إذا كانت للقاطع يدان ، والرجل باليد إذا لم تكن للقاطع يد) ، فقلت له : أما توجب عليه الدية وتترك رجله ؟ فقال : إنّما نوجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان ، ثمّ نوجب عليه الدية ; لأ نّه ليست له جارحة يقتصّ منها)[1669] .

وهي معلومة الصحّة إلى حبيب ، وأ مّا هو ففي «المسالك» : لانصّ على توثيقه ، وقال : (وحينئذ فإطلاق جماعة من الأصحاب صحّة الرواية مدخول أو محمول على الصحّة الإضافيّة ، كما تقدّم في نظائره ، وهذا هو السرّ في نسبة المصنّف الحكم إلى الرواية من غير ترجيح)[1670] .

قلت : قد يقال بكفاية شهادة وصفها بالصحّة في «المختلف»[1671] و «الإيضاح»[1672] و «المهذّب البارع»[1673] و «التنقيح»[1674] ، بل في «الروضة»[1675] نسبة وصفها بذلك إلى الأصحاب ، على أنّ المذكور في ترجمته أ نّـه كان شارياً ، ورجـع إلى الباقر والصادق(عليهما السلام) وانقطع إليهما ، بل عن صاحب «البلغة» : (الحكم بكونه ممدوحاً) ; بل عن الفاضل المتبحّر وحيد عصره ـ وخصوصاً في الحديث والرجال ـ الآغا محمّد باقر عن جدّه أ نّه حكم بأ نّه ثقة . كلّ ذلك مضافاً إلى انجباره بما عرفت ، بل لم نعثر على رادٍّ له غير الحلّي[1676] وثاني الشهيدين[1677] في بعض المواضع من بعض كتبه على أصليهما الفاسدين ، والفخر[1678] في خصوص قطع الرجل باليد .

بـل وإلى تأييـده بما قيل مـن أ نّـه استيفاء لمساوي الحـقّ مع تعـذّر اليميـن كالقيمة في المتلفات ، والدية مع تعذّر القصاص ، والمساواة الحقيقية لو اعتبرت لما جاز التخطّي من اليد اليمنى إلى اليد اليسرى كما لايجوز لو كانت الجناية واحدة .

وإن كان قد يناقش بأ نّه لو كفت المساواة ديةً لجاز قلع العين إذا فقدت اليدان والرجلان ، وقياس الرجل على اليد التي يمكن دعوى حصول المقاصّة فيها باعتبار الصدق ـ ومن هنا حكي عليه الإجماع في «المسالك»[1679] ومحكي «المهذّب البارع»[1680] و «المقتصر» ، ونفى فيه الخلاف في «التنقيح»[1681] و «الرياض»[1682] ـ لا وجه له ، لكن العمدة ما عرفت .

نعم ، ليس في الخبر المزبور ترتيب في الرجلين ، وإنّما هو موجود في معقد إجماع «الخلاف» و «الغنية» ، ولعلّه كاف في إثبات ذلك بعد عدم العلم بخطأه»[1683] .

هذا كلّه فيما كان مورداً للتعرّض في الرواية ، وأ مّا غيرهما من المسائل الأربعة المتفرعة على المسألة المذكورة فيها :

من لزوم الموافقة للرجل مع اليد بتقديم الرجـل اليمنى فـي قطع اليد اليمنى ، والرجـل اليسرى في قطـع اليد اليسرى ، أو عدمـه وأ نّهما سواء ولا تقـديم للموافق .

ومن جواز قطع اليمنى في مقابل اليسرى وعدمه . نعم ، مع عدمهما لاإشكال في وصول الدور إلى الرجلين .

ومن جواز قطع اليد بدل الرجل كعكسه ، وعدمه .

ومن التعدّي إلى مطلق الأعضاء كالعين والاُذن والحاجب وغيرها ، بل ومن التعدّي إلى مثل الحاجب أو إلى الاُذن مع فقدان مثل العين من الأعضاء الموجودة في الوجه .

ففي كلّها وجهان من الجواز والتعدّي ; قضاء لصدق القصاص في بعضها ، ولعموم العلّة في رواية حبيب في كلّها ، ومن عدم الجواز وعدم التعدّي اقتصاراً في مخالف الأصل والقاعدة على المتيقّن . لكنّ الظاهر في غير التعدّي الأخير الذي ذكرناه في ذيل الرابع ، الجواز والتعدّي ; لعموم العلّة وصدق القصاص في البعض ، ومع الدليل لم يبق وجه للاقتصار على المتيقّن .

