فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 112
نمايش فراداده

قصاص عين الأعور

(16) في المسألة أحكام ثلاثة :

أحـدها : قصاص الأعـور بعين واحـدة مـن الجانـي ذي العينين مـع ردّ الجاني نصف الديـة إلى المجنيّ عليه الأعـور أو بدونـه على قولين في المسألـة . والثاني خيرة «المقنعـة»[1704] و «السرائـر»[1705] و «الشرائـع»[1706] و «التحـرير»[1707] ، والأوّل خيرة «النهايـة»[1708] و «المبسوط»[1709] و «الجامـع»[1710] و «الوسيلة»[1711] ، ونفـى البأس عنه في «المختلف»[1712] .

حجّة الأوّل الدراية والرواية :

أ مّا الدراية ; لأ نّه أذهب جميع بصره واستوفى منه نصف البصر ، فيبقي عليه دية النصف ، وهو نصف الدية .

وأ مّا الرواية ; فصحيح محمّد بن قيس قال : قال أبو جعفر(عليه السلام) : «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) في رجل أعور اُصيبت عينه الصحيحة ففقئت ، أن تُفقأ إحدى عيني صاحبه ويعقل له نصف الدية ، وإن شاء أخذ دية كاملة ويُعفا عن عين صاحبه»[1713] .

وخبر عبدالله بن الحكم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن رجل صحيح فقأ عين رجل أعور ، فقال : «عليه الدية كاملة ، فإن شاء الذي فقئت عينه أن يقتصّ من صاحبه ويأخذ منه خمسة آلاف درهم ، فعل ، لأنّ له الدية كاملة وقد أخذ نصفها بالقصاص»[1714] .

والعمدة منهما الرواية وإلاّ فالدراية ، مضافاً إلى أ نّها اعتبار لا اعتبار به ، القصاص موضوعه العين لا المنافع ، كما لايخفى .

وبالإشكال الأخير على الدراية يظهر عدم تماميّة ما في «الجواهر» من الاستدلال بها مستنداً إلى الرواية بقوله : «مضافاً إلى معلوميّة وجوب الدية تامّة بعين الأعور خلقةً أو بآفة من الله ، بل نفى عنه الخلاف غير واحد ، بل عن «الخلاف»[1715] و «الغنية»[1716] و «المختلف»[1717] و «غاية المراد»[1718] و «التنقيح»[1719] و «المهذّب البارع»[1720] و «الرياض»[1721] : الإجماع عليه ، وهوالحجّة بعد ما في حسنة العجلي[1722] وخبر أبي بصير[1723] في عين الأعور الدية»[1724] ، فلا نعيده .

وحجّة الثاني عموم : (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)[1725] ، والأصل .

وردّ بعدم عموميّة العين فإنّه مفرد معرّف ، ولو سلّم خصّ بالدليل وقد ذكر مع أ نّه حكاية من التوراة ولا يلزم حكمها في شرعنا ، والأصل إنّما يكون حجّة مع عدم الدليل ، وقد وجد .

واُجيب بأنّ الآية مقرّرة في شرعنا ; لصحيحة زرارة عن أحدهما(عليهما السلام) في قول الله عزّ وجلّ : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالاَْنْفَ بِالاَْنْفِ)[1726] ، قال : «هي محكمة»[1727] . ولقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمآ أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّـلِمُونَ)[1728] . و (مَن) للعموم ، و «الظُلْم» : وضع الشيء في غير موضعه ، وهو حرام وتركه واجب ، ولا يتمّ إلاّ بالحكم بالعين في العين بلا ردّ .

ولا يخفى أنّ العمدة في ردّ الاستدلال بالآية هو التخصيص ، وأ مّا غيره فقد عرفت الجواب منه .

لكنّ التحقيق في الجواب عنها عدم الدلالة على حكم المسألة ، إلاّ حيث إنّ مافيها من المقابلة إنّما يكون من جهة القصاص لا التعبّد ، ومن المعلوم أنّ قلع إحدى العينين من الجاني ليست مقابلة بالمثل ومتابعة لجنايته على المجنيّ عليه عرفاً ; لأنّ الجاني أذهب العين الصحيحة من الأعور مع علمه بأ نّه أعور وأنّ كلّ بصره بتلك الواحدة ، فقصاصه بإذهاب كلّ بصره أوّلاً وبالذات .