نعم ، لايخفى عليك الاختلاف في الظهور .

وفي «الجواهر» : «هذا كلّه في خصوص اليدين والرجلين دون غيرهما ; لقاعدة الاقتصار على المتيقّن في ما خالف العمومات ، كما صرّح به غير واحد ، خلافاً للحلّي[1684] فعمّم الحكم ، حيث قال : (وكذلك القول في أصابع اليدين والرجلين والأسنان) ، ولعلّـه نظـر إلى العلّة فـي الروايـة التي ظاهـر الأصحاب ـ عداه ـ عـدم العمل بها في ذلك ، حتّى في العينين مثلاً ، فلا تقلع اليمنى باليسرى مـع عدمها ، وبالعكس وإن كان لولا ذلك لأمكن القول به ، للخبر المزبور المؤ يّد بإطلاق قوله تعالى : (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)[1685] مثلاً بعد تخصيص اعتبار الترتيب بصورة الإمكان ، فتأ مّل»[1686] .

(مسألة 7) : لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه ورجلاه بالأوّل فالأوّل ، وعليه للباقين الدية ، ولو قطع فاقد اليدين والرجلين يد شخص أو رجله فعليه الدية (8) .

ولا يخفى أنّ محض كون ظاهر الأصحاب ـ عداه ـ عدم العمل بها غيـر مضرّ بالقول به ، للخبر ، فلعلّهم لم يلتفتوا إلـى عموم العلّـة المؤ يّـدة بإطلاق الآيـة ، فتدبّر جيّداً .

(8) القطع بالأوّل فالأوّل مستفاد من رواية حبيب ، مضافاً إلى قاعدة ترتّب المسبّبات على ترتيب الأسباب .

وأ مّا الدية للباقين أو في قطع فاقد اليدين والرجلين ، فللضمان به شرعاً وعقلاً مع عدم القصاص ، كما لايخفى .

(مسألة 8) : يعتبر في الشجاج التساوي بالمساحة طولاً وعرضاً ، قالوا ولايعتبر عمقاً ونزولاً ، بل يعتبر حصول اسم الشجّة ، وفيه تأ مّل وإشكال والوجـه التساوي مـع الإمكان ، ولو زاد مـن غير عمـد فعليـه الأرش ، ولو لم يمكن إلاّ بالنقص لايبعد ثبوت الأرش في الزائد على تأ مّل . هذا في الحارصـة والدامية والمتلاحمـة . وأ مّا في السمحاق والموضحـة فالظاهـر عـدم اعتبار التساوي في العمق ، فيقتصّ المهزول من السمين إلى تحقّق السمحاق والموضحة .

(مسألة 9) : لايثبت القصاص فيما فيه تغرير بنفس أو طرف ، وكذا فيما لايمكن الاستيفاء بلا زيادة ونقيصة كالجائفة والمأمومة ، ويثبت في كلّ جرح لا تغرير في أخذه بالنفس وبالطرف ، وكانت السلامة معه غالبة ، فيثبت في الحارصة والمتلاحمة والسمحاق والموضحة ، ولايثبت في الهاشمة ولا المنقّلة ، ولا لكسر شيء من العظام . وفي رواية صحيحة إثبات القود في السنّ والذراع إذا كسرا عمداً ، والعامل بها قليل (9) .

(9) ما في المسألتين من الأحكام وجوهها واضحة ، ومن أراد زيادة الاطّلاع فليراجع «الجواهـر» وغيره من الكتب القويمـة الفقهيّـة ، ولا يخفى أنّ عـدم ثبوت القصاص في الهاشمـة وبعدها ليس إلاّ من جهة التغرير ، ومـا في النصّ مـن قول أمير المؤمنين(عليه السلام) «لاقصاص في عظم»[1687] وفي الفتاوى مـن الإجماع على الحكومـة[1688] فـي الجميع ، إنّما يكون بذلك أيضاً ، كما يفهمـه العرف ، فلا خصوصيّة لتلك الموارد ، فيثبت القصاص فيها مع عدم التغرير ; قضاءً لعموم أدلّته .

ومـا فـي المتن مـن الروايـة الصحيحـة هي مـا عـن أبي بصير عـن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : سألته عن السنّ والذراع يكسران عمداً لهما أرش أو قود ؟ فقال : «قـود» ، قـال : قلت : فإن أضعفوا الـديـة ؟ قال : «إن أرضوه بما شـاء فهـو له»[1689] .

والظاهر أ نّها محمولة على عدم التغرير ، فالعمل بها على ذلك لا إشكال فيه وإن كان العامل بها قليل وإطلاقها مقيّد بعدم التغرير ، نعم العمل بإطلاقها مشكل بل ممنوع وإن كان العامل بها كثيراً ; لما في القصاص مع التغرير خطر بالنفس أو زيادة في العقوبة ، وهما محرّمان وغير قابلين للتقيّد ، كما هو واضح .

ثمّ إنّ ما في المتن و «الجواهر»[1690] من التعبير عن الرواية بالصحيحة ، مع كون الناقل أبي بصير المشترك بين الثقة وغيره ، ففيه ما لايخفى ، نعم هي صحيحة إلى أبي بصير ، فتأ مّل .

(مسألة 10) : هل يجوز الاقتصاص قبل اندمال الجناية ؟ قيل : لا ; لعدم الأمن من السراية الموجبة لدخول الطرف في النفس ، والأشبه الجواز . وفي رواية : لايقضى في شيء من الجراحات حتّى تبرأ . وفي دلالتها نظر . والأحوط الصبر ، سيّما فيما لايؤمن من السراية . فلو قطع عدّة من أعضائه خطأً ، هل يجوز أخذ دياتها ولو كانت أضعاف دية النفس ، أو يقتصر على مقدار دية النفس حتّى يتّضح الحال ، فإن اندملت أخذ الباقي ، وإلاّ فيكون له ما أخذ لدخول الطرف في النفس ؟ الأقوى جواز الأخذ ووجوب الإعطاء . نعم لو سرت الجراحات يجب إرجاع الزائد على النفس (10) .

(10) القائل بعدم الجواز الشيخ في «المبسوط» ، معلّـلاً بما في المتن من عدم الأمن فقد قال : «فإذا ثبت ذلك فالقصاص يجوز من الموضحة قبل الاندمال عند قوم ، وقال قوم : لايجوز إلاّ بعد الاندمال ، وهو الأحوط عندنا ; لأ نّها ربّما صارت نفساً»[1691] .

لكنّه اختار الجـواز في «الخـلاف»[1692] مـع استحباب الصبر ، وهـو أشبه بأُصول المذهب وقواعـده التي منها : العمل بعموم قولـه تعالى : (والجُرُوحَ قِصاصٌ)[1693] ، و (فَمَنِ اعْتَدَى . . .)[1694] ، (وَإنْ عاقَبْتُمْ . . .)[1695] ، خصـوصاً بعـد مـا قيل من دلالة الفاء على ذلك بلا مهلة وإن كان فيه نظر واضح .

ومنها : أصالة البراءة من وجوب الصبر ، وأصالة عدم حصول السراية ، بل وأشهر ، بل لم نجد فيه مخالفاً عدا ما في «المبسوط»[1696] مع أ نّه قال : التأخير فيه أحوط ، وهو بعينه الاستحباب الذي أشار إليه في «الخلاف» ، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف ، والموثّق محمول على إرادة عدم القضاء في الجرح الذي لايعلم حال إفساده حتّى يبرأ ، لا الجرح الذي تحقّق فيه موجب القصاص وشك في حصول المسقط .

ومنه يعلم ما فـي الأوّل المبني على أنّ السرايـة كاشفة عـن عـدم حقّ له إلاّ قصاص النفس ، وهـو ممنوع ، ضرورة تحقّق الموجب حتّى لو علم السرايـة كان لـه القصاص فعلاً لحصول الموجب ، نعم لو لم يفعل فاتّفق حصولها دخـل قصاص الطرف فيه ، ومن هنا لايجب عليه ردّ دية العضو بعد حصولها لو فرض قطعه قبلها .

وقد ظهر ممّا ذكرناه وجه أقوائيّة جواز الأخذ ووجوب الإعطاء فيما لو قطع عدّة من أعضائه خطأً ، فلا نعيده .

(مسألة 11) : إذا اُريـد الاقتصاص حلق الشعر عـن المحلّ إن كان يمنع عـن سهولة الاستيفاء أو الاستيفاء بحدّه ، وربط الجاني على خشبة أو نحوها بحيث لايتمكّن من الاضطراب ، ثمّ يقاس بخيط ونحوه ويعلّم طرفاه في محلّ الاقتصاص ، ثمّ يشقّ من إحدى العلامتين إلى الاُخرى ، ولو كان جرح الجاني ذا عرض يقاس العرض أيضاً . وإذا شقّ على الجاني الاستيفاء دفعة يجوز الاستيفاء بدفعات ، وهل يجوز ذلك حتّى مع عدم رضا المجنيّ عليه ؟ فيه تأ مّل .