لكنّه لما يكون فيه نحو إفراط فلابدّ من الردّ يتمّ بالقصاص والمقابلة من دون شبهة الإفراط ، وإلاّ فعلى القول بالدلالة فتخصيصها بما ورد من الخبرين مشكل بل ممنوع ; لأنّ الظاهر منهما بيان الحكم على القاعدة لا على خلافها على نحو التخصيص ، كما يظهر من لسانهما .

وكيف كان ، فالأمر في ذلك سهل بعد وجود الرواية الصحيحة ، وكونها المستند في الحكم تخصيصاً أو بياناً للقاعدة .

وعن أبي علي[1729] تخيير المجنيّ عليه بين قلع عيني صاحبه ودفع خمسمائة دينار ، وقلع إحداهما وأخذ ذلك ، وهو ـ مع شذوذه ، وعدم وضوح مستنده ، ومخالفته لظاهر النصّ السابق ـ غريب ، فإنّ العينين إمّا أن تساويا عينه فلا ردّ ، وإلاّ فلا قلع .

ونحوه ما في «المسالك» من أنّ «والقول الأوّل لا يخلو من قوة ، والرواية تصلح شاهداً مؤ يّداً بوجوب الدية لهذه الجناية كاملة على تقدير الخطأ»[1730] ، ضرورة صراحتها في القصاص ، فمع فرض كونها صالحة دليلاً فهي حجّة فيه ، وإلاّ فلا فيهما معاً .

ثانيها : تخيير المجنيّ عليه بين أخذ الدية كاملة وبين الاقتصاص وأخذ نصفها ، كما صرّح به غير واحد بل قيل : إنّه المشهور بين المتقدّمين حتّى كاد أن يكون إجماعاً منهم ، بل عن «الخلاف» : «والإجماع عليه»[1731] ، وهو الحجّة بعد ظهور الخبرين[1732] في ذلك الذي لا داعي إلى حملـه على التراضي ، إلاّ ما سمعته في قصاص النفس من كون الواجب القود ، وأ نّه لاتجب الدية إلاّ صلحاً الذي يمكن تخصيصه بما عرفت ، بل قد يقال بذلك في مطلق قصاص الطرف ، لتضمّن كثير من نصوصه التخيير المزبور الذي لاداعي إلى حمله على صورة التراضي ، فلاحظ وتأ مّل .

وعلى كلّ حال فليس له قلع العينين بعينه قطعاً نصاً[1733] وفتوى ، إلاّ ما سمعته من الإسكافي ، كما أ نّه لايقتضي ما ذكرناه هنا الردّ عليه عند الاقتصاص منه ; ضرورة وضوح الفرق بينهما بما أشار إليه(عليه السلام) مِنْ أنّ «الحقّ أعماه»[1734] ، ولعلّه لكونه عادياً هناك لم يستحقّ شيئاً ، بخلافه هنا فإنّه معتدى عليه .

ثالثها : ما ذكره ـ سلام الله عليه ـ من اختصاص الحكم بما تكون لعين الأعور دية كاملة كما كان خلقة أو بآفة من الله تعالى ، دون ما إذا قلع عينه قصاصاً ممّا ليس له إلاّ نصف الديه بلا خلاف أجده فيه ، على ما في «الجواهر»[1735] ، بل عن «الخلاف»[1736] و «الغنية»[1737] : الإجماع عليه .

ويدلّ عليه إطلاق النصوص أنّ في العين نصف الدية المعتضد بالاعتبار ، وبوضوح الفرق بين الخلقي وما ألحق به المشابه للأنف ونحوه ممّا هو عضو واحد ، وبين المستوفى عوضها مثلاً .

وعليه فلا وجه للاقتصاص إلاّ بالعين الواحدة المقابلة لعين الأعور كذلك فإنّ في كليهما نصف الدية ، ولا وجه لكونهما مشمولاً لصحيح ابن قيس[1738] وخبر عبدالله[1739] ، كما لايخفى .

(مسألة 23) : لو قلع عيناً عمياء قائمة فلايقتصّ منه ، وعليه ثلث الدية (17) .