(مسألة 12) : لو اضطرب الجاني فزاد المقتصّ في جرحه لذلك فلا شيء عليه ، ولو زاد بلا اضطراب أو بلا استناد إلى ذلك ، فإن كان عـن عمد يقتصّ منه ، وإلاّ فعليه الديـة أو الأرش ، ولو ادّعـى الجانـي العمد وأنكره المباشر فالقـول قولـه ، ولو ادّعى المباشر الخطأ وأنكر الجاني ، قالوا : القول قول المباشر ، وفيه تأ مّل .

(مسألة 13) : يؤخّر القصاص في الطرف عن شدّة الحرّ والبرد وجوباً إذا خيف من السراية ، وإرفاقاً بالجاني في غير ذلك ، ولو لم يرض في هذا الفرض المجنيّ عليه ففي جواز التأخير نظر .

(مسألة 14) : لايقتصّ إلاّ بحديدة حادّة غير مسمومة ولا كالّة مناسبة لاقتصاص مثله ، ولايجوز تعذيبه أكثر ممّا عذّبه ، فلو قلع عينه بآلة كانت سهلة في القلع ، لايجوز قلعها بآلة كانت أكثر تعذيباً ، وجاز القلع باليد إذا قلع الجاني بيده أو كان القلع بها أسهل . والأولى للمجنيّ عليه مراعاة السهولة ، وجاز له المماثلة . ولو تجاوز واقتصّ بما هو موجب للتعذيب ، وكان أصعب ممّا فعل به ، فللوالي تعزيره ، ولا شيء عليه ، ولو جاوز بما يوجب القصاص اقتصّ منه ، أو بما يوجب الأرش أو الدية اُخذ منه .

(مسألة 15) : لو كان الجرح يستوعب عضو الجاني مع كونه أقلّ في المجنيّ عليه ; لكبر رأسه ـ مثلاً ـ كأن يكون رأس الجاني شبراً ورأس المجنيّ عليه شبرين ، وجنى عليه بشبر ، يقتصّ الشبر وإن استوعبه . وإن زاد على العضو ـ كأن جنى عليه في الفرض بشبرين ـ لايتجاوز عن عضو بعضو آخـر ، فلايقتصّ من الرقبة أو الوجه ، بل يقتصّ بقدر شبر في الفرض ، ويؤخذ للباقي بنسبة المساحة إن كان للعضو مقدّر ، وإلاّ فالحكومة . وكذا لايجوز تتميم الناقص بموضع آخر من العضو . ولو انعكس وكان عضو المجني عليه صغيراً ، فجنى عليه بمقدار شبر وهـو مستوعب لرأسه ـ مثلاً ـ لايستوعب فـي القصاص رأس الجاني ، بل يقتصّ بمقدار شبر وإن كان الشبر نصف مساحة رأسه .

(مسألة 16) : لو أوضح جميع رأسه ; بأن سلخ الجلد واللحم من جملة الرأس ، فللمجني عليه ذلك مع مساواة رأسهما في المساحة ، وله الخيار في الابتداء بأيّ جهة . وكذا لو كان رأس المجني عليه أصغر ، لكن له الغرامة في المقدار الزائد بالتقسيط على مساحة الموضحة . ولو كان أكبر يقتصّ من الجاني بمقدار مساحة جنايته ، ولايسلخ جميع رأسه . ولو شجّه فأوضح في بعضها فله دية موضحة ، ولو أراد القصاص استوفى في الموضحة والباقي .

(مسألة 17) : في الاقتصاص في الأعضاء غير ما مرّ : كلّ عضو ينقسم إلى يمين وشمال ـ كالعينين والاُذنين والاُنثيين والمنخرين ونحوها ـ لايقتصّ إحداهما بالاُخرى ، فلو فَقَأ عينه اليُمنى لايقتصّ عينه اليُسرى ، وكذا في غيرهما . وكلّ ما يكون فيه الأعلى والأسفل يراعى في القصاص المحلّ ، فلايقتصّ الأسفل بالأعلى كالجفنين والشفتين .

(مسألة 18) : في الاُذن قصاص ; يقتصّ اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى . وتستوي اُذن الصغير والكبير ، والمثقوبة والصحيحة إذا كان الثقب على المتعارف ، والصغيرة والكبيرة ، والصمّاء والسامعة ، والسمينة والهزيلة . وهل تؤخذ الصحيحة بالمخرومة وكذا الصحيحة بالمثقوبة على غير المتعارف بحيث تعدّ عيباً ، أو يقتصّ إلى حدّ الخرم والثقب والحكومة فيما بقي ، أو يقتصّ مع ردّ دية الخرم ؟ وجوه ، لايبعد الأخير . ولو قطع بعضها جاز القصاص (11) .

(مسألة 19) : لو قطع اُذنه فألصقها المجنيّ عليه والتصقت ، فالظاهر (12) عدم سقوط القصاص ، ولو اقتصّ من الجاني فألصق الجاني اُذُنه والتصقت ، ففي رواية : قطعت ثانية لبقاء الشين . وقيل : يأمر الحاكم بالإبانة لحمله الميتة والنجس . وفي الرواية ضعف . ولو صارت بالإلصاق حيّة كسائر الأعضاء لم تكن ميتة ، ويصحّ الصلاة معها ، وليس للحاكم ولا لغيره إبانتها ، بل لو أبانه شخص فعليه القصاص لو كان عن عمد وعلم ، وإلاّ فالدية ، ولو قطع بعض الاُذن ولم يبنها فإن أمكنت المماثلة في القصاص ثبت ، وإلاّ فلا ، وله القصاص ولو مع إلصاقها .

(11) ما في المسائل الثمانية الآتية من المباحث الموضوعيّة وكيفيّة الإجراء أو الحكمية ، وجوهها ساذجة تظهر بالتأ مّل فيها وبما ذكره في المتن ، فلنصرف الكلام منها لقلّة الفائدة العلميّة فيها ، بل ولقلّة الابتلاء بها ، ونرجو من الله التوفيق في سائر المسائل .

(12) ذلك لوجود المقتضي الذي لا دليل على عدم اقتضائه بالإلصاق الطارئ ، خصوصاً مع عدم الإقرار عليه .

وأ مّا لو اقتصّ من الجاني فألصق الجاني اُذنه والتصقت ، فللمجنيّ عليه أن يطالب بقطعها وإبانتها .

وفي «الخلاف» : عليه إجماع الفرقة وأخبارهم حيث قال : «إذا قطع اُذن غيره قطعت اُذنه ، فإن أخذ الجاني اُذنه فألصقها فالتصقت ، كان للمجنيّ عليه أن يطالب بقطعها وإبانتها إلى أن قال : «دليلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم»[1697] .

والحجّة على ذلك عموم العلّة في رواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر عن أبيه(عليهما السلام) : «أنّ رجلاً قطع من بعض اُذن رجل شيئاً ، فرفع ذلك إلى علي(عليه السلام)فأقاده ، فأخذ الآخر ما قطع من اُذنه فردّه على اُذنه بدمه فالتحمت وبرئت ، فعاد الآخر إلى علي(عليه السلام) فاستقاده فأمر بها فقطعت ثانية وأمر بها فدفنت ، وقال(عليه السلام) : إنّما يكون القصاص من أجل الشين»[1698] . بل وظهور الحكم ، فإنّ من الواضح بنظر العرف إلغاء الخصوصيّة لبعض الاُذن ، فلا فرق بين الكلّ والبعض .

وما في المتن من ضعف الرواية ، فمضافاً إلى انجباره بعمل الأصحاب ، كما يشهد عليه إجماع «الخلاف» ، فتأ مّل ، أ نّه ليس في السند ما يوجب الضعف إلاّ غياث بن كلوب الذي ادّعى الشيخ في «العدّة»[1699] عمل الطائفة بأخباره ، وهو كاف في اعتبار حديثه .

وأ مّا غيره ممّن كان في السند ، فالذين قبله عدول ، والذين بعده مشتركون بين الثقة والموثّق ، فإنّ إسحاق بن عمّار الصيرفي ثقة والساباطي موثّق .

(مسألة 20) : لو قطع اُذنه فأزال سمعه فهما جنايتان (13) ، ولو قطع اُذناً مستحشفة شلاّء ففي القصاص إشكال ، بل لايبعد ثبوت ثلث الدية (14) .

(13) قطع الاُذن وإزالة السمع هما جنايتان ; لأنّ منفعة السمع في الدماغ لا في الاُذن ليتبعها .

(14) والإشكال في القصاص لقطع الاُذن المستحشفة ـ وهي التي لم يبق فيها حسّ وصارت شـلاّء ، أي يابسة ـ ناشئ من أنّ اليد الصحيحة لاتؤخذ بالشلاّء ، ومن أنّ الشلل ليس نقصاً يعتدّ به لأجل بقاء الجمال والمنفعة المقصودة في الاُذن ، لأ نّها تجمع الصوت وتوصله إلى الدماغ ، وتدفع الهوام والغبار والدخان والبخار الغليظ من الدخول في ثقب الاُذن ، بخلاف اليد الشـلاّء .

وهذا الوجه أوجه بل متعيّن .

ثمّ إنّ الإشكال غير مختصّ بالمعروف من عدم قطع اليد الصحيحة بالشلاّء ، بل يكون ـ على ما اخترناه ـ من التخيير بين القصاص مع ردّ الأرش أو الدية أيضاً ، حيث إنّه على كون الاستحشاف واليبوسة في الاُذن نقصاً ، فللمجنيّ عليه التخيير بين الدية أوالقصاص مع الردّ .

وأ مّا على عدم كونه عيباً ونقصاً يعتدّ به فليس للمجنيّ عليه إلاّ القصاص أو الدية ، كما لايخفى .

ولما أنّ الوجه الثاني ـ أي عدم كونه عيباً ـ هو المتعيّن كما ذكرناه ، فليس للمجنيّ عليه إلاّ القصاص أو التخيير .

(مسألة 21) : يثبت القصاص في العين ، وتقتصّ مع مساواة المحلّ ، فلا تقلع اليمنى باليسرى ولابالعكس ، ولو كان الجاني أعور اقتصّ منه وإن عمي ، فإنّ الحقّ أعماه ، ولايردّ شيء إليه ولو كان ديتها دية النفس إذا كان العور خلقة أو بآفة من الله تعالى ; ولا فرق بين كونه أعور خلقة أو بجناية أو آفة أو قصاص ، ولو قطع أعور العين الصحيحة من أعور يقتصّ منه (15) .

(15) ما في المسألة من الأحكام من أصل القصاص في العين ، وشرطيّة المساواة ، واقتصاص الجاني الأعور وإن عمي بالقصاص ، وعدم ردّ شيء إليه ولو كانت ديتها دية النفس إذا كان العور خلقة أو بآفة من الله تعالى ، من دون فرق بين كونه أعور خلقة أو بجناية أو آفة أو قصاص ، ومن قصاص أعور العين إذا قلع العين الصحيحة من أعور ، كلّها ممّا لا إشكال ولا خلاف فيها ، وتكون موافقة مع القواعد والعمومات والاُصول .

في كتاب الله : (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)[1700] ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الجاني الأعور وغيره ، مع ما في صحيح محمّد بن قيس ومرسلة أبان من الدلالة على الاقتصاص من الجاني الأعور على ما في المتن من التعليل (بأنّ الحقّ أعماه) .

ففي الأوّل : قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : أعور فقأ عين صحيح ، فقال : «تفقأ عينه» ، قال : قلت : يبقى أعمى ، قال : «الحقّ أعماه»[1701] .

وفي الثاني : عن أبان ، عن رجل ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن أعور فقأ عين صحيح متعمّداً ، فقال : «تفقأ عينه» ، قلت : فيكون أعمى ، قال :

(مسألة 22) : لو قلع ذو عينين عين أعور اقتصّ له بعين واحدة ، فهل له مع ذلك الردّ بنصف الدية ؟ قيل لا ، والأقوى ثبوته ، والظاهر تخيير المجنيّ عليه بين أخذ الدية كاملة وبين الاقتصاص وأخذ نصفها ، كما أنّ الظاهر أنّ الحكم ثابت فيما تكون لعين الأعور دية كاملة ، كما كان خلقة أو بآفة من الله ; لا في غيره مثل ما إذا قلع عينه قصاصاً (16) .

فقال : «الحقّ أعماه»[1702] . وضعف المرسل بالإرسال غير مضرّ ; لكفاية صحيح ابن قيس ، هذا مع أنّ اتّفاق الأصحاب ظاهراً جابر لضعفه ، فتأ مّل . بل عن «الخلاف» : «إجماع الفرقة وأخبارهم»[1703] .